شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (188)
المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبدهِ ورسولهِ نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوة والأخوات، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، أهلًا ومرحبًا بكم إلى حلقةٍ جديدة ضمن برنامجكم "شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح"، مع مطلع هذه الحلقة يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا ومرحبًا بكم فضيلة الدكتور.
حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.
المقدم: لا زلنا مع المستمعين الكرام في حديث أبي شُريح -رضي الله عنه- وتوقفنا في منتصف الحديث تقريبًا، ووعدنا المستمعين أن نستكمل في هذه الحلقة، وهذا أوان الوفاء بالوعد يا شيخ.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبدهِ ورسولهِ نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المقدم: اللهم صلِّ وسلم عليه.
أما بعد: فتقدم الحديث في الكلام على قوله: «حمد الله وأثنى عليه»، ثم قال: «إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس، فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دمًا».
المقدم: عفوًا يا شيخ كنا تكلمنا عن تحرمها الناس هل.
الشيخ: يحرمها أو تُحرمها.
المقدم: تصح الصياغة.
يجوز هذا وهذا، إذا أردنا الجمع فنقول: يحرمها الناس، وإذا أردنا الجماعة.
المقدم: تحرمها.
ولفظ مؤنث تُحرمها، «فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دمًا» يسفك بكسر الفاء وحُكي ضمها، وهو صبُ الدمِ والمراد به القتل. والسفكُ والسفحُ بمعنىً واحد، سفكُ الدم وسفحه.
المقدم: بمعنىً واحد.
بمعنىً واحد، والدم المسفوك والمسفوح شيءٌ واحد، والسفاك والسفاح المكثر من القتل المسرف فيه معناهما واحد، المراد بسفك الدم صبهُ، ويُقصد به القتل يقول ابن دقيق العيد: في شرح العُمدة إحكام الأحكام، وهذا الكتاب لابن دقيق العيد من أمتن الشروح، وأدقها عبارة، وأنفعها لطُلاب العلم.
المقدم: أحكام؟
إحكام الأحكام في شرح عمدة الأحكام.
المقدم: خرج محققًا في رسائل علمية يا شيخ أم لا؟
لا الذي خرج شرحه للإمام، وهو ناقص ما هو بكامل.
المقدم: ما هو بكامل.
نعم، شرح الإلمام ناقص، والموجود منه حُقق في رسائل علمية، أما شرح العُمدة فـ ما حُقق، لكن...
المقدم: وهو كامل يا شيخ؟
كامل في مجلدين مطبوع.
المقدم: نعم.
وعليه حواشٍ للصنعاني طُبعت معه في أربع مجلدات.
المقدم: ما شاء الله.
وهذا الشرح يُمرَّن عليه طالب العلم في شرح الأحاديث، شرح ليس بالمطول لكنه متين جدًّا، فإذا أتقنه الطالب سهُل عليه ما عداه، هو علم أقول: كتابٌ يجمع ما يتعلق بالأحكام شرحًا لهذا الكتاب العظيم على طريقة الفقهاء؛ بمعنى أنهُ يستعمل كل ما يحتاجه الفقيه في الاستدلال والاستنباط فيُرجع المسائل إلى أصولها وإلى قواعدها، ويُناقش، وهو كتابٌ في غاية الأهمية لطالب العلم، فيُمكن أن يُربى عليه طالب علم يُحسن التعامل مع النصوص.
يقول ابن دقيق العيد في هذا الكتاب: يؤخذ منه أمران؛ يعني من قوله: «أن يسفك بها دمًا»، أحدهما: تحريم القتال بمكة لأهل مكة؛ تحريم القتال بمكة لأهل مكة، وهو الذي يدل عليه سياق الحديث ولفظهُ، وقد قال بذلك بعض الفقهاء، تحريمُ القتال بمكة لأهل مكة يقول: وهو الذي يدل عليه سياق الحديث ولفظهُ وقد قال بذلك بعض الفقهاء، لماذا لم يقل به الفقهاء كلهم ما دام هو الذي يدل عليه الحديث؟ والكلام إنما سيق لأجلهِ؟ قال: القفال في شرح التلخيص في أول كتاب النكاح في ذكر الخصائص؛ الخصائص النبوية الفقهاء يجعلونها في كتاب النكاح، الخصائص النبوية مع أن لها كُتبًا مخصصة.
