شرح مختصر الخرقي - كتاب الطهارة (05)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-....

قبل ذلك

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

يقول: "وكل إناء حلت فيه نجاسة من ولوغ كلب، أو بول، أو غيره فإنه يغسل سبع مرات إحداهن بالتراب" كل إناء التنصيص على الإناء لأنه ورد به النص ((إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم)) وهنا التخصيص أو التنصيص على الإناء يخرج غيره أو الحكم واحد؟ إذا ولغ في ثوب مثلاً، أو ولغ على أي متاع من الأمتعة بمعنى أنه لعقه بلسانه يأخذ الحكم أو يختص هذا بالإناء؟ يأخذ الحكم.

طالب:......

الإناء خرج مخرج الغالب؛ لأنه هو محل الماء الذي يلغ فيه الكلب، أو محل الطعام الذي يمكن أن يلغ فيه الكلب، ولو قلنا بأن له مفهوما هل هذا مفهوم؟ مفهوم ماذا؟ نعم؟

طالب:......

مفهوم صفة الإناء صفة وإلا لقب؟

طالب:......

ومفهوم اللقب معمول به أو لا؟

طالب:......

لا، لا يعمل به عند عامة أهل العلم.

"وكل إناء حلت فيه نجاسة من ولوغ كلب" من هذه بيانية "حلت فيه نجاسة من ولوغ كلب" هذه بيانية "أو بول أو غيره" يشمل جميع النجاسات، التنصيص على ولوغ الكلب من بين النجاسات، ومن بين سائر النجاسات؛ لأنه ورد فيه النص، أو البول، التنصيص على البول سبق الكلام في البول، بول الآدمي أو العذرة المائعة التنصيص عليه من بين سائر النجاسات؛ لأنه جاء ذكره في ((لا يبولن أحدكم في الماء الدائم)) من جهة، وأيضاً أمر علي أن تنزح البئر الذي بال فيها الإنسان، فورود مثل هذه النصوص يجعل للبول اختصاصاً بالتشديد، والتنصيص عليه دون غيره، ثم بعد ذلك يعطف عليه غيره من سائر النجاسات.

"فإنه يغسل سبع مرات إحداهن بالتراب" فعلى هذا لا فرق بين ولوغ الكلب وولوغ الخنزير وبول الكلب، وبول الخنزير، وبول الآدمي، وبول ما لا يؤكل لحمه، وأيضاً سائر النجاسات، لا فرق، النتيجة فإنه يغسل سبع مرات إحداهن بالتراب، كل هذا يغسل سبع مرات، كل النجاسات تغسل سبع مرات إحداهن بالتراب، الحكم لا يختص بولوغ الكلب، ولا ببول الكلب، ولا الخنزير الذي هو أشد نجاسة من الكلب، بل مقتضى قوله: "أو بول أو غيره" جميع النجاسات، فإنه يغسل سبع مرات إحداهن بالتراب، والنص ورد في ولوغ الكلب سبع مرات إحداهن بالتراب فهل يقاس عليه غيره كما فعل المؤلف -رحمه الله تعالى-؟ وجاء في الخبر: "أمرنا بغسل الأنجاس سبعاً" لكن هل هذا يعم النجاسات كلها أو يختص بالكلب؟ أولاً: الحديث فيه كلام لأهل العلم "أمرنا بغسل الأنجاس" فيه كلام لأهل العلم، الأمر الثاني: أنه جاء ما يخالفه، بول الأعرابي في المسجد أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- بإراقة سجل من ماء، أو ذنوب من ماء، أو دلو من ماء، فمثل هذا يطهر بمجرد إراقة الماء عليه، فلا يحتاج إلى سبع بالنص، والاستنجاء بثلاثة أحجار، ولا زيادة عليها إذا أنقى المحل، إذا لم ينق يزيد على ذلك، يزيد على الثلاث خمس، سبع إلى أن ينقي، وإذا كان هذا في الأحجار التي إزالتها للنجاسة أقل من الماء فالماء من باب أولى أن يكون ثلاثاً قياساً، من باب قياس الأولى على الأحجار، وهل قول المؤلف كل نجاسة تغسل بالماء سبعاً إحداهن بالتراب، راجح أو مرجوح فيما عدا ولوغ الكلب؟ قول مرجوح، ولوغ الكلب جاء فيه النص: ((إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً إحداهن أو أولاهن أو أخراهن أو عفروه الثامنة بالتراب)) روايات، وحيثما وجد التراب مع إحدى الغسلات أجزأ، وكونه في الأولى قد جاء التنصيص عليها أولى؛ ليأتي بعده الماء فيزيله، وينظف الإناء منه، وليباشر التراب لعاب الكلب الذي قرر الأطباء أن فيه جرثومة لا يزيلها إلا التراب، ففي لعاب الكلب جرثومة لا يزيلها إلا التراب، وهذا من دلائل النبوة، لا توجد مختبرات تبين مثل هذا الأمر في عهده -عليه الصلاة والسلام-، بحث الأطباء في هذه المسألة، ووجدوا أن هذا لا يزيله إلا التراب، تجدون في كتب الفقه أنه هل يقوم مقام التراب غيره من المنظفات كالصابون والأشنان وغيرهما، أو لا يقوم؟ كثير منهم يقول: يقوم؛ لأن المقصود التنظيف والمبالغة في التنظيف وبعض هذه أبلغ من التراب في إزالة القذر سواءً كان نجسا أو غير نجس، يعني متى يلجأ الناس لغسل اليد بالتراب بعد الأكل؟ إذا وجدوا صابونا أو إذا لم يجدوا صابونا؟ إذا لم يجدوا صابونا، فالصابون لا شك أنه أبلغ في إزالة مثل هذا، لا سيما المواد الدسمة التي لا تزول بالماء، لكن قرر الأطباء أن في لعاب الكلب جرثومة لا يقضي عليها إلا التراب، وهذا من دلائل النبوة، هذا منصوص عليه، فلا يكفي فيه إلا سبع غسلات تكون مع الأولى يكون مع الأولى التراب، أو مع إحدى الغسلات، وقد جاءت النصوص "بأولاهن"، "أخراهن"، "إحداهن"، عفروه الثامنة بالتراب، لكن كون العلماء يقولون: أولاهن أقوى وأرجح من حيث الثبوت ومن حيث النظر، منهم من يرى أن نجاسة لعاب الكلب لا يزيد على غيره، فيكفي فيه الغسل ثلاث مرات، وذكر هذا عن أبي هريرة، واحتج به من احتج من العلماء، مع أن أبا هريرة أيضاً أفتى بغسله سبعاً على ما روى، والعلماء يقررون أنه إذا اختلف رأي الراوي مع روايته فالعبرة بما روى لا بما رأى، ولا قول لأحد مع قوله -عليه الصلاة والسلام-، فإذا ولغ الكلب فإنه لا يطهر حتى يغسل سبع مرات مع التراب.

