تعليق على تفسير سورة آل عمران (13)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نعم.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين.

قال الإمام ابن كثيرٍ رحمه الله تعالى: "قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ * فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ} [آل عمران:81-82].

يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّهُ أَخَذَ مِيثَاقَ كُلِّ نَبِيٍّ بَعَثَهُ مِنْ لَدُنْ آدَمَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- إِلَى عِيسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ- لَمَهْمَا آتَى اللَّهُ أَحَدَهُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ، وَبَلَغَ أَيَّ مَبْلَغٍ، ثُمَّ جَاءَهُ رَسُولٌ مِنْ بَعْدِهِ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ وَلَيَنْصُرَنَّهُ، وَلَا يَمْنَعهُ مَا هُوَ فِيهِ مِنَ الْعِلْمِ وَالنُّبُوَّةِ مِنَ اتِّبَاعِ مَنْ بُعِثَ بَعْدَهُ وَنُصْرَتِهِ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى وَتَقَدَّسَ: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ} [آل عمران:81]؛ أَيْ لَمَهْمَا أَعْطَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ، {ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي} [آل عمران:81]، وَقَالَ ابْنُ عباس ومجاهد والربيع بن أنس وَقَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ: يَعْنِي عَهْدِي. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: (إِصْرِي) أَيْ ثقلَ مَا حَمَلْتُمْ مِنْ عَهْدِي؛ يعني مِيثَاقِي الشَّدِيدِ الْمُؤَكَّدِ".

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله؛ نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد،

الله –جل وعلا- يخبر أنه أخذ الميثاق، والعهد الثقيل الشديد على جميع الأنبياء، والإصر هو: الثقل والحمل الشديد الذي جاء الاستعاذة منه بالنسبة لهذه الأمة، والدعاء بعدم تحميلهم إياه؛ {رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} [البقرة:286] .

هذا الميثاق الشديد، والحمل الذي قد لا يُطاق إلا بمعونة من الله –جل وعلا-، أخذ الله ميثاق الأنبياء من لدن آدم، وهو أولهم بالاتفاق إلى آخرهم، وهو عيسى، وهو آخر الأنبياء بالنص كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: «ليس بيني وبينه نبي». ولذا ما يقوله بعضهم، ذلكم قول ابن عربي في (الفصوص): "إن هناك نبيًّا في عهد الفترة اسمه خالد بن سنان"، وهذا ليس بصحيح.

فالنبي –عليه الصلاة والسلام- نصَّ على أنه ليس بينه وبين عيسى نبي. بين آدم وعيسى من الأنبياء جمع غفير، وفي حديث أبي ذر أنهم أكثر من ثلاثمائة ألف، جمع غفير من الأنبياء.

واليهود -عليهم من الله ما يستحقون- كانوا يقتلون الأنبياء، وجاء أنهم كانوا يقتلون في اليوم الواحد أكثر من سبعين نبيًّا، أسأل الله العافية.

هؤلاء الأنبياء كلهم أُخذ عليهم العهد والميثاق أنه إذا بُعث وهم موجودون محمد –عليه الصلاة والسلام- أن يؤمنوا به، ويصدِّقوه، ويتبعوه، أو أن العهد شامل أيضًا للتصديق بجميع الأنبياء، كل يؤخَذ عليه الميثاق ليصدِّق بمن يُبعث وهو موجود من الأنبياء سواءً كان محمدًا –عليه الصلاة والسلام- أو غيره.

فأقرُّوا بذلك، واعترفوا به، ووفّوا بذلك الأنبياء –عليهم الصلاة والسلام-، وكذلك أُخذ العهد والميثاق على أممهم أنهم يصدِّقون بمن يُبعث فيهم من الأنبياء، منهم من وفَّى، ومنهم من لم يفِ. أسأل الله العافية.

فكفروا بالأنبياء، ولم يفوا بهذا العهد والميثاق الذي بلغهم عن طريق من بُعث فيهم، وأما الأنبياء فالعهد والميثاق مباشرة من الله –جل وعلا-.

ثم طَلب منهم، أو أَخذ منهم الإقرار بذلك، فقالوا: أقررنا. اعترفوا بذلك، والتزموه، ووفّوا به بالنسبة للأنبياء –عليهم السلام-، وبقي من أممهم من وفَّى بذلك، وأقرَّ به واعترف، وإن لم يلزمه الاتباع؛ لأن كل نبي يُبعث إلى قومه، إلا بالنسبة للنبي –عليه الصلاة والسلام-، فكلٌّ مأمور باتباعه لو خرج وهو حي، و«لو كان موسى –عليه السلام- حيًّا» كما جاء في الحديث الصحيح: «لما وسعه إلا اتباعي». وأما بالنسبة لغيره فكلٌّ يتبع نبيَّه من هذه الأمم.

