شرح كتاب الإيمان من صحيح مسلم (18)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلَّم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فيقول الإمام مسلم -رَحِمَهُ الله تَعَالَى- في صحيحه، فيما ترجم عليه النووي -رَحِمَهُ الله- بقوله:

بَابُ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ لا يُشْرِك بِاللهِ شَيْئًا دَخَلَ الجَّنَّة وَإِنْ مَاتَ مُشْرِكًا دَخَلَ النَّارَ"

بَابُ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ لا يُشْرِك بِاللهِ شَيْئًا دَخَلَ الجَّنَّة وَإِنْ مَاتَ مُشْرِكًا دَخَلَ النَّارَ

قَالَ الإمامُ مُسْلِمٌ -رَحِمَهُ الله-:

"حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي وَوَكِيعٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ"

قال: "حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي" يعني: عبد الله بن نُمير، "وَوَكِيعٌ" وهو ابن الجراح الرؤاسي، الإمام المشهور، "عَنِ الْأَعْمَشِ" سليمان بن مهران، "عَنْ شَقِيقٍ" ابن سلمة أبي وائل، "عَنْ عَبْدِ اللَّهِ" وهو ابن مسعود، الصحابي الجليل، ابن أم عبد.

"قَالَ وَكِيعٌ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقال ابن نُمَيْرٍ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ"

الإمام مسلم فرَّق بين صيغتي الأداء بالنسبة لابن نُمير ووكيع، وكيع يروي عن الأعمش عن شقيق عن عبد الله: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. وابن نُميرٍ يروي عن أبيه، عن الأعمش، عن شقيق، عن عبد الله بن مسعود، قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. فهذا من دقة الإمام مسلم وتحريه، وإلا الأثر بين هذا الفرق ضعيف، الأثر ضعيف، لا يكاد يُذكر، ولا يُلتفَت إليه؛ لأنه على أقل ما قيل في: (قال) إنها مثل (عن)، تُحمَل على الاتصال إذا ثبت السماع، وبرئ الراوي من وصمة التدليس.

وعبد الله بن مسعود ثبت سماعه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأحاديث كثيرة، وهو صحابيٌ جليل -حاشاه عن هذا العيب- الذي هو التدليس. ف(قال) هنا محمولة على الاتصال. منهم من قال: إن (قال) و(عن) كلها لا تُحْمَل على الاتصال، بل هي منقطعة. وإذا قلنا: إنها منقطعة، قلنا: إنه مُرسَل صحابي، على أسوأ احتمال، ومُرسَل الصحابي مقبول.

أمَّا الَّذِي أرْسَلَهُ الصَّحَابِيْ

 

فَحُكمُهُ الوَصْلُ عَلى الصَّوَابِ

هذا لبيان سبب التفريق عند مسلم بين (قال) و(سمعتُ)، (سمعتُ) صريح في أنه تلقاه من النبي -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- مباشرة. وأيضًا (قال) عند الأكثر:

....... أمَّا الَّذِي

 

لِشَيْخِهِ عَزَا بـ (قالَ) فَكَذِي

عَنْعَنَةٍ كخَبَرِ المْعَازِفِ

 

لا تُصْغِ (لاِبْنِ حَزْمٍ) المُخَالِفِ

 

المقصود: أنها محمولة على الاتصال، ولا يضر قول من قال: إنها كالعنعنة محمولةٌ على الانقطاع، حتى يبين الوصل. على كل حال، هذا من دقة مسلم وتحريه، والأثر -مثل ما سمعنا- على أسوأ الاحتمال أنه مُرسَل صحابي، ومُرسَل الصحابي محمولٌ على الاتصال عند عامة أهل العلم، وهو الصواب.

أمَّا الَّذِي أرْسَلَهُ الصَّحَابِيْ

 

فَحُكمُهُ الوَصْلُ عَلى الصَّوَابِ

مع أنه صرَّح في رواية ابن نُمير، قال: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن بعضهم يستشكل، لماذا قال وكيع: قال، وقال ابن نُمير: سمعت؟ لهذا السبب. مع أن كثيرًا من المؤلفين من أئمة الإسلام لا يلتفتون إلى مثل هذه التفريقات؛ لضعف الأثر المترتب عليها.

يقول ابن مسعود -رضي الله عنه-: "سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «مَنْ مَاتَ يُشْرِكْ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ النَّارَ»".

وإذا كان الشرك هو الأكبر، فإن الجنة عليه حرام، {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} [سورة النساء:48]. إذا كان الشرك هو الأكبر، فهو خالد مُخلَّد في النار، نسأل الله العافية، {وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ} [سورة الحجر:48]. وإن كان الأصغر، فالخلاف بين أهل العلم في حكمه، هل هو يأخذ حكم الكبائر؟ بمعنى أنه تحت المشيئة، وبهذا قال جمعٌ من أهل العلم. ومنهم من يقول: حكمه حكم الشرك الأصغر، من تحتم دخول النار وعدم المغفرة. يدخل في قوله: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} [سورة النساء:48]، لكن يختلف عن الشرك الأكبر في كونه لا يُخلَّد في النار. «مَنْ مَاتَ يُشْرِكْ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ النَّارَ»، نسأل الله العافية.

