شرح منظومة الزمزمي في علوم القرآن (08)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، سم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم اغفر لشيخنا، وارفعه، وانفعه بالقرآن العظيم، وإيانا والحاضرين والمستمعين، يا غفور يا رحيم.

قال الناظم -رحمه الله تعالى-: النوع الثالث: المجاز.

 منها اختصار الحذف ترك الخبر

 

 والفرد جمع إن يجز عن آخر

 واحدها من المثنى والذي

 

 عقل عن ضد له أو عكس ذي

 سبب التفات التكرير

 

 زيادة تقديم أو تأخير

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فيقول الناظم -رحمه الله تعالى-: "النوع الثالث: المجاز"، النوع الثالث من أنواع العقد الرابع، بعد أن أنهى الكلام على الغريب والمعرب، ذكر النوع الثالث ولم يذكر مقابله، ذكر المجاز ولم يذكر الحقيقة، لم يذكر المتقابلات، وهنا ذكر المجاز ولم يذكر الحقيقة، لماذا؟ هي الأصل، كل الكلام على أصله حقيقة، لكن ذكر ما يخرج عن هذا الأصل.

المجاز يعرفه من يقول به: استعمال اللفظ في غير ما وضع له، المجاز: استعمال اللفظ في غير ما  وضع له؛ إما من الجواز: وهو العبور والانتقال، من استعمال الحقيقة إليه، أو من التجوز.-

وإذا بحثنا في كتب اللغة هل نجد ما يدل على المعنى الذي يريدونه من هذه المادة؟ يعني: المسألة لغوية، فهل في، لو كان المسألة اصطلاح شرعي وعرف شرعي وحقيقة شرعية لا يلزم أن نجد ما يدل عليها في كتب اللغة، إلا أنه يوجد من بعد ما يدل على أصلها، لكن المجاز هل نجد تعريفه في كتب اللغة من العرب الأقحاح مما يستمسك به لمن يثبت المجاز؟ يعني: حينما قال: الإجازة: نوع من أنواع التحمل، الإجازة مأخوذة من أيش؟ قالوا: من الجواز: وهو العبور، لا بأس، لكن هذه حقيقة عرفية شرعية، عرف خاص عند أهل العلم، اصطلاح خاص، ولا يلزم أن يوجد لها ما يدل عليها بالمطابقة في لغة العرب.

وكثير من الاصطلاحات الشرعية يوجد ما يدل لأصلها، لكن ما يدل عليها بالمطابقة لا يمكن لا يلزم، مثلًا: الصلاة، الصلاة في الأصل: الدعاء، الصلاة الشرعية على الكيفية والهيئة المعروفة تختلف عن هذا، إلا أن الدعاء جزء من أجزائها.

فالحقائق الشرعية تشتمل على الحقائق اللغوية وتزيد عليها، كما قرر ذلك شيخ الإسلام في حقيقة الإيمان لغة وشرعًا في كتاب الإيمان، فهل في لغة العرب ما يدل على أن استعمال اللفظ في غير ما وضع له يسمى مجازًا؟ وهل يستعملون اللفظ في غير ما وضع له؟ أو نقول: إنهم إذا استعملوه في غير ما وضع له -من وجهة نظرنا- صار استعمالهم له فيما وضعوه له، يعني: حينما يضعون الأسد يريدون به الرجل الشجاع، الأسد حقيقته: الحيوان المفترس، فإذا أطلقوه على الرجل الشجاع، هل نقول: إن هذا استعمال في غير ما وضع له؟ من الذي وضع الأول؟ هو الذي وضع الثاني، فهم الذين وضعوه.

وعلى كل حال، الخلاف في استعمال المجاز ووجوده في لغة العرب، وفي النصوص مسألة خلافية، فيها المؤلفات وفيها الأقاويل والمقاولات بين أهل العلم من الأخذ والرد والتأييد والمعارضة.

ابن القيم -رحمه الله تعالى- عقد فصلًا في الصواعق، فصلًا مطولًا سمى فيه المجاز: طاغوت، طاغوت لماذا؟ لأنه بواسطته توصل المبتدعة إلى نفي ما نفوه عن الله -جل وعلا-، وأطال في هدم هذا الطاغوت.

الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله- له رسالة في: "منع جواز المجاز في المُنَزَّل للتعبد والإعجاز"، والمسألة معروفة عند أهل العلم، لكن لا مانع من أن نقرأ من كلام الشيخ الشنقيطي -رحمه الله- ما يفيدنا -إن شاء الله تعالى-.

هذه رسالة طبعت مستقلة، ثم طبعت في آخر الجزء في آخر التفسير، سمى هذه الرسالة: "منع جواز المجاز في المنزل للتعبد والإعجاز"، في أولها يقول -رحمه الله تعالى-:

(بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

الحمد لله الذي صان هذا الكتاب العزيز الجليل عن أن يقع فيه ما وقع في التوراة والإنجيل، من أنواع التحريف والتغيير والتبديل، وقال: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ* فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ* لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ}[الواقعة:77-79]، وقال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[الحجر:9].

أما بعد:

فإنَّا لَمَّا رأينا جُلَّ أهل هذا الزمان يقولون بجواز المجاز في القرآن، ولم ينتبهوا؛ لأن هذا المُنَزَّل للتَّعبُّد والإعجاز كله حقائق وليس فيه مجاز، وأن القول فيه بالمجاز ذريعة لنفي كثير من صفات الكمال والجلال، وأن نفي ما ثبت في كتاب أو سنة لا شك في أنه مُحال، أردنا أن نبين في هذه الرسالة ما يفهم منه الحاذق الذائق أن القرآن كله حقائق، وكيف يمكن أن يكون شيء منه غير حقيقة، وكل كلمة منه بغاية الكمال جديرة حقيقة!

{إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ * وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ}[الطارق:13-14]، أخباره كلها صدق، وأحكامه كلها عدل).

يقول: (المقصود من هذه الرسالة نصيحة المسلمين وتحذيرهم من نفي صفات الكمال والجلال، التي أثبتها الله لنفسه في كتابه العزيز، بادعاء أنها مجاز، وأن المجاز يجوز نفيه).

هذه من أقوى ما يبطل به المجاز، المجاز يجوز نفيه، إذا قلت: رأيت أسدًا، بالإمكان أن يقول قائل: كذبت، ما رأيت أسدًا، وكلامه صحيح وإلا باطل؟ كلامه صحيح؛ لأنه ما رأى أسدًا.

(وأن المجاز يجوز نفيه؛ لأن ذلك من أعظم وسائل التعطيل، ومعلوم أنه لا يصفُ الله أعلمُ بالله من الله: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلًا}[النساء:122]، وهذا أوان الشروع في المقصود، وسميته: منع جواز المجاز في المُنَزَّل للتعبد والإعجاز، ورتبته على مقدمة وأربعة فصول وخاتمة.

