كتاب الحج (03)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين.

يقول المؤلف -رحمنا الله وإياه ووالدينا والمسلمين أجمعين-: بابٌ:

قال: حدثنا عبد الله بن يوسف قال: أخبرنا مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أناخ بالبطحاء بذي الحليفة، فصلى بها، وكان عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- يفعل ذلك".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد،

فيقول الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-: بابٌ، سبق القول في درس الأمس أن البخاري إذا ذكر بابًا بغير ترجمة فإن حكمه كحكم الفصل مما قبله، كأنه فصل من الباب أو الأبواب التي قبله، قال -رحمه الله تعالى-: "حدثنا عبد الله بن يوسف" هو التنِّيسي، "قال: أخبرنا مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-" مالك عن نافع عن ابن عمر هذا هو أصحّ الأسانيد عند الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-، "أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أناخ بالبطحاء أناخ بالبطحاء بذي الحليفة، فصلى بها، فصلى بها" أناخ لما خرج إلى حجة الوداع، أناخ بهذا المكان فصلى به، في هذا المكان.

 "وكان عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-" مع حرصه على تتبع آثار النبي -صلى الله عليه وسلم- "يفعل ذلك" كلما مرَّ به ذاهبًا أو راجعًا، بذي الحليفة وصلى بها، هذه الصلاة هل هي الصلاة التي هي الفريضة التي أحرم بعدها أو هي صلاةٌ، الصلاة المأمور بها كما سيأتي، وأنه أتاه آتٍ وهو جبريل -عليه السلام- فقال: صلِّ بهذا الوادي المبارك، وقل كذا، عمرة في حجة، يعني اجمع بينهما، وسيأتي ذلك، فمن يقول بشرعية الصلاة صلاة ركعتين للإحرام يستدل بهذا، ومن يقول بعدم شرعيته يقول: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- أحرم بعد فريضة، النبي –صلى الله عليه وسلم- وصل الميقات صلى الظهر بالمدينة وخرج وصلى العصر بذي الحليفة، والمغرب والعشاء والفجر، وأقام في هذا المكان لما صلى الظهر أحرم، والحكمة في ذلك هو مكان قريب من منزله، يعني لا يزيد على ستة أميال، عشرة كيلومترات، كثيرٌ من الناس اليوم لا يطيق مثل هذا، أن ينزل يوم في بعد خروجه من بيته بعد عشرة كيلومترات يبيت يومًا كاملًا، هذا من باب رفقه -عليه الصلاة والسلام- بأمته وبأصحابه، بعض الناس يتذكر شيئًا نسيه فيرجع إليه من قُرب، وبعض الناس ما خرج مع النبي -عليه الصلاة والسلام- ويريد اللحاق به فيلحق به من قرب، إلى غير ذلك مما ذكره أهل العلم، وإلا فالسفر الأصل فيه أنه قطعة من نار كما جاء في الحديث الصحيح، فإذا فرغ أحدكم من نهمته فليعد إلى أهله، هذا الأصل في السفر، لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- فعل ذلك لحِكَم، ومن أعظمها الرفق بأمته، ولينتظر ما يوحى إليه مما يتعلق بالحج وأحكامه.

على كل حال هذا الحاصل، وحالهم في ذلك الوقت من تحمل المشقة وعناء السفر والعيش بعيدًا عن الرفاهية وعن البيوت وعن الاستظلال بالبيوت تعينهم على هذا، لكن المترف كما هو حال كثير من أهل عصرنا لا يطيق مثل هذه الأمور.

 ذكرنا بالأمس أن الناس في سفرهم إلى الحج منهم من يجلس الأشهر، ومنهم من يزيد على ذلك في البلدان والأقاليم البعيدة جدًّا، والأقاصي من البلدان، ويتحملون ويتلذذون، ويؤلفون الكتب في هذه الأسفار، وفي وقتنا السفر قد لا يزيد على ساعة في الطائرة، قد لا يزيد على ساعة، وانظر إلى الركاب قبل فتح الباب فتح باب الطائرة ماذا يفعلون؟ ولو فتح الباب يتدافعون، ثم ماذا؟ إلى أين؟

على كل حال قد يستغرب الإنسان أن الإنسان يخرج من بيته ويجلس يومًا كاملًا بعد عشرة كيلومترات، وبعد هذا البيوت ماذا فيها في ذلك الوقت؛ لترغِّب في الجلوس بها؟

النبي -صلى الله عليه وسلم- ينام على حصير قد أثَّر في جنبه، فكونه ينام على حصير أو على التراب أو على غيره، ما فيه فرق ووساده من أدم حشوها ليف، -عليه الصلاة والسلام-، أفضل الخلق وأكرم الخلق على الله، وهذا دليل على حقارة الدنيا، لو أن للدنيا قيمة ووزنًا ما صارت حاله هكذا -عليه الصلاة والسلام-، ولو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرًا منها شربة ماء، لكنها أحقر من ذلك الجناح، والله المستعان.

وكان عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- يفعل ذلك؛ لأنه من منهجه وطريقته أنه يتتبع الآثار، آثار النبي -عليه الصلاة والسلام- حتى ذكر ابن عبد البر مما ذكر أنه كان يكفكف دابته؛ لتقع مواطؤها عل مواطئ دابة النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولم يُوافَق على هذا -رضي الله عنه- اجتهاد منه، وفعل أشياء من هذا النوع ما وافقه عليها أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم، وما لم يفعله من هو أفضل منه كأبي بكر وعمر -رضي الله عن الجميع-، ولكنه صاحب تحرٍّ وعبادة ونسك، ولذا لما جاء السائل من العراق يسأل قال: أين ابن عمر؟ فدلوه على ابن عباس، قال: ذاك رجلٌ مالت به الدنيا ومال بها، ابن عباس فقيه يعرف الحلال والحرام، ويفعل ما أُبيح له، أما ابن عمر فيترك أشياء كثيرة جدًّا من الحلال من باب الورع، والعامة يهمهم مثل هذا، تجد العامي أحرص من طالب العلم على مثل هذا؛ لأنه لا يعرف ما وراء الأمور وخفايا الأمور، وأن مثل هذه الأمور قد يكون أفضل من تركها، لا سيما للعالم الذي يُقتدى به، وقد يكون تركها في بعض الحالات أفضل.

