شرح المنظومة الحائية لابن أبي داود (2)

بسم الله الرحمن الرحيم

شرح المنظومة الحائية لابن أبي داود (2)

الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيقول الناظم -رحمه الله تعالى-:

تمسك بحبل الله واتبع الهدى
ودن بكتاب الله والسنن التي
 
ج

 

ولا تك بدعياً لعلك تفلحُ
أتت عن رسول الله تنجو وتربحُ

تقدم شرح هذين البيتين في درس الأمس، وقلنا في مسألة أو في كلمة (تنجو وتربحُ) هل هي جواب الطلب أو جواب شرط مقدر؟ وعلى كلا الاحتمالين الواجب الجزم، وقد تقتضي ضرورة الشعر والوزن أن تشبع الحركة فيتولد عنها هذا، لكنها كيف تشبع وهي ساكنة؟ يعني لو كانت ضمة وأشبعت حتى صارت واواً هذا الإشباع، لكنها ساكنة، الأصل أنها ساكنة؛ لأنها جواب الطلب، بعضهم يقول: لعل..، يمكن أن يقدر: لعلك تنجو وتربح، وحينئذٍ يكون لا إشكال، والأمر -إن شاء الله- سهل، والتقدير مألوف في لغة العرب.

بعد هذا يقول الناظم -رحمه الله تعالى-:

وقل: غير مخلوق كلام مليكنا

ج

 

...................................

نحن الآن بين يدينا ثلاث نسخ، الطبعة الدمشقية التي هي أولى الطبعات، وطبعة المنار التي تليها طبعت بعدها بسنة، الدمشقية سنة ألف وثلاثمائة وخمسين، وطبعة المنار واحد وخمسين، وعندنا طبعة جديدة في مقدمة شرح الشيخ عبد الرزاق البدر، وهي طبعة ضبطها الشيخ، وتعب عليها.

بعد هذا يقول:

وقل: غير مخلوق كلام مليكنا
جج

 

بذلك دان الأتقياء وأفصحوا
ج

هكذا في الدمشقية، ونسخة الشيخ التي في مقدمة الشرح، وفي نسخة المنار طبعة الشيخ رشيد رضا يقول:

وقل: غير مخلوق كلام مليكنا
جج

 

بذلك دان الأولياء وأفصحوا
ج

الأولياء بدل الأتقياء.

وأشار الشيخ رشيد في حاشية النسخة علق عليها قال: وفي نسخةٍ الأتقياء كذا بهامش الأصل، مما يدل على أن الأصل الذي اعتمده فيه الأولياء.

يقول: "وقل" مثل قوله: "تمسك" أمر، ولا شك أن الأمر من المخلوق يقصد به امتثال أمر الخالق، لا أمر المخلوق؛ لأنه يتحدث على لسان الشرع؛ لأن المسألة شرعية، ووجوبها معلوم من الشرع.

وقل: غير مخلوق كلام مليكنا

 

 

...................................

كلام الله -جل وعلا- غير مخلوق، الذي هو القرآن، هذا معتقد أهل السنة والجماعة أن صفة الكلام لله -جل وعلا- غير مخلوقة، خلافاً لمن يقول بذلك من الجهمية والمعتزلة، سواءً قالوه صراحة، أو آل كلامهم إليه كالأشاعرة والماتريدية، فالذي عند أهل السنة أن كلام الله منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، وأن الله -جل وعلا- متصف بهذه الصفة، وأنه -جل وعلا- يتكلم متى شاء إذا شاء، وكلامه -جل وعلا- وإن كان قديم النوع بمعنى أنه تكلم في الأزل، فإنه متجدد الآحاد، يتكلم متى شاء -جل وعلا-.

والمعتزلة يقولون: مخلوق، يقولون: كلام الله مخلوق كسائر خلقه، ومثلهم..، هم الجهمية والمعتزلة يصرحون بهذا.

و"كلام مليكنا" كلام الله -جل وعلا-، من إضافة الصفة إلى الموصوف، والإضافة تقتضي التشريف بلا شك، سواءً كانت من الأوصاف، أو من الأعيان التي تستقل بنفسها، لكنها إن كانت من الأوصاف فليست مخلوقة، وإن كانت من الأعيان التي تستقل بذاتها كبيت الله وناقة الله، وعبد الله كل هذه مخلوقات، والمعتزلة يقولون: كل ما يضاف إلى الله -جل وعلا- مخلوق، سواءً كان صفة أو ذات مستقلة، فيجعلون كلام الله مثل ناقة الله وبيت الله، مثلها كلها مخلوقة؛ لأنها من إضافة المخلوق إلى خالقه، وأهل الحلول والاتحاد يرون العكس، كلما يضاف إلى الله -جل وعلا- فهو وصف من أوصافه؛ ليصلوا بذلك إلى تقرير مذهبهم الفاسد، وأن الله -جل وعلا- متحد في مخلوقاته، وأنه لا خالق ولا مخلوق، يعني لا فرق بين الخالق والمخلوق، -نسأل الله السلامة والعافية-.