و"قُلْتُ أَنَا" يقول ابن مسعود، في الجملة الأولى يقول: "سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «مَنْ مَاتَ يُشْرِكْ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ النَّارَ»" و"قُلْتُ أَنَا" ابن مسعود، يعني من تلقاء نفسه، اجتهادًا منه، موقوفةً عليه: "وَمَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ" من أين أخذ هذا ابن مسعود؟ هل هو من مفهوم الجملة السابقة؟ أو هو من أدلةٍ أخرى سمعها ابن مسعود- رضي الله عنه-؟ مع أنه ثبت أنه سَمِعَ الجملتين من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فثبت عنه بالأسانيد الصحيحة، أنه ثبت عنه العكس: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «مَنْ مَاتَ لا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا دَخَلَ الجَنَّة»، وبعض الروايات: وَقُلْتُ أَنَا: وَمَنْ مَاتَ يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا دَخَلَ النار. فالجملتان ثابتتان عنه، وقد سمعهما من النبي -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-، فأدى إحداهما في وقت ونسي الأخرى، ثمَّ أدى الثانية في وقت. وأدى الجملتين معًا في وقتٍ ثالث، وكلها ثابتة من حديث ابن مسعود مرفوعةً إلى النبي -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.

«مَنْ مَاتَ يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا» نكرة في سياق الشرط، فتعم جميع الأشياء، ويدخل في ذلك كل ما سوى الله -جلَّ وعلا-، ولو كان نبيًّا مُرسلاً أو ملكًا مُقرَّبًا، مهما علَّت منزلته وعَظُمَت مرتبته، لا يجوز أن يُصرف له شيءٌ مما يختص بالله -جلَّ وعلا-، ولا فرق بين أحد. لأن (شيئًا) نكرة في سياق الشرط، فتعم جميع الأشياء، كما أنها تعمُّ أنواع الشرك، ما يُشرَكُ به ومَنْ يُشْرَكُ به، تعمُّ هذا وهذا. فلا يتجاوز عن شرك على الخلاف في الأصغر، أما الأكبر لا فيه إشكال، ولا يتجاوز عمن يُشْرَك به ولو كان أفضل الخلق.

"«مَنْ مَاتَ يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا دَخَلَ النَّارَ»"، "وَمَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ".

"وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو كُرَيْبٍ" محمد بن العلاء، "قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ" يعني: الضرير، محمد بن خازم، "عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ" واسمه: طلحة بن نافع، "عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا الْمُوجِبَتَانِ؟، فَقَالَ: «مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ مَاتَ يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا دَخَلَ النَّارَ»".

والوجوب: الحتم واللزوم هنا. ما في مثنوية ولا استثناء، حتم ولزوم. «مَنْ مَاتَ يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا دَخَلَ النَّارَ» هذه موجبة، و«مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ». مع العلم بأنه لا يجب على الله شيء، وإنما أوجب على نفسه وحكم وقضى أن من أشرك به شيئًا لا يدخل الجنة، حرَّم الله عليه الجنة، فهذا على سبيل اللزوم والحتم الذي لا يختلف.

قال: "وَحَدَّثَنِي أَبُو أَيُّوبَ الْغَيْلَانِيُّ" واسمه: "سُلَيْمَانُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ، وَحَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو" عبد الملك بن عمرو كنيته؟ هو مشهور بكنيته، من هو؟ أبو عامر العقدي.

"قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثَنَا قُرَّةُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ" محمد بن مسلم بن تدرس المكي، "قَالَ: حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ" وأبو الزبير موصوف بالتدليس، لكنه هنا صرَّح بالتحديث، مع أنه لو لم يُصرِّح والحديث مُخرَّج في مُسلم، فأحاديثه محمولةٌ على الاتصال. وليس لأحدٍ أن يقدح في حديثٍ خرَّجه مُسلم من طريق أبي الزبير عن جابر، أو عن غيره من المُدلسين؛ لأنه وُجِدَ في كتابٍ التزمت صحته، وتلقته الأمة بالقبول، فلا كلام لأحد. وعلى كل حال، هنا صرَّح بالتحديث. "قَالَ: حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «مَنْ لَقِيَ اللهَ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ لَقِيَهُ يُشْرِكُ بِهِ دَخَلَ النَّارَ» قَالَ أَبُو أَيُّوبَ" يعني: الغيلاني، شيخ مُسلم، "عَنْ جَابِرٍ". وحجاج بن الشاعر قال: "حَدَّثَنَا جَابِرُ".

مثل ما تقدَّم في التفريق بين صيغ الأداء، وهذه من دقة الإمام مُسلم، حتى إنه كثيرًا ما يُفرِّق بين (حدَّثنا) و(أخبرنا) و(سمعتُ)، وكلها محمولة على الاتصال بالاتفاق. لكن دقة الإمام مُسلم تجعله يتحرى في التفريق بين هذه الألفاظ التي لا أثر للفرق بينها. والحديث معناه موافقٌ لمعنى ما جاء عن ابن مسعود.