 وعلى كل حال هذا اجتهاد وهذا اجتهاد، وكلهم على خير، والله المستعان.

"باب خروج النبي –صلى الله عليه وسلم- على طريق الشجرة:

 حدثنا إبراهيم بن المنذر قال: حدثنا أنس بن عياض عن عبيد الله عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يخرج من طريق الشجرة، ويدخل من طريق المُعَرَّس، وأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا خرج إلى مكة يصلي في مسجد الشجرة، وإذا رجع صلى بذي الحليفة ببطن الوادي، وبات حتى يصبح".

يقول -رحمه الله تعالى-: "باب خروج النبي –صلى الله عليه وسلم- على طريق الشجرة" الشجرة كانت بذلك الوادي، في جهة من جهاته والمُعَرَّس في الجهة الأخرى، وبُعْدُهُما من المدينة واحد، الشجرة هذه كانت موجودة، فصار الناس يجتمعون ويصلون عندها، فأمر عمر -رضي الله تعالى عنه- بقطعها.

 قال: "حدثنا إبراهيم بن المنذر قال: حدثنا أنس بن عياض عن عبيد الله عن نافع" عبيد الله بن عمر، عبيد الله بن عمر بن عاصم.

طالب:...

ابن حفص بن عاصم، عن نافع مولى ابن عمر "عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يخرج من طريق الشجرة، ويدخل من طريق المُعَرَّس" وفعله هذا -عليه الصلاة والسلام- نظير ما كان يفعله في العيد أنه يذهب من طريق ويرجع من طريق آخر، وذُكِر من حكم ذلك وفوائده أن من كان في هذا المكان يرى النبي -عليه الصلاة والسلام- ويتمكن من سؤاله، ومن رؤيته -عليه الصلاة والسلام-، والطريق الثاني لا يحرمون من رؤيته، والإفادة منه -عليه الصلاة والسلام-.

 التعريس النوم، والمعرَّس المكان الذي يُنام فيه.

 "وأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا خرج إلى مكة" كان إذا خرج يدل على الاستمرار، إلى مكة، "يصلي في مسجد الشجرة في مسجد الشجرة" مسجد مقام هناك يصلى فيه، "وإذا رجع صلى بذي الحليفة" الشجرة مكان قريب من ذي الحليفة، والمُعَرَّس كذلك، وإذا رجع صلى بذي الحليفة، الميقات، "ببطن الوادي، وبات حتى يصبح" وهذه هي السُّنَّة، السُّنَّة أن المسافر لا يطرق أهله ليلاً، لا يطرق أهله ليلاً، وإنما ينتظر حتى يصبح، ويأتيهم على بينة، لا يأتيهم على غِرة، والمحظور السابق في تلك الأوقات قد ينتفي بوجود وسائل الاتصال، وأنهم يقول لهم: أنا في الساعة الفلانية عندكم، وأيضًا ينتفي بتغير حال الناس اليوم في السهر، قد يكون الذي يطرق أهله الساعة التاسعة صباحًا أشق عليهم من الذي يطرقهم في الساعة الثانية أو الثالثة ليلاً، وهذا مخالف للفطرة الإلهية، وأن النوم سكن، والنهار معاش، ولكن هذا الحاصل، والسهر في الجملة مذموم إلا فيما ينفع، كالسمر في طلب العلم، وترجم عليه البخاري في صحيحه باب السمر في العلم، وأورد حديثًا عن النبي -عليه الصلاة والسلام- يدل على ذلك. المقصود أن إضاعة الأوقات في القيل والقال وبدون فائدة هذا مذموم وما دام في إطار المباح فالأمر أسهل مما لو تعدى ذلك إلى المحرمات نسأل الله العافية.

نعم.

"باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «العقيق واد مبارك»:

 قال: حدثنا الحميدي قال: حدثنا الوليد وبشر بن بكر التنيسي".

التِّنِّيسي

"وبشر بن بكر التِّنِّيسي قالا: حدثنا الأوزاعي قال: حدثني يحيى قال: حدثني عكرمة أنه سمع ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: إنه سمع عمر -رضي الله عنه- يقول: سمعت النبي- صلى الله عليه وسلم- بوادي العقيق يقول: «أتاني الليلة آت من ربي، فقال: صلِّ في هذا الوادي المبارك، وقل: عمرة في حجة».

 قال: حدثنا محمد بن أبي بكر قال: حدثنا فضيل بن سليمان قال: حدثنا موسى بن عقبة قال: حدثني سالم بن عبد الله عن أبيه -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه رئي وهو في مُعَرَّس بذي الحليفة ببطن الوادي".

أنه؟

طالب: أنه رُئي وهو في.

ما هو صح.

طالب: كيف؟

اقرأ اقرأ.

طالب: أنه رُئيَ وهو في مُعَرَّس.

لا لا، إما أن تكون أُري كما في بعض الروايات.

طالب: علق عليه قال: في رواية أخر أري.

أري، والرواية التي معنا: رُئِّي.

طالب: "عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه أُري وهو في مُعرَّس".

الرواية المعتبرة عندنا رُئِّيَ، رُئِّيَ. وأُري هي رواية أبي ذر، ورواية البقية الجماعة كلهم رُئِّي.

"عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه رُئِّيَ وهو في مُعرَّس بذي الحليفة ببطن الوادي، قيل له: إنك ببطحاء مباركة، وقد أناخ بنا سالم يتوخى بالمناخ الذي كان عبد الله ينيخ، يتحرى مُعَرَّسَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو أسفل من المسجد الذي ببطن الوادي، بينهم وبين الطريق وسط من ذلك".

باب قول النبي –صلى الله عليه وسلم-: «العقيق وادٍ مبارك» «العقيق وادٍ مبارك»، ثم أورد حديث ابن عباس عن عمر -رضي الله تعالى عنه-، كما سيأتي وفيه: «صلِّ في هذا الوادي المبارك» إنه وادٍ مبارك، رُئِّي من الرؤيا وهي ما يراه النائم من يقول له كذا، ورؤيا الأنبياء حق، رؤيا الأنبياء حق، ما يقال هذه رؤيا ما يثبت بها حكم، هذا بالنسبة لغيره -عليه الصلاة والسلام-، وأما بالنسبة له فرؤيا الأنبياء حق.

