بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
وحياكم الله في هذا المجلس الطيب المبارك وفي هذا المكان المبارك وهذا الجمع المبارك وبحضرة هذا العالِم المبارك والدنا الشيخ العلامة صاحب المعالي الشيخ عبد الكريم الدكتور الشيخ عبد الكريم بن عبد الله الخضير الذي أحبه أهل هذا البلد على وجه الخصوص وأحبه المسلمون في شتى بقاع الأرض أحبوا بسماع صوته وارتاحوا لتوجيهاته وفتاواه وما أحبوه إلا لأنه أحبهم وأحب الخير لهم ونصح لهم ونحن في هذا البلد محظوظون بزياراته وإن كنا نتمنى أن تطول وأن تكثر فنحن جيرانه وبين بيتيه بين أهله في القصيم وأهله في الرياض هنا أهل له وأحبة يحبونه ويحبون أولاده وأهل بيته وصحبه ومن يأتي معه في هذه الليلة الطيبة التي هي مفتاح لدورة رياض الجنة التي ستبدأ غدًا بمشيئة الله تعالى يسعد مكتب الدعوة والمكتب التعاوني وتوعية الجاليات في محافظة الزلفي أن تستضيف معالي الشيخ في هذه الليلة وفي افتتاح هذه الدورة في محاضرة عنوانها: معالم في طلب العلم، فنسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجزي شيخنا خير الجزاء وأن يبارك في عمره وفي عمله وفي وقته وفي كل ما يأتي وما يذر كما نسأله عز وجل أن يجزي خير الجزاء صحبه الكرام الذين أتوا بمعيته من أبنائه ومن معه وأن يجعل الجميع مفاتيح للخير مغاليق للشر مباركين أينما كانوا وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
ففي هذه الليلة الطيبة المباركة وفي هذا المكان المبارك في بيت من بيوت الله وبين إخوة كرام أعزة علينا نحبهم في الله نجتمع في هذه الليلة على الذكر إن شاء الله تعالى والتذاكر لنصوص الكتاب والسنة وأقوال أهل العلم فيما يتعلق بالعنوان الذي ذكره الشيخ في التقدمة وهي معالم في طلب العلم أو في طريق طلب العلم وهذا العنوان طرقناه مرارًا وفيه أكثر من محاضرة في عمومه وفي أجزائه فالكلام فيه مكرر لكن أجزم بأن كثيرًا من الحاضرين أو أكثر الحاضرين لم يسمعوا ما قيل فيه وتكرار الكلام في العلم مفيد جدًّا تكرار الكلام في العلم مفيد جدًا لأن العلم قد لا يثبت بسماعه لأول مرة ولذلكم تجدون في مؤلفات العلماء في الفنون كلها الكتب المتعددة التي يوجَد فيها من التكرار والقواسم المشتركة ما يوجد فلو نظرنا إلى كتب التفسير وجدنا أن بعضها ينقل من بعض ويكرر فيه كلام من تقدم وليس ذلك بعيب لأنك قد تقرأ الفائدة في هذا الكتاب لأول مرة ثم تقرأها في كتاب آخر فينجلي غامضها وتتأكد في ذهنك وتثبت فإذا قرأته مرة ثالثة رسخت في ذهنك وتمكنت من حفظك وقل مثل هذا في شروح الأحاديث تجد الكلام الذي يذكره ابن حجر موجود عند العيني وموجود عند الكرماني لا أقول بحروفه ولكن فيه تشابه كبير والفائدة مثل ما ذكرنا قد يقرأ الإنسان فتح الباري وهو من أوفى الشروح وأوسعها ويمر عليه مسائل علمية قد لا يستوعبها من أول مرة فإذا قرأها في كتاب آخر قد تكون بصياغة أوضح وأسهل فتثبت في ذهنه وكتب المتون العلمية المؤلفة للطبقات من المتعلمين تجد كتب الطبقة الأولى موجودة مسائلها في كتب الطبقة الثانية مع نوع توسُّع وكتب الطبقة الثانية موجودة في كتب الطبقة الثالثة مع نوع توسع فإذا مرّت المسألة على طالب العلم المبتدئ بشيء من الاختصار ثم مرت عليه مرة أخرى إذا تجاوز مرحلة المبتدئين إلى مرحلة المتوسطين بشيء من التوسع وبطريقة في العرض أوضح وأوعب رسخ العلم في ذهنه ثم إذا مر عليه مرة ثالثة ورابعة وهكذا ثبت العلم وهذا ليس بعيب عند أهل العلم ولو قارنّا بين كتب الموفَّق في الفقه الموفق ابن قدامة وجدنا أن العمدة موجودة مسائلها في المقنع العمدة مسائلها موجودة في المقنع ومسائل المقنع موجودة في الكافي ومسائل الكافي موجودة في المغني وكل كتاب أوسع من الذي قبله فالتكرار قد يكون عند بعض الناس ممن جُبِل على الملل قد يمل من ذلك لكن ليس من العبث أن يكرر العلماء التأليف في والتواطؤ على التأليف في فن واحد والمسائل متشابهة وإلا فقلنا يكفي تفسير واحد ويكفي من شروح البخاري واحد بدل من ثلاثمائة ويكفي من كتب الفقه واحد من كل فن واحد علشان ما نكرر والعلماء في تأليفهم يقلبون العلم من جانب إلى آخر ومن طريقة إلى أخرى فتجد هذا يؤلف متنًا وهذا يختصره وذاك يشرحه وهذا يحشِّي عليه وهذا يذكر زوائده على كتاب آخر كلها تدور في فلك واحد وهذا من أنفع ما يزاوله طالب العلم حتى إذا تمكن وتجاوز الطبقة الأولى من طبقات المتعلمين والثانية حاكى هذه المؤلفات وأفاد منها فائدة كبيرة جدًا لأن الإنسان وهو يقرأ لاسيما إن كانت حافظته لا تسعفه بحفظ الكتاب كله يعانيه ويتعب عليه وينسخه ويقارنه بكتب أخرى ويشرحه من كتب ثم يختصره يقلب هذا الكتاب من كل وجه حتى إذا فرغ من ذلك هضم الكتاب وضبطه بحيث لا يحتاج أن يعود إليه مرة أخرى وهكذا المحاضرات في موضوع واحد تجد هذه المحاضرة يلقيها فلان من الناس أكثر من مرة ثم يلقيها فلان شخص آخر مرة ثم يلقيها آخر وتجد في هذا الموضوع عشر محاضرات وتجد في هذا ما لا يوجد في هذا يعني لو قارنت بين المحاضرات التي ألقيتُها في هذا الباب وهي متعددة تجد في هذه ما لا تجده في تلك وفي الثانية ما ليس في الأولى وهكذا وإلا فالموضوع والعنوان مطروق وألقيت فيه محاضرتين أو ثلاث هذا بالنسبة لحرفية العنوان وإلا فموضوعات العنوان موجودة في أشرطة كثيرة جدًا وفي مناسبات كثيرة على كل حال هذه المعالم هي لطلب العلم والعلم العلم الذي جاءت النصوص نصوص الكتاب والسنة في بيان فضله وفضل أهله والحث عليه مما لا يعد ولا يحصى من آيات الكتاب والسنة واضح وظاهر حدُّه معروف عند أهل العلم بل قالوا بل قال بعضهم إنه لا يُحَدّ في مختصر التحرير العلم لا يحد في وجه لماذا؟ لظهوره العلم لا يُحد لا يعرف ما يحتاج أن يقال ما العلم؟ يمكن يسأل سائل يقول ما العلم؟ قالوا العلم لا يُحد ومن حده زاده غموضًا كمن عرف الماء والهواء والسماء ومع الأسف أنه يوجد من ينازع في تحديد العلم وتعريفه وهذا يظهر أثره في تطبيق الوصايا والأوقاف يظهر أثره في تطبيق الوصايا والأوقاف العلم الشرعي هو الذي جاءت النصوص بمدحه {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [سورة المجادلة:11] {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ} [سورة آل عمران:18] هل يمكن أن يقال يدخل في هذه الشهادة طبيب أو مهندس أو عالم بالزراعة أو بالفلك أو غير ذلك؟! العلم قال الله وقال رسوله وأقول التأكيد على مثل هذا ظهر أثره في تطبيق