توجيه ما نُقِل عن أبي داود في رميه ابنه بالكذب

ذُكر من إنصاف المحدِّثين أن أبا داود رمى ابنه بالكذبِ [ميزان الاعتدال (4155)].

والإمام أبو بكر بن أبي داود بريء من الكذب في الحديثِ قطعًا، وتوثيقُ الأئمَّة وتعديلُهم له، وإمامته وعلمُه وورعه، كلُّ هذا يردُّ هذه التُّهَمة، ولا يُمكن أن ينصرفَ قول أبي داود في ولدِه - إن صحَّ عنه ذلك - إلى الكذبِ في الحديثِ، وقد يُحمل على أنه قد خَبر منه الكذب مرة أو مرتين في كلامِه العادي، ومثل هذا أظنّ أنه لا يكاد يسلَم منه أحد.

والكذب على مذهبِ أهلِ السنةِ والجماعةِ لا يلزم أن يكونَ مع العمدِ، بل إذا خالف الكلامُ الواقعَ سمِّي كذبًا، وهذا يشمَل الخطأ، ويشمل الوهمَ.

فإن صحَّ ما نُقل عن أبي داود في ابنه، فيُحمل على أنه قد خَبر منه مخالفةً للواقعِ في غير الحديث النبوي، إما في الأمورِ اليسيرةِ، أو في أمورٍ تختلف فيها وجهات النظر، وقد يكون من الكذبِ المباحِ للحاجة إليه؛ لترتُّب المصلحة عليه، وقد يكون عن غيرِ قصدٍ، ولا بد أن يقعَ من الإنسان شيء من التعريضِ يحتاج إليه. ومثل هذا يدرأ عنه تهمة الوصف بالكذب، وإلا فهو إمامٌ محدِّثٌ محقِّقٌ مصنِّفٌ على طريقةِ السلفِ الصالحِ.