عليكم بسنتي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فعنوان المحاضرة كما هو معلوم: (عليكم بسنتي)، وهو قطعة أو جملة من حديث العرباض بن سارية عند الإمام أحمد وأبي داود والترمذي وابن ماجه الحديث يقول العرباض: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون فقلنا: يا رسول الله كأنها موعظة مودّع فأوصنا، فقال: «أوصيكم بتقوى الله، وطاعة من ولاه الله أمركم، ولو كان عبدًا حبشيًّا، ومن يعش منكم؛ فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عَضُّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة». وجاء في بعض طرقه زيادات جمل لكن هذه أشهرها وأقواها يقول العِرباض وهو أحد من أنزل فيه قول الله جل وعلا:   التوبة: ٩٢  يقول هذا الصحابي الجليل وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فالوعظ من أهم ما يطلب من العالم أن يعظ الناس ويذكر الناس وقد أمر الله جل وعلا نبيه أن يذكرهم بالقرآن فقال جل وعلا: ق: ٤٥  والوعظ والتذكير من المهمات بالنسبة للعالم ومن النصيحة منه إلى عموم المسلمين فالوعظ هو الذي يحدو إلى العمل ومما يؤسف له أن تصوّر بعض طلاب العلم حول الوعظ خاطئ، وقد قلت لبعضهم مما ممن آتاه القدرة على التعليم لم لا تشرح كتاب الرقاق من صحيح البخاري قال ما ما أتمنى أن أصنف واعظ لا يرغب في أن يصنف واعظ وهذا الصحابي الجليل يقول وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه نظر إلى واقع الناس وأن الوعظ إنما يتولاه من مرتبته في العلم أقل ومن كانت مرتبته في العلم أكبر فإنما هو يعلم الناس الأحكام من الحلال والحرام مع أن الدين الذي أمرنا بالتفقه فيه يشمل جميع الأبواب ولا يختص بالأحكام العملية في الحديث الصحيح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في البخاري من حديث معاوية: «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين» تذكير الناس ووعظهم بالقرآن والسنة أليس هذا من الدين والفقه فيه فقه في الدين قصر الفقه على الأحكام العملية الممثلة بالأرباع الأربعة المعاملات، العبادات والمعاملات والأنكحة والجنايات هذا اصطلاح خاص عرفي وأما الفقه في الدين المقصود به بجميع أبوابه بأن جبريل لما سأل النبي عليه الصلاة والسلام عن الإيمان والإسلام والإحسان الإيمان هل يدخل في الأحكام العملية؟ لا، والإحسان كذلك وجموع الثلاثة المراتب التي سأل عنها جبريل النبي صلى الله عليه وسلم هي الدين بدليل قوله عليه الصلاة والسلام: «هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم» لا شك أن أهل العلم يهتمون بالأحكام ويبينونها للناس وهذا أيضًا من من المهمات ليعبد الناسُ ربهم على بصيرة فيعرفوا العبادات بشروطها وأركانها وواجباتها التي لا تصح إلا بها ويعرفون سننها وآدابها هذا مهم لكن لو نظرنا إلى مثال من هذه العبادات وهو الحج الذي كتب العلماء فيه الشيء الكثير من المناسك المستقلة المفردة ومن المناسك المودَعة في كتبهم في كتب الفقه والحديث وجدناها فيها الشروط والواجبات والأركان والسنن والآداب مفصّلة وإذا قارنا هذا بما في كتاب الله جل وعلا من سورة