البول ذكرنا سابقاً أن من أهل العلم من يشدد فيه ومنهم المؤلف، ورواية في المذهب معروفة، والرواية الأخرى أنه كسائر النجاسات، وأنه ليس بأشد من بول الكلب، أو بول الخنزير، يغسل حتى تزول عين النجاسة، أو يغسل ثلاثاً على الحد الأعلى عند جمع من أهل العلم قياساً على الاستنجاء.

"أو بول أو غيره" جاء في دم الحيض: ((حتيه ثم اقرصيه بالماء)) وفي رواية: بالماء وماذا؟ والمحل، جاء أيضاً في رواية بالماء والملح، والملح لا شك أنه يزيل، عند أبي داود: ((بالماء والملح)) الملح مطعوم فهل يجوز استعماله في مثل هذا؟ إذا ثبت الحديث فلا كلام لأحد، وإذا قررنا أن دم الحيض نجس لوجوب غسله فكون المطعوم تزال به النجاسة ولا شك أن هذه حاجة لا يمتهن المطعوم لغير حاجة، فهل يسترسل في مثل هذا، ويقال: كل مطعوم يحتاج إليه في إزالة نجس، أو وسخ مثلاً يسترسل فيه، ويمتهن المطعوم؟

طالب:......

أو ترفه، مثلما يفعلون بالبيض مثلاً، بعضهم بالطماطم، وبعضهم بالزبادي وغيره، ترفه لنعومة البشرة فقط، يستعملون هذا، لا شك أن هذا الطعام إن كان مما يحتاجه الإنسان والحيوان فلا يجوز امتهانه ألبتة، لماذا؟ لأننا إذا منعنا من امتهان زاد الجن وعلف دوابهم فلئن نمنع من زاد الإنس من باب أولى، وقد نهينا عن الاستنجاء بالعظم والروث، العظم: زاد إخوانكم، والروث علف دوابهم، وجاء التشديد في هذا، فإذا منعنا من هذا فلئن نمنع من زاد الإنس من باب أولى، وحتى علف دواب الإنس يمنع امتهانها وتلطيخها بالنجاسات، أو استعمالها للترفه؛ لأن بعض الناس قد يستدل برواية أبي داود: ((بالماء والملح)) ثم بعد ذلك يتعدى هذا الأمر إلى غيره، علماً بأن الملح مع كونه مطعوماً لا يزيد على الماء، الماء مطعوم، والملح أصله الماء فلا يقاس غيره عليه، ولذا يأتون بالأكياس من الملح ويضعونها في البيارات، من أجل أن تفتح المسامات بحيث لا تمتلئ البيارة بسرعة، فهل يجوز مثل هذا أو لا يجوز؟ إذا لم يوجد غيره مثلاً، وتأذى الإنسان بنزح البيارة في كل أسبوع مثلاً، وجيرانهم يجلسون شهر شهرين ثلاثة، وتأذى بهذا فهذه حاجة، والملح أصله ماء، وجاء استعماله في إزالة دم الحيض، فيتسامح فيه أكثر، أما غيره فلا؛ لأن أصله الماء، وحينئذٍ يأخذ حكم أصله، وهو الماء وإن كان مطعوماً، الماء مطعوم.

"أو بول أو غيره" عرفنا أن المؤلف يجعل كل النجاسات حكمها حكم ولوغ الكلب تغسل سبعاً إحداهن بالتراب، وعامة أهل العلم بل جمهورهم على أن الحكم يختص بولوغ الكلب، ومنهم من يقيس عليه، بل يقول: من باب الأولى قياس الخنزير عليه، ولوغ الكلب هذا خاص بلسانه وهو أشرف ما فيه، أشرف ما فيه فمه، فهل يقاس على ذلك رجيعه وبوله الذي هو أسوأ من لعابه؟ أو يقال: إن النص خاص بالولوغ وما عداه لا يقاس عليه بحيث لو وقع الكلب كله أو رجله وهي مبتلة وقعت في إناء يغسل سبعاً أو يغسل ثلاثا؟ النص في الولوغ، لكن هل يقاس عليه سائر جسده؟

طالب: حديث ابن عمر.

نعم في البخاري: كانت الكلاب تقبل وتدبر وتبول، في بعض الروايات، لا في جميع روايات البخاري، في بعض الروايات الأصول الأربعة من الصحيح ما فيها: وتبول، لكن موجود في بعض الروايات: وتبول، وإذا بالت وتأكد من البول ومكانه فإن حكمه حكم بول الآدمي ينضح بالماء يصب عليه الماء كبول الآدمي؛ لأنه نجس اتفاقاً، فحكمه حكم بول الأعرابي، وهذه اللفظة لا توجد في جميع الروايات، بل هي في بعض الروايات من الصحيح، ما معنى الروايات؟ يعني أنها توجد في حديث دون حديث، أو في رواية من حديث دون رواية من حديث؟ لا، الرواة عن البخاري -رحمهم الله تعالى - الرواة عن البخاري، البخاري روي من طرق عديدة، سمعه من مؤلفه أكثر من تسعين ألفا، لكن الذي ضبطت رواياتهم عدد يسير، بعض هؤلاء الرواة أثبتوا هذه اللفظة عن البخاري، وبعضهم لم يثبتها، وعلى كل حال الأصول الأربعة ليس فيها: وتبول.

"أو بول أو غيره فإنه يغسل سبع مرات" وعرفنا أن غير البول لا يقاس عليه، البول وغيره لا يقاس على ولوغ الكلب، بل التسبيع خاص بولوغ الكلب، ولا يقاس عليه غيره؛ لأن التعبد فيه ظاهر، التعبد في العدد وفي التتريب ظاهر، ثم بعد ذلك ظاهر لمدة ثلاثة عشر قرنا؛ لأن البحث الذي بحث في منتصف القرن الماضي، وأثبت فيه أن في لعاب الكلب جرثومة لا يزيلها إلا التراب، ثم بعد ذلك ظهرت العلة، فإذا وجدت هذه الجرثومة التي لا يزيلها إلا التراب يلزم التتريب أو لا يلزم؟ أو نقول: النص خاص بولوغ الكلب؟ أولاً هذه العلة ليست منصوصة، والعلل التي تدور معها الأحكام هي العلل المنصوصة لا المستنبطة، وحينئذٍ يكون التسبيع مع التتريب خاص بولوغ الكلب، وما عدا ذلك فإنه معلق بزوال النجاسة، فإذا زالت يكفي، ولو قيل بالعدد، وأن الثلاث لا بد منها كالاستنجاء له وجه.

