تعليق على تفسير سورة آل عمران (17)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نعم.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

قال الإمام ابن كثيرٍ –رحمه الله تعالى-: "قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ * قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [آل عمران:98-99] هَذَا تَعْنِيفٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لكَفَرة أَهْلِ الْكِتَابِ، عَلَى عِنَادِهِمْ لِلْحَقِّ، وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ، وصَدِّهم عَنْ سَبِيلِه الله مَنْ أَرَادَهُ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ بِجُهْدِهِمْ وَطَاقَتِهِمْ مَعَ عِلْمِهِمْ بِأَنَّ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ حَقٌّ مِنَ اللَّهِ، بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ الْأَقْدَمِينَ، وَالسَّادَةِ الْمُرْسَلِينَ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ، وَمَا بَشَّروا بِهِ ونوَّهُوا، مِنْ ذِكْر النَّبِيِّ  الْأُمِّيِّ الْهَاشِمِيِّ الْعَرَبِيِّ الْمَكِّيِّ سَيِّدِ وَلَدِ آدَمَ، وَخَاتَمِ الْأَنْبِيَاءِ، وَرَسُولِ رَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ، وَقَدْ توعدهم الله على ذلك، وأخبر بِأَنَّهُ شَهِيدٌ عَلَى صَنِيعِهِمْ ذَلِكَ بِمَا خَالَفُوا ما بأيديهم عن الأنبياء".

يعني بسببه كما في قوله –جلَّ وعلا-: {ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} [آل عمران:112] يعني بسبب ذلك.

"ومقابلتهم الرسول المُبشَّر به بالتكذيب والجحود والعناد، فأخبر تَعَالَى أَنَّهُ لَيْسَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ، وسيجزيهم على ذلك يوم لا ينفعهم مالٌ ولا بنون".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد،

في هاتين الآيتين من سورة (آل عمران) التي جاء صدرها في حق النصارى، وفي أثنائها الكلام عن اليهود كُفرهم وعنادهم يُعنِّفهم الله –جلَّ وعلا- بما فعلوه مما لا عذر لهم فيه، ليس لهم عذر، هم أهل كتاب وأهل علم، وبلغتهم الحُجج، فيعرفون النبي –عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- كما يعرفون أبناءهم كما قال الله –جلَّ وعلا-، ومع ذلك لما بُعِث كانوا يتوعدون المشركين بأن نبيًّا قد أظل زمانه، وإذا خرج سيتبعونه، ويُقاتلون العرب معه، فلما بُعِث وآمن به من آمن من العرب؛ تكبَّروا وطغوا وتجبَّروا وعاندوا، وخالفوا ما أُنزِل إليهم، واعترفوا به، وأقروا به في وقتهم، ووعدوا بأنهم يتبعون الرسول النبي الأمي، لكنهم أهل بُهت وعناد وكفر وقسوة قلوب قتلوا الأنبياء كانوا يقتلون من الأنبياء كما جاء في بعد الآثار في اليوم سبعين نبيًّا، وأي قسوةٍ أعظم من هذه؟! نسأل الله العافية.

السوي إذا أراد أن يذبح ما أُذِن له بذبحه مما يحتاج إلى أكله أخذته الرأفة والرحمة، وهؤلاء يقتلون الأنبياء، وشر الناس من قتل نبيًّا أو قتله نبي {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ} [آل عمران:98] توبيخ وتقريع {وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ} [آل عمران:98] الله يُراقبكم ويرى ما تفعلون، وأنتم في الأصل تؤمنون به، وتُقرون بوجوده، وتقرون بأنه رقيبٌ عليكم، لكنه الكفر والعناد وسبق الشقاوة عليهم.

{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا} [آل عمران:99] تبغون الملة عوجاء مائلة عن الحق، تبغونها مائلة عن الحق، تُميلونها عن الجادة؛ لتسلكوا بالناس غير الصراط المستقيم، تسلكون بهم سبيل الجحيم، نسأل الله العافية والله المستعان.

"قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ *وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ} [آل عمران:100-101] يحذر -تبارك وتعالى- عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ أَنْ يُطِيعُوا طَائِفَةً مِنَ أهل الْكِتَابَ الَّذِينَ يَحْسُدُونَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَمَا مَنَحَهُمْ بِهِ مِنْ إِرْسَالِ رَسُولِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ} [الْبَقَرَةِ: 109]، وَهَكَذَا قَالَ هَاهُنَا {إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ} [آل عمران:100]".

