كتاب الصلاة (36)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال الإمام البخاري –رحمه الله تعالى-: "بَاب الِاغْتِسَالِ إِذَا أَسْلَمَ وَرَبْطِ الْأَسِيرِ أَيْضًا فِي الْمَسْجِدِ. وَكَانَ شُرَيْحٌ يَأْمُرُ الْغَرِيمَ أَنْ يُحْبَسَ إِلَى سَارِيَةِ الْمَسْجِدِ.

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ– رضي الله عنه- قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ؛ فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ: ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ، فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ» فَانْطَلَقَ إِلَى نَخْلٍ قَرِيبٍ مِنْ الْمَسْجِدِ، فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد،

فيقول المؤلف –رحمه الله تعالى-: "بَاب الِاغْتِسَالِ إِذَا أَسْلَمَ وَرَبْطِ الْأَسِيرِ أَيْضًا فِي الْمَسْجِدِ".

"بَاب الِاغْتِسَالِ إِذَا أَسْلَمَ" الاغتسال عند دخول الإسلام مسألةٌ خلافية بين أهل العلم منهم: من يُوجبه مطلقًا إذا أسلم، ويجعل من موجبات الغُسل الكُفر والدخول في الإسلام.

ومنهم: من لا يُوجبه مطلقًا؛ لأن الإسلام يهدم ما كان قبله.

ومنهم: من يُفرِّق بين من حصل له سبب الغُسل في كُفره فيلزمه الغُسل ومَن لا فلا.

والمعروف عند الحنابلة والشافعية والمالكية أنهم يُوجبون الغُسل على خلافٍ بينهم في مذاهبهم، لكن هذا هو المشهور.

"الِاغْتِسَالِ إِذَا أَسْلَمَ ثُمامة لما أُطلِق وقد كان مربوطًا في سارية من سواري المسجد، لما أُطلِق انطلق إلى نخلٍ أو نجلٍ قريب من المسجد فاغتسل، وهل يكفي هذا للاستدلال على اللزوم والوجوب أو الاحتمال أنه اجتهادٌ منه؟ ولكن جاء في بعض الأحاديث لما أسلم قال له النبي –صلى الله عليه وسلم-: «أَلْقِ عَنْكَ شَعْرَ الْكُفْرِ واغتسل»

"وَرَبْطِ الْأَسِيرِ أَيْضًا فِي الْمَسْجِدِ" فثُمامة لما جيء به وهو على كفره أسيرًا رُبِط بالمسجد، وفي روايةٍ أمر به النبي –عليه الصلاة والسلام- فربطوه؛ فلذا لما قال بعضهم: إن ربطه، فربطوه بساريةٍ هذا اجتهادٌ منهم من غير علمه –صلى الله عليه وسلم- ولذلك لما علِم قال: «أطلقوه» وهذا الكلام ليس بصحيح؛ لأنه مكث ثلاثة أيام والنبي –عليه الصلاة والسلام- يمر به ولم يأمر بإطلاقه، ولو كان ربطه من اجتهادهم فقط وهو لا يستحق هذا الربط لأمر بإطلاقه من أول ما رآه.

الأمر الثاني: أن الصحابة –رضوان الله عليهم- لا يمكن أن يتصرفوا مثل هذا التصرف بغير أمره -عليه الصلاة والسلام-.

"وَكَانَ شُرَيْحٌ" القاضي، وهو من أشهر القضاة في الإسلام، وأخباره وأحكامه يتناقلها العلماء في كُتب التراجم والسير، وكُتب القضاء وهو قاضٍ مُبرِّز في هذا الباب، ونُقِل عنه نوادر في القضاء يجدر بطالب العلم أن يرجع إليها.

"وَكَانَ شُرَيْحٌ يَأْمُرُ الْغَرِيمَ" والأصل يأمر به، يأمر بالغريم "أَنْ يُحْبَسَ" وقالوا: إن حذف الباء هنا تنزيلًا للفعل يُحبَس منزلة المطاوِع، فيكون اللفظ الأصل فيه يأمر الغريم أن ينحَبس، ولا مانع أن يُحذَف حرف الجر إذا أُمِن اللبس.

....................................

 

أَشَارَتْ كُلَيْبٌ بِالْأَكُفِّ الأَصَابِعُ

لا مانع أن يُحذَف عند أمن اللبس.

"يَأْمُرُ الْغَرِيمَ أَنْ يُحْبَسَ" اللبس؛ لأن الغريم كما يُطلَق على المدين يُطلَق على الدائن، فهل يُمكن أن يُفهَم من كلام شُريح أن الدائن يُؤمَر أن يُحبَس؟ لا، فهنا يُؤمَن اللبس، وحينئذٍ يجوز الحذف.

"أَنْ يُحْبَسَ إِلَى سَارِيَةِ الْمَسْجِدِ" يعني يُربَط في سارية المسجد.

والغريم إما أن يكون معسرًا، وحينئذٍ لا يجوز حبسه، والأمر بالنَّظِرة {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة:280] هذا المتعين في حقِّه، أو يكون مماطلًا وحينئذٍ يُحبَس؛ حتى يؤدي ما عليه.

"وَكَانَ شُرَيْحٌ يَأْمُرُ الْغَرِيمَ أَنْ يُحْبَسَ إِلَى سَارِيَةِ الْمَسْجِدِ" قالوا: وكان مع ذلك يُحبَس إلى سارية المسجد؛ حتى يتم الحكم عليه، ثم يُرسَل إلى السجن؛ لأن السجن كان موجودًا في عهد عمر –رضي الله عنه-، وكان شريح من قُضاة عمر.

قال –رحمه الله-: "حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ" وهو التنيسي.

"قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ" وهو ابن سعد.

"قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ" المقبري.

"سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ" خيلًا عليها ركابُها، ما تُبعَث الخيل وحدها.

"قِبَلَ نَجْدٍ" قِبَل أي: جهة نجد، ونجد: كل ما ارتفع وعلا من الأرض، قالوا: من تهامة إلى العراق.

"فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ: ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ؛ فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ" جاءت به أسيرًا لم يُسلِم، فجاءت به أسيرًا.

"فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ" بأمره –عليه الصلاة والسلام- كما بُيِّن ذلك في بعض الروايات.

"فَخَرَجَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-" فجاء في الروايات أنه ثلاث ليالٍ يمر به ولا يُحدِث شيئًا –عليه الصلاة والسلام- في الثالثة قال: «أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ»، وكأنه عرف أنه وقر الإسلام أو الإيمان في قلبه.

طالب: ................

«يا ثمامة» كل ما مر عليه قال: ولا عنده جديد.

طالب: ................

نعم القصة معروفة، وهي في البخاري بأطول من هذا.

طالب: ................

كيف يقضي حاجته؟

طالب: ................

ما يطلقون عنه الرباط ويطلع مع أحد يقضي حاجته ويرجع؟

طالب: ................

أو تُريد أن تقيسه على الدابة التي طاف عليها النبي –عليه الصلاة والسلام- وكانت معصومة من أن تبول في المسجد، سيأتي شيءٌ من هذا، لكن ما له علاقة، هذا يختلف، فلا بُد أن يكون تُترَك له فرصة يقضي حاجته مع المراقبة، وتقدم أنه يجوز إرسال الفُساء والضُّراط في المسجد للحاجة، نصوا على ذلك، يجوز.

طالب: ................

يجوز مطلقًا أم إذا رُجي إسلامه أو حتى يسمع كلام الله؟

"فَقَالَ: «أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ»" فأطلقوه "فَانْطَلَقَ إِلَى نَخْلٍ قَرِيبٍ" في بعض الروايات الموثَّقة المعتمدة واعتمدها كثيرٌ من الشراح بدل نخل (نجل)، نجل قريب من المسجد فاغتسل، ولا يمنع أن يكون (نخل) يعني: بستان يُطلَق النخل ويُراد به البستان، وفيه ماء، مما يتطلبه البستان والنخل ماء، والنجل: هو الساقية من الماء.

"فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ"، وبهذا دخل في الإسلام بإعلان الشهادتين، ولو قُدِّر أنه في الأيام الثلاثة وقر الإيمان في قلبه، ولكنه لم ينطق بالشهادتين، فإنه حينئذٍ يكون حكمه كافرًا، «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يقولوا: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ».

ما الفرق بين هذه الترجمة والترجمة التي قبلها باب الأسير أو الغريم يُربَط في المسجد أو هي جزءٌ منها؟

طالب: أضاف الاغتسال يا شيخ.

سيأتي الكلام فيها ولماذا كررها.

طالب: الاغتسال يا شيخ.

هذا زائد الاغتسال، لكن الشق الثاني الأسير أو الغريم يُربَط في المسجد.

طالب: ..............

ماذا؟

طالب: ..............

أسير الجني هذا هو العفريت وأسير أراد أن يربطه؛ ليأسره.

طالب: ما هو تعريف الأسير؟

المربوط من الكفرة.

طالب: سواء من الجن أو الإنس؟

الجن أو الإنس «مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ البَارِحَةَ؟» يقوله لأبي هريرة وهو جني.

نعم.

قال الحافظ –رحمه الله-:

"قَوْلُهُ: "بَابُ الِاغْتِسَالِ إِذَا أَسْلَمَ وَرَبْطِ الْأَسِيرَ أَيْضًا فِي الْمَسْجِدِ" هَكَذَا فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ، وَسَقَطَ لِلْأَصِيلِيِّ وَكَرِيمَةَ قَوْلِهِ: "وَرَبْطِ الْأَسِيرَ" إِلَى آخره".

لأنها تقدمت في الترجمة السابقة، فاكتفوا بها.

"وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ بَابٌ بِلَا تَرْجَمَةٍ، وَكَأَنَّهُ فَصْلٌ مِنَ الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بَيَّضَ لِلتَّرْجَمَةِ فَسَدَّ بَعْضُهُمُ الْبَيَاضَ بِمَا ظَهَرَ لَهُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْإِسْمَاعِيلِيَّ تَرْجَمَ عَلَيْهِ بَابُ دُخُولِ الْمُشْرِكِ الْمَسْجِدَ، وَأَيْضًا فَالْبُخَارِيُّ لَمْ تَجْرِ عَادَتُهُ بِإِعَادَةِ لَفَظِ التَّرْجَمَةِ عَقِبَ الْأُخْرَى، والاغتسال إِذا أسلم لا تعلق لَهُ بِأَحْكَامِ الْمَسَاجِدِ إِلَّا عَلَى بُعْدٍ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: الْكَافِرُ جُنُبٌ غَالِبًا، وَالْجُنُبُ مَمْنُوعٌ مِنَ الْمَسْجِدِ إِلَّا لِضَرُورَةٍ، فَلَمَّا أَسْلَمَ لَمْ تَبْقَ ضَرُورَةٌ لِلُبْثِهِ فِي الْمَسْجِدِ جُنُبًا؛ فَاغْتَسَلَ لتسوغ لَهُ الْإِقَامَة فِي الْمَسْجِد.