"وإذا كان معه في السفر إناءان" السفر مظنة شح الماء بخلاف الحضر، ولذا نص عليه المؤلف، وإلا فالحكم واحد سفراً كان أو حضراً "إناءان" هذه المسألة في الطبقات -طبقات الحنابلة- في ترجمة الخرقي بدل إناءان، قال: أتان، تصحيف شنيع "وإذا كان معه في السفر إناءان نجس وطاهر" أولاً هو يستعمل الطاهر بإزاء الطهور، يستعمل الطاهر، ولذلك قال في أول الباب: الطهارة بالماء الطاهر فهو يستعمل الطاهر بإزاء الطهور، ولم يتعرض لتقسيم الماء إلى الأقسام الثلاثة، ولذا ذكر ابن قدامه من زوائد الهداية على الخرقي التقسيم إلى ثلاثة أقسام.

"إذا كان معه في السفر إناءان نجس وطاهر"

طالب: هذه هداية ابن الخطاب؟

إي نعم إيه.

"نجس وطاهر" يعني طهور اشتبه عليه لم يستطع التمييز، وهذا جار على قوله، وعلى المشهور في المذهب وعند الشافعية أنه ينجس بمجرد الملاقاة، أما على قول من يقول: إنه لا ينجس إلا بالتغير لا يمكن اشتباهه، يمكن أن يشتبه؟ اللهم إلا إذا كان الاشتباه في اللون، واشتبه لون النجاسة بأن يكون لونها أصفر، وهناك مادة طاهرة لونها يميل إلى الصفرة، واشتبه في اللون، ظاهر أو ليس بظاهر؟ يمكن الاشتباه حينئذٍ، فإذا اشتبه إناءان نجس وطاهر يتحرى أو ما يتحرى؟ لا يتحرى؛ لأنه لو تحرى وأصاب النجس ما خرج سالما ازدادت النجاسة، يعني إضافة إلى حاجته إلى طهارة الحدث، الاحتياج إلى طهارته من الخبث، فلا تحري في مثل هذا "واشتبها عليه أراقهما وتيمم"

طالب:......

نعم؟

طالب:......

لو كان الطاهر قلتين فأكثر وأضافه إلى النجس طهر به، وارتفع وصف النجاسة، ما يرى في....

طالب:......

نعم، إيه أقل، إناء قليل.

"وإذا كان معه في السفر" عرفنا أن السفر مظنة شح الماء "إناءان" في أحدهما إناء طاهر يعني طهور، والثاني فيه ماء نجس، واشتبها عليه فإنه يريقهما ولا يتحرى، يريق الإناءين ويتيمم؛ ليكون عادماً للماء بيقين، وهذا ما مشى عليه المؤلف، وهو رواية في المذهب، والرواية الأخرى أنه لا يحتاج إلى إراقة، يعدل إلى التيمم، ولا يحتاج إلى إراقة، وجه الرواية التي ذكرها المؤلف أن معه ماءً طاهرا فليس بعادم للماء، وشرط التيمم أن يكون عادماً للماء {فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ} [(6) سورة المائدة] وهذا واجد للماء بيقين، هذا عنده ماء متيقن أنه طاهر، وجه هذه الرواية أنه لا بد من إراقتهما ليكون عادماً للماء بيقين، ووجه الرواية الأخرى أنه لا يحتاج إلى إراقة، يعدل إلى التيمم من غير إراقة؛ لأن وجود مثل هذا الماء كعدمه، فهو معدوم حكماً، افترض أنك على بئر فيه ألف قلة، وليس معك دلو ولا رشا ولا شيء، ولا تستطيع أن تنزع منه ماءاً تتوضأ به، أنت عادم للماء حكماً، وحينئذٍ تتيمم.

معك ماء قليل تحتاجه للشرب تستطيع استعماله، هو طهور بيقين، لكن إن توضأت به هلكت تعدل إلى التيمم، وأنت حينئذٍ عادم للماء حكماً، فلا يحتاج إلى إراقة، وقد يحتاج إليه، قد يضطر إليه للشرب مثلاً، وإذا اضطر إليه للشرب نقول: لا تشرب وأنت معك ماء يحتمل أن تشرب من النجس؟ المسألة ضرورة، فيتحرى حينئذٍ ويشرب.

طالب: عفا الله عنك في السفر هذا القيد له مفهوم؟

لا، ليس له مفهوم، إلا أن السفر هو مظنة شح الماء، أما في الحضر فقد يكون في الحضر ويكون عادما للماء، الحضر يعني....

طالب:......

نعم لأنه مظنة، هو الذي يظن فيه شح الماء، وإلى وقت قريب والماء ليس بموجود حتى في الحضر، يذهب الناس للبحث عنه في أماكن بعيدة، ويجلبونه إلى بيوتهم للطهارة وللشرب وللطبخ وللغسل وغيره.