كاملة للحج ما وجدنا فيها شيء من هذا وجدنا السورة تفتتح بقوله جل وعلا: ﭔﭕ الحج: ١  علاج للقلوب قبل الجوارح ﭔﭕ الحج: ١  هذا الوعظ وهذا الوعظ بالقرآن فمن الخطأ في التصور أن يظن أن مرتبة الوعظ أقل وينظر إلى الواعظ على أنه شبه عامّي مع الأسف الشديد مع أن نفعهم في الناس عظيم وبالمقابل تجد كثير ممن الناس ينتسب إلى طلب ممن عنايتهم بالفقه الاصطلاحي تجدهم في باب العمل أقل عرفوا الأحكام لكن هل أثر هذا في قلوبهم وأعمالهم «إن الله لا ينظر إلى صوركم وأبدانكم وأعمالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم» هذا المهم ولا ينكر الصورة الظاهرة للعمل أبدًا لكن الأهم ما يتعلق بالقلب من هذه العبادات وما يفيد القلب منها المسلمون يحافظون على الصلوات كثير منهم يصلي ويواضب على الصلوات لكن هل تترتب الآثار على هذه الصلاة التي يؤديها كثير من المسلمين؟    ﯨﯩ العنكبوت: ٤٥  تجده يصلي يحافظ على الصلوات لكن قد يزاول بعض المنكرات لماذا؟ لأن القلب ما استفاد نعم أدّى الصلاة على صورة مجزئة مسقطة للطلب لكن القلب ما استفاد تجده يخالف وقل مثل هذا في بقية الأركان             البقرة: ١٨٣  يصوم شهر رمضان كامل وقد يعتكف في آخره ثم يخرج كما دخل ويلاحظ وهذا شيء نعيشه واقع عملي أن الذي كانت تفوته بعض ركعات الصلاة قبل رمضان إذا خرج من معتكفه ليلة العيد قد تفوته ركعات من صلاة العشاء من ليلة العيد وهو حديث عهد باعتكاف هل هذا استفاد الفائدة المرجوة من الاعتكاف؟ الذي المقصود منه جمعية القلب وحصره على الله جل وعلا وعلى ما يرضيه هذا شيء نعيشه واقع ما هو بافتراض والا شيء يتوقع الآن صرنا نعيش واقع عملي ما كنا نتصور أنه يوجد في بيوت المسلمين بعض أبناء المسلمين وبعض بنات المسلمين ما يصلي في بيوت نشأت عمرها كلها على الطاعة ما كنا نتوقع أنه يوجد مثل هذا والآن وجد وليس بقليل وكان العلماء إذا استفتوا يجي واحد يقول والله أنا ولدي تفوته الصلاة فضلاً عن كونه ما يصلي يقول تفوته الصلاة وأذهب لصلاة الفجر ثم أرجع وهو في فراشه يقال يا أخي اطرده هذا ما فيه خير لكن هل يمكن أن يقال مثل هذا الكلام الآن؟ لكثرة من يتساهل ويتكاسل عن الصلاة وقد يتركها والمردود بعد ذلك إذا طرد عن البيت تلقفه ألف شيطان، في القرن السابع عالم من علماء المغرب يقول إن الخلاف في كفر تارك الصلاة نظري افتراضي لأنه لا يتصور أن مسلمًا يشهد ألا إله إلا الله يترك الصلاة يعني خلاف العلماء في حكم تارك الصلاة مثل ما يقول أهل الفرائض توفي أو هلك هالك عن ألف جدة بس افتراض يمرن عليه طلاب علم فقط والا ليس له واقع وشوف اليوم بيوت المسلمين وش لون كل! هذا سببه عدم العناية بما يصلح القلوب «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح سائر الجسد وإذا فسدت فسد سائر الجسد وهو القلب» ليس لكثير من من يتصدون للتعليم عناية بما يصلح القلوب ونصوص الكتاب والسنة على ذلك متظافرة جدًا لا يمكن حصرها وكلام أهل العلم في هذا الباب وفي هذا المجال أيضًا كثيرٌ جدًا وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة وجلت منها القلوب والله إننا نذكَّر بالقرآن وكنا