{قالَ فَاشْهَدُوا} [آل عمران:81]؛ أقرُّوا واعترفوا وشهدوا، {قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ} [آل عمران:81].

"وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: (إِصْرِي) أَيْ ثقلَ مَا حَمَلْتُمْ مِنْ عَهْدِي؛ يعني مِيثَاقِي الشَّدِيدِ الْمُؤَكَّدِ، {قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ * فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذلِكَ} [آل عمران:81-82]؛ أي عَنْ هَذَا الْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ {فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ} [آل عمران:82].

قَالَ عَلِيُّ بْنُ أبي طالب وابن عمه ابن عَبَّاسٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ إِلَّا أُخِذَ عَلَيْهِ الْمِيثَاقُ لئن بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه، وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْمِيثَاقَ عَلَى أُمَّتِهِ لَئِنْ بُعِثَ مُحَمَّدٌ وَهُمْ أَحْيَاءٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَيَنْصُرُنَّهُ. وَقَالَ طَاوُس وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَقَتَادَةُ: أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ أَنْ يصدِّق بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَهَذَا لَا يُضَادُّ مَا قَالَهُ عَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَلَا يَنْفِيهِ، بل يستلزمه ويقتضيه، ولهذا روى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ طَاوُس، عَنْ أَبِيهِ مِثْلَ قَوْلِ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ.

وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قال: أَنْبَأَنَا سُفْيَانُ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: «جَاءَ عُمَرُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-»".

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

"«فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي مَرَرْتُ بِأَخٍ لِي مِنْ قُرَيْظَةَ، فَكَتَبَ لِي جَوَامِعَ مِنَ التَّوْرَاةِ، أَلَا أَعْرِضُهَا عَلَيْكَ؟ قَالَ: فَتَغَيَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-»".

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

"«قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ثَابِتٍ: قُلْتُ لَهُ: أَلَا تَرَى مَا بِوَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَقَالَ عُمَرُ: رَضِينَا بالله ربًّا، وبالإسلام دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا. قَالَ: فَسُرِّيَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ: والذي نفسي بِيَدِهِ، لَوْ أَصْبَحَ فِيكُمْ مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ- ثُمَّ اتَّبَعْتُمُوهُ وَتَرَكْتُمُونِي لَضَلَلْتُمْ، إِنَّكُمْ حَظِّي مِنَ الْأُمَمِ، وَأَنَا حَظُّكُمْ مِنَ النَّبِيِّينَ».

حَدِيثٌ آخَرُ".

قول علي وابن عباس –رضي الله عنهما-، وتخصيص الآية بمحمد –عليه الصلاة والسلام- لا ينافي قول غيره من التعميم؛ لأن محمدًا –عليه الصلاة والسلام- واحد منهم سواء أأُخذ العهد والميثاق عليه بخصوصه، أو مع إخوته من الأنبياء –عليهم السلام-، فالأمر لا يختلف، وإذا كان التفسير هو تفسير صحابي، وعند جمع من أهل العلم له حكم الرفع.

وعد ما فسره الصحابي
 

 

رفعًا فمحمول على الأسباب
 

المقصود: سواء قلنا: إنه محمد –عليه الصلاة والسلام- على وجه التخصيص، أو هو –عليه الصلاة والسلام- مع إخوته من الأنبياء، أو أنه جاء مرة كذا، ومرة كذا، فلا منافاة، ولا مناقضة؛ لأن الحكم واحد، فذكر الخاص بحكم موافق لحكم العام لا يقتصي التخصيص، لا يقتضي التخصيص. وعلى هذا لا منافاة بين القولين.

والخبر الذي يليه الذي ذكره الإمام أحمد لا شك أنه ضعيف، شديد الضعف؛ لأن في إسناده جابر بن يزيد الجُعفي؛ رافضي خبيث، يؤمن بالرَّجعة، ويسب السلف، وعلى كل حال هو مروي من طرق أن عمر بن الخطاب وجد أوراقًا من التوراة، فرآها النبي –عليه الصلاة والسلام- بيده، فتغيظ وغضب، وقال ما قال: «لو أن موسى –عليه السلام- حيًّا ما وسعه إلا اتباعي». وهذا إذا كان موسى بشخصه الذي يحمل الرسالة الصحيحة قبل نسخها، لو كان حيًّا ما وسعه إلا اتباع النبي -عليه الصلاة والسلام-، فكيف بمن يجد أوراقًا لا يُضمَن تحريفها؟! ومع الأسف أن هذه الأمور التي غضب النبي –عليه الصلاة والسلام- من أجلها، تجد بعض من ينتسب إلى طلب العلم في العصور المتأخرة يعنون بها، ويجمعونها، ويجمعون التوراة، ويجمعون الإنجيل، ويجمعون شروح الكتب المقدسة كما يزعمون، وهذا أمر مصادم لقصة عمر، وتغيُّظ النبي –عليه الصلاة والسلام- عليه.