الوصايا والأوقاف من بعض طلاب العلم شخص من أهل هذه البلاد من نجد يوقِف ويوصي بوصية أو بوقف تكون غلته أو من غلته ما يصرف على طلبة العلم من ذريته على طلبة العلم من ذريته يأتي سؤال يقول أنا من ذرية فلان وأنا مبتعث للبلد الفلاني أدرس الطب أو الهندسة يعني هذا الشخص الذي مات من مائة سنة أو من مائتين سنة هل في باله حينما كتب الوصية أن يدخل طبيب أو مهندس في هذه الوصية؟! أو العلم محدد في ذهنه والعلماء يميزهم عن غيرهم في وقته وعصره لا يتجه اللفظ إلى غيرهم العلم الشرعي المبني على الكتاب والسنة على نصوص الوحيين وعلى ما يعين على فهم الوحيين الموصِل إلى رضى الله جل وعلا وإلى جناته والمؤدي إلى خشيته والخوف منه فالعلم المطلوب هو المورث للخشية {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [سورة فاطر:28] فالعلم الذي لا يورث الخشية لا يسمى في الحقيقة علم قد يقول قائل إننا نرى في الأطباء من يخشى الله جل وعلا ويتقي الله جل وعلا أكثر من بعض طلاب العلم نقول الخشية هذه إنما حصلت له من التفكر من التفكر وإلا فالعلم في أصله ما يورِث خشية علم الطب أو الهندسة أو غيرهما أو الفلك إنما حصل ذلك من التفكر في آيات الله الكونية {وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} [سورة الذاريات:21] {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [سورة آل عمران:191] حصلت هذه الخشية من التفكر لا من العلم وإنما العلم إنما يحصل بما جاء عن الله وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام- هذه حقيقة العلم الشرعي التي جاءت النصوص بمدحه ومدح أهله قد يقول قائل وجدنا وبكثرة من طلب العلم الشرعي وصار يشار إليه بأنه عالِم يحفظ من العلوم ومن المسائل بأدلتها الشيء الكثير لكنه مخالِف لما حمله من علم مخالِف لما حمله من علم تجد المظهر مظهر فاسق وتجده في الأعمال يتخلّف عن الأوامر والنواهي ليس عليه أي مظهر من مظاهر العلم والخشية لله جل وعلا فهل هذا يستحق أن يقال له عالِم تُنَزَّل عليه النصوص؟ العلم ما نفع وما يحمله الفساق في الحقيقة ليس بعلم ولذا يقول الله جل وعلا {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ} [سورة النساء:17] فالفاسق جاهل وإن حمل من العلم ما حمل وإن حمل من العلم ما حمل {يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ} [سورة النساء:17] التوبة محصورة لمن يعمل السوء بجهالة طيب هذا الشخص الذي عرف حكم شرب الخمر أو حكم الربا أو حكم الزنا بالأدلة التفصيلية وعنده من الأدلة ما لا يوجد عند غيره هل نقول إذا تاب له توبة والا ما له توبة؟ إذا توافرت شروطها فتوبته مقبولة بالإجماع فكيف يعملون السوء بجهالة؟ قالوا كل من عمل السوء فهو جاهل وإلا يلزم من ذلك أن الفسّاق أن العالم الفاسق لا توبة له ولم يقل بذلك أحد وجاء في الحديث المختلَف في ثبوته وجزم بنسبته أو برفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- ابن القيم في مفتاح دار السعادة ويُذكر عن الإمام أحمد تصحيحه «يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله» يعني أنه لا يمكن أن يحمل العلم غير عدل ولذا جزم ابن عبد البر بعدالة كل من يحمل العلم.
