تعليق على تفسير سورة آل عمران (19)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين.

قال الإمام ابن كثيرٍ رحمه الله تعالى: "وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ يُنَاسِبُ ذِكْرُهَا هَاهُنَا.

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، قال: حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ، قال: حَدَّثَنَا بُكَيْرُ بْنُ الْأَخْنَسِ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".

اللهم صلِّ وسلِّم عليه.

"«أُعْطِيتُ سَبْعِينَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، وُجُوهُهُمْ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، قُلُوبُهُمْ عَلَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، فَاسْتَزَدْتُ رَبِّي -عَزَّ وَجَلَّ-، فزادني مع كل واحد سبعين ألفًا»، قال أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فَرَأَيْتُ أَنَّ ذَلِكَ آتٍ عَلَى أَهْلِ الْقُرَى، وَمُصِيبٌ مِنْ حَافَاتِ الْبَوَادِي.

حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرٍ السُّلَمِيُّ، قال: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ مُسَوَّى بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله عليه وسلم- قَالَ: «إِنَّ رَبِّي أَعْطَانِي سَبْعِينَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ. فَقَالَ عُمَرُ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَهَلَّا اسْتَزَدْتَهُ؟ فَقَالَ: اسْتَزَدْتُهُ فَأَعْطَانِي هَكَذَا. وَفَرَّجَ عبد الله بن بَكْرٍ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَبَسَطَ باعيه، وحثا عبد الله، وقال هشام: وَهَذَا مِنَ اللَّهِ لَا يُدْرَى مَا عَدَدُهُ»".

يُدْرَى.

"«وَهَذَا مِنَ اللَّهِ لَا يُدْرَى مَا عَدَدُهُ».

حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ".

فيه نقص عندك، «قال عمر: فَهَلَّا اسْتَزَدْتَهُ؟ قَالَ: اسْتَزَدْتُهُ فَأَعْطَانِي مَعَ كُلِّ رَجُلٍ سَبْعِينَ أَلْفًا. قَالَ عُمَرُ: فَهَلَّا اسْتَزَدْتَهُ؟». مرتين، عندك؟

لا.

«قَالَ: قد اسْتَزَدْتُهُ فَأَعْطَانِي هَكَذَا».

"«وَفَرَّجَ عبد الله»".

نعم.

هذا الذي عندنا.

مرتين.

طالب: ....... "عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرٍ السَّهمِيُّ" (...).

نعم.

طالب: السهمي.

هذا موجود.

طالب: "السَّهمِيُّ".

"السَّهمِيُّ". نعم.

"السُّلَمِي" عندي.

لا، "السَّهمِيُّ". حديث السبعين الألف مخرَّج في الصحيح، ولا يكاد يُختَلف في صحته، والحافظ ابن كثير –رحمه الله- مع أنه أورد طريق مسلم، أورد من مسند الإمام أحمد وغيره من كتب السُّنَّة ودواوين الإسلام ما يُنتَقد إسناده، أورده من أسانيد فيها ضعف، السند الأول ضعيف، والثاني ضعيف، وهكذا، لكن الحديث صحيح، حديث السبعين الألف صحيح، ما فيه إشكال.

الكلام: «مع كل ألف سبعون ألفًا»؛ هذه محل النظر، وفي رواية: «مع كل واحد سبعون ألفًا».

فضل الله واسع، ولا أحد يستطيع أن يعدّه أو يحدّه، ولكن الكلام على الثبوت؛ السند الأول مخرَّج في مسند أحمد، وسنده ضعيف، والثاني كذلك، يقول: صحيح، إسناده ضعيف، يعني متنه صحيح، وسنده فيه ضعف؛ لأنه يقول: رواه أحمد وأبو يعلى، وفيهما المسعودي، وقد اختلط، وتابعيُّه لم يُسَمَّ، الحديث الثاني، ثلاثة وستين، ثلاثة وستين: "عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ". طالب: ......

"عَنْ رَجُلٍ"، هذا لم يُسمَّ، فهو مبهم، ومضعَّف من أجله، وبقية رجال أحمد رجال الصحيح. الثاني قال: حسن، وفيه أيضًا من تُكلِّم فيه من رجاله.

