تعليق على تفسير سورة هود من أضواء البيان (03)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نعم.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

قال الشيخ/ محمد الأمين الشنقيطي –رحمه الله تعالى-: "قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ} [هود:17].

 صَرَّحَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ لَا يَكْفُرُ بِهِ أَحَدٌ كَائِنًا مَنْ كَانَ إِلَّا دَخَلَ النَّارَ. وَهُوَ صَرِيحٌ فِي عُمُومِ رِسَالَةِ نَبِيِّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ، وَالْآيَاتُ الدَّالَّةُ عَلَى ذَلِكَ كَثِيرَةٌ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام:19]، وقوله: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الفرقان:1]، وقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ} الآية [سبأ:28]، وقوله: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} الآية [الأعراف:158]"

طالب: ..........

من الشعوب والقبائل والأمم وكل أحد. عموم الرسالة أمرٌ مقرر وثابت ومحل اتفاق بين أهل العلم وأنه لا يسع أحدًا وجِد بعد بعثته –عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- إلا اتباعه، وأن من زعم أنه يسعه غير ذلك فهو كافر مرتد بإجماع المسلمين.

ولشيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- رسالةٌ في عموم الرسالة واسمها (إيضاح الدلالة في عموم الرسالة)، ومن يزعم أنه إذا أدَّاه اجتهاده إلى تصويب غير ملة محمد –صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما يُذكَر عن العنبري والجاحظ وغيرهما من المنحرفين، إن هذا باطلٌ باتفاق أئمة الإسلام، ولا حظ له من النظر، والأدلة القطعية الصحيحة الصريحة تدل على خلافه.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ} الآية [هود:17] نَهَى اللَّهُ -جَلَّ وَعَلَا- فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ عَنِ الشَّكِّ فِي هَذَا الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَصَرَّحَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنَ اللَّهِ، وَالْآيَاتُ الْمُوَضِّحَةُ لِهَذَا الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ جِدًّا، كَقَوْلِهِ: {الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ} الآية [البقرة:1-2]، وقوله: {الم * تَنزِيلُ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [السجدة:1-2] وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ، وَالْمِرْيَةُ: الشَّكُّ".

وكذلك الريب: الشك.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ} [هود:17] صَرَّحَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ بِأَنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ، وَبَيَّنَ ذَلِكَ أَيْضًا فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ، كَقَوْلِهِ: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف:103]، وقوله: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ} [الأنعام:116]، وقوله: {وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الأَوَّلِينَ} [الصافات:71]، وقوله: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ} [الشعراء:8] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ".

ولذلك جاء في الخبر أنه لما يُؤمَر آدم بإخراج بعث النار، فيقول: كم يا رب؟ قال: «مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَمِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ» على أن هذه الأمة لها النصيب الأوفر ممن يدخل الجنة، ولله الحمد، فلها ما يقرب من الشطر، الحمد لله على آلائه ونِعمه، وأن جعلنا من هذه الأمة، والله المستعان.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ} الآية [هود:20] بَيَّنَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّ الْكُفَّارَ الَّذِينَ يَصُدُّونَ النَّاسَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ لِأَنَّهُمْ يُعَذَّبُونَ عَلَى ضَلَالِهِمْ، وَيُعَذَّبُونَ أَيْضًا عَلَى إِضْلَالِهِمْ غَيْرَهُمْ، كَمَا أَوْضَحَهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ العَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ} [النحل:88].

وَبَيَّنَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّ الْعَذَابَ يُضَاعَفُ لِلْأَتْبَاعِ وَالْمَتْبُوعِينَ، وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْأَعْرَافِ: {حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ} الآية [الأعراف:38]".

طالب: قوله: يضاعف لهم العذاب في ضلالهم وإذلالهم، وقال فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: إنَّ الْعَذَابَ يُضَاعَفُ لِلْأَتْبَاعِ وَالْمَتْبُوعِينَ.

نعم.

طالب: ..........

{قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ} [الأعراف:38] يعني ضعف بفعله، وضعفٌ بتسببه؛ لأن المتبوعين هؤلاء الأتباع قد يتبعهم ممن يقتدي بهم من نسائهم وذرياتهم ولو لم يكونوا من أهل الاتّباع.