 قال: "حدثنا الحميدي" واسمه عبد الله بن الزبير، عبد الله بن الزبير، قال: "حدثنا الوليد بن مسلم وبشر بن بكر التِّنِّيسي قالا: حدثنا الأوزاعي" الإمام عبد الرحمن بن عمرو، قال: "حدثني يحيى قال: حدثني عكرمة" مولى ابن عباس، "أنه سمع ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: إنه سمع عمر -رضي الله تعالى عنه- يقول: سمعت النبي –صلى الله عليه وسلم- بوادي العقيق" بوادي العقيق، قال: «أتاني الليلة آتٍ من ربي» في النوم، «فقال: صلِّ في هذا الوادي المبارك وقل: عمرة في حجة»، «وقل: عمرة في حجة»، عمرةً، ويجوز الرفع عمرةٌ؛ لأن مقول القول جملة عمرةٌ داخلة في حجة أو مضمومة إلى حجة من باب الإحرام بالقران، وهذا أصوب ما قيل في إحرامه -عليه الصلاة والسلام- وهو أنه حجَّ قارنًا.

 قال: "حدثنا محمد بن أبي بكر قال: حدثنا فضيل بن سليمان قال: حدثنا موسى بن عقبة قال: حدثني سالم بن عبد الله عن أبيه" سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عبد الله بن عمر، عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه رئِّي وفي رواية: أُري وهو في مُعَرَّس بذي الحليفة ببطن الوادي، قيل له: إنك ببطن إنك ببطحاء مباركة التي منها العقيق، ببطحاء مباركة التي منها العقيق، وبهذا يتم المطابقة بين الخبر والترجمة، الترجمة: العقيق وادٍ مبارك، وهنا: إنك ببطحاء مباركة، والعقيق منها، وقد أناخ بنا سالم يتوخى بالمناخ الذي كان عبد الله ينيخ فيه، الإناخة بروك الناقة، أناخ ناقته يعني برَّكها، والمقصود بذلك النزول بهذا المكان، فسالم بن عبد الله ينحى منحى أبيه، وينهج منهجه، ويتوخى الآثار النبوية التي كان أبوه يتتبعها، الذي كان عبد الله بن عمر ينيخ يتحرى مُعَرَّس رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وهو أسفل من المسجد، وهو أسفلُ مبتدأ خبر، وضُبِط أسفلَ بمعنى أنزل من المسجد من المسجد الذي ببطن الوادي، بينهم وبين الطريق وسط من ذلك.

مُعَرَّس رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أي المكان الذي ينيخ فيه وينام فيه هذا المكان أسفل من المسجد الذي ببطن الوادي، بينهم وبين الطريق وسطٌ من ذلك، يعني مكان متوسط بينهم وبين الطريق.

 نعم.

طالب:...

صلاة الركعتين هل هي للإحرام والإحرام يعقَد بعد ركعتين تخصه سُنَّة من أجل الإحرام يصلي ركعتين، وهذا قول جمهور أهل العلم، للأمر بهما، صلِّ في هذا الوادي المبارك، وقل يعني أَوقِع الإحرام بعد ركعتين؟ من أهل العلم من يقول: إنه لا يشرع للإحرام صلاة خاصة، وإنما إذا وافق كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- وأنه أحرم بعد فريضة وهي ركعتان قصر فليس للإحرام سنة مستقلة، وبهذا قال جمعٌ من أهل العلم، لكن قول الجمهور أنه يُسَن للإحرام ركعتان خاصتان، للأمر بهما.

طالب:...

يعني هل الأمر بالركعتين للإحرام أو للوادي المبارك؟ إذا قلنا: إنها للوادي المبارك قلنا: إنه يشرع كل من مرّ بهذا الوادي أن يصلي ركعتين، ولو لم يرد الحج، وهذا فعل فهم ابن عمر، هذا فهم ابن عمر، مجرد صلاة الرسول -عليه الصلاة والسلام- بهذا المكان يجعل ابن عمر يقتدي به ويصلي ولو لم يقال: وادٍ مبارك، ابن عمر للاقتداء. وعلى كل حال عمر -رضي الله تعالى عنه- قطع الشجرة، وأزال المعالم؛ لأنه رأى من فعل الناس ما يتوقَّع منه الغلو.

"باب غسل الخلوق ثلاث مرات من الثياب:

قال أبو عاصم: أخبرنا ابن جريج قال: أخبرني عطاء أن صفوان بن يعلى أخبره أن يعلى قال لعمر -رضي الله عنه-: أرني النبي -صلى الله عليه وسلم- حين يوحى إليه، قال: فبينما النبي -صلى الله عليه وسلم- بالجعرانة ومعه نفر من أصحابه، جاءه رجل فقال: يا رسول الله، كيف ترى في رجل أحرم بعمرة وهو متضمخ بطيب؟ فسكت النبي -صلى الله عليه وسلم- ساعة، فجاءه الوحي، فأشار عمر -رضي الله عنه- إلى يعلى فجاء يعلى، وعلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثوب قد أظل به، فأدخل رأسه، فإذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- محمر الوجه وهو يغط، ثم سري عنه فقال: «أين الذي سأل عن العمرة؟» فأتي برجل فقال: «اغسل الطيب الذي بك ثلاث مرات، وانزع عنك الجبة، واصنع في عمرتك كما تصنع في حجتك» قلت لعطاء: أراد الإنقاء حين أمره أن يغسل ثلاث مرات؟ قال: نعم".

قال الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-: "باب غسل الخلوق" المراد به الطِّيب، "ثلاث مرات من الثياب"؛ لأنه قد لا يزول أثره بالمرة والمرتين، فلا بد من إزالته من الثوب، والمحرم ممنوع من أن يلبس ثوبًا مسه زعفران أو ورس، وهو نوع من الطِّيب، وبعض أهل العلم يقيس تطييب الثوب ثوب الإحرام على تطييب البدن، تطييب البدن ثابت عنه -عليه الصلاة والسلام-، وكانت عائشة كما سيأتي تُطَيِّبُه عند إحرامه، كما سيأتي، وأما الثوب فلا يجوز تطييبه، بل يجب غسله؛ لأنه لا يجوز للمُحْرِم أن يلبس ثوبًا مسه زعفران أو ورس، كما في الحديث الصحيح في البخاري وغيره، وهنا أمر بغسل الطِّيب من الثوب.

