التعليق على الموافقات (1434) - 10

نعم.

طالب: أحسن الله إليك.

 الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- إتمامًا للمسألة الثالثة: "والرابع: أن الاقتصار على الكتاب رأي قوم لا خلاق لهم".

وهم الخوارج الذين لا يرون العمل بغير الكتاب. ولكل قوم وارث، يوجد إلى الآن من يسمون أنفسهم بالقرآنيين، ولا يلتفتون إلى السنة. وعرفنا فيما قبل، وأشرنا إلى أن هناك جماعة اقتصروا على القرآن والصحيحين، هؤلاء أسلم من أولئك بلا شك؛ لأنهم لهم عناية بالصحيحين، لكن أهدروا بقية السنة، وكأنهم رأوا وجاهة ما قال به ابن الأخرم أن الصحيحين لم يخرج منها من السنة إلا القليل، إلا القليل.

 لكن كما قال الحافظ العراقي:

 ....... ولكن قلما               عند ابن الأخرم منه قد فاتهما

 ورد لكن قال يحيى البر              لم يفت الخمسة إلا النذر

 ثم قال الحافظ العراقي:

وفيهِ مَا فِيْهِ لِقَوْلِ الجُعْفِي             أَحْفَظُ مِنْهُ عُشْرَ أَلفِ أَلْفِ

وفيه ما فيه، كناية عن ضعفه؛ لقول الجعفي: أحفظ منه عشر ألف ألف.

 مائة ألف يعني من الصحيح.

طالب: "خارجين عن السنة؛ إذ عولوا على ما بنيت عليه من أن الكتاب فيه بيان كل شيء".

لكن فيه بيان كل شيء، لكن هل يستطيع الإنسان أن يعبد الله -جل وعلا- بالعبادات الظاهرة، بالصلاة، بالصيام، بالزكاة، بالحج، وغيرها من العبادات من خلال القرآن فقط؟ لا يمكن، مستحيل، ما يعرف ولا يصلي، هل يستطيع أن يقيم الصلاة؟ الله -جل وعلا- قال: {أَقِيمُوا الصَّلَاةَ} [الأنعام: 72]، لكن كيف يقيم الصلاة؟

طالب: بالسنة.

إلا من خلال السنة.

طالب: "فاطرحوا أحكام السنة، فأداهم ذلك إلى الانخلاع عن الجماعة وتأويل القرآن على غير ما أنزل الله".

النبي -عليه الصلاة والسلام- وظيفته بيان ما أنزل الله إليه، وخير ما يفسر به القرآن القرآن ثم السنة، فكيف تفسر القرآن برأيك، وأنت ما عندك شيء تعول عليه، وتستند إليه. نعم.

طالب: "فقد روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إن أخوف ما أخاف على أمتي اثنتان: القرآن واللبن»".

"«إن أخوف ما أخاف على أمتي اثنتات: القرآن واللبن»"، لماذا؟ القرآن يعملون به، ولا يلتفتون إلى السنة، فيفهمونه على حسب...

طالب: مرادهم.

لا، على حسب ما ينقدح في أذهانهم، هم ما عندهم شيء يعولون عليه، ما عندهم أصل يرجعون إليه، فيضلون، كما هو الآن موجود، في وسائل الإعلام يتكلمون عن بعض الآيات وبعض القضايا وبعض المسائل يستدلون بها بما في القرآن، ناكبين عما جاء في سنة النبي- عليه الصلاة والسلام- فيضلون. اللبن: اللبن يدعوهم إلى أن يخرجوا إلى الإبل في البراري والقفار، ويضيعون الصلوات والجماعات وكذا، وكثر الآن بين الناس اتخاذ الإبل، والله المستعان.

طالب: "«فأما القرآن فيتعلمه المنافقون ليجادلوا به المؤمنين، وأما اللبن فيتبعون الريف ويتبعون الشهوات ويتركون الصلوات»".

له طرق وله شواهد.

طالب: "وفي بعض الأخبار عن عمر بن الخطاب: «سيأتي قوم يجادلونكم بشبهات القرآن، فخذوهم بالأحاديث، فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله». وقال أبو الدرداء: «إن مما أخشى عليكم: زلة العالِم، وجدال المنافق بالقرآن»".

