كتاب الحج (10)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نعم.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمدٍ وعلى آله وصحابته أجمعين، أما بعد،

فيقول المؤلف -رحمنا الله وإياه والمسلمين أجمعين-: "بَابٌ: كَيْفَ كَانَ بَدْءُ الرَّمَلِ:

قال: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قال: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ هُوَ ابْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابُهُ، فَقَالَ المُشْرِكُونَ: إِنَّهُ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ وَقَدْ وَهَنَهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ، فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَرْمُلُوا الأَشْوَاطَ الثَّلاَثَةَ، وَأَنْ يَمْشُوا مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ، وَلَمْ يَمْنَعْهُ أَنْ يَأْمُرَهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا الأَشْوَاطَ كُلَّهَا إِلَّا الإِبْقَاءُ عَلَيْهِمْ".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد،

فيقول الإمام البخاري –رحمه الله تعالى-: "بَابٌ: كَيْفَ كَانَ بَدْءُ الرَّمَلِ" ترجم الإمام البخاري في تراجم كثيرة ببدء ما يُريد الشروع فيه كبدء الوحي، وبدء الحيض، وبدء... في نظائر كثيرة من هذا النوع.

"كَيْفَ كَانَ بَدْءُ الرَّمَلِ" وهو الإسراع في المشي مع تقارب الخطى والرَّملُ يكون في الطواف، كما أن السعي يكون في المسعى بين الصفا والمروة.

"كَيْفَ كَانَ بَدْءُ الرَّمَلِ" جاء في الحديث المذكور أن النبي –عليه الصلاة والسلام- لما قدِم مكة في عمرة القضاء سنة سبعٍ من الهجرة، قال المشركون: يأتي محمدٌ وأصحابه وقد وهنتهم حمى يثرب، فأراد النبي –عليه الصلاة والسلام- أن يُريهم القوة والنشاط والاستعداد للعدو بما يُناسب وبما يليق، فأمر الصحابة بالرمل والإسراع في المشي، وكان المشركون في جهة الحِجر، فأمرهم النبي –عليه الصلاة والسلام- أن يرملوا ويمشوا بين الركنين؛ لأن المشركين لا يرونهم؛ لأن هذا من باب المراءة وإظهار القوة، وإرهاب العدو، وفي مسألة إرهاب العدو يُجيز العلماء أشياء لم تكن جائزة في حال السعة، قالوا بالنسبة للإمام: له أن يصبغ بالسواد، وله أن يُسبِل، وله أن يفعل، وله أن يفعل من باب إرهاب العدو وإظهار القوة.

ولذا ما أمرهم بأن يسعوا من الركن إلى الركن؛ للإبقاء عليهم؛ لأنهم بالفعل قدِموا من سفر والقادم من السفر لا شك أنه يناله شيءٌ من المشقة؛ لأن السفر قطعة من العذاب كما جاء في الحديث الصحيح؛ فإبقاءً عليهم أمرهم أن يمشوا بين الركنين، ولكن في حجة الوداع لما زال هذا الأمر أمرهم أن يرملوا من الركن إلى الركن؛ ليستوعبوا الشوط كاملًا بالرمل في الأشواط الثلاثة الأولى.

قد يقول قائل: إنه لا يوجد من يقول الآن: قدِم وقد وهنه كذا أو فعل كذا، العلة ارتفعت التي من أجلها شُرِع الرمل، فيُقال: هذا من الأحكام التي شُرِعت لعلة، وارتفعت العلة، وبقي الحكم.

قال –رحمه الله تعالى-: "حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قال: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ هُوَ ابْنُ زَيْدٍ" ويقول: هو، ما يقول حمَّاد بن زيد، لماذا؟

لأن شيخه ما سمَّاه، ما نسبه، سليمان بن حرب قال: حدثنا حماد، فأراد البخاري أن يُبيِّن أي الحمَّادَين، فقال: "هُوَ ابْنُ زَيْدٍ".

وطريق التفرقة بين الحمَّادَين مذكورٌ في آخر الجزء السابع من (سير أعلام النبلاء).

"حَدَّثَنَا حَمَّادٌ هُوَ ابْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ" وهو ابن أبي تميمة السختياني.

طالب: .............

ماذا؟

طالب: .............

من باب التوضيح بما هو مجرد تصريح، يعني يوضحون الواضح، ما تدري في آخر درس من الدورة السابقة كداء وكُدي وكُدى موضعان، قال: موضعان، ماذا قال ابن حجر؟ كلامٌ غير مفيد؛ لأنه لا يخفى على أحد أنهما موضعان، فالتصريح بما هو مجرد توضيح يفعله العلماء والأئمة، ولأنه قد يوجد من يخفى عليه هذا الأمر، فالذي يسأل عن المسح على القلتين يفهم مثل هذا؟ الله المستعان، رحم الله أهل العلم. 

"عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابُهُ، فَقَالَ المُشْرِكُونَ: إِنَّهُ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ"، يعنون محمدًا –عليه الصلاة والسلام- وأصحابه.

"وَقَدْ وَهَنَتهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ" الحمى مرض معروف، ويثرب اسم المدينة في الجاهلية، والنبي –عليه الصلاة والسلام- لما هاجر إلى المدينة دعا الله –جلَّ وعلا- أن ينقل حُمَّاها إلى الجُحفة؛ لأن سكان الجُحفة في ذلك الوقت كانوا من اليهود.

"فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَرْمُلُوا" يعني يسرعوا في المشي في الأشواط الثلاثة مع تقارب الخطى، وبعضهم يقول: هو الهرولة.

طالب: .............

يرتاح ما فيه شيء.

طالب: .............

مبادرةً بفعل الطاعة نعم بلا شك.

"فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَرْمُلُوا الأَشْوَاطَ الثَّلاَثَةَ، وَأَنْ يَمْشُوا مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ". لماذا؟

لأن الكفار في جهة الحِجر، فلا يرونهم إذا مشوا بين الركنين.

"وَلَمْ يَمْنَعْهُ أَنْ يَأْمُرَهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا الأَشْوَاطَ كُلَّهَا إِلَّا الإِبْقَاءُ عَلَيْهِمْ" يعني شفقةً عليهم ورحمةً بهم، ولا شك أن القادم من السفر فيه من التعب كما هو معلوم طبيعة السفر، كما جاء في الحديث الذي أشرنا إليه آنفًا، وهو في الصحيح: «السّفَرُ قِطعَةٌ مِنَ العَذاب».

الأشواط جمع شوط أو الدورة الكاملة على الكعبة، وقد كرِه بعض أهل العلم مجاهد والشافعي كرهوا تسمية الطواف شوطًا الواحد من الأطوفة شوطًا، ولكن جاءت تسميته في الحديث، ولا وجه لكراهته.

نعم.

"بَابُ اسْتِلاَمِ الحَجَرِ الأَسْوَدِ حِينَ يَقْدَمُ مَكَّةَ أَوَّلَ مَا يَطُوفُ، وَيَرْمُلُ ثَلاَثًا.

قال: حَدَّثَنَا أَصْبَغُ بْنُ الفَرَجِ، قال: أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ يَقْدَمُ مَكَّةَ إِذَا اسْتَلَمَ الرُّكْنَ الأَسْوَدَ، أَوَّلَ مَا يَطُوفُ يَخُبُّ ثَلاَثَةَ أَطْوَافٍ مِنَ السَّبْعِ".