 وَادّعى ابن الْمُنِيرِ أَنَّ تَرْجَمَةَ هَذَا الْبَابِ ذِكْرُ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِي الْمَسْجِدِ. قَالَ: وَمُطَابَقَتُهَا لِقِصَّةِ ثُمَامَةَ أَنَّ مَنْ تَخَيَّلَ مَنْعَ ذَلِكَ أَخَذَهُ مِنْ عُمُومِ قَوْلِهِ: «إِنَّمَا بُنِيَتِ الْمَسَاجِدُ لِذِكْرِ اللَّهِ»، فَأَرَادَ الْبُخَارِيُّ أَنَّ هَذَا الْعُمُومَ مَخْصُوصٌ بِأَشْيَاءَ غَيْرِ ذَلِكَ.

مِنْهَا: رَبْطُ الْأَسِيرِ فِي الْمَسْجِدِ، فَإِذَا جَازَ ذَلِكَ لِلْمَصْلَحَةِ، فَكَذَلِكَ يَجُوزُ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ لِلْمَصْلَحَةِ فِي الْمَسْجِدِ".

تكلُّف هذا، وترجمة البيع والشراء تقدمت.

"قُلْتُ: وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنَ التَّكَلُّفِ، وَلَيْسَ مَا ذَكَرَهُ مِنَ التَّرْجَمَةِ مَعَ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنْ نُسَخِ الْبُخَارِيِّ هُنَا، وَإِنَّمَا تَقَدَّمَتْ قَبْلَ خَمْسَةِ أَبْوَابٍ؛ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ بَرِيرَةَ، ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ قِيلَ: إِيرَادُ قِصَّةِ ثُمَامَةَ فِي التَّرْجَمَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ، وَهِيَ بَابُ الْأَسِيرِ يُرْبَطُ فِي الْمَسْجِدِ أَلْيَقُ. فَالْجَوَابُ: أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ الْبُخَارِيَّ آثَرَ الِاسْتِدْلَالَ بِقِصَّةِ الْعِفْرِيتِ عَلَى قِصَّةِ ثُمَامَةَ؛ لِأَنَّ الَّذِي هَمَّ بِرَبْطِ الْعِفْرِيتِ هُوَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالَّذِي تَوَلَّى رَبْطَ ثُمَامَةَ غَيْرُهُ، وَحَيْثُ رَآهُ مَرْبُوطًا قَالَ: «أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ» قَالَ: فَهُوَ بِأَنْ يَكُونَ إِنْكَارًا لِرَبْطِهِ أَوْلَى مِنْ أَنْ يَكُونَ تَقْرِيرًا له. انْتَهَى".

لكن إذا عُرِف أن النبي –عليه الصلاة والسلام- هو الذي أمر بربطه، والصحابة نفَّذوا هذا الأمر، وأنه تردد عليه ثلاثًا وهو مربوط فما يُقال: أن الصحابة هم الذين ربطوه من غير علمه- عليه الصلاة والسلام-.

"وَكَأَنَّهُ لَمْ يُنْظَرْ سِيَاقُ هَذَا الْحَدِيثِ تَامًّا لَا فِي الْبُخَارِيِّ وَلَا فِي غَيْرِهِ، فقد أخرجه البُخَارِيّ فِي أَواخر الْمَغَازِي مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِعَيْنِهِ مُطَوَّلًا، وَفِيهِ أَنَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو الذي مَرَّ عَلَى ثُمَامَةَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَهُوَ مَرْبُوطٌ فِي الْمَسْجِدِ، وَإِنَّمَا أَمَرَ بِإِطْلَاقِهِ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ، وَكَذَا أخرجه مُسلم وَغَيره، وَصرَّح ابن إِسْحَاقَ فِي الْمُغَازِي مِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هُوَ الَّذِي أَمرهم بربطه، فَبَطل مَا تخيله ابن الْمُنِير، وَإِنِّي لَأتعجب مِنْهُ كَيْفَ جَوَّزَ أَنَّ الصَّحَابَةَ يَفْعَلُونَ فِي الْمَسْجِدِ أَمْرًا لَا يَرْضَاهُ رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَهُوَ كَلَامٌ فَاسِدٌ مَبْنِيٌّ عَلَى فَاسِدٍ، فَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى التَّوْفِيقِ".

مبنيٍّ على رواية أو كلام نسبه إلى البخاري وهو لم يثبت في شيءٍ من نُسخِه.

"قَوْلُهُ: "وَكَانَ شُرَيْحٌ يَأْمُرُ الْغَرِيمَ أَنْ يُحْبَسَ" قَالَ ابن مَالِكٍ: فِيهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْأَصْلُ يَأْمُرُ بِالْغَرِيمِ، وَأَنْ يُحْبَسَ بَدَلَ اشْتِمَالٍ، ثُمَّ حُذِفَتِ الْبَاءَ.

ثَانِيهُمَا: أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: "أَنْ يُحْبَسَ" أَيْ: يَنْحَبِسُ فَجَعَلَ الْمُطَاوِعَ مَوْضِعَ الْمُطَاوِعِ لِاسْتِلْزَامِهِ إِيَّاهُ. انْتَهَى.