يعني فيه ناس ما ينكرون السنة جملة يكونون مثل الخوارج، يقولون: عندنا كتاب وسنة، لكن موازينهم في قبول السنة ونقضها وردها تختلف عن الجادة التي سلكها أهل العلم، فتجدهم ينسفون الأحاديث نسفًا لقواعد أصلوها وضوابط جعلوها لأنفسهم تخالف ما درج عليها أهل العلم، فضعفوا من الصحيحين أحاديث كثيرة جدًّا، وكل هذا مبني على ما تمليه عليهم عقولهم، فهم فرع عن المعتزلة الذين يعملون بالسنة في الجملة، لكن يردونها بطريقة أخرى، بالقواعد والضوابط التي قعدوها، فالذي لا يوافق قواعدهم ويخالف عقولهم يردونه. وأبو رية معروف، كتب أكثر من كتاب في الباب، وأيضًا واحد يقال له: سيد صالح، ألَّف في اكتساح الأحاديث الإسرائيلية في صحيح البخاري، وغيره من نوعه، لكن الحمد لله، رد عليهم أهل العلم، وفنَّدوا شبههم.

طالب: "وعن عمر: «ثلاث يهدمن الدين: زلة العالم، وجدال منافق بالقرآن، وأئمة مضلون». وعن ابن مسعود: «ستجدون أقوامًا يدعونكم إلى كتاب الله وقد نبذوه وراء ظهورهم، فعليكم بالعلم، وإياكم والتبدع، وإياكم والتنطع، وعليكم بالعتيق»".

وبالعتيق تمسك قط والتزم، العتيق الذي هو القرآن.

طالب: "وعن عمر: «إنما أخاف عليكم رجلين: رجل يتأول القرآن على غير تأويله، ورجل ينافس الملك على أخيه»".

هذا رجل يتأول القرآن، هذا سبب ضياع الدين، سبب ضياع الأديان، والآخر رجل ينافس الملك على أخيه يسبب الفوضى، وزعزعة الأمن، وانتهاك الأرواح والأعراض، وغيرها. نعم.

طالب: "وهنا آثار في هذا المعنى حملها العلماء على تأويل القرآن بالرأي مع طرح السنن، وعليه حمل كثير من العلماء قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبقِ عالمًا، اتخذ الناس رؤساءً جهالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا»، وما في معناه، فإن كثيرًا من أهل البدع هكذا فعلوا: اطرحوا الأحاديث، وتأولوا كتاب الله على غير تأويله، فضلوا وأضلوا.

 وربما ذكروا حديثًا يعطي أن الحديث لا يُلتفت إليه إلا إذا وافق كتاب الله تعالى، وذلك ما روي أنه -عليه الصلاة والسلام- قال: «ما أتاكم عني فاعرضوه على كتاب الله، فإن وافق كتاب الله فأنا قلته، وإن خالف كتاب الله فلم أقله أنا، وكيف أخالف كتاب الله وبه هداني الله؟»".

لكنه حديث باطل، ولو بدأنا بهذا الحديث نعرضه على كتاب الله لتبين بطلانه، به نبدأ. نعم.

طالب: "قال عبد الرحمن بن مهدي: الزنادقة والخوارج وضعوا ذلك الحديث. قالوا: وهذه الألفاظ لا تصح عنه -عليه الصلاة والسلام- عند أهل العلم بصحيح النقل من سقيمه، وقد عارض هذا الحديث قوم، فقالوا: نحن نعرضه على كتاب الله قبل كل شيء، ونعتمد على ذلك. قالوا: فلما عرضناه على كتاب الله، وجدناه مخالفًا لكتاب الله؛ لأنا لم نجد في كتاب الله أن لا نقبل من حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا ما وافق كتاب الله".

يعني بهذا الحديث نبدأ، هذه القاعدة لو طبقناها على هذا الحديث انتهى ما قبلناه، وهذا الكلام كله لابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله. نعم.

طالب: "بل وجدنا كتاب الله يطلق التأسي به، والأمر بطاعته، ويحذر من المخالفة عن أمره جملةً على كل حال. هذا مما يلزم القائل: إن السنة راجعة إلى الكتاب، ولقد ضلت بهذه الطريقة طوائف من المتأخرين، كما كان ذلك فيمن تقدم، فالقول بها والميل إليها ميل عن الصراط المستقيم، أعاذنا الله من ذلك بمنِّه".

