تعليق على تفسير سورة هود من أضواء البيان (01)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

قال الشيخ/ محمد الأمين الشنقيطي –رحمه الله تعالى-: "سُورَةُ هُودٍ، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.

قوله تعالى: {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} [هود:1]. اعْلَمْ أَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِالْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا، وَاسْتِقْرَاءُ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ يُرَجِّحُ وَاحِدًا مِنْ تِلْكَ الْأَقْوَالِ، وَسَنَذْكُرُ الْخِلَافَ الْمَذْكُورَ وَمَا يُرَجِّحُهُ الْقُرْآنُ مِنْهُ بِالِاسْتِقْرَاءِ فَنَقُولُ، وَبِاللَّهِ جَلَّ وَعَلَا نَسْتَعِينُ: قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: هِيَ مِمَّا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِعِلْمِهِ، كَمَا بَيَّنَّاه فِي (آلِ عِمْرَانَ) وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ هَذَا الْقَوْلُ: أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَابْنُ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ- وَعَامِرٌ الشَّعْبِيُّ".

عامرٌ الشعبي.

طالب: هو الشعبي؟

نعم عامر بن شراحيل هو الشعبي.

"وَعَامِرٌ الشَّعْبِيُّ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَالرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ، وَاخْتَارَهُ أَبُو حَاتِمِ بْنُ حِبَّانَ. 

وَقِيلَ: هِيَ أَسْمَاءٌ لِلسُّوَرِ الَّتِي افْتُتِحَتْ بِهَا، وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَيُرْوَى مَا يَدُلُّ لِهَذَا الْقَوْلِ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَقَتَادَةَ، وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ: وَعَلَيْهِ إِطْبَاقُ الْأَكْثَرِ. وَنُقِلَ عَنْ سِيبَوَيْهِ أَنَّهُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَيَعْتَضِدُ هَذَا الْقَوْلُ بِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ {الم} [السجدة:1] وَ{هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ} [الإنسان:1].

وَيَدُلُّ لَهُ أَيْضًا قَوْلُ قَاتِلِ مُحَمَّدٍ السَّجَّادِ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- يَوْمَ الْجَمَلِ، وَهُوَ شُرَيْحُ بْنُ أَبِي أَوْفَى الْعَبْسِيُّ، كَمَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْمُؤْمِنِ:

يُذَكِّرُنِي حَامِيمَ وَالرُّمْحُ شَاجِرٌ
 

 

فَهَلَّا تَلَا حَامِيمَ قَبْلَ التَّقَدُّمِ
 

وَحَكَى ابْنُ إِسْحَاقَ أَنَّ هَذَا الْبَيْتَ لِلْأَشْتَرِ النَّخَعِيِّ قَائِلًا: إِنَّهُ الَّذِي قَتَلَ مُحَمَّدَ بْنَ طَلْحَةَ الْمَذْكُورَ، وَذَكَرَ أَبُو مُخَنِّفٍ أَنَّهُ لِمُدْلِجِ بْنِ كَعْبٍ السَّعْدِيِّ، وَيُقَالُ كَعْبُ بْنُ مُدْلِجٍ، وَذَكَرَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ أَنَّ الْأَكْثَرَ عَلَى أَنَّ الَّذِي قَتَلَهُ عِصَامُ بْنُ مُقْشَعِرٍّ، قَالَ الْمَرْزُبَانِيُّ: وَهُوَ الثَّبْتُ، وَأَنْشَدَ لَهُ الْبَيْتَ الْمَذْكُورَ، وَقَبْلَهُ:

وَأَشْعَثُ قَوَّامٌ بِآيَاتِ رَبِّهِ
 

 

قَلِيلُ الْأَذَى فِيمَا تَرَى الْعَيْنُ مُسْلِمِ
 

هَتَكْتُ لَهُ بِالرُّمْحِ جَيْبَ قَمِيصِهِ
 

 

فَخَرَّ صَرِيعًا لِلْيَدَيْنِ وَلِلْفَمِ
 

عَلَى غَيْرِ شَيْءٍ غَيْرَ أَنْ لَيْسَ تَابِعًا
 

 

عَلِيًّا وَمَنْ لَا يَتْبَعُ الْحَقَّ يَنْدَمِ
 

يُذَكِّرُنِي حَامِيمَ
 

 

الْبَيْتَ.............................
.................................

انتهى مِنْ (فَتْحِ الْبَارِي).

فَقَوْلُهُ: (يُذَكِّرُنِي حَامِيمَ)، بِإِعْرَابِ (حَامِيمَ) إِعْرَابَ مَا لَا يَنْصَرِفُ فِيهِ الدَّلَالَةُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاه مِنْ أَنَّهُ اسْمٌ لِلسُّورَةِ".

