تعليق على تفسير سورة آل عمران (10)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نعم.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

قال الإمام ابن كثيرٍ –رحمه الله تعالى-: "قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «ائْتُونِي الْعَشِيَّة أَبْعَث مَعَكُمُ الْقَوِيّ الْأَمِين»، فَكان عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ –رضي الله عنه- يَقُولُ: مَا أَحْبَبْتُ الْإِمَارَةَ قَطّ حُبّي إِيَّاهَا يَوْمَئِذٍ، رَجَاءَ أَنْ أَكُونَ صَاحِبَهَا، فَرُحْتُ إِلَى الظُّهْرِ مُهَجّرا، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الظهرَ سلَّم، ثُمَّ نَظَر عَنْ يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ، فَجَعَلْتُ أَتَطَاوَلُ لَهُ لِيَرَانِي، فَلَمْ يَزَلْ يَلْتَمِسُ بِبَصَرِهِ حَتَّى رَأَى أَبَا عُبَيدة بْنَ الجَرَّاح، فَدَعَاهُ فقال: «اخْرُجْ مَعَهُمْ، فَاقْضِ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ» قَالَ عُمَرُ: فَذَهَبَ بِهَا أَبُو عُبَيْدَةَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-".

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

هذا الخبر تكملة للخبر السابق الذي يرويه ابن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير، وفيه هذا الكلام عن أبي عبيدة، وأنه هو القوي الأمين، وأن عمر –رضي الله عنه- تطاول أن يكون هذا الوصف له وهذه المنقبة العظيمة له، ولكن لعمر من المناقب ما هو أكثر منها وأشد، وأبو عبيدة رغم فضله ووصفه بالقوة والأمانة، وأنه من العشرة المبشرين بالجنة، لكن عمر –رضي الله عنه- أفضل منه وأكثر مناقب. ما يعني أن الإنسان إذا فُضِّل بمنقبة أو بمزية أو بفضيلة أن يكون أفضل من غيره مطلقًا.

كررنا هذا مرارًا في قوله –عليه الصلاة والسلام-: «أول من يُكسى في الجنة إبراهيم- عليه السلام-» لا يعني أنه يُكسى قبل محمد فيكون أفضل من محمد، لا، فضيلة واحدة لا تُعادل بقية الفضائل والمزايا، كما أن لعمر من الفضائل ما ليس لأبي بكر بواحدةً أو اثنتين لكن المزية العظمى وهي الرُّجحان في الإيمان والدين عند أبي بكر أكثر منها عند غيره- رضي الله عن الجميع-.

"فَرُحْتُ إِلَى الظُّهْرِ" يعني: إلى صلاة الظهر "مُهَجّرا" يعني: مبادرًا

"فقال: «اخْرُجْ مَعَهُمْ، فَاقْضِ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ» قَالَ عُمَرُ: فَذَهَبَ بِهَا" أي: بهذه المنقبة وهذه المزية "أَبُو عُبَيْدَةَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-".

"وَقَدْ رَوَى ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خُدَيْج: أَنَّ وَفْدَ أَهْلِ نَجْرَانَ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَذَكَرَ نَحْوَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي الْأَشْرَافِ: كَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ. وَذَكَرَ بَقِيَّتَهُ بِأَطْوَلَ مِنْ هَذَا السِّيَاقِ، وَزِيَادَاتٍ أخَر.

وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ صِلَة بْنِ زُفَر، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: جَاءَ العاقبُ والسيدُ صَاحِبًا نَجْرَانَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُرِيدَانِ أن يُلَاعِنَاهُ، قَالَ: فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: لَا تَفْعَلْ، فَوَاللَّهِ لإِنْ كَانَ نَبِيًّا فَلَاعَنَّاهُ لَا نفلحُ نحنُ وَلَا عَقبنا مِنْ بَعْدِه. قَالَا: إِنَّا نُعْطِيكَ مَا سَأَلْتَنَا، وَابْعَثْ مَعَنَا رَجُلًا أَمِينًا، وَلَا تَبْعَثْ مَعَنَا إِلَّا أَمِينًا".

سألهم أن يُسلموا فأبوا، وسألهم بعد ذلك الجزية على خلاف بين أهل العلم هل هي جزية أو فدية وليست بجزية في مقابل السكوت عنهم؛ لأن الجزية كما سيأتي في كلام المؤلف فيها إشكالٌ كبير مع كتاب النبي –عليه الصلاة والسلام- لهرقل، وفيه ذِكر الآية، وكتابه مُتقدِّم.

"فَقَالَ: «لأبْعَثَنَّ مَعَكُمْ رَجُلا أَمِينًا حَقَّ أمِينٍ»، فاستشرفَ لَهَا أصحابُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: «قُمْ يَا أبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ»، فَلَمَّا قَامَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «هَذَا أمِينُ هَذِهِ الأمَّةِ»".

يعني نظير ما قال النبي –عليه الصلاة والسلام- ليلة خيبر: «لأعطينَّ الراية غدًا رجُلًا يحبّ الله ورسوله ويُحبّه الله ورسوله» فالصحابة كلهم استشرفوا أن يكون هذا الوصف ينطبق عليهم، ثم لما أصبح قال: «أين علي بن أبي طالب؟».

 رضي الله عنهم وأرضاهم، وصلِّ على محمد.

"رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا، وَمُسْلِمٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طُرُقٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعي، عَنْ صِلَة، عَنْ حُذَيْفَةَ، بِنَحْوِهِ.

وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، مِنْ حَدِيثِ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ صلَة عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، بِنَحْوِهِ

وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، قال: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي قِلابة، عَنْ أَنَسٍ عَنِ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لِكُلِّ أُمَّةٍ أمينٌ، وَأَمِينُ هَذِهِ الأمَّة أبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ».

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ يَزِيدَ الرَّقِّي أَبُو يَزِيدَ، قال: حَدَّثَنَا فُرَات، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بن مَالِكٍ الجزَري" عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو جَهْلٍ –قبَّحه الله-: إِنْ رأيتُ يُصلي يُصَلِّي عِنْدَ الْكَعْبَةِ لَآتِيَنَّهُ حَتَّى أطَأ عَلَى عُنُقِهِ. قَالَ: فَقَالَ: «لَوْ فعلَ لأخَذته الملائكةُ عِيَانًا، وَلَوْ أَنَّ الْيَهُودَ تمنَّوا الْمَوْتَ لَمَاتُوا وَرَأَوْا مَقَاعِدَهُمْ مِنَ النَّارِ، وَلَوْ خَرَجَ الَّذِينَ يُبَاهِلُونَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لرَجَعوا لَا يَجِدُونَ مَالًا وَلَا أَهْلًا».

وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَر، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، بِهِ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ".

"وقد رواه البخاري" ماذا عندك؟

طالب: الترمذي.

"وقد رواه البخاري والترمذي" مائة وأربعين صحيح البخاري في كتاب التفسير، باب قول الله تعالى، "وقد رواه البخاري، والترمذي، والنسائي".

"قال ابن مردويه: وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ قصَّة وَفْد نَجْران".

"قال ابن مردويه" عندكم؟

طالب: كذا في الأصل.

أيهما المتقدم البيهقي أم ابن مردويه؟

طالب: .............

ما يروي عنه، متقدم عليه؛ ولذلك لا تُوجد في بعض النُّسخ، نرى وفاة ابن مردويه متى؟

طالب: ................

 كم؟

طالب: أربعمائة وعشرة.

البيهقي أربعمائة وثمان وخمسين.

فالصواب حذفها إلا إن كان في ساقط مقول للقول غير وقد روى البيهقي. 

"وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ قصَّة وَفْد نَجْران مُطَوِّلَةً جِدًّا، وَلْنَذْكُرْهُ فَإِنَّ فِيهِ فوائدَ كَثِيرَةً، وَفِيهِ غَرَابَةٌ وَفِيهِ مُنَاسَبَةٌ لِهَذَا الْمَقَامِ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ".

يعني الحاكم.

"وَأَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ".

الأصم.

"قال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قال: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْر، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عبدِ يَسُوع، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ يُونُسُ -وَكَانَ نَصْرَانِيًّا فَأَسْلَمَ-: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَتَبَ إِلَى أَهْلِ نَجْرَانَ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ عَلَيْهِ طس سُلَيْمَانَ".

يعني قبل أن تنزل سورة النمل وفيها قصة سليمان {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [النمل:30].

"«بِاسْم إلَهِ إِبْرَاهِيمَ وإسْحَاقَ ويَعْقُوبَ، مِنْ مُحَمَّدٍ الَّنِبيِّ رَسُولِ اللهِ إلَى أسْقف نَجْرانَ وأهْلِ نَجْرانَ، أسلِم أَنْتُم، فإنِّي أحْمَدُ إلَيْكُمْ إلَهَ إبْرَاهِيمَ وإِسْحَاقَ ويَعْقُوبَ»".

كيف أسلم أنتم؟

طالب: ...............

هذا الذي عندنا.

طالب: ...............

ماذا؟

طالب: ................

هي صورتها صورة أسلِم أنتم.

وفي دلائل النبوة يقول: إن أسلمتم.

"«أَمَّا بَعْدُ، فإنِّي أَدْعُوكُم إلَى عِبَادَةِ اللهِ مِنْ عِبَادَةِ الْعِبَادِ، وأدْعُوكُمْ إلَى وِلايَةِ اللهِ مِنْ وِلايَةِ الْعِبَادِ، فَإِنْ أَبَيْتُمْ فَالْجِزْيَةُ، فَإِنْ أَبَيْتُمْ فقد آذَنْتُكُمْ بِحَرْبٍ والسَّلامُ».