وهكذا، الإمام ابن كثير –رحمة الله عليه- إمام سُنَّة وأثر، وعناية بالأسانيد، ولذلك يسوق الأحاديث بأسانيدها من أي كتاب كان، ويستظهر مسند الإمام أحمد، ويحفظه، ويكثر من الرواية منه أكثر من بقية الكتب الستة؛ لأن له به عناية، ويرى أنه ديوان الإسلام، لا يقدِّمه على الصحيحين، بلا إشكال، ولا نزاع، لكنه مع ذلك من شدة عنايته به يصدِّره في الرواية، ويُكثِر من التخريج منه.

وعلى كل حال الحديث متنه صحيح، وإذا جاء في بعض الأسانيد من تُكلِّم في إسناده يُغتفر؛ لأنه إذا صحَّ المتن، فالإسناد مع كثرة الأسانيد يجبر بعضها بعضًا.

"حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قال: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ ضَمْضَمِ بْنِ".

"ضَمْضَم".

"عَنْ ضَمْضَمِ بْنِ زرْعَةَ قَالَ: قَالَ شُرَيْحُ بْنُ عُبَيْدٍ: مَرِضَ ثَوْبَانُ بِحِمْصَ، وَعَلَيْهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قُرْطٍ".

"قُرْطٍ".

"وَعَلَيْهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قُرْطٍ الْأَزْدِيُّ".

يعني واليًا عليها.

"فَلَمْ يَعُدْهُ، فَدَخَلَ عَلَى ثَوْبَانَ رجل من الكلاعين عَائِدًا، فَقَالَ لَهُ ثَوْبَانُ: أَتَكْتُبُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قال: اكْتُبْ. فَكَتَبَ لِلْأَمِيرِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُرْطٍ".

"قُرْطٍ".

"فَكَتَبَ لِلْأَمِيرِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُرْطٍ: مِنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".

ثوبان كأنه وقع في نفسه أنه لكونه مولى ما زاره الأمير، فكتب له هذا الكتاب، ثم جاء الأمير يعوده.

"مِنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ لِمُوسَى وَعِيسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ- بِحَضْرَتِكَ".

"عليهما".

"-عَلَيْهِمَا السَّلَامُ- بِحَضْرَتِكَ خَادِمٌ لَعُدْتَهُ.

ثم طوى الكتاب، وقال له: أتبلغه إياه؟ قال: نَعَمْ. فَانْطَلَقَ الرَّجُلُ بِكِتَابِهِ، فَدَفَعَهُ إِلَى ابْنِ قُرْطٍ، فَلَمَّا رَآهُ قَامَ فَزِعًا، فَقَالَ النَّاسُ: مَا شَأْنُهُ؟ أَحَدَثَ أَمْرٌ؟ فَأَتَى ثَوْبَانَ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِ، فَعَادَهُ وَجَلَسَ عِنْدَهُ سَاعَةً، ثُمَّ قَامَ فَأَخَذَ ثَوْبَانُ بِرِدَائِهِ، وَقَالَ: اجْلِسْ حَتَّى أُحَدِّثَكَ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ، يَقُولُ: «لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا لَا حِسَابَ عَلَيْهِمْ وَلَا عَذَابَ، مَعَ كُلِّ أَلْفٍ سَبْعُونَ أَلْفًا». تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَإِسْنَادُ رِجَالِهِ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ شَامِيُّونَ حمصيون، فهو حديث صحيح، ولله الحمد.

طريق آخر".

الحجاج لما دخل المدينة حصلت منه إهانة لبعض الصحابة، لا سيما أنس الذي خدم النبي –عليه الصلاة والسلام-، فقال أنس: لو أن النصارى أدركوا حمار عزير لعظَّموه.

حمار عزير الذي خدمه ونقله، فكيف بصحابي جليل مع نظرائه من الصحابة حصل لهم من الإهانة ما حصل من الحجاج؟! فهذه الكتابات لا شك أنها تستثير حمية الوالي، إن كان في قلبه شيء من تعظيم الله، وتعظيم رسوله –عليه الصلاة والسلام-.