الشيخ محمد رشيد رضا في مطبعة المنار طبع إنجيل برنابا، موجود، واقتناه طلاب العلم، وبعض أهل العلم، ويرون أنه أقرب الأناجيل إلى الصحة، ألا يدخل في مثل هذا؟ لو كان هو الإنجيل الذي أنزل على عيسى؟

طالب: من باب أولى.

ماذا؟

طالب: من باب أولى.

يدخل، فهذا اجتهاد من الشيخ لا يوافَق عليه، نعم، فيه اعتراف بنبوة محمد –عليه الصلاة والسلام- وبعثته، ويريد أن يحتج به على النصارى، لكن عندنا ما يكفينا، لسنا بحاجة إلى أن نعضد ما عندنا من الدين الصحيح والنص الصريح بما كان عند غيرنا ولو كان صحيحًا.

قد يقول قائل: من باب: الحق ما شهدت به الأعداء. هم شهدوا ببعثة محمد، وبنبوة محمد –عليه الصلاة والسلام-، وهو موجود في هذا الإنجيل، وهذا الذي جعل الشيخ، ويريد به الرد عليهم، لكن كونه من الأوراق التي هي نظير ما وجده عمر –رضي الله عنه-، وغضب عليه النبي –عليه الصلاة والسلام-، هل فيه فرق؟ فيه فرق؟

طالب: من إقامة الحجة عليهم، نقول: كتابكم أصلًا يعترف بالرسول، لم نجمعه تعظيمًا له، لكن لإقامة الحجة.

نعم، لكن، ما عندهم، هو مطبوع عندهم؟

طالب: هم منكرون.

طالب: أكثر النصارى لا يعرفون دينهم.

طالب: هم يقولون: إنه مزور.

ماذا نستفيد، إذا كان في قرارة أنفسهم أنه مزور، وطبعناه، وقلنا لهم: هذاهو؟ هم يردون علينا ويقولون نفس الكلام: مزور.

طالب: هل المسلم مكلف؟

ماذا؟

طالب: هل المسلم مكلف بمثل هذا؟ هو مكلف بإقامة دينه.

إقامة الحجة من دينه، من كتاب الله، وسنة نبيه –عليه الصلاة والسلام-، ولا هو بملزم إذا بذل السبب، ودعا إلى الله على بصيرة، ليس من لازم ذلك أن يستجيب المدعو، نتمنى أن يستجيب الناس، ويدخلون في دِين الله أفواجًا، لكن في النفس من ذلك شيء، النفس فيها شيء من ذلك.

طالب: أحسن الله إليك، هل يدخل في باب: «حدِّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج»؟

حدث، فإن فيهم الأعاجيب، يعني فيما يُتناقل، فيما يُتناقل، ما هو في الأوراق المكتوبة التى تُدرَس وتُدرَّس، ويُعتنى بها.

طالب: أحسن الله إليك، ما معنى «وَأَنَا حَظُّكُمْ مِنَ النَّبِيِّينَ»؟

«حَظُّكُمْ» ما لي غيركم، ما لي غيركم، يقصد بذلك أمة الإجابة، وإن كانت أمة الدعوة داخلة في دعوته، لكن هم حظه من أجاب واتبعه.

طالب: أحسن الله إليك، ... طباعة ونشر على عموم الناس، وإنما مثلًا: لبعض طلبة العلم، وبغية الرد عليهم من ألسنتهم، ومن كتبهم، يسلَم هذا مما وقع مع عمر –رضي الله عنه-؟

هو الإشكال فيمن يقول: إن عمر أخذ هذه الأوراق؛ ليستفيد منها.

طالب: شيخنا، النبي –صلى الله عليه وسلم- طلب منهم أن يحكِّموا التوراة في قصة ...

ماذا؟

طالب: في قصة عبد الله بن سلام.

في قضية معينة، ويعرف الرسول –عليه الصلاة والسلام- أن الحق موجود، وفي قصة الرجم؛ رجم اليهوديين أمرهم بإحضار التوراة، وقراءة آية الرجم، ووضع ابن صوريا يده على آية الرجم، كل هذه من باب الإلزام، وإقامة الحجة فيما عُلم صحته، جُزم صحته.

طالب: يعني إذا توفر نسخة صحيحة.

أنه صحيح.

طالب: إذا توفر.

إذا توفر أنه صحيح فيمن لا يؤمن بكتاب الله.

طالب: نعم.