وأهل السنة وسط بين المذهبين، بين الطرفين، فهم يرون أن من الإضافات ما هو إضافة وصف من الأمور التي لا تستقل بذاتها، وبين ما هو مخلوق ذات تستقل بنفسها، فهذه مخلوقة.

وقل: غير مخلوق كلام مليكنا

 

...................................

المليك والملك والمالك شيء واحد، والله -جل وعلا- مالك الملك في الدنيا والآخرة، ومن ملك من العبيد من الخلق فإنما هو بتمليك الله -جل وعلا- إياه، فالعبد وإن ملك المال إلا أنه مال الله، والمليك فعيل صيغة مبالغة، ومثلها ملك فَعِل، لكن هل ورد المليك في أسماء الله -جل وعلا-؟ ورد مالك الملك {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ} [(26) سورة آل عمران] وورد ملك {مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [(4) سورة الفاتحة] في القراءة المتواترة، فهل ورد مليك؟ نعم؟

طالب:.......

أين؟

طالب:.......

نعم؟

طالب:.......

قراءة "عند مليك" قراءة من؟

طالب:.......

كيف؟

طالب:.......

"عند مليك" نعم.

طالب:.......

كيف؟

طالب:.......

نعم ((رب كل شيء ومليكه)) والقرآن أبلغ وأوضح وأشهر.

وقل: غير مخلوق كلام مليكنا
جج

 

بذلك دان الأتقياء وأفصحوا
ج

بذلك دانوا وتعبدوا واعتقدوا.

الأتقياء: جمع تقي، وفي النسخة الأخرى الأولياء جمع ولي، الأتقياء جمع تقي، والتقي من اتصف بصفة التقوى التي هي فعل المأمورات وترك المحظورات، دانوا بذلك، قالوا به، واعتقدوه، وأفصحوا به، وبينوه للناس، ودعوا الناس إليه، وأودعوه في مصنفاتهم، وردوا على مخالفيهم، كل هذا حصل منهم من الأتقياء، ومن الأولياء على النسخة الأخرى، والأولياء جمع ولي، والولي والتقي بمعنىً واحد، كل تقي ولي لله، العامل بطاعة الله -جل وعلا-، والتارك المجتنب للمحظورات هذا ولي.

...................................
ولا تكُ في القرآن بالوقف قائلاً

 

بذلك دان الأتقياء وأفصحوا
...................................

عرفنا أن مذهب الجهمية والمعتزلة القول بأن القرآن مخلوق، وقول الماتريدية والأشاعرة وإن لم يفصحوا به إلا أن كلامهم يؤول إليه، فكلامهم يؤول إلى القول بخلق القرآن، فهم يرون أن الكلام النفسي هو وصف معنوي، الكلام النفسي، وأما الكلام اللفظي فهذا عندهم إيش؟ نعم؟ عبارة أو حكاية، وهذا الكلام الملفوظ به واحد، عندهم لا يتغير، لكن إن عُبر عنه بالعربية صار قرآناً، وإن عبر عنه بالسريانية صار إنجيلاً، وإن عبر عنه بالعبرانية صار توراة، هذا كلامهم، ومقتضى هذا أن كل ما يوجد في القرآن يوجد في التوراة والإنجيل إلا أن اللغات تختلف، فعلى هذا لو ترجمت التوراة إلى العربية صارت مصحفًا مثل ما بأيدينا، والعكس لو ترجم القرآن إلى العبرانية أو السريانية صار توراة أو إنجيلاً، وهذا الكلام لا يمكن أن يوافق عليه عاقل، فحقيقة ما في الكتابين، أو ما في الكتب الثلاثة تختلف، فهل في التوراة والإنجيل سورة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [(1) سورة الإخلاص] باللغات الأخرى أو سورة تبت مثلاً، أو آيات نزلت لوقائع حصلت لهذه الأمة، لأناس بأعيانهم حصلت لهم هذه الوقائع، نزل بسببها القرآن {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [(1) سورة التحريم] يعني هل نقول: لو ترجمناها بالسريانية نجدها موجودة في التوراة أو الإنجيل؟ هل يقول بهذا أحد؟

ما يمكن أن يقول بهذا أحد، لكن هي اللوازم، هي لوازم المذاهب، وإذا التزم القائل بالقول بلوازمه الباطلة من باب تعصب للرأي، وأخذ العزة بالإثم يقع في مثل هذه الأمور، ولذا وقعوا في أشياء لا يمكن أن تصدر ولا عن مجنون، لكنهم لما ألزموا يلزم على كلامك كذا، قال: ويش المانع؟ وإلا فما معنى تقرير الأشعرية في كتبهم، ويكتبون بأيديهم وليس من باب الإلزام هم التزموا، ثم قرروا وكتبوا، عندهم أن الأعمى وهو بالصين يرى بقة الأندلس، يجوز أن يرى الأعمى وهو بالصين بقة الأندلس وهو صغار البعوض، يعني ما هو بتقول عليهم أبداً، هذا كلامهم بأقلامهم كتبوها؛ لماذا؟ قالوا: لأن الأسباب لا أثر لها، وجودها مثل عدمها، فالبصر سبب للإبصار، والإبصار يحصل عنده لا به، فإذا كان مجرد سبب، والسبب لا أثر له عندهم، لا قيمة له، وإنما يحصل المدرك والمبصر عنده لا به، ويش المانع أنه الشخص في أقصى المشرق يرى صغار البعوض في أقصى المغرب؟ لو تعرض هذا على من لا عقل له بالكلية يقر وإلا ما يقر؟ ما يمكن أن يقر، وقال بهذا كبار، يعني عقولهم تزن جبال، أئمة كبار في مذاهبهم، لكن العبرة بالزكاة لا بالذكاء.

هؤلاء الذين يقولون: لو ترجم القرآن، يعني الكلام واحد، كلام الله إذا عبر عنه بالعربية صار قرآناً، إذا عبر عنه بالسريانية صار توراة أو إنجيلاً، وبالعكس.

ورقة بن نوفل كان يقرأ الكتب السابقة من التوراة والإنجيل وينقلها إلى العربية ويترجم، لما نزلت سورة اقرأ على النبي -عليه الصلاة والسلام-، وقص عليه القصة بما في ذلك اقرأ، ذكر عن الملك أنه هو الناموس الذي أنزل على موسى، وما قال: إن سورة اقرأ معروفة عندنا، وكنا نقرأها في التوراة؛ لأنه يترجم التوراة هو، ويترجم الإنجيل، وهل يتصور أن يقول عاقل: إن الآيات التي نزلت بسبب قصص وحوادث لبعض الصحابة هي موجودة بأعيانها في التوراة والإنجيل إلا أنها بلغات أخرى؟ يمكن أن يقال مثل هذا؟ نعم؟

قصة المجادلة في الظهار هل هي نزلت على موسى بلغتهم، وعلى عيسى بلغتهم، وعلى محمد بلغته؟ ما يمكن أن يقول مثل هذا، لكنهم أرادوا أن يلبسوا على الناس؛ لئلا يرموا بما رمي به الجهمية من الكفر، الذين تقلد كفرهم خمسمائة عالم من أجل القول بخلق القرآن.

ولقد تقلد كفرهم خمسون في
 

 

عشر من العلماء في البلدانِ

وحكى اللالكائي عن هؤلاء الخمسمائة وقبله الطبراني كما قال ابن القيم فهم يريدون أن يفروا من القول الصريح فوقعوا فيه في النهاية.

وقل: غير مخلوق كلام مليكنا
ولا تكُ في القرآن بالوقف قائلاً
جج

 

بذلك دان الأتقياء وأفصحوا
كما قال أتباع لجهم وأسجحُوا
ج

أوضح من هذا أنه لماذا ينزل القرآن؟ لماذا ينزل الإنجيل وما فيه موجود في التوراة؟ يعني جميع ما في القرآن موجود في التوراة، وجميع ما في القرآن موجود في الإنجيل والعكس، ويش معنى نسخ الشرائع؟ يبقى لنسخ الشرائع قيمة؟ ومعناه أن الناسخ والمنسوخ في شرعنا موجود ناسخ ومنسوخ بنفسه في شرائعهم.

طالب:.......

لا، كلامهم باطل، لا حظ له من النظر، وبأدنى تأمل يسقط مثل هذا القول، لما كفر السلف الجهمية الذين قالوا بأن القرآن مخلوق، وشبهتهم راجت على بعض الناس، لا سيما وأنها دعمت بسلطة ملزمة، وخشي كثير من الناس من التكفير، يعني مع أن الشبهة راجت ودعمت بقوة، وقد يكون هناك تلبيس من بعض الناس أن هذا من طاعة ولي الأمر الذي تبنى هذه المسألة، يعني راجت هذه الشبهة، ووجدت قبولاً من بعض الناس، لا سيما الضعاف الذين لا يحتملون العزائم راجت عندهم هذه الشبه، وخشي بعضهم أن يرمى بالكفر لو صرح بأن القرآن مخلوق، فقال: هو يقف لا يقول مخلوق ولا غير مخلوق، يقف، ولذا قال:

ولا تكُ في القرآن بالوقف قائلاً

 

 

...................................
ج

يعني لا تصرح كما قالت الجهمية والمعتزلة ولا تقف، بل عليك أن تعتقد وتصرح وتفصح بأن القرآن كلام الله -جل وعلا- منزل غير مخلوق.

و لا تكُ في القرآن بالوقف قائلاً
ج

 

كما قال أتباع لجهم وأسجحُوا

حتى الواقفة جهمية؛ ولذا جاء عن الأئمة: من وقف في القرآن فهو جهمي، ما يعفيهم أنهم وقفوا، بل لا بد أن يُنقض القول الباطل، وأن يعتقد القول الصحيح، وأما الإنسان يقف مترددًا حائرًا، لا يترجح عنده الحق، ولا يبين له بأدلته الظاهرة المتكاثرة، هذا لا شك أن الوقف حيرة، هذا إذا أحسنا بهم الظن، وقلنا: إنهم تعارضت عندهم الأدلة فوقفوا، لكن الأدلة غير متكافئة، الأدلة صحيحة صريحة في أن الله -جل وعلا- يتكلم بحرف وصوت يسمع، فالذي يقف لا شك أنه نافٍ لكون القرآن كلام الله الذي نطق به بحرف وصوت، لكنه لا يستطيع أن يصرح بأنه مخلوق لئلا يكفر.

...................................
ج

 

كما قال أتباع لجهم وأسجحُوا

في بعض النسخ: "أسمحوا" المقصود أنه طابت أنفسهم بهذا القول، ولانت له، وتلقوه، وقالوا به، ومثلها في المعنى "أسمحوا" يعني سمحت أنفسهم وجادت وطابت بهذا القول، وأيضاً:

ولا تقل القرآن خلق قرأتُه

 

...................................

كذا في نسخة الشيخ رشيد؟ لا، طبعة الشيخ رشيد يقول: "ولا تقل القرآن خلق" ما يمكن قراءتها، ولا يستقيم البيت، مرسومة "قرائه" قاف راء ألف همزة على الكرسي على الياء، ثم بعد ذلك الهاء، ولا يمكن أن يستقيم بهذا المعنى، وفي النسخة الدمشقية التي هي أولى الطبعات:

ولا تقل القرآن خلق قراءةً
 

 

فإن كلام الله باللفظ يوضحُ

وفي نسخة الشيخ عبد الرزاق، وفي كثير من النسخ المطبوعة المتأخرة كذا:

ولا تقل القرآن خلق قرأته
ج

 

فإن كلام الله باللفظ يوضحُ
ج

فالاختلاف في قرأته وقراءةً وقرائه، أما بالنسبة للوزن فسواءً قلنا: قرأتُه أو قراءةً يستقيم -إن شاء الله تعالى-، وأما بالنسبة للمعنى فهو واحد.

ولا تقل القرآن خلق قراءةً

 

...................................

يعني مقروءاً، ملفوظاً به، مخلوق، والمقصود بهذا البيت...

يقول:

ولا تكُ في القرآن بالوقف قائلاً
ج

 

كما قال أتباع لجهم وأسجحُوا

في بعض النسخ بدلاً من قوله: "وأسجحوا" "وصححوا" -هكذا في نسخة الشيخ رشيد نعم وصححوا، وصححوا.

يقول: هنا يقول: قال الشيخ صالح الفوزان: بدلاً من خلق -اللي في بيتنا هذا- "ولا تقل القرآن خلق قراءةً"

يقول: بدلاً من خلق قرأتُه قال: خلقاً قراءةً.

"ولا تقل" هذه أمر بالقول يحتاج إلى مقول، والمقول جملة، القرآن خلق، مبتدأ وخبر، هذه الجملة هي مقول القول، أما ما نسب للشيخ قال: ولا تقل القرآن خلقاً قراءةً، وعلى كل حال المعنى واضح، وما عند الشيخ يحتاج إلى مراجعة، أما "لا تقل: القرآن خلق" هذه جملة هي مقول القول، القرآن خلق هذا مبتدأ وخبر هي الجملة التي هي مقول القول.

"وقراءةً" ويش يصير تمييز وإلا حال؟ أما (قائلاً) فهي خبر (تكُ) "ولا تك بالقرآن بالوقف قائلاً" هذه خبر (كان).

ولا تقل القرآن خلق قراءةً
 

 

 فإن كلام الله باللفظ يوضحُ

المقصود بهذا البيت أنه وجد من يقول: لفظي بالقرآن مخلوق، ووجد من يقول: لفظي بالقرآن غير مخلوق، واللفظ مصدر يطلق ويراد به التلفظ، ويطلق ويراد به الملفوظ، فالمصدر يطلق على اسم المفعول كالحمل بمعنى المحمول، فإذا كان معنى اللفظ الذي هو المصدر بمعنى المفعول الذي هو الملفوظ به وهو القرآن صار هو عين كلام جهم، معناه أن القرآن مخلوق عنده، وإذا كان المقصود به التلفظ الذي هو فعل القارئ فاللفظ من عمل العبد {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [(96) سورة الصافات] فلفظه لفظ القارئ من عمله، وعمله مخلوق، وإذا كان المقصود باللفظ الملفوظ به وهو القرآن، فإذا قال: مخلوق صار حكمه حكم الجهمية الذين صرحوا؛ ولأن هذا اللفظ مجمل يحتاج إلى بيان، فإن إطلاقه على الإجمال ممنوع؛ ولذا نهى عنه الناظم -رحمه الله تعالى-، ولذا جاء عن الأئمة أنه قال: من قال: لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي، وإن قال: لفظي بالقرآن غير مخلوق فهو مبتدع، وعلى كل حال هو موافق للمعتزلة على الحالين، إذا قال: لفظي بالقرآن والمراد به الملفوظ مخلوق وافق الجهمية والمعتزلة باعتبار قولهم إن القرآن مخلوق، وإذا قال: لفظي ويريد به التلفظ غير مخلوق وافق المعتزلة في أن العبد يخلق فعله، وليس بمخلوق لله -جل وعلا-، وعلى كل حال وعلى الاحتمالين اللفظ ممنوع، جاء تشديد الأئمة فيه، ووقع الخلاف القوي والنزاع بين الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- والإمام محمد بن يحيى الذهلي إمام من أئمة المسلمين، لكنه وقع في هذه المسألة، وقع خلاف وشقاق بينهما، فمثل هذا مما لا يجوز التلفظ به، لا لفظي بالقرآن مخلوق، ولا لفظي به غير مخلوق؛ لأنه ما من احتمال إلا ويرد فيه المنع على ما ذكرنا.