في أحد معه المصور من الطبقات؟

طالب:......

اقرأ، وإلا هاته كله واحد.

هذا من الجزء الثاني، أو ما أدري والله الطبعة، هذه يمكن الطبعة الثالثة، لكن المعروف طبعة حامد الفقي أنصار السنة في أوائل الجزء الثاني.

يقول: المسألة الأولى مما يختلف فيه أبو بكر عبد العزيز غلام الخلال مع أبي القاسم الخرقي المؤلف في مسائل وأشرنا إليها سابقاً مائة إلا مسألتين.

المسألة الأولى: قال الخرقي: وإذا كان معه في السفر إناءان نجس وطاهر واشتبها عليه أراقهما وتيمم، وهي منصوصة، هذه الرواية ثابتة ومنصوصة عن الإمام، وعرفنا وجه هذه الرواية ليكون عادماً للماء بيقين، وبها قال أبو حنيفة، ووجها أن معه ماءاً طاهراً بيقين فلم يجز التيمم مع وجوده، كما لو كان عالماً به، مع أن هذا فيه ما فيه، يعني لا يستوي شخص لا يدري أيهما الذي يرفع حدثه مع العالم به، وفيه رواية ثانية: لا تجب الإراقة، اختارها أبو بكر غلام الخلال، ووجهها أن وجود الماء الطاهر إذا تعذر استعماله فبقاؤه لا يمنع التيمم كالماء الذي يحتاج إلى شربه، وكالماء الذي في قاع البئر يحتاج إلى دلو وأرشية وغير ذلك، فإنه حينئذٍ وجوده كعدمه، أو يكون مما لا يستطيع استعماله لمرض، أو شدة برد، أو ما أشبه ذلك، يعدل حينئذٍ إلى التيمم.

مسألة الاشتباه: إذا اشتبه طاهر بنجس أو طهور بنجس عرفنا الحكم، وهي المسألة التي معنا، لكن اشتبه طهور بطاهر، يقول العلماء: يتوضأ من هذا غرفة ومن هذا غرفة ويصلي صلاة واحدة؛ لأن الطاهر إن لم يكن مطهراً يعني على أقل الاحتمالات، وقد قيل بل له وجه: إنه مطهر، نعم فإنه لا يزيد، أقول: لا يزيد البدن مما يحتاج إلى إزالته، هو يزيل، وإن لم يزل حكماً عندهم، لكنه ينظف على كل حال، ولا يؤثر في الجسد مما تجب إزالته، فالطاهر قدر زائد على المطلوب الذي هو الطهور، الطهور موجود، قالوا: يتوضأ من هذا غرفة ومن هذا غرفة، وحينئذٍ يصلي صلاة واحدة.

طيب لماذا لا يتوضأ وضوءاً كاملاً من الطاهر ثم يتوضأ وضوءاً كاملاً من الطهور؟ نعم؟

طالب:......

لا يوجد نجس، طهور وطاهر، وقلنا: إنه يأخذ من هذا غرفة ومن هذا غرفة، يأخذ من هذا غرفة لوجهه، ويأخذ من هذا غرفة لوجهه، يأخذ من هذا غرفة ليديه وهكذا.

طالب:......

لا، لا، كامل.

طالب:......

كيف ما تعاد؟

طالب:......

نعم لتكون طهارته على وجه غير مشروع، لكن لو غسل العضو مرتين مرة من هذا ومرة من هذا مشروع، توضأ النبي -عليه الصلاة والسلام- مرتين مرتين، الأمر الثاني....

طالب:......

من يتكلم هنا؟

طالب:......

أيوه.

طالب:......

 النية تكون مصاحبة للوضوء من الطاهر أو من الطهور؟ هذا أيضاً له أثر.