أما الذي يؤمن بكتاب الله فلا يجوز له أن ينظر في غيره.

طالب: من باب إلزامهم بالحق الذي عندهم، وكثير من الأئمة كانوا يردون عليهم من كتهبم.

نعم؟

طالب: كثير من الأئمة كان يطالع دين النصارى ودين اليهود.

شيخ الإسلام، (الجواب الصحيح) فيه نقول عن الإنجيل، فيه نقول عن الإنجيل، ليس معنى هذا أنه شهر لكلامهم، أو إشاعة لكلامهم، لا، من باب: الحق ما شهدت به الأعداء.

الإشكال في قصة عمر أنه يقول: «كتب لي جوامع من التوراة»، معنى هذا أنه يريد الإفادة منها.

طالب: قد يكون لها محامل.

نعم؟

طالب: قد تحمل على محمل آخر.

ماذا؟ مثل؟

طالب: النبي سد الذريعة في هذا الباب.

لكن، «كتب لي جوامع من التوراة».

طالب: خوفًا من أن يتعبد بالتوراة في وجود النبي –عليه الصلاة والسلام- والقرآن.

يعني هل نحن بحاجة، نحن بحاجة إلى أي حق في غير الكتاب والسُّنَّة؟

طالب: هذا ليس مرتبطًا بالحق.. الحق عنده ومكتفٍ به.

طيب.

طالب: لكن، أراد بذلك أن يستشهد على أهل الكتاب من كتبهم.

الاستشهاد عليهم، وإلزامهم بما عندهم في قصص حصلت ما عندنا فيها إشكال.

طالب: وبذلك تكون الحجة أقوى.

أنت عندك إنجيل؟

طالب: لا.

الحمد لله.

طالب: عندك؟

لا.

طالب: ...

ماذا؟

طالب: ...

في حي من أحياء الرياض أصبحوا وقد وجد الإنجيل معلَّقًا في أبوابهم. ما سكتوا، يبشِّرون بدينهم، ولكن الحق غالب إن شاء الله تعالى.

"حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْحَافِظُ أَبُو يعلى: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، قال: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رسول".

عندنا حدثنا الْحَافِظُ أَبُو بكر".

"أَبُو يعلى".

يعني البزار.

طالب: نعم.

عندك أبو يعلى؟

طالب: إينعم.

أبو بكر يعني البزار، والتخريج: أخرجه البزار كما في (كشف الأستار)، ويأتي تخريجه بأبسط من ذلك في فاتحة سورة يوسف.

طالب: عندنا التخريج أبو يعلى، من مسند أبي يعلى.

طالب: قال فيها: أبو بكر.

أبو يعلى كم نسخة؟ ماذا قال في التعليق؟

طالب: يقول: أخرجه أبو يعلى بسنده ومتنه، وسنده ضعيف بسبب مجالد، وهو ابن سعيد بن عمير، وهو ليس بالقوي، يقول: وأخرجه الإمام أحمد من طريق مجالد به، وخرجه من المسند.

طالب: طبعة دار طيبة تقول: مسند أبي يعلى وخرجه أحمد في المسند والدارمي في (السنن)، وقال الهيثمي في (المجمع): رواه البزار، وأحمد، وأبو يعلى، وحسّنه الشيخ ناصر، وتوسَّع في الكلام عليه.

يعني هو موجود في الكتابين؛ يعني عند البزار، وعند أبي يعلى، وعلى كل حال مجالد ضعيف. نعم.

"عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

"«لَا تَسْأَلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ عَنْ شَيْءٍ، فَإِنَّهُمْ لَنْ يَهْدُوكُمْ وَقَدْ ضَلُّوا، وَإِنَّكُمْ إِمَّا أَنْ تُصَدِّقُوا بِبَاطِلٍ، وَإِمَّا أَنْ تُكَذِّبُوا بِحَقٍّ، وَإِنَّهُ وَاللَّهِ لَوْ كَانَ مُوسَى حَيًّا بَيْنَ أظهركم مَا حَلَّ لَهُ إِلَّا أَنْ يَتَّبِعَنِي». وَفِي بعض الأحاديث: «لَوْ كَانَ مُوسَى وَعِيسَى حَيَّيْنِ لَمَا وَسِعَهُمَا إِلَّا اتِّبَاعِي».

فَالرَّسُولُ مُحَمَّدٌ خَاتَمُ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ دَائِمًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ".

في النواقض، نواقض الإسلام ذكر الشيخ –رحمه الله- أن من يظن أنه يسعه، أو يزعم أنه يسعه الخروج عن شريعة محمد كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى؛ لا شك أن هذا من نواقض الإسلام، وهو كفر بالاتفاق.