قال -رحمه الله-: "بَابُ اسْتِلاَمِ الحَجَرِ الأَسْوَدِ حِينَ يَقْدَمُ مَكَّةَ أَوَّلَ مَا يَطُوفُ، وَيَرْمُلُ ثَلاَثًا" الرمل -كما هو معلوم- في الطواف الأول، يعني في طواف القدوم أو طواف الحج إذا لم يطف للقدوم، طواف العمرة أول ما يقدم وهكذا، أول ما يقدم؛ لأنه إذا طاف الطواف الأول إذا أراد أن يرمل في الطواف الثاني فالعلة مرتفعة؛ لأنه ما فيه أحد يقول: يقدم، ليس هذا بقدوم. طواف مثل طواف المقيم، فلا تتناوله العلة.

"حِينَ يَقْدَمُ مَكَّةَ أَوَّلَ مَا يَطُوفُ، وَيَرْمُلُ ثَلاَثًا"، والرمل -كما تقدم- الإسراع في الطواف الأول سواءً كان طواف القدوم أو طواف العمرة أو طواف الحج إذا لم يطف للقدوم، وهذا بحسب التيسير أحيانًا يطوف أول ما يقدم، ولا يتيسر له أن يرمل من شدة الزحام، وحينئذٍ يسقط عنه هذه السُّنَّة.

قال –رحمه الله-: "حَدَّثَنَا أَصْبَغُ بْنُ الفَرَجِ" وهنا صرَّح باسمه واسم أبيه.

"قال: أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ" عبد الله بن وهب الإمام المشهور.

"عَنْ يُونُسَ" ابن يزيد الأيلي.

"عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ" سالم بن عبد الله بن عمر.

"عَنْ أَبِيهِ" عبد الله بن عمر.

"رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ يَقْدَمُ مَكَّةَ إِذَا اسْتَلَمَ الرُّكْنَ الأَسْوَدَ، أَوَّلَ مَا يَطُوفُ يَخُبُّ ثَلاَثًا"، هو يستلم الركن أول ما يطوف ويستلمه أو يُقبِّله أول ما يطوف، ويُقبِّله إذا فرغ، ويستلمه في كل طواف أو يشير إليه بمحجنٍ ونحوه أو بيده إذا لم يكن معه شيء.

 حديث جابر: كنا نطوف مع النبي –صلى الله عليه وسلم- ونستلم الركن الفاتحة والخاتمة. يعني في البداية والنهاية، وهذا الحديث مُخرَّج في المسند بإسنادٍ حسن.

"يَخُبُّ ثَلاَثَةَ أَطْوَافٍ مِنَ السَّبْعِ" الخبب هو الرَّمَل، ويقول العلماء في المشي بالجنازة قالوا: يُسن الإسراع بها دون الخبب، يعني أقل مما يحصل في الرَّمَل، وقلنا: إنه لا يستوعب الشوط، بل يمشي بين الركنين –كما تقدم-، وهذا في أول الأمر، وأما في حجة الوداع فرمل النبي –عليه الصلاة والسلام- واستوعب الطواف من الركن إلى الركن بالرمل.

نعم.

"بَابُ الرَّمَلِ فِي الحَجِّ وَالعُمْرَةِ:

قال: حَدَّثَنا مُحَمَّدٌ، قال: حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ النُّعْمَانِ، قال: حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: سَعَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَلاَثَةَ أَشْوَاطٍ، وَمَشَى أَرْبَعَةً فِي الحَجِّ وَالعُمْرَةِ، تَابَعَهُ اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي كَثِيرُ بْنُ فَرْقَدٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".

عندك أربعةٌ؟

طالب: وَمَشَى أَرْبَعَةٌ فِي الحَجِّ وَالعُمْرَةِ.

أربعةٌ؟ تقول: أربعةٌ رددتها مرتين.

طالب: أربعةً.

أربعةً.

"وَمَشَى أَرْبَعَةً فِي الحَجِّ وَالعُمْرَةِ، تَابَعَهُ اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي كَثِيرُ بْنُ فَرْقَدٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

قال: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ لِلرُّكْنِ: أَمَا وَاللَّهِ، إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لاَ تَضُرُّ وَلاَ تَنْفَعُ، وَلَوْلاَ أَنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اسْتَلَمَكَ مَا اسْتَلَمْتُكَ، فَاسْتَلَمَهُ ثُمَّ قَالَ: فَمَا لَنَا وَلِلرَّمَلِ إِنَّمَا كُنَّا رَاءَيْنَا بِهِ المُشْرِكِينَ وَقَدْ أَهْلَكَهُمُ اللَّهُ، ثُمَّ قَالَ: شَيْءٌ صَنَعَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلاَ نُحِبُّ أَنْ نَتْرُكَهُ.

قال: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: مَا تَرَكْتُ اسْتِلاَمَ هَذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ فِي شِدَّةٍ وَلاَ رَخَاءٍ، مُنْذُ رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْتَلِمُهُمَا، قُلْتُ لِنَافِعٍ: أَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَمْشِي بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ؟ قَالَ: إِنَّمَا كَانَ يَمْشِي؛ لِيَكُونَ أَيْسَرَ لِاسْتِلاَمِهِ".

يقول الإمام –رحمه الله تعالى-: "بَابُ الرَّمَلِ فِي الحَجِّ وَالعُمْرَةِ، قال: حَدَّثَنا مُحَمَّدٌ" ومحمد قال بعضهم: إنه محمد بن يحيى الذُّهلي، وقال بعضهم: محمد بن سلَام، وقيل غير ذلك، وأيًّا ما كان فهو يدور بين شيوخ البخاري المُسمين بمحمد، وكلهم ثقات، فلا يضر الإبهام في مثل هذا.

وبالنسبة للذهلي من شيوخ البخاري، ومن أئمة الحفاظ، حُفاظ الحديث، والبخاري لم يُصرِّح باسمه ولا في موضعٍ من المواضع ما قال محمد بن يحيى الذُّهلي، وإنما قد ينسبه إلى جده، وقد يُهمله كما هنا؛ لما عُرِف بينهما من الخلاف في مسألة اللفظـ، الخلاف بينهما في مسألة لفظي بالقرآن مخلوق، اختلفوا فيها، وحصل بينهما ما حصل، فالبخاري لورعه لم يترك الرواية عنه؛ لحفظه وضبطه وإتقانه، وأيضًا لما عُرِف من الخلاف بينهما، وما يُظَن من الموافقة في هذا الخلاف ما سمَّاه.

"حَدَّثَنا مُحَمَّدٌ، قال: حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ النُّعْمَانِ، قال: حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، عَنْ نَافِعٍ" مولى ابن عمر.

"عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: سَعَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَلاَثَةَ أَشْوَاطٍ، وَمَشَى أَرْبَعَةً فِي الحَجِّ وَالعُمْرَةِ"، في عمرة القضاء يمشي بين الركنين، وفيما عداها كحجة الوداع يستوعب الشوط بالرمل؛ لأن العلة المذكورة ارتفعت.

"تَابَعَهُ اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي كَثِيرُ بْنُ فَرْقَدٍ" الليث تابع مَن؟ من تابعه، الآن نافع كثير بن فرقد متابع لفليح، والليث متابع لسريج بن النعمان.

"عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- عَنِ النَّبِيِّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-"، والفائدة من الشواهد والمتابعات التقوية، مع أن الإسناد لا يحتاج إلى تقوية، صحيح وليس فيه أدنى...؛ لأن فليحًا قال عن نافع، وكثير بن فرقد قال عن نافع، يعني ما فيه تصريح بالسماع؛ لترتفع تهمة التدليس مع أن السند صحيح لا إشكال فيه، حدثنا فليح، وهنا تابعه الليث قال: حدثني كثير، هناك قال: حدثنا فليح، وعن نافع في الموضعين.

على كل حال هذه متابعة ذكرها البخاري، والأصل في المتابعات والشواهد أنها يؤتى بها للتقوية، والإسناد قوي بدونها، وزيادة القوة قوة بلا شك.

قال –رحمه الله تعالى-: "حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ" وهو المعروف بــ(غندر).

"قَالَ: أَخْبَرَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ" أسلم مولى عمر بن الخطاب.

"عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ- قَالَ لِلرُّكْنِ" يُخاطب الركن تنزيلًا له منزلة العقلاء الذين يفهمون الخطاب، وليس المقصود الركن أو الحجر إنما المقصود من يسمعه من الحضور.

"قَالَ لِلرُّكْنِ: أَمَا وَاللَّهِ، إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لاَ تَضُرُّ وَلاَ تَنْفَعُ" قد تقدم، ولا شك أنه حجر، والنفع والضُّر بيد الله –جلَّ وعلا- إن كان المراد بذاته، وأما الانتفاع بتطبيق السُّنَّة والاقتداء بالنبي –عليه الصلاة والسلام- فلا شك فيه.

"وَلَوْلاَ أَنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اسْتَلَمَكَ مَا اسْتَلَمْتُكَ"، هو مجرد اقتداء، هو حجر لا ينفع ولا يضر، لكن الرسول –عليه الصلاة والسلام- فعله كما سيأتي استسلام عمر في الرَّمَل، إن هذا شيءٌ راءوا به المشركين، ولا يُوجدون، فما الداعي لفعله؟ قال: غير أنَّا رأينا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- صنعه فلن نتركه، مجرد اقتداء.

"وَلَوْلاَ أَنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اسْتَلَمَكَ مَا اسْتَلَمْتُكَ، فَاسْتَلَمَهُ، ثُمَّ قَالَ: فَمَا لَنَا وَلِلرَّمَلِ".

 عمر –رضي الله عنه- الصحابي المُلهم المشهود له بالجنة يجمع بين الرأي، يفهم عمر، وفي الموضعين قال: أنت حجر لا تنفع ولا تضر، وقال: هذا أمرٌ راءينا به الكفار، يعرف سياق الكلام والعلل، لكن يغلب عنه الاقتداء؛ لأنه هو الأصل؛ لأن بعض الناس يرى من يرى يفعل ويفعل ما يدري ما القصة، هو يقتدي ويرى الناس يصلون ويصلي، وهو على خير –إن شاء الله- ما دام يُطبِّق ما سمِع، وقد أحسن من انتهى إلى ما سمع ولو لم يفهم علة، ولا يفهم شيئًا، بعض الناس يفهم العلة ويُناقش، بل قد يُعاند، وهذا أسوأ الأقسام، وبعضهم يفهم ويستسلم مثل عمر -رضي الله عنه-.

ثم قال: "فَمَا لَنَا وَلِلرَّمَلِ إِنَّمَا كُنَّا رَاءَيْنَا بِهِ المُشْرِكِينَ" الرياء والمراءة جاء ذمُّه، وأنه من الشرك الأصغر، فكيف يُراءون المشركين في مثل هذه العبادة؟

هم ما راءوا في أصل العبادة، طافوا من أجلهم، هم طافوا من أجلهم؟ حاشا وكلا، إنما أرادوا إغاظتهم في إظهار القوة والنشاط، ولو كانوا على خلاف ذلك، بدليل أنه أمرهم أن يمشوا بين الركنين.

المقصود أن إظهار القوة والنشاط للمشركين من أجل إغاظتهم؛ ومن أجل أن يحسبوا لهم حسابهم، وألا يُقدموا على إهانتهم أو حربهم، وأن يكفوا شرهم عنهم؛ لِما رأوا فيهم من القوة، وهذه مقاصد شرعية.  

"إِنَّمَا كُنَّا رَاءَيْنَا بِهِ المُشْرِكِينَ، وَقَدْ أَهْلَكَهُمُ اللَّهُ" ،يعني ما يوجد مشركون.

"ثُمَّ قَالَ: شَيْءٌ صَنَعَهُ" هذا استعمال الرأي في السياق الأول، ثم قال من باب الائتساء والاقتداء والاستسلام "ثُمَّ قَالَ: شَيْءٌ صَنَعَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلاَ نُحِبُّ أَنْ نَتْرُكَهُ".

القسمة التي أشرت إليها أن من الناس من يفهم وعقله حاضر وتصوره تام ويستسلم، وهذا أكمل الأقسام.

من الناس من يكون مع الناس يرى الناس يفعلون وينسبونه إلى الرسول أو يسمعه عن الرسول ولا يدري ما السبب، ولا يعرف العلة ويفعل، هذا على خير بلا شك.

من الناس من يعرف العلة والحِكمة، ويضعف عنده الاقتداء والائتساء بالنبي –عليه الصلاة والسلام- وما جاء عنه، وقد يُعارض ويعترض أو يتردد ثم يفعل.

المقصود أن الناس يتفاوتون في هذا، وعمر –رضي الله عنه- فيما ثبت عنه من أعلى الأقسام.

إذا كان العامة يسمعون الحديث في المسجد من الأئمة، وبعضهم يفهم ويُدرك، وبعضهم لا يعلم شيئًا سمع شخصٌ الإمام، وهو يُحدِّث عن بعض أشراط الساعة، فذهب وذكره لزوجته -كلهم عوام ما يفهمون شيئًا- فقالت زوجته: ما معنى هذا يعني خبر الدجال يبلغ الآفاق في ساعة؟! شيء ما يُدركه العقل ولا الرأي، وترددت في ذلك، فقال لها: انتبهي، هذا كلام الرسول –عليه الصلاة والسلام- فهمتي أم ما فهمتي سواء، لا تعارضي وتعترضي فتخرجي من الملة، استسلام، ولا تثبت قدم الإسلام إلا على قنطرة التسليم كما يقول أهل العلم.

ثم قال –رحمه الله-: "حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ".

ذكر بعض الأساتذة أن الإمام أحمد –عندنا في الدراسة سابقًا قديمًا- أن الإمام أحمد كان يُصلي ثلاثمائة ركعة في اليوم والليلة، قال شخص وهو حليق يحلق لحيته، وعليه مظاهر عدم الاستقامة، قال: هذا ليس بمعقول يا شيخ، هذا ليس بمعقول، والشيخ سوري، قال: صحيح يا عبد الرحمن؛ لأن عنده صالونًا يتحلَّق فيه ثلاث ساعات باليوم، يعني يُريد أن يرد عليه من فعله، صحيح يا عبد الرحمن؛ لأن الإمام أحمد عنده صالون يتحلَّق فيه ثلاث ساعات، يعني يُضيع وقته بمثل هذه التفاهات، الثلاثمائة متصورة، قال بعضهم: نقلوا عن الحافظ عبد الغني أنه يصلي ما بين طلوع الشمس إلى الزوال ثلاثمائة، لكن هذا بعيد، بعيد يعني إذا تصورنا الركعة في دقيقة يعني المسألة شاقة جدًّا.