طالب: ...........

كلٌّ بحسبه، كلُّ ذنبٍ له عقوبته.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ} [هود:20] فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ لِلْعُلَمَاءِ أَوْجُهٌ، بَعْضُهَا يَشْهَدُ لَهُ الْقُرْآنُ:

الْأَوَّلُ: وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ فِي تَفْسِيرِهِ، وَنَقَلَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةَ: أن معنى {مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ} الآية [هود:20] أَنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَسْمَعُوا الْحَقَّ سَمَاعَ مُنْتَفِعٍ، وَلَا أَنْ يُبْصِرُوهُ إِبْصَارَ مُهْتَدٍ؛ لِاشْتِغَالِهِمْ بِالْكُفْرِ الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ مُقِيمِينَ عَنِ اسْتِعْمَالِ جَوَارِحِهِمْ فِي طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ كَانَتْ لَهُمْ أَسْمَاعٌ وَأَبْصَارٌ.

وَيَدُلُّ لِهَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصَارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ} الآية [الأحقاف:26].

الثَّانِي: وَهُوَ أَظْهَرُهَا عِنْدِي: أَنَّ عَدَمَ الِاسْتِطَاعَةِ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ إِنَّمَا هُوَ لِلْخَتْمِ الَّذِي خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَأَسْمَاعِهِمْ، وَالْغِشَاوَةِ الَّتِي عَلَى أَبْصَارِهِمْ".

طالب: ..........

نعم؟

طالب: ...........

ما فيه شيء، ما بينها تعارض.

طالب: ...........

ما بين القولين تعارض.

"وَيَشْهَدُ لِهَذَا الْقَوْلِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ} [البقرة:7]، وقوله: {إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا} [الكهف:57] وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ".

فيه سقط؟

طالب: ...........

الآية الأولى ساقطة عندنا.

طالب: {خَتَمَ اللَّهُ} [البقرة:7]؟

نعم.

الآية الأولى {خَتَمَ اللَّهُ} [البقرة:7].

طالب: {عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ} [البقرة:7].

"وَذَلِكَ الْخَتْمُ وَالْأَكِنَّةُ عَلَى الْقُلُوبِ جَزَاءٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لَهُمْ عَلَى مُبَادَرَتِهِمْ إِلَى الْكُفْرِ، وَتَكْذِيبِ الرُّسُلِ بِاخْتِيَارِهِمْ وَمَشِيئَتِهِمْ، كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ آيَاتٌ كَثِيرَةٌ كَقَوْلِهِ: {بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ} [النساء:155]، وقوله: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [الصف:5]، وقوله: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا} الآية [البقرة:10]، وقوله: {وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ} الآية [التوبة:125]، وقوله: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ} الآية [الأنعام:110] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.

الثالِثُ: أَنَّ الْمَعْنَى: مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ، أَيْ: لِشِدَّةِ كَرَاهِيَتِهِمْ لِكَلَامِ الرُّسُلِ، عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ فِي قَوْلِهِمْ: لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَسْمَعَ كَذَا: إِذَا كَانَ شَدِيدَ الْكَرَاهِيَةِ وَالْبُغْضِ لَهُ، وَيَشْهَدُ لِهَذَا الْقَوْلِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا} [الحج:72]، وقوله: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ} الآية [فصلت:26]، وقوله: {وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ} الآية [نوح:7]".

وهذا القول أيضًا ليس ببعيدٍ من الأقوال السابقة، ليس ببعيد.

طالب: ............

الأول هو اختيار ابن جرير إمام المفسرين يقول: ما كانوا يستطيعون أن يسمعوا الحق سماع منتفع، وإلا فالسماع الحسي موجود على جميع الأقوال لا ينفون السماع الحسي، وأن الكافر المطبوع على قلبه إذا سمع كلامًا قال: ما سمعت إلا من باب المعاندة، هو يسمع، وقد يفهم، لكنه مُعرِض، وبسبب هذا الإعراض طُبِع على قلبه، فالمسألة الأقوال كلها تجتمع في معنًى واحد.

طالب: ............

أين؟

طالب: القول الثاني.

