تعليق على تفسير سورة آل عمران (15)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نعم.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين.

قال الإمام ابن كثيرٍ رحمه الله تعالى: "طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزّبيْرِيُّ، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ الْعِجْلِيُّ".

"الزُّبَيْرِيُّ"؛ من نسل الزبير.

"حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ الْعِجْلِيُّ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «أَقْبَلَتْ يَهُودُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-»".

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك.

"«فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِمِ، إِنَّا نَسْأَلُكَ عَنْ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ، فَإِنْ أَنْبَأْتَنَا بِهِنَّ عَرَفْنَا أَنَّكَ نَبِيٌّ وَاتَّبَعْنَاكَ. فَأَخَذَ عَلَيْهِمْ مَا أَخَذَ إِسْرَائِيلُ عَلَى بَنِيهِ إِذْ قال: {اللَّهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ} [يوسف:66]، قَالَ: هَاتُوا. قَالُوا: أَخْبِرْنَا عَنْ عَلَامَةِ النَّبِيِّ. قَالَ: تَنَامُ عَيْنَاهُ، وَلَا يَنَامُ قَلْبُهُ. قَالُوا: أَخْبِرْنَا كَيْفَ تُؤَنِّثُ الْمَرْأَةُ، وَكَيْفَ تُذَكِّرُ؟ قَالَ: يَلْتَقِي الْمَاءَانِ، فَإِذَا عَلَا مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ الْمَرْأَةِ أَذْكَرَتْ، وَإن عَلَا مَاءُ الْمَرْأَةِ أنَّثَتْ. قَالُوا: أَخْبِرْنَا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ؟ قَالَ: كَانَ يَشْتَكِي عِرْقَ النَّسَا، فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا يُلَائِمُهُ إِلَّا أَلْبَانَ كَذَا وَكَذَا -قَالَ أَحْمَدُ: قَالَ بَعْضُهُمْ: يَعْنِي الْإِبِلَ- فَحَرَّمَ لُحُومَهَا. قَالُوا: صَدَقْتَ. قَالُوا: أَخْبِرْنَا مَا هَذَا الرَّعْدُ؟ قَالَ: مَلَكٌ مِنْ مَلَائِكَةِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- موكَّل بالسحاب، بيده-أو في يديه- مِخْرَاقٌ مِنْ نَارٍ يَزْجُرُ بِهِ السَّحَابَ، يَسُوقُهُ حَيْثُ أَمَرَهُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-. قَالُوا: فَمَا هَذَا الصَّوْتُ الَّذِي يُسْمَعُ؟ قَالَ: صَوْتُهُ. قَالُوا صدقت، إنما بقيت واحدة، وهي التي نتابعك إن أخبرتنا بها، إنه لَيْسَ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا لَهُ مَلَكٌ يَأْتِيهِ بِالْخَبَرِ، فَأَخْبِرْنَا مَنْ صَاحِبُكَ؟ قَالَ: جِبْرِيلُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-. قَالُوا: جِبْرِيلُ ذَاكَ يَنْزِلُ بِالْحَرْبِ وَالْقِتَالِ والعذاب، عدونا، لو قلت: ميكائيل الذي ينزل بالرحمة والنبات والقطر لكان. فأنزل اللَّهُ تَعَالَى: {قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ} [الْبَقَرَةِ:97] إلى آخر الآية». وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْوَلِيدِ الْعِجْلِيِّ بِهِ نَحْوَهُ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ.

وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ وَالْعَوْفِيُّ عن ابن عباس: «كان إسرائيل -عليه السلام-، وهو يعقوب يَعْتَرِيهِ عِرْقُ النَّسَاء بِاللَّيْلِ، وَكَانَ يُقْلِقُهُ وَيُزْعِجُهُ عَنِ النَّوْمِ، وَيُقْلِعُ الْوَجَع عَنْهُ بِالنَّهَارِ، فَنَذَرَ لِلَّهِ لَئِنْ عَافَاهُ اللَّهُ لَا يَأْكُلُ عِرْقًا، ولا يأكل ولد ما له عرق»، وهكذا قال الضحاك والسدي، كذا رواه وحكاه ابْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ، قَالَ: فَاتَّبَعَهُ بَنُوهُ فِي تَحْرِيمِ ذَلِكَ اسْتِنَانًا بِهِ، وَاقْتِدَاءً بِطَرِيقتهِ.

قَالَ: وَقَوْلُهُ: {مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ} [آل عمران:93]؛ أَيْ حَرَّمَ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ {مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ} [آل عمران:93]".

طالب: أحسن الله إليك.

نعم.

طالب: هل ثبت أنه نزل غير جبريل –عليه السلام- على بقية الأنبياء؟

أبدًا، هو صاحب الوحي، جبريل هو صاحب الوحي.