وأما قول ابن المطهِّر الحِلي الرافضي الخبيث الذي يُسميه شيخ الإسلام ابن المنجِّس يقول: إن عليًّا يُصلي ألف ركعة في اليوم والليلة، قال شيخ الإسلام: الوقت لا يستوعب ألف ركعة.

فالإنسان إذا استغرب شيئًا وصار بعيدًا عن تصوره أنكره، يعني لو يُقال لشخص أو لمجموعة من الناس ما تعودوا إدامة النظر في القرآن يُقال له: إن فلانًا يختم في كل يوم، قال: مستحيل ختمة في يوم، ما يمكن، هو يُمكن أم ما يمكن؟ ممكن، وفعله السلف وما زال موجودًا إلى الآن من يختم كل يوم، فالناس أعداء لِما يجهلون، إذا سمعوا الخبر لأول مرة وهو ما عمره سمع ولا فعل مستحيلًا.

قبل حدود عشرين سنة كنت في مكة في العشر الأواخر، وكان يجلس بجانبي طالب علم من طلبة العلم المصريين، أنا إذا ارتفعت الشمس خرجت؛ للنوم، وهو معتكف، فشرع في القراءة من أول القرآن في الصبح قبل أن أخرج من الحرم، ولما رجعت إلى صلاة الظهر فإذا به خاتم، فإذا كان من يُسِّر له القرآن والله –جلَّ وعلا- يقول: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر:17] يقرأ في الساعة خمسة، فالخاتمة في ست ساعات ممكنة، والمسألة مسألة تعوُّد وتعرُّف على الله في الرخاء، أما أن إنسانًا يهجر القرآن، ولا يقرأ القرآن إلا على الفرغات إن تيسر قرأ إن جاء قبل الإقامة بدقيقتين أو ثلاث أو خمس فتح المصحف وإلا فلا فهذا ما يستطيع، فالمسألة مسألة تعوُّد وتعرُّف على الله في الرخاء، افعل واعمل وجاهد نفسك، ثم تجد ما ذُكِر عن الأئمة والسلف.

أدركنا من الشيوخ من لا يختلفون كثيرًا عمَّا يُذكَر عن سفيان والفضيل وغيرهم في العبادة والخشوع، والتضرع والدعاء -والله المستعان- في أحوالٍ تُعد عند كثيرٍ من المسلمين في وقتنا هذا من الأساطير، واحد من الكُتَّاب يقول: إن مدح سفيان وأمثال سفيان بالزهد، وترك الدنيا والإعراض عنها في غير محله، فكيف يُمدَحون بتعطيل ما أمر الله بعمارته، {وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} [هود:61] يعني اعمروا الدنيا، يعني اعمروا الدنيا، واتركوا الآخرة؟ الدنيا إنما هي للآخرة لعمارة الآخرة {وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [القصص:77] من أجل ماذا؟

تحقيق الهدف الذي من أجله خُلِقت، {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56]، فيسعى في دنياه من أجل الإعانة على ما يُحقق الهدف، والله المستعان. 

قال: "حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: مَا تَرَكْتُ اسْتِلاَمَ هَذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ فِي شِدَّةٍ وَلاَ رَخَاءٍ، مُنْذُ رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْتَلِمُهُمَا".

 يعني الركن اليماني والركن الذي فيه الحجر، وعرفنا فيما تقدم أنهما من أجل أنهما على قواعد إبراهيم، ويُترَك الركنان الآخران الشاميان؛ لأنهما ليسا على قواعد إبراهيم، وسيأتي أن معاوية –رضي الله عنه- كان يستلمهما أيضًا، ويقول: ليس في البيت شيء مهجور، يعني يستلم الأركان كلها ويقول: ليس فيه شيء مهجور.

"مَا تَرَكْتُ اسْتِلاَمَ هَذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ فِي شِدَّةٍ وَلاَ رَخَاءٍ، مُنْذُ رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْتَلِمُهُمَا".

 معروف ابن عمر في شدة اتباعه واقتدائه كان يُزاحم على الحجر، مع أن الزحام يترتب عليه أذى للنفس وللغير، وإذا كان الأمر كذلك فتركه هو السُّنَّة، هو الأصل، وابن عمر لشدة اقتدائه وائتسائه يُزاحم، حتى ذكروا أنه قد يُرعِف أنفه من الدم من شدة المزاحمة، ويرجع ويغسل داخل عينيه بالماء حتى كُف بصره، وهذا شيءٌ لم يفعله من هو أفضل منه من الصحابة، ولكنه اجتهاده، ولن يُحرَم –إن شاء الله- من الأجر.

"قُلْتُ لِنَافِعٍ: أَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَمْشِي بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ؟ قَالَ: إِنَّمَا كَانَ يَمْشِي؛ لِيَكُونَ أَيْسَرَ لِاسْتِلاَمِهِ"؛ لأنه لو كان يرمل إلى أن يصل الركن يصعب عليه الاستلام، لكن يأخذ راحة مشي بين الركنين؛ ليكون أيسر لاستلامه؛ ليستعد للاستلام، والاستلام في أوقات الزحام فيه مشقة يحتاج إلى استعداد.

هنا تقدم أن سُريج "حَدَّثَنا مُحَمَّدٌ، قال: حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ النُّعْمَانِ" وفي الشرح عن شريحٍ أخرجه البخاري عن محمد –شريح- ثم قال في التعليق في طبعة بولاق: هكذا في النُّسخ التي بأيدينا وضبطه القسطلاني سُريج بالسين المهملة والجيم، ولعله الصواب إذا كان محمد شيخ البخاري في هذا الحديث هو ابن رافع؛ لأن سُريج بن النعمان من شيوخه كما في (تهذيب التهذيب).

ذكرنا أن محمدًا اختُلِف فيه هل هو الذُّهلي أو ابن سلَّام أو ابن رافع؟ وعلى كل حال مثل ما ذكرنا إذا اختُلف في المُهمَل ولم يُتَفق عليه، ودار الاختلاف بين ثقات، فالأمر لا يضر؛ لأنه أينما دار فهو على ثقة، وشيوخ البخاري كلهم ثقات.

نعم.

"بَابُ اسْتِلاَمِ الرُّكْنِ بِالْمِحْجَنِ:

قال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، وَيَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالاَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: طَافَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ عَلَى بَعِيرٍ، يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ. تَابَعَهُ الدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنْ ابْنِ أَخِي الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَمِّهِ".

يقول –رحمه الله تعالى-: "بَابُ اسْتِلاَمِ الرُّكْنِ بِالْمِحْجَنِ" المحجن عصا معكوفٌ طرفه، يُستفاد منه في تناول الأشياء وتعليق الأشياء، وكثيرٌ من العصيان الموجودة الآن على هيئة المحجن يستفيد منها كبار السن في كثيرٍ من أمورهم، يتكئون عليها، ويتناولون بها الأشياء البعيدة، كما هو معلوم في المسجد، في المسجد يتناول حامل المصحف بالمحجن بهذه العصا، فهذا هو المحجن.