لا، هو كون الله –جلَّ وعلا- هو الذي فعل ذلك بهم، ولولا هذا الطبع والختم لسمعوا سماع منتفع وانتفعوا، حتى على القول بأن العبد له حرية واختيار وكذا، الحرية مربوطة بإرادة الله ومشيئته، الحرية والاختيار للعبد مقيدة بإرادة الله ومشيئته، ولكن العبد له حرية واختيار وهو الذي اختار هذا الطريق وارتضى لنفسه هذا الطريق المهلِك، والله –جلَّ وعلا- قدَّر له بيَّن له هذا وهذا، ولكنه اختار طريق الجحيم، نسأل الله العافية.

" الرَّابِعُ: أَنْ (مَا) مَصْدَرِيَّةٌ ظَرْفِيَّةٌ، أَيْ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مُدَّةَ كَوْنِهِمْ يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَسْمَعُوا وَيُبْصِرُوا، أَيْ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ دَائِمًا.

الْخَامِسُ: أَنْ (مَا) مَصْدَرِيَّةٌ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ بِنَزْعِ الْخَافِضِ، أَيْ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ بِسَبَبِ كَوْنِهِمْ يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَالْإِبْصَارَ فِي دَارِ الدُّنْيَا، وَتَرَكُوا الْحَقَّ مَعَ أَنَّهُمْ يَسْتَطِيعُونَ إِدْرَاكَهُ بِأَسْمَاعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ".

(ما) في الأقوال السابقة نافية، وفي القولين الرابع والخامس مصدرية.

طالب: ............

مدة كونهم يستطيعون.

"وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي سُورَةِ النِّسَاءِ قَوْلَ الْأَخْفَشِ الْأَصْغَرِ بِأَنَّ النَّصْبَ بِنَزْعِ الْخَافِضِ مَقِيسٌ مُطْلَقًا عِنْدَ أَمْنِ اللَّبْسِ.

السَّادِسُ: أَنَّ قَوْلَهُ: {مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ} [هود:20] مِنْ صِفَةِ الْأَصْنَامِ الَّتِي اتَّخَذُوهَا أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، فَيَكُونُ مُتَّصِلًا بِقَوْلِهِ: {وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ} [هود:20]، وَتَكُونُ جُمْلَةُ {يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ} [هود:20] اعْتِرَاضِيَّةً، وَتَقْرِيرُ الْمَعْنَى عَلَى هَذَا الْقَوْلِ: وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ، أَيِ الْأَصْنَامُ الَّتِي اتَّخَذُوهَا أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، وَمَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ وَلِيًّا لآخر".

طالب: ............

"أن يكون وليًّا لأحد".

طالب: عندنا "لآخر".

"لأحد" عام.

طالب: ............

أو لغيره، يكون وليًّا لغيره كذلك.

" وَمَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ وَلِيًّا لأحد. وَيَشْهَدُ لِمَعْنَى هَذَا الْقَوْلِ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي (الْأَعْرَافِ): {أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا} الآية [الأعراف:195] وَنَحْوُهَا مِنَ الْآيَاتِ.

وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي تَرْجَمَةِ هَذَا الْكِتَابِ الْمُبَارَكِ".

يعني في مقدمته التي بيَّن فيها الشيخ منهجه وخطته.

"أَنَّ الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ قَدْ تَكُونُ فِيهَا أَقْوَالٌ، وَكُلُّهَا يَشْهَدُ لَهُ قُرْآنٌ فَنَذْكُرُ الْجَمِيعَ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى".

يشهد له القرآن والمعاني، واللغة تحتمل المعاني التي في هذه الاحتمالات.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ} الآية [هود:24] ضَرَبَ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ الْمَثَلَ لِلْكَافِرِ بِالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ، وَضَرَبَ الْمَثَلَ لِلْمُؤْمِنِ بِالسَّمِيعِ وَالْبَصِيرِ، وَبَيَّنَ أَنَّهُمَا لَا يَسْتَوِيَانِ، وَلَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ، وَلَا يَسْتَوِي الْأَصَمُّ وَالسَّمِيعُ، وَأَوْضَحَ هَذَا الْمَعْنَى فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ:

كقوله: {وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ * وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ * وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ * وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاءُ وَلا الأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ* إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ} [فاطر:19-23]، وقوله: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى} الآية [الرعد:19]، وقوله: {إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ} [النمل:80] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ".