فَلَمَّا أَتَى الْأُسْقُفَ الْكِتَابُ وقَرَأَهُ فَظعَ بِهِ، وذَعَره ذُعرًا شَدِيدًا، وَبَعَثَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ يُقَالُ لَهُ: شُرَحْبيل بْنُ وَداعة -وَكَانَ مِنْ هَمْدان، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يُدْعَى إِذَا نَزَلَتْ مُعْضلة قَبْلَه، لَا الْأَيْهَمُ وَلَا السِّيد وَلَا الْعَاقِبُ- فَدَفَعَ الأسْقُفُ كتابَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى شُرَحْبيل، فَقَرَأَهُ، فَقَالَ الْأَسْقُفُ: يَا أَبَا مريمَ، مَا رَأْيُكَ؟ فَقَالَ شُرَحْبِيلُ: قَدْ عَلِمْتَ مَا وَعَدَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ فِي ذُرِّيَّةِ إِسْمَاعِيلَ مِنَ النُّبُوَّةِ، فَمَا يُؤْمنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا هُوَ ذَاكَ الرَّجُلُ، لَيْسَ لِي فِي أمر النُّبُوَّةِ رَأْيٌ، وَلَوْ كَانَ أَمْرٌ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا لَأَشَرْتُ عَلَيْكَ فِيهِ بِرَأْيِي، وجَهِدتُ لَكَ، فَقَالَ الْأَسْقُفُ: تَنَحَّ فَاجْلِسْ. فَتَنَحَّى شُرَحْبِيلُ فَجَلَسَ نَاحِيَةً، فَبَعَثَ الْأَسْقُفُ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ، يُقَالُ لَهُ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شُرَحْبِيلَ، وَهُوَ مِنْ ذِي أَصْبَحَ مِنْ حمْير، فَأَقْرَأَهُ الْكِتَابَ، وَسَأَلَهُ عَنِ الرَّأْيِ فِيهِ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ قَوْلِ شُرَحْبِيلَ، فَقَالَ لَهُ الْأَسْقُفَ: تنحى فَاجْلِسْ، فتَنَحى فَجَلَسَ نَاحِيَةً. فبَعَثَ الْأَسْقُفُ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ، يُقَالُ لَهُ: جَبَّارُ بْنُ فَيْضٍ، مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ، أَحَدُ بَنِي الْحَمَاسِ، فَأَقْرَأَهُ الْكِتَابَ، وَسَأَلَهُ عَنِ الرَّأْيِ فِيهِ؟ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ قَوْلِ شُرَحبيل وَعَبْدِ اللَّهِ، فَأَمْرَهُ الْأَسْقُفَ فَتَنَحَّى فَجَلَسَ نَاحِيَةً.

فَلَمَّا اجْتَمَعَ الرَّأْيُ مِنْهُمْ عَلَى تِلْكَ الْمَقَالَةِ جَمِيعًا، أَمَرَ الْأَسْقُفُ بِالنَّاقُوسِ فضُرب بِهِ، ورُفعت النِّيرَانُ وَالْمُسُوحُ فِي الصَّوَامِعِ، وَكَذَلِكَ كَانُوا يَفْعَلُونَ إِذَا فَزعوا بِالنَّهَارِ، وَإِذَا كَانَ فزعُهم لَيْلًا ضَرَبُوا بِالنَّاقُوسِ، وَرَفُعِتِ النِّيرَانُ فِي الصَّوَامِعِ، فَاجْتَمَعُ حِينَ ضُرِبَ بِالنَّاقُوسِ وَرُفِعَتِ الْمُسُوحُ أَهْلَ الْوَادِي أَعْلَاهُ وَأَسْفَلَهُ -وطول الْوَادِي مَسِيرة يَوْمٍ لِلرَّاكِبِ السَّرِيعِ، وَفِيهِ ثَلَاثٌ وَسَبْعُونَ قَرْيَةً، وَعِشْرُونَ وَمِائَةُ أَلْفِ مُقَاتِلٍ- فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ كتابَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَسَأَلَهُمْ عَنِ الرَّأْيِ فِيهِ، فَاجْتَمَعَ رأيُ أَهْلِ الرَّأْيِ مِنْهُمْ عَلَى أَنْ يَبْعَثُوا شُرَحْبِيلَ بْنَ ودَاعة الْهَمْدَانِيَّ، وَعَبْدَاللَّهِ بن شُرَحبيل الْأَصْبَحِيَّ، وَجَبَّارَ بْنَ فَيْضٍ الْحَارِثِيَّ، فَيَأْتُونَهُمْ بِخَبَرِ رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-".

يعني الثلاثة الذين استشارهم في أمر الكتاب.

"فَانْطَلَقَ الْوَفْدُ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالْمَدِينَةِ وَضَعُوا ثِيَابَ السَّفَرِ عَنْهُمْ، وَلَبِسُوا حُلَلا لَهُمْ يَجُرُّونَهَا مِنْ حِبَرَةٍ، وَخَوَاتِيمَ الذَّهَبِ، ثُمَّ انْطَلَقُوا حَتَّى أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ، وَتَصَدَّوْا لِكَلَامِهِ نَهَارًا طَوِيلًا فَلَمْ يُكَلِّمْهُمْ وَعَلَيْهِمْ تِلْكَ الْحُلَلُ وخواتيم الذهب. فانطلقوا يتبعون عثمان بن عَفَّانَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، وَكَانَا مَعْرفة لَهُمْ، فَوَجَدُوهُمَا فِي نَاسٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فِي مَجْلِسٍ، فَقَالُوا: يَا عُثْمَانُ وَيَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، إِنْ نَبِيَّكُمْ كَتَبَ إِلَيْنَا بِكِتَابٍ، فَأَقْبَلْنَا مُجِيبِينَ لَهُ، فَأَتَيْنَاهُ فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ سَلَامَنَا، وَتَصَدَّيْنَا لِكَلَامِهِ نَهَارًا طَوِيلًا فَأَعْيَانَا أَنْ يُكَلِّمَنَا، فَمَا الرَّأْيُ مِنْكُمَا؟ أَتَرَوْنَ أَنْ نَرْجِعَ؟ فَقَالَا لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ -وَهُوَ فِي الْقَوْمِ-: مَا تَرَى يَا أَبَا الْحَسَنِ فِي هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ؟ فَقَالَ عَليّ لِعُثْمَانَ وَلِعَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَرَى أَنْ يَضَعُوا حُللهم هَذِهِ وَخَوَاتِيمَهُمْ، وَيَلْبَسُوا ثِيَابَ سَفَرِهِمْ ثُمَّ يَعُودَا إِلَيْهِ. فَفَعَلُوا فَسَلَّمُوا، فَرَدَّ سَلَامَهُمْ، ثُمَّ قَالَ: «والَّذِي بَعَثَنِي بِالحَقِّ، لَقَدْ أَتَوْنِي الْمرَّةَ الأولَى، وإنَّ إبْلِيسَ لَمَعَهُم»، ثُمَّ سَاءَلَهُمْ وَسَاءَلُوهُ، فَلَمْ تَزَلْ بِهِ وَبِهِمُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى قَالُوا: مَا تَقُولُ فِي عِيسَى، فَإِنَّا نَرْجِعُ إِلَى قَوْمِنَا وَنَحْنُ نَصَارَى، يَسُرُّنَا إِنْ كُنْتَ نَبِيًّا أَنْ نَسْمَعَ مَا تَقُولُ فِيهِ؟ فقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا عِنْدِي فِيهِ شِيء يَوْمِي هَذَا، فَأَقِيمُوا حَتَّى أُخْبِرَكُمْ بِمَا يَقُولُ لِي اللهُ فِي عيسَى» فَأَصْبَحَ الْغَدُ وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ* الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ* فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} [آل عمران:59-61] فَأَبَوْا أَنْ يُقِرُّوا بِذَلِكَ".