اسم السورة؛ لأنه صار عَلمًا ومُنِع من الصرف للعَلمية مع الوزن.

المقصود أن الشيخ أطال في تقرير هذه المسألة في هذا الموضع، وسبق من المواضع التي فيها الحروف المقطَّعة كــ(البقرة) و(آل عمران)، وجرت عادة المفسرين أنهم يُطيلون البحث في الموضع الأول، والشيخ أرجأ الإطالة لهذا الموضع، وأشار إلى شيءٍ من ذلك باختصار في المواضع التي تقدَّمت، وفي المواضع التي ستأتي.

فالمناسبة أن الحديث عن القرآن في هذه السورة أكثر، والذي اختاره المؤلف: أن هذه الحروف جيء بها للتحدي، وأن القرآن مؤلَّفٌ من هذه الحروف التي تنطقون بها، وتنظمون بها كلامكم، فأتوا بمثلها مما تُعارضون به القرآن؛ فلم يستطيعوا كما هو معلوم ولو اجتمعوا.

المقصود أن الشيخ أطال في هذا الموضع، في بيان المعنى لهذه الحروف المقطَّعة، ويبقى أنها هي من المُحكَم أو من المتشابه، مَن يقول: الله أعلم بمراده بها -وهذا قول كثير من المفسرين الله أعلم بمراده بها- يقول: تكون من المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله.

ومن يقول بالأقوال الأخرى التي مضى منها وسيأتي بعضها، وكلٌّ له رأيه واختياره، والأمر لا يخفى؛ لأن المسألة هذا قرآن ومجمعٌ عليه سواءٌ عُرِف المعنى أو لم يُعرَّف آمنا به وصدَّقنا كلٌّ من عند ربنا سواءً عرفناه أو لم نعرفه.

وتبقى الأقوال بعضها له وجه، وبعضها لا وجه له، وتقدَّم من الأقوال التي هي مجرد ظن وتخمين أنها تُحسَب في أمد الدنيا وعمرها على حساب الجُمَّل؛ ولذلك اليهود لما قيل لهم: أسلِموا اتبعوا محمدًا، قالوا: كيف نتبع دينًا عمره سبعون سنة؟ من {الم} [البقرة:1] وهذا لا شك أنه من عناد اليهود وتشبثهم بما ليس بأصل، ولا يدل عليه دليل، والله المستعان. 

"وَقِيلَ: هِيَ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا: سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَالشَّعْبِيُّ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّدِّيُّ الْكَبِيرُ، وَرُوِيَ مَعْنَاهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- وَعَنْهُ أَيْضًا: أَنَّهَا أَقْسَامٌ أَقْسَمَ اللَّهُ بِهَا، وَهِيَ مِنْ أَسْمَائِهِ، وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ عِكْرِمَةَ.

وَقِيلَ: هِيَ حُرُوفٌ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا مِنِ اسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ -جَلَّ وَعَلَا- فَالْأَلِفُ مِنْ (الم) مَثَلًا: مِفْتَاحُ اسْمِ اللَّهِ، وَاللَّامُ مِفْتَاحُ اسْمِهِ لَطِيفٍ، وَالْمِيمُ: مِفْتَاحُ اسْمِهِ مَجِيدٍ، وَهَكَذَا. وَيُرْوَى هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَبِي الْعَالِيَةِ، وَاسْتُدِلَّ لِهَذَا الْقَوْلِ بِأَنَّ الْعَرَبَ قَدْ تُطْلِقُ الْحَرْفَ الْوَاحِدَ مِنَ الْكَلِمَةِ، وَتُرِيدُ بِهِ جَمِيعَ الْكَلِمَةِ كَقَوْلِ الرَّاجِزِ:

قُلْتُ لَهَا قِفِي فَقَالَتْ لِي قَافِ
 

 

..........................................."
 

ما فيه (لي).

طالب: ما فيه (لي)؟

(لي) ليست موجودة "قُلْتُ لَهَا قِفِي فَقَالَتْ قَافِ" يعني وقفت.

"قُلْتُ لَهَا قِفِي فَقَالَتْ لِي قَافِ
 

 

لَا تَحْسَبِي أَنَّا نَسِينَا الْإِيجَافِ
 

فَقَوْلُهُ: (قَافِ) أَيْ وَقَفْتُ، وَقَوْلِ الْآخَرِ:

بِالْخَيْرِ خَيْرًا تاء وَإِنْ شَرًّا فَاء
 

 

وَلَا أُرِيدُ الشَّرَّ إِلَّا أَنْ تَا
 

يَعْنِي: وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ، وَلَا أُرِيدُ الشَّرَّ إِلَّا أَنْ تَشَاءَ، فَاكْتَفَى بِالْفَاءِ وَالتَّاءِ عَنْ بَقِيَّةِ الْكَلِمَتَيْنِ".