قلت ولابن عبد البر كل من عني |
|
XE "08-فهرس القصائد العامة:قلت ولابن عبد البر كل من عني *بحمله العلم ولم يوهَّنِ " بحمله العلم ولم يوهَّنِ |
فإنه عدل بقول المصطفى |
|
يحمل هذا العلم لكن خولفا |
خولف ابن عبد البر لأن الواقع يشهد بوجود من يحمل العلم ممن ليس بعدل ممن ليس بعدل فإذا قلنا أن ما يحمله الفساق ليس بعلم انفصلنا من هذا الإشكال في مخالفة هذا الخبر للواقع والحديث وإن كان لفظه لفظ الخبر فإن معناه الأمر وحقيقته ليحمل هذا العلم من كل خلف عدوله فهو حث للعدول على حمل العلم لا وصف لمن حمل العلم بأنه عدل ومن ذلكم ومثاله «ليلني أولوا الأحلام والنهى ليلني منكم أولوا الأحلام والنهى» هل هذا الحديث حث للكبار على التقدم إلى الصف الأول ليكونوا أقرب إلى الإمام أو مفاده طرد للصغار عن أن يلوا الإمام هو حث للكبار لا طرد للصغار لأن من تقدم إلى شيء لم يسبق إليه فهو أحق به ولا يجوز للوالد أن يقيم ولده من مكانه فالمقصود منه حث الكبار المقصود من الحديث حث للعدول على حمل العلم وعدم ترك المجال للفساق أن يتوجهوا إليه ويلبسوا على الناس ويضلوهم ولذا تجد وهذا في عصرنا الأخير ظاهر حينما يتأخر العدل الثقة عن نفع الناس وعن تعليم الناس وعن إفتاء الناس فإنه يترك المجال لغيره ليضل الناس نسأل الله العافية هذا العلم الشريف الذي جاءت النصوص بتعظيمه وتعظيم حملته هذا العلم يحتاج إلى أمور أولها الإخلاص لله جل وعلا أن يطلب العلم بإخلاص وصدق مع الله جل وعلا ولا يطلب العلم لينال به الدنيا فإنه حينئذٍ لا يريح رائحة الجنة ولا يطلب العلم ليقال عالم فيكون من الثلاثة الذين هم أول من تسعّر بهم النار نسأل الله العافية وليطرح الكبر فإذا أراد أن يدرك العلم فعليه بالإخلاص وعليه بالتواضع وطرح الكبر وترك الاستحياء والخجل فلا يتعلم العلم مستحي ولا مستكبر ومن تكبّر صُرف عن العلم وصُرف عن آيات الله {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ} [سورة الأعراف:146] فالمتكبر لا يعان على حمل العلم ولا على فهم العلم ولا على حفظ العلم بل يصرف عنه ولذا قال عبد الرحمن بن عبيد الله السقّاف مفتي حضرموت في رسالة صغيرة له في العلم قال وقد لمز بعضهم شيخ الإسلام ابن تيمية بأنه عنده شيء من الترفُّع والكبر فقلت كيف يتصف بهذا الوصف وكتاب الله وكلام الله على طرف لسانه وأسلة بنانه والله جل وعلا يقول {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ} [سورة الأعراف:146]؟! شيخ الإسلام من أشد الناس استحضارًا للقرآن وأكثر الناس استشهادًا بالقرآن ومن أكثر الناس استنباطًا للأحكام من القرآن وأدق الناس في هذا الباب لا يتعلم العلم مستحي ولا متكبر أو مستكبر فالمستحيي والمراد به الحياء غير الشرعي الحياء العرفي الذي هو الخجل تجد الطلاب متفاوتون في حلقة الدرس بعضهم يؤذي الحاضرين بكثرة أسئلته التي بعضها مفيد وبعضها لا فائدة فيه وبعضهم لا يسأل عن شيء يفيده ويفيد الحاضرين وبعضهم مضطر إلى السؤال فتجده يأنف ويستكبر عن أن يسأل أو يستحي يخجل أن يسأل بعضهم يترك السؤال لئلا يقال إن هذا السؤال سهل وهذا يدل على أنه لم يحصِّل شيئا من العلم هذا يتكبر عن السؤال نسأل الله العافية وبعضهم يخجل