معنى قول عمر في صلاة التراويح (نعم البدعة هذه)

قال عمر رضي الله عنه في صلاة التراويح: «نعم البدعة هذه» [البخاري (2010)].

وأجاب عن هذا الأثر ابنُ تيمية -رحمه الله- فقال: «ثم نقول أكثر ما في هذا تسمية عمر تلك بدعة مع حسنها، وهذه تسمية لغوية لا تسمية شرعية، وذلك أن البدعة في اللغة تعم كل ما فعل ابتداءً من غير مثال سابق، وأما البدعة الشرعية فكل ما لم يدل عليه دليل شرعي.

فإذا كان نص رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دل على استحباب فعل أو إيجابه بعد موته، أو دل عليه مطلقًا ولم يعمل به إلا بعد موته، ككتاب الصدقة الذي أخرجه أبو بكر رضي الله عنه فإذا عمل أحد ذلك العمل بعد موته صح أن يُسمى بدعة في اللغة؛ لأنه عمل مبتدأ، كما أن نفس الدين الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم يُسمى بدعة، ويسمى محدثًا في اللغة، كما قالت رسل قريش للنجاشي عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم المهاجرين إلى الحبشة: «إن هؤلاء خرجوا من دين آبائهم ولم يدخلوا في دين الملك وجاءوا بدين محدث لا يُعرف»، فلفظ البدعة في اللغة أعم من لفظ البدعة في الشريعة» [اقتضاء الصراط المستقيم (ص: 276)].

فالنبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة التراويح بأصحابه ليلة، فاجتمع إليه فئام من الناس، ثم صلى بهم الثانية، وهم أكثر من العدد السابق، ثم اجتمعوا في الليلة الثالثة حتى غصّ بهم المسجد، فلم يخرج إليهم؛ خشية أن تُفرض عليهم [البخاري (1129)، ومسلم (761)]، وهذا من رأفته ورحمته صلى الله عليه وسلم بأمته، واستمر الأمر على ذلك بقية عهده صلى الله عليه وسلم، وجميع خلافة أبي بكر وصدرًا من خلافة عمر رضي الله عنه، ثم بعد أن أمن من فرضية صلاة التراويح بموته صلى الله عليه وسلم جمع عمر رضي الله عنه الناسَ على إمامٍ واحد، ثم خرج في ليلةٍ من الليالي وهم يصلون مجتمعين متراصين، فأعجبه ما رأى فقال ما قال.

وأجاب الشاطبي في الاعتصام بأن المراد بدعة على سبيل المجاز، لا على سبيل الحقيقة [الاعتصام (1/53)].

وهذا عند من يقول بالمجاز لا إشكال فيه، والمجاز هو: استعمال للفظ في غير ما وضع له، ولا يتم هذا الجواب على رأي الذي لا يرى المجاز وهو المرجح عند أئمة التحقيق، والذي نصره شيخ الإسلام وابن القيم.

وأما كلام شيخ الإسلام رحمه الله في أنها بدعة لغوية، ففي تقديري أنه غير متجه؛ لأن البدعة لغةً: ما عمل على غير مثالٍ سابق، وصلاة التراويح التي جمع عمر رضي الله عنه الناس عليها عملت على مثالٍ سبق في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولذا لا يقال: إنها بدعة لغوية؛ لأنها عملت على مثالٍ سبق، وليست بدعة شرعية قطعًا؛ لأنها ثبتت من فعله صلى الله عليه وسلم.

وليست بمجاز كما هو قول الشاطبي؛ لأنه لا مجاز في النصوص، أو لا مجاز مطلقًا.

فإن قيل: إذن كيف نتصرف في هذا اللفظ الذي يوحي بأن البدع تكون ممدوحة ومحمودة؟

نقول: إن إطلاق البدعة على هذه الصلاة التي سبقت شرعيتها من فعله صلى الله عليه وسلم من باب المشاكلة، والمجانسة في التعبير، كأن قائلًا، لا سيما إن كان ممن لم يدرك الصلاة مع النبي صلى الله عليه وسلم، ومنذ أن وجد وهو يصلي بمفرده صلاة التراويح، ثم عمر جمع الناس عليها بعد انقطاع الوحي، ولم يبلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع، فكأنه قال له: ابتدعت يا عمر، فقال: نعمت البدعة.