خافوا على أنفسهم وعلى أموالهم وذراريهم؛ لأنهم يعرفون أنه رسول الله، ويعرفون صدقه، وصفته– عليه الصلاة والسلام- موجودة عندهم في كتبهم.

"فَلَمَّا أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْغَدَ بَعْدَ مَا أَخْبَرَهُمُ الْخَبَرَ أَقْبَلَ مُشْتَمِلًا عَلَى الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ فِي خَمِيل لَهُ، وَفَاطِمَةُ تَمْشِي عِنْدَ ظَهْرِهِ لِلْمُلَاعَنَةِ، وَلَهُ يَوْمَئِذٍ عِدَّةُ نِسْوَةٍ، فَقَالَ شُرَحْبِيلُ لِصَاحِبَيْهِ: لقَدْ عَلِمْتُمَا أَنَّ الْوَادِيَ إِذَا اجْتَمَعَ أَعْلَاهُ وَأَسْفَلُهُ لَمْ يَرِدُوا وَلَمْ يَصْدُرُوا إِلَّا عَنْ رَأْيِي، وَإِنِّي وَاللَّهِ أَرَى أَمْرًا ثَقِيلًا وَاللَّهِ لَئِنْ كَانَ هَذَا الرَّجُلُ مَلِكًا مَبْعُوثًا، فَكُنَّا أَوَّلَ الْعَرَبِ طَعَنًا فِي عَيْنَيْهِ وَرَدًّا عَلَيْهِ أَمْرَهُ، لَا يَذْهَبُ لَنَا مِنْ صَدْرِهِ وَلَا مِنْ صُدُورِ أَصْحَابِهِ حَتَّى يُصِيبُونَا بِجَائِحَةٍ، وَإِنَّا لَأَدْنَى الْعَرَبِ مِنْهُمْ جِوَارًا، وَلَئِنْ كَانَ هَذَا الرَّجُلُ نَبِيًّا مُرْسَلًا فلاعَنَّاه لَا يَبْقَى منَّا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مِنَّا شَعْر وَلَا ظُفُر إِلَّا هَلَكَ. فَقَالَ لَهُ صَاحِبَاهُ: فَمَا الرَّأْيُ يَا أَبَا مَرْيَمَ؟ فَقَالَ: رأيي أَنْ أُحَكِّمَهُ، فَإِنِّي أَرَى رَجُلًا لَا يَحْكُمُ شَطَطًا أَبَدًا. فَقَالَا لَهُ: أَنْتَ وَذَاكَ. قَالَ: فَتلَقّى شرحبيلُ رسولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ لَهُ: إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ خَيْرًا مِنْ مُلَاعَنَتِكَ. فَقَالَ: «وَمَا هُوَ؟» فَقَالَ: حُكْمُكَ الْيَوْمَ إِلَى اللَّيْلِ، وَلَيْلَتُكَ إِلَى الصَّبَاحِ، فَمَهْمَا حَكَّمْتَ فِينَا فَهُوَ جَائِزٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَعَلَّ وَرَاءكَ أحَدًا يَثْرِبُ عَلْيكَ؟» فَقَالَ شُرَحْبِيلُ: سَلْ صَاحِبَيَّ. فَسَأَلَهُمَا فَقَالَا: مَا يَرِدُ الْوَادِي وَلَا يَصْدرُ إِلَّا عَنْ رَأْيِ شُرَحْبِيلَ: فَرَجع رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمْ يُلَاعِنْهُمْ، حَتَّى إِذَا كَانَ الْغَدُ أَتَوْهُ فَكَتَبَ لَهُمْ هَذَا الْكِتَابَ: بِسْم اللَّهِ الرحمنِ الرَّحِيم، هَذَا مَا كَتَبَ مُحَمَّدٌ النَّبِي رَسُولُ اللهِ لِنَجْرَانَ -إنْ كَانَ عَلَيْهِمْ حُكْمَهُ- فِي كُلِّ ثَمَرَةٍ وَفي كُلِّ صَفْرَاءَ وَبَيْضَاءَ وَسَودَاءَ وَرَقِيقٍ فَاضِلٍ عَلَيْهِمْ، وتَرْك ذَلِكَ كُلُّهُ لَهُمْ، عَلَى أَلْفَي حُلَّةٍ، فِي كُلِّ رَجَبٍ أَلْفُ حُلَّةٍ، وفِي صَفَرٍ ألْفُ حُلَّةٍ" وَذَكَرَ تَمَامَ الشُّرُوطِ وَبَقِيَّةَ السِّيَاقِ".