هذه طريقة إبليس –لعنه الله-، يُريد أن يصد الناس كلهم عن سبيل الله، ويُريد أن يدخلهم معه في النار، وأقسم بعزة الله أن يغويهم أجمعين -هذا إن استطاع-، واستطاع في تقدير الله –جلَّ وعلا- أن يستحوذ على كثيرٍ من الناس، وأن يُضلهم، وأن يضمهم إلى صفه –نسأل الله العافية-، وهؤلاء خَلفه، اليهود خَلفه، يسعون جاهدين أن يصدوا الناس عن سبيل الله؛ لأنهم أفلسوا من طاعة الله –جلَّ وعلا- وتوحيده وعبادته ببغيهم وعدوانهم وحسدهم فهُم يُريدون أن يدخل الناس النار معهم، يريدون دخول النار من الناس كلهم إن أمكن هم ومن يستطيعون، وكثيرٌ من الناس الذي في قلبه غِل إذا أُصيب بمصيبة تمنى أن يُصاب الناس بمثلها، وهذا موجود في المسلمين –مع الأسف- يفرح إذا أصابه شيء أن يُصيب غيره ولو كان من أقرب الناس إليه.

سُمِع من يقول: الموت مع الناس رحمة، الناس كلهم يموتون معه، إذا ما مات وحده لكان بالنسبة له عذاب وسلِم الناس منه، وهو لا يُريد أن يسلم الناس من هذه المصيبة من مصيبة الموت.

"ثم قال تعالى: {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ} [آل عمران:101] يعْنِي أَنَّ الْكُفْرَ بَعِيدٌ مِنْكُمْ وَحَاشَاكُمْ مِنْهُ، فَإِنَّ آيَاتِ اللَّهِ تَنْزِلُ عَلَى رَسُولِهِ لَيْلًا وَنَهَارًا، وَهُوَ يَتْلُوهَا عَلَيْكُمْ وَيُبَلِّغُهَا إِلَيْكُمْ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَما لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحديد: 8-9] وكما جاء فِي الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لأصحابه يوما «أَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَعْجَبُ إِلَيْكُمْ إِيمَانًا؟» قَالُوا: الْمَلَائِكَةُ. قَالَ: «وَكَيْفَ لَا يُؤْمِنُونَ وَهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ؟» وَذَكَرُوا الْأَنْبِيَاءَ، قَالَ «وَكَيْفَ لَا يُؤْمِنُونَ وَالْوَحْيُ يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ؟» قَالُوا: فَنَحْنُ. قَالَ «وَكَيْفَ لَا تُؤْمِنُونَ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ؟» قَالُوا: فَأَيُّ النَّاسِ أَعْجَبُ إِيمَانًا؟ قَالَ: «قَوْمٌ يَجِيئُونَ مِنْ بَعْدِكُمْ يَجِدُونَ صُحُفًا يُؤْمِنُونَ بِمَا فِيهَا» وَقَدْ ذَكَرْتُ سَنَدَ هَذَا الْحَدِيثِ وَالْكَلَامَ عَلَيْهِ فِي أَوَّلِ شَرْحِ الْبُخَارِيِّ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ".

هذا الحديث تقدم ذِكره في أوائل (البقرة) عند قوله –جلَّ وعلا-: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [البقرة:3] ذكر الحديث الحافظ ابن كثير، وحسَّن إسناده، وقال هو وغيره: هو أصرح دليلٍ يدل على الوجادة، يدل على صحة الوجادة.

الوجادة: أن يجد الراوي بخط شيخه الذي لا يشك فيه حديثًا -إن كان لا يشك فيه- حديثًا يرويه عنه بهذه الوجادة، وهي موجودة في دواوين الإسلام وفي المسند للإمام أحمد أحاديث كثيرة يقول عبد الله بن أحمد: وجدت بخط أبي. وهي مُصحّحة عند أهل العلم، لا بُد أن تقترن بالإذن بالرواية من الشيخ، وأن تكون له رواية عنه لا تجد بخط شيخٍ ما أدركته وتروي عنه؛ تكون منقطعة، وإن خلت عن الإذن فمسألة خلافية بين أهل العلم.