قال: "وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُعَاذٌ وَهُوَ ابْنُ هِشَامٍ" لماذا يأتي ب(هو)؟ وما قال: أخبرنا معاذ بن هشام؟ لأن شيخه ما نسبه له، "إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُعَاذٌ" وأراد الإمام مُسلم أن يوضِّح ويُعيِّن هذا المُهْمَل، الذي يُذْكَر اسمه فقط، يسمونه: مُهْمَلًا. فعيَّنه الإمام مُسلم بقوله: "وَهُوَ ابْنُ هِشَامٍ". فلو قال: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُعَاذٌ بْنُ هِشَامٍ، زاد في نسب الشيخ ونسبه إلى شيخه، وشيخه لم ينسبه. فإذا قال: وهو فلان، عرفنا أن الذي زاد مَنْ دون الشيخ. كثيرًا ما يأتون ب(يعني)، ب(يعني ابن هشام)، وهو ابن هشام، أو يعني ابن هشام؛ للتنبيه على أن النسب مزيد، لم يُحدثه به شيخه.

"قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ نَبِيَّ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ بِمِثْلِهِ" والعلماء يقولون إن: المثل هو المُطابق، فيكون بلفظه، بخلاف ما لو قال: بنحوه، لو قال كذلك لعرفنا أنه بمعناه، بمعنى الخبر السابق لا بلفظه.

قال: "وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ وَاصِلٍ الْأَحْدَبِ، عَنِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ، يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".

مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَابْنُ بَشَّارٍ، هو محمد المعروف ببُندار.

"قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ" المعروف بغُندَر، وكلاهما معروفٌ بالرواية عنه.

قال: "حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ" وهو ابن الحجاج، "عَنْ وَاصِلٍ الْأَحْدَبِ" وتصحَّفَ عند بعضهم: عاصم الأحول، بدل: واصل الأحدب. التصحيف يسمونه تصحيف سمع؛ لكون الاسمين أو الأسماء الأربعة على ميزانٍ صرفيٍ واحد، واصل الأحدب وعاصم الأحول، أيهما الواحد يسمعه، مثل هذا سهل في السمع، وإن كان الأثر كبيرًا في الواقع، يعني هذا راوٍ وهذا راوٍ، قد يكون بينهما فرق في الرتبة.

"عَنِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ" وتصحَّف المعرور في بعض طبعات ((التقريب)) الهندية، قال: المعروف بن سويد، وهذا خطأ.

"عَنِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ" واسمه: جُندُب بن جُنادة، الصحابي الجليل، الزاهد. المُفترى عليه بأنه يرى الاشتراكية، وأُلِّف في اشتراكية أبي ذر؛ لكثرة حثه على إنفاق ما زاد على الحاجة، تصدُّق به، تخلَّص منه. ما زاد على الحاجة، لا تُبقيه. وزورًا وبُهتانًا دعاة الاشتراكية يزعمون أن هذه حقيقة الاشتراكية، وهم من أسوأ الناس تطبيقًا للأنظمة المالية. هم سووا بين الناس، صحيح سووا بين الناس بالفقر، أخذوا الذي عند الأغنياء ولم يعطوه للفقراء. شرَّكوهم في الفقر. ويُكْتَب عن أبي ذر أنه الاشتراكي الزاهد، نسأل الله العافية.

"عَنِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ، يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: «أَتَانِي جِبْرِيلُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- فَبَشَّرَنِي أَنَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِكَ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ» قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: «وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ»".

"قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قال: «وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ»" لأن هذه معاصي وكبائر تحت المشيئة، مشيئة أرحم الراحمين، ومع ذلك هي من عظائم الأمور، ورُتِّبَ عليها حدود، وهي من الكبائر لا بُدَّ فيها من التوبة أو تدارك الرحمة، رحمة أرحم الراحمين.

وليس معنى الخبر أنه يدخل الجنة من دون تنقية، ومن دون أن يُعَذَّب على قدر معصيته، إن لم يرحمه الله. دخل الجنة، يعني: مآله إلى الجنة، ولا يلزم أن يدخل الجنة من أول وهلة.

قال: "حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ خِرَاشٍ" بالخاء المعجمة، بخلاف رِبْعِي بن حِرَاش، وضبطه المنذري في ((مختصر السُّنَّن)) بالخاء المعجمة، وهو خلاف الصواب. رِبْعِي بن حِرَاش بالحاء المهملة، وهذا أحمد بن خراش.

" قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي حُسَيْنٌ الْمُعَلِّمُ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ" بُريدة له ابنان، أحدهما: سليمان، والثاني: عبد الله، والراوي هنا هو: عبد الله بن بُريدة.

"أَنَّ يَحْيَى بْنَ يَعْمَرَ حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا الْأَسْوَدِ الدِّيلِيَّ" عند المُحدثين يقولون: الديلي، وعند اللغويين يقولون: الدؤلي، من الدُّئِل بكسر ثانيه، وإذا نُسِب إلى المكسور الثاني يُفْتَح، مثل: النَمِر، يُقال له: النَمَري. ابن عبد البر النَمَري. إذا نسبت إلى مَلِك بكسر اللام، تقول: مَلَكي.

"أَنَّ أَبَا الْأَسْوَدِ"، اسمه: ظالم بن عمرو، أو عمرو بن ظالم، كما قالوا، قيل هذا وهذا. وهو مؤسس علم النحو، بإشارةٍ من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.

"حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا ذَرٍّ حَدَّثَهُ"، "أَنَّ أَبَا الْأَسْوَدِ الدِّيلِيَّ حَدَّثَهُ" حدَّث يحيى بن يعمر، "أَنَّ أَبَا ذَرٍّ حَدَّثَهُ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ نَائِمٌ" الخلاف في (أنَّ) وإعطاؤها حكم (عن)، أو جعلها مغايرة ومخالفة ل(عن).

......................................

 

وَحُكْمُ (أَنَّ) حُكمُ (عَنْ) فَالجُلُّ

سَوَّوْا، وَللقَطْعِ نَحَا (البَرْدِيْجِيْ)

 

حَتَّى يَبِينَ الوَصْلُ في التَّخْرِيجِ

لكن هنا صيغة الأداء ما هي ب(أنَّ)، ما هي بصيغة الأداء (أنَّ)؛ لأنه قال: "أَنَّ أَبَا الْأَسْوَدِ الدِّيلِيَّ حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا ذَرٍّ حَدَّثَهُ"، فالمعول هنا على التحديث، وليس من الإسناد المؤنأن أو المؤنن.

"قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ نَائِمٌ عَلَيْهِ ثَوْبٌ أَبْيَضُ" وهو نائم -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-، "ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَإِذَا هُوَ نَائِمٌ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ وَقَدِ اسْتَيْقَظَ" الصحابة -رضوان الله عليهم- لا يوقظونه، إذا نام لا يوقظونه، هو يقوم من تلقاء نفسه؛ لأنه تنام عيناه ولا ينام قلبه. فلا يتصور أن ينام عن واجب -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- فيحتاج إلى إيقاظ. نام في سفر عن صلاة الصبح، وأيقظهم حر الشمس؛ من أجل التشريع. وإلا فالأصل أنه تنام عيناه ولا ينام قلبه. أهل الحرص والتحري والديانة، حرص على عباداتهم، لو أن هذه القصة ما وقعت منه -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- كيف يصير وضعهم؟ من تفوته صلاة الفجر، يصاب بحسرة. لكن إذا عرف أن النبي -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- نام عن هذه الصلاة مرة واحدة، ليس مثل الذي تفوته الصلاة في الأسبوع مرتين أو ثلاثًا، أو في الشهر عددًا من الأيام، يقول: الرسول نام، غير صحيح، نومك نوم تفريط هذا. إذا حصل مرة في الشهر، أو في مدةٍ متطاولة ومتباعدة، مع بذل الأسباب، يرصد من يوقظه، وانتفاء الموانع، ما يسهر إلى قُرب الفجر ثمَّ ينام، يقول: والله الرسول نام! لا، هذا ليس بحُجة.

"فَإِذَا هُوَ نَائِمٌ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ وَقَدِ اسْتَيْقَظَ" -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- "فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: «مَا مِنْ عَبْدٍ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، ثُمَّ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ»" مات على كلمة التوحيد"«إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ»"

من كان آخر كلامه من الدنيا: لا إله إلا الله، دخل الجنة. ومن مات لا يُشْرِك بالله شيئًا، بعد أن قال: لا إله إلا الله، مآله إلى الجنة.

"«مَا مِنْ عَبْدٍ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، ثُمَّ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ»، قُلْتُ" القائل مَنْ؟ أبو ذر.

"قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: «وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ»، قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟" تعاظم أمر الزنا والسرقة، ولا شك في عِظَمِ شأنهما.

"وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟، قَالَ: «وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ» ثَلَاثًا" قلت: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟، في الثالثة قال: «وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ».

"قَالَ فِي الرَّابِعَةِ: «عَلَى رَغْمِ أَنْفِ أَبِي ذَرٍّ»". الحرص الزائد والتحري الزائد على ما شرع الله، هذا ليس بمحمود؛ ولذلك قال النبي -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: «عَلَى رَغْمِ أَنْفِ أَبِي ذَرٍّ»، أي: لَصِقَ أنفه بالرَغَام، الذي هو التراب.

"قَالَ: فَخَرَجَ أَبُو ذَرٍّ وَهُوَ يَقُولُ: وَإِنْ رَغِمَ أَنْفُ أَبِي ذَرٍّ" فأذعن أبو ذر -رضي الله عنه-  للحق، والصحابة في بعض المسائل يراجعونه -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- من شدة حرصهم على الخير، وبُعدِهِم ونُفرتهم من الشر.

ثمَّ قال -رَحِمَهُ الله تَعَالَى- فيما ترجم عليه النووي بقوله:

"بَابُ تَحْرِيمِ قَتْلِ الْكَافِرِ بَعْدَ قَوْلِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ"

قال الإمام -رَحِمَهُ الله-: "حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا لَيْثٌ ح، وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ" وحاء هذه هي حاء التحويل من إسنادٍ إلى آخر، وهي معروفة كثيرًا عند مُسلم، على قلة عند الإمام البخاري، وهي كثيرةٌ عند الإمام مُسلم وأبي داود.

"ح، وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ - وَاللَّفْظُ مُتَقَارِبٌ -" يعني لو بينهما اختلاف في اللفظ واضح، لنبَّه على أن اللفظ  لفلان، يعني: والمعنى للآخر.

"- وَاللَّفْظُ مُتَقَارِبٌ - أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ" الإمام الشهير، محمد بن مُسلم بن شهاب الزهري، "عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ" تابعي كبير، مثلوا به للمُرسَل الذي لا يُخْتَلَف فيه.