المقدم: صحيح.
أُلفت في الخصائص، والفقهاء جُّلهم يجعلها في كتاب النكاح؛ لأن خصائصهُ في هذا الباب أكثر من غيره وأظهر، يقول القفال: لا يجوز القتالُ بمكة، قال: حتى لو تحصن جماعةٌ من الكفار فيها لم يجُز لنا قتالهم فيها، حتى لو تحصن جماعة من الكفار فيها لم يجز لنا قتالهم فيها، وحكى المواردي أيضًا أن من خصائص الحرم أن لا يُحارب أهلهُ، إن بغوا على أهل العدل، فقد قال بعض الفقهاء: يحرمُ قتالهم، بل يُضيق عليهم حتى يرجعوا إلى الطاعة ويدخلوا في أحكام أهل العدل، وهذا مُقتضى قولهِ: «لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دمًا».
المقدم: يسفك بها دمًا.
قال: وقال جمهور الفقهاء: يقاتلون على البغي، شف في الأول قال: يحرم القتال بمكة لأهل مكة، وهو الذي يدل عليه سياق الحديث ولفظه وقال بذلك بعض الفقهاء.
المقدم: نعم.
يعني يُستغرب أن يكون هذا الذي يدل عليه السياق ويقول به بعض الفقهاء.
المقدم: بعض الفقهاء.
لكن الجمهور يقولون: يُقاتلون على البغي إذا لم يُنكر ردهم على البغي إلا بالقتال.
المقدم: والمقصود أهل مكة يا شيخ، المقصود قتال أهل..
سواء كان منها أو من الوافدين عليها.
المقدم: المهم يعني المقيم بمكة.
المقيم في مكة.
المقدم: وليس المقصود الخروج يعني خروج أهل مكة لقتال من حولهم، الآن المراد هو هذه الحمى؛ هذه الحدود.
المقصود أن هذه البقعة المشرفة لا يجوز القتال فيها.
المقدم: نعم.
وقال جمهور الفقهاء: يُقاتلون على البغي إذا لم يمكن ردهم عن البغي إلا بالقتال، يعني خرجوا على ولي الأمر، وقتال أهل البغي فرض على الإمام.
المقدم: ما يُشكل يا شيخ أن ربطه بأهل مكة.
أين؟
المقدم: كل الألفاظ السابقة قبل قليل رُبطت بأهل مكة، أنا أخشى أن يُفهم أن المقصود أهل مكة سواء كانوا في مكة أو خرجوا أو كان القتال بعيدًا.
لا لا، العبرة في البقعة.
المقدم: نعم.
ولذلك أهل مكة أو من أحدث منهم حدثًا يوجب القتل من ارتكاب حد أو قصاص يُضيق عليه حتى يُخرج منها.
المقدم: نعم.
على قول بعض الفقهاء، ومنهم من قال: يُقام عليه في مكة على ما سيأتي تفصيله، إن شاء الله تعالى؛ لأن قتال البغاة من حقوق الله تعالى التي لا يجوز إضاعتها فحفظها في الحرم أولى من إضاعتها، هذا قول جمهور الفقهاء، وقيل- الكلام لابن دقيق العيد- يقول: وقيل: إن هذا الذي نقله عن جمهور الفقهاء؛ النقل الذي قاله جمهور الفقهاء السابق المواردي، ونقله عنه ابن دقيق العيد.
وقيل: إن هذا الذي نقله عن جمهور الفقهاء نص عليه الشافعي في كتاب اختلاف في كتاب اختلاف الحديث من كُتب الأم؛ من كُتب الأم؛ كتاب اختلاف الحديث للإمام الشافعي -رحمه الله- هنا يقول: من كُتب الأم يعني من كُتب كتاب الأم، والمسألة خلافية ابن كثير يرى هذا الرأي؛ أن اختلاف الحديث كتاب من كُتب الأم، وكثيرٌ من أهل العلم يجعله كتابًا مستقلًا للإمام الشافعي.
المقدم: نعم.