ويكفي أن يطمئن إلى الخط، ولا يشك فيه، ويعرفه معرفة كما يعرف شخصه، واستقر على ذلك أهل العلم في إثبات الكُتب والتعليقات، فينسبونها إلى أصحابها الذين كتبوها بخطوطهم المعروفة، لا بُد أن تكون معروفة، ما يأتي شخص ويقول: وجدت بخط شيخ الإسلام أو ابن القيم أو فلان أو علان من المتقدمين أو المتأخرين، وهو ليس بخطه، كثير من الناس يزوِّر ويزعم أن هذا الكتاب بخط فلان؛ حتى ترتفع قيمته، وهذا ليس بصحيح لا بُد أن يُطمئَن إليه ويُركَن إليه بحيث لا يُشَك فيه.

طالب: كيف يكون الإذن؟

الإذن في أحاديث سابقة، ليس في هذا الحديث.

"ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ} [آل عمران:101] أَيْ وَمَعَ هَذَا فَالِاعْتِصَامُ بِاللَّهِ وَالتَّوَكُّلُ عَلَيْهِ هُوَ الْعُمْدَةُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْعُدَّةُ فِي مُبَاعَدَةِ الْغَوَايَةِ، وَالْوَسِيلَةُ إِلَى الرَّشَادِ، وَطَرِيقِ السَّدَادِ وحصول المراد".

الاعتصام بالله هو الاعتصام بكتابه، والاعتصام برسوله هو الاعتصام بسُنَّته. وفي كُتب السُّنَّة في صحيح البخاري وغيره كتاب (الاعتصام) من أهم ما يُعنى به طالب العلم من أبواب الحديث، يحتاجه كل طالب علم لا سيما في الظروف التي نعيشها، وكثرت فيها الفتن، فعلى طالب العلم أن يُعنى بمثل هذا، ويعض عليه بالنواجذ، ويُكثِر من ترداده وتفهمه، وقراءة الشروح عليه، بذلك ينجو إن شاء الله تعالى.

"قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران:102-103] قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ سُفْيَانَ وَشُعْبَةَ عَنْ زُبَيْدٍ الْيَامِيِّ، عَنْ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ} [آل عمران:102] قَالَ: أَنْ يُطَاعَ فَلَا يُعْصَى، وَأَنْ يُذْكَرَ فَلَا يُنْسَى، وَأَنْ يُشْكَرَ فَلَا يُكْفَرُ، وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ مَوْقُوفٌ، وَقَدْ تَابَعَ مُرَّةَ عَلَيْهِ عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ".

مُرَّة الطَّيب فيه كلام.

"وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ زُبَيْدٍ، عَنْ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «{اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ} [آل عمران:102] أَنْ يُطَاعَ فَلَا يُعْصَى، وَيُشْكَرَ فَلَا يُكْفَرُ، وَيُذْكَرَ فَلَا يُنْسَى»، وَكَذَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ مِنْ حَدِيثِ مِسْعَرٍ عَنْ زُبَيْدٍ، عَنْ مُرَّةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا، فَذَكَرَهُ، ثُمَّ قَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، كَذَا قَالَ، وَالْأَظْهَرُ والأشهر أَنَّهُ مَوْقُوفٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ".

الموقوف على ابن مسعود صحيح بطُرقه، وأما المرفوع فضعيف، وتصحيح الحاكم له على شرط الشيخين من تساهله من جهة، ومن جهةٍ أخرى أنه يرى أن تفسير الصحابي مرفوع سواءٌ صرَّح بالرفع أو لم يُصرِّح يرى أن تفسير الصحابي مرفوع، هذا رأي الحاكم، وصرَّح به في مواضع من (المستدرك)، وحمله العلماء على أسباب النزول؛ فيكون لها حكم الرفع ولو لم يُصرِّح الصحابي بذكر النبي -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- فيقول الحافظ العراقي:

وَعَدُّ مَا فَسَّرَهُ الصَّحَابِي
 

 

رَفْعًا فَمَحْمُولٌ عَلَى الْأَسْبَابِ
 

أما إذا فسَّر الصحابي كلمة أو آية من تلقاء نفسه فإنه يبقى قوله كما هنا، يقول ابن مسعود: "{اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ} [آل عمران:102] أَنْ يُطَاعَ فَلَا يُعْصَى، وَأَنْ يُذْكَرَ فَلَا يُنْسَى، وَأَنْ يُشْكَرَ فَلَا يُكْفَرُ" وهذه الجُمل الثلاث مطابقة للآية "يُطَاعَ فَلَا يُعْصَى، وَأَنْ يُذْكَرَ فَلَا يُنْسَى، وَأَنْ يُشْكَرَ فَلَا يُكْفَرُ" هذا غاية ما يُطيقه الإنسان، وإن كان المقصود بــــــــ{حَقَّ تُقاتِهِ} كل ما يأمر به وجميع ما ينهى عنه إلا أن ذلك مقرونٌ بالإطاقة.