"فَالرَّسُولُ مُحَمَّدٌ خَاتَمُ الْأَنْبِيَاءِ -صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ- دَائِمًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ هو الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ الَّذِي لَوْ وُجِدَ فِي أَيِّ عصر وُجد لكان هو الواجب طاعته، الْمُقَدَّمُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ كُلِّهِمْ، وَلِهَذَا كَانَ إِمَامَهُمْ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ لَمَّا اجْتَمَعُوا بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَكَذَلِكَ هو الشفيع في المحشر في إتيان الرب -جل جلاله- لفصل القضاء بين عباده، وَهُوَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ الَّذِي لَا يَلِيقُ إِلَّا لَهُ، وَالَّذِي يَحِيدُ عَنْهُ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ حَتَّى تَنْتَهِيَ النَّوْبَةُ إِلَيْهِ، فَيَكُونَ هو المخصوص به".

عليه الصلاة والسلام.

"قوله تعالى: {أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ * قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَما أُنْزِلَ عَلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ * وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ} [آل عمران:83-85].

يَقُولُ تَعَالَى مُنْكِرًا عَلَى مَنْ أَرَادَ دِينًا سِوَى دِينِ اللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ بِهِ كُتَبَهُ، وأرسل به رسله، وَهُوَ عِبَادَةُ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، الَّذِي {وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} [آل عمران:83]؛ أَيِ اسْتَسْلَمَ لَهُ مِنْ فِيهِمَا {طَوْعًا وَكَرْهًا} [آل عمران:83] كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا} [الرَّعْدِ:15]، وَقَالَ تَعَالَى: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ * وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ * يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [النَّحْلِ:48-50].

فَالْمُؤْمِنُ مُسْتَسْلِمٌ بِقَلْبِهِ وَقَالَبِهِ لِلَّهِ، وَالْكَافِرُ مُسْتَسْلِمٌ لِلَّهِ كَرْهَا، فَإِنَّهُ تَحْتَ التَّسْخِيرِ وَالْقَهْرِ، وَالسُّلْطَانِ الْعَظِيمِ الَّذِي لَا يُخَالفُ وَلَا يُمَانعُ.

وَقَدْ وَرَدَ حَدِيثٌ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى مَعْنًى آخَرَ فِيهِ غَرَابَةٌ، فَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ النَّضْرِ الْعَسْكَرِيُّ، قال: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ حَفْصٍ النُّفَيْلِيُّ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِحْصَنٍ الْعُكاشِيُّ، قال: حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".

اللهم صلِّ وسلم عليه.

"{وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا} [آل عمران:83]؛ «أَمَّا مَنْ في السموات فَالْمَلَائِكَةُ، وَأَمَّا مَنْ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ وُلِدَ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَأَمَّا كَرْهًا فَمَنْ أُتِيَ بِهِ مِنْ سَبَايَا الْأُمَمِ فِي السَّلَاسِلِ وَالْأَغْلَالِ يُقَادُونَ إِلَى الْجَنَّةِ وَهُمْ كَارِهُونَ». وَقَدْ وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ: «عَجِبَ رَبُّكَ مِنْ قَوْمٍ يُقَادُونَ إِلَى الْجَنَّةِ فِي السَّلَاسِلِ»، وَسَيَأْتِي لَهُ شَاهِدٌ".

ومحمد بن محصن العكاشي هذا متروك، ضعيف جدًّا، فالخبر على هذا شديد الضعف، وأما القوم الذين يقادون إلى الجنة في السلاسل، يؤتى بهم سبايا، فهذا في الصحيح.

طالب: مرسل أيضًا.

ماذا؟

طالب: مرسل.

عن ابن العباس، زيادة من الطبراني، و(مجمع الزوائد)، و(الدر المنثور)، يكفي هذا الرواي الشديد الضعف.

"وَقَدْ وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ: «عَجِبَ رَبُّكَ مِنْ قَوْمٍ يُقَادُونَ إِلَى الْجَنَّةِ فِي السَّلَاسِلِ»، وَسَيَأْتِي لَهُ شَاهِدٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَلَكِنَّ الْمَعْنَى الْأَوَّلَ لِلْآيَةِ أَقْوَى.

وَقَدْ قَالَ وَكِيعٌ فِي تَفْسِيرِهِ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا} [آل عمران:83]، قَالَ: هُوَ كَقَوْلِهِ: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لُقْمَانَ:25]".

