تعليق على تفسير سورة آل عمران (11)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نعم.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

قال الإمام ابن كثيرٍ –رحمه الله تعالى-: "قوله تعالى: {وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ* يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ * يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ * وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ* وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [آل عمران:69-74].

يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ حَسَدَ الْيَهُودِ لِلْمُؤْمِنِينَ وبَغْيهم إِيَّاهُمُ الْإِضْلَالَ، وَأَخْبَرَ أنَّ وَبَالَ ذَلِكَ إِنَّمَا يَعُودُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ أَنَّهُمْ مَمْكُورٌ بِهِمْ".

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

هذا الحسد من اليهود لهذه الأمة المحمدية التي فُضِّلت على سائر الأمم، وصارت خير أمةٍ أُخرِجت للناس؛ لشرف نبيها –عليه الصلاة السلام-، بل يعرفونه كما يعرفون أبناءهم من خلال أوصافه التي نزلت في كُتبهم، لما رأوا هذا التشريف، وهذا التكريم، وهذا التفضيل لهذا الرسول –عليه الصلاة والسلام- ولأمته، حسدوهم وبغوا عليهم، ولكن الحاسد لا يدري وقد يدري أن بغيه وحسده إنما يعود إليه.

هذا الحسد الذي صدر منهم قد يفرحون بشيءٍ مما يترتب عليه من إنجازات، أنتم تعلمون اليهود اليوم يتحكمون في كثيرٍ من أمور الناس في الأسواق العالمية والتجارات، وهم يظنون أنهم سادوا العالم بهذا، والمساكين ما يدرون أنهم يجمعون حطبًا يُوقدون به على أنفسهم، وبعض الناس إذا تولى ولاية وجنح فيها عن الصواب، وهذا خلق الله –جلَّ وعلا-، يظن أنه شفى غليله، وبرَّد على قلبه، وهو لا يدري المسكين أن بغيه على نفسه.

هذا المسكين الذي تعدى وظلم إنما يبغي ويظلم نفسه، الظلم في هذه الدنيا لا يدوم، أيام وساعات وشهور وأعوام تنتهي، لكن الكلام على العاقبة الوخيمة لهذا الظلم في الإقامة الأبدية يوم القيامة، والله المستعان.

مثل هؤلاء اليهود يفرحون أنهم في حد زعمهم أنهم ضحكوا على بعض المسلمين وغشوهم وخدعوهم، ولا يشعرون أنهم لا يخدعون إلا أنفسهم {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر:14]، كل هذه محسوبة عليهم وعلى أتباعهم، وعلى من يقتدي بهم في هذه الأعمال، فليحذر المسلم أن يقع في مثل هذا وهو لا يشعر.

 أحيانًا بعض من يتولى الوساطات التجارية يذهب إلى الزبون مُريد الشراء لهذه الأرض أو لهذا البيت أو لهذه السيارة، والسيارة ليست له، إنما له السعي، يذهب إلى الزبون، ويضحك عليه ويخدعه، وما يدري المسكين أنه هو المغبون المتضرر، فإن عَلِم صاحب السلعة أنه حصلت خديعة فلا يجوز له أن يسكت، لكن إذا ما علِم وظن أن هذا سعرها في السوق فهذا رزقه، لكن الويل، الويل والكفل العظيم من الوزر على هذا الذي أخذ نسبةً يسيرة جدًّا من الثمن التي هي السعي، فهذه هي طريقة اليهود، يغشون الناس ويخدعونهم، ويُلبِّسون عليهم، ويظنون أنهم سادوا العالم، وهم في الحقيقة هم أذل الخلق وأحقرهم، والله المستعان.  

{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ} [آل عمران:70] تكفرون بهذه الآيات سواءً كانت المنزَّلة المتلوة أو المشاهدة المرئية، وهم يشهدونها إما ببصائرهم وقلوبهم إذا كانت مما يُتلى ويُتدبَّر، أو يُشاهدونها بأبصارهم إذا كانت من الآيات الكونية المرئية.

{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ} [آل عمران:71] يعني تخلطون الحق بالباطل.

{وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ} [آل عمران:71] عمَّن لم يطلع عليه؛ لئلا يُحاجكم به، إذا عُرِف الحق حصلت المحاجة، وحصلت المعارضة، لكن هم يكتمون الحق؛ لئلا يُعلَم.

{وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ * وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [آل عمران:71-72]، وهذه خديعة من خدائع اليهود، أرادوا أن يخدعوا بها المسلمين، فيؤمنوا في أول النهار في الصباح يصلون مع المسلمين الصبح، ثم يثق المسلمون بهم، ثم إذا كان في آخر النهار ارتدوا، فقال السُّذج -أو ظنوا أن يُقال من قِبل بعض المسلمين-: هم الآن على بصيرة، كانوا معادين للرسالة المحمدية على جهل ما يعرفونها، والآن دخلوا فيها وعرفوا أبعادها وأغوارها، ثم نكصوا على بصيرة، هذه هي الخديعة التي يُريدونها.   

{وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ} [آل عمران:73] من وافقكم على ما ترون. {قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ} [آل عمران:73] الهداية هداية الله أو هدى الله بمعنى التوفيق والقبول، هذه لا تحصل لغيره –جلَّ وعلا-، ما فيه أحد يهدي بمعنى أنه يُوفِّق للقبول لقبول الهدى إلا الله، أما هداية الدلالة والإرشاد والتوجيه فهذه يملكها كل أحد، كما جاء في قوله –جلَّ وعلا-: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى:52]، لكن هي تابعة لهداية الله –جلَّ وعلا- ما فيها، الدلالة تُوصِل إلى الهداية إذا أراد الله –جلَّ وعلا- لمن كُتِبت له الهداية.

{وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ} [آل عمران:73] يعني من العلم، لا تخبروا أحدًا ليُساويكم في العلم ويُحاجوكم به {أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ} [آل عمران:73]، الله –جلَّ وعلا- بيده الفضل، هو الذي يُعطيه من يشاء ويمنعه ممن يشاء.

{يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ} [آل عمران:73-74] جلَّ وعلا، نسأل الله –جلَّ وعلا- أن يجعلنا ممن اختصهم برحمته. {وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [آل عمران:74].

"ثُمَّ قَالَ تَعَالَى مُنْكِرًا عَلَيْهِمْ: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ} [آل عمران:70] أَيْ: تَعْلَمُونَ صِدْقَهَا وَتَتَحَقَّقُونَ حَقَّهَا، {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [آل عمران:71] أَيْ: تَكْتُمُونَ مَا فِي كُتُبِكُمْ مِنْ صِفَةِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنْتُمْ تَعْرِفُونَ ذَلِكَ وَتَتَحَقَّقُونَهُ.

{وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنزلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ [لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [آل عمران:72] هَذِهِ مَكِيدَةٌ أَرَادُوهَا ليلْبسُوا عَلَى الضُّعَفَاءِ مِنَ النَّاسِ أمْر دِينِهِمْ، وَهُوَ أَنَّهُمُ اشْتَوروا بَيْنَهُمْ أَنْ يُظْهِرُوا الْإِيمَانَ أَوَّلَ النَّهَارِ، ويُصَلّوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ صَلَاةَ الصُّبْحِ، فَإِذَا جَاءَ آخِرُ النَّهَارِ ارْتَدُّوا إِلَى دِينِهِمْ؛ لِيَقُولَ الْجَهَلَةُ مِنَ النَّاسِ: إِنَّمَا رَجعهم إِلَى دِينِهِمُ اطّلاعهُم عَلَى نَقِيصَةٍ وَعَيْبٍ فِي دِينِ الْمُسْلِمِينَ، وَلِهَذَا قَالُوا: {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [آل عمران:72].

وقَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيح، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنِ الْيَهُودِ بِهَذِهِ الْآيَةِ: يَعْنِي يَهُود، صَلَّت مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَاةَ الصبح وَكَفَرُوا آخِرَ النَّهَارِ، مَكْرًا مِنْهُمْ، ليُرُوا النَّاسَ أَنَّ قَدْ بَدَتْ لَهُمْ الضَّلَالَةُ مِنْهُ، بَعْدَ أَنْ كَانُوا اتَّبِعُوهُ.

وَقَالَ العَوْفِي، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ: إِذَا لَقِيتُمْ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ أَوَّلَ النَّهَارِ فَآمِنُوا، فإِذَا كَانَ آخِرُهُ فَصَلّوا صَلَاتَكُمْ، لَعَلَّهُمْ يَقُولُونَ: هَؤُلَاءِ أَهْلُ الْكِتَابِ وَهُمْ أَعْلَمُ مِنَّا. وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ وَالسُّدِّيِّ وَالرَّبِيعِ وَأَبِي مَالِكٍ.

وَقَوْلُهُ: {وَلا تُؤْمِنُوا إِلا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ} [آل عمران:73] أَيْ: لَا تَطْمَئِنُّوا أو تظهروا سركم وما عندكم إلا لمن تبع دِينَكُمْ، وَلَا تُظْهِرُوا مَا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى الْمُسْلِمِينَ، فَيُؤْمِنُوا بِهِ، وَيَحْتَجُّون بِهِ عَلَيْكُمْ.