"ثُمَّ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ، وَالرَّبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ، وَعَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَطَاوُسٍ، وَالْحَسَنِ، وَقَتَادَةَ، وَأَبِي سِنَانٍ، وَالسُّدِّيِّ، نَحْوَ ذَلِكَ. وَرُوِيَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا يتقي الله العبد حق تقاته حتى يخزن لِسَانِهِ".

طالب: ............

ماذا فيه؟

طالب: ............   

يخزن: يجعل الفم له مخزنًا فلا يفتحه، بمعنى أنه لا يتكلم إلا بما تدعو إليه الحاجة، ويخزم من الخزام، خزام الناقة والدابة وهو الحبل الذي تُجَر به وتُقاد، فيقود لسانه، والمعنى كله صحيح.

"وَقَدْ ذَهَبَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَأَبُو الْعَالِيَةِ، وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ وَقَتَادَةُ وَمُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ وَالسُّدِّيُّ وَغَيْرُهُمْ إِلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التَّغَابُنِ:16]".

لأن قوله: {حَقَّ تُقاتِهِ} [آل عمران:102] ألا تفرِّط في شيءٍ من المأمورات، ولا ترتكب شيئًا من المحظورات قلَّ أو كثر، صغر أو كبر، هذا حق تقاته وهذه لا يُطيقها أحد، فهي منسوخةٌ بقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التَّغَابُنِ:16] يعني كما جاء في آخر سورة (البقرة) في قوله –جلَّ وعلا-: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [البقرة:286] لأن الآية التي قبلها {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} [البقرة:284] هذا لا يُطاق نُسِخ بالآية الثانية التي بعدها والتي بعدها آخر الآيات، والله –جلَّ وعلا- في آخر السورة قد قال: «قَدْ فَعَلْتُ»

"وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تعالى: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ} [آل عمران:102]، قَالَ: لَمْ تُنْسَخْ، وَلَكِنْ حَقَّ تُقاتِهِ أَنْ يُجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ حَقَّ جِهَادِهِ وَلَا تَأْخُذْهُمْ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ، وَيَقُومُوا بِالْقِسْطِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَآبَائِهِمْ وأبنائهم.

وقوله تعالى: {وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102] أَيْ حَافَظُوا عَلَى الْإِسْلَامِ فِي حَالِ صِحَّتِكُمْ وَسَلَامَتِكُمْ لِتَمُوتُوا عَلَيْهِ، فَإِنَّ الْكَرِيمَ قَدْ أَجْرَى عَادَتَهُ بِكَرَمِهِ أَنَّهُ مَنْ عَاشَ عَلَى شَيْءٍ مَاتَ عَلَيْهِ، وَمَنْ مَاتَ عَلَى شَيْءٍ بُعِثَ عَلَيْهِ، فَعِيَاذًا بِاللَّهِ مِنْ خِلَافِ ذَلِكَ".

أهل العلم يقولون: الفواتح عنوان الخواتم، العبرة بالخواتيم، لكن من لزم الطريق من أوله، واستقام عليه فالله –جلَّ وعلا- أرحم وأكرم من أن يخذله في آخر عمره، وحديث «وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُوْنُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إلا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا»، جاء تقييده في الرواية الصحيحة أنه لا يعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس أو بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس، يعني في حق المرائين مثل هذا، والله المستعان.

"قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا رَوْحٌ، قال: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ عَنْ مُجَاهِدٍ: أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ وَابْنُ عَبَّاسٍ جَالِسٌ ومَعَهُ مِحْجَنٌ، فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102] وَلَوْ أَنَّ قَطْرَةً مِنَ الزَّقُّومِ قُطِرَتْ لَأَمَرَّتْ عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ عِيشَتَهُمْ، فَكَيْفَ بِمَنْ لَيْسَ لَهُ طَعَامٌ إِلَّا الزَّقُّومُ؟» وَهَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ مِنْ طُرُقٍ عَنْ شُعْبَةَ بِهِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقَالَ الْحَاكِمُ: عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ رَبِّ الْكَعْبَةِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ وَيَدْخُلَ الْجَنَّةَ فَلْتُدْرِكْهُ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَيَأْتِي إِلَى النَّاسِ مَا يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ».