يعني لو نظرنا في التفاسير التي لا تعد ولا تحصى عند المتقدمين والمتأخرين، وجدنا على مر العصور تفاسير اعتمدت على ما جاء عن الله وعن نبيه وعن صحابته وسلف هذه الأئمة وأئمتها، وجدناها على الجادة، ما فيها ما يخالف، ولا تجد فيها تناقضًا. ووجدنا نوعًا آخر فيه الشطحات والزيغ والميل والحيد عن الصراط المستقيم. ووجدنا بعضها فيه سجال، فيه شيء موافق وشيء مخالف.

طالب: "فالجواب: إن هذه الوجوه المذكورة لا حجة فيها على خلاف ما تقدم. أما الوجه الأول، فلأنا إذا بنينا على أن السنة بيان للكتاب، فلا بد أن تكون بيانًا لما في الكتاب احتمال له ولغيره".

يعني أكثر من احتمال، يأتي في الكتاب إجمال يحتمل أكثر من وجه، ثم تأتي السنة مبينة ومؤكدة على أحد هذين الاحتمالات فيكون هذا البيان.

طالب: "فتبين السنة أحد الاحتمالين دون الآخر، فإذا عمل المكلف على وفق البيان، أطاع الله فيما أراد بكلامه، وأطاع رسوله في مقتضى بيانه، ولو عمل على مخالفة البيان، عصى الله تعالى في عمله على مخالفة البيان؛ إذ صار عمله على خلاف ما أراد بكلامه، وعصى رسوله في مقتضى بيانه".

إذا عصى الكلام المبيَّن، فعصيانه للكلام المبيِّن من باب أولى؛ لأنهما متلازمان.

طالب: "فلم يلزم من إفراد الطاعتين تباين المطاع فيه بإطلاق، وإذا لم يلزم ذلك، لم يكن في الآيات دليل على أن ما في السنة ليس في الكتاب، بل قد يجتمعان في المعنى، ويقع العصيانان والطاعتان من جهتين، ولا محال فيه".

لا محال في أن يكون الطاعة بسبب طاعة الله وطاعة رسوله، ولا تنافي بين الطاعتين، وكذلك العصيان.

طالب: "ويبقى النظر في وجود ما حكم به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في القرآن، يأتي على أثر هذا بحول الله تعالى، وقوله في السؤال: فلا بد أن يكون زائدًا عليه، مسلَّم، ولكن هذا الزائد هل هو زيادة الشرح على المشروح؛ إذ كان للشرح بيان ليس في المشروح وإلا لم يكن شرحًا، أم هو زيادة معنًى آخر لا يوجد في الكتاب؟ هذا محل النزاع".

بالنسبة لتوضيح هذا الكلام: عندنا في كتب العلم متون وشروح، هل رأيتم شرحًا أقل من المتن؟ يوجد؟

طالب: ما يمكن.

ما يسمى شرحًا، يسمى تعليقات على بعض المواطن، وإلا لو كان شرحًا لاشتمل على المتن وأضاف إليه إضافات كثيرة تبين هذا المتن، "وإلا لم يكن شرحًا، أم هو زيادة معنًى آخر لا يوجد في الكتاب؟ هذا محل النزاع".

 مثال ذلك: شرح متن في داخل مذهب، لا يخرج الشرح عن المذهب الذي اعتنى به المتن، التوضيح سوف يكون أضعاف، لكن إذا كان يتناول مذاهب أخرى بأدلتها صار من النوع الثاني.

 "أم هو زيادة معنًى آخر لا يوجد في الكتاب؟ هذا محل النزاع"، يعني إذا قلنا مثلاً: إن شرح مثلاً الروض المربع شرح زاد المستقنع خاص ببيان مسائل الكتاب في ضوء المذهب المشروح، ويكون في هذا أضعاف المتن، وهذا ماشٍ، وما فيه زيادة بيان أكثر من المسائل التي قررها صاحب المتن إلا في بضع وثلاثين مسألة خالف فيها المتن المذهب فشرحها على ضوء المذهب. ترى إذا جئنا للمغني، وهو شرح لكتاب أخصر من الزاد، الخرقي، وجدناه في عشرة مجلدات أو أكثر، لماذا؟

 لأنه وضح المذهب، وضح الكتاب، وخرج منه إلى المذاهب الأخرى ووضحها. هل بيان النبي -عليه الصلاة والسلام- من هذا النوع أنه يبين القرآن، ويزيد عليه أشياء مما يحتاجها الناس، أو أنه خاص ببيان ما أنزل الله إليه فلا يخرج عنه ولو احتاج الناس؟ قال: هذا هو محل النزاع.