لحظة.

طالب: بالخير خيرات.

بالخير خيرات قرأها.

طالب: لا هو قال: تاء جعل التاء قبل الاسم، هكذا يا شيخ إبراهيم.

طالب: بالخير خيرًا تاء.

لا، عندك خيرات؟

طالب: بالخير خيرًا تاء.

طالب: الرمز يعني تاء.

لكن ماذا يصير معناها التاء؟

طالب: يقول: "فَاكْتَفَى بِالْفَاءِ وَالتَّاءِ".

التاء الأخيرة إلا أن تشاء.

طالب: قال: "عَنْ بَقِيَّةِ الْكَلِمَتَيْنِ" التاء الأخيرة عن بقية الكلمتين، فكأنه يستقيم.

طالب: بالخير خيرات؟  

طالب: بِالْخَيْرِ خَيْرًا تاء، والثانية تاء تشاء.

مكتوب خيرات.

طالب: ولكن قوله: "الكلمتين"؟

"وَالتَّاءِ عَنْ بَقِيَّةِ الْكَلِمَتَيْنِ" الأخيرة إلا أن تشاء، ما دخله بالكلمتين؟ الأصل إن خيرًا فخيرٌ، وإن شرًّا فشر، هذا الأصل.

"وَقَوْلِ الْآخَرِ:  

بِالْخَيْرِ خَيْراتٌ وَإِنْ شَرًّا فَاء
 

 

وَلَا أُرِيدُ الشَّرَّ إِلَّا أَنْ تَا
 

يَعْنِي: وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ، وَلَا أُرِيدُ الشَّرَّ إِلَّا أَنْ تَشَاءَ، فَاكْتَفَى بِالْفَاءِ وَالتَّاءِ عَنْ بَقِيَّةِ الْكَلِمَتَيْنِ".

التي هي فشرٌّ، الكلمة الأولى: فَشر، والثانية: تشاء.

طالب: كأن الجمع إشارة إلى المردود... تجد خيرات.

معروف نعم.

"قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَفِي الْحَدِيثِ: «مَنْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ مُسْلِمٍ بِشَطْرِ كَلِمَةٍ» الْحَدِيثَ، قَالَ سُفْيَانُ: هُوَ أَنْ يَقُولَ فِي اقْتُلْ: اُقْ، إِلَى غَيْرِ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْأَقْوَالِ فِي فَوَاتِحِ السُّوَرِ، وَهِيَ نَحْوُ ثَلَاثِينَ قَوْلًا".

كلام من؟

طالب: القرطبي.

القرطبي.

"أَمَّا الْقَوْلُ الَّذِي يَدُلُّ اسْتِقْرَاءُ الْقُرْآنِ عَلَى رُجْحَانِهِ فَهُوَ: أَنَّ الْحُرُوفَ الْمُقَطَّعَةَ ذُكِرَتْ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ الَّتِي ذُكِرَتْ فِيهَا بَيَانًا لِإِعْجَازِ الْقُرْآنِ، وَأَنَّ الْخَلْقَ عَاجِزُونَ عَنْ مُعَارَضَتِهِ بِمِثْلِهِ مَعَ أَنَّهُ مُرَكَّبٌ مِنْ هَذِهِ الْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ الَّتِي يَتَخَاطَبُونَ بِهَا، وَحَكَى هَذَا الْقَوْلَ الرَّازِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنِ الْمُبَرِّدِ، وَجَمْعٍ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ، وَحَكَاهُ الْقُرْطُبِيُّ عَنِ الْفَرَّاءِ، وَقُطْرُبٍ، وَنَصَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي الْكَشَّافِ".

الزمخشري ماذا يرى في الإعجاز؟

طالب: صار إلى أنه مصروف.

الصِّرفة، أنهم مصرفون عن معارضته وإلا لديهم قدرة، وهذا كلام المعتزلة أنهم صرفهم الله عن معارضته، وإلا هم قادرون، وهذا قولٌ باطل.

طالب: قُطرب له شيء مشهور؟

مثلثه.

طالب: من معاني القرآن أو شيء؟

تُنقَل أقواله، قد يكون له تأليف لم يستمر ويصل، لكن أقواله منقولة.

"قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ تَيْمِيَةَ، وَشَيْخُنَا الْحَافِظُ الْمُجْتَهِدُ أَبُو الْحَجَّاجِ الْمِزِّيُّ، وَحَكَاهُ لِي عَنِ ابْنِ تَيْمِيَةَ".