والنبي –عليه الصلاة والسلام- كان معه المحجن، ويستلم به الركن، ولذا قال: "بَابُ اسْتِلاَمِ الرُّكْنِ بِالْمِحْجَنِ".

قال: "حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، وَيَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالاَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: طَافَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ عَلَى بَعِيرٍ، يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ"، فالاستلام إذا كان مقدورًا عليه باليد، هذا هو الأصل أو بالمحجن يتناوله بعصًا معه سواءً كان محجنًا أو غير محجن، يستلمه به أو يُشير إليه إذا لم يستطع ذلك مع التكبير، "تَابَعَهُ الدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنْ ابْنِ أَخِي الزُّهْرِيِّ".

"طَافَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ عَلَى بَعِيرٍ" الركوب في الطواف لا شك أن المشي هو الأصل، والنبي –عليه الصلاة والسلام- طاف راكبًا، وفي سُنن أبي داود: وكان شاكيًا، فطوافه إنما كان لِما ألمَّ به من الشكوى التي هي المرض، أو لأن الناس حَطَموه اجتمعوا عليه وضيَّقوا عليه، فأراد أن يرتفع عنهم ويراه الناس ويسألونه ويشرف عليهم من فوق؛ ليسهل تلقي السؤال وإبلاغ الجواب، فلهذه الأمور كلها، وإلا ففي رواية الصحيح ما فيها ما يشير إلى أنه كان شاكيًّا؛ ولذا يُجيزه أهل العلم من غير شكوى يُجيزون الركوب.

والطواف على الدابة على البعير استدل به، بل هو من أدلة من يقول بطهارة أبوال الإبل وأرواثها، وهذا ظاهر؛ لأنها لا يؤمَن أن تبول في المسجد، فبولها طاهر، وحديث العرنيين حينما أمرهم بشرب أبوال الإبل وألبانها دليلٌ على الطهارة، وهذا هو القول المرجَّح؛ للأدلة، يرى بعضهم كالشافعية أنها نجسة؛ لعموم دخولها في البول الذي أُمِر بالاستنزاه منه، «كَانَ لا يَسْتَنزِهُ مِنَ الْبَوْلِ» أحد الرجلين اللذين يُعذبان في قبريهما.

وعلى كل حال هذا بول ما يؤكل لحمه طاهر؛ للأدلة التي منها حديث الباب، مَن يقول بأنها نجسة يقول: إذا حصل منها شيءٌ من ذلك لهذه المصلحة الراجحة يُغسَل، وبعضهم يقول: إنها عُصِمت من أن تبول في المسجدـ، كل هذا تكلُّف من أجل الانتصار للمذهب.

 نعم.

"بَابُ: مَنْ لَمْ يَسْتَلِمْ إِلَّا الرُّكْنَيْنِ اليَمَانِيَيْنِ:

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ: قال: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قال: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ أَنَّهُ قَالَ: وَمَنْ يَتَّقِي شَيْئًا مِنَ البَيْتِ؟ وَكَانَ مُعَاوِيَةُ يَسْتَلِمُ الأَرْكَانَ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: إِنَّهُ لاَ يُسْتَلَمُ هَذَانِ الرُّكْنَانِ، فَقَالَ: لَيْسَ شَيْءٌ مِنَ البَيْتِ مَهْجُورًا، وَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- يَسْتَلِمُهُنَّ كُلَّهُنَّ.

قال: حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ، قال: حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: لَمْ أَرَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْتَلِمُ مِنَ البَيْتِ إِلَّا الرُّكْنَيْنِ اليَمَانِيَيْنِ".

قال –رحمه الله تعالى-: "بَابُ مَنْ لَمْ يَسْتَلِمْ إِلَّا الرُّكْنَيْنِ اليَمَانِيَيْنِ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ" محمد بن بكر هذا من شيوخ البخاري أم لا؟

طالب: ..................

ماذا طلع عندكم؟

طالب: ..................

الجوالات أسرع.

طالب: .................

يروي عنه بواسطة، وعلى هذا يكون الخبر معلَّقًا

"وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قال: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قال: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ أَنَّهُ قَالَ"

يقول الحافظ العراقي:

وَإنْ يَكُنْ أوَّلُ الاسْنَادِ حُذِفْ
 

 

مَعْ صِيغَةِ الجَزْم فَتَعليْقاً عُرِفْ
 

وَلَوْ إلى آخِرِهِ، أمَّا الَّذِي
 


 

لِشَيْخِهِ عَزَا بـ (قالَ) فَكَذِي
 

عَنْعَنَةٍ كخَبَرِ المْعَازِفِ
 

 

لا تُصْغِ (لاِبْنِ حَزْمٍ) المُخَالِفِ
 

ما دام محمد بن بكر ليس من شيوخه، فالخبر مجزومٌ بتعليقه، أما لو كان من شيوخه، وقال: قال فيه محمد بن بكر، يكون كالرواية عنه بالعنعنة.

....................... أمَّا الَّذِي
 


 

لِشَيْخِهِ عَزَا بـ (قالَ) فَكَذِي
 

عَنْعَنَةٍ كخَبَرِ المْعَازِفِ
 

 

لا تُصْغِ (لاِبْنِ حَزْمٍ) المُخَالِفِ
 

في حديث المعازف «لَيَكونَنَّ مِن أُمَّتي أقْوامٌ، يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ والحَرِيرَ، والخَمْرَ والمَعازِفَ»، رواه الإمام البخاري عن شيخه بــ(قال) جازمًا بذلك، فهو خبرٌ موصول، غاية ما في الأمر أن صيغة (قال) مثل (عن) و(عن) محمولة على الاتصال بالشرطين المعروفين عند أهل العلم، فهو متصل.

ابن حزم يقول: ليس بمتصل؛ انتصارًا لمذهبه الباطل في إجازة الغناء والمعازف، وحكم على جميع ما ورد في الباب بأنه موضوع، ولذا يقول الحافظ العراقي: 

.........................................
 

 

لا تُصْغِ (لاِبْنِ حَزْمٍ) المُخَالِفِ
 

قال: "أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قال: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ" جابر بن زيد.

"أَنَّهُ قَالَ: وَمَنْ يَتَّقِي شَيْئًا مِنَ البَيْتِ؟".

أبو الشعثاء جابر بن زيد من الفقهاء الأئمة، يتشبث به الإباضية، وينسبون كثيرًا من فقههم إليه، وهو إمامٌ مُقدَّمٌ عندهم، لكن هل يضره ذلك؟ ما يضره، مثل جعفر الصادق ما فيه كذبة ما ألصقها الروافض به، ومع ذلك موثَّق عند أئمة الإسلام، ومُخرَّجٌ له في الصحيح، في صحيح مسلم، ما يضيره ذلك.

"أَنَّهُ قَالَ: وَمَنْ يَتَّقِي شَيْئًا مِنَ البَيْتِ؟" هذا استفهام ولو كانت شرطًا لكانت من يتقِ بدون ياء، مع أنه يجوز الإشباع في مثل قوله تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقي وَيَصْبِرْ} [يوسف:90] قراءة معروفة.