يجعله كتابًا مستقلًا، ومما يدلّ على استقلاله أنه يوجد مُفردًا وله مُقدمة، وطبع على هامش كتاب الأم، لو كان من أبوابها لوجد معها وطُبع معها، في كتاب الأم في ثناياهُ كثير من مباحث هذا الكتاب؛ لأن هذا الكتاب موضوعه التوفيق بين الأحاديث المتعارضة يُسمى اختلاف الحديث عند أهل العلم، ومختلف الحديث.
المقدم: مختلف الحديث.
يُسمى هكذا، يقول: نص عليه الشافعي في كتاب اختلاف الحديث من كتاب الأم، من كُتب الأم ونص عليه أيضًا في آخر كتابه المسمى بسير الواقدي، وقيل: إن الشافعي أجاب عن الأحاديث بأن معناها تحريم، بأن معناها تحريم نص القتال عليهم وقتالهم بما يعمَّ كالمنجنيق وغيره، إذا لم يمكن إصلاح الحال بدون ذلك، بخلاف ما إذا انحصر الكفار في بلدٍ آخر فإنه يجوز قتالهم على كل وجه وبكل شيء، والله أعلم، يعني حملوا ما جاء في الحديث، ووجهوا كلام الشافعي المقتضي للمنع أن الآن جمهور الفقهاء يُقاتلون على البغي، ما فيه مُعارضة للحديث يسفك بها دمًا؟ فيها معارضة الشافعي يوجه ما جاء في الحديث على عدم مقاتلة على عدم قتالهم بما يعمهم كالمنجنيق، يعني يُفترض أن هناك أسلحة.
المقدم: المنجنيق.
تقتل قتلًا جماعيًّا.
المقدم: صحيح.
هذا الممنوع على هذا القول. أما القتل الفردي بالسلاح العادي على كلامهم.. على كلام الشافعي -رحمه الله- الذي نُقل عنه، وقتالُهم بما يعم كالمنجنيق وغيره إذا لم يمكن إصلاح الحال بدون ذلك بخلاف ما إذا انحصر الكفار في بلدٍ آخر، فإنه يجوز قتالهم على كل وجه وبكل شيء، والله أعلم، يقول ابن دقيق العيد: هذا التأويل على خلاف الظاهر القوي الذي دل عليه عموم النكرة في سياق النفي، أن يسفك بها فلا يحلّ... هذا نفي، ثم بعدها قال: إن يسفك بها دمًا، نكره في سياق النفي في قوله: «فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دمًا»، وأيضًا فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- بيَّن خصوصيته، وأيضًا فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- بيَّن خصوصيته لإحلالها له ساعةً من نهار وقال: فإن أحدٌ ترخص بقتال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقولوا: إن الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم؛ يعني أذن لرسوله بما حصل منه، ولم يأذن لكم، هذا معنى الحديث، أذن له بما حصل منهُ ولم يأذن لكم حتى بما حصل من النبي –عليه الصلاة والسلام-، وهل استعمل النبي - عليه الصلاة والسلام - ما يقتل بعامة كالمنجنيق؟ لا.
فإن أحدٌ ترخص بقتال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقولوا: إن الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم، فأبان بهذا اللفظ أن المأذون للرسول -صلى الله عليه وسلم- فيه لم يؤذن فيه لغيره، والذي أُذن للرسول -صلى الله عليه وسلم- فيه إنما هو مُطلقُ القتال، مُطلقُ القتال، يعني بأي آلةٍ كان، ولم يكن قتال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأهل مكة بمنجنيق وغيره مما يعمُّ كما حُمل عليه الحديث في هذا التأويل.
المقدم: نعم حمل عليه الحديث.
في هذا التأويل الذي ذكرناه.
المقدم: نعم لكن ما يُفهم تأويل أبي شُريح -رضي الله عنه-؛ لأن أولئك كانوا سيستخدمون المنجنيق وعُرف هذا عنهم، ممكن يقصد أيضًا تأويل أبي شُريح؛ لأنه ساق الحديث لهذا.
لكن دعنا نتعامل مع اللفظ النبوي هل في الحديث ما يُشير إلا القتل العام أو الإفراد؟
المقدم: ما في..
ما في.. فإن أحدٌ ترخص بقتال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقولوا: إن الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم، وأيضًا فالحديث وسياقهُ يدلُّ على أن هذا التحريم لإظهار حُرمة البقعة بتحريم مُطلق القتال فيها وسفك الدم، يعني هذا إذا كان القتال مستحقًّا للمقاتل، يعني بحق ما يكون كافر حربيًّا أو يكون باغيًّا.