أبو الحجاج المزي من الأئمة الحُفَّاظ الكبار، ولا شك في ذلك بالنسبة للحديث، ويكفيه أنه حكاه عن ابن تيمية، لكن ما يُنسَب إليه. ما نسبوه إليه. شهروه لماذا؟

طالب: ابنة المزي مع ابن كثير.

الشيخ من؟

طالب: ياسر.

ياسر نعم، ومعك حق.

طالب: ............

طالب: ............

هو مجتهد في بابه في الحديث.

"وَوَجْهُ شَهَادَةِ اسْتِقْرَاءِ الْقُرْآنِ لِهَذَا الْقَوْلِ: أَنَّ السُّوَرَ الَّتِي افْتُتِحَتْ بِالْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ يُذْكَرُ فِيهَا دَائِمًا عَقِبَ الْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ الِانْتِصَارُ لِلْقُرْآنِ وَبَيَانُ إِعْجَازِهِ، وَأَنَّهُ الْحَقُّ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ.

وَذِكْرُ ذَلِكَ بَعْدَهَا دَائِمًا دَلِيلٌ اسْتِقْرَائِيٌّ عَلَى أَنَّ الْحُرُوفَ الْمُقَطَّعَةَ قُصِدَ بِهَا إِظْهَارُ إِعْجَازِ الْقُرْآنِ، وَأَنَّهُ حَقٌّ.

قَالَ تَعَالَى فِي (الْبَقَرَةِ): {الم} [البقرة:1] وَأَتْبَعَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة:2]".

في هذه السورة تُحدُّوا بعشر سور، وفي (البقرة) {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} [البقرة:23] يقول بعضهم ممن تنبَّه لمثل هذه الأمور التي لا تطَّرِد: أنهم تُحدُّوا بسورةٍ في البقرة؛ لأنه لم يتقدمها إلا سورة، وهذه تقدمها عشر سور، وهذا من المُلَح الذي لا يُعتَمد عليه في تقرير مسائل، لكنه من المُلَح.

طالب: ..........

وإلا ففي العموم منتقض.

طالب: ..........

السور؟

طالب: ..........

بعضهم في العرضة الأخيرة، يقول: على هذا توقيفي، الذي استقر عليه الأمر في العرضة الأخيرة هو هذا الترتيب، وهو الذي أجمع عليه الصحابة؛ ولذلك أجابوا عن حديث قيام الليل، وأن النبي –عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- قرأ (النساء) قبل (آل عمران) قالوا: هذا قبل العَرضة الأخيرة.

طالب: ..........

معروف.

طالب: ..........

نعم.

طالب: ..........

هو الكلام على أن هذا من المُلَح يعني لا يطَّرد؛ لأنه جاء سورة في غير (البقرة).

"وَقَالَ فِي (آلِ عِمْرَانَ): {الم} [آل عمران:1] وَأَتْبَعَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ * نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ} الْآيَةَ [آل عمران:2-3] وَقَالَ فِي (الْأَعْرَافِ): {المص} [الأعراف:1] ثم قال: {كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ} الآية [الأعراف:2]، وقال في سورة (يونس): {الر} [يونس:1] ثم قال: {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ} [يونس:1] وَقَالَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ الْكَرِيمَةِ الَّتِي نَحْنُ بِصَدَدِهَا، أَعْنِي سُورَةَ (هُودٍ) {الر} [هود:1] ثم قال: {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} [هود:1]، وقال في (يوسف): {الر} [يوسف:1] ثم قال: {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} الآية [يوسف:1-2]، وقال في (الرعد): {المر} [الرعد:1] ثم قال: {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ} [الرعد:1]، وقال في سورة (إبراهيم): {الر} [إبراهيم:1] ثم قال: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} الآية [إبراهيم:1]، وقال في (الحِجر): {الر} [الحجر:1] ثم قال: {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ} [الحجر:1]، وقال في سورة (طه): {طه} [طه:1] ثم قال: {مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} [طه:2]، وقال في (الشعراء): {طسم} [الشعراء:1] ثم قال: {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ * لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ} الآية [الشعراء:2-3]، وقال في (النمل): {طس} [النمل:1] ثم قال: {تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ} [النمل:1]، وقال في (القصص): {طسم} [القصص:1] ثم قال: {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ * نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ} الآية [القصص:2-3]، وقال في (لقمان): {الم} [لقمان:1] ثم قال: {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ * هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ} [لقمان:2-3]، وقال في (السجدة): {الم} [السجدة:1] ثم قال: {تَنزِيلُ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [السجدة:2]، وقال في (يس): {يس} [يس:1] ثم قال: {وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ} الآية [يس:2]، وقال في (ص): {ص} [ص:1] ثم قال: {وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ} [ص:1]، وقال في سورة (المؤمن): {حم} [غافر:1] ثم قال: {تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} الآية [غافر:2]، وقال في (فُصِّلَت): {حم} [فصلت:1] ثم قال: {تَنزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} الآية [فصلت:2-3]، وقال في (الشورى): {حم * عسق} [الشورى:1-2] ثم قال: {كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ} الآية [الشورى:3]، وقال في (الزخرف): {حم} [الزخرف:1] ثم قال: {وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ* إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [الزخرف:2-3]، وقال في (الدخان): {حم} [الدخان:1] ثم قال: {وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} الآية [الدخان:2-3]، وقال في (الجاثية): {حم} [الجاثية:1] ثم قال: {تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ * إِنَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الجاثية:2-3]، وقال في (الأحقاف): {حم} [الأحقاف:1] ثم قال: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ * مَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ} الآية [الأحقاف:2]، وقال في سورة (ق): {ق} [ق:1] ثم قال: {وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} الآية [ق:1]".