"قال أبو عاصم" أبو عاصم النبيل الضحاك بن مخلد، قال أبو عاصم، ما قال: حدثنا أبو عاصم، في بعض النسخ حدثنا محمد قال أبو عاصم أو عن قال حدثنا أبو عاصم، ومحمد هذا هل هو محمد بن بشار شيخ البخاري أو غير محمد بن بشار من شيوخ البخاري، أو هو البخاري نفسه؟  

طالب:...

على كل حال هناك في الرواية بعض النسخ واسطة محمد، ومنهم من قال: إنه ابن بشار، ومنهم من قال: إنه البخاري نفسه، فلا يكون هناك واسطة، والبخاري أحيانًا يشير، يذكر اسمه، نأتي إلى هذه الصيغة التي هي: قال أبو عاصم، وأبو عاصم من شيوخ البخاري، ما هو من شيوخ البخاري؟

طالب:...

إذًا لا بد من الواسطة، لا بد من، ماذا عندك؟

طالب:...

إرشاد الساري فيه؟

طالب:...

التابع.

طالب:...

هات، هاته.

طالب:...

قال أبو عاصم الضحاك بن مخلد النبيل، كذا أورده، يقول القسطلاني: كذا أورده بصيغة التعليق، وجزم الإسماعيلي وأبو نعيم، وبه جزم الإسماعيلي وأبو نعيم، وقيل: إنه وقع في نسخة أو رواية: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا ابن جريج. قوله: حدثنا أبو عاصم إما أن نقول: إنه روى عنه أو نقول: النسخة خطأ.

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

هذا الذي يظهر، قوله: حدثنا أبو عاصم يدل على أنه من شيوخه. ولكن النظر في الصيغة قال أبو عاصم، النظر في الصيغة، كونه يروي عنه بواسطة في أحاديث كثيرة جدًّا لا يعني أنه روى عنه نادرًا.

 على كل حال هذه الصيغة مثل حديث المعازف، هذه، قال هشام بن عمار، هشام بن عمار من شيوخ البخاري، روى عنه أحاديث بصيغة التحديث، وإذا قلنا: إن أبا عاصم من شيوخ البخاري صار نظير ذلك الحديث، والخلاف في كونه تعليقًا أو موصولاً معروف بين أهل العلم، ابن الصلاح والحافظ العراقي يقولون: موصول، وغاية ما يقال في قال إنها مثل عن، محمولة على الاتصال بالشرطين المعروفين عند أهل العلم، والمزي وابن حجر وجمع من أهل العلم يرون أنه معلق، والحافظ العراقي يقول:

أما الذي لشيخه عزا بقال           فكذي عنعنة

يعني مثل المعنعن مثل لو قال: عن فلان.

................ كخبر المعازف                 لا تصغي لابن حزم المخالف

 قال: "أخبرنا ابن جريج قال: أخبرني عطاء" وهو ابن أبي رباح، "أن صفوان بن يعلى" ابن أمية ويقال: ابن مُنيَّة، وقال العلماء: إن أمية أبو يعلى ومنية أمه، حينًا ينسب إلى أبيه، وأحيانًا ينسب إلى أمه، "أخبره أن يعلى" ابن أمية أن أباه يعلى بن أمية "قال لعمر -رضي الله تعالى عنه-: أرني النبي -صلى الله عليه وسلم- حين يوحى إليه" معلوم أن الوحي ثقيل، الوحي ثقيل، وعائشة قد تقول: يوحى إليه ورأسه على فخذي، فتكاد أن ترض من ثقل ما يوحى إليه. طالب:...

ماذا؟

لا، ما له دخل الجلوس هذا. لا لا، يظنه المحراب.

طالب:...

ماذا؟ لا ما هو مثل ذا، مرتين ثلاثة باليوم. أربعة عشر في خلال ثلاثين سنة، على كل حال الوهم وارد.

طالب:...

مسجدنا الأول المحراب قريب جدًّا عندنا.

طالب:...

وهذا بعيد.

قال لعمر -رضي الله عنه-: أرني النبي –صلى الله عليه وسلم- حين يوحى إليه، "قال: فبينما النبي -صلى الله عليه وسلم- بالجِعْرَانة" أو بالجِعِرّانة بإسكان العين مع تخفيف الراء أو بكسر العين مع تشديد الراء، "ومعه نفر من أصحابه، جاءه رجل فقال: يا رسول الله، كيف ترى في رجل أحرم بعمرة وهو متضمخ بطِيب؟ فسكت النبي -صلى الله عليه وسلم- ساعة" مقدارًا من الزمان لا يتحدد بحد معين، قد يزيد على ستين دقيقة، وقد لا يبلغ نصفها، المهم أنه مقدار من الزمن.

 "فجاءه الوحي، فأشار عمر -رضي الله عنه- إلى يعلى فجاء يعلى، وعلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثوبٌ قد أُظِل به" يُغطى، يُظلَّل عليه -عليه الصلاة والسلام- في هذه الحالة؛ لأنه ما كل الناس يستوعب مثل هذا الظرف مثل ما يحصل له -عليه الصلاة والسلاملأن حالات الإغماء وأنواعه قد يظن أنها من الصرع أو ما أشبه ذلك، لا يستوعبها كثير من الناس يظنها نقصًا، ما يظن أن هذا كمال، وأنه يحصل له -عليه الصلاة والسلام- من تلقي الوحي الثقيل الذي لا يستطيعه غيره.

 "فجاء يعلى، وعلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثوبٌ قد أُظِل به، فأدخل رأسه" في الثوب ليرى، "فإذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- محمر الوجه وهو يغط" من الغطيط، نوع من الشخير الذي يحصل للنائم والغطيط، من شدة ما يوحى إليه، وعمر -رضي الله تعالى عنه- أذن ليعلى؛ لعلمه أن النبي –صلى الله عليه وسلم- لا يكره ذلك، لعلمه أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يكره ذلك.