في طبعة الشعب المنقولة عن الأزهرية، وهي أقدم النسخ لتفسير ابن كثير: "أبو بكر، والمراد به البزار". وعلى كل حال قد يكتب المؤلف، أو يخرِّج حديثًا من كتاب في عرضة من عرضات الكتاب، وفي عرضة ثانية يطرأ له التغيير، ويوجد في بعض النسخ خلاف ذلك إذا كان صحيحًا مقبولًا مثل هذا، فإذا كان الحديث مخرَّجًا عند أبي يعلى، وعند البزار فلا يمنع أن يوجد في نسخة أن يكون أبو بكر وهو البزار في أول الأمر، ثم يجده في مسند أبي يعلى، فيخرِّجه منه، ولو أضافه إلى الاثنين لكان أكمل.

طالب: أحسن الله إليكم، في مسند أبي يعلى بهذا السند، لكن في كشف الأستار عن ... ابن إسحاق.

لكنه باللفظ، فقد يكون تخريجه في أول الأمر من غير إسناد، ثم بعد ذلك وقف عليه بالسند المطابق في مسند أبي يعلى، فعدل إليه.

"وَقَالَ أَيْضًا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا} [آل عمران:83] قَالَ: حِينَ أَخَذَ الْمِيثَاقَ، {وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} [آل عمران:83]؛ أَيْ يَوْمَ الْمَعَادِ، فَيُجَازِي كُلًّا بِعَمَلِهِ.

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ عَلَيْنا} [آل عمران:84]؛ يَعْنِي الْقُرْآنَ، {وَما أُنْزِلَ عَلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ} [آل عمران:84]؛ أَيْ مِنَ الصُّحُفِ وَالْوَحْيِ، {وَالْأَسْباطِ} [آل عمران:84]، وَهُمْ بُطُونُ بَنِي إِسْرَائِيلَ المتشعبة من أولاد إسرائيل-وهو يَعْقُوبُ- الِاثْنَيْ عَشَرَ، {وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى} [آل عمران:84]؛ يَعْنِي بِذَلِكَ التَّوْرَاةَ".

مقتضى هذا التفسير، تفسير الأسباط أنهم أولاد إسرائيل -يعقوب-؛ يوسف وإخوته، أنهم أنبياء؛ لأنه {وَما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَما أُنْزِلَ عَلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ} [آل عمران:84]، معناه أنه أُنزل عليهم كتب، أُنزل عليهم وحي، فهم أنبياء.

والحافظ ابن كثير –رحمه الله- يقول: لا يوجد ما يدل على نبوة إخوة يوسف. وإن كان شيخ الإسلام يشير إلى أنهم أنبياء، فالآية مع تفسيرها، ابن كثير يقول: "وَهُمْ بُطُونُ بَنِي إِسْرَائِيلَ المتشعبة من أولاد إسرائيل-وهو يَعْقُوبُ-". كانوا بطونًا، أُنزل على البطون، أو على أشخاصهم؟

طالب: أشخاصهم.

طالب: يقصد الأنبياء الذين في هذه البطون كلهم.

ومحتمل أنه ينصر كونهم أنبياء.

من هو؟

طالب: ابن كثير.

لا، هو مصرِّح، يقول: لا يوجد ما يدل على أنهم أنبياء.

طالب: ...هنا يقصد من أولادهم.

طالب: "المتشعبة من أولاد إسرائيل".

طالب: ...

يعني هل أنزل على البطون المتشعبة أو على أولاد إسرائيل؟

طالب: على الأنبياء الذين في البطون.

الأسباط يفسِّرها ابن كثير بأنهم البطون "المتشعبة من أولاد إسرائيل" من يوسف وإخوته، هؤلاء البطون هل أُنزل عليهم وحي؟

طالب: منهم.

ماذا؟

طالب: من تلك البطون من أُنزل عليهم وحي.

أُنزل على الأسباط، ما قال.

طالب: ولكن الأسباط من هم؟ هو البطون؛ يعني أولاد أولاد يعقوب.

تأملوا وراجعوا.

طالب: فيها كلام لشيخ الإسلام.

ماذا؟

طالب: فيها كلام لشيخ الإسلام.

نعم، معروف أن شيخ الإسلام يميل إلى أن الأسباط الاثني عشر كلهم أنبياء.

طالب: لكن يميل إلى أنه لم ينزل إليهم شيء كلهم كل الاثني عشر.

لكن يميل إلى نبوتهم؛ إخوة يوسف، وإلا فيوسف مقطوع به. وابن كثير يشكِّك، يقول: لا يوجد ما يدل على أنهم أنبياء.

طالب: هل المراد بصحف موسى التوراة؟

الألواح، كتب التوراة بيده، وألقي إلى موسى الألواح، فلا يلزم أنه لم ينزَل عليه في مجموع الألواح التي ألقاها مطابقة التوراة، وكان الأصل أن كتاب موسى –عليه السلام- هو التوراة.

طالب: إن رأيت أن يبحثوا الموضوع -حفظك الله-؟

نعم.

طالب: لأنه كثر فيه السؤال.