جاء في الحديث الصحيح «مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِي مِنْهُمْ» يعني أصحاب القليب، فهي مواطن الأصل أن الميت لا يسمع، وقد يُسمِعه الله لحِكمةٍ يراها سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ} الآية [هود:27]  ذَكَرَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّ الْمَلَأَ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ قَالُوا لَهُ: مَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ مِنَّا إِلَّا الْأَسَافِلُ وَالْأَرَاذِلُ، وَذَكَرَ فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ أَنَّ اتِّبَاعَ الْأَرَاذِلِ لَهُ فِي زَعْمِهِمْ مَانِعٌ لَهُمْ مِنَ اتِّبَاعِهِ بِقَوْلِهِ: {أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الأَرْذَلُونَ} [الشعراء:111].

وَبَيَّنَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ نُوحًا -عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- أَبَى أَنْ يَطْرُدَ أُولَئِكَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ بِقَوْلِهِ: {وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ * وَيَا قَوْمِ مَنْ يَنصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ} الآية [هود:29-30]، وَذَكَرَ تَعَالَى عَنْهُ ذَلِكَ فِي الشُّعَرَاءِ أَيْضًا بِقَوْلِهِ: {إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ * وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ} [الشعراء:113-114]".

لأن الميزان الشرعي للتفريق بين الناس بالإيمان، وبقدر تحقيق هذا الميزان الذي هو الإيمان؛ يكون قدر الإنسان في الشرع، ليس قدره بأمرٍ من أمور الدنيا أو بالنسب أو بالفصاحة أو بجمال الجسم أو ما أشبه ذلك.

الميزان: تحقيقه لهذا الشرف الذي هو الإيمان بمحمدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ} [هود:28] ذَكَرَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ عَنْ نَبِيِّهِ نُوحٍ: أَنَّهُ قَالَ لِقَوْمِهِ: {أَرَأَيْتُمْ} أَيْ: أَخْبِرُونِي {إِنْ كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي} أَيْ: عَلَى يَقِينٍ وَنُبُوَّةٍ صَادِقَةٍ لَا شَكَّ فِيهَا، وَأَعْطَانِي رَحْمَةً مِنْهُ مِمَّا أَوْحَى إِلَيَّ مِنَ التَّوْحِيدِ وَالْهُدَى، فَخَفِيَ ذَلِكَ كُلُّهُ عَلَيْكُمْ، وَلَمْ تَعْتَقِدُوا أَنَّهُ حَقٌّ، أَيُمْكِنُنِي أَنْ أُلْزِمَكُمْ بِهِ، وَأَجْبُرَ قُلُوبَكُمْ عَلَى الِانْقِيَادِ وَالْإِذْعَانِ لِتِلْكَ الْبَيِّنَةِ الَّتِي تَفَضَّلَ اللَّهُ عَلَيَّ بِهَا، وَرَحِمَنِي بِإِيتَائِهَا".

هداية التوفيق والقبول إنما هي خاصةٌ بالله –جلَّ وعلا-، ولذا قال في حق نبيه –عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص:56]، ولكن هداية الدلالة والإرشاد يملكها الأنبياء ومن تبعهم بإحسان من الدعاة إلى الله –جلَّ وعلا-، يُبينون للناس، ولكن القبول لله وحده- جلَّ وعلا-. 

"وَالْحَالُ أَنَّكُمْ كَارِهُونَ لِذَلِكَ؟ يَعْنِي لَيْسَ بِيَدِي تَوْفِيقُكُمْ إِلَى الْهُدَى وَإِنْ كَانَ وَاضِحًا جَلِيًّا لَا لَبْسَ فِيهِ، إِنْ لَمْ يَهْدِكُمُ اللَّهُ -جَلَّ وَعَلَا-.

وَهَذَا الْمَعْنَى صَرَّحَ بِهِ -جَلَّ وَعَلَا- عَنْ نُوحٍ أَيْضًا فِي هَذِهِ السُّورَةِ الْكَرِيمَةِ بِقَوْلِهِ: {وَلا يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ} الآية [هود:34].

قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ} الآية [هود:29] ذَكَرَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ عَنْ نَبِيِّهِ نُوحٍ -عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: أَنَّهُ أَخْبَرَ قَوْمَهُ أَنَّهُ لَا يَسْأَلُهُمْ مَالًا فِي مُقَابَلَةِ مَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنَ الْوَحْيِ وَالْهُدَى، بَلْ يَبْذُلُ لَهُمْ ذَلِكَ الْخَيْرَ الْعَظِيمَ مَجَّانًا مِنْ غَيْرِ أَخْذِ أُجْرَةٍ فِي مُقَابِلِهِ.

وَبَيَّنَ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ شَأْنُ الرُّسُلِ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ، كَقَوْلِهِ فِي (سَبَإٍ) عَنْ نَبِيِّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: {قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ} [سبأ:47]، وَقَوْلِهِ فِيهِ أَيْضًا فِي آخِرِ(ص): {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص:86] وَقَوْلِهِ فِي (الطُّورِ)، وَ(الْقَلَمِ): {أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ} [الطور:40] [القلم:46]".

النصوص في هذا الباب وعدم أخذ الأجرة على تعليم العلم والدعوة إليه والأعمال الصالحة كثيرةٌ جدًّا في الكتاب والسُّنَّة، وفيها أحاديث ستأتي، ولكن جاء في مقابلها: «إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللهِ» في حديث أبي سعيد، وسيأتي الأقوال في هذه المسألة والأدلة، وتخريج هذه الأدلة المتعارضة. 

طالب: في قوله: {أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ} [هود:28]، وقوله: {وَلا يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ} [هود:34] كأنه في الأول يذمهم، وفي الثاني يلتمس لهم...

الرسول –عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- لا يُكرِه القلوب، الله –جلَّ وعلا- هو الذي يُلزم القلوب بالاتباع إن شاء، وأما البشر فلا يُلزمون القلوب بالقبول والاتباع، وأما الإكراه فقد جاء فيه {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة:256]، وجاء في مقابله أن النبي –عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- إذا أرسل سريةً أو جيشًا طلب منهم أو من مقدَّمهم أن يعرض الإسلام على هؤلاء الأقوام قبل قتالهم، فإن قبِلوا فبها ونعمت، وإلا عرض عليهم الجزية فإن قبِلوا كذلك، وإلا قاتلهم، ومن لازم المقاتلة القتل، فيُقتَل المُصر على كفره، وهذا فيه نوع إكراه، لكنه إكراهٌ لمصلحته هو، والإكراه المنفي أن يكون لمصلحة غيره سواءً أكان إكراهًا من أجل أن يدخل في الإسلام لتكثير سوادهم أو لغلبتهم على الفئات الأخرى.

على كل حال المسألة معروفة، وجاء فيها {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة:256]، والمعروف من أهداف الجهاد أنها تؤول في الحقيقة إلى الإكراه إذا رفضوا الإسلام، رفضوا الدخول فيه، ورفضوا بذل الجزية.

"وَقَوْلِهِ فِي (الْفُرْقَانِ): {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا} [الفرقان:57]، وقوله في (الأنعام): {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ} [الأنعام:90]، وَقَوْلِهِ عَنْ هُودٍ فِي (سُورَةِ هُودٍ): {يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي} الآية [هود:51]، وَقَوْلِهِ فِي (الشُّعَرَاءِ) عَنْ نُوحٍ، وَهُودٍ، وَصَالِحٍ، وَلُوطٍ، وَشُعَيْبٍ عَلَيْهِمْ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: {وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء:109].

وَقَوْلِهِ تَعَالَى عَنْ رُسُلِ الْقَرْيَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي (يس): {اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا} الآية [يس:20-21].

وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهَ الْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الْآيَاتِ الْمَذْكُورَةِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى:23] فِي كِتَابِنَا (دَفْعُ إِيهَامِ الِاضْطِرَابِ عَنْ آيَاتِ الْكِتَابِ) فِي (سُورَةِ سَبَإٍ) فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ} [سبأ:47]".