يعني كل ستة أشهر ألف حُلة.

"وَالْغَرَضُ أَنَّ وُفُودَهُمْ كَانَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ؛ لِأَنَّ الزُّهْرِيَّ قَالَ: كَانَ أَهْلُ نَجْرَانَ أَوَّلَ مَنْ أَدَّى الْجِزْيَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَآيَةُ الْجِزْيَةِ إِنَّمَا أُنْزِلَتْ بَعْدَ الْفَتْحِ، وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُون} [التَّوْبَةِ:29].

قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدَوَيْهِ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، قال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ المكي، قال: حدثنا بشر بن مِهْرَانَ، قال: حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْعَاقِبُ وَالطَّيِّبُ، فَدَعَاهُمَا إِلَى الْمُلَاعَنَةِ فَوَاعَدَاهُ عَلَى أَنْ يُلَاعِنَاهُ  الْغَدَاةَ. قَالَ: فَغَدَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِمَا، فَأَبَيَا أَنْ يُجِيبا، وأقَرَّا له بِالْخَرَاجِ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم-: «وَالَّذِي بَعَثَني بالْحَقِّ، لَوْ قَالا: لَا لأمْطَرَ عَلَيْهِمُ الْوَادِي نَارًا»، قَالَ جَابِرٌ: وفِيهِمْ نَزَلَتْ: {نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ} [آل عمران:61]، قَالَ جَابِرٌ: {وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ} [آل عمران:61] رسولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، {وَأَبْنَاءَنَا} [آل عمران:61] الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ، {وَنِسَاءَنَا} [آل عمران:61] فَاطِمَةَ.

وَهَكَذَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عِيسَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ الْأَزْهَرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْر، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مسْهر، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، بِهِ بِمَعْنَاهُ. ثُمَّ قَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ.

هَكَذَا قَالَ.

 وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ مُرْسَلًا، وَهَذَا أَصَحُّ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْبَرَاءِ نَحْوُ ذَلِكَ.

ثُمَّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ} [آل عمران:62] أَيْ: هَذَا الَّذِي قَصَصْنَاهُ عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ فِي شَأْنِ عِيسَى هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا مَعْدل عَنْهُ وَلَا مَحِيدَ.

 {وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلا اللَّه وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * فَإِنْ تَوَلَّوْا} [آل عمران:62-63] أَيْ: عَنْ هَذَا إِلَى غَيْرِهِ.

{فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ} [آل عمران:63] أَيْ: مَنْ عَدَلَ عَنِ الْحَقِّ إِلَى الْبَاطِلِ فَهُوَ الْمُفْسِدُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِهِ، وَسَيَجْزِيهِ عَلَى ذَلِكَ شَرَّ الْجَزَاءِ، وَهُوَ الْقَادِرُ، الَّذِي لَا يَفُوتُهُ شَيْءٌ، سُبْحَانَهُ وَبِحَمْدِهِ، وَنَعُوذُ بِهِ مِنْ حُلُولِ نِقَمَتهِ".

طالب: ..............

أين اللعان؟ المباهلة قصدك؟

طالب: ..............

موجود على مر الزمان، العلماء والمحققون الواثقون من علمهم ومن ربهم فيه ما يمنع من أن يُباهلوا؟

طالب: ..............

هذا لأبنائكم أنت من تقصد من البقية؟

طالب: ..............

ما أخذ من زوجاته، نساءنا أخذ فاطمة.

طالب: ..............

هذا الذي جاء في الخبر، وإلا فالأصل أنه يشمل الجميع، لكن هذا الذي جاء في الخبر والاقتصار على بعضهم يكفي، ما يلزم أن يكون الجميع، وهؤلاء أقرب الناس إليه- عليه الصلاة والسلام-.

"قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران:64].

هَذَا الْخِطَابُ يَعُمُّ أَهْلَ الْكِتَابِ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَمَنْ جَرَى مَجْرَاهُمْ {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ} [آل عمران:64]، وَالْكَلِمَةُ تُطْلَقُ عَلَى الْجُمْلَةِ الْمُفِيدَةِ، كَمَا قَالَ هَاهُنَا".

يعني كما قال ابن مالك في ألفيته -الكلمة تُطلَق على الجملة- يقول:

........................................
 

 

وَكَلْـمَةٌ بِهَــا كَلاَمٌ قَدْ يُؤمْ
 

يعني: يُقصَد، ولا إله إلا الله كلمة التوحيد.

طالب: ...............

تسعة عشر جملة، ولا إله إلا الله هي كلمة الوحيد.

"ثُمَّ وَصَفَهَا بِقَوْلِهِ: {سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} [آل عمران:64] أَيْ: عَدْلٌ وَنَصَفٌ، نَسْتَوِي نَحْنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا. ثُمَّ فَسَّرَهَا بِقَوْلِهِ: {أَلا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا} [آل عمران:64] لَا وَثَنا، وَلَا صَنَمًا، وَلَا صَلِيبًا وَلَا طَاغُوتًا، وَلَا نَارًا، وَلَا شَيْئًا، بَلْ نُفْرِدُ الْعِبَادَةَ لِلَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ. وَهَذِهِ دَعْوَةُ جَمِيعِ الرُّسُلِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الْأَنْبِيَاءِ:25]. وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النَّحْلِ:36].

ثُمَّ قَالَ تعالى: {وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [آل عمران:64] قَالَ ابْنُ جُرَيْج: يَعْنِي: يُطِيعُ بَعْضُنَا بَعْضًا فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: يَسْجُدُ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ".