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، قال: حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلَاثٍ: «لَا يَمُوتَنَّ  أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ به.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ مُوسَى، قال: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، قال: حَدَّثَنَا أَبُو يُونُسَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ قَالَ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، فَإِنْ ظَنَّ بِي خَيْرًا فَلَهُ، وَإِنْ ظَنَّ شَرًّا فَلَهُ»، وَأَصْلُ هَذَا الْحَدِيثِ ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «يقول الله: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي».

وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْقُرَشِيُّ، قال: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ ثَابِتٍ وَأَحْسَبُهُ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ مَرِيضًا، فَجَاءَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعُودُهُ، فَوَافَقَهُ فِي السُّوقِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: «كَيْفَ أَنْتَ يَا فُلَانُ؟» قَالَ: بِخَيْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرْجُو اللَّهَ، وَأَخَافُ ذُنُوبِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَا يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ عَبْدٍ فِي هَذَا الْمَوْطِنِ إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ مَا يَرْجُو وَآمَنَهُ مِمَّا يَخَافُ»، ثُمَّ قَالَ: لَا نَعْلَمُ رَوَاهُ عَنْ ثَابِتٍ غَيْرَ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، وَهَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِهِ، ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حسنٌ غَرِيبٌ، وَقَدْ رَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ ثَابِتٍ مُرْسَلًا".

عندنا كلام ابن كثير "ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: غَرِيبٌ".

طالب: .............

ماذا؟

طالب: .....

انظر التخريج.

هي موجودة في الترمذي (حسن)؟

طالب: .............

سُنن الترمذي كما نبَّه العلماء في كُتب المصطلح أنها تختلف اختلافًا كثيرًا بما في ذلك الأصول القديمة العتيقة الثابتة بالأسانيد، تختلف اختلافًا كبيرًا في الأحكام على الأحاديث، فمنها ما هو صحيح، ومنها ما فيه حسنٌ صحيح، ومنها فيه حسنٌ فقط، فالأحكام مختلفة، وفيها ما هو صحيحٌ غريب، وفيها ما هو حسنٌ غريب، فعلى طالب العلم -كما قال أهل العلم-: أن ينتقي من نُسخ الترمذي أفضلها وأصحها، ويُقابل بعضها ببعض؛ ليطمئن إلى هذه الأحكام.

والحاجة لمثل هذا الكلام إذا أردنا أن نُقلِّد الترمذي، ونحكم بأحكامه لا سيما على قول ابن الصلاح بانقطاع التصحيح والتضعيف، وأنه لا بُد من تقليد الأئمة، وأن المتأخرين ليس لهم أن يُصححوا يدرسوا الأسانيد، وينظروا في المتون ويحكموا عليها بما يليق بها، فالانقطاع للتصحيح والتضعيف عندهم مُقرر إذا قلنا بهذا، قلنا: نتَّبع الأئمة في أحكامهم، مع أن الأصل هم الأئمة، لكن إذا وُجِد مثل هذا الاضطراب لا بُد أن ينظر المتأهِّل للنظر في الأسانيد والمتون أن يدور ويحكم بما يليق على هذه الأحاديث من الأحكام بالصحة والحسن والضعف.

طالب: ما أحسن طبعة؟

ف الآن طبعات حديثة يقولون: إنها قُوبِلَت مثل: الرسالة، والتأصيل، وطبعات ظهرت أخيرًا، وفيه من الطبعات القديمة طبعة بولاق جزأين صغيرين، فيه أيضًا مع الشروح لا سيما الطبعات الهندية، فتحفة الأحوذي الهندية أفضل بكثير من المصرية، وعندك عارضة الأحوذي لا يُوثَق بشيءٍ منها على الترمذي، لا يُوثَق بمتنها ولا شرحها.

الشيخ/ أحمد شاكر -هذا شيء يُدركه من صغار الطلبة- يقول: الطابع مطبعة الصاوي لما أرادوا طباعة الترمذي مع شرح ابن العربي استعاروا نسختي من الترمذي؛ فأدخلوا فيها ما ليس من كلام الترمذي -ما علقته على الكتاب أنا- أدخلوها في صُلب الكتاب، هذا مما يجعل هذه الطبعة لا يُنتَفع بها.

طالب: .....

وإلى الآن مثل ابن كثير طُبِع أكثر من طبعة مُحققة، وتجد في هذه ما لا تجد في هذه، قبل هذه الطبعات الحديثة طُبِع بحمص بتحقيق عزت عُبيد الدَّعاس، وقد طبعوا معه سُنن أبي داود فيها عناية، وفيها تعليق على الأحكام وعلى التخريج يُخرِّجون، ويذكرون شيئًا، ويُعلِّقون من كُتب الأحكام كُتب الفقه على أبي داود والترمذي، وكلام مقبول في الجملة، لكن ليسوا من أهل العلم يعني ليسوا من أهل الحديث الذين أخرجوا ليسوا من أهل الحديث.