طالب: ... هو عدونا؟

عدوهم، هم أعداء الحق، هم أعداء الله، وكل من كان وليًّا لله فهو عدو لهم، هم أعداؤه. على كل حال الخبر الذي قبله، والأخبار التي في معناه جاءت في دواوين الإسلام، ورواها الأئمة، وأيضًا رُويت من طرق كثيرة، وفيها بعض الإسرائيليات، ولذا يختلف أهل الأخبار في هذه المسائل، لا سيما نزول المطر، واصطكاك السحاب، وأن ميكائيل يكيله، وينزل من السماء، ويكيله ميكائيل قبل أن ينزل، والصوت الذي يُسمع الذي هو الرعد صوت المَلَك، ينازع فيه أهل الهيئة، ومنهم من علماء الإسلام.

فمثلًا: نزول المطر من السحاب بعد أن يتبخر من البحار والمياه، هذا ابن القيم يقول به، أنه يتبخر من البحر، ثم يلتقي بالجو البارد في طبقات السماء، يتكثف، ثم ينزل بعد ذلك، هذا يقول به بعض علماء الإسلام، ويروون في ذلك البيت المشهور، وهو ثابت عن العرب، لكن هل يثبت بطريق شرعي أو لا يثبت؟

شربن بماء البحر ثم ترفعت
 

 

متى لجج لهن نئيج
 

شربن البحر، السحاب من ماء البحر، ثم يترفع إلى الجو، متى لجج يعني.

طالب: بيض.

ماذا؟

طالب: بيض أو خضر.

لا، متى لجج لهن نئيج؛ يعني صوت، وهذا الصوت هو صوت الاصطكاك، اصطكاك السحاب كما يقول أهل الهيئة، ويقول به ابن القيم وغيره، لكن كثير من العلماء المتشرعة للأثر لا يقولون بهذا، وأنهم يعتقدون ما يرد من الآثار ولو كان فيها شيء من المقال، فكلٌّ على مذهبه في هذا، ولا يُخطَّأ هذا ولا ذاك، على كل حال من يصح عنده شيء، ويثبت عنده يعتقده، وليست هذه من المسائل التي يُبدَّع فيها، أو يُخطَّأ فيها، الأمر فيها واسع كبقية مسائل الهيئة مثل: دوران الأرض مثلًا، دوران الأرض. أما القول بثبوت الشمس، فهذا معارض لصريح القرآن، {وَالشَّمْسُ تَجْرِي} [يس:38]، وبقية القضايا التي لها حظ من النظر، وإن جاء في الأدلة ما فهمه بعض أهل العلم من المتقدِّمين على خلاف ما قرَّره المتأخِّرون، هنا يقول: إنه صوت ذلك المَلَك؛ يعني الرعد. وغيرهم ممن يعمل بقواعد أهل الهيئة يقولون: لا، هذا الصوت اصطكاك السحاب، وفي كلام كثير يقررونه، والأمر ليس بالمعضل، أو المشكل، وليست المسألة مما يسأل عنها إذا مات الإنسان، المسألة خبرية، تستند على صحة الأخبار.

طالب: أحسن الله إليكم، في مثل هذا لا يجوز أن يقال: ما يحدث له سببان؛ سبب كوني وسبب شرعي، السبب الكوني مثلًا: هو اصطكاك السحاب، والشرعي هو.

صوت المَلَك؟

طالب: نعم.

الاثنان.

طالب: نعم.

ما أدري والله، المَلَك يصوِّت في أثناء اصطكاك السحاب؟ ما يتصور، إما هذا، وإما ذاك.

طالب: أحسن الله إليك.

إسرائيل حرَّم على نفسه ما ذُكر، {إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ} [آل عمران:93]، التحريم هذا ابتدأه إسرائيل، وأُقرَّ من قِبل الله –جل وعلا-، فمُنعوا منه، لا إله إلا الله وحده لا شريك له.

ليس لأحد أن يحرِّم شيئًا أحلَّه الله إلا ما عُرف من مسألة الاجتهاد بالنسبة للأنبياء، وأنهم لا يُقرُّون عليهم إذا أخطأوا، وإذا كان صوابًا أقرَّه الله –جل وعلا-، واكتسب القطعية من إقرار الله. نعم.

"قُلْتُ: وَلِهَذَا السِّيَاقِ بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ مُنَاسَبَتَانِ:

إِحْدَاهُمَا: أَنْ إِسْرَائِيلَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- حَرَّمَ أَحَبَّ الْأَشْيَاءِ إِلَيْهِ، وَتَرَكَهَا لِلَّهِ، وَكَانَ هَذَا سَائِغًا فِي شَرِيعَتِهِمْ، فَلَهُ مُنَاسَبَةٌ بَعْدَ قَوْلِهِ: {لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران:92]، فَهَذَا هُوَ الْمَشْرُوعُ عِنْدَنَا، وَهُوَ الْإِنْفَاقُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ مِمَّا يُحِبُّهُ الْعَبْدُ ويشتهيه، كما قال تعالى: {وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ} [البقرة:177]، وقال تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ} [الإنسان:8] الآية.

المناسبة الثانية".

نظير هذا التحريم: الرهبانية التي ابتدعوها، ثم قال الله -جل وعلا-: {مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ} [الحديد:27]، فلما ابتدعوها كُتبت عليهم، وأُلزموا بها، هناك إلزام بالفعل، وهنا إلزام بالترك للنَّفْس، والإقرار من الله –جل وعلا-.