هذا استقراء، لكن هل هو تام أو ناقص؟

طالب: سورة القلم تَرد...؟

طالب: ناقص.

يعني ليس باستقراءٍ تام.

طالب: هود.

ماذا؟

طالب: العنكبوت.

لكن ليس باستقراء تام، استقراء أغلبي وليس باستقراءٍ تام، وذكر أن الاستقراء حُجة يُحتَج بها، فالمراد به التام أو الاستقراء الأغلبي؟

طالب: ..........

هو حُجة؟

طالب: ..........

لا.

طالب: ذِكر القرآن صراحةً... مثل سورة مريم مثلًا ذُكِر فيها شيء من الغيب لم يأتِ به إلى وحي.

لا ما يجيء هذا.

طالب: ..........

قرآن يعني مباشرةً أو في أثناء السورة.

طالب: مريم، والروم، والقلم ما ذُكِر فيها...

ما أدري، تحتاج إلى استقراءٍ جديد، وعلى كل حال يبقى قولًا، ويبقى قول قد يُرجَّح لكن الأقوال الأخرى قد يكون لها حظ من النظر لاسيما قول من يقول: الله أعلم بمراده في ذلك.

طالب: قول: الله أعلم بمراده، يستدل به المفوِّضة على مذهبهم في تفويض الأسماء والصفات.

لكن ما فيه متشابه الله أعلم به؟

طالب: ..........

يعضد قول المفوِّضة؟ لا.

طالب: ..........

لا نقول مثل قول شيوخكم: إن آيات الصفات من المتشابه، وينسبونه للإمام مالك، أليس بموجود؟

طالب: بلى.

خلاص ما نقول مثل هذا، لكن جاءني حرف الكلمة الواحدة التي ليس لها خبر، المبتدأ الذي ليس له خبر لا يُفيد، الخبر الجزء المُتِم الفائدة.

طالب: هذا القول غير متفق عليه حتى لو استُدل به؟

من هو؟

طالب: هذا القول، قول النووي: أنه لا يعلم به إلا الله، هذا قول من ضمن الأقوال.

من ضمن الأقوال، لكن له حظ من النظر، الذي يقول به خلاص ما يدخل في هذه الإشكالات.

طالب: لماذا لا يؤخذ من قول شيخ الإسلام النتيجة ولا يُؤخَذ منه الاستقراء، يعني النتيجة أن المقصود بها الإعجاز، أما كونه يأتي بعدها قرآن أو لا، لكن نأخذ الشق المتعلق أن القرآن يتكون من هذه الحروف ولا تستطيعون الإتيان به؟

هذا ما فيه إشكال، لكن مسألة الاستقراء الذي ادَّعاه الشيخ وأنه دائمًا؛ يُلاحظ.

"وَإِنَّمَا أَخَّرْنَا الْكَلَامَ عَلَى الْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ مَعَ أَنَّهُ مَرَّتْ سُوَرٌ مُفْتَتَحَةٌ بِالْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ كَالْبَقَرَةِ، وَآلِ عِمْرَانَ، وَالْأَعْرَافِ، وَيُونُسَ؛ لِأَنَّ الْحُرُوفَ الْمُقَطَّعَةَ فِي الْقُرْآنِ الْمَكِّيِّ غَالِبًا، وَالْبَقَرَةُ وَآلُ عِمْرَانَ مَدَنِيَّتَانِ، وَالْغَالِبُ لَهُ الْحُكْمُ، وَاخْتَرْنَا لِبَيَانِ ذَلِكَ سُورَةَ هُودٍ؛ لِأَنَّ دَلَالَتَهَا عَلَى الْمَعْنَى الْمَقْصُودِ فِي غَايَةِ الظُّهُورِ وَالْإِيضَاحِ".