طالب: ............

لا بُد من الجمع بينهما.      

"فَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَد: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قال: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، قَالَ: بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- أن لا أَخِرَّ إِلَّا قَائِمًا، وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ شُعْبَةَ بِهِ، وَتَرْجَمَ عَلَيْهِ فَقَالَ: (بَابُ كَيْفَ يَخِرُّ لِلسُّجُودِ)، ثُمَّ سَاقَهُ مِثْلَهُ فقيل: معناه أن لا أموت إلا مسلما، وقيل: معناه أن لا أُقْتَلَ إِلَّا مُقْبِلًا غَيْرَ مُدْبِرٍ وَهُوَ يَرْجِعُ إلى الأول.

وقوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران:103] قِيلَ: بِحَبْلِ اللَّهِ أَيْ بِعَهْدِ اللَّهِ، كَمَا قَالَ في الآية بعدها {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ} [آلِ عِمْرَانَ:112] أَيْ بِعَهْدٍ وَذِمَّةٍ، وَقِيلَ: بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ يَعْنِي الْقُرْآنَ كَمَا فِي حَدِيثِ الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ عَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا فِي صِفَةِ الْقُرْآنِ «هُوَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ وَصِرَاطُهُ الْمُسْتَقِيمُ»، وَقَدْ وَرَدَ فِي ذَلِكَ حَدِيثٌ خَاصٌّ بِهَذَا الْمَعْنَى".

{ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا} [آلِ عِمْرَانَ:112] يعني: اليهود {إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ} [آلِ عِمْرَانَ:112] وهذا الحبل منقطع بينهم وبين الله -جلَّ وعلا-.

{وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ} [آلِ عِمْرَانَ:112] هذا هو الحبل القائم الآن، هذا هو الحبل القائم الممدود بينهم وبين الناس، وبه يُقاومون، وبه يقومون، هم لا شيء عندهم، وحبلهم مع الله –جلَّ وعلا- مقطوع، فما بقي إلا هذا الحبل من الناس، نسأل الله –جلَّ وعلا- أن يخذلهم، ويخذل من وراءهم.

طالب: .............

أين؟

طالب: .............

هو ما فيه إلا الاثنان، حبل ممدود مع الله؟ كثيرٌ من المسلمين قطع حبله مع الله مع الأسف الشديد.

حديث عليّ الذي يرويه الحارث الأعور حديثٌ طويل في فضل القرآن، ولكنه ضعيف لضعف الحارث، فإنه ضعيفٌ جدًّا.

"فَقَالَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى الْأَمَوِيُّ، قال: حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ".

سعيد بن يحيى الأُموي من بني أُمية، وإلا ففيه أَموي نسبة إلى جبلٍ بالأندلس يُقال له: أَمو، وإلا الأصل بنو أُمية النسبة إليهم أُموي.

"حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى الْأُمَوِيُّ، قال: حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ الْعَرْزَمِيِّ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كِتَابُ اللَّهِ هُوَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَمْدُودُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ».

وَرَوَى ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُسْلِمٍ الْهَجَرِيِّ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ".

الحديث الأول السابق حديث الطبري فيه عطية العوفي، وهو ضعيف عند جمهور أهل العلم.

"عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ هُوَ حَبْلُ اللَّهِ المتين، وَهُوَ النُّورُ الْمُبِينُ، وَهُوَ الشِّفَاءُ النَّافِعُ، عِصْمَةٌ مَنْ تَمَسَّكَ بِهِ، وَنَجَاةٌ لمَنْ اتَبِعَهُ»".

في تاريخ ابن أبي خيثمة: عن أبي الأحوص أنه خرج عليه خوارج فقتلوه. يجيء أو ما يجيء؟

طالب: ............

كيف؟

طالب: ............

وفهمته وحفظته؟

طالب: ............

أنت حفظته؟

طالب: ............

ذكِّرنا.

طالب: بأي شيء؟

به، السياق صحيح أو ما هو بصحيح.

طالب: صحيح.

خرج عليه خوارج فقتلوه، يعني أخبر بالرؤيا أم ماذا؟

هذا يستدلون به أو يُريدونه مثال...

طالب: .............