"لما تقدم بيان الرَّدِّ عَلَى النَّصَارَى، وَاعْتِقَادِهِم الْبَاطِلِ فِي الْمَسِيحِ، وتبيين زَيْف مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ، وَظُهُورُ الْحَقِّ وَالْيَقِينِ في أمر عيسى وأمه، كيف خَلَقَهُ اللَّهُ بِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ، وَبَعَثَهُ إِلَى بَنِي إسرائيل يدعو إلى عبادة ربه -تبارك وتعالى-، شَرَعَ فِي الرَّدِّ عَلَى الْيَهُودِ، وَبَيَانِ أَنَّ النَّسْخَ الَّذِي أَنْكَرُوا وُقُوعَهُ وَجَوَازَهُ قد وقع، فإن الله -تعالى-".

ما قال: -قبحهم الله تعالى-؟ عندك؟ "شَرَعَ فِي الرَّدِّ عَلَى الْيَهُودِ –قبحهم الله تعالى-".

"شَرَعَ فِي الرَّدِّ عَلَى الْيَهُودِ –قبحهم الله تعالى-، وَبَيَانِ أَنَّ النَّسْخَ الَّذِي أَنْكَرُوا وُقُوعَهُ وَجَوَازَهُ قد وقع، فإن الله تعالى قَدْ نَصَّ فِي كِتَابِهِمُ التَّوْرَاةِ أَنَّ نُوحًا -عَلَيْهِ السَّلَامُ- لَمَّا خَرَجَ مِنَ السَّفِينَةِ أَبَاحَ اللَّهُ لَهُ جَمِيعَ دَوَابِّ الْأَرْضِ يَأْكُلُ مِنْهَا، ثُمَّ بَعْدَ هَذَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ لُحْمَانَ الْإِبِلِ وَأَلْبَانَهَا، فَاتَّبَعَهُ بَنُوهُ فِي ذَلِكَ، وجاءت التوراة بتحريم ذلك، وأشياء أخرى زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ، وَكَانَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- قَدْ أَذِنَ لِآدَمَ فِي تَزْوِيجِ بَنَاتِهِ مِنْ بَنِيهِ، وَقَدْ حَرَّمَ ذَلِكَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَكَانَ التَّسَرِّي عَلَى الزَّوْجَةِ مُبَاحًا فِي شَرِيعَةِ إِبْرَاهِيمَ -عليه السلام-، وقد فعله الخليل فِي هَاجَرَ لَمَّا تَسَرَّى بِهَا عَلَى سَارَّةَ، وَقَدْ حُرِّمَ مِثْلُ هَذَا فِي التَّوْرَاةِ عليهم، وكذلك كان الجَمْع بين الأختين سائغًا، وَقَدْ فَعَلَهُ يَعْقُوبُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- جَمَعَ بَيْنَ الأختين، ثم حُرِّم عليهم ذلك فِي التَّوْرَاةِ، وَهَذَا كُلُّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي التوراة عندهم، وهذا هُوَ النَّسْخُ بِعَيْنِهِ، فَكَذَلِكَ فَلْيَكُنْ مَا شَرَعَهُ اللَّهُ لِلْمَسِيحِ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- فِي إِحْلَالِهِ بَعْضَ مَا حرِّمَ فِي التَّوْرَاةِ، فَمَا بَالُهُمْ لَمْ يَتبعُوهُ؟ بَلْ كَذَّبُوهُ وَخَالَفُوهُ.

وَكَذَلِكَ مَا بَعَثَ اللَّهُ بِهِ مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".

اللهم صل وسلم عليه.

"من الدين الْقَوِيمِ، وَالصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، وَمِلَّةِ أَبِيهِ إِبْرَاهِيمَ، فَمَا بَالُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ؟ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ} [آل عمران:93]، أَيْ كَانَ حِلًّا لَهُمْ جَمِيعُ الْأَطْعِمَةِ قَبْلَ نُزُولِ التَّوْرَاةِ إِلَّا مَا حَرَّمَهُ إسرائيل.

ثم قال تعالى: {قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ} [آل عمران:93]، فَإِنَّهَا نَاطِقَةٌ بِمَا قُلْنَاهُ، {فَمَنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [آل عمران:94]؛ أَيْ فَمَنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ، وَادَّعَى أَنَّهُ شَرَعَ لَهُمُ السَّبْتَ، وَالتَّمَسُّكَ بِالتَّوْرَاةِ دَائِمًا، وَأَنَّهُ لَمْ يَبْعَثْ نَبِيًّا آخَرَ يَدْعُو إِلَى اللَّهِ بِالْبَرَاهِينِ وَالْحُجَجِ بَعْدَ هَذَا الَّذِي بَيَّنَّاهُ مِنْ وُقُوعِ النّسخِ، وَظُهُورِ مَا ذَكَرْنَاهُ؛ {فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [آل عمران:94].