قَالَ اللَّهُ تعالى: {قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ} [آل عمران:73] أَيْ هُوَ الَّذِي يَهْدِي قُلُوبَ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى أَتَمِّ الْإِيمَانِ، بِمَا يُنَزِّلُهُ عَلَى عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الآيات الْبَيِّنَاتِ، وَالدَّلَائِلِ الْقَاطِعَاتِ، وَالْحُجَجِ الْوَاضِحَاتِ، وَإنْ كَتَمْتُمْ -أَيُّهَا الْيَهُودُ- مَا بِأَيْدِيكُمْ مِنْ صِفَةِ مُحَمَّدٍ فِي  كُتُبِكُمُ الَّتِي نَقَلْتُمُوهَا عَنِ الْأَنْبِيَاءِ الْأَقْدَمِينَ.

وَقَوْلُهُ: {أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ} [آل عمران:73] يَقُولُونَ: لَا تُظْهِرُوا مَا عِنْدَكُمْ مِنَ الْعِلْمِ لِلْمُسْلِمِينَ، فَيَتَعَلَّمُوهُ مِنْكُمْ، وَيُسَاوُوكُمْ فِيهِ، وَيَمْتَازُون بِهِ عَلَيْكُمْ لِشِدَّةِ الْإِيمَانِ بِهِ، {أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ} [آل عمران:73] أَيْ: يَتَّخِذُوهُ حُجَّةً عَلَيْكُمْ مِمَّا بِأَيْدِيكُمْ، فَتَقُومُ بِهِ عَلَيْكُمُ الدَّلَالَةُ، وتَتَركَّب الحجةُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ} [آل عمران:73] أَيِ: الأمورُ كُلَّهَا تَحْتَ تَصْرِيفِهِ، وَهُوَ الْمُعْطِي والْمَانِعُ، يَمُنّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ بِالْإِيمَانِ وَالْعِلْمِ وَالتَّصَوُّرِ التَّامِّ".

عندنا "التصرُّف".

طالب: ..............

سمعت التصور من قراءة الشيخ، لكن "التصرُّف" مكتوب في زاي "التصور" يعني زاي النسخة الأزهرية التي هي أقدم النُّسخ فيها التصور.

طالب: التصرف؟

أنا عندي التصرف، لكن نرى معناها المناسب؟

طالب: هل يمكن التصرف التام؟

ما معناها؟

طالب: .............

تصور الأمور على حقيقتها، التصور تصور الأمور على حقيقتها، ولذا كان هذا في النسخة التي اطلع عليها الحافظ ابن كثير- رحمه الله-. "يَمُنّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ بِالْإِيمَانِ وَالْعِلْمِ وَالتَّصَوُّرِ التَّامِّ".

طالب: .............

لأن هنا النسخة القديمة أقدم نسخة من التفسير تقول: التصور، والتصور هو المناسب للعلم والإيمان، هو المناسب للسياق.

"وَهُوَ الْمُعْطِي والْمَانِعُ، يَمُنّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ بِالْإِيمَانِ وَالْعِلْمِ وَالتَّصَوُّرِ التَّامِّ، وَيَضِلُّ مَنْ يَشَاءُ فيُعمي بَصَرَهُ وَبَصِيرَتَهُ، وَيَخْتِمُ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ، وَيَجْعَلُ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً، وَلَهُ الْحُجَّةُ وَالْحِكْمَةُ".

الحُجة التامة والحِكمة البالغة.

"{وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [آل عمران:73-74] أَيِ: اخْتَصَّكُمْ -أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ- مِنَ الْفَضْلِ بِمَا لَا يُحَد وَلَا يُوصَف، بِمَا شَرَّفَ بِهِ نَبِيَّكُمْ مُحَمَّدًا- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ، وَهَدَاكُمْ بِهِ لِأَكمل الشَّرَائِعِ.

قوله تعالى: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [آل عمران:75-76].

يُخْبِرُ تَعَالَى عَنِ الْيَهُودِ بِأَنَّ منهم الْخَوَنَةَ، وَيُحَذِّرُ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الِاغْتِرَارِ بِهِمْ، فَإِنَّ مِنْهُمْ {مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ} [آل عمران:75] أَيْ: مِنَ الْمَالِ {يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} [آل عمران:75] أَيْ: وَمَا دُونَهُ بِطَرِيقِ الْأُولَى أَنْ يُؤَدِّيَهُ إِلَيْكَ، {وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا} [آل عمران:75] أَيْ: بِالْمُطَالَبَةِ وَالْمُلَازَمَةِ وَالْإِلْحَاحِ فِي اسْتِخْلَاصِ حَقِّكَ، وَإِذَا كَانَ هَذَا صَنِيعُهُ فِي الدِّينَارِ فَمَا فَوْقَهُ أُولَى أَلَّا يُؤَدِّيَهُ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الْقِنْطَارِ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ، وَأَمَّا الدِّينَارُ فَمَعْرُوفٌ".