وَالتَّعْلِيقُ الْمَذْكُورُ فِي رِوَايَةِ الْحَمَوِيِّ دُونَ رُفْقَتِهِ، وَقَدْ وَصَلَهُ مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوب، عَن ابن سِيرِينَ، قَالَ: كَانَ شُرَيْحٌ إِذَا قَضَى عَلَى رَجُلٍ بِحَقٍّ أَمَرَ بِحَبْسِهِ فِي الْمَسْجِدِ إِلَى أَنْ يَقُومَ بِمَا عَلَيْهِ، فَإِنْ أَعْطَى الْحَقَ وَإِلَّا أَمَرَ بِهِ إِلَى السِّجْنِ.

قَوْلُهُ: "خَيْلًا" أَيْ: فُرْسَانًا، وَالْأَصْلُ أَنَّهُمْ كَانُوا رِجَالًا عَلَى خَيْلٍ "وَثُمَامَةُ" بِمُثَلَّثَةٍ مَضْمُومَةٍ، وَأُثَالٍ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ بَعْدَهَا مُثَلَّثَةٌ خَفِيفَةٌ.

قَوْلُهُ: "إِلَى نَخْلٍ" فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، وَفِي النُّسْخَةِ الْمَقْرُوءَةِ عَلَى أَبِي الْوَقْتِ بِالْجِيمِ وَصَوَّبَهَا بَعْضُهُمْ، وَقَالَ: وَالنَّجْلُ الْمَاءُ الْقَلِيلُ النَّابِعُ، وَقِيلَ: الْجَارِي.

قُلْتُ: وَيُؤَيّد الرِّوَايَة الأولى أَن لفظ ابن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ (فَانْطَلَقَ إِلَى حَائِط أبي طَلْحَة) وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى بَقِيَّةِ فَوَائِدِ هَذَا الْحَدِيثِ حَيْثُ أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ تَامًّا، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى".

طالب: ..............

أين؟

طالب: ..............

كسرت الإناء فانكسر، أيهما المطاوِع وأيهما المطَاوع؟

طالب: المطاوِع الإناء...

نعم.

طالب: نحن ما قرأناها هكذا يا شيخ نحن قرأنا العكس.

أنت قرأتها عكس وعلَّمتك.

طالب: ثم التعليق الأخير لي الآن على عكس ما صوَّبت يا شيخ.

لا.

هو العكس كسر فانكسر، انكسر مطاوِع فعل المطاوِع انكسر، والمطَاوع الفعل العادي.

طالب: ..............

اغتسل لينطق.

قال الإمام البخاري –رحمه الله تعالى-:

"بَابُ الخَيْمَةِ فِي المَسْجِدِ لِلْمَرْضَى وَغَيْرِهِمْ:

حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- قَالَتْ: أُصِيبَ سَعْدٌ يَوْمَ الخَنْدَقِ فِي الأَكْحَلِ، فَضَرَبَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَيْمَةً فِي المَسْجِدِ؛ لِيَعُودَهُ مِنْ قَرِيبٍ فَلَمْ يَرُعْهُمْ، وَفِي المَسْجِدِ خَيْمَةٌ مِنْ بَنِي غِفَارٍ، إِلَّا الدَّمُ يَسِيلُ إِلَيْهِمْ، فَقَالُوا: يَا أَهْلَ الخَيْمَةِ، مَا هَذَا الَّذِي يَأْتِينَا مِنْ قِبَلِكُمْ؟ فَإِذَا سَعْدٌ يَغْذُو جُرْحُهُ دَمًا، فَمَاتَ فِيهَا".

قال –رحمه الله تعالى-: "بَابُ الخَيْمَةِ فِي المَسْجِدِ لِلْمَرْضَى وَغَيْرِهِمْ" وللمعتكف، وللمقيم في المسجد لحاجة لا مانع أن تُضرَب له خيمة لاسيما النساء، كما تقدم في حديث صاحبة الوشاح.

قال –رحمه الله-: "حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى" اللؤلؤي البلخي.

"قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ" ابن عروة.

"عَنْ أَبِيهِ" عروة بن الزبير.

"عَنْ عَائِشَةَ –رضي الله تعالى عنها- قَالَتْ: أُصِيبَ سَعْدٌ" وهو ابن معاذ.

"يَوْمَ الخَنْدَقِ فِي الأَكْحَلِ" الأكحل: عرقٌ يكون في اليد إذا جُرِح فإنه يصعب وقوف الدم منه، الأكحل يعدونه مقتلًا؛ لأنه يصعب أن يقف الدم منه، ترون بعض العروق في البدن إذا حصل منها نزيف، فإن صاحب هذا الجرح يتأثر، ولكن الآن وُجِدَت وسائل وأسباب تخفف من هذا أو تقضي عليه، والله المستعان.

وكان السارق إذا قُطِع غُمِسَت يده في الزيت المغلي؛ لكي تنسد عروقه، والآن ماذا يفعلون؟ خياطة.

"فَضَرَبَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَيْمَةً فِي المَسْجِدِ؛ لِيَعُودَهُ مِنْ قَرِيبٍ" ما فيه مستشفيات يمكن أن يُنوَّم فيها ويُتَردد في زيارته عليه ليست موجودة، فإما أن يبقى في بيته أو في المسجد، ولا فرق حينئذٍ، وكونه في المسجد أرفق بالزائر، قد يكون في بيته أيسر له ولأهله، لكن الزائر الرسول -عليه الصلاة والسلام-.

"لِيَعُودَهُ مِنْ قَرِيبٍ فَلَمْ يَرُعْهُم إِلَّا الدَّمُ يَسِيلُ إِلَيْهِمْ"، هؤلاء القوم من غفار في خيمةٍ في المسجد مجاورة للخيمة التي فيها سعد، فأفزعهم هذا الدم الذي سرى إليهم من الخيمة المجاورة.