"فِي غَايَةِ الظُّهُورِ وَالْإِيضَاحِ" أو الوضوح؟

طالب: ..........

المناسب للظهور الوضوح.

طالب: ..........

لكن هي مرقَّمة بآية، الحروف مرقَّمة بآيات في حساب من؟ في أي حساب تكون (الم) آية مستقلة؟

طالب: ..........

حساب مَن (الم) آية يعني بعدها رقم؟

طالب: ..........

إذا قلنا: آية، قلنا: إن الآية يُوقَف عليها ومعناها مستقل ترتبط بغيرها، قلنا: الله أعلم بمراده به.

طالب: من تكلم فيها ما قالوا عنه بالتفويض كما قالوا في ... ولم يُبدِّعوا من فسَّرها.

ما ذكروها، ما ربطوها.

طالب: ..........

ما ربطوها بالتفويض، لكن حرف واحد تعرف معناه أو حرفين أو لو قيل لك: محمد، تفهَم ما لا يُراد؟

طالب: المصحف المطبوع طبعة الملك فهد –جزاه الله خيرًا- (الم) آية.

نعم معروف، والبسملة في الفاتحة آية.

طالب: من أوجه الرد ما ذكرتم من فرق بين الكلمة في نفسها والكلام، فالكلام ينبغي أن يكون مفهوم أما الكلمة في نفسها قد لا تُفيد معنًى مستقلًا.

فما بالك بالحرف! 

"لِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} [هود:1] بعد قوله: {الر} [هود:1] وَاضِحٌ جِدًّا فِيمَا ذَكَرْنَا، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

{أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ} [هود:2] هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ فِيهَا الدَّلَالَةُ الْوَاضِحَةُ عَلَى أَنَّ الْحِكْمَةَ الْعُظْمَى الَّتِي أُنْزِلَ الْقُرْآنُ مِنْ أَجْلِهَا: هِيَ أَنْ يُعْبَدَ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا وَحْدَهُ، وَلَا يُشْرَكَ بِهِ فِي عِبَادَتِهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ جَلَّ وَعَلَا: {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ* أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ} الْآيَةَ [هود:1-2] صَرِيحٌ فِي أَنَّ آيَاتِ هَذَا الْكِتَابِ فُصِّلَتْ مِنْ عِنْدِ الْحَكِيمِ الْخَبِيرِ لِأَجْلِ أَنْ يُعْبَدَ اللَّهُ وَحْدَهُ، سَوَاءٌ قُلْنَا إِنَّ (أَنْ) هِيَ الْمُفَسِّرَةُ، أَوْ أَنَّ الْمَصْدَرَ الْمُنْسَبِكَ مِنْهَا وَمِنْ صِلَتِهَا مَفْعُولٌ مِنْ أَجْلِهِ؛ لِأَنَّ ضَابِطَ (أَنْ) الْمُفَسِّرَةَ أَنْ يَكُونَ مَا قَبْلَهَا مُتَضَمِّنًا مَعْنَى الْقَوْلِ، وَلَا يَكُونُ فِيهِ حُرُوفُ الْقَوْلِ.

 

وَوَجْهُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ قَوْلَهُ: {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ} [هود:1]، فِيهِ مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى لِذَلِكَ الْإِحْكَامِ وَالتَّفْصِيلِ دُونَ حُرُوفِ الْقَوْلِ، فَيَكُونُ تَفْسِيرُ ذَلِكَ هُوَ: {أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ} [هود:2].

وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمَصْدَرَ الْمُنْسَبِكَ مِنْ (أَنْ) وَصِلَتِهَا مَفْعُولٌ لَهُ، فَالْأَمْرُ وَاضِحٌ، فَمَعْنَى الْآيَةِ: أَنَّ حَاصِل تَفْصِيلِ الْقُرْآنِ هُوَ أَنْ يُعْبَدَ اللَّهُ تَعَالَى وَحْدَهُ وَلَا يُشْرَكَ بِهِ شَيْءٌ، وَنَظِيرُ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ: {قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [الأنبياء:108] وَمَعْلُومٌ أَنَّ لَفْظَةَ (إِنَّمَا) مِنْ صِيَغِ الْحَصْرِ، فَكَأَنَّ جَمِيعَ مَا أُوحِيَ إِلَيْهِ مُنْحَصِرٌ فِي مَعْنَى (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي كِتَابِنَا (دَفْعُ إِيهَامِ الِاضْطِرَابِ عَنْ آيَاتِ الْكِتَابِ) أَنَّ حَصْرَ الْوَحْيِ فِي آيَةِ الْأَنْبِيَاءِ هَذِهِ فِي تَوْحِيدِ الْعِبَادَةِ حَصْرٌ لَهُ فِي أَصْلِهِ الْأَعْظَمِ الَّذِي يَرْجِعُ إِلَيْهِ جَمِيعُ الْفُرُوعِ؛ لِأَنَّ شَرَائِعَ الْأَنْبِيَاءِ كُلِّهِمْ دَاخِلَةٌ فِي ضِمْنِ مَعْنَى (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ)".