قبل سنين نتأثر لكن الآن ﭹﭺ ﭻﭼ ﭿ        المطففين: ١٤  هذا الرين الذي غطى القلوب صرنا لا نتأثر والقرآن يتلى بأصوات مؤثرة ومع ذلك ما ننتبه أننا في الصلاة إلا إذا بكى الإمام أو بكى أحد بجوارنا نعرف ثم ننعى أنفسنا وننتبه أننا بصلاة إلى الله المشتكى حالنا يختلف كثيرًا عن حال من قبلنا إلى وقت قريب قبل أن تفتح علينا الدنيا لما فتحت الدنيا وتنافسناها يخشى علينا أن تهلكنا كما أهلك من قبلنا، وجلت منها القلوب هذه صفة المؤمنين الصالحين الخاشعين المخبتين الأنفال: ٢  وجلت يعني خافت وجلت منها القلوب يعني خافت وذرفت منها العيود وذرفت منها العيود الآن كثير من الناس يشكو من الجفاف -وأنا واحد منهم- يعني ما لنا عهد بالبكاء من خشية الله نسأل الله جل وعلا أن يمن علينا بما يصلح قلوبنا وأعمالنا ويرزقنا الإخلاص في القول والعمل وجلت منها القلوب وذرفت منها العيود فقلنا يا رسول الله كأنها موعظة مودّع كأنها موعظة مودّع يعني كأن هذا آخر ما نسمعه منك لأن الرسول عليه الصلاة والسلام اجتهد في هذه الموعظة كأنها آخر شيء فأوصنا فقال: «أوصيكم بتقوى الله» وهي وصية الله جل وعلا للأولين والآخرين وصية الله للأولين   ﮪﮫ النساء: ١٣١ وتقوى الله إنما تكون بفعل الأوامر واجتناب النواهي وتقوى الله فيها خير الدنيا والآخرة يعني إن أردت المال ومتع الدنيا فاتق الله     ﮥﮦ الطلاق: ٢ - ٣  إن بغيت العلم فاتق الله ﯹﯺ ﯼﯽ البقرة: ٢٨٢  إلى غير ذلك من الآثار المترتبة على التقوى التي هي خير لباس وسبب النجاة في الدنيا والآخرة «وعليكم بالسمع والطاعة لمن ولاكم الله أمره» يعني من ولاة الأمور تجب طاعتهم ولا يجوز الخروج عليهم وفي الحديث الصحيح من حديث عبادة بن الصامت بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره على أن نقول أو نقوم بالحق لا نخاف في الله لومة لائم ما فيه تعارض بين السمع والطاعة وإنكار المنكر والأمر بالمعروف لكن بالطريقة التي تحقق المصلحة ولا يترتب عليها مفسدة فطاعة ولاة الأمر واجبة ما لم يأمروا بمعصية فإذا أمروا بمعصية فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق وتجب هذه الطاعة إلا إذا وجد المبرر للخروج وهو الكفر البواح الذي فيه أو عليه من الله برهان أو ترك الصلاة فإذا كانوا يصلون فتجب طاعتهم إذا لم يخرجوا من الدين ببرهان واضح فإنها تجب طاعتهم ولو كانوا فساقًا ولو كانوا ظلمة تجب طاعتهم إذا كانوا في دائرة الإسلام ما لم يوجد الكفر البواح الظاهر الذي فيه برهان واضح وماداموا يصلون فطاعتهم واجبة في بعض الروايات «ولو تأمر عليكم عبد حبشي ولو تأمر عليكم عبد حبشي» وفي الحديث الصحيح: «الأئمة من قريش» كيف ولو تأمر عليكم عبد حبشي وفي الحديث الصحيح: «الأئمة من قريش»؟ نعم في حال الاختيار لا يختار ولا يرشح إلا من قريش ولكن في حال الإجبار والغلبة فإنه لو تأمر واستتب له الأمر لا يجوز الخروج عليه وتجب طاعته «وعليكم بسنتي» سنته عليه الصلاة والسلام ما يؤثر عنه من الأقوال والأفعال والتقريرات ما يؤثر عنه عليه الصلاة والسلام من الأقوال والأفعال والتقريرات وصفته عليه الصلاة والسلام فما روي عنه من قول أو فعل أو تقرير أو وصف كل هذا سنته وهذه طريقته التي أمرنا بأن نقتدي فيه به فيها الأحزاب: ٢١  فلا بد من ائتمار ما أمر به واجتناب ما نهى عنه وهذا مقتضى شهادة أن محمدًا رسول الله       النور: ٦٣  فالأمر ليس بسهل في مخالفته عليه الصلاة والسلام مع الإصرار والعناد لكن قد تنازع النفس والشيطان والهوى في مخالفة بعض الأمور ثم بعد ذلك يتوب ويندم على ذلك كل بني آدم خطاء «وعليكم بسنتي» هذا إغراء بسنته عليه الصلاة والسلام فلا بد من اتباعه وعلى هذا جرى صحابته الكرام يقتدون به ويهتدون بهديه ويستنون بسنته وعامتهم وجملتهم يقتدون به في بل جميعهم في أقواله وأما بالنسبة للأفعال التي يقصد منها عليها الصلاة والسلام التقرب إلى الله جل وعلا يقتدون به فيها أما الأفعال الاعتيادية بحيث لو نزل في مكان أو مشت بعيره على هيئة أو صفة فإن هذا جماهير الصحابة ما ما فعلوه إلا ما يذكر عن ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه أنه كان يكفكف دابته لتقع مواطئها.. مواطئ أقدامها على مواطئ أقدام دابته عليه الصلاة والسلام لكن هذا ما ووفق عليه ابن عمر وكان يتحرى المنازل التي نزل فيها النبي عليه الصلاة والسلام ليبيت فيها أو يقيل فيها أو يصلي فيها مع أن الصحابة ما تتبعوا ذلك ففعله مرجوح رضي الله عنه وأرضاه وهذا من حرصه على اتباع النبي عليه الصلاة والسلام وحسن القصد قد لا يبرر العمل ولا شك أن مقصده حسن لكن لو كان أفضل لفعله الكبار أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم ممن هو أكبر وأعلم من ابن عمر جرى على ذلك صحابته الكرام رضوان الله عليهم وتبعه عليهم التابعون ومن تبعهم بإحسان وعرف عن الأئمة المتبوعين عن كل واحد منهم أنه قال إذا صح الحديث فهو مذهبي أو إذا خالف قولي قول النبي عليه الصلاة والسلام فاضربوا به عرض الحائط قد يقول قائل كيف يخالف قوله قول النبي عليه الصلاة والسلام أقول لأنه قد لا يبلغه قول النبي عليه الصلاة والسلام ولم يدعي واحد من الأئمة أنه أحاط بجميع ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد يبلغه لكن له فيه تأويل أو يرى أنه منسوخ إلى غير ذلك من الأعذار التي ذكرها العلماء في ما يقع من الأئمة من مخالفة للدليل إما إما ألا يبلغهم أو يبلغهم بطريق لا يثبت به الخبر أو يكون معارض على حسب اجتهادهم ولشيخ الإسلام ابن تيمية كتاب نفيس في هذا الباب اسمه: رفع الملام عن الأئمة الأعلام ومازال العلماء المحققون الربانيون يوصون بالنص ويعظمون النصوص وأثر ذلك واضح في علمهم وفي عملهم فلا شك أن الذي يعظِّم الدليل ترى البركة في علمه ولو كان قليلاً بخلاف من خف تعظيمه للدليل أو لم يعتن بالدليل كما ينبغي واعتنى بالأقوال والآراء والأقيسة والاجتهادات تجد عنده كلام كثير مرتب لكن لا ترى عليه نور العلم الصحيح الذي يدل على الصراط المستقيم وإذا قارنّا بين علم السلف وبين علم الخلف وجدنا علم السلف قليل في جمل أو في عبارات يسيرة لكن عليه نور النبوة ولما بعد العهد صار الناس يكثرون الكلام ويشققون المسائل ولا يعتنون بالدليل كما ينبغي فتجد الشخص يصنف الكتاب في عشرة مجلدات في عشرين مجلد