المقدم: نعم.
نعم، فكيف إذا كان القتلُ أو القتالُ بغير حق؟ فالأمر أعظم؛ لأن القتال بحق مُختلفٌ فيه بين أهل العلم، يقول أيضًا: فالحديث وسياقه يدل على أن هذا التحريم لإظهار حرمة البقعة بتحريم مطلق القتال فيها وسفك الدم، وذلك لا يختص بما يستأصل، وأيضًا فتخصيص الحديث بما يستأصل ليس لنا دليلٌ على تعيين هذا الوجه بعينه؛ لأن يُحمل عليه الحديث؛ لأن هذا لم يحصل من قتال النبي –عليه الصلاة والسلام-، لم يحصل في قتال النبي –عليه الصلاة والسلام-، فإدخالهُ أو إدخاله من أجل النفي وإثبات ما عداهُ نفيٌ للواقع؛ لأن الحاصل بفعله -عليه الصلاة والسلام- في قتاله لأهل مكة هو الذي نفوه، وهو المأذون فيه للنبي -عليه الصلاة والسلام- لا لغيره، يقول: وذلك لا يختص بما يستأصل، وأيضًا فتخصيص الحديث بما يستأصل ليس لنا دليل على تعيين هذا الوجه بعينه؛ لأن يُحمل عليه الحديث، فلو أن قائلًا أبدى معنىً آخر وخص به الحديث لم يكن بأولى من هذا، لو جاء شخص وقال: المنجنيق لا بأس به؛ لأنه لا يقتل الناس بعامة، لكن مثل الأسلحة الكيماوية مثلًا.
المقدم: هذه أقوى.
هذه أشد فيُحمل الحديث عليه، يعني ليس بأولى قول من حمله على المنجنيق بأولى من حمله.
المقدم: على الكيماويات.
على الكيماويات مثلًا، ولذا يقول: فلو أن قائلًا أبدى معنى آخر، وخص به الحديث لم يكن بأولى من هذا، والأمر الثاني يستدل به أبو حنيفة في أن الملتجئ إلى الحرم لا يُقتل به لقوله -عليه الصلاة والسلام-: «لا يحل لامرئ أن يسفك بها دمًا»، وهذا عامٌّ تدخل فيه صورة النزاع؛ يعني لو أن شخصًا قتل خارج الحرم ثم لجأ إليه، أبو حنيفة يستدل بعموم الحديث على أن هذا الملتجئ إلى الحرم لا يُقتل؛ لعموم قوله -عليه السلام- «لا يحل لامرئ أن يسفك بها دمًا»، وهذا عام تدخل فيه صورة النزاع، يعني من أحدث في الحرم يُترك على أقوالهم، ومن قتل خارج الحرم ثم لجأ إليه يترك؟
المقدم: أبدًا.
بل يُلجأ إلى أن يخرج من الحرم فيقتل خارج الحرم، وذلك بالتضييق عليه انتهى كلام ابن دقيق العيد بطوله مع ما تخلله من كلام غيره، أقول: العموم الذي دلت عليه النكرة الذي أشار إليه ابن دقيق العيد أن يسفك بها دمًا في سياق لا يحل، نكرة في سياق النفي. أقول: العموم الذي دلت عليه النكرة في سياق النفي غير محفوظ نعم، بل مخصوصٌ بقتل غير الآدميين أن يسفك بها دمًا، لو قال قائل: إنه لا يجوز أن نذبح بهيمة الأنعام لعموم الحديث.
المقدم: نعم.
يمكن أو لا يُمكن؟
المقدم: على هذا المعنى.
لأنها نكرة في سياق النفي فتعم، لكن هذا العموم يُراد به الخصوص؛ لأن عندنا من العموم ما هو مخصوص، يعني ما هو محفوظ لم يدخلهُ تخصيص أصلًا، ولم يرد به الخصوص، ومنه من العموم ما هو مخصوص يعني جاء اللفظ العام ثم جاء ما يُخصصه، ومنه العامُ الذي أُريد به الخصوص. هنا جاء ما يُخصص بهيمة الأنعام، جاء ما يُخصصه، فالنبي –عليه الصلاة والسلام-.
المقدم: نحر.