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {قُلْ صَدَقَ اللَّهُ} [آل عمران:95]؛ أي قل يا محمد: صدق الله فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ، وَفِيمَا شَرَعَهُ فِي الْقُرْآنِ، {فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفًا وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [آل عمران:95]؛ أَيِ اتَّبَعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ الَّتِي شَرَعَهَا اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-"

اللهم صل وسلم عليه.

"فَإِنَّهُ الْحَقُّ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ، وَلَا مِرْيَةَ، وَهِيَ الطَّرِيقَةُ الَّتِي لَمْ يَأْتِ نَبِيٌّ بِأَكْمَلَ مِنْهَا، وَلَا أَبْيَنَ، وَلَا أَوْضَحَ، وَلَا أَتَمَّ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفًا وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الْأَنْعَامِ:161]".

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد.

"قوله تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ} [آل عمران:96]".

{ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} [النحل:123]، "وقال تعالى".

طالب: ما عندي يا شيخ.

طالب: ...

ماذا؟

طالب: ما عندي يا شيخ.

"وقال تعالى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ} [النحل:123]" ما هي عندك؟

طالب: لا. ...

ما فيه غيرها: "وقال تعالى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل:123]".

"وقال تعالى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل:123]".

طالب: ...

ماذا؟

طالب: ... ما يرد في كلام العلماء في تقبيح اليهود والنصارى وما شابه ذلك؛ هل في هذا فائدة؟ مع أنه معلوم بداهة بأن هذا تحصيل الحاصل.

ما هو؟

طالب: تقبيح اليهود واللعن.

ما أسمع.

طالب: قال: "-قبحهم الله-"، يقصد اليهود.

نعم.

طالب: فما الفائدة في هذا؟

كل إنسان يُدْعى عليه بما يستحق مثلما تقول: عليه السلام، أو عليه الصلاة والسلام، أو رضي الله عنه، أو رحمه. تقول: -قبّحه الله- من المشركين والظلمة والمعتدين، وابن كثير –رحمه الله- في تأريخه أيضًا يُكثِر اللعن على أمثال هؤلاء من الأفراد والجماعات.

طالب: ...

إبراهيم تسرَّى بهاجر على زوجته بعد أن كان ممنوعًا.

طالب: كان مُحرَّمًا؟

هذا الذي يظهر، هذا الذي يظهر.

"قوله تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكًا وَهُدىً لِلْعالَمِينَ} [آل عمران:96]".

اليهود أهل عناد، وأهل شقاق، يعرفون الحق، ويعرفون النبي –عليه الصلاة والسلام- كما يعرفون أبناءهم، ولكنهم أهل عناد وشقاق، وقوم بُهت، ودُعوا أكثر من مرة إلى التحاكم إلى التوراة، فقامت عليهم الحجة، وكتموا التوراة لما دُعوا إليها في قصة القتل، قتل اليهود، في قصة عبد الله بن سهل، وأخوه عبد الرحمن، حويصة، ومحيصة، جاء ابن صوريا من أحبارهم وضع يده على آية الرجم في أخبار وقصص كثيرة جدًّا.

"قوله تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكًا وَهُدىً لِلْعالَمِينَ * فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ} [آل عمران:96-97].

يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّ {أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ} [آل عمران:96] أَيْ لِعُمُومِ النَّاسِ لِعِبَادَتِهِمْ وَنُسُكِهِمْ، يَطُوفُونَ بِهِ، وَيُصَلُّونَ إِلَيْهِ، وَيَعْتَكِفُونَ عِنْدَهُ، {لَلَّذِي بِبَكَّةَ} [آل عمران:96]؛ يَعْنِي الْكَعْبَةَ الَّتِي بَنَاهَا إِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- الَّذِي يَزْعُمُ كُلٌّ مِنْ طَائِفَتَيِ النَّصَارَى وَالْيَهُودِ أَنَّهُمْ عَلَى دِينِهِ وَمَنْهَجِهِ، وَلَا يَحُجُّونَ إِلَى الْبَيْتِ الَّذِي بَنَاهُ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ لَهُ فِي ذَلِكَ، وَنَادَى النَّاسَ إِلَى حَجِّهِ، وَلِهَذَا قال تعالى: {مُبارَكًا} [آل عمران:96]؛ أَيْ وُضِعَ {مُبَارَكًا وَهُدىً لِلْعالَمِينَ} [آل عمران:96].

وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ".

كذَّبهم الله –جل وعلا- لما ادَّعى اليهود أنه منهم، وادَّعى النصارى أنه منهم، قال: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا} [آل عمران:67].

طالب: أحسن الله إليك.

نعم.

طالب: ... هل هو لغرض أنهم يكذبون ما عندهم ...

قد يُقصد منه هذا.

"وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: «قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الْأَرْضِ أَوَّلُ؟ قَالَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ. قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى. قُلْتُ: كَمْ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ سَنَةً. قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: ثُمَّ حَيْثُ أَدْرَكْتَ الصَّلَاةَ فَصَلِّ»".

«أدركتك»، «أدركتك».

عندي «أدركت».

«أدركتك الصلاة».

ثُمَّ حَيْثُ أَدْرَكْتَك الصَّلَاةَ فَصَلِّ، فَكُلُّهَا مَسْجِدٌ»".