جاء في الحديث أن النبي –عليه الصلاة والسلام- قال له عدي بن حاتم في قوله –جلَّ وعلا-: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة:31] قال: لسنا نعبدهم يا رسول الله، قال: «أَلَيْسَوا يُحِلُّونَ الْحَرَامَ فَتُحِلُّونَهُ، وَيُحَرِّمُونَ الْحَلالَ فَتُحَرِّمُونَهُ» قال: نعم، قال: «فَتلِكَ عِبَادَتُهُمْ»، {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ} [الشورى:21].

طالب: ..............

«أليسوا» قال: بلى، {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى:21].

"{فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران:64] أَيْ: فَإِنْ تَوَلَّوْا عَنْ هَذَا النَّصَف وَهَذِهِ الدَّعْوَةِ فأشْهدوهم أَنْتُمْ عَلَى اسْتِمْرَارِكُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ الَّذِي شَرَعَهُ اللَّهُ لَكُمْ.

وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ، عِنْدَ رِوَايَتِهِ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، فِي قِصَّتِهِ حِينَ دَخَلَ عَلَى قَيْصَرَ، فَسَأَلَهُمْ عَنْ نَسَبِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَنْ صِفَتِهِ وَنَعْتِهِ وَمَا يَدْعُو إِلَيْهِ، فَأَخْبَرَهُ بِجَمِيعِ ذَلِكَ عَلَى الْجَلِيَّةِ، مَعَ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ كَانَ إِذْ ذَاكَ مُشْركًا لَمْ يُسْلم بَعْدُ".

هو خاف أن يأثروا عليه الكذب.

طالب: ..............

نعم، لكن كتاب الإيمان ما كمَّل، خاف أن يؤثَر عليه الكذب، والكذب عيب عند العرب، فضلًا عن كونه حرامًا مُجمعًا عليه في ملة الإسلام، ومع الأسف أنت تسمع من يكذب من المسلمين –نسأل الله العافية- فأبو سفيان وهو كافر خاف أن يؤثَر عليه الكذب فيُعيَّر به، فلزم الصدق إلا في كلمةٍ دسها وهو تورية ليست بصريحة في الكذب، كما سيأتي. 

"وَكَانَ ذَلِكَ بَعْدَ صُلْح الحُدَيْبِيَة وَقَبْلَ الْفَتْحِ، كَمَا هُوَ مُصَرّح بِهِ فِي الْحَدِيثِ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا سأله هَلْ يَغْدِرُ؟ قَالَ: فَقُلْتُ: لَا، وَنَحْنُ مِنْهُ فِي مُدة".

يعني: هدنة.

"لَا نَدْرِي مَا هُوَ صَانِعٌ فِيهَا. قَالَ: وَلَمْ تُمْكِنِّي كَلِمَةً أَزِيدُ فِيهَا شَيْئًا سِوَى هَذِهِ".

"لَا نَدْرِي مَا هُوَ صَانِعٌ فِيهَا" يُعرِّض بأنه احتمال أن يغدر ما يجزم؛ لأنه ما عنده برهان على الغدر، بل العكس المعروف عنه –عليه الصلاة والسلام- الصدق والأمانة وعدم الكذب والخيانة، يعرفون أنه لا يغدر، لكن وُجِدت هذه الفرصة يعني هو لا يغدر من خلال الماضي، لكن المستقبل فالله أعلم، يمكن.

"وَالْغَرَضُ أَنَّهُ قَالَ: ثُمَّ جِيءَ بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَرَأَهُ، فَإِذَا فِيهِ: «بِسْمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيم، مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ إلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ، سَلامٌ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى. أَمَّا بَعْدُ، فَأَسْلِمْ تَسْلَمْ، وَأَسْلِمْ يُؤْتِكَ اللهُ أَجْرَك مَرَّتَيْنِ، فَإِن تَوَلَّيْتَ فإنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الأريسيِّين، وَ{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا} [آل عمران:64]".

الأريسيين وتُقال بالياء أيضًا: اليريسيين هم: الفلاحون.

طالب: ..............

والله ما أدري.

طالب: ..............

«فَأَسْلِمْ تَسْلَمْ» هذه جوابها.

طالب: ..............

بعد هذه جواب أسلِم الثانية، أسلِم الأولى جوابها: تسلَم، والثانية أسلِم يؤتِك.

طالب: ..............

معناها ما فيه شكٍّ، والأصل أنه موجود؛ لأن جوابه: يؤتِك، وأسلِم الأولى جوابها: تسلَم، والبخاري قريب ليس ببعيد.

"{وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران:64]».

وَقَدْ ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّ صَدْر سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ إِلَى بِضْعٍ وَثَمَانِينَ آيَةً مِنْهَا نَزَلَتْ فِي وَفْد نجْران، وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: هُمْ أَوَّلُ مَنْ بَذَلَ الْجِزْيَةَ. وَلَا خِلَافَ أَنَّ آيَةَ الْجِزْيَةِ نَزَلَتْ بَعْدَ الْفَتْحِ، فَمَا الْجَمْعُ بَيْنَ كِتَابَةِ هَذِهِ الْآيَةِ قَبْلَ الْفَتْحِ إِلَى هِرقْل فِي جُمْلَةِ الْكِتَابِ، وَبَيْنَ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَالزُّهْرِيُّ؟

وَالْجَوَابُ مِنْ وجُوه:

أَحَدُهَا: يُحْتَمَلُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ مَرَّتَيْنِ، مَرّةً قَبْلَ الحديبية، ومرةً بعد الفتح.