"طريق آخر: قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ زِبْرِيق الْحِمْصِيُّ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ -يَعْنِي ابن عياش-، قال: حدثني أَبِي، عَنْ ضَمْضَمِ بْنِ زُرْعَةَ، عَنْ شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ الرَحَبِيِّ، عَنْ ثوبان -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِنَّ رَبِّي -عَزَّ وَجَلَّ- وَعَدَنِي مِنْ أُمَّتِي سَبْعِينَ أَلْفًا لَا يُحَاسَبُونَ، مَعَ كُلِّ أَلْفٍ سَبْعُونَ أَلْفًا». هَذَا لَعَلَّهُ هُوَ الْمَحْفُوظُ بِزِيَادَةِ أَبِي أَسْمَاءَ الرَّحَبِيِّ بَيْنَ شُرَيْحٍ وَبَيْنَ ثَوْبَانَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قال: حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: أَكْثَرْنَا الْحَدِيثَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَاتَ لَيْلَةٍ".

اللهم صلِّ وسلِّم عليه.

"ثُمَّ غَدَوْنَا إِلَيْهِ، فَقَالَ «عُرِضَتْ عَلَيَّ الْأَنْبِيَاءُ اللَّيْلَةَ بِأُمَمِهَا، فجعل النبي يمر ومعه الثَّلَاثَةُ، وَالنَّبِيُّ وَمَعَهُ الْعِصَابَةُ، وَالنَّبِيُّ مَعَهُ النَّفَرُ، والنبي وليس مَعَهُ أَحَدٌ، حَتَّى مَرَّ عَلَيَّ مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَمَعَهُ كَبْكَبَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَأَعْجَبُونِي، فقلت: من هؤلاء؟ فقيل: هَذَا أَخُوكَ مُوسَى مَعَهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ. قَالَ: فقلت: فَأَيْنَ أُمَّتِي؟ فَقِيلَ: انْظُرْ عَنْ يَمِينِكَ. فَنَظَرْتُ فَإِذَا الظِّرَابُ قَدْ سُدَّ بِوُجُوهِ الرِّجَالِ، ثُمَّ قِيلَ لِيَ: انْظُرْ عَنْ يَسَارِكَ. فَنَظَرْتُ فَإِذَا الْأُفُقُ قَدْ سُدَّ بِوُجُوهِ الرِّجَالِ، فَقِيلَ لِي: أرضيت؟ فقلت: رَضِيتُ يَا رَبِّ، رَضِيتُ يَا رَبِّ. قَالَ: فَقِيلَ لِي: إِنَّ مَعَ هَؤُلَاءِ سَبْعِينَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فِدَاكُمْ أَبِي وَأُمِّي، إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَكُونُوا مِنَ السَّبْعِينَ أَلْفًا فَافْعَلُوا، فَإِنْ قَصَّرْتُمْ فَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الظِّرَابِ، فَإِنْ قَصَّرْتُمْ فَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الْأُفُقِ، فَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ ثَمَّ أُنَاسًا يتهاوشون. فَقَامَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ؛ أَيْ مِنَ السَّبْعِينَ. فَدَعَا لَهُ، فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: ادْعُ اللَّهَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ. فَقَالَ: قَدْ سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ.

 قَالَ: ثُمَّ تَحَدَّثْنَا، فَقُلْنَا: من تُرَوْنَ هَؤُلَاءِ السَّبْعِينَ الْأَلْفَ؟ قَوْمٌ وُلِدُوا فِي الْإِسْلَامِ لَمْ يُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا حَتَّى مَاتُوا؟ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: هم الذين لا يسترقون، ولا يكتوون، وَلَا يَتَطَيَّرُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ». هَكَذَا رَوَاهُ أَحْمَدُ بِهَذَا السَّنَدِ، وَهَذَا السِّيَاقِ، وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ قَتَادَةَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ، وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ: «رَضِيتُ يَا رَبِّ، رَضِيتُ يَا رَبِّ. قَالَ: رَضِيتَ؟ قال: نَعَمْ. قَالَ: انْظُرْ عَنْ يَسَارِكَ. قَالَ: فَنَظَرْتُ فَإِذَا الْأُفُقُ قَدْ سُدَّ بِوُجُوهِ الرِّجَالِ، فَقَالَ: رَضِيتَ؟ قال: رَضِيتُ». وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ، وَلَمْ يُخَرِّجُوهُ.

حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ أَحْمَدُ".

هذا الحديث مشهور، وأورده الشيخ محمد بن عبد الوهاب في (كتاب التوحيد)، وتلقاه الطلاب في صغرهم، وتداولوه بعد ذلك.

وعكَّاشة بن محصن الأسدي صحابي جليل، دعا النبي –عليه الصلاة والسلام- له أن يكون من السبعين، فلما قام آخر قال: «ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ»، فأراد النبي –عليه الصلاة والسلام- أن يسد الباب؛ لئلا يتتابع الحضور كلهم، وإذا أجاب واحدًا يجيب الثاني –عليه الصلاة والسلام- ومنهم من يقول: إن الثاني لا يستحق هذه الدعوة؛ لِمَا في قلبه من نفاق وشبهه، ولذلك لم يدع له النبي –عليه الصلاة والسلام-.

وعلى كل حال المقصود من الحديث بيان فضل هذه الأمَّة، وشرف هذه الأمَّة بشرف نبيها –عليه الصلاة والسلام-، وأن هؤلاء السبعين الألف يدخلون الجنة بغير حساب. أسأل الله أن يجعلنا منهم.

طلاب: آمين. أحسن الله إليكم يا شيخ.

فبات الناس يدوكون، يبحثون من هم هؤلاء السبعون؟ فقال بعضهم: هم الذي ولدوا في الإسلام، ولم يشركوا بالله شيئًا. فخرج عليهم النبي –عليه الصلاة والسلام-، وأخبرهم بحقيقتهم.

ومن هذا يؤخَذ أن من يقول: لعل. يبرأ من العهدة سواءً أكان في تفسير كلام الله، أو في كلام رسوله –عليه الصلاة والسلام-، يعني التفسير بالرأي حرام، لكن إذا قال الإنسان: لعل المراد كذا مثلما قال الصحابة: لعلهم، لعلهم، ولم يصيبوا ما يريده النبي –عليه الصلاة والسلام-، ولا ثرَّبهم، ما ثرَّبهم على اجتهادهم في بيان المعنى، ولم يصيبوه، فيأتي الشخص لا سيما طالب العلم بحرف الترجي، ولا يجزم، فلا يقع في المحظور.

«هم الذين لا يسترقون»؛ لا يطلبون من يرقيهم من شدة توكلهم على الله –جل وعلا-، والاسترقاء مباح، ليس فيه محظور، رَقى النبي –عليه الصلاة والسلام- ورُقي، لكن الكلام في طلب الرقية، هي التي تُنزل من منزلة الإنسان وإن كانت مباحة.

«لا يسترقون»، لكن، لو رقي الإنسان من غير طلب فلا إشكال، ولو استرقى ثم ندم يُرجى أن يعود أمره كما كان؛ لأن عمران بن حصين لما أُصيب بالبواسير اكتوى، وكان يُسلَّم عليه قبل الاكتواء، تسلِّم عليه الملائكة عَيانًا في مرضه، فلما اكتوى انقطع التسليم، فندم على ذلك، فعاد التسليم.

في الحديث: «لا يسترقون، ولا يكتوون، وَلَا يَتَطَيَّرُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ»، الله المستعان.

وبعض الناس لا يسترقي، وتجد في قلبه من التعلُّق بالمخلوقين أشد مما لو اكتوى واسترقى، وفعل الأسباب، بعض الناس مجرد ما يسمع بكاء الصبي؛ الطبيب، هيا. ومجرد ما يصاب بأمر يسير من زكام ونحوه، فالمستشفى.

بذل السبب ما أحد يلوم عليه، ولا إشكال فيه، ولا ينافي التوكل، لكن الأمر هنا استرقاء بكلام الله وكلام رسوله يمنع من الفضيلة والمزية التي حصلت لهؤلاء السبعين.