قال المؤلف –رحمه الله تعالى- في (دفع إيهام الاضطراب): "قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ} الآية [سبأ:47] هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَا يَسْأَلُ أُمَّتَهُ أَجْرًا عَلَى تَبْلِيغِ مَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَنَظِيرُهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص:86]، وَقَوْلِهِ تعالى: {أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ} [الطور:40] [القلم:46] في سورة (الطور) و(القلم)، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا} [الفرقان:57] {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ} [الأنعام:90].

وَعَدَمُ طَلَبِ الْأُجْرَةِ عَلَى التَّبْلِيغِ هُوَ شَأْنُ الرُّسُلِ كُلِّهِمْ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا} الآية [يس:20-21]، وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ (الشُّعَرَاءِ): {وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء:109] فِي قِصَّةِ نُوحٍ وَهُودٍ وَصَالِحٍ وَلُوطٍ وَشُعَيْبٍ عَلَيْهِمْ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.

وَقَالَ فِي سُورَةِ (هُودٍ) عَنْ نُوحٍ: {وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا} الآية [هود:29]، وَقَالَ فِيهَا أَيْضًا عَنْ هُودٍ: {يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي} الآية [هود:51]، وَقَدْ جَاءَ فِي آيَةٍ أُخْرَى مَا يُوهِمُ خِلَافَ ذَلِكَ، وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى:23].

اعْلَمْ أَوَّلًا أَنَّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى:23] أَرْبَعَةَ أَقْوَالٍ:

الْأَوَّلُ: رَوَاهُ الشَّعْبِيُّ وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَبِهِ قَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَعِكْرِمَةُ وَأَبُو مَالِكٍ وَالسُّدِّيُّ وَالضَّحَّاكُ وَابْنُ زَيْدٍ وَغَيْرُهُمْ، كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُمُ ابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُ أَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ: {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى:23] أَيْ إِلَّا أَنْ تَوَدُّونِي فِي قَرَابَتِي الَّتِي بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ فَتَكُفُّوا عَنِّي أَذَاكُمْ وَتَمْنَعُونِي مِنْ أَذَى النَّاسِ، كَمَا تَمْنَعُونَ كُلَّ مَنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مِثْلُ قَرَابَتِي مِنْكُمْ.

وَكَانَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَهُ فِي كُلِّ بَطْنٍ مِنْ قُرَيْشٍ رَحِمٌ، فَهَذَا الَّذِي سَأَلَهُمْ لَيْسَ بِأَجْرٍ عَلَى التَّبْلِيغِ؛ لِأَنَّهُ مَبْذُولٌ لِكُلِّ أَحَدٍ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَوَدُّهُ أَهْلُ قَرَابَتِهِ وَيَنْتَصِرُونَ لَهُ مِنْ أَذَى النَّاسِ، وَقَدْ فَعَلَ لَهُ ذَلِكَ أَبُو طَالِبٍ، وَلَمْ يَكُنْ أَجْرًا عَلَى التَّبْلِيغِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْمِنْ، وَإِذَا كَانَ لَا يَسْأَلُ أَجْرًا إِلَّا هَذَا الَّذِي لَيْسَ بِأَجْرٍ، تَحَقَّقَ أَنَّهُ لَا يَسْأَلُ أَجْرًا كَقَوْلِ النَّابِغَةِ:

وَلَا عَيْبَ فِيهِمْ غَيْرَ أَنَّ سُيُوفَهُمْ
 

 

بِهِنَّ فُلُولٌ مِنْ قِرَاعِ الْكَتَائِبِ
 

وهذا يُسمونه تأكيد المدح بما يُشبه الذم، كأن الذم أن يسأل وفي حقيقته ليس بسؤال، فكأنه أكَّد المدح الذي هو عدم السؤال بما يُشبه الذم وهو السؤال، وهو في البيت ظاهر.

"وَمِثْلُ هَذَا يُسَمِّيهِ الْبَلَاغِيُّونَ تَأْكِيدَ الْمَدْحِ، بِمَا يُشْبِهُ الذَّمَّ، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّحِيحُ فِي الْآيَةِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَعَلَيْهِ فَلَا إِشْكَالَ.