الثَّانِي: يُحْتَمَلُ أَنْ صَدْرَ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ نَزَلَ فِي وَفْدِ نَجْرَانَ إِلَى عِنْدِ هَذِهِ الْآيَةِ، وَتَكُونُ هَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ قَبْلَ ذَلِكَ، وَيَكُونُ قَوْلُ ابْنِ إِسْحَاقَ: إِلَى بِضْعٍ وَثَمَانِينَ آيَةً. لَيْسَ بِمَحْفُوظٍ؛ لِدَلَالَةِ حَدِيثِ أَبِي سُفْيَانَ".

طالب: ..............

نعم؟

طالب: ................

لو حُذِفت كانت ....

طالب: ..............

أين؟

طالب: ..............

أنا أقول: لو حُذِفت فلا بُد لها من جواب «يُؤْتِكَ»، ولو حُذِفت أسلِم الثانية، لعُطِفت على تسلَم.

طالب: ..............

الفلاحين؛ لأنهم أكثر بُعدًا من المعرفة والفهم.

طالب: ..............

ماذا؟

طالب: ................

ما عليهم من الآثام تحمَّله أنت؛ لأنه الذي حملهم على الكفر بمحمد –عليه الصلاة والسلام-، ولو أسلموا لكان له مثل أجورهم.

"الثَّالِثُ: يُحْتَمَلُ أَنَّ قُدُومَ وَفْدِ نَجْرَانَ كَانَ قَبْلَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَأَنَّ الَّذِي بَذَلُوهُ مُصَالحةً عَنِ الْمُبَاهَلَةِ لَا عَلَى وَجْهِ الْجِزْيَةِ، بَلْ يَكُونُ مِنْ بَابِ الْمُهَادَنَةِ وَالْمُصَالَحَةِ، وَوَافَقَ نُزُولَ الْجِزْيَةِ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى وَفْقِ ذَلِكَ كَمَا جَاءَ فَرْضُ الْخُمُسِ وَالْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ وَفْقَ مَا فَعَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ فِي تِلْكَ السَّرِيَّةِ قَبْلَ بَدْرٍ، ثُمَّ نَزَلَتْ فَرِيضَةُ الْقَسَمِ عَلَى وَفْقِ ذَلِكَ.

الرَّابِعُ: يُحْتَمَلُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا أُمِرَ بكَتْب هَذَا الْكَلَامِ فِي كِتَابِهِ إِلَى هِرَقْلَ لَمْ يَكُنْ أُنْزِلَ بَعْدُ، ثُمَّ نَزَلَ الْقُرْآنُ مُوَافَقَةً لَهُ –صلى الله عليه وسلم- كَمَا نَزَلَ بِمُوَافَقَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي الْحِجَابِ وَفِي الْأُسَارَى، وَفِي عَدَمِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ، وَفِي قَوْلِهِ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [الْبَقَرَةِ:125]، وَفِي قَوْلِهِ: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ} الْآيَةَ [التَّحْرِيمِ:5]".

بدليل أن الذي في الخطاب، خطابه –عليه الصلاة والسلام- إلى هرقل و{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا} [آل عمران:64] ما فيها قُل، وفيها واو وَ{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ} [آل عمران:64] إلى آخره.

طالب: ............

معروف أن الركعة الأولى في الآية التي في البقرة والثانية... والرواية الثانية ليست بهذه الآية {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ} [آل عمران:52]، وهذه كأنها أكثر في صحيح مسلم.

طالب: ............

نعم.

طالب: ............

لا، يقولون: هذه الآية موجودة في كتاب هرقل، كتاب هرقل قبل أم بعد؟ قبل فرض الجزية أو بعدها؟ قبل فرض الجزية، فهذا مُشكِل إلا إن كان النبي –عليه الصلاة والسلام- كتبها قبل أن تُنزَل، ثم أُنزِل القرآن موافقةً له، وإلا فما في جزية.

"قوله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنزلَتِ التَّوْرَاةُ وَالإنْجِيلُ إِلا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ * هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ * مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران:65-68]

يُنْكِرُ تبارك تَعَالَى عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فِي مُحَاجَّتِهِمْ فِي إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ –عليه السلام- وَدَعْوَى كُلِّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ كَانَ مِنْهُمْ، كَمَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قال: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ أَوْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عباس –رضي الله عنهما- قال: اجْتَمَعَتْ نَصَارَى نَجْرَانَ وَأَحْبَارُ يَهُودَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَتَنَازَعُوا عِنْدَهُ، فَقَالَتِ الْأَحْبَارُ: مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ إِلَّا يَهُودِيًّا. وَقَالَتِ النَّصَارَى: مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ إِلَّا نَصْرَانِيًّا. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنزلَتِ التَّوْرَاةُ وَالإنْجِيلُ إِلا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [آل عمران:65] أَيْ: كَيْفَ تَدّعُون، أَيُّهَا الْيَهُودُ، أَنَّهُ كَانَ يَهُودِيًّا، وَقَدْ كَانَ زَمَنُهُ قَبْلَ أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى، وَكَيْفَ تَدّعُون، أَيُّهَا النَّصَارَى، أَنَّهُ كَانَ نَصْرَانِيًّا، وَإِنَّمَا حَدَثَتِ النَّصْرَانِيَّةُ بَعْدَ زَمَنِهِ بِدَهْرٍ. وَلِهَذَا قَالَ تعالى: {أَفَلا تَعْقِلُونَ} [آل عمران:65].