المقدمة: في ذكر الخلاف في وقوع المجاز في أصل اللغة، وأنه لا يجوز في القرآن على كلا القولين.

الفصل الأول: في بيان أنه لا يلزم من جواز الشيء في اللغة جوازه في القرآن، وذكر أمثلة لذلك.

الفصل الثاني: في الجواب عن آيات زعموا أنها من المجاز، نحو: {جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ}[الكهف:77].

الفصل الثالث: في الأجوبة عن إشكالات تتعلق بنفي المجاز ونفي بعض الحقائق، ويشتمل على أمور لها تعلق بالموضوع.

الفصل الرابع: في تحقيق المقام في آيات الصفات مع نفي المجاز عنها.

الخاتمة: في وجه مناظرة النافي لبعض الصفات بالطرق الجدلية.

المقَدِّمَة:

اعلم أولًا أن المجاز اختُلِفَ في أصل وقوعه، فقال أبو إسحاق الإسفرائيني وأبو عليٍّ الفارسيُّ: "إنه لا مجاز في اللغة أصلًا"، كما عزاه لهما ابن السُّبكي في جمع الجوامع).

يعني: أول من عرف في هذه التسمية والتصنيف في المجاز أبو عبيدة، ألف في مجاز القرآن ولم يعرف له سلف.

(وإن نقل عن الفارسيِّ تلميذه أبو الفتح: أن المجاز غالب على اللغات كما ذكره عنه صاحب "الضياء اللامع"، وكل ما يسميه القائلون بالمجاز مجازًا فهو عند من يقول بنفي المجاز أسلوب من أساليب اللغة العربية.

وإذا كان أسلوبًا مطروقًا في لغة العرب فهو حقيقة وليس بمجاز.

فمن أساليبها: إطلاق الأسد مثلًا على الحيوان المفترس المعروف، وأنه ينصرف إليه عند الإطلاق وعدم التقييد، بما يدل على أن المراد غيره.

ومن أساليبها: إطلاقه على الرجل الشجاع إذا اقترن بما يدل على ذلك، ولا مانع من كون أحد الإطلاقين لا يحتاج إلى قيد، والثاني يحتاج إليه؛ لأن بعض الأساليب يتضح فيها المقصود فلا يحتاج إلى قيد، وبعضها لا يتعين المراد فيه إلا بقيد يدل عليه).

يعني: مثل المشترك، المشترك: الذي يحتمل أكثر من معنى -على ما سيأتي-، الذي يعين المعنى المراد؛ إما قرينة تدل عليه، نعم، أو تصريح من المتكلم.

(وكل منهما حقيقة في محله، وقس على هذا جميع أنواع المجازات.

وعلى هذا، فلا يمكن إثبات مجاز في اللغة العربية أصلًا، كما حققه العلامة ابن القيم -رحمه الله- في "الصواعق"، وإنما هي أساليب متنوعة؛ بعضها لا يحتاج إلى دليل، وبعضها يحتاج إلى دليل يدل عليه، ومع الاقتران بالدليل يقوم مقام الظاهر المستغني عن الدليل، فقولك: رأيت أسدًا يرمي، يدل على الرجل الشجاع، كما يدل لفظ الأسد عند الإطلاق على الحيوان المفترس.

ولو قلت أيضًا: رأيت أسدًا يقرأ فتلثمت، يدل على أنك تريد أبخر، لكنه رجل وليس بأسد؛ لأن الأسد أبخر أيضًا)، هو أبخر إذا كانت رائحته التي تنبعث من فمه قبيحة يسمونه أبخر.

ثم إن القائلين بالمجاز في اللغة العربية ما يمنع أن يطلق حقيقة عندما يدل على ذلك، يعني: مثلما أطلقوه على الشجاع؛ لوجود وجه الشبه بينه وبين الأسد في الشجاعة، يطلقونه على الأبخر؛ لوجود وجه الشبه بينه وبين الأسد في الرائحة.

(ثم إن القائلين بالمجاز في اللغة العربية اختلفوا في جواز إطلاقه في القرآن:

فقال قوم: لا يجوز أن يقال في القرآن مجاز، ومنهم ابن خُوَيز مِنداد من المالكية، وابن القاص من الشافعية، والظاهرية.

وبالغ في إيضاح منع المجاز في القرآن الشيخ أبو العباس ابن تيمية، وتلميذه العلامة ابن القيم -رحمهما الله تعالى-؛ بل أوضحا منعه في اللغة أصلًا.

والذي ندين الله به ويلزم قبوله كل منصف محقق: أنه لا يجوز إطلاق المجاز في القرآن مطلقًا على كلا القولين.

أما على القول بأنه لا مجاز في اللغة أصلًا -وهو الحق- فعدم المجاز في القرآن واضح، وأمَّا على القول بوقوع المجاز في اللغة العربية فلا يجوز القول به في القرآن.

وأوضح دليل على منعه في القرآن: إجماع القائلين بالمجاز على أن كل مجاز يجوز نفيه، ويكون نافيه صادقًا في نفس الأمر، فتقول لمن قال: رأيت أسدًا يرمي، ليس هو بأسد، وإنما هو رجل شجاع، فيلزم على هذا بأن في القرآن مجازًا؛ أن في القرآن ما يجوز نفيه.

ولا شك أنه لا يجوز نفي شيء من القرآن، وهذا اللزوم اليقيني الواقع بين القول بالمجاز في القرآن وبين جواز نفي بعض القرآن قد شوهدت في الخارج صحته، وأنه كان ذريعة إلى نفي كثير من صفات الكمال والجلال الثابتة لله في القرآن العظيم.

وعن طريق المجاز توصل المعطلون لنفي ذلك فقالوا: لا يد، ولا استواء، ولا نزول، ولا نحو ذلك في كثير من آيات الصفات؛ لأن هذه الصفات لم ترد حقائقها بل هي عندهم مجازات، فاليد مستعملة عندهم في النعمة أو القدرة، والاستواء في الاستيلاء، والنزول نزول أمره، ونحو ذلك، فنفوا هذه الصفات الثابتة بالوحي عن طريق القول بالمجاز.

مع أن الحق الذي هو مذهب أهل السنة والجماعة: إثبات هذه الصفات التي أثبتها الله –تعالى- لنفسه، والإيمان بها من غير تكييف، ولا تشبيه، ولا تعطيل، ولا تمثيل.

وطريقُ مناظرة القائل بالمجاز في القرآن هي أن يقال: لا شيء من القرآن يجوز نفيه، وكل مجاز يجوز نفيه ينتج من الشكل الثاني لا شيء من القرآن بمجاز، وهذه النتيجة كلية، ومقدمتا القياس الاقتراني الذي أنتجها لا شك في صحة الاحتجاج بهما؛ لأن الصغرى منهما وهي قولنا: لا شيء من القرآن يجوز نفيه، مقدمة صادقة يقينًا لكذب نقيضها يقينًا؛ لأن نقيضها هو قولك: بعض القرآن يجوز نفيه، وهذا ضروري البطلان، والكبرى منهما وهي قولنا: وكل مجاز يجوز نفيه صادقة بإجماع القائلين بالمجاز، ويكفينا اعترافهم بصدقها؛ لأن المقدمات الجدلية يكفي في قبولها اعتراف الخصم بصدقها، وإذا صح تسليم المقدمتين صحت النتيجة التي هي قولنا: لا شيء من القرآن بمجاز، وهو المطلوب.