في زوائد الهداية على الخرقي هذا كتاب اسمه: (الهادي) أو (عمدة الحازم في المسائل الزوائد عن مختصر أبي القاسم) مع أن الزائد عن أو على؟ زائدة عن كذا أو على كذا؟ على كل حال الكتاب لابن قدامه للموفق ابن قدامه صاحب المغني والكافي والمقنع والعمدة وروضة الأصول وغيرها، له كتاب اسمه (الهادي) جرد فيه الزوائد الموجودة في الهداية لأبي الخطاب على مختصر أبي القاسم الخرقي هذا، وهو كتاب مطبوع منذ ما يزيد على أربعين سنة لكنه غير مشهور ولا متداول، يعني على عناية من يعتني بالكتب، ويهتم بمثل هذا قد يفوته هذا؛ لأنه غير مشهور ولا متداول، وأهميته لمن يدرس مختصر الخرقي ظاهرة، وهذا النوع من التصنيف مسلوك عند أهل العلم سواءً كان في الحديث أو في الفقه، وأشرنا إليه في الدرس الأول، والنسخة التي معي من مختصر الخرقي جُلد معها كتاب اسمه: (زوائد الكافي والمحرر على المقنع) فالذي عنده المقنع يأخذ هذا الكتاب، ويكفيه عن الكافي والمحرر، وعرفنا أن هذا إنما يحتاج إليه بعد النهاية من مراحل الطلب، وإلا فالأصل أن الطلب يكون على الجادة، يقرأ متنا مختصرا في البداية مستوعب لجل المسائل التي يحتاج إليها طالب العلم، ثم يقرأ متنا أوسع منه يناسب المتوسطين، وفيه تلك المسائل التي درسها في المختصر الأول يعيدها لتثبت وتتضح، ويأخذ عليها قدرا زائدا تناسب تحصيله وسنه، ثم بعد ذلك إذا صار في الطبقة الثالثة من طبقات المتعلمين يأخذ كتابا أوسع، وفيه مسائل الكتابين السابقين، إذا انتهى ودرس كتب الطبقات الثلاث أو الأربع على اختلاف بينهم في التقسيم يقتصر على الزوائد، حينئذٍ لا مانع أن يقتصر على الزوائد، فيأخذ زوائد الكافي والمحرر على المقنع، ويكتفي بها عن الكافي والمحرر، ويأخذ زوائد الهداية، ويكتفي بها عن الهداية وهكذا.

في الهادي الذي هو عمدة الحازم للإمام الموفق -رحمه الله- يقول:

باب المياه: الماء ينقسم ثلاثة أقسام، وهذا التقسيم لا يوجد عند أبي القاسم في مختصره، وهو موجود في جميع كتب المتأخرين، المتون المتأخرة فيها هذا التقسيم، ومنهم من يقتصر على قسمين طاهر ونجس، ومنهم من يزيد الثلاث على الخلاف المعروف، ومنهم من يزيد الرابع المشكوك فيه كابن زرين وهكذا.

يقول: الماء ينقسم ثلاثة أقسام: ماء طهور، وهو الباقي على أصل الخلقة، سواءً نزل من السماء أو نبع من الأرض، فإن تغير بطاهر لا يمكن التحرز منه، أشرنا سابقاً في الدرس الأول إلى أننا في أثناء شرحنا للكتاب أو بعد النهاية من كل باب نشير إلى زوائد المختصرات المعتمدة كالعمدة والدليل والزاد لكن لما جربنا مشينا الآن أربعة دروس وما مشينا مشياً بيناً، الظاهر أن هذا يعوقنا عن المشي زيادة، فنعتني بزوائد الهداية التي فيها هذا المدون لهذا الإمام مع مختصر الخرقي، ونكتفي بهذا عن زوائد العمدة وزوائد الدليل وزوائد الزاد، وإن كان فيها ما يحتاج إليه طالب العلم.

يقول: "القسم الأول ماء طهور، وهو الباقي على أصل الخلقة، فإن تغير بطاهر لا يمكن التحرز منه كالتراب والطحلب -الذي ورد في السؤال قريباً- أو لا يخالطه" يمكن التحرز منه لكن لا يخالطه لا يؤثر فيه، لا يمتزج فيه، لا يؤثر لا في لونه، ولا في طعمه، ولا في رائحته كالدهن، الدهن إذا وقع في الماء يمتزج بالماء؟ لا يمتزج، وكذلك الكافور والعود فهو على طهوريته.

يقول: كيف نجمع بين قاعدتين: الراوي أعلم بما روى، والثانية: العبرة بما روى لا بما رأى؟

الراوي أعلم بما روى إذا اختلف تفسيره عن تفسير غيره لما روى قُدم فهو أعرف، وهذه القاعدة أيضاً أغلبية وليست كلية، ورب مبلغ أوعى من سامع، فهو أعلم بما روى إذا اختلف تفسيره للنص مع تفسير غيره، أما إذا خالف النص فالعبرة بالنص لا بمخالفته.

نعود إلى الزائد.

وإن سخن بنجاسة لا تصل إليه غالباً بأن كان الإناء محكماً فلا تصل إليه النجاسة ولا دخانها، ففي كراهية التطهر به روايتان، يعني إحداهما: يكره التطهر به، وذلكم لكراهية استعمال النجاسة، يعني مادة متنجسة لا تستفيد منها، فمزاولة النجاسات واستعمالها ولو كانت بإتلافها بالإحراق يكره عند أهل العلم.