"إِلَّا الدَّمُ يَسِيلُ إِلَيْهِمْ، فَقَالُوا: يَا أَهْلَ الخَيْمَةِ، مَا هَذَا الَّذِي يَأْتِينَا مِنْ قِبَلِكُمْ؟" من جهتكم، "فَإِذَا سَعْدٌ يَغْذُو" انفجر الجرح "يَغْذُو جُرْحُهُ دَمًا" يثعب، "فَمَاتَ فِيهَا" يعني في هذه المرضة أو بهذا السبب، المقصود أنه قد يقف الدم قليلًا ثم ينفجر من جديد، قد يكون بأقوى، وقد يكون بأقل، وكل هذا من الأمراض التي يُؤجَر عليها المسلم، والأمور كلها بيد الله –جلَّ وعلا- إن شاء شفاه وإن شاء أماته، وسعدٌ مات من هذا الجرح.

قال الحافظ –رحمه الله-: "قَوْلُهُ: "بَابُ الْخَيْمَةِ فِي الْمَسْجِدِ" أَيْ: جَوَازِ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: "حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى" هُوَ الْبَلْخِيُّ اللُّؤْلُؤِيُّ وَكَانَ حَافِظًا، وَفِي شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ زَكَرِيَّا بن يحيى أَبُو المسكين، وَقَدْ شَارَكَ الْبَلْخِيُّ فِي بَعْضِ شُيُوخِهِ".

أبو من؟ عندك مسكين أم سكين؟

طالب: أبو المسكين.

بدون ميم عندنا، نبَّه عليها؟

طالب: ..............

قد يكون سُّكَين؛ لأنه في النساء سُكينة، فلا يمنع أن يكون في الرجال سُكَين.

تطلع من إرشاد الساري؟

طالب: أنا معي إرشاد الساري ما أشار إلى شيء.

طالب: ..............

لا لا، كُنيته.

طالب: ..............

لا الثاني ليس هو الراوي.

طالب: ليس الراوي؟

نعم هذا من شيوخ البخاري غير الراوي.

طالب: ..............

رأيت أبو السُّكَين بضم المهملة، ما يمكن أن يكون أبو سَكِّين، ممكن؟ لكن أنا لما رأيت في النساء سُكينة لا أستبعد أن يكون في الرجال سُكين.

طالب: ..............

 وهو كذلك، بارك الله فيكم. 

"وَفِي شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ زَكَرِيَّا بن يحيى أَبُو السُّكَين، وَقَدْ شَارَكَ الْبَلْخِيُّ فِي بَعْضِ شُيُوخِهِ.

"قَوْلُهُ: "أُصِيب سعدٌ" أَي: ابن مُعَاذٍ.

قَوْلُهُ: "فِي الْأَكْحَلِ" هُوَ عِرْقٌ فِي الْيَدِ.

قَوْلُهُ: "خَيْمَةٌ فِي الْمَسْجِدِ" أَيْ: لِسَعْدٍ.

قَوْلُهُ: "فَلَمْ يَرُعْهُمْ" أَيْ: يُفْزِعْهُمْ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْمَعْنَى أَنَّهُمْ بَيْنَمَا هُمْ فِي حَالِ طُمَأْنِينَةٍ حَتَّى أَفْزَعَتْهُمْ رُؤْيَةُ الدَّمِ فَارْتَاعُوا لَهُ، وَقَالَ غَيْرُهُ: الْمُرَادُ بِهَذَا اللَّفْظِ السُّرْعَةُ لَا نَفْسُ الْفَزَعِ.

قَوْلُهُ "وَفِي الْمَسْجِدِ خَيْمَةٌ" هَذِهِ الْجُمْلَةُ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالْفَاعِلِ، وَالتَّقْدِيرُ فَلَمْ يَرُعْهُمْ إِلَّا الدَّمُ وَالْمَعْنَى فَرَاعَهُمُ الدَّمُ.

قَوْلُهُ: "مِنْ قِبَلِكُمْ" بِكَسْرِ الْقَافِ أَيْ: مِنْ جِهَتِكُمْ.

قَوْلُهُ: "يَغْذُو" بِغَيْنٍ وَذَالٌ مُعْجَمَتَيْنِ أَيْ: يَسِيلُ.

قَوْلُهُ: "فَمَاتَ فِيهَا" أَيْ: فِي الْخَيْمَةِ أَوْ فِي تِلْكَ الْمَرْضَةِ، وَفِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي وَالْكُشْمِيهَنِيِّ: فَمَاتَ مِنْهَا أَيِ: الْجِرَاحَةِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى بَقِيَّةِ فَوَائِدِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي كِتَابِ الْمَغَازِي، حَيْثُ أَوْرَدَهُ الْمُؤَلِّفُ هُنَاكَ بأتم من هذا السياق".

المريض أحيانًا يحتاج إلى مُسيِّل لدمه؛ لما يُخشى عليه من تجلط الدم، وأحيانًا العكس، يحتاج إلى ما يُخثِّر الدم؛ لما يُخشى من انفجار الدم والنزيف، وهذا كله له علاجات عند الأطباء إن كان يحتاج إلى مُسيِّل أعطوه، وإن كان يحتاج إلى مُخثِّر أعطوه.

وإذا أرادوا إجراء عملية لشخص فإنه يُنظَر في أمره؛ لئلا يكون دمه سائلًا فلا يندمل جُرحه ويُصاب بنزيفٍ يموت منه، والعكس.

