كتاب البيوع من عمدة الفقه - 04

 

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب الخيار".

 الخيار طلب خير الأمرين من إمضاء البيع أو فسخه، طلب خير الأمرين من إمضاء البيع أو فسخه. وهو أقسام سبعة عند أهل العلم؛ أولها: خيار المجلس ويدل عليه قوله -عليه الصلاة والسلام-: «البيعان بالخيار ما لم يتفرقا» هذا هو القسم الأول من أقسام الخيار خيار المجلس "ما لم يتفرقا بأبدانهما" عن مكان العقد، ودليله قوله -عليه الصلاة والسلام- من حديث ابن عمر في المتفق عليه بهذا اللفظ: «البيعان بالخيار ما لم يتفرقا» أثبت خيار المجلس الشافعية والحنابلة؛ عملاً بهذا الحديث الصحيح الصريح، ولم يقل به الحنفية ولا المالكية مع أن الإمام مالكًا خرج هذا الحديث، الشافعية والحنابلة حملوا التفرق بالأبدان، بعتك هذا الكتاب، اشتريت، فتفرقا عن المكان لزم البيع، «البيعان بالخيار ما لم يتفرقا».

 الحنفية والمالكية لا ينفون ثبوت الخبر، لا يقولون: الخبر غير ثابت، يقولون: الخبر صحيح، وقد رواه مالك نفسه -رحمة الله عليه- مع أنه لم يقل بمقتضاه؛ لأنه يحمل التفرق هنا على تفرق الأقوال، التفرق بالأقوال، إذا وجد الإيجاب والقبول انتهى، تفرقوا بالأقوال، لكن هل هناك بيع قبل التفرق بالأقوال؟ هل يسمى بيعًا؟ لا يسمى بيعًا إلا إذا تم الإيجاب والقبول، وإلا فلا بيع، فحمل التفرق على تفرق الأقوال، قول ضعيف وتأويل غير مقبول، ولذا قال ابن أبي ذئب: ينبغي أن يستتاب مالك- رحمه الله-؛ لأنه روى هذا الحديث، ولا عمل به، تأويله غير سائغ، غير مقبول التأويل، يعني كونه يخالف عمل أهل المدينة أو خبر الواحد فيما تعم به البلوى، كلام صح الخبر عن النبي -عليه الصلاة والسلام- فليس لأحد مندوحة في أن يعمل به «البيعان بالخيار ما لم يتفرقا».

 وما الذي يفهم من لفظ التفرق؟ هل يمكن أن يفهم غير التفرق بالأبدان؟ لأن التفرق بالأقوال إذا لم يتم التفرق بالأقوال بمعنى أنه يوجد الإيجاب والقبول فلا بيع حينئذ، الراوي ابن عمر- رضي الله عنهما- كان إذا باع على أحد أو اشترى مشى خطوات عن صاحبه من أجل ماذا؟ نعم من أجل أن يلزم البيع ويثبت، وقد جاء النهي عن ذلك، لكنه لم يبلغ ابن عمر، جاء النهي عن التفرق بالأبدان؛ خشية أن يستقيله، خشية أن يحل البيع يحل العقد، فابن عمر فهم من التفرق التفرق بالأبدان، وهو راوي الحديث، والراوي أدرى بما روى.

 نعم جاء النهي عن التفرق بالأبدان؛ خشية أن يستقيله، لكنه لم يبلغ ابن عمر، وهذا المظنون به، ابن عمر الصحابي المؤتسي المعروف بشدة تثبته وتحريه هل يمكن أن يعرف أن النبي- عليه الصلاة والسلام- نهى عن ذلك ويفعله؟! شخص يكفكف دابته؛ لتقع أخفافها على أخفاف دابة النبي -عليه الصلاة والسلام- يُظن به أن يخالف مثل هذا الخلاف؟! لولا أنه لم يبلغه لا يظن به ذلك، أي مكان نزل فيه النبي -عليه الصلاة والسلام- لا بد أن ينزل فيه ابن عمر، صنيعه ليس براجح مرجوح؛ لأن من هو أجل منه من الصحابة ما فعل ذلك، لكن ما يُظن بشخص هذه حياته وهذه طريقته أن يترك العمل بخبر يثبت عنده عن النبي -عليه الصلاة والسلام-.