ثُمَّ قَالَ تعالى: {هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [آل عمران:66]".

مثل ما يقول بعض الشيعة يقول: إن إبراهيم كان شيعيًّا؛ لأن الله يقول: {وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ} [الصافات:83]، فكان شيعيًّا، طيب من شيعة نوح ليس من شيعتكم أنتم، لكنه الغباء {أَفَلا تَعْقِلُونَ} [آل عمران:65].

"هَذَا إِنْكَارٌ عَلَى مَنْ يُحَاجُّ فِيمَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ، فإنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى تَحَاجوا فِي إِبْرَاهِيمَ بِلَا عِلْمٍ، وَلَوْ تَحَاجُّوا فِيمَا بِأَيْدِيهِمْ مِنْهُ علْم مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِأَيْدِيهِمْ الَّتِي شُرِعَتْ لَهُمْ إِلَى حِينِ بعْثَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".

"يَتَعَلَّقُ بِأَدْيَانِهِمُ" "وَلَوْ تَحَاجُّوا فِيمَا بِأَيْدِيهِمْ مِنْهُ علْم مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِأَدْيَانِهِمُ" هكذا عندك؟

طالب: بأيديهم.

لا أيديهم قبلها.

طالب: .............

هو فيه: بأيديهم، ثم بعدها "مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِأَدْيَانِهِمُ".

"مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِأَدْيَانِهِمُ الَّتِي شُرِعَتْ لَهُمْ إِلَى حِينِ بِعْثَةِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَكَانَ أَوْلَى بِهِمْ، وَإِنَّمَا تَكَلَّمُوا فِيمَا لَا يَعْلَمُون، فَأَنْكَرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ، وَأَمَرَهُمْ بِرَدِّ مَا لَا عِلْمَ لَهُمْ بِهِ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، الَّذِي يَعْلَمُ الْأُمُورَ عَلَى حَقَائِقِهَا وَجَلِيَّاتِهَا، وَلِهَذَا قَالَ تعالى: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [آل عمران:66].

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا} [آل عمران:67] أَيْ: مُتَحَنفًا عَنِ الشِّرْكِ".

يعني مائلًا عنه؛ لأن الحنيف والحنف الميل.

"أَيْ: مُتَحَنفًا عَنِ الشِّرْكِ قصدًا ".

قاصدًا.

"قَاصْدًا إِلَى الْإِيمَانِ {وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الْبَقَرَةِ:135] وَهَذِهِ الْآيَةُ كَالَّتِي  تَقَدَّمَتْ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ: {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الْبَقَرَةِ:135]".

{وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الْبَقَرَةِ:135]، ما كان يهوديًّا ولا نصرانيًّا، فضلًا عن أن يكون مشركًا، وهذه يُشَم منها أو يُفهَم منها أن اليهود والنصارى مشركون على خلافٍ بين أهل العلم هل يُقال: هم مشركون أو فيهم شرك؟ وعلى كل حال هم كفار بالإجماع، ليس بمحل تردد تكفيرهم، لكن ابن رجب يرى أنهم فيهم شرك وليسوا بمشركين، مثل العرب قبل الإسلام، والله المستعان.

"ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران:68].

 يَقُولُ تَعَالَى: أَحَقُّ النَّاسِ بِمُتَابَعَةِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ عَلَى دِينِهِ، وَهَذَا النَّبِيُّ -يَعْنِي مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ أَصْحَابِهِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ومَنْ تبعهم بَعْدَهُمْ.

قَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ: حدَّثنا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوق".

الأحوص هذا سلام بن سُليم أم غيره؟

ماذا يصير؟  

نزل رأسه يخاف يكون هو المقصود.

عندكم الجوالات، قال: "عن أبي الأحوص أنه خرج عليه خوارج فقتلوه" كيف خرج عليه خوارج فقتلوه؟

طالب: .............

نعم.

طالب: ................

"عن أبي الأحوص أنه خرج عليه خوارج فقتلوه" متى روي عنه؟ هو المقتول أبو الأحوص ما فيه إشكال. كيف؟

طالب: ............

قلت لكم هات.

هذا عند أهل العلم عند أهل الحديث أن (عن) قد تأتي لا للرواية، وإنما يُقصَد بها عن قصة فلان، عن قصة أبي الأحوص أنه خرج عليه خوارج فقتلوه.

"حدَّثنا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوق، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله عليه وسلم- قال: «إنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ وُلاةً مِنَ النَّبِيِّينَ، وإنَّ وَليِّي مِنْهُمْ أَبِي وخَلِيلُ رَبِّي -عَزَّ وَجَلَّ-» ثُمَّ قَرَأَ: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران:68].

وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أَحْمَدَ الزبيدي".

الزبيري.

"الزُّبيري، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، بِهِ، ثُمَّ قَالَ الْبَزَّارُ: وَرَوَاهُ غَيْرُ أَبِي أَحْمَدَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَسْرُوقًا. وَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ وَكِيع، عَنْ سُفْيَانَ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا أَصَحُّ لَكِنْ رَوَاهُ وَكِيعٌ فِي تَفْسِيرِهِ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الله ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ وُلاةً مِنَ النَّبِيِّينَ، وإنَّ وَليِّي مِنْهُمْ أَبِي وخَلِيلُ رَبِّي -عَزَّ وَجَلَّ- إبراهيم عليه السلام» ثُمَّ قَرَأَ: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا} [آل عمران:68] إلى آخر الآية.

قَوْلُهُ: {وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران:68] أي: ولي جميع المؤمنين برسله".

اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد.