شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (100)

 

إخوتنا وأخواتنا المستمعين الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، طابت أوقاتكم جميعًا بكل خير، وأهلاً بكم إلى حلقة جديدة ضمن برنامجكم: شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.

 

مع بداية حلقتنا نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور: عبد الكريم بن عبد الله الخضير، عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، فأهلاً ومرحبًا بكم شيخ عبد الكريم.

حياكم الله وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: توقفنا في الحلقة الماضية في حديث وفد عبد القيس عند شرح بعض الألفاظ العربية، عند قوله: "نخبر به من وراءنا". تحدثتم عن شيء من هذه الألفاظ، لعلنا نستكمل ما تبقى فيها -أحسن الله إليكم-.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"مَن وراءنا" (مَن) بفتح الميم موصولة في محل الرفع على الابتداء، إلى أن ذكرنا ما قاله العيني، ثم قال الكرماني: وفي بعض الروايات: مِن ورائنا بكسر الميم، قال العيني: إن صح ما قاله الكرماني فيحتمل أن تكون (مِن) لابتداء الغاية، بمعنى أن قومهم يكونون غاية لإخبارهم.

"وندخل به الجنة" قال الحافظ: سقطت الواو من "وندخل" في بعض الروايات، فيرفع (نخبر) ويجزم (ندخل) فمرنا بأمر فصل نخبرُ به من رواءنا...

المقدم: وندخلْ...

ندخل بدون واو، يكون هو جواب الطلب.

المقدم: إذا ما كان فيه واو؟

نعم، نخبر، بالرفع على ما تقدم، وبدون واو ندخل يكون جواب الطلب، سقطت الواو من "وندخل" في بعض الروايات فيرفع نخبر، ويجزم ندخل باعتبار أنه هو جواب الطلب، قال ابن أبي جمرة: "فيه دليل على إبداء العذر عند العجز" ابن أبي جمرة هذا مَن؟ مر بنا مرارًا؟

المقدم: محدِّث.

شارح؟ هو شارح البخاري؟ نعم له مختصَر، وقد شرح مختصره بشرح نفيس اسمه: بهجة النفوس وتحليها بمعرفة ما لها وما عليها، كتاب نفيس، والمؤلف لا يسلم من ملاحظات، والكتاب فيه ما فيه، لكنه يستفاد منه، ومر بنا مرارًا، يقول: فيه دليل على إبداء العذر عند العجز عن توفية الحق واجبًا أو مندوبًا، من أين؟ فيه دليل على إبداء العذر عند العجز عن توفية الحق واجبًا كان أو مندوبًا، من أين؟ إبداء العذر عند العجز، لا نستطيع أن نأتيك إلا في الشهر الحرام، وعلى أنه يُبدأ بالسؤال عن الأهم، أين؟

المقدم: سألوه عن الأشربة.

هم سألوه عن الأشربة، طيب أقول: سألوه عن الأشربة هذا الأهم؟ وسألوه عن الأشربة -وهذا سيأتي- هل هو الأهم؟ الأهم ما وجهم إليه النبي -عليه الصلاة والسلام-، سألوه عن الأشربة ففي جوابه -عليه الصلاة والسلام- ما يدل على أن السؤال عن الإيمان وملحقاته أهم من الأشربة، وعلى أن الأعمال الصالحة تُدخِل الجنة إذا قبلت "نخبر به من رواءنا، ونَدخُل به الجنة" فالأعمال الصالحة إذا قبلت صارت سببًا لدخول الجنة، {ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [سورة النحل 32] باء سببية، ليست من باب المجازاة والمقابلة، وإنما العمل الصالح سبب لدخول الجنة؛ لئلا يتعارض هذا مع قوله -عليه الصلاة والسلام-: «لن يُدخِل الجنة أحدكم عملُه» قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: «ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته».

قبول الأعمال يقع برحمة الله تعالى، ومن رحمة الله -جل وعلا- قبل ذلك التوفيق للعمل الصالح.

سألوه -صلى الله عليه وسلم- عن الأشربة، أي عن ظروفها، أو سألوه عن الأشربة التي تكون في الأواني المختلفة، سألوه عن الأشربة عن ظروفها، أو سألوه عن الأشربة التي تكون في الأواني المختلفة؟ فعلى التقدير الأول المحذوف المضاف، يعني سألوه عن ظروف الأشربة، فالمحذوف المضاف، وعلى التقدير الثاني الصفة، الأشربة التي تكون في الأواني، هذا هو المحذوف، هذا قرره القسطلاني، وقبْله العيني.

"فأمرهم -صلى الله عليه وسلم- بأربع خصال" أو جمل، لقولهم: حدثنا بجمل من الأمر، وهي رواية قُرَّة عند المؤلف كما في المغازي.

قال القرطبي: قيل: إن أول الأربع المأمور بها إقام الصلاة؛ هنا إشكال أطال العلماء في الإجابة عنه، ما وجه الإشكال؟ ماذا قال لهم؟ «آمركم بأربع» وفي الحديث: فأمرهم بأربع، نَعُد، أمرهم بالإيمان بالله وحده، وإقام الصلاة.

المقدم: وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، وأن تعطوا من المغنم الخمس، صارت خمس.

هذا إشكال، أطال الشراح في الجواب عنه.

يقول القرطبي: قيل: إن أول الأربع المأمور بها إقام الصلاة، أمرهم بإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، وأن تعطوا من المغنم الخمس، طيب أمرهم بالإيمان بالله وحده، كيف؟

المقدم: على اعتبار أنه لا تتم الأربعة إلا بهذا الإيمان.

أو لأنهم جاؤوا مؤمنين، فالمأمور به إقام الصلاة، وما بعدها تكون أربعة.

يقول: وإنما ذكر الشهادتين تبركًا بهما، كما قيل في قوله تعالى: {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ} [سورة الأنفال 41] في شيء يصل إلى الله غير ثوابه؟ {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ} [سورة الأنفال 41] {فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ} ما وجه تنظير الآية بما معنا؟ الآن هو يقول القرطبي: ذُكِرَ الإيمان بالله وحده، وشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، هذا من باب التبرك، كما قيل في قوله تعالى: {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ} [سورة الأنفال 41] يعني هو في الحقيقة ليس لله، نعم يُبتغَى به وجه الله، يُصرَف فيما يريده الله -عز وجل-؛ لكن ليس هذا النصيب الخمس هذا، ليس لله في حقيقة أمره، هذا وجه التنظير، يعني هل نستطيع إذا قسَّمنا الغنائم أن نقول: يترك هذا الخمس لله؟ يترك أو يرد على الأربع الباقية؟ يرد {لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا} [سورة الحـج 37] وهي لله -عز وجل-، يعني قُصِد بها وجه الله.

يقول: وإلى هذا نحا الطيبي فقال: عادة البلغاء أن الكلام إذا كان منصوبًا لغرض جعلوا سياقه له، وطرحوا ما عداه، وهنا لم يكن الغرض في الإيراد ذكر الشهادتين؛ لأن القوم كانوا مؤمنين مقرين بكلمتي الشهادة، ولكن ربما كانوا يظنون أن الإيمان مقصور عليهما، كما كان الأمر في صدر الإسلام، قال: فلهذا لم يعد الشهادتين في الأوامر، وإنما عد الأوامر من إقام الصلاة... إلى آخره.

فإن قيل: ظاهر ما ترجم به المصنِّف، ترجم المصنِّف بقوله: بابٌ أداء الخمس من الإيمان، فنقول: الإيمان ما يُعَد في الأوامر، ما هو قررنا أن الإيمان لا يُعَد في الأوامر؛ لكي ينطبق العد مع المعدود، فكيف يطابق الترجمة أداء الخمس من الإيمان؟ فإن قيل: ظاهر ما ترجم به المصنف من أن أداء الخمس من الإيمان يقتضي إدخاله مع باقي الخصال في تفسير الإيمان، والتقدير المذكور يخالفه، إذا قلنا: إن الإيمان ذكره جيء به للتبرك فكيف نقول: إن الترجمة أداء الخمس من الإيمان وأصل الإيمان ذكره هنا غير مقصود؟

أجاب ابن رُشَيْد، ابن رُشَيْد من هو ابن رُشَيْد؟ وما كتابه؟ تعرفون رحلة ابن رُشَيْد؟ أولاً: الكلام الذي أجاب به في ترجمان التراجم في تراجم الصحيح من أنفس ما كتب حول الصحيح، ونقل منه ابن حجر في مواضع، وأشار إليه في المقدمة، وأثنى عليه أهل العلم، هذا الكتاب، ورحلته اسمها: مِلْء العَيْبَة بما جُمِعَ بطول الغيبة، في خمسة مجلدات، رحلة مملوءة علمًا، وطبع ثلاثة، طبع منها ثلاثة.

أجاب ابن رشيد: بأن المطابقة تحصل من جهة أخرى، وهي أنهم سألوا عن الأعمال التي يدخلون بها الجنة، وأجيبوا بأشياء، منها: أداء الخمس، والأعمال التي تُدخِل الجنة هي أعمال الإيمان، فيكون أداء الخمس من الإيمان بهذا التقرير، هم سألوا عن أعمال يدخلون بها الجنة، من هذه الأعمال التي يدخلون بها الجنة أداء الخمس، فأجيبوا بأشياء، منها: أداء الخمس، والأعمال التي تُدخِل الجنة هي أعمال الإيمان فيكون أداء الخمس من الإيمان بهذا التقرير، فإن قيل: فكيف قال في رواية حماد بن زيد عن أبي جمرة: «آمركم بأربع: الإيمان بالله، وشهادة أن لا إله إلا الله» وعقد واحدة، الآن يحتمل أنه جيء بها للتبرك؟ يحتمل؟

المقدم: لا ما يحتمل.

وله في فرض الخمس: "وعقد بيده" فدل على أن الشهادة إحدى الأربع.

قال ابن حجر: وعلى هذا فيقال: كيف قال أربع والمذكورات خمس؟ أجاب القاضي عياض، تبعًا لابن بطال بأن الأربع ما عدا أداء الخمس، قال: كأنه أراد إعلامهم بقواعد الإيمان وفروض الأعيان، ثم أعلمهم بما يلزمهم إخراجه إذا وقع لهم جهاد؛ لأنهم كانوا بصدد محاربة كفار مضر، ولم يقصد ذكرها بعينها؛ لأنها مسببة عن الجهاد، ولم يكن الجهاد إذ ذاك فُرِض صار فرض عين.

قال: وكذلك لم يذكر الحج لأنه لم يكن فرض، وقال غيره: قوله: «وأن تعطوا» معطوف على قوله: «بأربع» "آمركم بأربع وأن تعطوا" الأربع مضبوطة، أمرهم بأربع ثم أن يعطوا.

وقال غيره: قوله «وأن تعطوا» معطوف على قوله: «بأربع» أي آمركم بأربع وبأن تعطوا، ويدل عليه العدول عن سياق الأربع بأن والفعل مع توجه الخطاب إليهم.

قال: «شهادة أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان» لو أراد أن ينسق إعطاء الخمس لقال: وإعطاء الخمس، لكن لما عدل عن النَّسَق عليها بمثل سياقها وعدل عن ذلك إلى أن وغيَّر الفعل قال: «وأن تعطوا» دل على أن إعطاء الخمس ليس معدودًا من الأربع.

ابن التين يقول: لا تمتنع الزيادة إذا حصل الوفاء بوعد الأربع.

يعني وعدهم بأربع وزادهم، وزادهم على الأربع فيه إشكال؟ الإشكال فيما لو وعد بأربع وأعطى ثلاث نقص.

قال ابن حجر: قلت: ويدل على ذلك لفظ رواية مسلم من حديث أبي سعيد الخدري في هذه القصة: «آمركم بأربع: اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا، وأقيموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وصوموا رمضان، وأعطوا الخمس من الغنائم» يعني على نَسَق ما تقدم.

وقال القاضي أبو بكر بن العربي: ويحتمل أن يقال: إنه عد الصلاة والزكاة واحدة، كيف؟ عد الصلاة والزكاة واحدة؛ لأنها قرينتها في كتاب الله، لكن هذا فيه بعد، تكلف ظاهر، وتكون الرابعة أداء الخمس، أو أنه لم يعد أداء الخمس لأنه داخل في عموم إيتاء الزكاة؛ والجامع بينهما أنهما إخراج مال معين في حال دون حال، وهذا أيضًا تكلف.

يقول البيضاوي: الظاهر أن الأمور الخمسة المذكورة هنا تفسير للإيمان، يعني قوله: «آمركم بأربع» ثم ذكر الإيمان وفسره بالخمس، طيب بقية الأربع الثلاث، الثلاث التي بقيت؟ أمرهم بالإيمان بالله وحده.

المقدم: الإيمان واحد، وتفسيراته التي هي الصلاة والزكاة...

نعم.