وَمَنْ يَتَّقِي شَيْئًا مِنَ البَيْتِ؟" هنا استفهام ما نقول: إشباع ولا شيء، الياء في محلها.

"وَكَانَ مُعَاوِيَةُ يَسْتَلِمُ الأَرْكَانَ" رضي الله عنه وأرضاه، يعني الأربعة.

"فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: إِنَّهُ لاَ يُسْتَلَمُ هَذَانِ الرُّكْنَانِ، فَقَالَ" معاوية- رضي الله عنه-: "لَيْسَ شَيْءٌ مِنَ البَيْتِ مَهْجُورًا، وَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- يَسْتَلِمُهُنَّ كُلَّهُنَّ". إن كان بعد عمارته للكعبة على قواعد إبراهيم فله وجه؛ لأن الأركان الأربعة كلها على قواعد إبراهيم فتُستَلَم، وإن كان قبل عمارته لها، فيتجه إليه ما قيل لمعاوية -رضي الله عنه- "وَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- يَسْتَلِمُهُنَّ كُلَّهُنَّ".

"قال: حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ" مَن هو؟ الطيالسي.

طالب: ..............

هشام بن عبد الملك الطيالسي.

"حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ قال: حَدَّثَنَا لَيْثٌ" سواءٌ قلت: الليث أو ليث، كلاهما سواء مثل عباس والعباس إلى آخره.

"حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: لَمْ أَرَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْتَلِمُ مِنَ البَيْتِ إِلَّا الرُّكْنَيْنِ اليَمَانِيَيْنِ"، الركن الذي فيه الحجر والركن اليماني الذي يليه من جهة الغرب المغرب.

طالب: ..............

نعم.

طالب: ..............

التقبيل؟

طالب: ..............

الوارد الاستلام في جميع الأشواط.

طالب: ..............

ما فيه ما يمنع، وجاء الحث على التقبيل، لكن هو أكثر ما جاء أنه يستلم الحجر، ويستلمه –كما تقدم- بمحجن، ويستلمه بيده إذا لم يشق عليه ذلك إذا كان يطوف وهو يمشي. ثم جاء إلى الحجر فقبَّله، يعني بعدما انتهى من الطواف.

يقول: "رواه أحمد أيضًا من طريق شعبة عن قتادة عن أبي الطفيل، قال: حج معاوية وابن عباس، فجعل ابن عباس يستلم الأركان كلها، فقال معاوية: إنما استلم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذين الركنين اليمانيين، فقال له ابن عباس: ليس من أركانه شيءٌ مهجور".

قلب يُسمى مقلوبًا.

"قال عبد الله بن أحمد في (العلل): سألت أبي عنه فقال: قلبه شعبة، وكان شعبة يقول: الناس يخالفونني في هذا، ولكنني سمعته من قتادة هكذا. انتهى".

الذي في الصحيح عكس هذا ابن عباس هو الذي قال لمعاوية، فلا شك أن الخبر مقلوب.

طالب: ..............

نعم، لعله بعد أن أعاده على قواعد إبراهيم يصير له وجه، أما إذا كان قبل فشأنه شأن معاوية.

يقول ابن حجر -والكلام في الحجر-: "استنبط بعضهم من مشروعية تقبيل الأركان جواز تقبيل كل من يستحق التعظيم من آدميٍّ وغيره، فأما تقبيل يد الآدمي فيأتي في كتاب الأدب، وأما غيره فنُقِل، عن الإمام أحمد أنه سُئل عن تقبيل منبر النبي –صلى الله عليه وسلم- وتقبيل قبره فلم يرَ به بأسًا".

هذا إذا ثبت وسيأتي في تعليق الشيخ ما يرده.

"واستبعد بعض أتباعه صحته عنه".

ما هو مجرد استبعاد يُجزَم بعدم صحة ذلك؛ لما عُرِف عنه من التشديد في مثل هذا من وسائل الشرك.

يقول: "ونُقِل عن ابن أبي الصيف اليماني أحد علماء مكة من الشافعية جواز تقبيل المصحف وأجزاء الحديث، وقبور الصالحين، وبالله التوفيق".

الشيخ/ ابن باز في تعليقه على (فتح الباري) يقول: "الأحكام التي تُنسَب إلى الدِّين لا بُد من ثبوتها في نصوص الدِّين، وكل ما لم يكن عليه الأمر في زمن التشريع وفي نصوص التشريع؛ فهو مردود على من يزعمه، وتقدم قول الإمام الشافعي، ولكنَّا نتبع السُّنَّة فعلًا وتركًا، وهو مقتضى قول أمير المؤمنين عمر فيما خاطب به الحجر الأسود، هذه هي النصوص، وسيأتي قول الحافظ عن ابن عمر في جوابه لمن سأله عن استلام الحجر أمره إذا سمع الحديث أن يأخذ به ويتقي الرأي".

يعني قال: أرأيت إن زُحِمت؟ أرأيت إن زُحِمت؟ قال: اترك أرأيت في اليمن؛ لأن الرجل يماني كما سيأتي.

"والخروج عن هذه الطريقة تغييرٌ للدين، وخروجٌ به إلى غير ما أراده الله به، والله أعلم".

طالب: ............

أين؟

طالب: ............

السند الأخير؟

طالب: ............

عن سالم بن عبد الله عن أبيه، عبد الله بن عمر –رضي الله عنه- والترضي عن التابعي تبعًا لا استقلالًا، هل تقول: سالم رضي الله عنه؟ لكن تبعًا لأبيه تقول.

نعم.

"بَابُ تَقْبِيلِ الحَجَرِ:

قال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ، قال: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قال: أَخْبَرَنَا وَرْقَاءُ، قال: أَخْبَرَنَا زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَبَّلَ الحَجَرَ، وَقَالَ: لَوْلاَ أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَبَّلَكَ مَا قَبَّلْتُكَ.

قال: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قال: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَرَبِيٍّ، قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- عَنِ اسْتِلاَمِ الحَجَرِ، فَقَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْتَلِمُهُ وَيُقَبِّلُهُ، قَالَ: قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إِنْ زُحِمْتُ، أَرَأَيْتَ إِنْ غُلِبْتُ، قَالَ: اجْعَلْ أَرَأَيْتَ بِاليَمَنِ، رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْتَلِمُهُ وَيُقَبِّلُهُ".

يقول –رحمه الله تعالى-: "بَابُ تَقْبِيلِ الحَجَرِ، قال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ، قال: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قال: أَخْبَرَنَا وَرْقَاءُ"، ورقاء بن عمر.

طالب: ............

وضَّاح؟

طالب: ..............

تقصد الوضَّاح بن عبد الله اليشكري؟

طالب: ............

ورقاء بن عمر معروف.

"قال: أَخْبَرَنَا وَرْقَاءُ، قال: أَخْبَرَنَا زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ". أسلم مولى عمر.

"قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَبَّلَ الحَجَرَ، وَقَالَ: لَوْلاَ أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَبَّلَكَ مَا قَبَّلْتُكَ".

 تقدم مرارًا.

ثم قال: "حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قال: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَرَبِيٍّ، قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ عُمَرَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- عَنِ اسْتِلاَمِ الحَجَرِ، فَقَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْتَلِمُهُ وَيُقَبِّلُهُ".