فإن قيل: كل ما جاز في اللغة العربية جاز في القرآن؛ لأنه بلسان عربي مبين.

فالجواب: أن هذه كلية لا تصدق إلا جزئية، وقد أجمع النظار.

وإيضاح هذا على طريق المناظرة، أن القائل به يقول: المجاز جائز في اللغة العربية، وكل ما جاز في اللغة العربية فهو جائز في القرآن، ينتج من الشكل الأول: المجاز جائز في القرآن.

فنقول: سلمنا المقدمة الصغرى تسليمًا جدليَّا؛ لأن الكلام على فرض صدقها، وهي قولنا: المجاز جائز في اللغة العربية، ولكن لا نسلم الكبرى التي هي قوله: وكل جائز في اللغة العربية جائز في القرآن، بل نقول بنقيضها، وقد تقرر عند عامة النظار أن نقيضَ الكلية الموجبة جزئية سالبة، فهذه المقدمة التي فيها النزاع، وهي قوله: كل جائز في اللغة جائز في القرآن، كلية موجبة منتقضة بصدق نقيضها الذي هو جزئيةٌ سالبة، وهي قولنا: بعض ما يجوز في اللغة ليس بجائز في القرآن، فإذا تحقق صدق هذه الجزئية السالبة تحقق نفي الكلية الموجبة التي هي قوله: كل جائز في اللغة جائز في القرآن، والدليل على صدق الجزئية السالبة التي نقضنا بها كليته الموجبة كثرة وقوع الأشياء المستحسنة في اللغة عند البيانيين، كاستحسان المجاز، وهي ممنوعة في القرآن بلا نزاع. فمن ذلك ما يسميه علماء البلاغة الرجوع؛ وهو نوع من أنواع البديع المعنوي، وحدَّه الناظم بقوله:

 وَسَمّ نقضَ سابق بلاحق

 

 لِسِرِّ الرجوع دُونَ ماحِقِ

فإنه بديع المعنى في اللغة عندهم وهو ممنوع في القرآن العظيم؛ لأن نقض السابق فيه باللاحق إنما هو لإظهار المتكلم الوَلَه والحيرة من أمر كالحب مثلًا، فإنه يظهر أنه ثاب له عقله وراجع رشده، فينقض كلامه الأول الذي قاله في وقت حيرته غير مطابق للحق، كقول زهير:

 قف بالديار التي لِم يُعْفِها القِدَمُ

 

 بلى وغَيَّرَها الأرواحُ والدِّيَمُ

فقوله: "بلى وغيَّرَها" إلى آخره، عندهم ينقض به قوله: "لم يُعْفِها القدم" إظهارًا؛ لأنه قال الكلام الأول من غير شعور، "ثم ثاب إليه عقله فرجع إلى الحق" وهذا بليغ جدًا في إظهار الحب والتأثر عند رؤية دار الحبيب، ولا شك أن مثل هذا لا يجوز في القرآن ضرورة "ومن الرجوع..." إلى آخره.

هو يريد أن يثبت أن هناك من الأساليب ما يستساغ في لغة العرب، ولا يجوز نظيره في القرآن، فليكن المجاز من هذا النوع، هو ذكر لهذا أمثلة كثيرة -رحمه الله-، وإذا ذكر شيئًا استطرد فيه، ثم ذكر أشياء ذكروها أمثلة للمجاز.

فإن قيل: ما تقول أيُّها النافي للمجاز في القرآن في قوله تعالى: {جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ} [(77) سورة الكهف] وقوله: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [(82) سورة يوسف] وقوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [(11) سورة الشورى]... الآية، وقوله: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} [(24) سورة الإسراء]... الآية.

فالجواب: أَنَّ قوله: {يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ} [(77) سورة الكهف] لا مانعَ من حمله على حقيقة الإرادة المعروفةِ في اللغة؛ لأَنَّ الله يعلمُ للجماداتِ ما لا نعلمُه لها، كما قال تعالى: {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [(44) سورة الإسراء].

وقد ثبت في صحيح البخاريَ حنين الجذْع الذي كان يخطبُ عليه - صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وثبتَ في صحيحِ مسلم أنَّه -عليه الصلاة والسلام- قال: ((إني أعرفُ حَجَرًا كانَ يسلمُ عَلَيَّ في مكةَ)).

وأمثالُ هذا كثيرةٌ جدًّا، فلا مانِعَ من أن يَعْلمَ اللهُ -جل وعلا- من ذلكَ الجدار إرادة الانقضاض،

ويُجابُ عن هذه الآية -أيضًا- بمَا قدَّمنَا من أنَّه لا مانعَ من كونِ العرب تستعملُ الإرادةَ عنْدَ الإطلاق في معناها المشهورِ، وتستعملُها في الميلِ عند دلالة القرينة على ذلك، وكلا الاستعمالين حقيقةٌ في محلِّه، وكثيرًا ما تَستعملُ العربُ الإرادة في مشارفَةِ الأمرِ، أي: قرب وقوعهِ كقربِ الجدارِ من الانقضاض سُمِّيَ إرادة.

إلى أن قال في قوله: والجواب عن قوله: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [(82) سورة يوسف] من وجهين أيضًا:

الأول: أَنَّ إطلاق القريةِ وإرادة أهلها من أساليبَ اللغة العربية أيضًا كما قدَّمنا.

الثاني: أنَّ المضاف المحذوف كأنَّه مذكور؛ لأنه مدلول عليه بالاقتضاء، وتغيير الإعراب عند الحذفِ من أساليب اللُّغةِ أيضًا، كما عقده في (الخلاصة):

وما يلي المضافَ يأتي خلفا

 

عنه في الإعراب إذا ما حُذِفَا

مع أنَّ كثيرًا مِن علماء الأصول يُسمُّونَ الدّلالةَ على المحذوف في نحو قوله: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [(82) سورة يوسف] دلالة الاقتضاء، واخْتلفُوا هل هي من المنطوقِ غير الصريح أو من المفهوم؟

إلى أن قال: فظهَرَ أنَّ مثلَ: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [(82) سورة يوسف] مِنَ المدلول عليه بالاقتضاء، وأنَّه ليسَ من المجازِ عند جمهور الأصوليين القائلينَ بالمجاز في القرآنِ، وأَحْرَى غيرهم، مع أنَّ حدَّ المجاز لا يشملُ مثلَ: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [(82) سورة يوسف] لأنَّ القريةَ فيه -عند القائلِ بأنَّه من مجازِ النَّقْصِ- مُسْتعملةٌ في معناها الحقيقيّ، وإنما جَاءَها المجاز عندهم من قِبَلِ النَّقصِ المؤدّي لتغيير الإعراب، وقد قَدَّمْنَا أن المحذوف مقتضى، وأنَّ إعراب المضافِ إليه إعراب المَضافِ إذا حُذف من أساليب اللغة العربية.