طالب: الحافظ يقول في التهذيب: زكريا بن يحيى بن عمر بن حصن بن حميد بن مُنهِب بن حارثة بن خزيمة بن أوس بن حارثة بن لام الطائي، أبو السُّكَين الكوفي نزيل بغداد، روى عنه البخاري والحسن بن الصبَّاح وجماعة.

وغيرهم.

نعم.

قال الإمام البخاري –رحمه الله تعالى-: "بَابُ إِدْخَالِ البَعِيرِ فِي المَسْجِدِ لِلْعِلَّةِ:

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: طَافَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى بَعِيرٍ.

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: شَكَوْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنِّي أَشْتَكِي قَالَ: «طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ»، فَطُفْتُ وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي إِلَى جَنْبِ البَيْتِ يَقْرَأُ بـ: والطُّورِ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ".

عندك القسم؟

طالب: نعم.

عندنا: يقرأ "بِالطُّورِ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ"؛ لأن الطور صارت عَلَمًا على السورة، في حديث جُبير بن مُطعم: فسمعته يقرأ بالطور.

طالب: عندي الآية كاملة.

ما هي موجودة، وما فيه ولا إشارة للنُسخ.

يقول –رحمه الله تعالى-: "بَابُ إِدْخَالِ البَعِيرِ فِي المَسْجِدِ لِلْعِلَّةِ"، إدخال البعير في المسجد، الذي يُخشى منه أن يبول أو يروث في المسجد، ومعلومٌ أن بول أو روث ما يؤكَل لحمه محل خلافٍ بين العلماء، ولكن الأدلة الصريحة الخاصة تدل على طهارة أبوال وأرواث ما يؤكَل لحمه، مثل هذا ومثل قصة العُرنيين وغيرها.

ومن يقول بنجاستها فإنما يستدل بعمومات مثل: «وأمَّا الآخَرُ فكان لا يستنزِهُ مِنَ الْبَوْلِ»، يدخل فيه بول الناس، وبول ما يؤكَل لحمه، وبول ما لا يؤكَل، بهذا استدلوا.

والمسألة معروفة عند أهل العلم، الشافعية ممن يرون نجاسة أبوال حتى ما يُؤكَل لحمه، والحنابلة معروف عندهم الطهارة.

وعلى كل حال النبي –صلى الله عليه وسلم- طاف على البعير، وأذِن لأم سلمة أن تطوف عليه، ولكن هل يُشتَرط أن يكون الطائف شاكيًّا وذا علةٍ، أو يُباح الركوب في الطواف ولو لم يكن هناك علة؟

النبي –عليه الصلاة والسلام- طاف على البعير في سُنن أبي داود وكان شاكيًّا، وجاء عنه –عليه الصلاة والسلام- أنه طاف على بعيرٍ ليراه الناس.

طالب: لما زُحِم.

في الحج نعم، لما حطمه الناس طاف على البعير، وأما سلمة شكوت، أني أشتكي، فأمرها أن تطوف على البعير.

والطواف راكبًا من غير علة جوَّزه جمعٌ من أهل العلم، وهو قولٌ مُعتَبر للمسألة، ومن أراد أن يحتاط فلا يطوف إلا لحاجة.

طالب: ................

طاف لعلة كونه ليراه الناس. 

طالب: ................

هل له أثر في الطواف أو لأمرٍ خارج؟ خارج.

طالب: هذا يقلل من شأن من يمنع.

نعم.

"وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: طَافَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى بَعِيرٍ"، وهذا معروف كما جاء في رواية أبي داود أنه كان شاكيًّا، وفي الحديث الآخر أنه لما حطمه الناس طاف على البعير؛ ليراه الناس ويسألونه من الزحام.

طالب: ................

إذا كان يتضرر نعم.

طالب: ................

نعم.

على كل حال الذي يتضرر لا إشكال، الكلام فيمن لا يحتاج إلى الركوب، فركب وطاف، هل يصح طوافه أم لا؟ منهم من يرى أنه ليراه الناس ليست علة مؤثرة في الطواف نفسه، فيُجيزه مطلقًا.

طالب: ................

مثله كلها أركان، ولكن قد يُتَجوَّز في السعي أكثر من الطواف؛ لأن الطواف صلاة كما جاء في الحديث، فيُحتاط له أكثر، ولكونه في المسجد، والسعي خارج المسجد، ولكونه أقصر من السعي؛ لأن بعض الناس قد يُطيق الطواف ولا يُطيق السعي، والعكس قد يُطيق السعي ولا يُطيق الطواف؛ لأن مكان السعي أفسح ما هو مثل الطواف.

على كل حال المسألة خلاف بين أهل العلم، وتأتي في كتاب المناسك.

قال: "حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ" وهو التنيسي.

"قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ" وهو الإمام إمام دار الهجرة.

"عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ" المعروف بيتيم عروة.

"عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ" بنت أم سلمة.

"عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: شَكَوْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنِّي أَشْتَكِي" يعني: ذكرت له أني أشتكي.

"قَالَ: «طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ»" من أجل ألا تؤذي الناس ببعيرها، والطواف بالنسبة للنساء الأصل فيه أن تكون من وراء الناس كما قالت عائشة، كانت تطوف حَجرة، وكان النساء ينتظرن الرجال حتى يفرغ المطاف؛ فيطفن، وهذا في الصحيح في صحيح البخاري.

"قَالَ: «طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ»، فَطُفْتُ وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي إِلَى جَنْبِ البَيْتِ" يعني في صلاة الصبح، حديث جُبير بن مطعم في صلاة المغرب، وهنا في صلاة الصبح.