وعلى كل حال المنازل تختلف، المنازل تختلف، كلٌّ له ما يستحقه من منازل عند الله –جل وعلا-، وحسب ما يقر في قلبه من الإيمان واليقين، والتوكل على الله –جل وعلا-.

طالب: طلب العلاج يدخل في الاسترقاء؟

بذل سبب، على كل حال المنازل ما تخطر على بالنا، الله يعفو ويسامح.

طالب: العلاج يا شيخ؟

ماذا؟

طالب: طلب العلاج ...؟

الاسترقاء، ما الذي يفرقه؟ طلب من يرقيه بكلام الله وكلام رسوله، أو من يعالجه بأدوية رُكِّبت من مواد الله أعلم بها.

طالب: ...

ما أظن أن فيه فرقًا.

طالب: الراقي.

ماذا؟

طالب: الراقي.

«ولا يرقون»، قال: هذه شاذة.

طالب: ...

ماذا؟

طالب: أطلقوا ....

أطلقوا عليه، نعم، صحيح شاذ؛ لأنه صحيح من جهة الإسناد، صحيح من جهة الإسناد، وأما من جهة المتن فمعارَض بما هو أقوى منه، فحُكِم عليه بالشذوذ.

طالب: شذوذ المتن يا شيخ أو شذوذ السند؟

شذوذ المتن وإلا فالإسناد صحيح.

طالب: ابن كثير قال في الحديث السابق: أرى أن هذا هو المحفوظ.

يقابله الشاذ.

طالب: ...

لا تدقق في هذه الأمور؛ لأن مسألة الشذوذ والنكارة عند أهل العلم فيها نوع اضطراب لا يدركها إلا هم.

طالب: شيخ، كثير من الصحابة ذهبوا لأطباء.

ماذا؟

طالب: ...

هل أحد يمنع لو ذهبت للطبيب، واستشارة طبيب؟

طالب: يقاس على «يسترقون»؟

ماذا؟

طالب: كل الأمة.

كل الأمة لازم يصيرون من هؤلاء السبعين، كانوا سبعين مليارًا.

طالب: .....

سمعت؟

طالب: ...

أنتم ... الله يتوب علينا، تتوقع أنت؛ لأنك ما استرقيت؟ مسألة الاسترقاء القلوب مملوءة.

طالب: الأمر أكبر..

الأمة القاهرة من المسلمين، هذه منازل، منازل ما أدركها كل أحد، الصحابي اكتوى، وفيهم لا يكتوون، ماذا تقول؟

طالب: ...

من أجل أنك في صيدلية أنت.

طالب: لا والله.

هذا قصدك، ما نحن بقائلين لك: أغلق صيدليتك. جزاك الله خيرًا.

طالب: ما عندي والله.

ما أنت بصيدلي؟

طالب: لا.

طالب: ...

لا، أنا فهمت منك أنك.

طالب: ما قلت.

ما مهنتك؟

طالب: كيميائي.

ماذا؟

طالب: كيميائي.

كيميائي، مركب أدوية، صح؟ شيخ الصيادلة.

لا، لا تقفل، خلك على شغلك، وانفع الناس.

طالب: شيخنا، أنا ليس لي دخل بالقصة أصلًا.

ماذا؟

طالب: لكن، هذا أمر فيه تعنت.

أنا أقول: هذه منزلة لا يتطاول إليها إلا من كمل الإيمان في قلبه.

طالب: يعني...