لأن جميع الأنبياء دينهم واحد «نَحْنُ مُعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ أَوْلَاد عَلاَت، دِينِنَا وَاحِد» الأصل واحد، كلهم يدعون إلى إفراد الله بالعبادة، يدعون إلى التوحيد، إلى لا إله إلا الله، كلهم يتفقون على هذا.

والفروع التي جاءت وفيها نوع اختلاف من شريعةٍ إلى شريعة يُمكن ردُّها إلى لا إله إلا الله؛ لأن التزامك بهذه الفروع التي أُنزِلَت على نبيك دون غيره، والثاني كذلك  الذي يتبع نبيًّا آخر كلها منبعثة من الالتزام بــ(لا إله إلا الله) فلا بُد من تحقيق لا إله إلا الله، وفَهم معناها، وتحقيق مقتضاها، والعمل بمقتضاها، كل هذا يرُدُّك إلى الأصل الذي هو لا إله إلا الله، وكل فرعٍ تعمله مما أُمِرت به؛ فهو من التزامك بــ(لا إله إلا الله) لو لم تلتزم بــ(لا إله إلا الله) ما نفعك عملك بهذه الفروع التي أُمِرت بها، فكل الفروع داخلةٌ في الأصل وتابعةٌ له.

"لِأَنَّ مَعْنَاهَا خَلْعُ جَمِيعِ الْمَعْبُودَاتِ غَيْرِ اللَّهِ -جَلَّ وَعَلَا- فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْعِبَادَاتِ، وَإِفْرَادِهِ -جَلَّ وَعَلَا- وَحْدَهُ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِ الْعِبَادَاتِ، فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ جَمِيعُ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي الْقَوْلِيَّةِ، وَالْفِعْلِيَّةِ، وَالِاعْتِقَادِيَّةِ.

وَالْآيَاتُ الدَّالَّةُ عَلَى أَنَّ إِرْسَالَ الرُّسُلِ، وَإِنْزَالَ الْكُتُبِ لِأَجْلِ أَنْ يُعْبَدَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَثِيرَةٌ جِدًّا، كَقَوْلِهِ: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل:36]، وقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:25]، وقوله: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} [الزخرف:45] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.

وَقَدْ أَشَرْنَا إِلَى هَذَا الْبَحْثِ فِي (سُورَةِ الْفَاتِحَةِ) وَسَنَسْتَقْصِي الْكَلَامَ عَلَيْهِ -إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى- فِي (سُورَةِ النَّاسِ) لِتَكُونَ خَاتِمَةَ هَذَا الْكِتَابِ الْمُبَارَكِ حُسْنَى".

لكن هل فسَّر سورة (الناس)؟

طالب: المجادلة وتوقف.

ما وصل إليها.

طالب: ...........

كلامه في (دفع إيهام الاضطراب) نحتاج إلى واحدٍ يطلعه لنا.

طالب: ...........

في سورة الأنبياء أم أين؟

طالب: نعم في آية الأنبياء.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} الآية [هود:3] هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِاسْتِغْفَارَ وَالتَّوْبَةَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الذُّنُوبِ سَبَبٌ لِأَنْ يُمَتِّعَ اللَّهُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى؛ لِأَنَّهُ رَتَّبَ ذَلِكَ عَلَى الِاسْتِغْفَارِ وَالتَّوْبَةِ تَرْتِيبَ الْجَزَاءِ عَلَى شَرْطِهِ.

وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَتَاعِ الْحَسَنِ: سَعَةُ الرِّزْقِ، وَرَغَدُ الْعَيْشِ، وَالْعَافِيَةُ فِي الدُّنْيَا، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَجَلِ الْمُسَمَّى: الْمَوْتُ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ السُّورَةِ الْكَرِيمَةِ عَنْ نَبِيِّهِ هُودٍ عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا -الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ} [هود:52]، وقوله تعالى عن نوح: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} [نوح:10-12]، وقوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} الآية [النحل:97]، وقوله: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} الآية [الأعراف:96]، وقوله: {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ} [المائدة:66]، وقوله: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق:2-3] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ".