ولا تقل: القرآن خلق قراءةً
 

 

فإن كلام الله باللفظ يوضحُ

 

كلام الله هو الملفوظ به، وهو المقروء، هو المتلو، وهو كلام الله -جل وعلا-، سواء حفظ في الصدور، أو قرئ وتلفظ به بالألسنة، أو كتب في الصحف، هو كله كلام الله -جل وعلا-، والصوت على ما يقول أهل العلم صوت القارئ، والكلام كلام الباري.

...................................
 

 

فإن كلام الله باللفظ يوضحُ

 

وإلا ما دام في الصدر فلا يدرك، ولا يعرف الحافظ من غير الحافظ إلا إذا قرأ، وما دام متردداً في النفس فإنه لا يسمى كلاماً أصلاً.

...................................
 

 

فإن كلام الله باللفظ يوضحُ

 

ابن حزم له كلام شنيع في هذه المسألة، وذكره ابن القيم في النونية، وهو أنه يرى أن القرآن..، أن عندنا أربعة قرآنات، ما هو بواحد، أربعة، المحفوظ قرآن، والمقروء قرآن، والمكتوب قرآن، والمسموع قرآن، ومذهبه في هذه المسألة رديء، وفي بعض مسائل الاعتقاد أيضاً كلامه خطير جداً.

وقل: يتجلى الله للخلق جهرة

 

...................................

يتجلى يتكشف بحيث يُرى الله -جل وعلا- للخلق في الجنة، يراه المؤمنون، ويحجب عنه الكفار، بل رؤية الله -جل وعلا- أعظم ما يتنعم به في الجنة، وأعظم ما يتنعم به في الجنة.

"يتجلى الله للخلق جهرة" لكن في الدنيا لا.

ولا يطيق أحد -شيء من مخلوقاته- أن يثبت أمام الباري -جل وعلا- {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا} [(143) سورة الأعراف] والله -جل وعلا- حجابه النور، وفي رواية: النار، ففي الدنيا لا يمكن أن يُرى، ولا يمكن أن يراه أحد حتى يموت، كما جاء في الحديث، والنبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((نور أنى أراه)) والمسألة خلافية بين الصحابة، منهم من يثبت رؤية النبي -عليه الصلاة والسلام- لربه، ومنهم من ينفي، والنفي أكثر، وأقوى في الاستدلال، والصحابة اختلفوا في هذا، وعائشة تقول: "من حدثكم أن محمداً رأى ربه فقد أعظم الفرية" وهو -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((نورى أنى أراه)) أما في الآخرة فالمؤمنون يرون ربهم، كما يُرى القمر ليلة البدر، صحواً ليس دونه سحاب.

وقل: يتجلى الله للخلق جهرة

 

كما البدر.........................

يعني كما يُرى البدر لا يخفى، البدر ليلة الست بعد ثمان كما يقول ابن القيم ليلة الرابعة عشر، ليلة كماله يرى إذا لم يوجد قتر ولا سحاب فإنه يرى واضحاً.

"لا يخفى وربك أوضحُ" ففي الحديث الصحيح الذي سوف يشير إليه الناظم -رحمه الله تعالى- من حديث جرير بن عبد الله البجلي، قال: كنا مع النبي -عليه الصلاة والسلام- في ليلة مقمرة، فقال بعد أن رأوا الهلال القمر قال: ((هل تضامون في رؤيته –أو تضارون-؟)) فيه أحد يصيبه ضرر أو ضيم، أو زحام، أو يمكن يرى أو لا يرى بالنسبة للقمر ليلة البدر؟ ما يمكن، قال: ((إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب)) وفي رواية: الشمس، في حديث آخر: الشمس، وهذا الحديث من أصح الأحاديث، متفق عليه، وله طرق، بل هو أحاديث حديث جرير وحديث أبي هريرة وحديث ابن عمر، وغيرها من الأحاديث، ونص بعضهم على أنه من المتواتر.