ماذا؟

طالب: يعني القياس صحيح؟ ما معنى الاسترقاء؟

ماذا؟

يعني طلب الرقية، والرقية فُعِلت بحضْرته –عليه الصلاة والسلام-، وأقرَّها، ورُقي –عليه الصلاة والسلام-، ما هي بمسألة معضلة. الاكتواء، آخر الدواء الكي، إن كان الشفاء ففي كذا وكذا، ومنها: «كية نار»، فما نفهم أن هذه أمور عظائم ومعضلات، هذه قد يزاولها الكثير من المقربين فضلًا عن الأبرار، لكن كم نسبة السبعين الألف هؤلاء من نسبة الأمة من بعثته –عليه الصلاة والسلام- إلى يومنا هذا؟ الله يتوب علينا، نحن نتمنع من طلب بعض الأشياء التي هي تسبيح بالنسبة لما نزاوله، فقط من أجل أنه ورد هذا الحديث، وإلا لو ما ورد هذا الحديث، المسألة كثير من الأمور نزاولها، وهي فيها ما فيها، أكثر مما في هذا، ليتك تقرأ كلام ابن القيم في الموضوع.

بعض المشايخ الكبار المعروفين بالعلم والعمل في مرضه إذا زاره أحد ممن يتوسَّم فيه إجابة الدعوة ما يسترقي، ولا يطلب منه الرقية، لكن يفتح الأزارير، ما معناه؟

طالب: «من استطاع أن ينفع أخاه فليفعل».

ماذا؟

طالب: «من استطاع أن ينفع أخاه فليفعل».

هذا مسترقٍ أو غير مسترقٍ؟

طالب: هو أومأ لهم.

ماذا؟

طالب: هذا إيماء.

لكن، حكمه؟

طالب: ...

طالب: ...

ماذا؟

طالب: ...

نعم، لكن يقال: لعل عدوله عن الاسترقاء الصريح طمعًا في هذا الثواب ألا يحرمه الله –جل وعلا-.

"حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قال: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زر، عن ابْنُ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «عُرِضَتْ عَلَيَّ الأمم بالموسم»".

بالموسم.

"«عُرِضَتْ عَلَيَّ الأمم بالموسم، فراثت عليّ أمتي»".

يعني تأخرت.

"«ثم رأيتهم، فأعجبتني كثرتهم وهيئتهم، قد ملأوا السَّهْلَ وَالْجَبَلَ، فَقَالَ: أَرَضِيتَ يَا مُحَمَّدُ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَإِنَّ مَعَ هَؤُلَاءِ سَبْعِينَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، وَهُمُ الَّذِينَ لَا يَسْتَرْقُونَ، وَلَا يَكْتَوُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ. فَقَامَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ. فَقَالَ: أَنْتَ مِنْهُمْ. فَقَامَ رَجُلٌ آخَرُ، فَقَالَ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ. فَقَالَ: سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ». رَوَاهُ الْحَافِظُ الضِّيَاءُ المقدسي، وقال: هَذَا عِنْدِي عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ.

حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْجذُوعِيُّ الْقَاضِي، قال: حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلَا عَذَابٍ. قِيلَ: مَنْ هُمْ؟ قَالَ: هُمُ الَّذِينَ لَا يَكْتَوُونَ، وَلَا يَسْتَرْقُونَ، وَلَا يتطيَّرون، وعلى ربهم يتوكَّلون». ورواه مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، وَعِنْدَهُ ذِكْرُ عُكَّاشَةَ.

حَدِيثٌ آخَرُ: ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ".

عليه الصلاة والسلام.

"«يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي زُمْرَةٌ هُمْ سَبْعُونَ أَلْفًا، تُضِيءُ وُجُوهُهُمْ إِضَاءَةَ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقَامَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ الْأَسَدِيُّ يَرْفَعُ نَمِرَةً عَلَيْهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-»".

اللهم صل وسلم عليه.

"«اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ مِنْهُمْ. ثُمَّ قَامَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ مثله، فَقَالَ: سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ».

حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ، قال: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قال: حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا، أَوْ سَبْعُمِائَةِ أَلْفٍ»".

سبعمائةِ.

"«أَوْ سَبْعُمِائَةِ أَلْفٍ آخِذٌ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ حَتَّى يَدْخُلَ أَوَّلُهُمْ وَآخِرُهُمُ الْجَنَّةَ، وَوُجُوهُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ». أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ جَمِيعًا عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَهْلٍ بِهِ".