 "ثم سري عنه" كُشِف عنه -عليه الصلاة والسلام-، "فقال: «أين الذي سأل عن العمرة؟» فأُتي برجل فقال: «اغسل الطيب الذي بك ثلاث مرات»" اغسل الطيب الذي بك ثلاث مراتٍ، "«وانزع عنك الجبة، واصنع في عمرتك كما تصنع في حجتك»" انزع عنك الجبة، كأن الغسل للطيب الذي في البدن وإلا فالجبة إذا نزعت ذهب معها الطيب، فلا تحتاج إلى غسل، اغسل الطيب الذي بك ثلاث مرات، ولعله من النوع الذي لا يُقرُّ عليه مثل الزعفران ومثل ما له لون بالنسبة للرجال، هذا يؤمر بغسله في الإحرام وفي غيره الذي له لون؛ لأن اللون للنساء، الرائحة للرجال، واللون للنساء.

 «وانزع عنك الجبة واصنع في عمرتك» كأن هذه عمرة الجعرانة التي وقعت بعد.

طالب: .......

 لا، ما هي بعمرة القضاء، وقعت بعد حنين، بعد حنين والطائف، «واصنع في عمرتك كما تصنع في حجتك» الحج بعد العمرة أم قبلها؟

طالب:...

يعني كأن النبي -عليه الصلاة والسلام- يعرف أن هذا الرجل قد حجَّ قبل حجة الوداع، قلنا: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- حجَّ قبل حجة الوداع مرتين، منها الحجة التي رآه فيها جبير بن مطعم قبل إسلامه.

 كما تصنع في حجتك، يعني أحاله على شيء يعرفه، أحاله على شيء يعرفه، "قلت لعطاء: أراد الإنقاء حين أمره أن يغسل ثلاث مرات؟ قال: نعم" أراد الإنقاء أو على سبيل الوجوب؟ النجاسة تغسل ثلاثًا على اختلاف في النجاسات خفة وشدة، لكن هل غسل الطِّيب ولو بقي أثره مثل هذا على سبيل الوجوب؟ قال: قلت لعطاء، من القائل لعطاء؟ ابن جُريج الذي في السند الذي يروي عنه، قلت لعطاء: أراد الإنقاء حين أمره أن يغسل ثلاث مرات؟ قال: نعم. وعطاء من أعلم الناس بالمناسك وما يتعلق بها.

طالب: .......

نعم.

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

لا ما يلزم، قالوا في التروك، قالوا في التروك بدليل ما حصل من نزع الجبة وغسل الطيب لا في الأفعال وإلا ففي الحج أمور زائدة على العمرة كما هو معلوم.

"باب الطِّيب عند الإحرام وما يلبس إذا أراد أن يحرم ويترجَّل ويدَّهِن، وقال ابن عباس -رضي الله عنهما-: يشم المحرِم الريحان وينظر في المرآة ويتداوى بما يأكل الزيت والسمن، وقال عطاء: يتختم ويلبس الهيمان".

الهميان.

"ويلبس الهميان، وطاف ابن عمر -رضي الله عنهما- وهو محرِم وقد حزم على بطنه بثوب، ولم ترَ عائشة -رضي الله عنها- بالتبان بأسًا للذين يرحلون هودجها.

حدثنا محمد بن يوسف قال: حدثنا سفيان عن منصور عن سعيد بن جبير قال: كان ابن عمر- رضي الله عنهما- يدَّهِن بالزيت، فذكرته لإبراهيم قال: ما تصنع بقوله قال: حدثني الأسود عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كأني أنظر إلى وبيص الطيب في مفارق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو محرم.

 قال: حدثنا عبد الله بن يوسف قال: أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت: كنت أطيب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لإحرامه حين يحرم، ولِحِلِّه قبل أن يطوف بالبيت".

هذه ترجمة، عندك باب؟

طالب: إي باب؟

لا لا، لأنه ما فيه باب عندي.

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

في رواية أبي ذر: بابُ من أهلَّ ملبدًا، وعند غيره ما في باب، من أهلَّ ملبدًا وصيغتها صيغة الباب صيغة الترجمة، قال -رحمه الله-: "باب الطِّيب عند الإحرام" عند الإحرام باب الطِّيب عند الإحرام، ودلالة الحديث واضحة، وأن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يتطيب لإحرامه ولِحِلِّه، لإحرامه قبل أن يحرِم ولحِلِّه قبل أن يطوف بالبيت كما سيأتي في حديث عائشة. قال: كنت أرى وبيص المسك في مفرق رسول الله –صلى الله عليه وسلم-.

"وما يلبس إذا أراد أن يحرِم" ما يلبس، حُدِّد ما يُمنَع منه؛ لأن ما عدا ذلك كله مباح، والتحديد إنما يكون للأقل لا للأكثر، التحديد يكون للشيء الذي يمكن ضبطه، ولو أراد أن يذكر ما يلبس فإما أن يحدد بعدد معين يمكن حصره أو يستمر بلا تحديد، فالذي يُمنَع منه هو الذي يذكر، وما عدا ذلك جائز.

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

نعم.

طالب: .......

بعد الفتح نعم.

وما يلبس إذا أراد أن يُحرِم، "ويترجَّل ويدَّهِن" إذا أراد أن يحرِم ويترجَّل يعني يُسرِّح شعره، لا مانع من ذلك، ولا يقصد بذلك، هذا قبل الإحرام، وله أن يترجَّل ويدَّهِن بعد ذلك برفق بحيث لا يسقط منه ما مُنع من إزالته، إذا أراد أن يحرِم ويترجَّل ويدَّهِن بمعنى أنه يتطيب، ولا يقصد أن يكون شعثًا، ويدَّهن بالزيت ونحوه.

 "وقال ابن عباس -رضي الله عنهما-: يشم المحرِم الريحان" يعني ما يتطيب به، لكن لو وقف عليه أو شمه أو شم طيبًا على ثوب إنسان أو شماخ إنسان غير محرم له أن يشم، ما يقال: تلثَّم لا تشم الروائح الطيبة، لا، ممنوع من التطيب، لكن لا يُمنع من شَمّ الروائح الطيبة، الصابون الذي فيه طِيب يمنَع منه للطِيب، يشَمُّ المحرِم الريحان، كذا يَشمُّ.

 فعل مضارع يلي لم كيَشَم في ألفية ابن مالك، والناس ينطقونها من باب إيش؟ ينصُر؟

طالب: .......