 هل هما في آنٍ واحد أو منفصلين في حالين إن أمكن التقبيل قبَّل وإلا مجرد استلم فقط؟ الجمع بينهما هنا يدل على أنهما معًا يستلم ويُقبِّل.

"قَالَ: قُلْتُ" يعني السائل، وهو من أهل اليمن، "أَرَأَيْتَ إِنْ زُحِمْتُ، أَرَأَيْتَ إِنْ غُلِبْتُ، قَالَ: اجْعَلْ أَرَأَيْتَ بِاليَمَنِ".

 ابن عمر حريص على التقبيل لو غير ابن عمر قال: أرأيت إن زُحِمت؟ قال: اترك ما تحتاج إلى جواب هذه، أرأيت إن زُحِمت؟ أرأيت إن غُلِبت؟ الحمد لله لا تشق على نفسك وعلى غيرك، لكن من شدة حرص ابن عمر –رضي الله عنه- قال: اترك أرأيت باليمن "قَالَ: اجْعَلْ أَرَأَيْتَ بِاليَمَنِ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْتَلِمُهُ وَيُقَبِّلُهُ".

يقول ابن حجر –رحمه الله-: "المستحب في التقبيل ألا يرفع به صوته -يعني ما يخرج صوت للتقبيل-، وروى الفاكهي عن سعيد بن جُبير، قال: إذا قبَّلت الركن فلا ترفع بها صوتك كقبلة النساء.

تنبيه: قال أبو عليٍّ الجياني وقع عند الأصيلي عن أبي أحمد الجرجاني الزبير بن عدي –بدل عربي، ابن عدي- بدالٍ مهملة بعدها ياءٌ مشددة، وهو وهمٌ، وصوابه عربي براءٍ مفتوحة بعدها موحدة، ثم ياء مشددة، كذلك رواه سائر الرواة عن الفربري. انتهى.

في نسخة من نُسخ البخاري حكى الفربري أنه وجد في كتاب أبي جعفر -يعني محمد بن أبي حاتم- وراق البخاري قال أبو عبد الله -يعني البخاري-: الزبير بن عربي هذا بصري، والزبير بن عدي كوفي".

يعني ذكر التفريق بين الاثنين؛ ليؤمَن التصحيف.

"هكذا وقع عند أبي ذر عن شيوخه، عن الفربري، وعند الترمذي من غير رواية الكرخي عقب هذا الحديث الزبير هذا هو ابن عربي، وأما الزبير بن عدي فهو كوفيٌّ، ويؤيده أن في رواية أبي داود المقدم ذكرها الزبير بن العربي بزيادة أل".

ولا يمكن أن تُزاد في عدي، هي ما يُمكن أن تُزاد ما يُقال: ابن العدي، لا.

"الزبير بن العربي بزيادة ألف ولام، وذلك مما يرفع الإشكال، والله أعلم".

بمناسبة ذِكر ابن عربي وابن العربي بأل وبدون أل، وبها يُفرَّق بين أبي بكر بن العربي الإمام الفقيه المالكي المشهور ابن العربي أبو بكر بن العربي صاحب أحكام القرآن شارح الترمذي، وله غيرها من الكتب الكثيرة، وبين ابن عربي صاحب الفصوص، والفتوحات، وصاحب وحدة الوجود يُفرَّق بينهما.

نعم.

"بَابُ: مَنْ أَشَارَ إِلَى الرُّكْنِ إِذَا أَتَى عَلَيْهِ:

قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ، قال: حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: طَافَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْبَيْتِ عَلَى بَعِيرٍ، كُلَّمَا أَتَى عَلَى الرُّكْنِ أَشَارَ إِلَيْهِ".

في هذا الباب يقول الإمام البخاري: "بَابُ مَنْ أَشَارَ إِلَى الرُّكْنِ إِذَا أَتَى عَلَيْهِ" يعني إذا لم يمكن الاستلام باليد أو بالمحجن أو بما أشبهه إذا تعذر ذلك أشار إشارة بيده كلما يُحاذيه يُشير ويُكبِّر.

"قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ" ابن عبد المجيد الثقفي.

"قال: حَدَّثَنَا خَالِدٌ" ابن الحذاء.

"عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: طَافَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْبَيْتِ عَلَى بَعِيرٍ، كُلَّمَا أَتَى عَلَى الرُّكْنِ أَشَارَ إِلَيْهِ"؛ لأنه لا يمكن الاستلام وهو على البعير، لا يمكنه الاستلام على البعير؛ لبُعده عنه، فإذا تعذر الاستلام باليد أو بالمحجن فإنه يكتفي بمجرد الإشارة، والله أعلم.

نعم.

"بَابُ التَّكْبِيرِ عِنْدَ الرُّكْنِ:

قال: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قال: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قال: حَدَّثَنَا خَالِدٌ الحَذَّاءُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: طَافَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْبَيْتِ عَلَى بَعِيرٍ، كُلَّمَا أَتَى الرُّكْنَ أَشَارَ إِلَيْهِ بِشَيْءٍ كَانَ عِنْدَهُ وَكَبَّرَ، تَابَعَهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ خَالِدٍ الحَذَّاءِ".

قال –رحمه الله-: "بَابُ التَّكْبِيرِ عِنْدَ الرُّكْنِ، حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قال: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ" وهو الطحان عن شيخه "خَالِدٌ الحَذَّاءُ" قالوا: إنه ليس بحذاء، لكنه يجلس عند الحذائين فنُسِب إليهم، حُميد الطويل، قالوا: ليس بطويل، لكن له جار اسمه حُميد قصير، فكان يُميَّز بينه وبينه بالطويل، هذا طويل نسبي بالنسبة لجاره.

"عَنْ عِكْرِمَةَ" مولى ابن عباس.

"عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: طَافَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْبَيْتِ عَلَى بَعِيرٍ، كُلَّمَا أَتَى الرُّكْنَ أَشَارَ إِلَيْهِ بِشَيْءٍ كَانَ عِنْدَهُ" كالمحجن، "وَكَبَّرَ" يُشير ويقول: الله أكبر، ويكتفي بالتكبير دون التسمية في سائر الأشواط، يفتتح التكبير بسم الله الله أكبر، وبعدها يفتتح الطواف، وبعدها يكتفي بالتكبير.

يقول: وفيه استحباب التكبير عند الركن الأسود في كل طوافه.

نعم.

"بَابُ مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ إِذَا قَدِمَ مَكَّةَ، قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى بَيْتِهِ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّفَا:

قال: حَدَّثَنَا أَصْبَغُ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، قال: أَخْبَرَنِي عَمْرٌو، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قال: ذَكَرْتُ لِعُرْوَةَ، قَالَ: فَأَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-: أَنَّ أَوَّلَ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ حِينَ قَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ تَوَضَّأَ، ثُمَّ طَافَ، ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةً، ثُمَّ حَجَّ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- مِثْلَهُ، ثُمَّ حَجَجْتُ مَعَ أَبِي الزُّبَيْرِ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- فَأَوَّلُ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافُ، ثُمَّ رَأَيْتُ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارَ يَفْعَلُونَهُ، وَقَدْ أَخْبَرَتْنِي أُمِّي: أَنَّهَا أَهَلَّتْ هِيَ، وَأُخْتُهَا، وَالزُّبَيْرُ، وَفُلاَنٌ وَفُلاَنٌ، بِعُمْرَةٍ، فَلَمَّا مَسَحُوا الرُّكْنَ حَلُّوا.