نرى كلامه في (دفع إيهام الاضطراب).

طالب: ..........

آخر سطر.

طالب: السور التي ما ذكرها الشيخ أربع: (مريم)، وفيها قوله تعالى: {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ} [مريم:97]، (العنكبوت) {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ} [العنكبوت:45]، و(الروم) {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ} [الروم:58]، و(القلم) قوله تعالى: {فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ} [القلم:44] ذُكِر فيها القرآن.

يعني لا يلزم أن يكون بعد الحروف المقطَّعة مباشرة، يعني لو ذُكِر في أثناء السورة لا ينتقض كلام الشيخ.

"وقوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [الأنبياء:108] عَبَّرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ بِلَفْظِ: (إِنَّمَا) وَهِيَ تَدُلُّ عَلَى الْحَصْرِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَعَلَيْهِ فَهِيَ تَدُلُّ عَلَى حَصْرِ الْوَحْيِ فِي تَوْحِيدِ الْأُلُوهِيَّةِ.

وَقَدْ جَاءَتْ آيَاتٌ أُخَرُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَوْحي إِلَيْهِ غَيْرَ ذَلِكَ كَقَوْلِهِ: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ} الآية [الجن:1]، وَقَوْلِهِ: {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ} [يوسف:102]، وَقَوْلِهِ: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} الآية [يوسف:3].

وَالْجَوَابُ: أَنَّ حَصْرَ الْوَحْيِ فِي تَوْحِيدِ الْأُلُوهِيَّةِ حَصْرٌ لَهُ فِي أَصْلِهِ الْأَعْظَمِ الَّذِي يَرْجِعُ إِلَيْهِ جَمِيعُ الْفُرُوعِ؛ لِأَنَّ شَرَائِعَ كُلِّ الْأَنْبِيَاءِ دَاخِلَةٌ فِي ضِمْنِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، لِأَنَّ مَعْنَاهَا خَلْعُ كُلِّ الْأَنْدَادِ سِوَى اللَّهِ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْعِبَادَاتِ، وَإِفْرَادُ اللَّهِ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِ الْعِبَادَاتِ، فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ جَمِيعُ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي الْقَوْلِيَّةِ وَالْفِعْلِيَّةِ وَالِاعْتِقَادِيَّةِ".

الشيخ –رحمه الله- جرى على أن الحصر حقيقي، ويجعل من ذلك شمول المحصور في (لا إله إلا الله) وما خرج عنها مما جاء فيه لفظ الوحي يدخل في هذا العموم، ولو قال قائل: إن هذا الحصر إضافي مثل ما تقول: الشاعر حسَّان. ما فيه شعراء غيره؟

طالب: فيه.

فيه، لكن له من الحظ الأوفر والأوفى من الشِّعر، مما يجعل السامع والمتكلِّم كأنه يُلغي من عدَّاه.

ولأهمية التوحيد وأهمية هذه الكلمة كلمة التوحيد، وكلمة الإخلاص كأن ما يُوحى من غيرها بغض النظر عن كون الجميع يرجع إليها، لكن إذا أُطلِق الوحي بصدد ما عداها فكأنه لا شيء بالنسبة للأصل، بدليل أن من جاء بجميع الفروع الداخلة في الوحي ولم يأتِ بــ(لا إله إلا الله) هذه الكلمة لا ينفعه شيء، فكأن ما عدا (لا إله إلا الله) ليس بشيء، وهو كذلك إذا تخلى عنها، العامل ولو عمِل أعمال الدنيا كلها ولم يقل: لا إله إلا الله؛ فإن أعماله جميعها لا تنفعه، فإن جميع أعماله لا تنفعه.

«يا عَمِّ، قُلْ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، كَلِمَةً أُحَاجُّ لكَ بهَا عِنْدَ اللَّهِ» «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يقولوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ»، ولذا كثير في أقطار المسلمين من ينطبق عليهم أنها {عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ} [الغاشية:3] تعب متواصل ومع ذلك لا يستفيدون من هذا العمل «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ».

فهؤلاء المبتدعة قد يكون لديهم جَلد وصبر على الأعمال البدنية، وقد يكون لدى بعضهم تألُّه وتعبُّد، وقد يكون لديهم خوف وخشية، لكن ما حققوا الأصل، فلا ينتفعون بما عمِلوا.

نسأل الله الثبات على دينه وتوحيده، وأن يُميتنا عليه، والله المستعان.

اللهم صلِّ على محمد.