كما في حديث الخصائص: «وجُعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا». نعم.

فَصَلِّ، فَكُلُّهَا مَسْجِدٌ»، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ بِهِ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بن الصباح، قال: حدثنا سعيد بن سليمان، عن شَرِيكٌ، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكًا} [آل عمران:96] قَالَ: كَانَتِ الْبُيُوتُ قِبْلَةً، وَلَكِنَّهُ كَانَ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِعِبَادَةِ الله".

"قَبْله".

أحسن الله إليك، قال: "كَانَتِ الْبُيُوتُ قَبْله، وَلَكِنَّهُ كَانَ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِعِبَادَةِ الله".

البيوت يعني التي يتخذها الناس منازل لهم، وأماكن للعبادة، كانت موجودة قَبْله، إلا على القول أنه من بناء الملائكة قبل آدم، فإن هذه الأولية تكون مُطلَقة.

طالب: أحسن الله إليك، رواية الصحيحين: «أدركتك»، لكن رواية الإمام أحمد والكسائي قال: «أدركت».

ما تفرق، أدركته، أو أدركها المعنى واحد.

"وَحَدَّثَنَا أبي قال: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ، قال: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ".

"وَحَدَّثَنَا أَبِي".

أحسن الله إليك.

"أَبِي".

ابن أبي حاتم؟

نعم.

أحسن الله إليك، "وَحَدَّثَنَا أَبِي قال: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ، قال: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ عَرْعَرَةَ، قال: قام رجل إِلَى عَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، فَقَالَ: أَلَا تُحَدِّثُنِي عَنِ الْبَيْتِ، أَهْوَ أَوَّلُ بَيْتٍ وُضِعَ فِي الْأَرْضِ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنَّهُ أَوَّلُ بَيْتٍ وُضِعَ فِيهِ الْبَرَكَةُ {مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِنًا} [آل عمران:97]. وَذَكَرَ تَمَامَ الْخَبَرِ فِي كَيْفِيَّةِ بِنَاءِ إِبْرَاهِيمَ الْبَيْتَ، وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ مُسْتَقْصًى في أول سورة البقرة، فأغنى عن إعادته هنا، وَزَعَمَ السُّدِّيُّ أَنَّهُ أَوَّلُ بَيْتٍ وُضِعَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مُطْلَقًا، وَالصَّحِيحُ قَوْلُ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-.

فَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي بِنَاءِ الْكَعْبَةِ فِي كِتَابِهِ (دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ) مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ مَرْفُوعًا: «بَعَثَ اللَّهُ جِبْرِيلَ إِلَى آدَمَ وَحَوَّاءَ، فَأَمَرَهُمَا بِبِنَاءِ الْكَعْبَةِ، فَبَنَاهُ آدَمُ، ثُمَّ أُمِرَ بِالطَّوَافِ بِهِ، وَقِيلَ لَهُ: أَنْتَ أَوَّلُ النَّاسِ، وَهَذَا أَوَّلُ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ»، فَإِنَّهُ كَمَا تَرَى مِنْ مُفْرَدَاتِ ابْنِ لَهِيعَةَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَالْأَشْبَهُ -وَاللَّهُ أَعْلَمُ- أَنْ يَكُونَ هَذَا مَوْقُوفًا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَيَكُونُ مِنَ الزَّامِلَتَيْنِ اللَّتَيْنِ أَصَابَهُمَا يَوْمَ الْيَرْمُوكِ مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى".

تقدَّم الكلام في سورة البقرة في البيت، وأول من بناه مُستَقْصى، معروف أن عبد الله بن عمرو يتلقَّى من الإسرائيليات، ويأخذ منها، وقد أصاب يوم اليرموك زاملتين فيهما من كتب أهل الكتاب، وروى عنهما، فيمكن أن يكون هذا مما أخذه من هاتين الزاملتين، وعُرف بالتلقي من أهل الكتاب بعض الصحاب، ولذا من المقرَّر في قواعد علوم الحديث أن ما يرويه الصحابي، ولا يصرِّح برفعه مما لا يُدرك بالرأي فإنه له حكم الرفع، إلا إذا عُرف هذا الصحابي عنه التلقي من أهل الكتاب، وعدُّوا جمعًا منهم، ولا شك أن الأخذ عن أهل الكتاب جاء عنه –عليه الصلاة والسلام- بالرواية، لا من كتبهم، جاء عن النبي –عليه الصلاة والسلام- أنه قال: «حدِّثوا عن بني إسرائيل، ولا حرج».

فيعرَض ما أُثر عندهم على ما عندنا، فإن كان موافقًا له فإنه يُقبَل على أنه خبر غير ملزِم، والإلزام بما جاء في شرعنا، وإن كان مخالفًا لما جاء عندنا رُمِي به عرض الحائط، ولا يُعتمد عليه، وحينئذ لا تجوز روايته، وأما ما لا يوجد مؤيد ولا معارض من شرعنا فهذا الذي قيل فيه: «حدِّثوا، فإن فيهم الأعاجيب» كما في رواية البزار.