"كما البدر لا يخفى" إلا أن هذا التشبيه الوارد في الحديث إنما هو تشبيه للرؤية بالرؤية، وليس تشبيهاً للمرئي بالمرئي؛ لأن التشبيه لا يشترط فيه مطابقة المشبه بالمشبه به من كل وجه، لا يشترط في صحته أن يطابقه من كل وجه، قد يكون وجه الشبه من جهة، سواءً كانت من أوضح الجهات أو أدنى الجهات، في وجه الشبه، فأول زمرة تدخل الجنة على صورة البدر، يعني كأنهم البدر، لكن هل هناك مطابقة بين صورة ما يدخل الجنة والبدر؟ يعني في الوضوح والاستدارة والإنارة نعم، لكن هل البدر له أنف، وله عينان، وله فم؟ لا، فوجه الشبه من وجه.

أيضاً جاء تشبيه الوحي وهو محمود بالجرس وهو مذموم، إنما جاء التشبيه من وجه دون وجه، والأمثلة على هذا كثيرة، فالتشبيه هنا للرؤية بالرؤية، لا للمرئي بالمرئي.

...................................
ج

 

كما البدر لا يخفى وربك أوضحُ

أوضح من رؤية البدر، الآن لو في مكان على وجه الأرض شيء، والناس من حب الاستطلاع، الآن لو وقع حادث مثلاً، واجتمع الناس، وازدحم في الشارع من أجل أن يروا ما حصل، لا شك أنهم يتضامون ويتضارون ويتدافعون، ومنهم من يراه، ومنهم من لا يراه، هذا الحاصل في أماكن الزحام، لكن بالنسبة للبدر كل إنسان وهو في موقعه يراه من غير ضيم ولا ضرر.

"وربك أوضحُ" أوضح في الرؤية من القمر ليلة البدر.

وليس بمولود وليس بوالد

 

وليس له شبه تعالى المسبحُ

يعني ارتباط هذا البيت بالذي قبله والذي بعده من أي جهة؟

وليس بمولود وليس بوالد

 

...................................

هذا البيت لو استقل عما قبله وما بعده ما في إشكال {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [(3-4) سورة الإخلاص].

وليس بمولود وليس بوالد

 

وليس له شبه تعالى المسبحُ

لكنه وقع بين بيتين مرتبطين، أولهما في وجوب إثبات الرؤية، والثاني في إنكارها، فهل له ارتباط في مسألة الرؤية؟ نعم؟

...................................

 

وليس له شبه تعالى المسبحُ

لكن "ليس بمولود وليس بوالد" ما ارتباطها في مسألة الرؤية؟ نعم؟

طالب:.......

تشبيه إيش؟ "كما البدر لا يخفى وربك أوضحُ" هذا تشبيه للرؤية بالرؤية؛ لأن التشبيه دخل على الرؤية كما ترون، فهو تشبيه للرؤية، وبعد ذلك قال:

...................................

 

وليس له شبه تعالى المسبحُ

ارتباط ليس بمولود وليس بوالد، يعني لو جاء البيت متأخرًا عن المسألة بجميع ما فيها من أبيات سهل يعني ما بحثنا عن ارتباط، لكن البيت وقع بين بيت فيه إثبات الرؤية لله -جل وعلا-، وإنكار الجهمية لها، ودليل ثبوت الرؤية، هو ما بعد عرض لمن ينكر الرؤية، هو الآن قرر

وقل يتجلى الله للخلق جهرة
 
ج

 

كما البدر لا يخفى وربك أوضحُ
ج

"وليس بمولود وليس بوالد" نعم؟

طالب:........

نفي المشابهة وليس بوالد.

طالب:........

نعم.

طالب:.......

في كون الوالد والولد يرى، يعني لما وقع التشبيه في الحديث تشبيه رؤية الباري برؤية القمر قد يتخيل أو يتوهم الإنسان أنه ما دام القمر يولد وما دام يرى، فالوالد يُرى ويولد ويلد، فأراد أن ينفي هذا، لكن هذا فيه شيء من البعد، هذا لا يسلم من تكلف، يسلم هذا من تكلف؟ لماذا نص على نفي الولادة مثلاً؟ هنا ما نص على نفي الشبيه، ما نص على نفي النظير، ما نص على..، أنا أريد ما يربط هذا البيت بالذي قبله وما بعده، نريد رابط ظاهر، ما نريد شيئًا فيه تكلف أو تعسف، اللهم إلا إذا لم نستطع؛ لأن النسخ تتفق على أن هذا موضع هذا البيت، يعني ما يظهر ارتباط بين قوله:

وليس بمولود وليس بوالد

 

وليس له شبه تعالى المسبحُ

يعني مفاد الكلام أن البيت الأول الذي فيه التشبيه تشبيه الرؤية بالرؤية قد يخيل للإنسان أن فيه ضرب من تشبيه الخالق بالمخلوق، قد يتوهم السامع هذا الكلام، فأراد أن ينفي التشبيه من وجه آخر في الولدية والوالدية، ليس بمولود وليس بوالد، كما هو شأن الخلق، فإذا خالف الخلق في هذا أنه ليس بمولود وليس بوالد خالفهم في بقية الصفات، هذا لا شك أن فيه وجه شبه، لكن لو جيء بغير هذا المنفي يكون نفس الكلام الذي نقوله.