 فالقول بأن التفرق المراد به التفرق بالأقوال قول ضعيف، أولاً هو احتمال ضعيف في المعنى، وهو أيضًا مردود من لفظ «البيعان»، فقبل التفرق بالأقوال لا بيع، ومنهم من حمل لفظ البيعان على المتساومين وسمِّيا بيعان باعتبار ما سيكون، هم الآن بصدد إبرام عقد بيع فالمتساومان بيِّعان باعتبار ما سيكون، لكن إذا كان المراد بالبيِّعين المتساومين فهل نحن بحاجة إلى هذا الخبر؟ يحتاج المتساومان إلى الخيار والتنصيص عليه، ونقل الحجة عليه، هل يحتاج إلى ذلك؟ هل هناك إلزام أن يوجد خيار بين المتساومين؟

 هل هناك إلزام بين المتساومين؟

 ما فيه إلزام، ما ثبت بيع ليكون هناك إلزام، فالخيار إنما يكون بعد الإلزام. وعلى كل حال الراجح في هذه المسألة قول الشافعية والحنابلة من لزوم وثبوت خيار المجلس، وقال به كثير من أتباع الأئمة، حتى من أتباع مالك، البيعان بالخيار ما لم يتفرقا بأبدانهما، فإن تفرقا عن مجلس البيع إن كانا في غرفة واحدة خرج أحدهما منها، وإن كانا في بر أبعد عنه بحيث لا يعد خليطًا له عرفًا، إن كانا في سفينة بأن انتقل أحدهما إلى جهة، والآخر إلى جهة ثانية كفى. "فإن تفرقا ولم يترك أحدهما البيع فقد وجب البيع" لزم البيع.

 "إلا أن يشترطا"، وهذا إشارة إلى القسم الثاني من أقسام الخيار، وهو خيار الشرط "إلا أن يشترطا الخيار لهما أو لأحدهما مدة معلومة فيكونان على شرطهما" اشتريت سيارة قلت: يا أخي هذه قيمتها، لكن لي الخيار ثلاثة أيام، أنا سأجرب السيارة لمدة عشرة أيام، ما أدري تصلح لي أو ما تصلح، لك ذلك، ولو اشترط البائع دون المشتري، إن اشترطا معًا فلهما ذلك، وإن اشترطه المشتري دون البائع أو البائع دون المشتري جاز، وهذا يسمى خيار الشرط، لكن لا بد أن تكون المدة معلومة إذا أطلقت إذا اشترى سيارة وقال: لي الخيار ولم يحدد مدة معلومة فهل يلزم بمدة؟ أو يقول له الخيار طيلة عمره؟

طالب: ..........

هو جاء في التصرية فله الخيار ثلاثًا، وجاء في المسترسل له الخيار ثلاثًا، فبعض أهل العلم يحدد مدة الخيار بثلاثة أيام، وبعضهم يقول: إنه مادام ما حددت مدته فهو شرط لاغٍ مادام ما حددت مدته، إطلاقه أتى عليه بالنقض مدة معلومة "فيكونان على شرطهما وإن طالت المدة" لو قال: لك الخيار سنة يثبت له الخيار هذه المدة التي اتفقا عليها "إلا أن يقطعاه" لك الخيار سنة قابله بعد شهر قال: يا أخي لن أنتظر سنة، بعد شهر إما أن تمضي البيع، وإلا فلن أنتظرك سنة، إلا أن يقطعاه، يعني يقطعا هذا الخيار المشترط، ولو طالت مدته من قِبَل أحدهما بأن يقول البائع الذي وافق على اشتراط السنة أو يقول المشتري الذي طلب الخيار لمدة سنة إذا قطع ذلك فلهما ذلك الأمر لا يعدوهم، فالأمر لا يعدوهم، هذا الخيار الأول خيار المجلس، والثاني خيار الشرط، والثالث خيار العيب.

خيار العيب وفيه طول، فنرى بعض الأسئلة.

يقول: عندما يطلب مني شخص بضاعة، وقمت بشرائها هل يلزمني نقلها من مكانها؟ وهل يُلزَم هو كذلك بنقلها قبل بيعها بعد شرائها مني بالمؤجل؟

اللازم القبض، وقبض كل شيء بحسبه، إن كانت هذه السلعة طعامًا فلا بد من نقلها عن مكانها حتى تحاز، إذا كانت غير الطعام، إذا كانت السلعة غير طعام فالأمر فيها أوسع، وإن قال ابن عباس- رضي الله عنهما-: وما إخال غير الطعام إلا مثله.

يقول: الموظف في الحرس إذا تقاعد يحق له أن يتنازل لأحد أقاربه عن وظيفته، ولكن يحصل من بعضهم بيع هذه الوظيفة، ما حكم بيعها علمًا أن بعضهم مضى على بيعه ست سنوات؟

البادية ماذا يسمون هذه الوظيفة؟

طالب: .........

كيف؟

طالب: .........

يسمونه بندق! ما بندق هذا؟! هذه وظيفة لها مرتب شهري قابلة للتوارث وقابلة للتنازل وقابلة.. لأنها لا يشترط فيها مؤهلات، بحيث يستوي فيها السلف والخلف لا، فإذا كان ولي الأمر يجيز مثل هذا البيع أو التنازل فالأمر لا يعدوه، الأمر لا يعدوه إذا كان يجيز ذلك، أما إذا كان لا يجيز ذلك فلا.

والله أعلم.

 وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.