ويستحي أن يسأل فإذا يخشى أن كل الناس إذا تكلم انصرفت أنظار الناس إليه فيترك السؤال فمثل هذا لا يدرك علم تكون عنده إشكالات تستمر معه ولا يسأل عنها والمسألة توسط والاعتدال هو المطلوب لا يكثر الكلام بحيث يفوت الفوائد على الحاضرين ولا يترك شيئًا في نفسه مما يحتاج إلى كشفه فيتركه دون استفصال واستفسار أيضًا إذا حدثت طالب العلم نفسه بطلب العلم عليه أن يطرح الكسل والإخلاد إلى الراحة قال يحيى بن أبي كثير: لا يستطاع العلم براحة الجسم لا يستطاع العلم براحة الجسم وإلا كل الناس سمعوا ما جاء من النصوص في فضل العلم والعلماء ورأوا واقع العلماء في الأمة وتعظيم الناس لهم لكانوا كلهم علماء لو كان ينال بالراحة والكسل لصار كل الناس علماء لكنه شيء غالٍ نفيس لا يستطاع إلا بثمن باهظ ولذا قال يحيى بن أبي كثير لا يستطاع العلم براحة الجسم فعلى طالب العلم أن يشمر ويترك الإخلاد إلى الراحة ويترك القيل والقال وتضييع الأوقات بدون فائدة عليه أن يتعب نفسه فالعلم فحل لا يناله إلا الفحول وما قاله يحيى بن أبي كثير قد استشكله بعض الشراح لصحيح مسلم لأنه أورده في أثناء أحاديث مواقيت الصلاة أثناء مواقيت الصلاة قال الإمام مسلم وقال يحيى بن أبي كثير لا يستطاع العلم براحة الجسم استشكلوا مناسبة هذا الكلام لأحاديث المواقيت قالوا إن الإمام مسلم رحمة الله عليه أُعجب بدقة الرواة من شيوخه ومن فوقهم ودقتهم في سياق هذه المتون وهذه الأسانيد فأُعجب بها وأراد أن يلفت نظر طالب العلم أن مثل هذه الدقة ومثل هذه البراعة لا يأتي من فراغ ولا يأتي من كسل وخمول وراحة فإن العلم لا يستطاع براحة الجسم وهذا شيء مشاهد شيء مشاهد العوامل المساعدة للتحصيل مما فيه نوع راحة كثير منها وإن كانت في الأصل مما يستعان به على التحصيل صارت على النقيض أعانت على الكسل بدءًا من الكتابة بدءًا من الكتابة النبي -عليه الصلاة والسلام- نهى في أول الأمر عن الكتابة ثم أذن فيها «لا تكتبوا عني شيئًا سوى القرآن ومن كتب عني شيئًا غير القرآن فليمحه» في صحيح من حديث أبي سعيد نهى عن الكتابة لأن الإنسان إذا كَتب أو كُتب له ووضع الكتاب والمكتوب عنده وضمنه لم يحرص على حفظه وصارت الكتابة على حساب الحفظ لكن اشتدت الحاجة إلى الكتابة لأن الصحابة تفرقوا في البلدان وهو المرجع في الرواية فأُذن بالكتابة وفي عهده -عليه الصلاة والسلام- قال «اكتبوا لأبي شاه» وكان عبد الله بن عمرو يكتب كما جاء في حديث أبي هريرة ليس أحد من صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أكثر مني حديثا إلا ما كان من عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب ولا أكتب ولا شك أن الكتابة فيها نوع راحة وترتب عليها ضعف الحفظ لأنه إذا ما كان عندك شيء مكتوب إن ما حفظت ما أدركت شيء وإذا صار عندك شيء مكتوب تقول بدال اليوم بكرة أراجعه غدًا ثم من الغد تقول تقول أراجعه غدًا وتمضي الأيام أُذن في الكتابة وكتبت السنن ودونت المصنفات وصار في ذلك خير عظيم في الجيل الثاني من التابعين ومن بعدهم لأنهم حرصوا على العلم يعني وجد ما يعين مع الحرص وإن كان الحفظ قد ضعف استمر الناس على هذا وصاروا يكتبون ومنهم من يُكتَب له وأفادوا من قراءة هذه المصنفات وتداولوها في الرواية واستمر الأمر إلى أن وُجدت الطباعة الطباعة قبل ما يقرب من خمسمائة سنة وُجدت الطباعة في أوروبا فأفتى بعض علماء الأزهر بتحريم طباعة الكتب الشرعية لماذا؟ لا حفظ ولا كتابة الكتاب إذا ما حفظته كتبته بيدك الكتابة عن قراءة المكتوب عشر مرات لأن فيها تعب ما حصل حفظ ولا كتابة جاءت المطابع وصارت تطبع الكتاب فأفتى بعض شيوخ الأزهر بتحريم طباعة الكتب الشرعية اطبعوا كتب لغة وكتب تاريخ وكتب كذا لكن الكتب الشرعية لا بد أن تكون على الجادة إما أن تحفظ وإما أن تكتب ويعتنى بالمكتوب ويحرص عليه ويحافظ عليه لئلا يدس فيه ما ليس منه لماذا ترددوا في طباعة الكتب الشرعية؟ لأن الكتب المطبوعة وهذا واقعنا يشهد بهذا يعني تصور أن ما فيه طباعة وأنت محتاج إلى فتح الباري وش تبي تسوي؟ أو تفسير الطبري أو تفسير ابن كثير أنت محتاج لا بد أن تعكف وتنسخ الكتاب فإذا نسخته صار عندك تصور إجمالي للكتاب وإن كانت حافظتك قوية أدركت كثيرًا من مسائله بمجرد الكتابة لكن إذا اشتريته عشرة مجلدات وعشرين مجلد وفي كرتونه ووضعته في الدالوب يمكن يمر عليك السنة والسنتان والثلاث وما فتحت الكتاب ولا مراجعة مسألة واحدة وهذه واقعنا وفي مكتباتنا كتب تجلس عند طالب العلم عشرات السنين وما فتحها لكن لو لم توجد هذه الكتابة لكان الناس مضطرين.. لو لم توجد الطباعة كان الناس مضطرين لكتابتها أو لاستعارتها من أحد وقراءتها مضى على هذا قرون ثلاثة أو أربعة ثم جاءت الحواسب الحواسب الإلكترونيات وأُدخلت البرامج العلمية في هذه الحواسب فصار في جهاز صغير أو في قرص خمسمائة كتاب ستمائة كتاب ألف كتاب عشرة آلاف كتاب مكتبات ضخمة في هذا القرص وأنت تحتاج أي مسألة تضرب زر تعطيك المسألة بذيولها بكل ما تحتاجه منها لا شك أن هذا من تيسير الله جل وعلا لكن هل هذا معين أو عائق؟ هل هذا معين على الطلب أو عائق؟ هل نتصور أن طلاب العلم مع هذه الميسِّرات يكون النتاج فيهم أقوى وأمتن وأمكن مما كانوا عليه قبل ذلك حينما كانوا يقرؤون في الكتب ويحفظون في الكتب كما لو قارنا بين من يحفظ من كتاب مطبوع أو ينسخ كتابًا مخطوطًا لا شك أن الإعانة والتيسير نعمة من نعم الله جل وعلا لكن لا بد أن تعطى حقها من الاهتمام لا بد أن تعطى حقها من الاهتمام وإلا فطالب علم يريد أن يخرج حديث ويجمعه بطرقه وبجميع ما ورد فيه وبدراسة رجاله وجميع ما قيل فيهم في عشرين ثلاثين صفحة ثم يلصقه في كتاب أو في رسالة ماذا يثبت في ذهنه منه؟ في مقابل لو بحث بنفسه عن الطرق في الكتب الحديثية فرق كبير لأنه حينما يقلّب الكتب ويجد هذا الطريق ويقيده خلاص ثبت في ذهنه لكن لما يقرأه في الشاشة إذا ضغط الزر مرة ثانية وأغلق الجهاز أو طفئ الكهرب عاد عاميًّا لأن العلم لا يُنال براحة الجسم ولا ينال بهذه السرعة إنما يؤخذ بالتدريج شيئًا فشيئًا ومن أراده كله فقده كله الآن لو أنت على سيارة وهذه السيارة ماشية في شارع من الشوارع من الطرق السريعة في البلدان وعليها محلات كثيرة جدًا تجارية وعليها علاماتها ولوحاتها وأنت تمشي بسرعة مية وعشرين ما الذي يثبت في ذهنك من هذه المحلات قليل لكن لو أنت تمشي على رجليك وتطالع وبدلاً من أن تقطع هذا الشارع بربع ساعة