وسيأتي تمثيلهم بالنقص والزيادة.

والجواب عن قوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [(11) سورة الشورى] أنَّه لا مجاز زيادة فيه؛ لأنَّ العربَ تطلق المثلَ وتريدُ به الذات، فهو أيضًا أسلوب مِنْ أساليب اللغةِ العربِية.

وهو حقيقة في محَلّهِ كقول العرب: مِثْلُكَ لا يفعل هذا، يعني: لا ينبغي لك أَنْ تَفْعلَ هذا، ودليلُ هذا وجوده في القرآنِ الكريم، كقوله تعالى: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ} [(10) سورة الأحقاف] أي: شَهِدَ على القرآنِ أنه حق.

وقوله تعالى: {أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ} [(122) سورة الأنعام] يعني: كمنْ هو في الظلمات.

وقوله تعالى: {فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ} [(137) سورة البقرة] أي: بما آمنتم به على أظهرِ الأقوال. وتدلُّ لَهُ قراءة ابن عباس: "فإنْ آمَنوا بِمَا آمَنتُم بهِ".

والجواب عن قوله تعالى: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ} [(24) سورة الإسراء] أن الجناح هنا مستعمل في حقيقته؛ لأن الجناح يطلق حقيقة على يد الإنسان وعضده وإبطه، قال تعالى: {وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ} [(32) سورة القصص] والخفض مستعمل في معناه الحقيقي الذي هو ضد الرفع؛ لأن مريد البطش يرفع جناحيه، ومظهر الذل والتواضع يخفض جناحيه، فالأمر بخفض الجناح للوالدين كناية عن لين الجانب لهما، والتواضع لهما، كما قال لنبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [(215) سورة الشعراء (215)] وإطلاق العرب خفض الجناح كناية عن التواضع ولين الجانب أسلوب معروف.

وأما إضافة الجناح إلى الذل فلا تستلزم المجاز كما يظنه كثير؛ لأن الإضافة فيه كالإضافة في قولك: حاتم الجود، فيكون المعنى: واخفض لهما الجناح الذليل من الرحمة، أو الذلول على قراءة الذِل بالكسر.

ثم ذكر مناقشة الدليل -دليل المانع- ونقل عن ابن القيم، وطول عنه النقل، كلام طويل، وأظنه المواريث تدل على أن الموضوع لن ينحسم.

طالب:.......

لا لا المسألة كل... ما يدين الله به ويقتنع به معناه إلزام، لكن هذا كلام الشيخ كلام جيد ورصين ومتين كعادته -رحمه الله-، الحق ما ينفى الاستغلال من استغله على غير وجهه، فاستدلال المرجئة بأحاديث الوعد ونصوص الوعد لا يجعلنا ننكرها ولا ننفيها، استغلال الخوارج لنصوص الوعيد لا يجعلنا ننكرها وننفيها، لا، الحق هو الحق، سواء استعمل على وجهه أو على غير وجهه يبقى هو الحق، أما غيره فلا.

طالب:.......

نعم صار حقيقة في مكان، إذا نفى الحقيقة لما اقترن بها نعم ونفى حقيقة؛ لما اقترن فيها، لو قال: ما رأيت أسدًا يكتب، قلنا: لا، رأيت أسدًا يكتب؛ لأن الأسد إطلاقه على الرجل الشجاع حقيقي، وكونك تنفي لأنك تخيلت الأسد..، لأنك لما نفيت إيش تصورت؟ أن الأسد المفترس، فنقول: تصورك هذا خطأ، فنفيك المبني على هذا التصور خطأ؛ ليش تصورك خطأ؟ لأن الأسد الحقيقي ما يكتب.

طالب:......

لا، لا، ما هو بلفظي صار له حقيقة وواقع، وصار له آثار سيئة، إيش معنى مثل ما قول مثلًا الذي يقول بأن العمل غير داخل في الإيمان، يعني مثلما يقول صاحب شرح الطحاوية يقول: الخلاف لفظي بين المرجئة وبين غيرهم، إيش معنى لفظي؟ يعني: ما يترتب عليه آثار؟! إذا ترتبت عليه آثار فهو خلاف معنوي.

نرجع إلى كتابنا.

يقول: النوع الثالث المجاز، نشرح كلامه على أساس أنه يثبت المجاز، وأما نفيه الذي نعتقده هذا نشرحه على رأيه هو.

النوع الثالث: المجاز

هو استعمال لفظ في غير ما وضع له.

"منها اختصار الحذف" هذا يكثر في القصص، في قصص القرآن: {فَأَرْسِلُونِ * يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ} [(46) سورة يوسف] كم بين الآية والآية من كلام محذوف؟ {فَأَرْسِلُونِ} فأرسلوه فوصل إلى يوسف، وقال له: يا يوسف أيها الصديق، ففيه حذف، وفي آية الفطر: {فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [(185) سورة البقرة] قبلها فأفطر فعليه، أو فالواجب عليه عدة، هذا يسمونه مجاز حذف.

"ترك الخبر" أن يؤتى بمبتدأ ويترك خبره أو العكس {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} [(18) سورة يوسف] التقدير؟ إن أردنا حذف الخبر "فصبر جميل صبري" أو العكس "فصبري صبر جميل".

"والفرد جمعٌ إن يجز" أن يستعمل مجازًا يستعمل الفرد عن الجماعة "إن يجز عن آخر" مثال الجمع عن الفرد: {رَبِّ ارْجِعُونِ} [(99) سورة المؤمنون] وهو واحد يعني: أرجعني، والعكس:  {إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [(2) سورة العصر] والمراد جميع الناس، مع أن إطلاق الإنسان على الجمع على الجنس كونه مجازًا فيه نظر؛ لأن أل جنسية، فلا يسمى مجازًا، استعمال حقيقي في هذا.

"واحدها من المثنى" {وَاللّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ} [(62) سورة التوبة] الضمير واحد، وهو لمثنى، الأصل أن يرضوهما.

"والذي عقل عن ضد له" يعني: إطلاق العاقل على غير العاقل، إطلاق ما يستعمل في العقلاء على غير العاقل، وعكسه {قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [(11) سورة فصلت] جمع المذكر السالم إنما يكون للعقلاء، وهنا جاء بإزاء: {قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [(11) سورة فصلت] إيش؟ السموات والأرض، ولفظه: {فَانكِحُواْ مَا طَابَ} [(3) سورة النساء] (ما) هذه لغير العاقل، وجاءت بإزاء النساء وهن عقلاء.