البيت الأول في إثبات صفة الرؤية، وتشبيه الرؤية بالرؤية، يعني التمثيل، التمثيل لرؤية الباري برؤية القمر تمثيل للرؤية بالرؤية، يعني أراد أن يقرر أنه لا وجه شبه بين المخلوق والخالق بنفي أخص ما للمخلوق من صفات وهي منفية عن الله -جل وعلا-، وهي كونه والد أو مولود، إذ لا ينفك عن ذلك أحد من المخلوقين؛ لأن بقية الصفات قد لا توجد في بعض الناس، نعم بقية الصفات قد لا توجد، لكن صفة يشترك فيها الناس كلهم إما والد وإما مولود، والله -جل وعلا- ليس بمولود وليس بوالد، فإذا انتفت هذه الصفة في جميع الناس فلأن ينتفي الصفات التي لا يشترك فيها جميع الناس من باب أولى، وهذا لا يسلم بعد من شيء من التكلف، وعلى كل حال البيت هكذا وجد.

وليس بمولود وليس بوالد

 

وليس له شبه تعالى المسبحُ

لأنه لما ذكر تشبيه رؤية الباري برؤية القمر أراد أن ينفي التشبيه، وأنه ليس الشبه أو التشبيه للمرئي بالمرئي، لا "وليس له شبه تعالى المسبحُ" والله -جل وعلا- لا يشبهه القمر، تعالى وتعظم وتقدس المسبح المنزه عن كل عيب ونقص بخلاف المخلوق، والتسبيح له شأن في الشرع، ومن الباقيات الصالحات سبحان الله، ومن قال في يوم: سبحان الله وبحمده مائة مرة حطت عنه خطاياه، وإن كانت مثل زبد البحر، وعلى كل حال التسبيح جاء الحث عليه كبقية الأذكار والجمل الأربع المعروفة، لكن التسبيح معناه التنزيه لله -جل وعلا- عن جميع ما لا يليق به.

وقد ينكر الجهمي هذا وعندنا

 

 

...................................

(قد) وتدخل على الماضي للتحقيق، وتدخل على المضارع وقد تكون للتقليل.

وقد تكون للتحقيق أيضاً، وقد تكون للتكثير {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ} [(18) سورة الأحزاب] هذا تحقيق وليس بتقليل، وهنا تحقيق ينكر الجهمي هذا، يعني الرؤية، ينكر رؤية الباري، والذي ينكر الرؤية ولا يستطيع أحد أن يتألى على الله -جل وعلا- لا سيما والمسألة مسألة كبيرة، إنكار الرؤية كُفّروا بسببها، كُفر الجهمية بسببها، إضافة إلى تكفيرهم بالقول بخلق القرآن.

مثل هذا الذي ينكر الرؤية الذي يغلب على الظن -والعلم عند الله تعالى- أنه يُحجب عنه، ومن ينفي الصفات عموماً على خطر عظيم؛ لأن الله -جل وعلا- في الموقف يتجلى لخلقه بغير صفته التي أنزلها في كتابه وعلى لسان نبيه -عليه الصلاة والسلام- ثم يقولون: لست ربنا، ثم يتجلى لهم بصفته فيسجدون، نعم أنت ربنا، فالذي ينكر الصفات ماذا يصنع في هذا الموقف؟ الذي ينكر الصفات ماذا يصنع؟ كيف يعرف الرب -جل وعلا- وهو لا يعترف بشيء من صفاته؟ إذا كان الجزاء من جنس العمل، الذي يشرب الخمرة في الدنيا لا يشربها في الآخرة، الذي يسمع الغناء في الدنيا لا يسمع غناء الحور العين، وهذه في أمور يسيرة وسهلة بالنسبة لما يتعلق بالله -جل وعلا-، فالذي ينفي رؤية الباري خليق وجدير بأن يحجب عنه، والذي ينكر الصفات كيف يعرف ربه إذا تجلى له في صفاته التي جاءت عنه وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام-؟ فالمسألة ليست سهلة.