ولذا لما ظهر أول مختصر لتفسير ابن كثير قال بعض أهل العلم: إنه جَرَّد التفسير من الأسانيد، والأحاديث الضعيفة، والإسرائيليات. والإسرائيليات، لامه بعض من ينتسب إلى العلم، قال: إن الإسرائيليات تُروى، ولا يُعتمد عليها، وفيها من الأعاجيب ما فيها، لكن لا يجوز الاعتماد عليها، ولا يجوز فهم كلام الله من خلالها، كلام الله مفهوم بكلامه –جل وعلا-، وبما أُثر عن نبيه –عليه الصلاة والسلام-، وعن الصحابة الكرام، والتابعين لهم بإحسان، فمنهم ما يعرف من لغة العرب إلى غير ذلك من المصادر التي يُتلقَّى منها التفسير، أما الاعتماد على أهل الكتاب في شيء من هذا فلا يجوز، وكونها تُروى من غير أن يُعتمد عليها ويُستند إليها هذا لا بأس به.

بعضهم يقول: إن ذِكرها في كتب التفسير يطوِّل هذه الكتب، ويعوق عن فهم ما صح. هذا له حظ من النظر، لكن بعض الناس يأخذ هذه الإسرائيليات من باب الترويح عن النفس، من باب الترويح، فيهم أعاجيب، وفي أخبارهم شيء مما يروِّح النفس.

وعلى كل حال مثلما قيل: القاعدة ألا تعتمد عليها، وفي ديننا غُنية عنهم، وأما كونهم يحدَّث عنهم فالخبر كما جاء في الصحيح: «حدِّثوا عن بني إسرائيل، ولا حرج»، هو مجرد إخبار عنهم من غير اعتماد.

طالب: ... التصريح بأنها إسرائيليات؟

بالعكس كثير منها لا يحتاج إلى تصريح، أهل العلم يعرفون بأنها إسرائيليات، يعرفون بأنها إسرائيليات، لكن قد يحدَّث بها على عامة، وحينئذ لا بد أن يقال: إن هذا ليس من أخبارنا، وإنما من أخبار بني إسرائيل كما يحدَّث بالأحاديث الضعيفة، لا بد، يلزم من ذكرها بيان ضعفها.

طالب: ...

ابن كثير يبيِّن –رحمة الله عليه- في الغالب، في الغالب، والقرطبي التزم ألا يذكر إسرائيليات، وفات عليه بعض الشيء ذكره.

"وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {لَلَّذِي بِبَكَّةَ} [آل عمران:96]؛ بَكَّةُ مِنْ أَسْمَاءِ مَكَّةَ عَلَى الْمَشْهُورِ، قِيلَ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا تبك أعناق الظلمة والجبابرة؛ بمعنى أنهم يذلون بِهَا، وَيَخْضَعُونَ عِنْدَهَا. وَقِيلَ: لِأَنَّ النَّاسَ يَتَبَاكُّونَ فِيهَا؛ أَيْ يَزْدَحِمُونَ. قَالَ قَتَادَةُ: إِنَّ اللَّهَ بَكَّ بِهِ النَّاسَ جَمِيعًا، فَيُصَلِّي النِّسَاءُ أَمَامَ الرِّجَالِ، وَلَا يفْعَلُ ذَلِكَ بِبَلَدٍ غَيْرِهَا، وَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَعَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، وَمُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ. وَذَكَرَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جبير، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قَالَ: مَكَّةُ مِنَ الْفَخِّ إِلَى التَّنْعِيمِ، وَبَكَّةُ مِنَ الْبَيْتِ إِلَى الْبَطْحَاءِ".

من الفخِّ أو من الفجِّ؟ من الفج.

عندنا: "الفخ".

طالب: ...

ماذا؟

طالب: ...

الفخ: وادي الزاهر، يقول: لكثرة الأشجار.

أي طبعة معك؟

طالب: ...

نعم...

طالب: ...

"الفج".

"مَكَّةُ مِنَ الْفَجِّ إِلَى التَّنْعِيمِ، وَبَكَّةُ مِنَ الْبَيْتِ إِلَى الْبَطْحَاءِ"، والفج له ذكر بمكة.

طالب: ماذا؟

الفج، وكل فجاج مكة.

طالب: ...

ماذا؟

طالب: ...

ماذا؟

طالب: ...

ماذا يقول؟

طالب: ...

ما أشار.

طالب: عندهم فسَّر الفخ.

طالب: قالوا: هو وادي الزاهر.

طالب: عندي الفج.

عندكم الجوالات تطلع كل شيء. ماذا يقول؟

طالب: الوادي الزاهر والتنعيم في جهة واحدة، ما يمكن ...

الزاهر بذي طوى.

طالب: أعتبرها الفج، الله يحفظك؟

خلهم يبحثون لنا؛ لأن هذه أصح النسخ هذه، مطبوعة عن الأزهرية التي هي أقدم النسخ الموجودة على وجه الأرض. وجدتم شيئًا؟

طالب: ...

الفج، ابن أبي حاتم.

طالب: والدر المنثور.

والدر المنثور.

طالب: ...