"عن ضد له * أو عكس ذي" سبب يعني: من أنواع المجاز السبب، إطلاق السبب إطلاق المباشرة وإرادة السبب: {يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ} [(4) سورة القصص] هل هو يذبحهم بيده يباشر الذبح أو يأمر به؟ يأمر به، فهنا أطلق المباشرة وأريد السبب.

الالتفات: {مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [(5) سورة الفاتحة] وإلا فالأصل أن يقول: إياه، {مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [(4) سورة الفاتحة] هو يخبر عنه، إياه نعبد، فالتفت هنا، ويقول أهل العلم: إن في عد هذا من المجاز نظر؛ لأنه حقيقة الالتفات حقيقة ولو خلا عن التجريد، أما إذا وجد معه التجريد مثل إيش؟ حديث سعد يقول سعد: "أعطى النبي -صلى الله عليه وسلم- رهطًا وسعد جالس" ما قال: وأنا جالس، هذا فيه تجريد، يعني: جرد من نفسه شخصًا آخر تحدث عنه، وإلا فالأصل أن يقول: وأنا جالس، وفي عد هذا من المجاز ما فيه.

التكرير: {كَلَّا سَيَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ} [(4-5) سورة النبأ] تكرير هذا يقول: هذا مجاز بالتكرير، لكن هل هذا بالفعل مجاز أو استعمال حقيقي لتعظيم الأمر وتأويله؟ وإلا فكل التكرير اللفظي يصير مجاز.

"زيادة تقديمُ أو تأخيرُ" زيادة: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [(11) سورة الشورى] يمثلون بها {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [(11) سورة الشورى] وسمعنا جواب الشيخ -رحمه الله تعالى-، وأنه يطلق المثل ويراد الشيء نفسه.

"تقديمُ أو تأخيرُ" الـ(أو) هذه بمعنى الواو، وتأتي بمعنى الواو عند أمن اللبس، يقول ابن مالك:

وربما عاقبت الواو إذا

 

لم يلفِ........................

إلى آخر البيت، ويمثلون للتقديم والتأخير: {فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا} [(71) سورة هود] الأصل أن الضحك مرتب على البشارة، أنها بشرت أولًا، ثم ضحكت، هذا إذا حملنا الضحك على حقيقته المتبادرة الضحك، وإذا قلنا: إنها ضحكت معناها حاضت، كما يقول بعضهم أنها حاضت فبشرت فلا يكون فيه تقديم ولا تأخير، ومن أسماء الحيض الضحك، هناك من يقول: إنه يمنع في الغيبيات، ويجاز في المحسوسات؛ لأن المحسوس يدركه الإنسان، ويحس به، فيستطيع أن يعبر عنه، أما الأمر الغيبي فلا يستطيع إدراكه ومن ثم لا يستطيع التعبير عنه، هذا قول وهو كما ترون هو وجه، ويبقى أن ما دام العرب لا يعرفون هذه الكلمة لهذا الاستعمال، فلماذا نلزمهم بها؟

النوع الرابع: المشترك:

قرءٌ وويلٌ ندٌ والمولى جرى

 

توابٌ الغيُ مضارعٌ ورا

يقول الناظم -رحمه الله تعالى- في النوع الرابع من أنواع العقد الرابع من ما يرجع إلى الألفاظ: المشترك.

اللفظ الذي يحتمل أكثر من معنى، فإذا قلت: رأيت عينًا، هل يستطيع إنسان أن يقول: كذبت وأنت رأيت ذهبًا مثلًا، أو عين جارية، أو عين باصرة، رأيت واحدًا من هذه الأمور التي يشملها اللفظ المشترك؟ لا يستطيع، حتى يجزم بأنك لم ترَ جميع ما يطلق عليه المشترك، يعني: ما رأيت ولا فرد من أفراد المشترك، يستطيع أن يقول: كذبت، لكن هل يستطيع أن يقول: كذبت في مواجهتك، يعني: إذا كنت وجهًا لوجه معه، يقول: رأيت عينًا، تقول له: كذبت، ما عندك ذهب ولا عين جارية ولا..، هذا اللفظ المشترك، والمراد به المشترك اللفظي.

يقول: "قرء" وواحد القروء، القرء يطلق ويراد به الحيض، ويطلق ويراد به الطهر، وجاء ما يدل على هذا، وما يدل على هذا من لغة العرب، ومن النصوص أيضًا، وبكل من اللفظين أخذ بعض العلماء، وشيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- مثل بالقرء لقولهم الذي يكادون يتفقون عليه: أن حكم الحاكم يرفع الخلاف، يقول شيخ الإسلام: "إن حكم الحاكم، المراد بالحاكم الذي حكمه يرفع الخلاف من يعرف الخلاف، ويستطيع أن يرجح، نعم فإذا رجح أحد المحتملين ارتفع الخلاف، أما شخص لا يدري ما الطهر من الحيض، ومثل بهذا، يقول: الحاكم الذي هو شبه عامي، هل يستطيع أن يرفع الخلاف في الطهر والحيض؟ ما له علاقة بهذا؛ لأن رفعه للخلاف حينئذٍ تحكم، إذا كان من غير سابق معرفة.

"قرء وويل" قرء يطلق على الطهر والحيض، وويل تطلق ويراد بها كلمة عذاب، أو وادٍ في جهنم، كما رواه الترمذي عن أبي سعيد.

"ندٌ" يطلق ويراد به الشبيه، والمثيل، والنظير، ويطلق ويراد به الضد "والمولى" يطلق ويراد به الأعلى، المعتِق، ويطلق ويراد به الأسفل، المعتَق.

"والمولى جرى * تواب" {إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ} [(222) سورة البقرة] والله -جل وعلا- تواب، فيطلق على الله -جل وعلا-، ويطلق أيضًا على العبد الذي يكثر من التوبة.

"الغي" يطلق على ما يقابل الرشد، يطلق ويراد به ما يقابل الرشد، ويطلق أيضًا على وادٍ في جهنم: {فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [(59) سورة مريم] نسأل الله العافية.

"المضارع" يطلق ويراد به الحال، ويطلق ويراد به الاستقبال.

الماضي يطلق ويراد به إرادة الفعل، يطلق ويراد به الفراغ من الفعل، يطلق ويراد به الشروع في الفعل، الماضي {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ} [(98) سورة النحل] يعني: إذا أردت ((إذا كبر فكبروا)) يعني: فرغ من التكبير ((إذا ركع فاركعوا)) يعني: شرع في الركوع فاركعوا.

"ورا" يطلق وراء ويراد به الخلف، وقد يراد به الأمام: {وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} [(79) سورة الكهف] يعني: أمامهم، ترجع بنا الألفاظ القرائن تدل عليه، السياق والقرائن يستدل بها على المراد.

أحسن الله إليك.

النوع الخامس: المترادف.