المقدم: والصوم والمغنم.

الخمس كلها تفسير للإيمان.

يقول البيضاوي: الظاهر أن الأمور الخمسة المذكورة هنا تفسير للإيمان، وهو أحد الأربعة الموعود بذكرها، والثلاثة الأخر حذفها الراوي اختصارًا أو نسيانًا، كذا قال، لكن هل إذا نسي أحد الرواة أو اختصر أحد الرواة، اختصار الحديث جائز، لكن هل يجوز لجميع الرواة أن يطبقوا على الاختصار، ويحذفوا ما الأمة بحاجة إليه مثل هذا؟ لا يمكن، هذا دين محفوظ؛ لأنه إذا قلنا: الرواة كلهم تتابعوا على الاختصار، أو الصحابة كلهم توافقوا على النسيان، هذا لا شك أن فيه تضييع شيء من الدين، والأمة بكاملها، معصومة من أن تضيع شيئا من دينها بكاملها، نعم قد ينسى فلان، وقد يختصِر فلان، لكن لا بد أن يوجد ما يغني عنه.

قال ابن حجر: وما ذكر أنه الظاهر لعله يحسب ما ظهر له، وإلا فالظاهر من السياق أن الشهادة أحد الأربع لقوله: "وعقد واحدة" هذا ظاهر، وكأن القاضي أراد أن يرفع الإشكال من كون الإيمان واحدًا، والموعود بذكره أربعًا، وقد أجيب عن ذلك بأنه باعتبار أجزائه المفصلة أربع، وهو في حد ذاته واحد.

المقدم: لكن ما نقل -أحسن الله إليك- في الحديث أنه عقد واحدة إلا في هذا الموضع، ما أكمل الراوي قال: وعقد الثانية والثالثة، ما أكمل؟

لا، ما ذكر إلا هذا، هذا الذي يظهر لي الآن.

«الإيمان بالله وحده» الإيمان باعتباره وما يدخل فيه من أعمال شيء واحد، ومن ذلك: آمركم بالله وحده وعقد واحدة، الإيمان واحد، باعتبار ذاته، وباعتبار أجزائه المفصَّلة المذكورة أربعة، وقد أجيب عن ذلك بأنه باعتبار أجزائه المفصلة أربع، وهو في حد ذاته واحد، والمعنى أنه اسم جامع للخصال الأربع التي ذكر أنه يأمرهم بها، ثم فسرها، فهو واحد بالنوع، متعدد بحسب وظائفه.

ما تستطيع أن تقول: إن الإسلام واحد، بحسب ذاته، وباعتبار أركانه خمسة، الإيمان بالله واحد، لكن باعتبار أركانه ستة وهكذا، ولذا قال: وقد أجيب عن ذلك بأنه باعتبار أجزائه المفصلة أربع، وهو في حد ذاته واحد، والمعنى أنه اسم جامع للخصال الأربع التي ذكر أنه يأمرهم بها، ثم فسرها، فهو واحد بالنوع، متعدد بحسب وظائفه، كما أن المنهي عنه، وهو الانتباذ فيما يسرِع إليه الإسكار، يعني إذا أتينا بالوصف الجامع للفروع، صار الوصف الجامع واحد، لكن إذا أردنا أن نذكر فروع هذا الوصف الجامع تعددت، ما نقول في كلام الله -عز وجل-، إذا نظرنا إلى نوعه أو إذا نظرنا إليه باعتباره صفة من صفات الله -عز وجل-، ألم نقل: إنه صفة واحدة؟

المقدم: بلى.

لكن هو متجدد الأنواع، متجدد الآحاد، فكل فرد من أفراد هذا الكلام واحد مستقل، يعني تكلم -جل وعلا- بالقرآن، تكلم -عز وجل- بالتوراة، تكلم بالإنجيل، تكلم ببقية الكتب، إذا نظرنا إلى هذه الأفراد قلنا: إنه متعدد، إذا نظرنا إلى أنه يجمعها كلها صفة الكلام قلنا: واحد، وليس معنى هذا قول من يقول أن كلام الله واحد، واحد بمعنى أنه تكلم في الأزل، ولا يتكلم إذا شاء متى شاء، تكلم في الأزل هذا الكلام يختلف باختلاف اللغة التي يعبَّر بها عنه، إن عُبِّر عنه بالعربية صار قرآنًا، إن عبر عنه بالعبرية، إن عبر عنه بالسريانية... إلى آخره، كما تقدم شرحه مرارًا، التوراة غير الإنجيل، والإنجيل غير القرآن، ومر بنا في حديث هرقل أن ورقة كان رجلاً كان تنصر يقرأ القرآن، أو يقرأ التوراة بالعربية، والإنجيل بكذا، هذا مر بنا ذكره سابقًا، ورددنا على قول من يقول: إن كلام الله واحد إلا باعتبار أنه صفة واحدة، تحتها أنواع من الكلام، أو أفراد من الكلام.