لا شك أن سائر الأمم المتبعة لأنبيائها قبل النسخ هم كغيرهم متفاوتون، فمنهم المستمسك بدينه، ومنهم البعيد كل البعد عن دينه، ومنهم ما بين ذلك، وقل مثل هذا في الأمة المحمدية؛ منهم المخلص، ومنهم الأمين، ومنهم من ينقصه شيءٌ من ذلك، فهؤلاء اليهود بقي منهم على عهده –عليه الصلاة والسلام- من هو مستمسكٌ بشريعة موسى، وبعضهم لا شك أنه صار من المُتكسِّبة بهذا الدين وبهذا الكتاب، وصاروا يُحرِّفون الكتاب عن مواضعه، ويأخذون عليه الأجور، يشترون به ثمنًا قليلًا، ومهما بلغ الثمن، مهما بلغ من الكثرة فهو قليل بالنسبة لجرمهم الذي ارتكبوه، والله المستعان.

هؤلاء المتصفون بالأمانة من أولئك سواءٌ كانوا من اليهود أو من النصارى أو غيرها من الأمم لا شك أن الأمانة باقية فيهم؛ ولذا بعضهم إذا أؤتمُن بقنطار يؤديه لك، ما عنده أدنى إشكال، في مقابل من خَفَّت أو ضعفت أو ذهبت أمانته لو تأمنه بدينار ما أداه إليك {إِلا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا} [آل عمران:75] بالمطالبة وبالمرافعة، ويا عسى.

وفي قصة اليهودي أو الرجل من بني إسرائيل التي في صحيح البخاري، وهي مشهورة في الصحيح، اقترض ألف دينار، ألف دينار معناها ذهب، فوعد صاحبها أن يدفعها إليه في الوقت المحدد الذي ضُرِب بينهما، وأراد منه شاهدًا، صاحب المال أراد شاهدًا؛ فأشهَد الله –جلَّ وعلا- وأتمنه المُقرِض، وذهب إلى بلده، ركب البحر وذهب إلى بلده، فلما جاء اليوم المُحدد خرج بالمال لعله أن يجد أحدًا يُوصِله إلى صاحبه فلم يجد، فإذا هو بخشبةٍ فنقرها وأودع فيها المال ورماها في البحر، فخرج صاحب المال لعل المُقترِض يُعيد ماله في الوقت المُحدد وقد أشهَد الله على ذلك، فإذا خشبةٌ تسبح في البحر، فأخذها لينشرها ويُوقِد بها على طعامه وطعام أهله، فلما نشرها فإذا الذهب موجود بكماله.

يعني هذا غاية ما يُتصوَّر في الأمانة وأدائها، والدقة في الموعد ما قال: أصبر غدًا لعله يأتي أحد، ولكن يَرِد على هذا أنه لو فعله واحد من المسلمين اليوم اقترض له كم مليون، وما وجد أحدًا يُرسله، وضعه في صندوق ورماه بالبحر يجوز أم ما يجوز؟ أنت يجوز تفعل مثل أم موسى تضع ولدك بصندوق وترميه في البحر؟ ما يجوز، في شريعتنا ما يجوز.

طالب: ..............

بوحي، لكن أنت تقول: أنا عندي من اليقين والتوكل مثل ما عندها، لكن هذا الذي رمى الألف دينار ذهب في البحر وقال: تصل إن شاء الله، كم يتلقفه في الشاطئ الثاني أو قبل أن تُقلِع؟ هذا تفريط، في شرعنا هذا تفريط مهما بلغت قوة إيمان الشخص، وقد يُنجِّيه الله –جلَّ وعلا- ويدفع ماله إلى صاحبه، لكن أمور الشرائع تختلف.

فعلى كل حال هو يقينه هو الذي أدى عنه دَينه وإلا فالأصل أنه مُفرِّط، ويجوز هذا في شريعتهم، ولا يجوز في شريعتنا.