"يُصَلِّي إِلَى جَنْبِ البَيْتِ" الكعبة، وإلى جنبها يعني: مستقبلًا لها كما هو معلوم.

"يَقْرَأُ بِالطُّورِ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ" يقرأ بهذه السورة التي صار الاسم عَلمًا عليها، وفي حديث جُبير بن مطعم أنه جاء في أسرى بدر إلى النبي –عليه الصلاة والسلام- في المدينة، وسمعه يقرأ في المغرب بالطور، يقول: وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي، وفي روايةٍ: "كاد قلبي أن يطير" نحن تُقرأ علينا الطور، والله المستعان، الله يعفو ويُسامح.

نعم.

قال الحافظ –رحمه الله-: "قَوْلُهُ: "بَابُ إِدْخَالِ الْبَعِيرِ فِي الْمَسْجِدِ لِلْعِلَّةِ" أَيْ: لِلْحَاجَةِ.

وَفَهِمَ مِنْهُ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعِلَّةِ الضَّعْفُ، فَقَالَ: هُوَ ظَاهِرٌ فِي حَدِيثِ أم سَلمَة دون حَدِيث ابن عَبَّاسٍ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُصَنِّفُ أَشَارَ بِالتَّعْلِيقِ الْمَذْكُورِ إِلَى مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِهِ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدِمَ مَكَّةَ وَهُوَ يَشْتَكِي فَطَافَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَأَمَّا اللَّفْظُ الْمُعَلَّقُ فَهُوَ مَوْصُولٌ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ كَمَا سَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْحَجِّ -إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى-، وَيَأْتِي أَيْضًا قَوْلِ جَابِرٍ أَنَّهُ إِنَّمَا طَافَ عَلَى بَعِيرِهِ؛ لِيَرَاهُ النَّاسُ وَلِيَسْأَلُوهُ.

وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ أَيْضًا فِي الْحَجِّ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَا تَرْجَمَ لَهُ وَرِجَالُ إِسْنَادِهِ مَدَنِيُّونَ، وَفِيهِ تَابِعِيَّانِ: مُحَمَّدٌ وَعُرْوَةُ، وصحابيتان: زَيْنَب وَأمّهَا أم سَلمَة، قَالَ ابن بَطَّالٍ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ دُخُولِ الدَّوَابِّ الَّتِي يُؤْكَلُ لَحْمُهَا الْمَسْجِدَ إِذَا احْتِيجَ إِلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ بَوْلَهَا لَا يُنَجِّسُهُ بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنَ الدَّوَابِّ".

يعني ولو كانت مأكولة اللحم؛ "لِأَنَّ بَوْلَهَا لَا يُنَجِّسُهُ" يعني: بول الإبل كأنه يُريد فقط "بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنَ الدَّوَابِّ" كالخيل وغيرها مما يُؤكَل لحمه، ولكن هذا تفريقٌ بغير فارق.

"وَتُعَقِّبُ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ دلَالَة على عدم الْجَوَازِ مَعَ الْحَاجَةِ".

مع الحاجة، ومع عدم الحاجة.

"وَتُعَقِّبُ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ دلَالَة على عدم الْجَوَازِ مَعَ الْحَاجَةِ"

لحظة لحظة؛ لأن عندنا "عدم".

طالب: نعم يا شيخ "عدم" أحسن يعني مقرونة مثلًا بالحاجة، إن احتاج جاز، وإذا عُدِمَت الحاجة عُدِم الجواز.

نعم.

طالب: ...............

نعم موضوعة بين معكوفتين؛ لأنها لا تُوجد في الأصل.

طالب: ...............

نعم، بولاق.

"بَلْ ذَلِكَ دَائِرٌ عَلَى التَّلْوِيثِ وَعَدَمِهِ، فَحَيْثُ يُخْشَى التَّلْوِيثُ يَمْتَنِعُ الدُّخُولُ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ نَاقَتَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَتْ مُنَوَّقَةً أَيْ: مُدَرَّبَةً مُعَلَّمَةً فَيُؤْمَنُ مِنْهَا مَا يُحْذَرُ مِنَ التَّلْوِيثِ وَهِيَ سائرة، فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بَعِيرُ أُمِّ سَلَمَةَ كَانَ كَذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ".

يعني إذا قُبِل هذا في ناقته –عليه الصلاة والسلام- فما مزية ناقة أم سلمة إلا من حيث أنه أُذِن لها بالدخول من قِبله –عليه الصلاة والسلام-، ولكن هذا لا وجه له، المسألة مسألة طهارة ونجاسة، الطهارة ما الذي يمنع من دخولها؟ والنجاسة معروفة المساجد لم تُبنَ لهذا كما في حديث بول الأعرابي.

طالب: ...............

الحكم عام بلا شك.

طالب: ...............

يعني تريد أنها تطوف على حمار؟

طالب: ...............

الأصل الإذن مع ما يحتف به، هذا لو ما وُجِد إلا طفل يُقال: يطوف على كلب أو على شيء؟ لا لا.

فيه تعليق للشيخ/ ابن باز –رحمه الله- يقول: هذا الكلام ليس بشيء، والصواب: طهارة أبوال الإبل ونحوها مما يُؤكَل لحمه، فلا يضر المسجد وجود شيءٍ من ذلك كما أشار إليه ابن بطال، فتنبَّه، وانظر حاشية ثلاثمائة وتسعة وثلاثين.

يعني كأنه في حديث العُرنيين، ثلاثمائة وتسعة وثلاثين.