نعم، لكن إذا جئت بها ينصر في المضارع فلا بد أن يكون موافقًا في الماضي، شمَّ يَشُمُّ مثل نَصَر ينصُر كذا؟

طالب:...

ماذا؟ طالب: .......

شَمَّ إيش؟ المضعَّف عبارة عن حرفين أولهما ساكن، أو إذا فُكَّ الإدغام، إذا فُكَّ الإدغام تقول: شَمَمَ يشَمُّ، المقصود أنه هكذا نطقها يَشَمّ، وفي كلام ابن مالك واضح.

 يَشَمُّ المحرِم الريحان، وينظر في المرآة، ما يُمنَع يقال: المحرِم ممنوع من الترفه ولبس الثياب والتطيب وكذا وكذا، يستمر على هذه البذاذة، ينظر في المرآة.

 "ويتداوى بما يأكل" يتداوى بما يأكل "الزيت والسمن"، يتداوى بما يأكل، يتداوى بالزيت؟ ويأكل السمن، ويأكل، يتداوى بما يأكل عند المستملي: ويأكل الزيت والسمن، وهذه أوضح.

طالب: .......

ماذا؟

طالب:...

يخشَى يخشَى، لكن أنت حاج تجيء تترفه؟ ما يؤمن أن يقال له، هذا فيوجد في كتب أهل العلم ما يحل هذا الإشكال.

 "وقال عطاء: يتختم" يعني يلبس الخاتم، "ويلبس الهميان" الحزام الذي يكون فيه نفقة، "وطاف ابن عمر -رضي الله عنهما- وهو محرِم وقد حزم على بطنه بثوب" لعله من ألمٍ ونحوه احتاج إليه فربطه، "ولم ترَ عائشة –أم المؤمنين رضي الله عنها- بالتبان" قالوا: هو سروال ليس له أكمام.

طالب:...

لا ما هي بالبزرة.

 جدًّا ليس له أكمام هو يستعمل بكثرة الآن.

طالب:...

لا لا، ليس هو، هذه عائشة ترى أن الذين يرحلون هودجها وهم بصدد حمل الهودج ووضعه على البعير يمكن أن يخرج من عورتهم شيء فأفتتهم -رضي الله عنها- أن يلبسوا السروال القصير جدًّا، الذي ليس له أكمام، مما شاع استعماله الآن وكثُر، لا أقول استعماله في الحج، لا يجوز أن يلبَس في الحج، ولو أفتت عائشة -رضي الله عنها-؛ لأنه سروال، لكن هذا اجتهادها، وترى أن لبسه أخف من خروج العورة، ويقال: لا تلبسه، واحتط لعورتك.

 قال: "حدثنا محمد بن يوسف قال: حدثنا سفيان" ابن عيينة، "عن منصور" ابن المعتمر، "عن سعيد بن جبير" .

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

لا، القاعدة أنه إذا كان بين المؤلف وسفيان واحد فهو ابن عيينة لتأخره، لكن قد يخرج، هذا كلام الذهبي -رحمه الله- يخرج عن هذه القاعدة إذا كان شيخ البخاري ممن عُمِّر وأدرك سفيان الثوري، وإذا كان الشارح ماذا يطلع؟

طالب:...

ما يبعد؛ لأن هذه قاعدة أغلبية لا كُلية، الحافظ الذهبي في آخر الجزء السابع من سير أعلام النبلاء للتفريق ين السفيانين قال: إذا كان بين المؤلف وسفيان واحد فابن عيينة؛ لأنه تأخر، وإذا كان بينهما اثنان فالثوري؛ لأنه متقدم، يخرج عن هذه القاعدة فيما إذا كان شيخ البخاري معمرًا، أدرك سفيان الثوري.

 "عن منصور عن سعيد بن جبير قال: كان ابن عمر -رضي الله عنهما- يدَّهِن بالزيت فذكرته لإبراهيم قال: ما تصنع بقوله: حدثني الأسود عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كأني أنظر إلى وبيص الطيب في مفارق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو محرِم" وهو محرِم، الطِّيب حصل قبل الإحرام، يطيبه قبل إحرامه، وما جاء في ادِّهان ابن عمر بالزيت يشمل ما قبل الإحرام وما بعده؛ لأنه ليس بطِيب، فإذا وُجِد في مفرقه الطِّيب فالزيت من باب أولى، يعني فالزيت من باب أولى.

"قال: حدثنا عبد الله بن يوسف قال: أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم" ابن محمد بن أبي بكر، "عن أبيه" القاسم بن محمد، "عن عائشة عن عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي- صلى الله عليه وسلم- قالت: كنت أطيِّب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لإحرامه حين يحرِم" يعني قبل الدخول في النسك، يلبس ويتجهز ويتهيأ قبل أن ينوي الدخول في النسك تطيِّبه لإحرامه حين يحرِم، "ولِحِلِّه قبل أن يطوف بالبيت" "ولِحِلِّه قبل أن يطوف بالبيت" هل يجوز أن يتطيب قبل ذلك؟

طالب: .......

نعم لكن أنا أريد أن أقرر أن طوافه وقع بعد الرمي والحلق، وقالت: لِحِلِّه، فدل على أنه تحلل بعد أن رمى وحلق قبل أن يطوف.

طالب:...

نعم، فالتحلل الأول يكون باثنين من هذا الحديث، وأما ما يذكَر عن ابن عباس وعن غيره أنك إذا رميت الجمرة فقد حللت، هذا قال به جمع من أهل العلم، ويفتي به كثير من الناس الآن، ولكن مفهوم الحديث الذي معنا "ولِحَلِّه قبل أن يطوف بالبيت" لِحِلِّه، ما قالت: كنت أطيبه قبل أن يطوف، ربطت الحِلّ بهذا الوقت الذي هو قبل أن يطوف، يعني بعد أن فعل اثنين، ما قالت: لِحَلِّه قبل أن يحلق بعد أن رمى، قبل أن يحلق، قالت: "ولِحَلِّه قبل أن يطوف بالبيت".

"باب من أهلَّ ملبدًا، قال: حدثنا أصبغ قال: أخبرنا".

أهلَّ؟ بابٌ أهلَّ؟

طالب: ملبدًا.

أم مُلَبِّدًا؟

طالب: بالدال.

نعم.

قال: "حدثنا أصبغ قال: أخبرنا ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يُهِلُّ مُلَبِّدًا".