من ذاك ما قد جاء كالإنسانِ
واليم والبحر كذا العذابُ

 

وبشر في محكم القرآنِ
رجس ورجز جاء يا أوابُ

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

النوع الخامس

من أنواع العقد الرابع المترادف، لفظان أو أكثر بإزاء معنى واحد، عكس المشترك، اللفظ واحد بإزاء معانٍ متعددة، وهنا ألفاظ متعددة بإزاء معنى واحد.

يقول: "من ذاك" أي: من المترادف "ما قد جاء" ما جاء من الألفاظ لمعنى واحد "كالإنسان" والبشر، الإنسان والبشر واحد، جاء ذلك "في محكم القرآن" من إضافة الصفة إلى الموصوف يعني: في القرآن المحكم.

"واليم والبحر" معناهما واحد، فهما من المترادف "كذا العذاب" العذاب والرجس والرجز معناها واحد، وكلها جاءت في القرآن، جاء ذلك في القرآن، يا أواب، يا كثير الأوبة والتوبة والرجوع إلى الله -جل وعلا-، على أن من أهل العلم من يمنع المترادف ويقول: لا يوجد في لغة العرب كلمتان متطابقتان من كل وجه، والإنسان له دلالته، والبشر له دلالته، يدلان على حقيقة واحدة، لكن دلالة الإنسان على بني آدم غير دلالة البشر على بني آدم، وإن دلتا على بني آدم، الإنسان يلاحظ فيه سبب التسمية وهو النسيان، والبشر يلاحظ فيه ظهور بشرته بخلاف سائر الحيوان، بشرته غير ظاهرة مغطاة بالصوف.

المقصود أن هناك من الألفاظ ما تظن أنها متطابقة، وبعض العلماء ينفي الترادف الذي هو التطابق من كل وجه، وكتاب الفروق اللغوية لأبي هلال العسكري، يبين ما بين الألفاظ من فروق دقيقة بتصرفات قد لا تخطر على البال، يعني: الجلوس والقعود مثلًا، نعم؟

طالب:......

الفروق اللغوية لأبي هلال العسكري، القعود والجلوس قالوا في القعود: إنه من قيام، والجلوس من اضطجاع مثلًا، جلوس من اضطجاع، ونص على هذا في القاموس، ما هو بمسألة منع، يقول: دلالته على ذات واحدة واردة، لكن يبقى أن كيفية الدلالة على هذه الذات في فرق، قالوا: القعود من قيام، والجلوس من اضطجاع، لو أردنا أن نطبق مثل هذا الكلام، القاموس قال: القعود هو الجلوس، يعني: مترادفان، وقيل: القعود من قيام، والجلوس من اضطجاع ونحوه، إذا أردنا أن نقول بهذا الكلام، وأردنا أن نطبق عليه حديث: ((إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)) هو الآن إذا دخل يكون مضطجعًا وإلا قائمًا؟ قائم، إذًا يحتاج إلى قعود وإلا جلوس على تفريقهم؟ يحتاج إلى قعود، إذًا لا يلزمه ركعتين، بينما لو كان مضطجعًا، ثم جلس يلزمه على تفريقهم، ما هو بهذا اللازم على تفريقهم؟ هذا اللازم على تفريقهم.

على كل حال دلالة الأكثر من لفظ على شيء واحد موجود في اللغة، وفي النصوص، لكن كيفية الدلالة على هذا الشيء مع ملاحظة الأصل أصل الكلمة، مع ملاحظة أصل الكلمة، ومأخذ الكلمة، لا بد فيه من فرق.

أحسن الله إليك.

النوع السادس: الاستعارة.

وهي تشبيه بلا أداةِ
في مهتدٍ وضده كمثلِ  

 

وذاك كالموتِ وكالحياةِ
هذين ما جاء كسلخ الليلِ

النوع السادس الاستعارة والسابع التشبيه، قالوا: لو قدم التشبيه على الاستعارة لكان أنسب؛ لماذا؟ لأن الاستعارة تشبيه إلا أنها بغير الأداة، فكيف نعرف الاستعارة التي أحيل في تعريفها على التشبيه والتشبيه لاحق؟ يعني: إذا رأيت شخصًا اسمه عمرو، وأردت أن تقربه لشخص معك، قال لك: هذا الشخص له شبه، أنا أعرف شخصًا يشبه هذا، فتقول: يشبه زيدًا، هو ما رأى زيدًا ألبتة، فلا بد أن تأتي بزيد ليراه، ثم تقول: يشبه زيدًا، فهم يقولون: الاستعارة تشبيه، فكونك تحيل على مجهول ما بعد عرفه السامع وإلا القارئ التشبيه، فالأصل أن يقدم التشبيه على الاستعارة؛ لأن الاستعارة عبارة عن تشبيه، لكن التشبيه بالأداة، وهذه بغير أداة، فالأنسب تقديم التشبيه على الاستعارة، لكن الاستعارة قالوا: إن لها ارتباط وثيق بالمجاز؛ إذ هي نوع من أنواعه، ومتولدة منه، متولدة بين المجاز والتشبيه، فهي مجاز علاقته التشبيه، فلصلتها بالمجاز قدموها، لكن باعتبار أن لها صلة بالمجاز، ولها أيضًا صلة بالتشبيه، ينبغي أن تكون الاستعارة بعد المجاز وبعد التشبيه، والأمر سهل يعني التقديم عندهم له وجه عندهم؛ لأنها أبلغ من التشبيه فاستحقت التقديم من هذه الحيثية.

قال: "وهي تشبيه لشيء بشيء بلا أداة" يعني: مع حذف الأداء، أداة التشبيه، على ما سيأتي، وحذف وجه الشبه، وحذف المشبه في الاستعارة التصريحية، وحذف المشبه به في الاستعارة المكنية، وهذه أمور تعرف تفاصيلها من التلخيص وشروحه.

"بلا أداة * وذاك التشبيه كالموت" وكالحياة كالموت: {أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ} [(122) سورة الأنعام] كالموت وكالحياة، الموت مستعار للضلال، يعني: كان ضالًّا فهديناه، والحياة مستعارة للهداية، كالموت والحياة فكل منهما استعارة.

"في مهتدٍ وضده" المهتدي هو الحي، وضده هو الميت، في قول الله -جل وعلا-: {أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ} [(122) سورة الأنعام] أي: كان ضالًّا فهديناه، وهذا ظاهر.

"في مهتدٍ وضده كمثلِ * هذين" التشبيهين "ما جاء" أي: التشبيه الذي جاء "كسلخ الليلِ" {وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ} [(37) سورة يــس] الأصل أن السلخ يكون للجلد، جلد الدابة إذا سلخ وأبين منها ظهرت، كانت الدابة هذه أو الشاة أو الخروف أو ما أشبه ذلك مغطاة بالجلد الذي فوقه الشعر، فإذا سلخ هذا الجلد ظهرت كظهور النهار، فسلخ الليل استعارة من سلخ جلد الدابة مع حذف الأداة وحذف المشبه.

نعم.