صح أن (عن) لا تُقصَد بها الرواية، وإنما يُقصَد بها ذِكر القصة، يعني قصة أبي الأحوص.

"عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ هُوَ حَبْلُ اللَّهِ المتين، وَهُوَ النُّورُ الْمُبِينُ، وَهُوَ الشِّفَاءُ النَّافِعُ، عِصْمَةٌ مَنْ تَمَسَّكَ بِهِ، وَنَجَاةٌ لمَنْ اتَبِعَهُ» وُرُوِيَ مِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ نَحْوُ ذَلِكَ".

وهذا ثالث الأحاديث، وهو ضعيف، إبراهيم بن مسلم الهجري ضعيف عند أهل العلم.

"وَقَالَ وَكِيعٌ: حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ".

عندك "قال عبد الله"؟

طالب: ...........

عندك "حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي وَائِلٍ".

طالب: "قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ".

ما عندنا عبد الله.

طالب: عندنا قال عبد الله.

طالب: يا شيخ هذه الزيادة من راوي.

أظنه ليس موجودًا بـــ...

طالب: ساقط من الأزهرية.

ليس بساقط من الأزهرية، مضاف إلى ما بعده.

"قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: إن هذا الصراط محتضر يحضره الشياطين. يا عبد الله هذا الطَّرِيقِ، هَلُمَّ إِلَى الطَّرِيقِ فَاعْتَصَمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ فَإِنَّ حَبْلَ اللَّهِ الْقُرْآنُ.  

وَقَوْلُهُ: {وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران:103] أَمَرَهُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَنَهَاهُمْ عَنِ الفُرقَةِ، وَقَدْ وَرَدَتِ الْأَحَادِيثُ الْمُتَعَدِّدَةُ بِالنَّهْيِ عَنِ التَّفَرُّقِ، وَالْأَمْرِ بِالِاجْتِمَاعِ وَالِائْتِلَافِ، كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا، وَيَسْخَطُ لَكُمْ ثَلَاثًا، يَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا، وَأَنْ تُنَاصِحُوا مَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ أَمْرَكُمْ، وَيَسْخَطُ لَكُمْ ثَلَاثًا: قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ» وَقَدْ ضُمِنَتْ لَهُمُ الْعِصْمَةُ عِنْدَ اتِّفَاقِهِمْ مِنَ الْخَطَأِ، كَمَا وَرَدَتْ بِذَلِكَ الْأَحَادِيثُ الْمُتَعَدِّدَةُ أَيْضًا، وَخِيفَ عَلَيْهِمُ الِافْتِرَاقُ وَالِاخْتِلَافُ، وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ فَافْتَرَقُوا عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، مِنْهَا فِرْقَةٌ نَاجِيَةٌ إِلَى الْجَنَّةِ وَمُسَلَّمَةٌ مِنْ عَذَابِ النَّارِ، وَهُمُ الَّذِينَ عَلَى مَا كَانَ عليه النبي -صلّى الله عليه وسلّم- وأصحابه".

المقرر عند أهل العلم قاطبة أن الأمة لا تُجمِع على خطأ، ولهذا قالوا بحجية الإجماع، واستدل الإمام الشافعي على حُجية الإجماع بقول الله –جلَّ وعلا- في سورة (النساء): {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى} [النساء:115] هذا الدليل على حُجية الإجماع قال به الإمام الشافعي، جاءه أعرابي قال: يا أبا عبد الله أنت تقول بحجية قول الكافة –الذي هو الإجماع- فما دليلك؟ قال: أنظرني ثلاثًا، فاستعرض القرآن في ثلاث ليالٍ ست مرات، في آخر لحظة وقف على آية النساء، وهذا الكلام لا تجده في (الأم) ولا في (الرسالة) وإنما هو موجود في أحكام القرآن للإمام الشافعي جمع الإمام البيهقي.

ولهذا يقولون: إن الإمام الشافعي يقرأ القرآن مرتين في كل ليلة. هو استعرض في ثلاث ليال القرآن ست مرات، ما يلزم أن يكون هذا ديدنه أو أنه قرأه قراءة حرف حرف لا يلزم هذا إلا إذا وُجِد شيء أصرح من هذا.

طالب: ............

نعم قيل عنه هذا وهذا، فإن وُجِد أصرح من هذه القصة وإلا فالقصة لا تدل على ذلك؛ لأن التصفح ما يعني القراءة الدقيقة الحرفية.