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب من أهلَّ مُلَبِّدًا" ملبِّدًا شعره؛ لئلا يكون شَعِثًا، إنما يُلَبِّدُ شعره بشيء يمسكه عن التشعث، كالعسل والصمغ وما أشبهه.

 قال -رحمه الله-: "حدثنا أصبغ" ابن فرج، "قال: حدثنا ابن وهب" عبد الله، "عن يونس" ابن يزيد الأيلي، "عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه -رضي الله عنه-" ابن شهاب عن سالم عن أبيه، قلنا: مالك عن نافع عن ابن عمر أصحّ الأسانيد عند البخاري، وسالم وابن شهاب عن سالم عن أبيه أصحّ الأسانيد عند الإمام أحمد، وجزم ابن حنبلٍ بالزهري عن سالم أي عن أبيه البرِّ، والمعتمد إمساكنا عن حكمنا على سند بأنه أصحّ مطلقًا وقد خاض به قوم فقيل: مالك عن نافع بما رواه الناسك مولاه، إلى آخر ما قال. "عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يُهِلُّ" سمعه يُهِلّ يعني يلبِّي، حال كونه "مُلَبِّدًا"  فالسماع منصب على الإهلال، وملبِّدَا حال كونه يُهِلّ، يهِلّ ملبِّدًا رأسه بما يمنع تشعثه.

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

يعالج، يعالج عنده، يزال نعم. إذا كان يمنع، إذا وجد شيء يمسك الشعر ولا يمنع من وصول الماء للبشرة لا تلزم إزالته.

"باب الإهلال عند مسجد ذي الحليفة".

يُهِلُّ ملبِّدًا النبي -عليه الصلاة والسلام- ما عُرِف عنه أنه حلق شعره إلا بعد نُسُك، ولذلك يطول شعره، وغيره كذلك، هذه طريقة العرب، وجرى عليها النبي -عليه الصلاة والسلام- في الإسلام، وهذه هي السُّنَّة، حتى قال بعضهم: إن حلق الشعر في غير نُسك من شعار الخوارج، من شعار الخوارج، لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- أمر بحلق رؤوس أولاد جعفر، لما قُتِل وجاء إليهم النبي -عليه الصلاة والسلام- أمر بحلق رؤوسهم، هذا دليل على أنه يجوز الحلق من غير نسك، لكن السُّنَّة ألا يحلق الشعر إلا بنسك. كما كان فعله وديدنه -عليه الصلاة والسلام-، ومن حلق بغير نسك له أصله ودليله.

طالب:...

ما فيه شيء. 

"باب الإهلال عند مسجد ذي الحليفة:

 قال: حدثنا علي بن عبد الله قال: حدثنا سفيان قال: حدثنا موسى بن عقبة قال: سمعت سالم بن عبد الله قال: سمعت ابن عمر -رضي الله عنهما-، وحدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن موسى بن عقبة عن سالم بن عبد الله أنه سمع أباه يقول: ما أهلَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا من عند المسجد يعني مسجد ذي الحليفة".

يقول -رحمه الله تعالى-: "باب الإهلال عند مسجد ذي الحليفة" عند المسجد، وجاء عنه أنه أهلَّ في المسجد، وجاء عنه أنه أهلَّ بالبطحاء، قال العلماء في الجمع بين هذه الروايات التي تحكي إهلالاً واحدًا غير متعدد يعني نسكًا واحدًا، ودلالة الأحاديث على تعدد هذا الإهلال أن كل واحدٍ ممن روى هذه الروايات يحكي ما رآه، فمن رآه يلبي في المسجد قال: أهلّ من المسجد بعد الركعتين، بعد الصلاة، ومن رآه يهلّ حين ركب دابته قاله، ومن رآه يلبي بالبطحاء قال ذلك، ولا اختلاف.

 "قال: حدثنا علي بن عبد الله قال: حدثنا سفيان" علي بن عبد الله الإمام المديني، "قال حدثنا سفيان قال: حدثنا موسى بن عقبة قال: سمعت سالم بن عبد الله قال: سمعت ابن عمر -رضي الله عنهما-، وحدثنا عبد الله بن مسلمة" في الأصل أن يكون هنا حاء، حاء التحويل تكون هنا، وهي قليلة عند البخاري، وكثيرة عند مسلم وأبي داود، يسمونها حاء التحويل، "وحدثنا عبد الله بن مسلمة" القعنبي.

طالب:...

ماذا؟

طالب: .......

بعض النسخ موجودة، هذا موضعها. عبد الله بن مسلمة القعنبي، "عن مالك عن موسى بن عقبة عن سالم بن عبد الله أنه سمع أباه" عبد الله بن عمر "يقول: ما أهلَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا من عند المسجد، يعني مسجد ذي الحليفة" ما أهلّ، وكان يقول كما في الحديث الصحيح: بيداؤكم التي تكذبون بها على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما أهلّ رسول الله –صلى الله عليه وسلم- إلا من عند المسجد. فالذي يذكر أنه أهلّ بالبيداء أو بالبطحاء ما كذب، تكذبون! هم رأوه يهلّ في هذا المكان، وأنت رأيته يا ابن عمر يهلّ من عند المسجد، فالكل صادق إن شاء الله تعالى.

 نعم.

"باب ما لا يلبس المحرم من الثياب:

 قال: حدثنا عبد الله بن يوسف قال: أخبرنا مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رجلاً قال: يا رسول الله، ما يلبس المحرِم من الثياب؟ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا يلبس القمص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرانس ولا الخفاف، إلا أحد لا يجد نعلين فليلبس خفين، وليقطعهما أسفل من الكعبين، ولا تلبسوا من الثياب شيئًا مسه الزعفران أو ورس»".

قال -رحمه الله تعالى-: "باب ما لا يلبس المحرم من الثياب" يعني ما يُمنَع المحرم من لبسه من الثياب، قال -رحمه الله-: "حدثنا عبد الله بن يوسف قال: أخبرنا مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رجلاً قال: يا رسول الله، ما يلبس المحرِم من الثياب؟" ما يلبس، سؤال عما يلبس، والجواب بما لا يلبس، وسبق أن قلنا: إن ما لا يُلبَس محصور محدود، وما يلبَس غير محصور.