يبحث، الأسبوع القادم إن شاء الله يُؤتى به.

"{وَالْأَسْباطِ} [آل عمران:84]، وَهُمْ بُطُونُ بَنِي إِسْرَائِيلَ المتشعبة".

الأسباط، الأسباط سمي به أفراد، أسباط بن نصر، وأسباط، كثير في التراجم.

"المتشعِّبة من أولاد إسرائيل-وهو يَعْقُوبُ- الِاثْنَيْ عَشَرَ، {وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى} [آل عمران:84]؛ يَعْنِي بِذَلِكَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ، {وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ} [آل عمران:84]، وَهَذَا يَعُمُّ جَمِيعَ الْأَنْبِيَاءِ جُمْلَةً، {لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ} [آل عمران:84]؛ يَعْنِي: بَلْ نُؤْمِنُ بِجَمِيعِهِمْ، {وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:84]، فَالْمُؤْمِنُونَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يُؤْمِنُونَ بِكُلِّ نَبِيٍّ أُرْسِلَ، وَبِكُلِّ كِتَابٍ أُنْزِلَ، لَا يَكْفُرُونَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، بَلْ هُمْ يصدِّقون بِمَا أُنْزِلَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَبِكُلِّ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ.

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران:85] الآية؛ أَيْ مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا سِوَى مَا شَرَعَهُ اللَّهُ، {فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ} [آل عمران:85] كَمَا قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".

اللهم صل على محمد.

"فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ».

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ".

وهذا أمر مجمَع عليه أن من لم يتبع محمدًا –عليه الصلاة والسلام- فعمله مردود عليه، لن يُقبل منه، ويذكرون في كتب الأصول الخلاف فيمن اجتهد، وأدَّاه اجتهاده إلى تصحيح دين غير الإسلام فله اتباعه، يذكرونه العنبري والجاحظ وبعض المبتدعة، ولكنه قول مرفوض ومردود بالاتفاق.

طالب: شيخ، قيل: الأسباط ليسوا أبناء يعقوب.

ماذا؟

طالب: قيل: إن الأسباط ليسوا أبناء يعقوب، والله –عز وجل- لم يقل في الآية: ويعقوب وبنيه. وهنا قال: {وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ} [آل عمران:84]، فإنه أوجز وأبين، واختير لفظ الأسباط على بني إسرائيل؛ للإشارة أن النبوة انحصرت فيهم ...

على كل حال يؤتَى به مكتوبًا في الأسبوع القادم إن شاء الله.

"وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، قال: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ رَاشِدٍ، قال: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قال: حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ إِذْ ذَاكَ وَنَحْنُ بِالْمَدِينَةِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَجِيءُ الْأَعْمَالُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَتَجِيءُ الصَّلَاةُ، فَتَقُولُ: يَا رَبِّ، أَنَا الصَّلَاةُ. فَيَقُولُ: إِنَّكِ على خير. وتجيء الصَّدَقَةُ، فَتَقُولُ: يَا رَبِّ، أَنَا الصَّدَقَةُ. فَيَقُولُ: إِنَّكِ عَلَى خَيْرٍ. ثُمَّ يَجِيءُ الصِّيَامُ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، أَنَا الصِّيَامُ. فَيَقُولُ: إِنَّكَ عَلَى خَيْرٍ. ثُمَّ تَجِيءُ الْأَعْمَالُ، كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّكَ عَلَى خَيْرٍ. ثُمَّ يَجِيءُ الْإِسْلَامُ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، أَنْتَ السَّلَامُ وَأَنَا الْإِسْلَامُ. فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّكَ عَلَى خَيْرٍ، بِكَ الْيَوْمَ آخُذُ، وَبِكَ أُعْطِي. قَالَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ} [آل عمران:85]». تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ، قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: عَبَّادُ بْنُ رَاشِدٍ ثِقَةٌ، وَلَكِنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ من أبي هريرة".

الحسن البصري معروف بالتدليس، وهو إمام من أئمة المسلمين، وتدليسه مقبول إذا صَرَّح بالتحديث، وهو في هذا الحديث مصرح بالتحديث، وهذا نوع من تدليس التدليس، أشد من التدليس المفرد، يقول: حدثنا أبو هريرة.

طالب: يقصد أهل البصرة.

ماذا؟

طالب: يقصد أهل البصرة.