وهذا الحديث بالنسبة للمبتدعة شأنه عظيم، يعني لو قيل لك: استقبل فلان بالمطار، هذا مثال لا شيء بالنسبة لما جاء في صفات الله -جل وعلا-، استقبل فلان في المطار، ثم طلعت تستقبله، وسألت الذي قال لك تستقبله: طويل، قصير، سمين، نحيف؟ تقول: والله ما أدري، طلع للمطار، ونزل الناس من الطائرة، ما يدري من يستقبل؟ ويش اسمه على شان ننادي عليه؟ قال: والله ما أعرف اسمه، واحد يبي يجينا من بلد كذا، كيف يستقبله هذا؟ كيف يعرفه من بين الناس، فإذا كان الله -جل وعلا وتقدس- عرفنا بصفاته في كتابه، وعلى لسان نبيه -عليه الصلاة والسلام-، نعرف أن له هذه الصفات، فالذي ينكر هذه الصفات كيف يعرفه بهذه الصفات؟ إذا تجلى بالصفات التي أنزلها في كتابه وعلى لسان نبيه -عليه الصلاة والسلام-، والمثال الذي ذكرناه مثال تقريبي وإلا لا نشبه الله بخلقه، لكن هو تشبيه للمعرفة بالمعرفة لا المعروف بالمعروف، هذا الذي طلع للمطار لا يعرف اسمه ولا يعرف لونه ولا طوله ولا حجمه ولا عرضه، ولا أي صفة من صفاته، كيف يستقبله في المطار هذا؟ يستطيع؟ نزلوا الناس أفواجاً من الطائرة، ما يعرف، فيرجع بدونه، وهذا الذي ينكر الصفات إذا تجلى الله -جل وعلا- لعباده يوم القيامة كيف يعرفه، فالمسألة جد خطيرة.

وقد ينكر الجهمي هذا وعندنا

 

 

...................................

ينكر الجهمي هذا، ويشترك مع الجهمية في إنكار الرؤية -وهي من عظائم الأمور- المعتزلة والخوارج، الخوارج ينكرون الرؤية، الإباضية يقولون بخلق القرآن، وينفون الرؤية كقول الجهمية والمعتزلة -نسأل الله السلامة والعافية-، وتداخلت المذاهب، وتأثر بعضها ببعض، فالإباضية الخوارج تأثروا بالمعتزلة، الرافضة أيضاً تأثروا بالاعتزال، الزيدية شابهم شيء من الاعتزال، بل وافقوا المعتزلة في كثير من القضايا، وهذه عقوبات لذنوب بعضها يجر بعض، وإلزامات مع التزامات، وقد سلم منها من وفقه الله -جل وعلا- للاعتقاد الصحيح.

"وقد ينكر الجهمي هذا" يعني مسألة الرؤية.

............................ وعندنا

 

بمصداق ما قلنا حديث مصححُ

هذه في نسخة دمشق الطبعة الأولى، وفي نسخة الشيخ رشيد رضا "حديث مصرِّح" وهو حديث بالفعل مصحح ومصرَّح به أو مصرِّح، فالحديث صحيح صريح في الصحيحين وغيرهما.

............................ وعندنا

 

بمصداق ما قلنا حديث مصححُ

أو مصرَّح أو مصرِّح.

"رواه جرير" جرير بن عبد الله البجلي الصحابي الجليل يوسف هذه الأمة.

"عن مقال محمد" -عليه الصلاة والسلام- يعني يرويه عن النبي -عليه الصلاة والسلام- ويرفعه إليه.

................عن مقال محمد
 
ج

 

فقل مثل ما قد قال في ذاك تنجحُ

يعني من قدوته وأسوته النبي -عليه الصلاة والسلام- فنجاحه وفلاحه مضمون، من كان قدوته فيما يفعل وفيما يذر، وفيما يعمل، وفيما يعتقد، من كان قدوته النبي -عليه الصلاة والسلام-، ومن كان هواه تبعاً لما جاء به النبي -عليه الصلاة والسلام- فهو الناجح وهو المفلح، أما من خالف ما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- سواءً كانت هذه المخالفة عن معاندة، أو كانت عن تأويل لا مسوغ له ولا دليل عليه، بل هو تحريف للنصوص، تحريف لألفاظها، تحريف لمعانيها، هذا لا ينجح ولا يفلح.

مسألة الكلام النصوص صريحة في القرآن في إثبات كلام الله -جل وعلا-؛ لما أراد الجهمي أن يحرف اللفظ في قول الله -جل وعلا-: {وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى} [(164) سورة النساء] قال: "كلم اللهَ" فحرف تحريفاً لفظياً، لكن إذا تسنى له أن يحرف مثل هذا فكيف يستطيع أن يحرف {وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} [(143) سورة الأعراف]؟ يستطيع؟ ما يمكن أن يستطيع، وقد رُد عليه بهذا، فهذا من تحريف اللفظ.

وتحريف المعنى في مسألة الكلام نظروا في المادة، مادة الكلام، وأن هذه المادة تطلق على عدة معاني، منها: التجريح ((ما من مكلوم يكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة...)) إلى آخره، يكلم يعني يجرح، فقالوا: نحمل الكلام هنا على التجريح، التكليم {وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [(164) سورة النساء] يعني جرحه، جرحه بإيش؟ قالوا: بأظافير الحكمة، هذا تحريف للمعنى -نسأل الله السلامة والعافية-، فعلى الإنسان أن يعتقد هذا الاعتقاد الصحيح، وأن يلهج بدعاء الله -جل وعلا- أن يثبته عليه إلى أن يتوفاه عليه.

الوقت جاء؟

 

إيه نقف على هذا، ونستأنف -إن شاء الله-.

"