 "ما يلبس المحرِم من الثياب؟ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا يلبس القمص»" وهو ما يُلبَس على البدن، «ولا العمائم» ما يلبس على الرأس، «ولا السراويلات» معروف، وواحدها سراويل الواحد سراويل والجمع سراويلات والسراويلات ما يلبَس على العورة مما له أكمام وما لا أكمام له يسمى تبانًا، الذي له كمان يسمى سراويل، من أنواع السراويل التبان ومنها ما يسمى بالنُّقبة سراويل ليس لها أكمام، التي تشبه التنورة، وهي مذكورة في ألبسة العرب وفي كتب اللغة، ويقول ابن عمر: ألبستني أمي نُقبتها، وهي في الأصل من لباس النساء، واستعمالها الآن للنساء التنانير.

طالب: .......

نعم، من لباس النساء قديمًا وحديثًا، فلا يجوز أن يلبسها؛ لأنها نوع من السراويل، وقد صنفها العلماء الأزهري في التهذيب وابن سِيدَه في المخصِّص وغيرها من الكتاب أنها من سراويل النساء، من ألبسة النساء، وعرفوها بأنه سراويل ليس له أكمام، «ولا البرانس» البرنس الذي يلبس على الرأس كما يفعله المغاربة الآن، «ولا الخفاف» التي تلبس على الأقدام مما يغطي الكعبين هذا هو الخف، «إلا أحد لا يجد نعلين» النعل معروف، «فليلبس خفين، وليقطعهما أسفل من الكعبين» هل يبقى اسم الخف إذا قطعهما أو لا يبقى؟ هل تكون نعلًا أم خفًّا؟ هو الآن لا يلبس هذا النوع، ولا يقطع إلا إذا لم يجد نعلين، أو نقول: إذا قطعهما زال اسم الخف وصارا نعلين فلا مانع من لبسهما مع وجود النعلين؟

 يعني هذا الخف المقطوع أسفل من الكعبين يلبس مع وجود النعلين أو لا؟ خلونا مع العبارة، «إلا أحد لا يجد نعلين فليبس خفين، وليقطعهما أسفل من الكعبين» أسفل من الكعبين.

طالب:...

لا لا، اسمه خف أم نعل؟ إذا كان أسفل من الكعبين؟

طالب:...

نعم؟

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

أتلفه؟

طالب:...

جاء في حديث صحيح، في الحديث الصحيح أيضًا مع عدم الإشارة إلى القطع، هذا في المدينة قاله -عليه الصلاة والسلام-، وليقطعهما أسفل من الكعبين، وفي الموقف مع حضور الحجيج كلهم، وحضر الحديث أضعاف من حضر في المرة الأولى ما فيه إشارة إلى القطع، ويختلف العلماء في وجوب القطع، هل يجب أو لا يجب؟

الذي ينظر إلى هذا الحديث: وليقطعهما ويقول: هذا الحديث مقيد بالقطع، وذلك مطلق، والمطلق محمول على المقيد يقول: يلزم القطع في كل حال ولا يُلبَس وهو كامل يغطي الكعبين، والذي يقول أن النبي -عليه الصلاة والسلام- في وقت البيان مع وجود الناس كلهم ما أشار إلى القطع، قال: لا يحتاج إلى قطع، والعلماء يختلفون في هذا الأئمة الأربعة يختلفون في هذا، منهم من نظر إلى أن الحاجة الداعية إلى البيان في المقام الثاني تدل على أنه لا يقطع، حاجة وهذا وقت الحاجة، ولم يبين النبي -عليه الصلاة والسلام- في وقت الحاجة، فدل على أنه لا يلزم القطع.

ومن قال: إنه تم البيان في الموضع الأول، وذكر القيد في الموضع الأول، ولا يلزم أن يذكر القيد المقيد أو المخصص في كل مناسبة، ما يلزم، ذُكر وحُفظ فلا يلزم بيانه في كل مناسبة، وهما مسلكان لأهل العلم منهم من يقول: ما دام القيد مذكورًا فالمطلق محمول على المقيد، ولا يلزم أن يكون القيد يذكر في كل مناسبة، ذُكِر في موضع خلاص، لزم، ومنهم من يقول: يعني لو كانت المناسبات متساوية الحضور هنا والحضور هناك على حدٍ سواء، قلنا ذُكر القيد والقيود التي جاءت بها النصوص من هذا النوع، لكن في موقف يحضر فيه أضعاف مضاعفة ممن حضر القيد ولا بُيِّن، وهذا وقت للبيان ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة.

طالب:...

يقال بالنسخ إذا قلنا بهذا، لكن إذا أمكن الجمع لا يجوز القول بالنسخ، إذا أمكن الجمع بحمل المطلق على المقيد كما يقوله الآخرون ما يجوز أن نقول نسخ، فلما لم يبينه في الموضع الثاني الذي هو بحاجة ماسة إلى البيان لحضور أضعاف من لم يحضر في المناسبة الأولى قيل: إن هذا ناسخ لما تقدم.

طالب:...

إلا أحد لا يجد نعلين، فليلبس الخفين، يبقى النظر في الخف المقطوع هل هو خف أم نعل؟ العلماء يصنفونه في ما دون الكعبين كله نعل عندهم.

طالب:...

نعم.

طالب:...

حاضر السائل.

طالب:...

ما يقال، نقول هذا حضر ألوف مؤلفة، أكثر من مائة ألف الحاضرين واللي يحضروا يمكن ما يصير عشرة آلاف بالمدينة، هذا كلام أهل العلم الأئمة الأربعة مختلفين على قولين، وكلٌ له اجتهاده المسألة اجتهادية.

طالب:...

لكن لو جاء أشياء لا تخالف ما جاء في النصوص، ووردت أشياء جيء بها من المنسوجات الحديثة وكذا، هل يتردد المسلم في لبسها، يقول ما نُصَّ عليه؟ من هذا النوع.

« لا تلبسوا من الثياب شيئًا مسه الزعفران أو ورس» الزعفران منهي الرجال عنه التزعفر للرجال مكروه كراهية شديدة وقيل بتحريمه، مسه الزعفران وبعضهم يقول؛ لأن الزعفران له رائحة فهو نوع من أنواع الطيب، أو ورس الورس نوع من أنواع الطيب. فالمحرِم ممنوع منه، والله أعلم، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.