ماذا؟

طالب: ... تخريجه: أخرجه ابن أبي حاتم.

والنقل عن ابن أبي حاتم. كَمِّل يا شيخ.

"عَنْ سَعِيدِ بْنِ جبير، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قَالَ: مَكَّةُ مِنَ الْفَجِّ إِلَى التَّنْعِيمِ، وَبَكَّةُ مِنَ الْبَيْتِ إِلَى الْبَطْحَاءِ. وَقَالَ شُعْبَةُ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: بَكَّةُ الْبَيْتُ وَالْمَسْجِدُ، وَكَذَا قَالَ الزُّهْرِيُّ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ فِي رِوَايَةٍ، وَمَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ: الْبَيْتُ وَمَا حَوْلَهُ بَكَّةُ، وَمَا وَرَاءَ ذَلِكَ مَكَّةُ. وَقَالَ أَبُو صَالِحٍ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَعَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ، وَمُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: بَكَّةُ مَوْضِعُ الْبَيْتِ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ مَكَّةُ".

طالب: أحسن الله إليك، ...

قال: أبو مالك، وأبو صالح.

لا، أبو صالح فقط.

اثنين، هي ساقطة من بعض النسخ.

"وَقَدْ ذَكَرُوا لِمَكَّةَ أَسْمَاء كَثِيرَةً: مَكَّةَ، وَبَكَّةَ، وَالْبَيْتَ الْعَتِيقَ، وَالْبَيْتَ الْحَرَامَ، وَالْبَلَدَ الْأَمِينَ، وَالْمَأْمُونَ، وَأُمَّ رحمٍ، وَأُمَّ الْقُرَى، وَصَلَاحَ، وَالْعَرْشَ عَلَى وَزْنِ بَدْرٍ، وَالْقَادِسَ؛ لِأَنَّهَا تُطَهِّرُ مِنَ الذُّنُوبِ، وَالْمُقَدَّسَةَ، وَالنَّاسَّةَ بِالنُّونِ، وَبِالْبَاءِ أَيْضًا، وَالْحَاطِمَةَ، وَالنَّسَّاسَةَ، وَالرَّأْسَ، وكوثاء، والبلدة، والبنية، والكعبة".

طالب: ...

ماذا؟

طالب: بعد الرأس: كوثي، مش كوثاء.

"والحاطمة".

"وَالْحَاطِمَةَ، وَالنَّسَّاسَةَ".

عندك؟

نعم.

"وَالْعَرْشَ عَلَى وَزْنِ بَدْرٍ"، في الخبر: كنا دوننا الدين، وأبوك كافر بالعُرش؛ جمع عريش. تريد هذا أو؟

طالب: ... ابن أبي حاتم فقط.

كتب تواريخ مكة موجودة ومتوافرة كالأزرقي (أخبار مكة) استقصى، كذلك الفاسي في (شفاء الغرام في أخبار البلد الحرام) في مجلدين، كتب موجودة ومتوافرة ومستوعبة، ويمكن التصحيح منها.

"وقوله تعالى: {فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ} [آل عمران:97]؛ أَيْ دَلَالَاتٌ ظَاهِرَةٌ أَنَّهُ من بناء إبراهيم، وأن الله عظَّمه وَشَرَّفَهُ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {مَقامُ إِبْراهِيمَ} [آل عمران:97]؛ يَعْنِي الَّذِي لَمَّا ارْتَفَعَ الْبِنَاءُ اسْتَعَانَ بِهِ عَلَى رَفْعِ الْقَوَاعِدِ مِنْهُ وَالْجُدْرَانِ، حَيْثُ كَانَ يَقِفُ عليه، ويناوله إِسْمَاعِيلُ، وَقَدْ كَانَ مُلْتَصِقًا بِجِدَارِ الْبَيْتِ حَتَّى أَخَّرَهُ عُمَرُ".

"ولده إسماعيل".

ولده؟

"ولده إسماعيل".

أحسن الله إليك، "ويناوله ولده إِسْمَاعِيلُ، وَقَدْ كَانَ مُلْتَصِقًا بِجِدَارِ الْبَيْتِ حَتَّى أَخَّرَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- فِي إِمَارَتِهِ إِلَى نَاحِيَةِ الشَّرْقِ؛ بِحَيْثُ يَتَمَكَّنُ الطواف، وَلَا يُشَوِّشُونَ عَلَى الْمُصَلِّينَ عِنْدَهُ بَعْدَ الطَّوَافِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ –تَعَالَى- قَدْ أَمَرَنَا بِالصَّلَاةِ عِنْدَهُ حَيْثُ قَالَ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى} [الْبَقَرَةِ:125]، وَقَدْ قَدَّمْنَا الْأَحَادِيثَ فِي ذَلِكَ، فَأَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهَا هَاهُنَا. وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.

وَقَالَ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ} [آل عمران:97]؛ أَيْ فَمِنْهُنَّ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَالْمَشْعَرُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: أَثَرُ قَدَمَيْهِ فِي الْمَقَامِ آيَةٌ بَيِّنَةٌ، وَكَذَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالْحَسَنِ، وَقَتَادَةَ وَالسُّدِّيِّ، وَمُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ وغيرهم، وقال أبو طالب في قصيدته".