طالب: "وعلى هذا المعنى يتنزل الوجه الثاني".

لكن على كل حال بيانه -عليه الصلاة والسلام- سواء قلنا إن فيه زيادات أو ليس فيه زيادات، هو مندرج تحت قوله: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 38]، ويكون التوسع في معنى هذه الآية في فهم ما أنزل الله وفي فحوى كلامه -جل وعلا- يمكن أن يتوسع في معنى هذه الآية، ويدخل فيها كل ما جاء عنه -عليه الصلاة والسلام-.

طالب: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ} [الحشر: 7]؟

{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ} [الحشر: 7] يدخل فيها كل السنة هذه، نعم.

طالب: "وأيضًا، فإذا كان الحكم في القرآن إجماليًّا وهو في السنة تفصيلي، فكأنه ليس إياه، فقوله: {أَقِيمُوا الصَّلَاةَ} [الأنعام: 72] أجمل فيه معنى الصلاة، وبينه -عليه الصلاة والسلام-".

بقوله وفعله.

طالب: "فظهر من البيان ما لم يظهر من المبيَّن، وإن كان معنى البيان هو معنى المبيَّن، ولكنهما في الحكم يختلفان، ألا ترى أن الوجه في المجمل قبل البيان التوقف، وفي البيان العمل بمقتضاه".

نعم. البيان كيف تعمل بكلام مجمل؟

يعني لو لم ينزل الله في الصلاة إلا {أَقِيمُوا الصَّلَاةَ} [الأنعام: 72]، كيف نقيم الصلاة؟ لازم نتوقف حتى يأتينا البيان، وقل مثل هذا في الأنظمة: الآن تأتي أنظمة، ويسن سنن وقوانين، تأتي إلى الجهات من أجل التنفيذ يحتارون في تطبيقها، فتحتاج إلى لوائح تنفيذية وتوضيحية، وتحتاج إلى هذه اللوائح، لكننا مع الأسف أننا نهتم بهذه الأنظمة، ولا نهتم بما جاء عن الله -جل وعلا-، تجد إذا جاءت القوانين الجديدة التي سُنت والأنظمة واللوائح، اجتمع المدير والمساعدون، وكل من يعنيهم الأمر ورؤساء الأقسام، وحللوه كلمة كلمة وحرفًا حرفًا، إذا توقفوا في شيء طلبوا إيضاحه من المراجع، كل هذا اهتمامًا بأمر الدنيا، ولا نقول: إن هذه الأمور مبنية على مصالح ما لم تخالف، لكن يبقى أن المسألة أننا عندنا كتابًا نزل من عند الله -جل وعلا-، وطولبنا بفهمه، وتطبيقه، والعمل به، ثم بعد ذلك كثير منا تمر عليه السنون ما يفعل شيئًا من ذلك، وهو المشكلة أنه محسوب على طلبة العلم. نعم.

طالب: "فلما اختلفا حكمًا صار كاختلافهما معنًى".

طالب: .......

كل ما يدل على، كل ما جاء عن الله مما يجب العمل به أو اعتقاد فيلزم.

طالب: "فلما اختلفا حكمًا صار كاختلافهما معنًى، فاعتبرت السنة اعتبار المفرد عن الكتاب. وأما الثالث، فسيأتي الجواب عنه في المسألة بعد هذا إن شاء الله. وأما الرابع، فإنما وقع الخروج عن السنة في أولئك؛ لمكان إعمالهم الرأي، واطراحهم السنن، لا من جهة أخرى، وذلك أن السنة كما تبين".

طويل هذا نقف عليه.

اللهم صلَّ على البشير النذير.

طالب: .......

...... لكن رؤوسهم هؤلاء الثلاثون، وهم لهم أتباع.

طالب: .......

هذا من شرفه -عليه الصلاة والسلام-، تبعًا لهم؛ بسبب الاقتداء به، فهو شرف له ما هم لهؤلاء، شرف له؛ لأنه فُضل الذين اقتدوا به.