طالب: الحديث يا شيخ؟

مائتين وثلاثة وثلاثين رقم الحديث في منتصف الشرح، حديث قصة العرنيين، ينقل التعليق عندك؟ تعليق الشيخ؟

طالب: أحيانًا.

وقبله بثلاث صفحات.

نعم.

قال الإمام البخاري –رحمه الله تعالى-: "بَابٌ:

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَرَجَا مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ، وَمَعَهُمَا مِثْلُ المِصْبَاحَيْنِ يُضِيئَانِ بَيْنَ أَيْدِيهِمَا، فَلَمَّا افْتَرَقَا صَارَ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَاحِدٌ حَتَّى أَتَى أَهْلَهُ".

يقول الإمام البخاري –رحمه الله تعالى-: "بابٌ" تقدم مرارًا أن الباب بدون ترجمة يُنزَّل منزلة الفصل من الباب الذي قبله، وهذا درج عليه الحافظ من بداية الكتاب إلى نهايته، وهنا إذا نظرت إلى الحديث الثاني فما علاقته بالحديث الأول؟ له علاقة ليكون كالفصل من الباب الذي قبله؟ سيأتي في كلام الحافظ ما يدل عليه.

قال –رحمه الله-: "بابٌ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي" هشام بن عروة يُحدِّث عن قتادة أو الدستوائي؟

طالب: الدستوائي يا شيخ.

الدستوائي.

"قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ" ابن دعامة السدوسي.

"قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ" أنس بن مالك- رضي الله عنه-.

"أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَرَجَا مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-" وهما: أُسيد بن حُضير، وعبَّاد بن بشر بن قيظي.

"خَرَجَا مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ، وَمَعَهُمَا مِثْلُ المِصْبَاحَيْنِ يُضِيئَانِ بَيْنَ أَيْدِيهِمَا"؛ كرامة لهما -رضي الله عنهما- ما هي من مصابيحهم التي يملكونها ويملكها غيرهم، ولذلك لما افترقا صار مع كل واحدٍ مصباح، {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور:40].

"يُضِيئَانِ بَيْنَ أَيْدِيهِمَا، فَلَمَّا افْتَرَقَا صَارَ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَاحِدٌ حَتَّى أَتَى أَهْلَهُ" وهذا من كرامات الأولياء وهي مما يعتقده أهل السُّنَّة والجماعة أن الله يُجري على يدي أوليائه الكرامات أو الخوارق التي تخرق العادات.

والعبرة في ذلك في تسميتها كرامة أو استدراجًا أن يُنظَر فيمن حصلت له، فإن كان مُتَّبِعًا للكتاب والسُّنَّة فهي كرامة، وقد تحصل لمن يُخالف الكتاب والسُّنَّة فتكون استدراجًا له، كما بيَّن ذلك شيخ الإسلام ابن تميمة في كتاب (الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان).

قال الحافظ –رحمه الله-: "قَوْله: "بَابٌ" كَذَا هُوَ فِي الْأَصْلُ بِلَا تَرْجَمَةٍ، وَكَأَنَّهُ بَيَّضَ لَهُ فَاسْتَمَرَّ كَذَلِك، وَأما قَول ابن رَشِيدٍ: إِنْ مِثْلَ ذَلِكَ إِذَا وَقَعَ لِلْبُخَارِيِّ كَانَ كَالْفَصْلِ مِنَ الْبَابِ".

ابن حجر يقوله مرارًا، لكن ابن حجر في هذا الموضع انتبه لشيء وأراد أن يُنبِّه عليه، وإلا فهو يُقرر هذا، باب بدون ترجمة كالفصل من الذي قبله.

"فَهُوَ حَسَنٌ حَيْثُ يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَابِ الَّذِي قَبِلَهُ مُنَاسِبَةٌ بِخِلَاف مثل هَذَا الْمَوْضِعِ".

ما يبقى إلا أن البخاري بيَّض للترجمة، فما وجد الترجمة المناسبة، ولم يتيسر له ذلك، وبقي بدون ترجمة.

"وَأَمَّا وَجْهُ تَعَلُّقِهِ بِأَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ فَمن جِهَة أَن الرجلَيْن تأخرا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْمَسْجِدِ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ الْمُظْلِمَةِ؛ لِانْتِظَارِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ مَعَهُ، فَعَلَى هَذَا كَانَ يَلِيقُ أَنْ يترجم لَهُ فضل الْمَشْي إِلَى الْمَسْجِد فِي اللَّيْلَةِ الْمُظْلِمَةِ، وَيُلْمِحُ بِحَدِيثِ «بَشِّرِ الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلْمِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيث بريدة، وَظَهَرَ شَاهِدُهُ فِي حَدِيثِ الْبَابِ لِإِكْرَامِ اللَّهِ تَعَالَى هَذَيْنِ الصَّحَابِيَّيْنِ بِهَذَا النُّورِ الظَّاهِرِ، وَادَّخَرَ لَهُمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا هُوَ أَعْظَمُ وَأَتَمُّ مِنْ ذَلِكَ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى".

الذي هو النور التام.

"وَسَنَذْكُرُ بَقِيَّةَ فَوَائِدِ حَدِيثِ أَنَسٍ الْمَذْكُورِ فِي كِتَابِ الْمَنَاقِبِ، فَقَدْ ذَكَّرَ الْمُصَنِّفَ هُنَاكَ أَنَّ الرَّجُلَيْنِ الْمَذْكُورين هما أُسيد بن خضير وَعباد بن بشر".

اللهم صلِّ على محمد.