لا، المدينة، هنا في المدينة، وفي المثال الآخر الذي يذكر في كتب المصطلح، يصرح بالتحديث، فيقول: حدثنا أبو هريرة. ومقصوده أنه حدَّث أهل البصرة وهو فيها، فمثل هذا ما يعرفه إلا الأئمة الحذَّاق؛ لأنه لو جاء: حدثنا أبو هريرة. لأنهم يقولون: المدلس إذا قال: حدَّثنا وهو ما حدَّثه صار كذابًا، صار كذابًا، فمثل هذا يجرى على الحسن البصري؟! ما يمكن، الأئمة عرفوا مراد الحسن في مثل هذه الأساليب والتعابير، فقالوا: إنه حدَّث أهل المدينة وهو فيها كما في هذا الحديث، أو حدَّث أهل البصرة وهو فيها، فيشمله ضمير الجمع، وإن كان الأصل ألا يفعل هذا، الأصل ألا يفعل هذا؛ لأنه إضافة إلى كونه تدليسًا، تدليس فيه نوع خفاء يخفى على كثير من المحدِّثين، ولا يعرفه إلا الأئمة الحذَّاق المطَّلِعون على أخبار الحسن.

طالب: وإذا كان حدثهم وهو فيهم ...

أين؟

طالب: هو أدرك أبا هريرة؟

لكن ما حضر، ما حضر التحديث، هو المجزوم به أنه ما سمع الحديث، لكنه حدَّث أهل المدينة وهو فيها، فيكون من المجموعة.

"قوله تعالى: {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خالِدِينَ فِيها لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ * إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران:86-89].

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنُ بَزِيعٍ الْبَصْرِيُّ، قال: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قال: حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كَانَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ أَسْلَمَ، ثُمَّ ارْتَدَّ وَلَحِقَ بِالشِّرْكِ، ثُمَّ نَدِمَ فَأَرْسَلَ إِلَى قَوْمِهِ أَنْ سَلُوا لي رسول الله هل لي من توبة؟»".

صلى الله عليه وسلم.

فَنَزَلَتْ {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ} [آل عمران:86] إلى قوله: {إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران:89]، فأرسل إليه قومه فأسلم»، وهكذا رواه النسائي والحاكم وابن حبان مِنْ طَرِيقِ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ بِهِ، وَقَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخرجَاهُ.

وَقَالَ عبد الرزاق: أنبأنا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قال: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ الْأَعْرَجُ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «جَاءَ الْحَارِثُ بْنُ سُوَيْدٍ، فَأَسْلَمَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-»".

اللهم صلِّ وسلِّم عليه.

"«ثُمَّ كَفَرَ الْحَارِثُ، فَرَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ: {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ} [آل عمران:86] إلى قوله: {إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران:89]، قَالَ: فَحَمَلَهَا إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ، فَقَرَأَهَا عَلَيْهِ، فَقَالَ الْحَارِثُ: إِنَّكَ وَاللَّهِ ما علمت لصدوق، وإن رسول الله لَأَصْدَقُ مِنْكَ، وَإِنَّ اللَّهَ لَأَصْدَقُ الثَّلَاثَةِ. قَالَ: فَرَجَعَ الْحَارِثُ فَأَسْلَمَ، فَحَسُنَ إِسْلَامُهُ».

فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجاءَهُمُ الْبَيِّناتُ} [آل عمران:86]؛ أَيْ قَامَتْ عَلَيْهِمُ الْحُجَجُ وَالْبَرَاهِينُ عَلَى صِدْقِ مَا جَاءَهُمْ بِهِ الرَّسُولُ، وَوَضَحَ لَهُمُ الْأَمْرُ، ثُمَّ ارْتَدُّوا إِلَى ظُلْمَةِ الشِّرْكِ، فَكَيْفَ يَسْتَحِقُّ هَؤُلَاءِ الْهِدَايَةَ بَعْدَ مَا تَلَبَّسُوا بِهِ مِنَ الْعَمَايَةِ؟!".

ويكون هذا من باب الاستبعاد، لا من باب الاستحالة؛ لأنه لا يستحيل الهداية إلا لو مات وهو كافر مثل من ارتد لا تحبط أعماله إلا إذا مات وهو كافر، أما لو رجع إلى دينه فأعماله لا زالت قائمة ومعتبرة.

"ولهذا قال تعالى: {وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [آل عمران:86]، ثُمَّ قَالَ تعالى: {أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [آل عمران:87]؛ أَيْ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ، وَيَلْعَنُهُمْ خَلْقُهُ، {خالِدِينَ فِيها} [آل عمران:88]؛ أَيْ فِي اللَّعْنَةِ، {لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ} [آل عمران:88]؛ أَيْ لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ، وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ سَاعَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران:89]، وَهَذَا مِنْ لُطْفِهِ وَبِرِّهِ، وَرَأْفَتِهِ وَرَحْمَتِهِ، وعائدته على خَلْقه أن من تاب إليه تاب عليه".

اللهم لك الحمد، اللهم لك الحمد.

اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك محمد.