الثَّانِي: أَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ {إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى:23] أَيْ لَا تُؤْذُوا قَرَابَتِي وَعِتْرَتَيْ وَاحْفَظُونِي فِيهِمْ. وَيُرْوَى هَذَا الْقَوْلُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَعَلَيْهِ فَلَا إِشْكَالَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمُوَادَّةَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَاجِبَةٌ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَأَحْرَى قَرَابَة النَّبِيّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ تَعَالَى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}  [التوبة:71]، وَفِي الْحَدِيثِ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ كَالْجَسَدِ الْوَاحِدِ، إِذَا أُصِيبَ مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى»، وَقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ»، وَالْأَحَادِيثُ فِي مِثْلِ هَذَا كَثِيرَةٌ جَدًّا. وَإِذَا كَانَ نَفْسُ الدِّينِ يُوجِبُ هَذَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ تَبَيَّنَ أَنَّهُ غَيْرُ عِوَضٍ عَنِ التَّبْلِيغِ".

هذا إذا كان على عمومه في القربى يعني قربى كل مسلم عليه أن يبره ويُحسن إليه ويصله، فهذا حكم من الأحكام الشرعية ليس خاصًّا به –عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-، وإن كان المراد قُرباءه وعترته وأقاربه، فهذا من حقه –عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- على الأمة، وأيضًا هو حكم ولا يستفيد منه شيئًا– عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- شيء خاص يكون عِوضًا له عن دعوته.

"وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ عَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ، وَعَلَيْهِ فَلَا إِشْكَالَ. فَمَعْنَاهُ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ: {لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا} [الشورى:23]، لَكِنْ أُذَكِّرُكُمْ قَرَابَتِي فِيكُمْ.

وَعَلَى الثَّانِي: لَكِنْ أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ فِي قَرَابَتِي فَاحْفَظُونِي فِيهِمْ.

الْقَوْلُ الثَّالِثُ: وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ: {إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى:23] أَيْ إِلَّا أن تَتَوَدَّدُوا إِلَى اللَّهِ وَتَتَقَرَّبُوا إِلَيْهِ بِالطَّاعَةِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ".

يعني لو أن شخصًا باع سلعةً على آخر، وقال: السعي لولدي أو قرابتي، هذا في حقيقته أخذ نوع من أجر، ولو قال: السعي للجهة الخيرية الفلانية، مثل جماعة التحفيظ، ومثل الأشياء الأخرى أو خدمة المساجد أو كذا السعي، فهذا ما طلب لنفسه شيئًا، هل هذا أخذ أجرة على فعله أو على سلعته؟ ما أخذ أجرة، ما استفاد هو شيئًا، وإنما استفاد الثواب والأجر من الله –جلَّ وعلا- وأشرك فيه من اشتُرِط عليه.

فرق بين أن يقول بعض الناس: السعي لي أو السعي لولدي، هذا أخذ أجرة، ولكن الذي يقول: السعي -وهذا من باب التنظير فقط- السعي لجماعة تحفيظ القرآن أو مدارس التحفيظ أو غير ذلك من الجهات الخيرية هو ما استفاد شيئًا، ما دخل جيبه شيء، ولكنه زيادة عملٍ صالحٍ له، وتسببه في نفع هذه الجهة؛ ليُنتَفع بها.

طالب: ............

سعيه له؟

طالب: ............

لا، يشترطون ويُشركون.

طالب: ............

لا، هو إذا أُخِذ بهذه النية فهو زيادة في الثمن عليه.

طالب: ............

هذه زيادة في الثمن وإن سمَّاه سعيًا.

طالب: ............

المشتري إن لم تكن له مصلحة في الصفقة ما وافق.

طالب: ............

هو يأخذ منه سواءً رفع أو سمَّاه ما سمَّاه، ولكن هل يكون صحيحًا أو باطلًا؟ مسألة ثانية، لكن حقيقته هو رفع ثمن، وأما اشتراط السعي لابنه أو لقريبه أو لمن يُريد نفعه فهذا عند الناس كثير.

طالب: ............

على كل حال...

طالب: ............

وإذا رضي؟

طالب: يرفع في السعر.

وإذا رضي؟

قال: فلان شريك لك في السعر ورفض، المسألة عرض وطلب.

طالب: ............

حتى لا تضيع الصفقة؛ لأنه مستفيد على أي حال.

على كل حال المسألة عندكم، والله يعينكم.

طالب: ............

عندكم، الله يعينكم.