جاء نحر الهادي، فالعموم مخصوص فهو غير محفوظ، بل مخصوصٌ بقتل غير الآدميين بهيمة الأنعام بالاتفاق، وإن كان تحريم قتل الصيد من ما يُعظم أمر قتل الآدميين نعم، ظاهر؟
المقدم: ظاهر.
وإن كان تحريم قتل الصيد مما يُعظم أمر قتل الآدميين.
المقدم: صحيح.
وترجم الإمام البخاري بقوله: بابٌ: لا يحل القتال بمكة؛ باب: لا يحل القتال بمكة، وقال أبو شُريح، وقال أبو شريح -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا يسفك بها دمًا». وذكر بإسناده حديث بن عباس -رضي الله عنهما- ومفادُهُ مثل ما جاء في حديث أبي شُريح، وهو دليل على ما دل عليه حديث الباب، و«أنه لا يحل فيه القتال، وإنما أُحل للنبي -صلى الله عليه وسلم- ساعةً من نهار»، والمقصود بالساعة الزمان؛ لأن من أول النهار إلى العصر هذه الساعة، ليس المقصود بها الساعة الفلكية التي هي ستون دقيقة، لا، قال ابن حجر: استدل به على تحريم القتل والقتال بالحرم، الحديث فيه «فإن أحدٌ ترخص لقتال»، «فإن أحدٌ ترخص لقتال» وابن حجر يقول: استدل به على تحريم القتل والقتال بالحرم، القتل والقتال حصلا منه -عليه الصلاة والسلام-.
المقدم: صحيح.
القتال حينما دخل مكة.
المقدم: مكة محاربًا مقاتلًا.
مقاتل والقتل؟
المقدم: قال: اقتلوه وإن تعلق بأستار الكعبة.
نعم بالنسبة لابن خطل، فحصل منه الأمران، استدل به على تحريم القتل والقتال بالحرم، فأما القتلُ فنقل بعضهم الاتفاق على جواز إقامة حد القتل فيها على من أوقعه فيها، فنقل بعضهم الاتفاق على جواز إقامة حد القتل فيها على من أوقعه فيها، يعني أوقع الحد، وخص الخلاف بمن قتل في الحل، ثم لجأ إلى الحرم. مع أن هذا يعضده الدليل أو لا يعضده؟
المقدم: يعضده.
يعضد الدليل مثل هذا؟
المقدم: الدليل قتل ابن خطل يعضده يعني يكون...
لا، قتل ابن خطل في الساعة التي استثنيت، يعني قتل ابن خطل وقتال النبي -عليه الصلاة والسلام- وحصول الأمرين القتل والقتال، إنما هو في الساعة التي استثنيت ونبه عليها النبي -عليه الصلاة والسلام-.
المقدم: نعم.
خص بعضهم الخلاف فيمن قتل في الحل ثم لجأ إلى الحرم، يعني الفرق بينهما أن من أحدث في الحرم انتهك.
المقدم: حرمة.
الحرمة.
المقدم: فيُقتل إذا كان قاتلًا.
نعم فيقتل.
المقدم: ويقام عليه الحد.
نعم لكن من قتل خارج الحرم هذا لم ينتهك الحرمة.
المقدم: انتهك حرمة الدم.
لا نقصد حرمة البقعة.
المقدم: البقعة طيب.
ما انتهك ولجوؤه إلى الحرم تعظيم للحرم.
المقدم: نعم.
فتخصيصهم الخلاف فيمن قتل في الحل ثم لجأ إلى الحرم؛ لأن وضعه أفضل ممن انتهك حرمة..
المقدم: الحرم.
البيت والحرم، وممن نقل الإجماع على ذلك ابن الجوزي.
المقدم: الإجماع على...
على إقامة حد القتل فيها.
المقدم: نعم.