هذا الذي بعث ألف دينار ووصل إلى صاحبه خرج من الغد بألف دينار؛ ليُسلمها لشخصٍ يحملها إلى صاحبها ويضمن وصولها، وجد مركبًا فركب بنفسه ومعه المال، فذهب به إلى صاحبه، فقال له: هذا مالك موعدنا أمس، لكن ما وجدت أحدًا، ما وجد أحدًا يحمله ولا من يُعطيه المال، قال: المال وصل أمس، فحفظ الله ماله بقوة يقينه وصدقه وتوكله.

هذا من أروع الأمثلة على الأمانة المذكورة في الآية {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} [آل عمران:75]، بالمقابل الطرف الثاني {وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا} [آل عمران:75]، بعض الناس إذا استدان في نفس الوقت يُسدد، وقد لا يصبر حتى يأتي الوقت، ومنهم من لا يُسدد ولو قَلَّ المال إلا بالمطالبات والمرافعات والشكاوى والمماطلات، والمطل حرام، «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ يُبيح عِرضَه وعقوبَتَه»، بعض الناس ما يحسب حسابًا لهذا.

طالب: .............

كيف؟

طالب: .............

لكن أنت تقدر أن تفعل مثل هذا؟

طالب: .............

بينك وبين الله أنت تبعث دراهم ونرى.

طالب: .............

أنت ابعث دراهم ونرى، نرى توكلك الصحيح القوي المتين الذي ما يتزعزع، ضع دراهم بصندوق وارمه في البحر، اجعله يذهب لفلان، اللهم أوصله لفلان ،وما عندك من اليقين والتوكل وكذا، هناك في الشرائع السابقة ما جاءت شريعتنا بنسخه، هؤلاء الثلاثة الذين انطبق عليهم الغار، وأُفرِج عنهم بسبب أعمالهم الصالحة التي توسلوا بها أنت لو عندك أب نائم، افترضنا أنه نائم الساعة الثامنة صلى ونام، وجلست فوق رأسه تنتظره يشرب اللبن مع أذان الفجر، وعيالك يصيحون من الجوع يصير؟ سؤال ما المانع؟ العيال الذين يصيحون عندنا في فقهنا أن الأولاد أهم من الوالدين بالنفقة ماذا تقول أنت؟

طالب: .............

عندك اعتراض؟ أنا أسألك أنا.

طالب: .............

من المقدَّم في النفقة يا شيخ؟

طالب: الأولاد.

اسمع، إذا قضى عياله يُعطيه لأبيه، هذا المقدَّم في النفقة، يعني هذا عند المشاحة، يعني إذا كان ما يكفي وإلا فالأب معروف تقديره وحقه وتقديمه، هذا ما يُشكِل فيه أحد، لكن هناك أمور تقر في القلوب يُقدِّم فيها الشيء على نفسه ولو مات بنفسه، ويُضحي بنفسه من أجل والديه، يرتفع بها عند الله –جلَّ وعلا-، وهذه ما تُحسَب بالحسابات الفقهية.

طيب شخص في حريق منى سنة سبع عشرة عنده أبوه المقعَد وطفله الصغير ما يقدر أن يحملهم كلهم، من الذي يُقدِّم؟

طالب: .............

اترك العاطفة عنك، من الذي يُقدِّم؟ يترك أباه يحترق والولد يحمله أو العكس؟ هو ما يقوى إلا لواحد؟

طالب: .............

بِر مُعارض، أنت فرَّطت بهذا الطفل الذي ما له ذنب.

جاء شخص إلى الشيخ/ ابن باز وذكر له أنه قال: الحريق أنا ما أقوى عليهم كلهم، فحملت هذا الولد وهربت به من النار، واحترق الوالد، بكى الشيخ، وكل واحد يبكي من المسلمين، أي شخص في قلبه أدنى مثقال ذرة من رحمة سيبكي، لكن المسألة عند المقاضاة والخصومات من الذي يُقدَّم؟ الأولاد في النفقة، فهِمت؟

طالب: ................ 

هذه مضايق أنظار، عند الضيق يتبين التصرف الحكيم وغيره، وإذا قدَّم أباه على أن هذا مراد الله منه، والابن مراد النفس، فعند التعارض لمراد الله مع مراد نفسه يُقدَّم هذا على هذا فلن يُحرَم الأجر -إن شاء الله تعالى-، لكن القضاة ما يُطيعونك.   

طالب: ................ 

حكم شرعي، نصوص، فيها أدلة، ما يأتي هذا من فراغ.          