طالب: ............

أنا أتيت بالمسألة للتنظير، فرق بين من يقول: السعي للمدرسة الفلانية لتحفيظ القرآن، وبين من يقول: السعي لولدي أو لأخي أو لقريبي أو يبر به من يُريد نفعه.

"وَعَلَيْهِ فَلَا إِشْكَالَ؛ لِأَنَّ التَّقَرُّبَ إِلَى اللَّهِ لَيْسَ أَجْرًا عَلَى التَّبْلِيغِ.

الْقَوْلُ الرَّابِعُ: {إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى:23] أَيْ إِلَّا أَن تَتَوَدَّدُوا إِلَى قَرَابَاتِكُمْ وَتَصِلُوا أَرْحَامَكُمْ، ذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ هَذَا الْقَوْلَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَاسِمٍ.

وَعَلَيْهِ أَيْضًا فَلَا إِشْكَالَ؛ لِأَنَّ صِلَةَ الْإِنْسَانِ رَحِمَهُ لَيْسَتْ أَجْرًا عَلَى التَّبْلِيغِ، فَقَدْ عَلِمْتَ الصَّحِيحَ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ، وَظَهَرَ لَكَ رَفْعُ الْإِشْكَالِ عَلَى جَمِيعِ الْأَقْوَالِ.

وَأَمَّا الْقَوْلُ بِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى:23] مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ} [سبأ:47] فَهُوَ ضَعِيفٌ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى".

طالب: ..........

هات.

طالب: ..........

ما فعل أبو طالب ذلك يريد الأجر.

طالب: ..........

ما آمن أبو طالب.

طالب: ..........

أبو طالب لم يؤمن، فهل يستحق المودة؟ هو ما دخل في الآية أصلًا.

طالب: هو الآن يتكلم عن طلبه.........

نعم؟

طالب: كونها سببًا.

يعني هل يحسن على أبي طالب لأنه من القربى، أو لأنه نصر الدعوة، ونصر النبي -عليه الصلاة والسلام- بخلاف أبي لهب؟

طالب: هو ما يقول: أحسن لأبي طالب، هو يقول ..........

ما نوى بفعله ذلك التقرب إلى الله- جل وعلا-.

طالب: .......... الأجر على الدعوة.

طالب: يريد الأجر على النصر.

لا، الدعوة يندرج فيها كل الأعمال الصالحة تأخذ عليها أجرة؛ الإمامة في الصلاة، وتعليم الناس القرآن، وتعليمهم الحديث، ونصر الدعوة من هذا الباب.

طالب: ..... نحن نريد التفريع على القول الأول، وهو أنه يا كفار قريش لن آخذ منكم أجرًا على دعوتي لكم إلا أن تمنعوني كما تمنعون قرابتكم، قالوا: قد فعل ذلك أبو طالب ولم .... فعل أبي طالب أجرًا لأنه لم يؤمن.

أليس الأولى أن يقول: ... إنهم يفعلون ذلك عادة.

لعدم النية، نية التقرب غير موجودة.

طالب: القول ليس متعلقًا بالإيمان أو عدم الإيمان...

الإيمان هو الذي يترتب عليه الأجر، وعدمه لا يترتب عليه أجر.

طالب: ..........

لا، ما فيه شيء.

طالب: ..........

هو المنفي أن يأخذ أجرًا دنيويًّا على فعل البر، وسيأتي تفصيله وبيانه، وما جاء فيه من الجواز والمنع.

طالب: ..........

ماذا؟

طالب: ..........

ماذا عليه؟

طالب: ..........

نعم.

طالب: ..........

نقف على الأحاديث.

طالب: نقف على الأول.

ماذا؟

طالب: ..........

أبدًا ما يخالف.

طالب: ..........

هي طويلة المسألة بأدلتها، والأقوال وكذا.

طالب: في الدرس القادم..........

نقف على نهاية أدلة القول الأول.

طالب: نعم.

لكنه طويل.

الآن المسألة بحذافيرها كم صفحة؟

طالب: ..........

من 34 إلى 57.

طالب: مثل قراءة اليوم.

نعم.

طالب: نقف على هذا؟

قوله تعالى: {ويا قوم لا أسألكم}.

طالب: ..........