الأمر الثاني: أنه قال: لا تصل إليه غالباً، وهناك احتمال مع هذا التغليب أنها تصل إليه، فالكراهة من هذه الحيثية، والرواية الأخرى أنه لا يكره التطهر به؛ لأن وصول النجاسة إليه احتمال ضعيف، لا سيما مع إحكام الإناء، وعلى القول بأن استعمال النجاسة في مثل هذا لا كراهة فيه، وهي جائزة لا وجه لكراهة التطهر به، وقد سُئل النبي -عليه الصلاة والسلام- عن شحوم الميتة، يستصبح بها الناس، وتطلى بها السفن، وتدهن بها الجلود، فقال: ((لا، هو حرام)) والحديث أوله عن البيع، فمن قال: (لا) يعود إلى جميع ما تقدم، أدخل فيها سائر وجوه الانتفاع، البيع والاستصباح والإدهان، ودهن السفن، والجلود، وما أشبه ذلك، فكل هذا ممنوع، ومن قال: (لا، هو) يعني البيع، جعل سائر الاستعمالات جائزا، وكان هذا هو المرجح عند أكثر أهل العلم، يجيزون ذلك، فعلى هذا التطهر به سائغ بلا كراهة.

القسم الثاني: ماء طاهر غير مطهر، وهو المستعمل في رفع حدث، وسبق الحديث عنه في شرح الكتاب، أو ما خالطه طاهر، الأول: وقع فيه طاهر مما لا يخالطه هذا لا إشكال فيه، يبقى على طهوريته، لكن لو خالطه؟ طاهر، فغلب على أجزائه، عندك إناء فيه ماء طهور وقع فيه كأس شاي أو لبن، أو حبر، أو ما أشبه ذلك، خالطته لكن ما غلبت على أجزائه يبقى أن من رآه قال: هذا ماء، والتغير يسير، هذا يبقى على طهوريته، لكن إذا غلب على أجزائه، سطل سكب فيه لتر ماء، لتر لبن مثلاً غلب على أجزائه اللون صار أبيض، فمثل هذا يكون طاهرا غير مطهر، فغلب على أجزائه أو طبخ فيه، إذا طبخ فيه لا بد أن يتأثر به، فإن استعمل في طهارة مستحبة كالتجديد، أو تغير طعمه أو لونه بطاهر كالزعفران ونحوه فهل يسلب طهوريته؟ على روايتين: فإن استعمل في طهارة مستحبة هذا لم يرفع حدثا، الطاهر غير المطهر المستعمل في رفع حدث، هذا استعمل في طهارة مستحبة لم يرتفع الحدث، أو في تبرد مثلاً، غسل تبرد، أو اغتسل فيه من لا يرتفع حدثه كالذمية مثلاً، مثل هذا لا يؤثر فيه؛ لأنه لم يرفع الحدث، فإن استعمل في طهارة مستحبة كالتجديد، أو تغير طعمه أو لونه بطاهر، هناك خالطه طاهر فغلب على أجزائه، وهنا تغير طعمه أو لونه بطاهر، يعني من غير مخالطة؛ لأنه لو صار من جراء مخالطة صار حكمه على ما تقدم طاهرا ليس بطهور، وهنا أو تغير طعمه أو لونه بطاهر كالزعفران ونحوه، لكن كيف يتغير طعمه أو لونه بطاهر من غير مخالطة؟ الريح قد تنتقل، ينقلها الهواء بمجاورة ميتة ينتقل، لكن اللون والطعم إن قلنا بمخالطة وممازجة انتهى صار الحكم حكم المسألة الأولى، أو نقول: حكم المسألة الأولى وهو ينتقل من كونه طهورا إلى طاهر إذا غلب على أجزائه، وهنا تغير طعمه أو لونه بما لا يغلب على أجزائه كالزعفران ونحوه فهل يسلب؟ تغير لكن ما غلب على لونه ولا طعمه ولا ريحه فهل يسلب طهوريته؟ على روايتين: الأولى أنه كما لو غلب على أجزائه؛ لأنه تغير، ولو كان التغير لا يسلبه اسمه، ولا يغلب على أجزائه، الحكم واحد، يعني صبيت كأس لبن في إناء، أو لتر لبن، اللبن يغير، يغلب على أجزائه، ويقلب لونه، البيالة ما تغير، لكنه تغير فيها مما لا يغلب على تسميته ولا على أجزائه، فهل هناك فرق بين الأمرين أو لا فرق؟ رواية تقول: لا فرق، والرواية الأخرى أن هناك فرقاً، والفرق ظاهر، التغير اليسير ليس مثل التغير الكثير.