قال: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ المُنْذِرِ، قال: حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ أَنَسٌ، قال: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا طَافَ فِي الحَجِّ أَوِ العُمْرَةِ، أَوَّلَ مَا يَقْدَمُ سَعَى ثَلاَثَةَ أَطْوَافٍ، وَمَشَى أَرْبَعَةً، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ يَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ.

قال: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ المُنْذِرِ، قال: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا طَافَ بِالْبَيْتِ الطَّوَافَ الأَوَّلَ، يَخُبُّ ثَلاَثَةَ أَطْوَافٍ، وَيَمْشِي أَرْبَعَةً، وَأَنَّهُ كَانَ يَسْعَى بَطْنَ المَسِيلِ، إِذَا طَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ".

قال الإمام البخاري –رحمه الله تعالى-: "بَابُ مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ إِذَا قَدِمَ مَكَّةَ، قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى بَيْتِهِ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّفَا".

 يقول ابن بطال في شرحه: غرضه بهذه الترجمة الرد على من زعم أن المعتمر إذا طاف حلَّ قبل أن يسعى بين الصفا والمروة، فأراد أن يُبين أن قول عروة: "فَلَمَّا مَسَحُوا الرُّكْنَ حَلُّوا" محمولٌ على أن المراد لما استلموا الحجر الأسود وطافوا وسعوا حلُّوا، بدليل حديث ابن عمر الذي أردفه به في هذا الباب.

قال –رحمه الله-: "بَابُ مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ إِذَا قَدِمَ مَكَّةَ، قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى بَيْتِهِ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّفَا" لا بُد من اجتماع هذه الأمور؛ لتتم العمرة.

قال: "حَدَّثَنَا أَصْبَغُ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، قال: أَخْبَرَنِي عَمْرٌو، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، ذَكَرْتُ لِعُرْوَةَ، قَالَ: فَأَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا". يعني تذاكر هو وإياه، فقال: أخبرتني عائشة -رضي الله عنها-، وهي خالته.

"أَنَّ أَوَّلَ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ حِينَ قَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ تَوَضَّأَ، ثُمَّ طَافَ"، الوضوء للطواف شرط من شروط صحته، وأنه لا يصح إلا على طهارة.

"أَنَّهُ تَوَضَّأَ، ثُمَّ طَافَ ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةً".

النبي –عليه الصلاة والسلام- ما اعتمر كذلك أبو بكر وعمر ما اعتمروا في حجِّهم؛ لأنهم قرنوا، لماذا؟

لأن النبي –عليه الصلاة والسلام- منعه من التمتع الذي أمر به صحابته منعه من ذلك سوق الهدي، واستمر أبو بكر وعمر على عدم التمتع، وابن عباس لما قال: إن النبي –عليه الصلاة والسلام- أمر بالتمتع، وأمرهم أن يجعلوها عمرة، قال له قائل: كان أبو بكرٍ وعمر، فقال ابن عباس الكلمة المشهورة: يُوشِك أن تُنزَّل عليكم حجارةٌ من السماء، أقول: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وتقولون: قال أبو بكرٍ وعمر.

"ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةً، ثُمَّ حَجَّ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- مِثْلَهُ"، يعني ما كان عمرة.

"ثُمَّ حَجَجْتُ مَعَ أَبِي"، هذا عروة يقول: حججت مع أبي الزبير، فالزبير بدل من أبي.

"ثُمَّ حَجَجْتُ مَعَ أَبِي الزُّبَيْرِ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- فَأَوَّلُ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافُ، ثُمَّ رَأَيْتُ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارَ يَفْعَلُونَهُ، وَقَدْ أَخْبَرَتْنِي أُمِّي: أَنَّهَا أَهَلَّتْ هِيَ، وَأُخْتُهَا، وَالزُّبَيْرُ، وَفُلاَنٌ وَفُلاَنٌ، بِعُمْرَةٍ". امتثالًا لأمره -عليه الصلاة والسلام-.

"فَلَمَّا مَسَحُوا الرُّكْنَ حَلُّوا" هل مسحوا الركن في البداية أو في الخاتمة خاتمة الطواف أو المسح الذي يكون بعد التقبيل الذي يكون بعد السعي؟ الترجمة تدل على أنه... بيان كلام ابن بطال في الترجمة أنه أراد الرد من زعم أن المعتمر إذا طاف حلَّ قبل أن يسعى، فأراد أن يُبين أن قول عروة: "فَلَمَّا مَسَحُوا الرُّكْنَ حَلُّوا" محمولٌ على أن المراد لما استلموا الحجر الأسود وطافوا وسعوا حلوا.

ثم قال: "حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ المُنْذِرِ، قال: حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ أَنَسٌ، قال: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا طَافَ فِي الحَجِّ أَوِ العُمْرَةِ، أَوَّلَ مَا يَقْدَمُ سَعَى ثَلاَثَةَ أَطْوَافٍ".

 ثلاثة أشواط يعني رَمَل.

"وَمَشَى أَرْبَعَةً، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ" يعني صلى ركعتي الطواف خلف المقام {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة:125]، وأي مكانٍ من المسجد أو الحرم صلاها جاز، وإنما السُّنَّة أن تكون خلف المقام، وصلى عمر –رضي الله عنه- الركعتين ركعتي الطواف بذي طوى، فأي مكانٍ صلاها أجزأت. "ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ يَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ".

قال: "حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ المُنْذِرِ، قال: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا طَافَ بِالْبَيْتِ الطَّوَافَ الأَوَّلَ"، أول ما يقدم طواف القدوم.

"يَخُبُّ ثَلاَثَةَ أَطْوَافٍ" يعني يرمل.

"وَيَمْشِي أَرْبَعَةً، وَأَنَّهُ كَانَ يَسْعَى" يعني في السعي بين الصفا والمروة "يَسْعَى بَطْنَ المَسِيلِ" يعني بطن الوادي المنخفض، "إِذَا طَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ"؛ لأن أم إسماعيل كانت إذا هبطت سعت أسرعت؛ لتصل إلى المكان المرتفع ليراها الناس، وهذا أول وأصل مشروعية السعي والإسراع في المسعى من أجل ذلك.

وسيأتي ما فيه، وأنه مُشكِل من جهة أنه شُرِع بسبب امرأة، وأن المرأة في شرعنا لا يُشرَع لها السعي كيف يكون ذلك؟

يأتي بيانه –إن شاء الله تعالى- في موضعه.

يعني سبب المشروعية امرأة، سعي امرأة، والعلماء يقولون: إن المرأة لا تسعى بل تمشي، السعي للرجال دون النساء، وهذا في شرعنا، ولكن في شرع من قبلنا ولحاجة، لحاجة الولد على خطرٍ من الموت، فتُريد إنقاذه وإسعافه، وحينئذٍ تسعى، لو أن امرأةً لحقها سبع نقول: ما يجوز أن تركضي ما يجوز؟! المسألة مسألة حاجة.

طالب: ............

لا لا، المشروعية انتهت بالنسبة للمرأة من أجل إنقاذ الولد، ويأتي إن شاء الله بيانه إن كان في العمر بقية.

والله أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.