ممن استحقه. وعمل ما يستحقُّ عليه القتل فيه، وذلك يكون بقتل النفس والردة -نسأل الله السلامة والعافية- والزنا بعد الإحصان. واحتج بعضهم بقتل ابن خطل ولا حُجة فيه؛ لأن ذلك كان في الوقت الذي أُحلت فيه للنبي -عليه الصلاة والسلام-، وزعم ابن حزم أن مقتضى قول ابن عمر وابن عباس وغيرهما أنه لا يجوز القتل فيها مُطلقًا؛ زعم ابن حزم أن مقتضى قول ابن عمر وابن عباس وغيرهما أنه لا يجوز القتل فيها مُطلقًا، ونقل التفصيل عن مُجاهد وعطاء؛ التفصيل السابق؛ لأن التفصيل إن كان الجريمة وقعت في مكة فيُقام عليه الحد، إن وقعت خارج الحرم ثم لجأ إليه لا يُقام عليه الحد، لكن هل معنى هذا أنه يُترك؟
المقدم: لا ما يترك.
لا يُترك. قال أبو حنيفة: لا يُقتل في الحرم حتى يخرج إلى الحل باختيارهِ؛ هذا كلام أبي حنيفة، لكن لا يُجالس ولا يُكلم ويوعظ ويُذكر حتى يخرج باختياره، ما يُضيق عليه، لكن لو قيل بهذا...
المقدم: لكانت ملجأ للقتلة.
عُطلت الحدود.
المقدم: نعم.
ولاجتمع فيها شرار الخلق.
المقدم: صحيح.
نعم، وقال أبو يوسف: يُخرج مضطرًا إلى الحل؛ يُخرج، وفعله ابن الزبير، وعن مالك والشافعي يجوز إقامة الحد مُطلقًا؛ لأن العاصي هتك حُرمة نفسهِ فأبطل ما جعل الله له من الأمن؛ وعن مالك والشافعي يجوز إقامة الحد مطلقًا فيها؛ لأن العاصي هتك حرمة نفسه، فأبطل ما جعل الله له من الأمن. وعن مالك والشافعي يجوز إقامة الحد مطلقًا فيها؛ لأن العاصي هتك حرمة نفسه، فأبطل ما جعل الله له من الأمن عرفنا مذهب أبي حنيفة قال: لا يقتل في الحرم حتى يخرج.
المقدم: نعم.
نعم باختياره، وأبو يوسف صاحبه؛ صاحب أبي حنيفة يقول: يُخرج مضطرًا إلى الحل، ولا شك أن في قول أبي حنيفة وأبي يوسف وقوفًا مع النص.
المقدم: لكن كلامهم على وجود الحاكم الذي يُقيم الحد، وجد يا شيخ هذا يتصور بوجود حاكم يقيم الحد، أم المقصود أنه يخرج ويقتص منه.
هو لا بُد من حاكم، ما يُقيم الحدود إلا الحاكم.
المقدم: هذا هو الأصل.
الحدود كلها لولي الأمر ليس لأحد فيها مدخل.
المقدم: يُضيق عليه من الناس يعني التضييق.
هو الأصل أنه إذا صدر الأمر من ولي الأمر بعدم مجالسة هذا الشخص أو مقاطعة هذا الشخص أنه يُقاطع تجب طاعته فيه.
المقدم: والتضييق يكون من ولي الأمر؛ من الحاكم.
من الحاكم يُصدر أمره إلى الناس بأن لا يُعامل ولا يُؤاكل ولا يشارب حتى يضطر إلى الخروج، إذا خشي على نفسه الهلاك خرج، وحينئذٍ لا يجوز إيواؤه.
المقدم: لكن فيه محظور يا شيخ في القبض عليه وإخراجه من...
هذا كلام أبي يوسف يُخرج مضطرًا وفعله ابن الزبير ما فيه محظور.
المقدم: وما المحظور في هذا يعني نظرة أبي حنيفة لما قلنا إنه وقف عنده..
{وَمَنْ دَخَلَهُ}.
المقدم: {كَانَ آمِنًا} [آل عمرن:97].
كان آمنًا.
المقدم: وكونه يُقبض عليه هذا فيه خلاف الأمن إذا قبض عليه وأخرج.
على رأي أبي حنيفة فيه معارضة للأمن.
المقدم: نعم، طيب لعلنا نكتفي بهذا -أحسن الله إليكم- فضيلة الدكتور على أن نستكمل بإذن الله ما تبقى من ألفاظ وأحكام هذا الحديث في حلقة قادمة، أيها الإخوة والأخوات، كنا وإياكم مع صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير في شرح كتاب "التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح"، نستكمل بإذن الله ما تبقى في حلقة قادمة وأنتم على خير، شكرًا لطيب متابعتكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.