يمكن اختصاره في مجلد واحد زبدته يمكن أن تصفى في مجلد واحد وكثير من الناس ينظر إلى العلم ويقيس العلماء بكثرة كلامهم وهذا ميزان خاطئ يقول الحافظ ابن رجب رحمه الله في فضل علم السلف على الخلف: من فضل عالمًا على غيره بكثرة كلامه فقد أزرى بسلف هذه الأمة والمعوّل عليه في هذا الباب على النص لا شك أن النص يحتاج إلى مقدمات يعرف بها كيفية التعامل مع النص وقد ألّف العلماء في العلوم التي يسمونها علوم الآلة يتسنى لطالب العلم أن أن يتعامل بواسطتها مع النصوص ويفهمها على الجادة المأثورة عن أهل العلم الراسخين المحققين لكن ذلك يكون بقدر الحاجة وتلتفت الهمة والعناية بالنص نفسه وما يستنبط منه «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي» «سنتي وسنة» العلماء يقولون العطف يقتضي المغايرة فهل سنة الخلفاء الراشدين غير سنته عليه الصلاة والسلام؟ أو هي مقتبسة من مشكاة سنته عليه الصلاة والسلام؟ لا شك أنها مقتبسة من مشكاة سنته عليه الصلاة والسلام فلا يأتون بشيء لا أصل له من كتاب الله ولا من سنة نبيه عليه الصلاة والسلام وحينئذٍ إذا عارض قولهم أو قول أحدهم ما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام مما لم يبلغ هذا المعارض فلا قول لأحد مع قوله عليه الصلاة والسلام فليست سنة الخلفاء الراشدين مستقلة وإنما هي تابعة لسنته عليه الصلاة والسلام لكن إذا اجتهدوا في مسألة يخفى دليلها أو يحتمل أكثر من معنى فاتجهوا إلى أحد هذه المعاني واتجه غيرهم إلى معنى آخر فالمقدم قولهم على قول غيرهم «وسنة الخلفاء الراشدين المهديين» الذين أرشدهم الله ودلّهم على طريق الحق والصواب وهداهم إلى الصراط المستقيم «تمسكوا بها» حث على أن نتمسك بسنته عليه الصلاة والسلام والمتمسك بسنته عليه الصلاة والسلام هو الآمن في الدنيا والآخرة وفي آخر الزمان للمتمسك بسنته عليه الصلاة والسلام أجر خمسين قالوا يا رسول الله منا أو منهم قال: «منكم»، أجر خمسين من الصحابة هذا شيء عظيم لا يقدر قدره إلا الله جل وعلا قد يقول قائل هل يتصوّر أن شخص وإن كان من أعلم الناس وأزهد الناس وأعبدهم أن يكون أفضل من شخص من الصحابة ولو كان أقلهم شأنا؟ يعني لو افترضنا أن عمر بن عبد العزيز أو سعيد بن المسيب أو أويس القرني أو غيرهم من خيار هذه الأمة ممن أتى بعد  الصحابة هل يبلغ ما بلغه أدنى الصحابة منزلة لا يمكن لكن تضاعف لهم الأجور في العمل نفسه أما شرف الصحبة وفضل الصحبة فلن يناله أحد ممن أتى بعدهم كائنًا من كان فتبقى مزيتهم على غيرهم ويبقى الفضل من الله جل وعلا لمن استن بسنته عليه الصلاة والسلام وتمسك بها «تمسكوا بها وعَضُّوا عليها بالنواجذ» تمسكوا بها ﮮﮯ الزخرف: ٤٣   الأعراف: ١٧٠  «تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ» يعني مبالغة في التمسك بها «عَضوا عليها بالنواجذ» يعني بالأنياب والأضراس بحيث لا تفرطوا بها بحال من الأحوال «وإياكم ومحدثات الأمور» الإغراء بقوله عليه الصلاة والسلام: «عليكم بسنتي» يقابله التحذير من محدثات الأمور «وإياكم ومحدثات الأمور» قبل ذلك من الأمثلة على سنة الخلفاء الراشدين جمع القرآن في صحف في عهد أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه وفي مصحف في عهد عثمان رضي الله عنه وإحراق ما عداه هذه من سنة الخلفاء الراشدين يجب علينا اتباعهم فيها لأننا أمرنا بالأخذ بسنتهم ومع ذلك ما خالفهم أحد من الصحابة فهو محل إجماع واتفاق وإن كانت السنة والبداية من هذين الخليفتين الراشدين ومن سنة عمر رضي الله عنه وأرضاه وكثيرًا ما يجمع الصحابة يستشيرهم ويصدر عن رأيهم وعمر الأمثلة على اختياراته كثيرة جدًا وهو الخليفة الراشد المحدث الملهم من ذلك مسائل عملية حمل الناس عليها عمر رضي الله عنه وإن كان ما حملهم عليه يخالف الظاهر من قبل فطلاق الثلاث مثلاً والذي أمضاه عمر على الناس كان في عهد النبي عليه الصلاة والسلام وعهد أبي بكر وفي صدر من خلافة عمر الثلاث واحدة فلما استخف الناس بهذا الحكم وتلاعبوا بحكم الله فيه حملهم على أن تكون الثلاث ثلاث ووافقه على ذلك عامة علماء الإسلام وهو مذهب الأئمة الأربعة وأتباعهم ثم جاء من ينصر القول الآخر وكل على خير إن شاء الله تعالى أيضًا جمعهم على حد الخمر جلَد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين وجلد أبو بكر أربعين فلما كان في وقت عمر كثر الشرب في عهده واستشار الصحابة فاتفقوا على أن يكون ثمانين وهو خليفة راشد أمرنا بالاقتداء به مع أنه جاء في أحاديث قتل المدمن إذ «من شرب الخمر فاجلدوه ثم إذا شرب فاجلدوه ثم إذا شرب فاجلدوه» فقال في الرابعة «ثم إذا شرب فاقتلوه» جمهور أهل العلم على أن هذا الحديث منسوخ ومنهم من يقول هم محكم مطلقًا ومنهم من يقول أن هذا يعني القتل تعزير للإمام أن ينفذه إذا كثر الشرب ولم يرتدع الناس بالحد المقصود أن لهم سنن يقتدى بهم فيها وعثمان رضي الله عنه سن الأذان الأول يوم الجمعة ووافقه عليه الصحابة والتابعون ومن جاء بعدهم والمعوّل في ذلك على قوله عليه الصلاة والسلام عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي إجماع الأربعة هل يعد إجماع فلا تجوز مخالفته أو لا؟ مسألة خلافية بين أهل العلم لكن لا شك أنه إذا لم يخالف الأربعة فالقول بما قالوه وإن خولفوا فالمرجح ما ذهبوا إليه والمسألة معروفة في كتب الأصول علي رضي الله عنه له اختيارات واجتهادات كثيرة في مسائل وحكم بقضايا بحضرة عمر وبحضر عثمان ورجعوا إلى رأيه فهو من أئمة الهدى ومن كبار الفقهاء في الإسلام رضي الله عن الجميع وأرضاهم «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي» ومعلوم أنه إذا تعارضت سنته مع سنتهم أو سنة واحدة منهم فلا قول لأحد مع قوله عليه الصلاة والسلام وعرفنا الوجه في كيف يتعارض قوله قول واحد منهم مع ما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام وإذا تعارض قولهم مع قول غيرهم فالمرجح قولهم وإن كان لا على سبيل الإلزام لأن المسألة تحتاج إلى نظر واجتهاد لكن المرجح بهذا الحديث قول وقول واحد منهم إذا خالفه غيره أما إذا لم يخالف فيتعين القبول قبول قولهم «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور» المحدثات البدع البدع ما عمل أو ما أحدث في الدين مما لم يسبق له شرعية من كتاب ولا سنة.

الأذان.

«وإياكم ومحدثات الأمور» المحدثات هي البدع وهي ما أحدث في الدين مما لم يتقدم له شرعية من كتاب ولا سنة هذه هي حقيقة البدعة مما يتقرب به إلى الله جل وعلا هذه هي المحدثات والنبي عليه الصلاة والسلام يقول في حديث عائشة «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» «ومن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» أي مردود على صاحبه فمن شرط قبول العمل أن يكون صوابا على سنة النبي عليه الصلاة والسلام إضافة إلى الشرط الأول وهو إخلاص العمل لله سبحانه وتعالى فلا بد لقبول العمل أن يتحقق الشرطان الإخلاص والمتابعة لرسوله عليه الصلاة والسلام إخلاص العمل لله ومتابعة رسوله عليه الصلاة والسلام   ﭢﭣ الملك: ٢  قال الفضيل بن عياض أخلصه وأصوبه قيل يا أبي علي ما أخلصه وما أصوبه قال إذا كان العمل خالصًا لله جل وعلا ولم يكن صوابًا على سنة النبي عليه الصلاة والسلام فإنه لا يقبل وإذا كان على سنته عليه الصلاة والسلام ولم يكن خالصًا لله جل وعلا فإنه لا يقبل وهذان الشرطان مجمع عليهما بين أهل العلم فالعمل المجرد عن الإخلاص مردود على صاحبه والعمل وإن أخلص فيه صاحبه وعمله لوجه الله جل وعلا لكنه على غير هدي النبي عليه الصلاة والسلام وعلى غير سنته فإنه أيضًا لا يقبل والنبي عليه الصلاة والسلام يقول «صلوا كما رأيتموني أصلي» «خذوا عني مناسككم» وهذا في في سائر الأعمال «وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة» يعني كل محدث مبتدع مخترع في الدين بدعة، والبدعة ما عمل على غير مثال سابق مما لم يسبق له شرعية في الكتاب والسنة قال عليه الصلاة والسلام «وكل بدعة ضلالة وكل بدعة ضلالة» عموم «كل بدعة ضلالة» كل ما يبتدع في الدين ضلال وإذا كان ضلال صار وبالاً على صاحبه كما عليه سائر المبتدعة الذين ضلوا عن الصراط المستقيم واخترعوا في الدين ما لم ينزل الله به سلطانًا ولا جاء عن رسوله عليه الصلاة والسلام شيء يدل عليه وفي هذا رد على من يقسم البدع إلى بدع حسنة وبدع سيئة أو يقسم البدع إلى الأحكام الخمسة فيقول بدع واجبة وبدع مستحبة وبدع مباحة وبدع مكروهة وبدع محرمة هذا التقسيم مبتدع مخترع لا يدل عليه الكتاب ولا السنة بل الأدلة على خلافه «كل بدعة ضلالة» ونحن نقول بدعة واجبة بدعة مستحبة كيف الرسول عليه الصلاة والسلام يقول كل بدعة ضلالة؟ ونحن نقول لا هذه بدعة مستحبة بدعة محمودة «كل بدعة ضلالة» كما قال النبي عليه الصلاة والسلام والعموم محفوظ ما خص بشيء قد يقول قائل عمر بن الخطاب رضي الله عنه كما في صحيح البخاري يقول في صلاة التراويح الذي جمع عليها الناس على إمام واحد قال نعمت البدعة يقول عمر نعمت البدعة فهو مدح البدعة فلماذا لا نقول أن هناك بدع محمودة كبدعة التراويح؟ يقول نعمت البدعة والشاطبي يقول إن التقسيم مبتدع مخترع لا يدل عليه دليل لا من الكتاب والسنة إذًا كيف يقول عمر ونعمت حرف مدح أو فعل مدح على الخلاف في بئس ونعم هل هما حرفان أو فعلان فكأنه يمدح البدعة عمر يمدح هذا العمل بلا شك إذًا كي يقول بدعة؟ أولاً هل هو بدعة أو ليس ببدعة شيخ الإسلام رحمه الله يرى أنها بدعة لغوية وليست ببدعة شرعية والشاطبي رحمه الله يقول مجاز والحافظ ابن رجب يقول بقول شيخ الإسلام وكثير من شيوخنا يقولون بما قاله شيخ الإسلام من باب:

إذا قالت حذام فصدقوها

 

فإن القول ما قالت حذام .

ما البدعة في اللغة البدعة في اللغة ما عمل على غير مثال سابق فهل صلاة التراويح عملت على غير مثال سابق النبي عليه الصلاة والسلام صلى بالصحابة ليلتين أو ثلاث جماعة فما فعله عمر له أصل والا ما له أصل؟ له أصل من فعل النبي عليه الصلاة والسلام قد يقول قائل أن الرسول عليه الصلاة والسلام ما استمر وتركه الرسول عليه الصلاة والسلام بيّن  العلة أنه ما تركها عدولاً عنها وإنما تركها خشية أن تفرض عليهم ثم يعجزوا عنها وهذا من شفقته عليه الصلاة والسلام بأمته فهي ليست ببدعة لغوية هل هي بدعية شرعية؟ لا، لأن لها سبق لها دليل من السنة إذًا ليست ببدعة لا لغوية ولا شرعية طيب وش الكلام اللي يقوله عمر؟ نعمت البدعة عمر سماها بدعة وحنا نقول ليست ببدعة عمر صاحب الشأن يقول بدعة ونحن ندافع عنه يقول بدعة نقول لا ليست ببدعة نقول ليست ببدعة لا لغوية ولا شرعية طيب قال بدعة هو نقول نعم قال بدعة على سبيل المشاكلة والمجانسة في التعبير والأسلوب فقط لا في حقيقة الأمر والمشاكلة نوع يبحث في علم البديع من فنون البلاغة ﮯﮰ الشورى: ٤٠  جزاء سيئة الأولى سيئة بلا شك والمعاقبة على هذه السيئة سيئة والا حسنة؟ حسنة بلا شك طيب شرب الخمر سيئة عقوبة الشارب حسنة والا سيئة؟ حسنة إذًا كيف قال سيئة ﮯﮰ الشورى: ٤٠  من باب المشاكلة والمجانسة في التعبير قالوا اقترح شيئًا نجد لك طبخه قلت اطبخوا لي جبة وقميصًا الجبة والقميص تطبخ؟ لا، تخاط ولا تطبخ لكن من باب المشاكلة والمجانسة في التعبير قال اطبخوا لي جبة وقميص عمر رضي الله عنه قال ذلك كأن قائلاً قال له ابتدعت يا عمر قال نعمت البدعة على سبيل المشاكلة وجاء في بعض الطرق التي غاب عني من خرجها أنه قيل له فعلاً ابتدعت يا عمر فقال نعمة البدعة ولو لم يقل له أحد وإنما توقع أن يقال له صح أن يقال هذه مشاكلة لأن المشاكلة لا تقتصر على على التصريح باللفظين المشاكِل والمشاكَل بل قال أهل العلم في كتب البلاغة أنه ولو كان المشاكَل مقدّرًا سواء كان ملفوظ أو مقدر فكأن عمر توقع أن يقال له ابتدعت يا عمر فقال نعمة البدعة وهذه مشاكلة فلا يستدل بها ولا يتمسك بها في تقرير البدع وأن منها ما هو حسن أساء الأدب بعض شراح الحديث من المتأخرين فقال والبدعة بدعة ولو كانت من عمر يعني البدعة مذمومة ولو كانت من عمر الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين» راشدين مهديين تقول ولو كانت من عمر والله المستعان «فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة» وجاء عند النسائي «وكل ضلالة في النار» قد يقول المبتدع الذي تلبس بهذه الضلالة مادامت الضلالة البدعة في النار الأمر سهل «كل ضلالة في النار» يعني بدعته في النار وهو وش يصير؟ مثل ما قالوا لواحد مسبل قيل له «ما أسفل من الكعبين ففي النار» قال بصره اللي أسفل من الكعبين من الثوب ففي النار الأمر سهل يصير في النار هو يحسب المسألة الثوب والمراد «كل ضلالة في النار» يعني صاحبها صاحب الضلالة هو اللي في النار والا الضلالة شيء معنوي وليست بحسي وكذلك الثوب ما له ذنب ليس له ذنب إنما الذنب على من اركتب المخالفة.

 

والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.