تقدَّم هذا الكلام في سورة البقرة، وأنه كان ملاصقًا للبيت، وأن السيل اجترفه وأبعده، فأعاده عمر إلى قريب من مكانه، واختلف العلماء هل يجوز تقديمه أو تأخيره عن مكانه الأصلي؟ والحاجة قد تدعو إلى تأخيره أكثر من ذلك، وأُلِّفت في ذلك الكتب، وهي موجودة في رسائل كثيرة؛ (مقام إبراهيم، وجواز تأخيره) للمُعَلِّمي، والرد عليه باسم: (نقض المباني من فتوى اليماني)، والرد على الراد، وهكذا في كتب، وفي غيرها من الكتب التي لم تشتهر شهرتها.

"وقال أبو طالب في قصيدته:

وَمَوْطِئُ إِبْرَاهِيمَ فِي الصَّخْرِ رَطْبَةٌ
 

 

عَلَى قَدَمَيْهِ حَافِيًا غَيْرَ نَاعِلِ
 

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الأشج وَعَمْرٌو الْأَوْدِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، قال: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ في قوله تعالى: {مَقامُ إِبْراهِيمَ} [آل عمران:97] قَالَ: الْحَرَمُ كُلُّهُ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ. والسياق للأشج، وَلَفْظُ عَمْرٍو: الْحَجُّ كُلُّهُ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ. وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ قَالَ: الْحَجُّ مقام إبراهيم. هكذا رأيته فِي النُّسْخَةِ، وَلَعَلَّهُ: الْحِجْرُ كُلُّهُ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ. وقد صرح بذلك مجاهد.

وقوله تعالى: {وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِنًا} [آل عمران:97]؛ يَعْنِي حَرَم مَكَّةَ إِذَا دَخَلَهُ الْخَائِفُ يَأْمَنُ مِنْ كُلِّ سُوءٍ، وَكَذَلِكَ كَانَ الْأَمْرُ فِي حَالِ الْجَاهِلِيَّةِ، كَمَا قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَغَيْرُهُ: كَانَ الرَّجُلُ يَقْتُلُ، فَيَضَعُ فِي عُنُقِهِ صُوفَةً، وَيَدْخُلُ الْحَرَمَ، فَيَلْقَاهُ ابْنُ الْمَقْتُولِ، فَلَا يُهَيِّجُهُ حَتَّى يَخْرُجَ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، قال: حَدَّثَنَا".

الخلاف بإقامة الحدود بمكة، وأن منهم من يرى أنه لا يُقام الحد حتى يُضيَّق عليه في الأكل والشرب، ثم إذا خرج أُقيم عليه الحد، ومنهم من يرى أن الحرم لا يعيذ بخربة كما جاء في الحديث الصحيح، والنبي –عليه الصلاة والسلام- أمر بقتل ابن خطل وهو متعلِّق بأستار الكعبة، لكن قال بعضهم: إن هذا في الساعة التي أُحلَّت له –عليه الصلاة والسلام-، والمسألة معروفة عند أهل العلم.

طالب: شيخنا.... الحجر كله مقام....

الحجر الذي أصله من الكعبة، ماذا فيه؟

طالب: .....

طالب: بدل الحج.

ماذا؟

طالب: الحجر أصح من الحج.

طالب: ..... من الحجر.

الحجر كله مقام الذي هو المقام؟ فيه أحد قال نصفه أو ربعه؟

طالب: .....

طالب: الحِجر أم الحَجَر؟

يعني مواطن الحج ومشاعر الحج كلها مقام لإبراهيم باعتبار أنه أدى هذه المناسك في هذه المواطن.

طالب: وعليه فالحرم كله .....

وَلَفْظُ عَمْرٍو: الْحَجر أو الحجر -غير مضبوطة- كُلُّهُ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ. وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ قَالَ: الْحَجُّ مقام إبراهيم. هكذا رأيته فِي النُّسْخَةِ، وَلَعَلَّهُ: الْحِجْرُ كُلُّهُ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ...

طالب: ..... الحِجر كله....

لأن الوارد في الآية مقام إبراهيم هو الحجر؛ لأن النبي -عليه السلام- قصده، وتلا الآية، وصلى عنده، فعله -عليه الصلاة والسلام- يفسر، ما صلى بالحِجر، صلى عند الحَجر الذي هو المقام.

طالب: ..... يقصد كل الحجر..

نعم.

طالب: ليس فقط موضع قدميه..

نعم.

طالب: وهذا قد يكون هو المقصود..

هل فيه أحد قال: موضع القدمين فقط؟

طالب: .....

لا، هو مقام الصيغة مكان، فمقام إبراهيم هذا الحجر الذي يطلع عليه، ويناوله ابنه الأحجار.

طالب: .... قد يكون...

نعم، ما يبقى كثير بعد موضع القدمين.

طالب: .....

ماذا به.

طالب: .....

قوله..

طالب: .....

قف عليه.

اللهم صلِّ على محمد.