طريقة الحافظ ابن كثير في إيراد الأسانيد، وسَوْق المتون المختلفة مرتع خصب للمختصرين، هذه الصفحات التي ذكرها الحافظ ابن كثير يرى بعضهم أنه يستغني بأقل القليل منها مما يؤدي الغرض، يقتصر على سند واحد صحيح، ولفظ واحد شامل لجميع الألفاظ، مع الإشارة إلى فروق الروايات يمكن في صفحة واحدة.

لكن، من أُشرب قلبه حب الحديث ما تسمح نفسه إلا بهذه الطريقة. والله المستعان، «كل ميسَّر لما خُلِق له».

طالب: ...

هذا الحافظ ابن كثير بالذات يعني اعتنى بالمسند، وصار يقارن فيه مسانيد أخرى، ويوازن بينه وبين بعض الدواوين الكبرى مثل: معاجم الطبراني، والكتب الكبيرة، فأخذ هو هذا الحال الذي اعتنى به، فصار يخرِّج من المسند قبل الصحيحين.

طالب: الطبراني.

حتى من الطبراني وغيره.

طالب: ... (جامع المسانيد).

معروف كتابه (جامع المسانيد).

طالب: ...

لما ألَّف (جامع المسانيد) تأثر به بلا شك، تأثر به. وعلى كل حال الجادة عند عامة أهل العلم تقديم الصحيحين، تقديم الصحيحين، ثم السُّنن، ثم المسانيد، تكلم عن الصحيحين.

أول من صنف في الصحيح

 

محمد وخُصَّ بالترجيح

ومسلم بعدُ وبعض الغرب مع

 

أبي علي فضَّلوا ذا لو نفع

ثم تكلم عن السُّنن الأربعة، وقبلها الكتب التي ادّعى أصحابها أنهم اشترطوا الصحة، ولم يفوا بها: الحاكم، وابن حبان، وابن خزيمة، وعرَّج على تساهلهم، ثم أتى إلى السُّنن، فبدأ بسنن أبي داود، ثم بعدها الترمذي، ثم بعدُ لما انتهى من السُّنَن قال:

وبعدها في رتبة ما جعلا

 

على المسانيد فيدعى الجفلى

بترتيب المسانيد دون السُّنن، والسبب في ذلك أن أصحاب السُّنن يؤلِّفون على الأبواب، ويترجمون بمسائل علمية، ويوردون من الأحاديث ما يستدلون به على إثبات هذه المسائل، فهم ينتقون.

أما صاحب المسند فهو يورد ما وصل إليه من أحاديث هذه الصحابي بغض النظر عن صحتها. والله المستعان.

طالب: ...

نعم.

طالب: ...

ماذا؟

طالب: ...

لكنه إمام، لكنه إمام، شيخنا في القراءة.

طالب: ...

مقرونًا مع حاله ووضعه، وهو إمام من أئمة القراء، كونه يُحفظ عليه بعض ما يدل على خلل في حفظه لا يعني أنه مُطَّرح، ومسلم فيه من يساويه في المنزلة؛ لأن مسلمًا روى عن الطبقات الثلاث كلها، الرابعة هي التي ما روى عنها، وراجع مقدمة مسلم.

"حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ فِي صَحِيحِهِ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ منصور، قال: حدثنا هُشيم، قال: أنبأنا حُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فَقَالَ: أَيُّكُمْ رَأَى الْكَوْكَبَ الَّذِي انْقَضَّ الْبَارِحَةَ؟ قُلْتُ: أَنَا. ثُمَّ قُلْتُ: أَمَا إِنِّي لَمْ أَكُنْ فِي صَلَاةٍ، وَلَكِنِّي لُدِغْتُ. قَالَ: فَمَا صَنَعْتَ؟ قال: اسْتَرْقَيْتُ. قَالَ: فَمَا حَمَلَكَ عَلَى ذَلِكَ؟ قُلْتُ: حَدِيثٌ حَدَّثَنَاهُ الشَّعْبِيُّ. قَالَ: وَمَا حَدَّثَكُمُ الشَّعْبِيُّ؟ قُلْتُ: حَدَّثَنَا عَنْ بُرَيْدَةَ بْنِ الْحُصَيْبِ الْأَسْلَمِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَا رُقْيَةَ إِلَّا مِنْ عَيْنٍ أَوْ حُمةٍ. قال: قَدْ أَحْسَنَ".

العين معروفة، وهي حق، فمن أُصيب بها يسترقى أو يُرقى على حسب منزلته، وكذلك الحمة، وهي إصابة ذوات السموم؛ لدغة حية، أو عقرب، أو ما أشبه ذلك.

"قال: قَدْ أَحْسَنَ مَنِ انْتَهَى إِلَى مَا سَمِعَ، وَلَكِنْ حَدَّثَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم- أنه قَالَ: «عُرِضَتْ عَلَيَّ الْأُمَمُ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ وَمَعَهُ الرَّهطُ، وَالنَّبِيَّ وَمَعَهُ الرَّجُلُ وَالرَّجُلَانِ، وَالنَّبِيَّ وَلَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ، إِذْ رُفِعَ لِي سَوَادٌ عَظِيمٌ، فَظَنَنْتُ أَنَّهُمْ أُمَّتِي، فَقِيلَ لِي: هَذَا مُوسَى وَقَوْمُهُ، وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْأُفُقِ. فَنَظَرْتُ فَإِذَا سَوَادٌ عَظِيمٌ، فَقِيلَ لِيَ: انْظُرْ إِلَى الْأُفُقِ الْآخَرِ. فَإِذَا سَوَادٌ عَظِيمٌ، فَقِيلَ لِي: هَذِهِ أُمَّتُكَ، وَمَعَهُمْ سَبْعُونَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حساب وَلَا عَذَابٍ. ثُمَّ نَهَضَ، فَدَخَلَ مَنْزِلَهُ، فَخَاضَ النَّاسُ فِي أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلَا عَذَابٍ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: فَلَعَلَّهُمُ الَّذِينَ صَحِبُوا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-»".

اللهم صل وسلم عليه.

"«وَقَالَ بَعْضُهُمْ: فَلَعَلَّهُمُ الَّذِينَ وُلِدُوا فِي الْإِسْلَامِ، فَلَمْ يُشْرِكُوا بِاللَّهِ. وَذَكَرُوا أَشْيَاءَ، فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ: مَا الَّذِي تَخُوضُونَ فِيهِ؟ فَأَخْبَرُوهُ، فَقَالَ: هُمُ الَّذِينَ لَا يَرْقُونَ، وَلَا يَسْتَرْقُونَ، وَلَا يَتَطَيَّرُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ. فَقَامَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ، فَقَالَ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ. قَالَ: أَنْتَ مِنْهُمْ. ثُمَّ قَامَ رَجُلٌ آخَرُ، فَقَالَ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ. قَالَ: سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ». وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَسِيدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ هُشَيْمٍ، وَلَيْسَ عِنْدَهُ: «لَا يَرْقُونَ».

حديث آخر".

هذا الحديث في الصحيح، وهو في البخاري أيضًا، أصله في مسلم، وهو في البخاري أيضًا بدون رواية: «لَا يَرْقُونَ»، بدون لفظة: «لَا يَرْقُونَ»، ومن أجل هذا حُكِم عليها بالشذوذ؛ لأن الراقي مُحسن، مُحسن، باذل لأخيه ما ينفعه، فتكلَّم الحفاظ في هذه الكلمة من أجل ذلك.

طالب: شاذة؟ أحسن الله إليك.

ماذا؟

طالب: شاذة؟

ماذا؟

طالب: شاذة؟

يُحكَم عليها بالشذوذ، بعضهم يقولون: منكرة. والشاذ عند جمع من أهل العلم هو المنكر، أو بمعنى المنكر كما قال ابن الصلاح:

فالمنكر الفرد كذا البرديجي

 

أطلق والصواب في التخريج

إجراء تفصيل لدى الشذوذ مر

 

فهو بمعناه كذا الشيخ ذكر

نحو كلوا البلح بالتمر الخبر

 

ومالك سمَّى ابن عثمان عُمَر

قلت فماذا بل حديث نزعه

 

خاتمه عند الخلا ووضعه

اللهم صلِّ وسلِّم عليه.