"وَقَدْ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو السَّكُوني، قال: حَدَّثَنَا بَقِيَّة، عَنْ زِيَادِ بْنِ الْهَيْثَمِ، قال: حَدَّثَنا مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ قَالَ: إِنَّمَا سُمِّيَ الدِّينَارُ لِأَنَّهُ دِينٌ وَنَارٌ. قَالَ: مَعْنَاهُ: مَنْ أَخَذَهُ بِحَقِّهِ فَهُوَ دِينُهُ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقِّهِ فَلَهُ النَّارُ.

وَمُنَاسِبٌ أَنْ يُذكَر هَاهُنَا الْحَدِيثَ الَّذِي عَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ صَحِيحِهِ، وَمِنْ أَحْسَنِهَا سِيَاقُهُ فِي كِتَابِ الْكَفَالَةِ حَيْثُ قَالَ: وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُز الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْه- عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَنَّهُ ذَكَرَ رَجُلاً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ سَأَلَ بَعْضَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يُسْلِفَهُ أَلْفَ دِينَارٍ، فَقَالَ: ائْتِنِي بِالشُّهَدَاءِ أُشْهِدُهُمْ. فَقَالَ: كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا. قَالَ: ائْتِنِي بِالْكَفِيلِ. قَالَ: كَفَى بِاللَّهِ كَفِيلًا. قَال: صَدَقْتَ. فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، فَخَرَجَ فِي الْبَحْرِ فَقَضَى حَاجَتَهُ، ثُمَّ الْتَمَسَ مَرْكَبًا يَرْكَبُهَا؛ ليَقْدَمُ عَلَيْهِ في الأجَلِ الَّذِي أَجَّلَهُ، فَلَمْ يَجِدْ مَرْكِبًا، فَأَخَذَ خَشَبَةً فَنَقَرَهَا فَأَدْخَلَ فِيهَا أَلْفَ دِينَارٍ، وَصَحِيفَةً مِنْهُ إِلَى صَاحِبِهِ، ثُمَّ زَجَّجَ مَوْضِعَهَا، ثُمَّ أَتَى بِهَا إِلَى الْبَحْرِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي كُنت تسلَّفت فُلانًا أَلْفَ دِينَارٍ، وَسَأَلَنِي شَهِيدًا، فَقُلْتُ: كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا، وسألني كَفِيلاً فَقُلْتُ: كَفَى بِاللَّهِ كَفِيلاً، فَرَضِيَ بذلك، وَإِنِّي جَهَدْتُ أَنْ أَجِدَ مَرْكَبًا أَبْعَثُ إِلَيْهِ الَّذِي لَهُ فَلَمْ أَقْدِرْ، وَإِنِّي اسْتَوْدَعْتُكَهَا. فَرَمَى بِهَا فِي الْبَحْرِ حَتَّى وَلَجَتْ فِيهِ، ثُمَّ انْصَرَفَ وَهُوَ فِي ذَلِكَ يَلْتَمِسُ مَرْكَبًا يَخْرُجُ إِلَى بَلَدِهِ، فَخَرَجَ الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ يَنْظُرُ لَعَلَّ مَرْكَبًا يَجِيئُهُ بِمَالِهِ، فَإِذَا بِالْخَشَبَةِ الَّتِي فِيهَا الْمَالُ، فَأَخَذَهَا لأهْلِهِ حَطَبًا، فَلَمَّا كَسَرَهَا وَجَدَ الْمَالَ وَالصَّحِيفَةَ، ثُمَّ قَدِمَ الرجل الَّذِي كَانَ تَسَلَّف مِنْهُ، فَأَتَاه بِأَلْفِ دِينَارٍ، وَقَالَ: وَاللَّهِ مَا زِلْتُ جَاهِدًا فِي طَلَبِ مَرْكَبٍ لآتِيَكَ بِمَالِكَ، فَمَا وَجَدْتُ مَرْكَبًا قَبْلَ الَّذِي أَتَيْتُ فِيهِ. قَالَ: هَلْ كُنْتَ بَعَثْتَ إِلَيَّ بِشَيْءٍ؟ قَالَ: أَلَمْ أُخْبِرْكَ أَنِّي لَمْ أَجِدْ مَرْكَبًا قَبْلَ هَذَا؟ قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَدَّى عَنْكَ الَّذِي بَعَثْتَ فِي الْخَشَبَةِ، فَانْصَرِفْ بِأَلْفِ دِينَارٍ رَاشِدًا.

هَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي مَوْضِعِهِ مُعَلَّقًا بِصِيغَةِ الْجَزْمِ، وَأَسْنَدَهُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ مِنَ الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ كَاتِبِ اللَّيْثِ عَنْهُ.

وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ هَكَذَا مُطَوَّلًا عَنْ يُونُسَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُؤَدِّبِ، عَنِ اللَّيْثِ بِهِ.

 وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُدْرِك، عَنْ يَحْيَى بْنِ حَمَّادٍ، عَنْ أَبِي عَوَانة، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِنَحْوِهِ، ثُمَّ قَالَ: لَا يُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ. كَذَا قَالَ، وَهُوَ خَطَأٌ؛ لِمَا تَقَدَّمَ".

طالب: .............

أين؟

في شرعك هذه من الأمور على حسب ما يقر في قلب العبد من إيمان، الآن من العباد من لو أقسم على الله لأبره، الآن أنت وقفت في مضيق، هل يحق لك وأنت من أصلح الناس وأعبد الناس أن تقول: والله ما أتعدى هذا المكان إلا وأنت محقق لي هذا الأمر؟ من عبادي من لو أقسم علي لأبررته، ومن أقسم على الله لأبره، وقفت في مضيق لصوص أمامك يقتلونك ويأخذون الذي معك، أقسمت على الله، تحلف على الله أنه يُنجيك أو أن يُنجيك، تفعل أم ما تفعل؟ هذا من هذا النوع بحسب ثقتك بالله يُنجِّيك، لكن الواحد ما يجزم أنه وصل إلى هذه المرتبة.

فهمت؟

طالب: ..............

المقرر أننا آخر الدروس الأسبوع القادم، وبعض الإخوان يقولون: الاختبارات الثامن عشر، يعني لو أخذنا الأسبوع القادم انتهينا بكم؟

طالب: بأحد عشر.

أحد عشر؟

طالب: الأحد القادم أحد عشر.

الأحد القادم أحد عشر؟

طالب: الثلاثاء ثلاثة عشر.

يعني ثلاثة عشر، يبقى كم؟ خمسة أيام على الاختبار.

طالب: .................

يعني هل فيه ضرر على الطلاب أم لا؟

طالب: .............

ليس فيك أنت؟ صح فيه ضرر أم لا؟

طالب: .............

هم الذين يُقررون ما هو أنا.

طالب: .............

أنا ما عندي مشكلة، وهذا الذي نُقرره أننا ننتهي الأسبوع القادم، فقال لي واحد: إن الاختبارات على أن الامتحانات يوم الخامس والعشرين، هذا الأصل في الامتحانات، قالوا: لا، نحن نبدأ يوم الثامن عشر، التعليم العام الجامعات طلابنا هؤلاء كلهم جامعات الثامن عشر.

طالب: ................

الجامعة الثامن عشر.

طالب: ................

فوق الجامعة، لكن الطلاب ما ودنا أن يتضرروا، ولا ودنا أن ينحرموا، فإن رأيتم نكون على ما قررنا، ويتحملون -إن شاء الله- ما هو بضارهم لاسيما الذي ما حضر إلا درسًا ما يضره، إن شاء الله.

طالب: .............

خلاص على تقريرنا؟

طالب: إن شاء الله.

إن شاء الله سيُعينهم الله، وإنَّا معهم.

طالب: ................

عنه يعني عن الليث.

طالب: ................

انظر بقية هذا، قال الحافظ في الفتح: هكذا أورده مختصرًا، وقد أورده ثم وصله في البيوع، وقال في الفتح أيضًا: قوله في آخره: حدثني عبد الله بن صالح، قال: حدثني الليث به، وفيه التصريح بوصل المعلَّق المذكور، قال: ولم يقع ذلك في الصحيح.

على كل حال سواءً كان موصولًا أو معلَّقًا بصيغة الجزم ما يفرق، لكن في الإمام أحمد في المسند –ووصله البخاري في صحيحه- يقول: من الأحاديث المعلقة والمختصرة والمطولة، ووصله البخاري في صحيحه في كتاب البيوع، باب التجارة في البحر، قال: حدثني عبد الله بن صالح. يعني صرَّح بالتحديث فما يصير معلَّقًا.

طالب: ...............

لا، لعله خطأ في الطباعة.

طالب: ...........

خط؟

طالب: ............

نعم تعليق، لكن الرموز ليست بدقيقة مائة بالمائة.

طالب: ............

خلاص انتهى الإشكال التقريب هو الأخير.

"وَقَوْلُهُ: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأمِّيِّينَ سَبِيلٌ} [آل عمران:75] أَيْ: إنَّمَا حَمَلهم عَلَى جُحود الْحَقِّ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: لَيْسَ عَلَيْنَا فِي دِينِنَا حَرَج فِي أَكْلِ أَمْوَالِ الْأُمِّيِّينَ، وَهُمُ الْعَرَبُ؛ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَلَّهَا لَنَا.   