أحسن الله إليك.

النوع السابع: التشبيه.

وما على اشتراك أمر دلا
والشرط ههنا اقترانه معا

 

مع غيره التشبيه حيث حلا
أداته وهو كثيرًا وقعا

يقول الناظم -رحمه الله تعالى- في النوع السابع: التشبيه.

وما على اشتراك أمر دلا

 

مع غيره التشبيه حيث حلا

(ما) هذه خبر مقدم و(على اشتراك) جار ومجرور متعلق بـ(دلا) اشتراك أمر مضاف إليه، دلا الألف ألف إطلاق، مع غيره التشبيه مبتدأ مؤخر، فعلى هذا يكون التشبيه ما على اشتراك أمر مع غيره، يشتركان في شيء يسمى وجه الشبه، ويكون هذا الاشتراك اشتراك المشبه بالمشبه به بواسطة الأداة، حيث حلا، فالتشبيه هو الكلام الدال على اشتراك أمر مع غيره في معنىً بينهما، معنىً يجمع بينهما، وهو وجه الشبه.

"والشرط ههنا" في التشبيه "اقترانه مع * أداته" التشبيه الشرط أن يقترن بالأداة (معا) هذه الألف للإطلاق، مع أداته، اقترانه مع أداته، إذ لو لم تقترن به الأداة لصار استعارة.

والشرط هاهنا اقترانه معا

ج

 

أداته وهو كثيرًا وقعا
ج

كثيرًا صفة مقدمة لمفعول مطلق فيكون المعنى: وقع وقوعًا كثيرًا، أركان التشبيه أربعة: المشبه، والمشبه به، والأداة ووجه الشبه، ويقول أهل البيان: ما فقد الأداة لفظًا إن قدرت الأداة فهو تشبيه وإلا فاستعارة، وأدوات التشبيه: الكاف، ومِثل، ومَثل، وكأن، وتدخل الأداة على المشبه به، الأداة تدخل على المشبه به، إذا قلت: زيد كالأسد، فالمشبه به الأسد، والمشبه زيد، فدخلت الأداة على المشبه به، إلا إذا أريد المبالغة، فيقلب التشبيه، فتدخل الأداة على المشبه، وذلك في قولهم: {إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} [(275) سورة البقرة] فكأنهم جعلوا الربا هو الأصل في الحل، والبيع جوّز قياسًا على الربا، وهل هذا مراد؟ ليس هذا مراد، لكنهم من باب المعاندة والمكابرة جعلوا الربا هو الأصل، والبيع مقيس عليه، وإلا لا يتفقون أن البيع هو الأصل.

أحسن الله إليك.

العقد الخامس: ما يرجع إلى مباحث المعاني المتعلقة بالأحكام، وهي أربعة عشر نوعًا:

النوع الأول: العام الباقي على عمومه.

وعز إلا قوله: (والله
وقوله: (خلقكم من نفسِ

 

بكل شيء) أي عليم ذا هو
واحدة) فخذه دون لبسِ

العقد الخامس فيما يرجع إلى مباحث المعاني، ومعرفته من أهم المهمات، نعم الألفاظ معرفتها مهمة، وهي ظروف المعاني، فالمعاني لا تقوم إلا بألفاظ، فمعرفة الألفاظ مهمة، لكن معرفة المعاني أمر لا بد منه، كيف يفهم لسان القرآن؟ كيف يعمل بالقرآن أو السنة إلا إذا عرف المعاني!

العقد الخامس: ما يرجع إلى مباحث المعاني المتعلقة بالأحكام

يعني: المعاني التي لها أثر كبير في الأحكام.

وهي أربعة عشر نوعًا:

النوع الأول: العام الباقي على عمومه، عندنا عام وخاص ومطلق ومقيد، وعندنا ناسخ ومنسوخ، وعندنا أشياء كثيرة تتعلق بهذا، من أهم ما يبحث في علوم القرآن، فالعام ما يشمل شيئين فصاعدًا من غير حصر، وضده الخاص، وهو ما لا يتناول شيئين فصاعدًا.

النوع الأول: العام الباقي على عمومه؛ لأن عندنا عام باقي على عمومه، وعام مخصوص، وعام يراد به الخصوص، العام الباقي على عمومه هذا هو المحفوظ الذي لم يدخل فيه تخصيص، باقي على عمومه، والعام الذي أريد به الخصوص من الأصل لا يتناول أفرادًا، المتكلم حينما تكلم بهذا اللفظ العام لا يريد منه جنس أفراد هذا اللفظ، إنما يريد منه بعض الأفراد، فهو عام يراد به الخصوص من قبل المتكلم، لكن لو كان المتكلم حينما تكلم بهذا اللفظ العام يريد جميع الأفراد، ثم بعد ذلك أورد ما يخرج بعض هذه الأفراد صار من العام المخصوص.

النوع الأول: العام الباقي على عمومه.

"وعز" يعني: قل وندر أن يوجد عام محفوظ باقٍ على عمومه.

وعز إلا قوله تعالى: {وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [(282) سورة البقرة] هذا محفوظ، عام محفوظ، هل يمكن أن يخرج فرد من أفراد ما يعلم عن هذه الآية؟ لا يمكن، والله -جل وعلا- عالم بكل شيء وعليم بكل شيء، عليم بالكليات، عليم بالجزئيات، خلافًا لمن ينفي صفة العلم من طوائف المبتدعة، أو يفرق بين الكليات والجزئيات، فيقول: يعلم الكليات، ولا يعلم الجزئيات كالفلاسفة، الله -جل وعلا- لا تخفى عليه خافية، فهذا العموم محفوظ.

وعز إلا قوله: (والله

 

بكل شيء) أي عليم ذا هو

فهذا باقٍ على عمومه.

"وقوله" يعني: بالنصب على قوله المستثنى المنصوب على الاستثناء.

"وقوله: "خلقكم من نفسِ * واحدة" يعني: هل يخرج من هذا من الإنس أحد؟ {خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ} [(1) سورة النساء] هل يخرج من البشر فرد من الأفراد، ما ترجع إلى هذه النفس الواحدة؟ لا، فهو محفوظ وباقٍ على عمومه.

"فخذه دون لبسِ" فهذا جاء عام لجميع البشر، فكلهم من ذرية آدم: ((كلكم لآدم)) وكأن المؤلف ويتبع في هذا السيوطي في النقاية، أنه لا يوجد عام محفوظ إلا هاتين الآيتين، وما عدا ذلك كل عموم مخصوص، لا يوجد عموم محفوظ في القرآن إلا هاتين الآيتين، وهذا الكلام ليس بصحيح {إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا} [(44) سورة يونس] مخصوص هذا وإلا على عمومه؟ نعم على عمومه {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [(49) سورة الكهف] على عمومه، شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- وهو يرد عليهم، يرد على من يقول بهذا القول، استعرض العمومات في الفاتحة، وفي الورقة الأولى من البقرة، فأوجد من ذلك عدد كبير جدًّا من العمومات المحفوظة، في ورقة، فكيف في القرآن كله؟! وهذا موجود في الفتاوى لشيخ الإسلام -رحمه الله تعالى-.

أثابكم الله.

النوع الثاني والثالث: العام المخصوص والعام الذي أريد به الخصوص.

وأول شاع لمن أقاسا
وأول حقيقة والثاني
قرينة الثاني تُرى عقلية
والثان جاز أن يراد الواحدُ

 

والثان نحو يحسدون الناسا
مجاز الفرق لمن يعاني
وأول قطعًا تُرى لفظية
فيه وأول لهذا فاقدُ

يقول الناظم -رحمه الله تعالى-:

النوع الثاني والثالث من العقد الخامس التي ترجع إلى مباحث المعاني المتعلقة بالأحكام

النوع الثاني والثالث لما ذكر العام الباقي على عمومه يقابله العام المخصوص، والعام الذي أريد به الخصوص، وعرفنا الفرق بينهما، العام المخصوص فالمتكلم حينما تكلم باللفظ العام يريد جميع الأفراد، ثم بعد ذلك تكلم بكلام يخرج بعض هذه الأفراد، والعام الذي أريد به الخصوص من الأصل تكلم باللفظ العام وهو لا يريد جميع الأفراد إنما يريد بعضهم.

"وأولٌ" العام المخصوص "شاع" أي: كثر "لمن أقاسا" أي: تتبع، والألف للإطلاق، العام المخصوص كثير جدًّا، يأتي نص يتناول أفرادًا، ثم يخرج بعض هذه الأفراد بمخصص، هذا كثير وشائع في النصوص.

"والثانِ" العام الذي أريد به الخصوص، إذا كان الأول شائع فالثاني أقل منه، والثان والمراد به العموم، العام الذي أريد به الخصوص.

"نحو: يحسدون الناسا" والناس المراد بهم النبي -صلى الله عليه وسلم- فهو من العام الذي أريد به الخصوص {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ} [(173) سورة آل عمران] (الذين قال لهم الناس) هل معنى هذا أن جميع الناس جاءوا وقالوا للنبي -صلى الله عليه وسلم-؟ هل جميع الناس جاءوا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وقالوا له: إن جميع الناس بما فيهم هذا القائل وبما فيهم المقول له قد جمعوا لكم؟ يعني: إن الناس يشمل الذي جاء، ويشمل الذين جمعوا، ويشمل الذين جُمع لهم؛ لأن اللفظ عام، لكن هل هذا مراد؟ هذا غير مراد، فهو من العام الذي يراد به الخصوص، فالذي جاء شخص واحد، نعيم بن مسعود {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ} [(173) سورة آل عمران] أبو سفيان ومن معه، فهذا من العام الذي أريد به الخصوص.

"وأولٌ حقيقة" الأول حقيقة، العام المخصوص حقيقة، استعمال فيما وضع له، الإنسان، جنس الإنسان: {إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [(2) سورة العصر] هذا حقيقة، استعمل في كل الناس، إلا من استثني، فهو استعمال حقيقي، لكن {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ} [(173) سورة آل عمران] هل هذا استعمال فيما وضع له؟ خلونا نمشي على ما يريد، وعلى تقرير مذهبه في جواز المجاز، يقول: الناس ليس بحقيقة؛ لأنه استعمل اللفظ في غير ما وضع له، الأصل أن الناس لفظ عام يشمل الجميع، فاستعمل بإزاء شخص واحد، فهو استعمال للفظ في غير ما وضع له فهو مجاز.

وأول حقيقة والثاني

 

مجاز الفرق لمن يعاني

عرفنا المثال للعام الذي يراد به الخصوص، العام المخصوص: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ} [(228) سورة البقرة] مثلًا، {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ} [(228) سورة البقرة] أخرج منه الحامل والصغيرة والآيسة، وقبل الدخول مثلًا ليس عليها تربص أصلًا، الأمة، قرءان وليست ثلاثة، المقصود أنه دخله مخصصات، فإطلاق العام في العام المخصوص حقيقي، وإطلاق العام في العام الذي يراد به الخصوص على كلامه مجاز.

"والفرق لمن يعاني" فرق ظاهر لمن تأمله.

قرينة الثاني تُرى عقلية

 

...............................

الفروق بين العام المخصوص والعام الذي أريد به الخصوص، الفرق الأول: أن العام المخصوص حقيقة، والعام الذي أريد به الخصوص مجاز عنده، والفرق الثاني: أن الثاني الذي يراد به الخصوص قرينته عقلية، يعني: العقل يدرك أن الناس كلهم جميع ما على وجه الأرض من الناس جاءوا للنبي -عليه الصلاة والسلام- بما فيهم النبي -عليه الصلاة والسلام-، وبما فيهم من جاء، وبما فيهم من يعد له العدة، قرينة العقل يأبى هذا، فالثاني قرينته عقلية أن العام الذي أريد به الخصوص قرينته عقلية عن إرادة المعنى العام.

"وأول قطعًا" العام المخصوص "تُرى لفظية" كالاستثناء مثلًا، والشرط والصفة وغير ذلك من المخصصات مخصصات لفظية.

قرينة الثاني تُرى عقلية

 

وأول قطعًا ترى لفظية

"والثان" يعني: الفرق الثالث بين العام المخصوص والعام الذي أريد به الخصوص.

والثان جاز أن يراد الواحدُ

 

فيه وأول لهذا فاقدُ

العام الذي أريد به الخصوص يجوز أن يراد به واحد، والمثال ظاهر في هذا: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ} [(173) سورة آل عمران] شخص واحد، العام الذي يراد به الخصوص يجوز أن يراد به واحد، لكن العام المخصوص يجوز أن يراد به واحد: {إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا} [(2-3) سورة العصر] هل يجوز أن يكون المستثنى أكثر من المستثنى منه؟ يجوز أن يكون أكثر من المستثنى منه؟

طالب:......

خلاف، لكن هل يجوز أن يستثنى جميع الأفراد ما يبقى إلا واحد؟ قالوا: لا بد أن يبقى من العام أقل الجمع؛ ولذا يقول:

والثان جاز أن يراد الواحدُ

 

...............................

يراد به المفرد بلا خلاف، والآية دليل على ذلك، فيه متعلق بـ(يراد) "وأول" العام المخصوص، "لهذا فاقد" للجواز المذكور، فاقد أي: فلا يستثنى أكثر من النصف عند بعض أهل العلم، لو قال: عندي لك عشرة دراهم إلا سبعة، قالوا: الاستثناء باطل؛ لأنه استثناء أكثر من النصف، لو لم يبقَ إلا واحد أيضًا باطل، عندي لك عشرة إلا تسعة، بحثوه في باب الإقرار، لكن يستثنى أقل من النصف جائز، وأكثر جائز إذا بقي أقل الجمع عند بعضهم.

 

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"