تقطعه بساعتين يثبت عندك شيء لأن المعاناة والتعب على الشيء هو الذي يثبته لأن من تعب على شيء ثبت عنده ولذلك تجدون فرق كبير بين من اجتمعت تجارته شيئًا فشيئًا بالتعب وبين من ورِث مالاً كثيرًا من المورث تجد هذا يحافظ عليه لأنه تعب على المال وذاك يبذر لأنه ما تعب عليه قل مثل هذا في جميع نواحي الحياة الشيء الذي يُتعب عليه يحافظ عليه الشيء الذي يأتي بدون تعب يسهل خروجه على كل حال وصيتي لطلاب العلم أن يخلصوا لله جل وعلا وأن يتقوه بفعل أوامره واجتناب نواهيه فالتقوى من أعظم ما يعين على التحصيل {وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [سورة البقرة:282] تقوى الله في السر والعلن بفعل الأوامر واجتناب النواهي من أعظم ما يعين على التحصيل الإخلاص والتقوى وسلوك الجادة لأن بعض الناس يطلب العلم من عشرات السنين وفي النهاية لا شيء في النهاية لا شيء تجده يتخبط يأتي إلى هذا العالم ليقرأ عليه فيقرأ في كتاب لا يبلغه فهمه ويأتي إلى هذا العالم فيقرأ عليه في كتاب لا يحتاج إليه ويقرأ على هذا العالم في كتاب دون مستواه ويتخبّط ويقرأ هذه المسألة ثم ينتقل إلى كتاب آخر هذا حال كثير من المتعلمين يتخبطون وفي النهاية لا شيء العلماء ما قصروا بينوا ووضحوا وصنفوا الطلاب إلى طبقات وصنفوا أيضًا الكتب طبقا لهذه المستويات فالذي يمشي على الجادة ويستشير أهل العلم فيما يحتاج إليه لا شك أنه يُدرك وأما التخبط فلا تحصيل معه وتخرج في الجامعة أكثر من ستين دفعة من الذي يُذكر من هؤلاء؟ في ألوف مؤلفة من طلاب العلم تجد كثير منهم لا ينتبه إلى العلم وإلى طريقة التحصيل إلا بعد ما يتخرج وإلا كان على طريقة مشوشة ومع الأسف أن بعض أهل العلم يساهم في شيء من هذه الفوضى تجده إذا جاءه طالب علم يقرأ عليه نصحه بكتاب يحتاج إليه هو ولم ينظر إلى حاجة الطالب قال اقرأ الكتاب الفلاني لماذا؟ لأن الشيخ بحاجة إليه هذا ليس من النصيحة لطلاب العلم طالب العلم الذي يقرأ بهذه الطريقة ما يدرك علم واحد من المشايخ جاءه طالب قال أريد أن أقرأ عليك وهو طالب في المعهد العلمي قال اقرأ في روضة المحبين لابن القيم مشكلة هذي مشكلة لا يستفيد الطالب منها هو بحاجة إلى مبادئ العلوم ودرجات السلم الأولى ليصعد إليها إلى الدرجات الثانية والثالثة إلى آخره.
والكلام في هذا الباب يطول جدًا لكن مثل ما ذكرت لي محاضرات أخرى الحريص عليها يجدها في مظانها ويستفيد منها إن شاء الله تعالى.
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الحضور الكرام باسمكم جميعا نشكر صاحب المعالي فضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير عضو هيئة كبار العلماء وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء على ما أتاح لنا من وقته وإفادتنا بهذه المعالم وهذه التوجيهات واللفتات الطيبة وأكرر شكري لفضيلته ولصحبه الكرام على قدومهم ومجيئهم جعل الله ذلك في موازين حسناتهم والشكر موصول لكم أحبتي الكرام الإخوة الحضور والأخوات الحاضرات على هذا الحضور سائلاً الله جل وعلا أن يجعله في موازين حسناتكم وأن يجعله حجة لكم لا عليكم وأن يرزقكم من حيث لا تحتسبون وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.