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:75] أَيْ: وَقَدِ اخْتَلَقُوا هَذِهِ الْمَقَالَةَ، وَائْتَفَكُوا بِهَذِهِ الضَّلَالَةِ، فَإن اللَّهَ حَرم عَلَيْهِمْ أَكْلَ الْأَمْوَالِ إِلَّا بِحَقِّهَا، وَإِنَّمَا هُمْ قَوْمٌ بُهْت".

بعض من رقَّت ديانته من المسلمين إذا رأى لكافر معاهد مثلًا أو ذمي مالًا تجوَّز فيه، وهو حرامٌ عليه، لا يجوز مثل ما يقول اليهود: {لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأمِّيِّينَ سَبِيلٌ} [آل عمران:75]، وبعض الشباب أو بعض من رقت ديانته يقول: ما علينا من الكفار. كل هذا لا يجوز، الذي دخل بعهد وميثاق «مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ»، وكذلك ماله حرام، ما دام دخل بعهد، وأصل المقالة من اليهود الذين قالوا: {لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأمِّيِّينَ سَبِيلٌ} [آل عمران:75]، ومن يفعل ذلك يُشبههم، يقول: ليس علينا في هؤلاء الكفار سبيل، لكن العهود والمواثيق يجب الوفاء بها؛ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة:1].

"قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَنْبَأَنَا مَعْمَر، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيِّ، عَنْ صَعْصَعَة بْنِ يَزِيدَ".

أبو إسحاق هذا هو السبيعي المعروف.

"أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ فقَالَ: إِنَّا نُصِيب فِي الْغَزْوِ مِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الذِّمَّةِ الدجاجةَ والشاةَ؟ قال ابن عَبَّاسٍ: فَتَقولون مَاذَا؟ قَالَ: نَقُولُ: لَيْسَ عَلَيْنَا بِذَلِكَ بَأْسٌ. قَالَ: هَذَا كَمَا قَالَ أَهْلُ الْكِتَابِ: {لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأمِّيِّينَ سَبِيلٌ} [آل عمران:75] إِنَّهُمْ إِذَا أَدَّوُا الْجِزْيَةَ لَمْ تَحل لَكُمْ أموالهُم إِلَّا بِطِيب أَنْفُسِهِمْ".

بعض الناس يتسمَّح في أمر الأموال من جهةٍ أخرى إذا وقع بيده شيء من بيت المال سواءٌ كان بطريقةٍ رسمية، لكن لم يؤدها حقها مثل أن يُنتدب ولا يذهب، أو يحصل له خطأ مثلًا ويأتيه زيادة، يقول: هذا نصيبي من بيت المال، أو يكون عليه قرض من القروض للدولة، يقول: ما أنا مسدد، هذا نصيبي من بيت المال، نقول: هذا ليس بصحيح، المسألة عقود وتواقيع لا بُد من الوفاء بها.

انظر هذا "إِنَّا نُصِيب فِي الْغَزْوِ مِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الذِّمَّةِ الدجاجةَ والشاةَ".

"وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، قال: حدثنا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ، قال: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، قال: حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: لَمَّا قَالَ أَهْلُ الْكِتَابِ: {لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأمِّيِّينَ سَبِيلٌ} [آل عمران:75] قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كَذَبَ أَعْدَاءُ اللهِ، مَا مِنْ شِيٍء كَانَ فِي الجَاهِلِيَّةِ إِلا وَهُوَ تَحْتَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ إِلا الأمَانَةَ، فَإِنَّهَا مُؤَدَّاةٌ إِلَى الْبَرِّ وَالفَاجِرِ»".

طالب: ............

هم أهل الذمة، ليسوا المحاربين.

طالب: ............

قد يكونون خرجوا معهم وليسوا منهم كما يخرج مع المسلمين من يبيعون ومن يُداوون.

"ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى} [آل عمران:76]  أَيْ: لَكِنْ مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ واتقى مِنْكُمْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ الَّذِي عَاهَدَكُمُ اللَّهُ عَلَيْهِ، مِنَ الْإِيمَانِ بِمُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا بُعِثَ، كَمَا أَخَذَ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ وَأُمَمَهُمْ بِذَلِكَ، وَاتَّقَى مَحَارِمَ اللَّهِ وَاتَّبَعَ طَاعَتَهُ وَشَرِيعَتَهُ الَّتِي بَعَثَ بِهَا خَاتَمَ الرُّسل وَسَيِّدَ الْبَشَرِ {فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [آل عمران:76].

نقف على هذا.