مَرْفُوعُ تَابعٍ عَلى المَشهُوْرِ

 

مُرْسَلٌ أو قَيِّدْهُ بِالكَبِيْرِ

يعني: مرفوع التابعي الكبير هذا لا يُختَلَف في تسميته: مُرسَل، وهو الذي ذكره الإمام الشافعي في رسالته، للمراسيل التي يقبلها، وقال: أن يكون المُرسِل من كبار التابعين. وهذا منهم، وذكروه في كتب المصطلح مثال.

"عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ، عَنِ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ" وهو المقداد بن عمرو الذي سيأتي؛ لأن والده عمرو، والأسود تبناه.

"عَنِ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ لَقِيتُ رَجُلًا مِنَ الْكُفَّارِ" هذا المقداد، يقول: "أَرَأَيْتَ" يعني: يا رسول الله، يعني: أخبرني، "أَرَأَيْتَ إِنْ لَقِيتُ رَجُلًا مِنَ الْكُفَّارِ فَقَاتَلَنِي، فَضَرَبَ إِحْدَى يَدَيَّ بِالسَّيْفِ فَقَطَعَهَا، ثُمَّ لَاذَ مِنِّي بِشَجَرَةٍ، فَقَالَ: أَسْلَمْتُ لِلَّهِ، أَفَأَقْتُلُهُ بَعْدَ أَنْ قَالَهَا؟" يعني: بعد أن دخل في الإسلام، وهذا إذا قال: أسلمت، كما لو قال: لا إله إلا الله. وإذا صلى، فمسلمٌ حُكمًا، لا يجوز قتله. فإذا قال: أسلمت، أو قال: لا إله إلا الله، أو صلى، فإنه حينئذٍ يُحْكَم بإسلامه، فلا يجوز قتله.

"فَضَرَبَ إِحْدَى يَدَيَّ بِالسَّيْفِ فَقَطَعَهَا، ثُمَّ لَاذَ مِنِّي بِشَجَرَةٍ" ابتلاء، وإلا الانتصار للنفس في مثل هذه الحالة قد يوقع في المخالفة، "فَقَطَعَهَا، ثُمَّ لَاذَ مِنِّي بِشَجَرَةٍ، فَقَالَ: أَسْلَمْتُ لِلَّهِ، أَفَأَقْتُلُهُ يَا رَسُولَ اللهِ، بَعْدَ أَنْ قَالَهَا؟ قَالَ: رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَا تَقْتُلْهُ» قَالَ: رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَا تَقْتُلْهُ» قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ قَدْ قَطَعَ يَدِي، ثُمَّ قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ قَطَعَهَا، أَفَأَقْتُلُهُ؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَا تَقْتُلْهُ، فَإِنْ قَتَلْتَهُ فَإِنَّك بِمَنْزِلَتِه قَبْلَ أَنْ تَقْتُلَهُ، وَإِنَّكَ بِمَنْزِلَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ كَلِمَتَهُ الَّتِي قَالَ»"، الأمر عظيم، الأمر عظيم، يعني: هذا الحكم مع أن فيه نوع شُبهة، قطع يده، وقاتل المسلمين، واحتمال أن يكون قالها لينجو من السيف، فكيف بمن يقتل المصلين؟! نسأل الله العافية. يعني: هل هؤلاء مشكوك في إسلامهم، وهم يصلون؟ الكافر إذا صلى فهو مُسلمٌ حكمًا عند أهل العلم، فكيف بمن عُرِفَ بالصلاة منذ أن عقل؟.

«فَإِنْ قَتَلْتَهُ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَتِكَ قَبْلَ أَنْ تَقْتُلَهُ، وَإِنَّكَ بِمَنْزِلَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ كَلِمَتَهُ الَّتِي قَالَ» هذا في ظاهره نوع إشكال، هذا الذي قُتِل بعد أن قال: أسلمت، بمنزلة الصحابي قبل أن يقتله، بمعنى أنه مُسلم. والصحابي بمنزلته قبل أن يقول: أسلمت، يعني كافر؟! هذا ظاهر اللفظ، لكنهم ذكروا عدة أجوبة عن هذا الإشكال، قالوا: فإنك بمنزلته قبل أن يقولها، يعني قبل أن يقولها هو غير معصوم الدم، فأنت حينئذٍ إذا قتلت مسلمًا فأنت غير معصوم الدم، فالمماثلة من هذه الحيثية. وهو بمنزلتك في عصمة الدم قبل أن تقتله. هذا من الأجوبة التي قيلت، وبعضهم يقول: هذا من باب شدة التنفير من هذا العمل، ومن أحاديث الوعيد التي تُمَر كما جاءت. وعلى كل حال، الذي يقتل مسلمًا متعمدًا جزاؤه جهنم، كما في سورة النساء، خالدًا فيها، مع أن الخلود لا يقتضي التأبيد، وإنما هو طول المدة، طول مدة البقاء. وإلا فالإجماع على أن القتل وإن كان عمدًا، لا يكفر به صاحبه ولا يخرج به من الملة. وإن كان شأنه عظيمًا، هذا وهو متؤول ومُعتدى عليه، قيل له: أنت بمنزلته وهو بمنزلتك، نسأل الله العافية.

قال: "حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ" الإمام المعروف بابن رَاهَويه، "وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ" كذلك إمام مُصنِّف، "قَالَا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ" أما إسحاق فلا يكاد يروي إلا بالإخبار، وعبد بن حُميد يروي بالإخبار والتحديث، لكنهما في هذا الحديث اتفقا على صيغة الأداء، "قَالَا: أَخْبَرَنَا" عبد الرزاق بن همام الصنعاني، صاحب المُصنَّف الشهير. وكل الثلاثة: إسحاق وعبد بن حُميد وعبد الرزاق من الأئمة الكبار المُصنفين، وإسحاق من الفقهاء، تُذكر أقواله ضمن أقوال الفقهاء.

"قَالَا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ" معمر بن راشد، "ح، وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى الْأَنْصَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ ح، وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ جَمِيعًا عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهَذَا الْإِسْنَادِ. أَمَّا الْأَوْزَاعِيُّ، وَابْنُ جُرَيْجٍ فَفِي حَدِيثِهِمَا قَالَ: أَسْلَمْتُ لِلَّهِ كَمَا قَالَ اللَّيْثُ" في الرواية السابقة: أسلمت، كما قال الليث في حديثه. "وَأَمَّا مَعْمَرٌ فَفِي حَدِيثِهِ: فَلَمَّا أَهْوَيْتُ لِأَقْتُلَهُ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ" والمعنى واحد، إذا أسلم، وهو لا يُسْلِم ولا يدخل الإسلام حتى ينطق بلا إله إلا الله. «أمرتُ أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله»، والصلاة تتضمن الشهادة.

"وَحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ" حرملة بن يحيى التُجيبي، "قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ" عبد الله، الإمام المشهور، "قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ" وهو ابن يزيد الأيلي، "عَنِ ابْنِ شِهَابٍ" وهو محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، "قَالَ: حَدَّثَنِي عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ اللَّيْثِيُّ ثُمَّ الْجُنْدَعِيُّ" والجُنْدَع فرع من الليث، ونُسِب إلى الليث، قيل: الليثي ثمَّ الْجُنْدَعِيُّ. وهذه الطريقة في ترتيب ألفاظ النَسَب، تأتي بالأعم ثمَّ الأخص؛ لأنك لو جئت بالأخص لا داعي لأن تأتي بالأعم، يصير لغو الكلام. لو قيل: الْجُنْدَعِيُّ ثمَّ الليثي، ما استفدنا؛ لأن معروف أن الجُنْدَع من الليث. متى يُحتاج إلى ذكر الأعم بعد الأخص؟ إذا اشترك الأخص بين أكثر من قبيلة، فيُحتَاج إلى التمييز.

"أَنَّ عُبَيْدَ اللهِ بْنَ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ أَخْبَرَهُ أَنَّ الْمِقْدَادَ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْأَسْوَدِ الْكِنْدِيَّ" المقداد بن عمروٍ، عمرو أبوه، والأسود هو الذي تبناه، "الْكِنْدِيَّ".

"أَنَّ الْمِقْدَادَ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْأَسْوَدِ" الآن الأسود هو والدٌ لعمرو؟ لو كان والدًا لعمرو، لقيل: ابنِ الأسود؛ لأنه تابع لمجرور بالإضافة، لكنه تابعٌ للمنصوب، وله نظائر. يعني: الأسود ليس بوالدٍ لعمرو، وإنما هو من توابع المقداد وهو منصوب. إذا قلت: عبد الله بنُ أبي ابنُ سلول، ترفع الجميع؛ لأنها تابعة للمرفوع، سلول أمه. عبد الله بنُ مالك ابنُ بُحينة، بُحينة أمه مثله، تُرفَع معه. إسماعيل بنُ إبراهيم بنُ عُليَّة، كلها من هذا النوع.

"أَنَّ الْمِقْدَادَ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْأَسْوَدِ الْكِنْدِيَّ، وَكَانَ حَلِيفًا لِبَنِي زُهْرَةَ، وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ لَقِيتُ رَجُلًا مِنَ الْكُفَّارِ ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ اللَّيْثِ" السابق.

ثمَّ قال: "حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ ح، وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ" الضرير، "كِلَاهُمَا، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي ظِبْيَانَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ" انتهى حديث أبي ذر، وحديث الأسود، وبدأ في سياق حديث أسامة بن زيد بطُرقه.

"عَنْ أَبِي ظِبْيَانَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، وَهَذَا حَدِيثُ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ" لأنه رواه عن ابن أبي شيبة، وأبو كُريب وإسحاق بن إبراهيم، لكن هو ساق لفظ أبي بكر بن أبي شيبة، "- وَهَذَا حَدِيثُ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سَرِيَّةٍ" القطعة من الجيش التي لا يكون فيها الرسول -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-، فإذا كان فيها فهي غزوة.

"بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سَرِيَّةٍ، فَصَبَّحْنَا الْحُرَقَاتِ مِنْ جُهَيْنَةَ" يعني: وصلناهم في وقت الصباح، "فَأَدْرَكْتُ رَجُلًا فَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَطَعَنْتُهُ فَوَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ، فَذَكَرْتُهُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-" في رواية: أنه أُخْبِر النبي -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- قبل أن يصل أسامة، وجاء المُبشِّر بالنصر وقتل هذا الرجل الذي أنكى بالمسلمين. وهنا يقول: "فَذَكَرْتُهُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-"، والأجوبة: يمكن المُبشِّر سبق، والثاني أخبر، ثمَّ جاء أسامة فسأل النبي -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- بعد علمه بالقصة.

"فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَقَتَلْتَهُ؟» قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّمَا قَالَهَا خَوْفًا مِنَ السِّلَاحِ" يعني هذه مسألة ظن من أسامة أو غلبة ظن، وقد يكون أنه قالها ...، لكن إنما تُبنى الأحكام على الظاهر، والقلوب لا يعرف ما فيها إلا علَّامُ الغيوب؛ ولذلك "قَالَ:" النبي -صلى الله عليه وسلم-: "«أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ»" يعني لتعلم هل قالها مقتنعًا بها من قرارة قلبه؟ أو قالها بلسانه فقط متعوذًا من السيف؟

"قَالَ: «أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ أَقَالَهَا أَمْ لَا؟»" يعني: القلب قالها، وإلا فاللسان نطق بها. "فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ" الرسول يُكرر: «أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ؟» يُكررها على أسامة، يقول: "حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي أَسْلَمْتُ يَوْمَئِذٍ"؛ ليكون إسلامي يَجُبُّ ما وقعت فيه من هذا الذنب العظيم، "قَالَ: فَقَالَ سَعْدٌ" بن أبي وقاص، أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، "فَقَالَ سَعْدٌ: وَأَنَا وَاللهِ لَا أَقْتُلُ مُسْلِمًا حَتَّى يَقْتُلَهُ ذُو الْبُطَيْنِ، يَعْنِي أُسَامَةَ"، سعد يقول: وأنا والله لا أقتل مسلمًا حتى يقتله ذو البطين، إذا قتله ذو البُطين انتهى، ما يحتاج يقتله سعد، يقتله ثانية؟! ما المعنى؟

طالب: إذا كان يستحق.

إذا كان يستحق، ولكن هذا يقول: حتى يقتله ذو البُطين.

طالب: ...

يقول: "وَأَنَا وَاللهِ لَا أَقْتُلُ مُسْلِمًا حَتَّى يَقْتُلَهُ ذُو الْبُطَيْنِ"، إن قال: اقتله، قتلته. ويقول: حتى يقتله. نعم أسامة بعد هذه القصة صار يتحرى، وصار مرجعًا؛ لأنها أثرت فيه أثرًا بالغًا، هل يتصور أن أسامة بعد هذا الكلام ينسى بعد عشرين، ثلاثين، أربعين سنة، ويقتل من قال: لا إله إلا الله؟ لا يُمكن. فصار كالمرجع لهم في هذه المسألة.

"قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: أَلَمْ يَقُلِ اللهُ: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [سورة الأنفال:39]؟ فَقَالَ سَعْدٌ: قَدْ قَاتَلْنَا حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ، قَدْ قَاتَلْنَا حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ، وَأَنْتَ وَأَصْحَابُكَ تُرِيدُونَ أَنْ تُقَاتِلُوا حَتَّى تَكُونَ فِتْنَةٌ".

الصحابة -رضوان الله عليهم- قاتلوا مع النبي -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- وبعده، حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله. ومن جاء بعدهم، "وَأَنْتَ وَأَصْحَابُكَ تُرِيدُونَ أَنْ تُقَاتِلُوا حَتَّى تَكُونَ فِتْنَةٌ"، وُجِدَ القتال من بعد الصحابة وبين الصحابة على سبيل التأويل. المقصود: أن من جاء بعد كبار الصحابة يُقاتلون، وقد يكون مقاتلة بعضهم من غير تبيُّن، فتحصل الفتن بسبب ذلك.

قال - رَحِمَهُ الله -: "حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ الدَّوْرَقِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ" وهو ابن بشير الواسطي، "قَالَ: أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ" وهو ابن عبد الرحمن، "قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو ظَبْيَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ" حِبُّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وابن حِبِّه، "يُحَدِّثُ قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى الْحُرَقَةِ مِنْ جُهَيْنَةَ، فَصَبَّحْنَا الْقَوْمَ فَهَزَمْنَاهُمْ وَلَحِقْتُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ".

"وَلَحِقْتُ أَنَا وَرَجُل" عَطَفَ على الضمير، ضمير الرفع المتصل، وفصل بضمير الرفع المنفصل، وهذا لا بُدَّ منه، كما قال ابن مالك:

وَإِنْ عَلَى ضَميرِ رَفْع ٍ مُتَصِل

 

عَطَفْتَ فَافْصِل بِالضَمِيرِ المُنْفَصِل

أو فَاصِل ٍ مّا وبلا فصل ٍ يرد

 

في النّظم فاشيًا وضعفه اعتقد

"لَحِقْتُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ رَجُلًا مِنْهُمْ، فَلَمَّا غَشِينَاهُ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَكَفَّ عَنْهُ الْأَنْصَارِيُّ، وَطَعَنْتُهُ بِرُمْحِي حَتَّى قَتَلْتُهُ، قَالَ: فَلَمَّا قَدِمْنَا بَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-" أُخْبِر النبي -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-، جاءه المُبَشِّر، "فَقَالَ لِي: «يَا أُسَامَةُ، أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ؟»، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّمَا كَانَ مُتَعَوِّذًا" يعني: مُستعصمًا مُلتجئًا، "قَالَ: فَقَالَ: «أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ؟» قَالَ: فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا" -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- "عَلَيَّ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ" مثل ما تقدَّم.

"حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ خِرَاشٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ" وهو ابن سليمان، "قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ أَنَّ خَالِدًا الْأَثْبَجَ ابْنَ أَخِي صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ، حَدَّثَ عَنْ صَفْوَانَ" يعني: عن عمه، "عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ، أَنَّهُ حَدَّثَ أَنَّ جُنْدَبَ بْنَ عَبْدِ اللهِ الْبَجَلِيَّ بَعَثَ إِلَى عَسْعَسِ بْنِ سَلَامَةَ، زَمَنَ فِتْنَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَقَالَ: اجْمَعْ لِي نَفَرًا مِنْ إِخْوَانِكَ"؛ ليُفيدهم جُندَب في زمن الفتنة، وهكذا ينبغي للعالِم أن يحرص على جمع الطُلاب، وجمع من يُمكن إفادته في أيام الفتن، ولا يُتْرَك آحاد المُتعلمين، ويُتْرَك المبتدئون من الطلبة يدوكون في المسائل الكبرى، وصغار طُلاب العلم يُفتون فيها، وتُنشَر أقوالهم.

"قَالَ: اجْمَعْ لِي نَفَرًا مِنْ إِخْوَانِكَ حَتَّى أُحَدِّثَهُمْ، فَبَعَثَ رَسُولًا إِلَيْهِمْ، فقال: اجْتَمَعُوا، جَاءَ جُنْدَبٌ" صحابي، "وَعَلَيْهِ بُرْنُسٌ أَصْفَرُ" بُرْنُس هو الثوب الذي رأسه مُلتصقٌ به، يعني: يغطي الرأس، وهو مما نُهِيَ المُحْرِم عن لبسه، وهو كثير في المغاربة، كثير عندهم. "وَعَلَيْهِ بُرْنُسٌ أَصْفَرُ، فَقَالَ: تَحَدَّثُوا بِمَا كُنْتُمْ تَحَدَّثُونَ بِهِ" أعطونا ما عندكم؛ ليسمع ما عندهم؛ ليصوِّب ما عندهم، "تَحَدَّثُوا بِمَا كُنْتُمْ تَحَدَّثُونَ بِهِ حَتَّى دَارَ الْحَدِيثُ، فَلَمَّا دَارَ الْحَدِيثُ إِلَيْهِ" يعني: جُندَب الصحابي الجليل، "حَسَرَ الْبُرْنُسَ عَنْ رَأْسِهِ" يعني: أزاله، "فَقَالَ: إِنِّي أَتَيْتُكُمْ، وَلَا أُرِيدُ أَنْ أُخْبِرَكُمْ عَنْ نَبِيِّكُمْ، ِأنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَ بَعْثًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى قَوْمٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَأنَّهُمُ الْتَقَوْا فَكَانَ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِذَا شَاءَ أَنْ يَقْصِدَ إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَصَدَ لَهُ فَقَتَلَهُ، وَإِنَّ رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَصَدَ غَفْلَتَهُ، قَالَ: وَكُنَّا نُحَدَّثُ أَنَّهُ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ" يعني القصة قريبة من قصة أسامة، "وَكُنَّا نُحَدَّثُ أَنَّهُ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، فَلَمَّا رَفَعَ عَلَيْهِ السَّيْفَ" يعني: أسامة، "قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ فَقَتَلَهُ، فَجَاءَ الْبَشِيرُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-" يُخبره بانتصار المسلمين وقتل هذا الرجل الذي أنكى فيهم وقتل من شاء قتله من المسلمين. "فَجَاءَ الْبَشِيرُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ- وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ، فَأَخْبَرَهُ، حَتَّى أَخْبَرَهُ خَبَرَ الرَّجُلِ كَيْفَ صَنَعَ، فَدَعَاهُ فَسَأَلَهُ فَقَالَ: «لِمَ قَتَلْتَهُ؟»" دعا أسامة، "«لِمَ قَتَلْتَهُ؟»، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَوْجَعَ فِي الْمُسْلِمِينَ، وَقَتَلَ فُلَانًا وَفُلَانًا، وَسَمَّى لَهُ نَفَرًا، وَإِنِّي حَمَلْتُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَأَى السَّيْفَ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَقَتَلْتَهُ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَكَيْفَ تَصْنَعُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟» قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، اسْتَغْفِرْ لِي" عرف أنه وقع في هفوةٍ عظيمة، وأن استغفار النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ينفعه.

"قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، اسْتَغْفِرْ لِي، قَالَ: «وَكَيْفَ تَصْنَعُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟» قَالَ: فَجَعَلَ لَا يَزِيدُهُ عَلَى أَنْ يَقُولَ: «كَيْفَ تَصْنَعُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»"

اللهمَّ صلِّ وسلِّم على البشير النذير، اللهمَّ صلِّ وسلِّم على البشير النذير.

"