"وقوله تعالى: {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا} [آل عمران:103] وَهَذَا السِّيَاقُ فِي شَأْنِ الأوس والخزرج، فإنه قد كان بَيْنَهُمْ حُرُوبٌ كَثِيرَةٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَعَدَاوَةٌ شَدِيدَةٌ وَضَغَائِنُ وَإِحَنٌ وَذُحُولٌ، طَالَ بِسَبَبِهَا قِتَالُهُمْ وَالْوَقَائِعُ بَيْنَهُمْ، فَلَمَّا جَاءَ اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ، فَدَخَلَ فِيهِ مَنْ دَخَلَ مِنْهُمْ، صَارُوا إِخْوَانًا مُتَحَابِّينَ بِجَلَالِ اللَّهِ، مُتَوَاصِلِينَ فِي ذَاتِ اللَّهِ، مُتَعَاوِنِينَ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ} [الأنفال:62-63]، وَكَانُوا عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ بِسَبَبِ كفرهم، فأنقذهم اللَّهُ مِنْهَا أَنْ هَدَاهُمْ لِلْإِيمَانِ، وَقَدِ امْتَنَّ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ قَسَمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ، فَعَتَبَ مَنْ عتب منهم، بما فُضَّل عليهم في القسمة، بِمَا أَرَاهُ اللَّهُ فَخَطَبَهُمْ فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلَّالًا فَهَدَاكُمُ اللَّهُ بِي، وَكُنْتُمْ مُتَفَرِّقِينَ فَأَلَّفَكُمُ اللَّهُ بِي، وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمُ الله بي؟» فكلما قَالَ شَيْئًا قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ".

لأن النبي –عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- أعطى من غنائم حُنين قريش وقبائل العرب وأكثر يُعطيهم بالمئات وبالرعايا الكاملة والأنصار ما أعطاهم شيئًا؛ وجدوا في أنفسهم مع أنهم بايعوه على الأثرة، ولكنه بعد ذلك طيَّب خواطرهم، فقال –عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: «أَلا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ، وَتَذْهَبُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ؟» صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

 اللهم صلِّ على محمد.

"وَقَدْ ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ وَغَيْرُهُ: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي شَأْنِ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، وَذَلِكَ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْيَهُودِ مَرَّ بِمَلَأٍ مِنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، فَسَاءَهُ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الِاتِّفَاقِ وَالْأُلْفَةِ، فَبَعَثَ رَجُلًا مَعَهُ وَأَمَرَهُ أَنْ يَجْلِسَ بَيْنَهُمْ وَيُذَكِّرَهُمْ مَا كَانَ مِنْ حُرُوبِهِمْ يَوْمَ بُعَاثٍ وَتِلْكَ الْحُرُوبِ، فَفَعَلَ، فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأْبَهُ، حَتَّى حَمِيَتْ نُفُوسُ الْقَوْمِ، وَغَضِبَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَتَثَاوَرُوا وَنَادَوْا بشعارهم وطلبوا أسلحتهم وَتَوَاعَدُوا إِلَى الْحَرَّةِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَتَاهُمْ فَجَعَلَ يُسَكِّنُهُمْ وَيَقُولُ: «أَبِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ؟» وَتَلَا عَلَيْهِمْ هَذِهِ الْآيَةَ، فَنَدِمُوا عَلَى مَا كَانَ مِنْهُمْ وَاصْطَلَحُوا وَتَعَانَقُوا وَأَلْقَوُا السِّلَاحَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ- وَقد ذَكَرَ عِكْرِمَةُ أَنَّ ذَلِكَ نَزَلَ فِيهِمْ حِينَ تثاوروا في قضية الإفك، والله تعالى أعلم".

ولا يزال الشيطان يوشي الخلافات بين الناس، ويبث فيهم الإحن والضغائن، وينكأ جروحهم حتى يثوروا فيما بينهم.

وقد وُجِد قبل غروب شمس آخر يومٍ من رمضان والناس يتهيؤون للفطور، وهنا يكثر الزحام، وتضيق بعض النفوس؛ فيدفع بعضهم بعضًا، ويتكلم بعضهم على بعض، وسُمِع من يتوعدون باللقاء بعد التراويح إن كان فيه تراويح وإلا بعد صلاة العشاء بعرفة؛ يتضاربون مثل ما فعل الشيطان هنا، مثل ما فعل اليهود، نسأل الله العافية.

فهذه سياسته وسياسة أتباعه حينما رضي بالتحريش بين الناس، والله المستعان.

اللهم صلِّ على محمد.