المنهي عنه:  "ونهاهم عن أربع" إذا نظرنا إلى الوصف الجامع قلنا: الانتباذ فيما يسرع إليه الإسكار صار شيئًا واحدًا، لكنه متعدد بحسب الأوعية على ما سيأتي، فمنه الحنتم والدباء النقير والمزفت... إلى آخره، والحكمة في الإجمال بالعدد قبل التفسير، يعني كون الإنسان يأتي بعدد مجمل، هنا: «آمركم بأربع» «أنهاكم عن أربع» ثم يفصل هذه الأربع، ما الحكمة؟ الحكمة في الإجمال بالعدد قبل التفسير أن تتشوف النفس إلى التفصيل، ثم تسكن إليه، وأن يحصل حفظها للسامع، فإذا نسي شيئًا من تفاصيلها طالب نفسه بالعدد، «آمركم بأربع» أراد الحفظ مثلاً «آمركم بأربع» ثم نسي واحدة في حفظه طالب نفسه بالرجوع إلى الأصل لينظر في ماذا ترك؟ «آمركم بأربع» ثم يأتي بثلاث أين الرابعة؟ وأن يحصل حفظها للسامع، فإذا نسي شيئًا من تفاصيلها طالب نفسه بالعدد الإجمالي الذي ذكره قبل، فإذا لم يستوفِ العدد الذي في حفظه علم أنه قد فاته بعض ما سمع.

ما يكون مثل الراوي الذي يقول: حث على خصلتين، نسيت واحدة، ونسي الأعمش الأخرى، أو نسي الأعمش واحدة، ونسيت الثانية، وبعد ذلك؟!

قال ابن حجر: وما ذكره القاضي عياض من أن السبب في كونه لم يذكر الحج في الحديث لأنه لم يكن فُرِض هو المعتمد، وقد قدمنا الدليل على قدم إسلامهم.

قال: «أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟» ثم قال: ونهاهم عن أربع عُطف على قوله: أمرهم، أي وأربع خصال، أمرهم بالإيمان بالله وحده، تقدم تعريف الإيمان، وأنه قول وعمل واعتقاد، ووحده حال، وهو مضاف على تقديره نكرة؛ لأن الحال يأتي معرفة أو ما يأتي؟ وحده هذا معرفة أو نكرة؟ وحد مضاف إلى الضمير، يجوز أن يأتي...

المقدم: الحال معرفة.

يجوز؟

والحال إن عُرِّف لفظًا فاعتقد  

 

تنكيره معنى كوحدك اجتهد         .

يعني اجتهد منفردًا لا بد من هذا.

قال -صلى الله عليه وسلم-: «أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟» ألقى عليهم السؤال ليتمكن الجواب من قلوبهم، فقوله -عليه الصلاة والسلام- «أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟» لماذا ألقى عليهم هذا السؤال؟ تقدم لنا في حديث جبريل أن الفائدة من طرح المسائل العلمية على طريقة السؤال والجواب من أجل أن يتمكن الكلام من قلب السامع، ولكي ينتبه إذا سئل، فينتبه للجواب، وقد يجيب المسؤول، وقد يرد العلم إلى عالمه، كما هنا، قد يجيب المسئول بجواب صحيح «أي يوم هذا؟» وقد يجيب بجواب لا يُقَر عليه، وإن كان صحيحًا في الجملة، صحيح عرفًا، لكنه شرعًا تختلف حقيقته الشرعية عن حقيقته العرفية، «أتدرون مَن المفلس؟» "من الرقوب؟" فأجابوا بما يعرفون كلام صحيح من لغتهم، لكن حقيقته الشرعية تختلف.

والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المقدم: مستمعي الكرام، بهذا أصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة، نستكمل -بإذن الله تعالى- ما تبقى في هذا الحديث في حلقة قادمة وأنتم على خير.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.