القسم الثالث الماء النجس، وهو ما تغير بمخالطة النجاسة، فأما ما دون القلتين وهما خمسمائة رطل عراقي إذا خالطته النجاسة ولم تغيره فهل ينجس؟ على روايتين:

الرواية الأولى: أنه ينجس، وهي المشهورة في المذهب، وهي قول الشافعي، والرواية الثانية: أنه لا ينجس حتى يتغير، وهو قول الإمام مالك، وسبق الحديث في هذا، ومتى زال التغير بنفسه، ماء وقعت فيه نجاسة وأثرت في لونه، ورجع لونه كلون الماء المعتاد، ومتى زال التغير بنفسه، أو زال التغير بإضافة الماء الكثير، والماء الكثير قلتين، بقلتي ماء طهور يجري عليه أو ينزح، يعني سواءً أضيف إليه ماء كثير فزال التغير، أو نزح منه فبقي منه، فبقي بعد ذلك، قلنا: طهر، الصواب بقي بعده قلتان طهر، وإن طرح فيه تراب، أو شيء غير الماء فقطع التغير لم يطهر؛ لأنه لا يطهر إلا بالماء، الماء لا يطهره إلا الماء.

هذه الزوائد الموجودة في الهداية لأبي الخطاب على ما في المختصر.

نعود إلى مسألة الاشتباه، عندنا إناء طاهر وإناء نجس الذي قرره المؤلف أنه يريقهما، يريق الإناءين ويتيمم، والرواية الأخرى وذكرناها، لكن إذا اشتبه إناء نجس بإناءين طاهرين الحكم واحد أو لا؟ يتحرى حينئذٍ أو لا؟ هو اطرد هذا، إناء نجس مع ثلاثة مع أربعة مع عشرة مع مائة طاهرة، نعم؟

طالب:......

تطهر مرتين، قلنا: إنه إذا صار إناءين وتطهر مرتين ما ينفعه هذا.

طالب:......

لا، لا هذا اشتباه الطاهر بالطهور من هذا غرفة ومن هذا غرفة، لكن كيف يتوضأ بماء نجس، النجس يزيده، يعني لا يخفف مما عليه، أولاً: النجس لا يرفع الحدث، الأمر الثاني: أنه يلطخه بنجاسة {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} [(5) سورة المدثر] النجس لا بد أن يهجر ويترك {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [(4) سورة المدثر] لا بد أن تطهر ثيابك من هذه النجاسة.

لو اشتبه إناء واحد نجس باثنين، لا شك أن الكثرة تورث غلبة ظن، لكن ما زالت في دائرة الاحتمال القوي أن يستعمل النجس، احتمال قوي، لكن لو اشتبه بثلاثة أربعة خمسة عشرة، لو صار وجود هذا النجس يعني مثل عدمه، إناء نجس مع مائة طاهرة، افترض أنه مثلاً اغتسل أو توضأ بواحد أو باثنين أو بثلاثة، من ثلاثة مثلاً، وقال: إن واحدا منهن...، يعني ما يدريك لعل النجس يكون هو الأخير، فمثل هذا لا يسوغ الاجتهاد فيه، بخلاف اشتباه الأخت بالأجنبية، الميتة بالمذكاة، أخت بأجنبية، يريد أن يتزوج فوجد اثنتين إحداهما أخته بيقين، والثانية أجنبية بيقين، اثنتان احتمال قوي أن يتزوج أخته، حينئذٍ يُمنع، ميتة بمذكاة واحدة مع واحدة احتمال قوي، لكن لو اشتبهت أخته بأهل بلد، ذهب إلى مصر أو الشام أو للهند، ويعرف أن أباه ذهب إلى هناك قبل سنين وتزوج ورزق ببنت، لكن لا يدري عن أخبارها شيء، يترك بنات هذا البلد الكبير من أجل احتمال أن تكون أخته؟! مثل هذا الاشتباه مغمور، ويغلب على الظن أنه يقع أو يكاد يقطع بأن يقع على غير أخته، واحتمال كونها أخته ضعيف جداً، مع كونه يتحرى ويسأل ويستفصل.

طالب: .... هل يعمل به؟

هذه قرائن وليست أدلة، تكون مرجحة، لا يقطع بها، ولا يعمل بها على أساس أنها أدلة.

انتهى الوقت.

اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك....