تعليق على تفسير سورة هود من أضواء البيان (05)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نعم.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

قال الشيخ/ محمد الأمين الشنقيطي –رحمه الله تعالى-: "قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا} الآية [هود:58] لَمْ يُبَيِّنْ هُنَا أَمْرَهُ الَّذِي نَجَّى مِنْهُ هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ عِنْدَ مَجِيئِهِ، وَلَكِنَّهُ بَيَّنَ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ: أَنَّهُ الْإِهْلَاكُ الْمُسْتَأْصِلُ بِالرِّيحِ الْعَقِيمِ الَّتِي أَهْلَكَهُمُ اللَّهُ بِهَا فَقَطَعَ دَابِرَهُمْ، كَقَوْلِهِ: {وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ * مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ} [الذاريات:41-42]، وقوله: {وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ* سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا} [الحاقة:6-7]، وقوله: {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ* تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} [القمر:19-20]، وقوله: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ} الآية [فصلت:16].

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

في قوله –جلَّ وعلا-: {وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ} [الذاريات:41] عاد قوم هود كما هو معلوم في هذه السورة وغيرها {إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ} [الذاريات:41] التي لا تذر شيئًا.

والعُقم عدم وجود من يذكر؛ لأن الرجل العقيم ليس وراءه من يذكره، وهذه الأمة من الناس لا ذِكر ولا ذاكر لهم منهم، أتت عليهم الريح جميعهم.

{مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ} [الذاريات:42] (شيء) نكرة في سياق النفي، ومؤكدة بــ(من) فهي من أبلغ صيغ العموم، لكن (الشيء) المراد به المقدَّر هلاكه وزواله؛ لأن فيها أشياء بقيت بعد هذه الريح، ما دمرتها الريح –أشياء- ما دمَّرت السماوات والأرض، ولا دمَّرت الجبال، إنما دمَّرت من قُدِّر عليه الدمار والهلاك.

طالب: ..............    

نعم؟

طالب: {فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم} ..........

المقصود هم، أما المساكن فما دُمِّرَت؛ لتكون دلالةً عليهم، ومعتبرًا لمن يعتبر ممن يأتي بعدهم.

طالب: ودلالة على أن كُل بمعنى جُل.

بمعنى إيش؟

طالب: بمعنى جل، وليست على بابها.

جُل، الجيم أين هي؟

طالب: ..........

في قوله: {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ} [القمر:19] وصف اليوم وهو من الدهر بالنحس فيه نوع سبٍّ له، وجاء النهي عن سب الدهر «لاَ تَسُبُّوا الدَّهْرَ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ» هو مقُدِّر الأمور، والذي حكم بها وقضى بها، فالذي يسبُّه يسب من قدَّر فيه هذه الأمور.

قوله: {فِي يَوْمِ نَحْسٍ} [القمر:19] لا شك أنه بالنسبة لهم نحس، وقد يكون خيرًا وبركة في بعض الجهات ولبعض الأمم، لكنه بالنسبة لهؤلاء الذين عُوقبوا بعدوانهم وتعديهم، وكفرهم وطغيانهم، بهذا لا شك أنه نحسٌ عليهم.

طالب: .............

ماذا؟

طالب: أن لله أن يصف بما شاء.

نعم يصف بما شاء لا شك، لكن التوجيه ظاهر بالنسبة لهم نحس، وبالنسبة لفعل الخالق خير وبركة ولو كان نحسًا بالنسبة لهم.

طالب: .............

نعم؟

طالب: الآن بعض الناس يصف بعض الأيام بالمشكلات وكذا....

الله المستعان.  

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا} الآية [هود:66]".

طالب: .............

مثال.

طالب: هذا الآن ما ينقض؟

كيف ينقض؟

في بابه.. في بابه، في المراد بها العموم.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا} الآية [هود:66] وَبَيَّنَ هَذَا الْأَمْرَ الَّذِي جَاءَ بِقَوْلِهِ: {وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ* كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْدًا لِثَمُودَ} [هود:67-68] وَنَحْوِهَا مِنَ الْآيَاتِ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلامًا} الآية [هود:69]".

طالب: .............

{وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا} [هود:69].

طالب: الآية عندي (ولما جاءت).

لا، عندنا رسم المصحف، لكن رسموها من موضعٍ آخر الله أعلم، لكنه برسم المصحف، وهذا الذي يُخشى منه، يعني رسم الآيات يؤمَن معه الخطأ، لكن الكلام على الفهم، قد تُرسَم الآية برسم تُؤخَذ بحروفها وحركاتها من المصحف، ويُخطأ في وضعها في غير محلها.

طالب: .............

طالب: ..........

طالب: الترقيم غير موجود.

الصواب؟

طالب: {وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى} [العنكبوت:31].

كيف أُخِذَت من المصحف بهذا الرسم؟

طالب: في سورة هود.............

في هذا الموضع؟

طالب: .............

خلاص {وَلَقَدْ}.

طالب: .............

هو أخذ القرآن من المصحف يُؤمَن معه الخطأ، خطأ الحرف والشكل، لكن لا يُؤمَن معه خطأ الفهم، يعني (ليس على الأعمى حرج ولا على المريض حرج).

طالب: هذه الآية الثاني.............

طالب: ليس فيها ..........

{لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ} [النور:61] تأخذها بحروفها إما أن تأخذها في باب الأطعمة، وإما أن تأخذها في باب القتال، تضعها هنا أو تضعها هنا، صح؟

طالب: إذا كان هذا مقطوعًا............

نعم مقطوع، محل الشاهد، ففائدة نقل الآية أو بعض الآية من المصحف برسمه يؤمَن معه خطأ الحرف والشكل، لكن لا يؤمَن معه خطأ الفهم.

طالب: ....... خطأ الفهم في اسم السورة. صح؟

كيف؟

طالب: المثال الذي ذكرته، أتى بالآية ثم ذكر اسم السورة ............

نعم.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلامًا} الآية [هود:69] لَمْ يُبَيِّنْ هُنَا مَا الْمُرَادُ بِهَذِهِ الْبُشْرَى الَّتِي جَاءَتْ بِهَا رُسُلُ الْمَلَائِكَةِ إِبْرَاهِيمَ وَلَكِنَّهُ أَشَارَ بَعْدَ هَذَا إِلَى أَنَّهَا الْبِشَارَةُ بِإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ فِي قَوْلِهِ: {وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} [هود:71] لِأَنَّ الْبِشَارَةَ بِالذُّرِّيَّةِ الطَّيِّبَةِ شَامِلَةٌ لِلْأُمِّ وَالْأَبِ، كَمَا يَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ} [الصافات:112]، وقوله: {قَالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ} [الذاريات:28]، وقوله: {قَالُوا لا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ} [الحجر:53].

وَقِيلَ: الْبُشْرَى هِيَ إِخْبَارُهُمْ لَهُ بِأَنَّهُمْ أُرْسِلُوا لِإِهْلَاكِ قَوْمِ لُوطٍ، وَعَلَيْهِ فَالْآيَاتُ الْمُبَيِّنَةُ لَهَا كَقَوْلِهِ هُنَا فِي هَذِهِ السُّورَةِ: {قَالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ} الآية [هود:70]، وقوله: {قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ * إِلَّا آلَ لُوطٍ} الآية [الحجر:58-59]، وقوله: {قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ * لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ} [الذاريات:32-33]، قوله: {وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ} [العنكبوت:31].

وَالظَّاهِرُ: الْقَوْلُ الْأَوَّلُ، وَهَذِهِ الْآيَةُ الْأَخِيرَةُ تَدُلُّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ فِيهَا التَّصْرِيحَ بِأَنَّ إِخْبَارَهُمْ بِإِهْلَاكِ قَوْمِ لُوطٍ بَعْدَ مَجِيئِهِمْ بِالْبُشْرَى؛ لِأَنَّهُ مُرَتَّبٌ عَلَيْهِ بِأَدَاةِ الشَّرْطِ الَّتِي هِيَ (لَمَّا) كَمَا تَرَى".

"لِأَنَّهُ مُرَتَّبٌ عَلَيْهِ بِأَدَاةِ الشَّرْطِ".

طالب: "الَّتِي هِيَ (لَمَّا)".

طالب: لمّا.

طالب: ..........

نعم، مرة بالبشارة بالولد، ومرة بالبشارة بهلاك القوم المجرمين.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ * فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ} الآية [هود:69-70] ذَكَرَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ لَمَّا سَلَّمَ عَلَى رُسُلِ الْمَلَائِكَةِ وَكَانَ يَظُنُّهُمْ ضُيُوفًا مِنَ الْآدَمِيِّينَ".

"سَلَّمَ عَلَى"؟!

طالب: "رُسُلِ الْمَلَائِكَةِ".

طالب: لو أُضيفَت (أل) يحل الإشكال.

طالب: .............

ماذا؟

طالب: ..........

من الذي جاء؟

طالب: .............

طالب: رسل الملائكة.

طالب: ..........

مَن الذي أُرسِل إلى إبراهيم؟

طالب: .............

إما أن نقول: رُسل الله الملائكة، مرسلون من قِبل الله –جلَّ وعلا- الملائكة.

طالب: الإضافة .............

طالب: جنس الرسل الملائكة..........

طالب: ..........

سلَّم على الملائكة.

طالب: .............

الأوضح أن يُقال: أن يُوضَح الكلام، يعني لو جاءت في نص تأولناها، لكن جاءت في كلام سعة.

"أَنَّ إِبْرَاهِيمَ لَمَّا سَلَّمَ عَلَى الْمَلَائِكَةِ وَكَانَ يَظُنُّهُمْ ضُيُوفًا مِنَ الْآدَمِيِّينَ أَسْرَعَ إِلَيْهِمْ بِالْإِتْيَانِ بِالْقِرَى، وَهُوَ لَحْمُ عِجْلٍ حَنِيذٍ أَيْ مُنْضَجٍ بِالنَّارِ، وَأَنَّهُمْ لَمَّا لَمْ يَأْكُلُوا أَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً فَقَالُوا: لَا تَخَفْ وَأَخْبَرُوهُ بِخَبَرِهِمْ.

وَبَيَّنَ فِي (الذَّارِيَاتِ): أَنَّهُ رَاغَ إِلَى أَهْلِهِ، أَيْ مَالَ إِلَيْهِمْ فَجَاءَ بِذَلِكَ الْعِجْلِ، وَبَيَّنَ أَنَّهُ سَمِينٌ، وَأَنَّهُ قَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ، وَعَرَضَ عَلَيْهِمُ الْأَكْلَ بِرِفْقٍ فَقَالَ لَهُمْ: {قَالَ أَلا تَأْكُلُونَ} [الذاريات:27] وَأَنَّهُ أَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ* إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلامًا قَالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنكَرُونَ * فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ * فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلا تَأْكُلُونَ * فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً} الآية [الذاريات:24-28]

تَنْبِيهٌ: يُؤْخَذُ مِنْ قِصَّةِ إِبْرَاهِيمَ مَعَ ضَيْفِهِ هَؤُلَاءِ أَشْيَاءَ مِنْ آدَابِ الضِّيَافَةِ: مِنْهَا تَعْجِيلُ الْقِرَى".

"مَعَ ضَيْفِهِ" يعني مع ضيوفه؛ لأنه مفرد مضاف، بدليل أنه قال: هؤلاء.

طالب: ..............

طالب: ..........

تُطلَق.

طالب: جنس الضيف.

جنس؛ لأنه مفرد مضاف يعم؛ لأنه قال: هؤلاء، ما قال: هذا.

طالب: ... يقولون: لا تجمع على ضيوف، ضيف للمفرد والجمع.

يُطلَق على هذا، وقد يُجمَع.

راجع.

"مِنْهَا: تَعْجِيلُ الْقِرَى؛ لِقَوْلِهِ: {فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} [هود:69]".

يعني من الناس من يُقيم وليمة ويدعو إليها الناس، ويترتب على ذلك المشقة الشديدة عليهم بتأخيرهم وتأخير أكلهم، وقد يكون بعضهم محتاجًا إلى الأكل، وبعضهم مريضًا يضره تأخير الأكل، والآن {فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ} [الذاريات:26] يعني راغ: ذهب بسرعة.

"تَعْجِيلُ الْقِرَى" والقِرى ما يُقدَّم للضيف.

"وَمِنْهَا: كَوْنُ الْقِرَى مِنْ أَحْسَنِ مَا عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُمْ ذَكَرُوا أَنَّ الَّذِي عِنْدَهُ الْبَقَرُ وَأَطْيَبُهُ لَحْمًا الْفَتِيُّ السَّمِينُ الْمُنْضحُ، وَمِنْهَا: تَقْرِيبُ الطَّعَامِ إِلَى الضَّيْفِ".

لكن هل لحم البقر أطيب الطعام بدليل أنه لو وُجِد أطيب منه لقدمه إبراهيم؟

طالب: قد يكون الموجود.  

طالب: أطيب ما عنده.

طالب: ..........

بعضهم يستدل بهذا، يقول: إنه لو يُوجد أطيب منه لقدمه إبراهيم لأكرم الأضياف.

حصلت مناظرة بين شخصين عاميين من كبار السن على وليمةٍ فيها لحم البقر، ولحم البقر غير مرغوب في بعض الجهات، وهذا عندنا ظاهر، فقال واحد للمضيِّف: ألا تستحي ضيوفك ما تُقدِّرهم تضع لهم لحم بقر؟ فردَّ عليه قائلًا: لو وُجِد أفضل منه لقدمه إبراهيم –عليه السلام- لضيوفه، فردَّ عليه الآخر، قال: أثبت أنهم أكلوا، لما رأوه لحم بقر تركوه، هذه مناظرة العوام.

طالب: ............ 

بعض العوام هوام، يعني لو صار عنده شيءٌ من العلم لبرز بهذه السرعة وهذه البديهة مع أن كلامه خطأ.

تحبون العجل أنتم؟

طالب: ............

مكابرة ولا حقيقة؟

طالب: ............

لا تدري، من قال: لا أدري فقد أجاب.

طالب: ............

ماذا؟

طالب: ..........

الورع.. الورع.

"وَمِنْهَا: مُلَاطَفَتُهُ بِالْكَلَامِ بِغَايَةِ الرِّفْقِ، كَقَوْلِهِ: {أَلا تَأْكُلُونَ} [الذاريات:27]".

"تَقْرِيبُ الطَّعَامِ إِلَى الضَّيْفِ" {فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ} [الذاريات:27] والآن كانت الأواني واحدة وتُقدَّم وينتهي الإشكال، لكن الآن الأواني متنوعة، والأطعمة متعددة، فيضطرون إلى أن يُبعَد عنهم الطعام، ويفدون إليه زرافات، وكلٌّ يأكل وينصرف، والله يجعل العواقب حميدة.

في خبرٍ الله أعلم به يمكن يعرفه أخونا هذا، يقول: لا تقوم الساعة حتى تُرفَع مائدة وتُوضَع مائدة. يعني على الطعام، يضعون لك مائدة أكلت منها شيئًا تُرفَع، ثم يؤتي لك بغيرها، وهكذا.

طالب: ..............

هذا المفتوح هذا حقيقته.

طالب: ..............

لا لا، ذهب ما كنت تعرف.

القرطبي يقول: قال بعض السلف: من وُضِع على مائدته ثلاثة ألوانٍ من الأطعمة فقد طغى.

طالب: لا حول ولا قوة إلا بالله.

عند قوله –جلَّ وعلا-: {فَأَمَّا مَنْ طَغَى* وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [النازعات:37-38]، ثلاثة. الله المستعان.

طالب: ..............

نعم من الحالي والمالح.

"وَمَعْنَى قَوْلِهِ: {نَكِرَهُمْ} [هود:70] أَيْ: أَنْكَرَهُمْ لِعَدَمِ أَكْلِهِمْ، وَالْعَرَبُ تُطْلِقُ نَكِرَ، وَأَنْكَرَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَقَدْ جَمَعَهُمَا قَوْلُ الْأَعْشَى:

وَأَنْكَرَتْنِي وَمَا كَانَ الَّذِي نَكِرَتْ
 

 

مِنَ الْحَوَادِثِ إِلَّا الشَّيْبَ وَالصَّلَعَا
 

وَرُوِيَ عَنْ يُونُسَ: أَنَّ أَبَا عَمْرِو بْنَ الْعَلَاءِ حَدَّثَهُ: أَنَّهُ صَنَعَ هَذَا الْبَيْتَ وَأَدْخَلَهُ فِي شِعْرِ الْأَعْشَى، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ".

منزلة أبي عمرو أعمق من هذا وأرفع، وهو أورع من أن يضع بيتًا، وينسبه إلى غير قائله.

طالب: .............

إسماعيل بن إسحاق.

طالب: أو مختصر تفسير القشيري... جاء في آية واحتاجوا لكلام أبي عمرو، قال: وهو أعلم القُراء به.

بلا شك وأورع وأتقى لله وأورع من أن يضع بيتًا. ما مصلحته؟

طالب: .............

لو نسبه لنفسه، هو ما نسبه لنفسه.

طالب: لا، قصدي لو كان هو الذي قاله ألا يُستشهَد به؟

تستشهد بقول كذَّاب وضَّاع؟!

طالب: أنا قصدي شعر أبي عمرو بشكل عام...

لا لا، بعد أصل الاستشهاد.

" قَوْلُهُ تَعَالَى: {قَالَتْ يَا وَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ} [هود:72] بَيَّنَ اللَّهُ -جَلَّ وَعَلَا- فِي هَذِهِ السُّورَةِ الْكَرِيمَةِ مَا قَالَتْهُ امْرَأَةُ إِبْرَاهِيمَ لَمَّا بُشِّرَتْ بِالْوَلَدِ وَهِيَ عَجُوزٌ، وَلَمْ يُبَيِّنْ هُنَا مَا فَعَلَتْ عِنْدَ ذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ بَيَّنَ مَا فَعَلَتْ فِي (الذَّارِيَاتِ) بِقَوْلِهِ: {فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ} [الذاريات:29]، وقوله: {فِي صَرَّةٍ} أَيْ: ضَجَّةٍ وَصَيْحَةٍ، وَقَوْلُهُ: {فَصَكَّتْ وَجْهَهَا} أَيْ: لَطَمَتْهُ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ} [هود:74] لَمْ يُبَيِّنْ هُنَا مَا جَادَلَ بِهِ إِبْرَاهِيمُ الْمَلَائِكَةَ فِي قَوْمِ لُوطٍ، وَلَكِنَّهُ أَشَارَ إِلَيْهِ فِي (الْعَنْكَبُوتِ) بِقَوْلِهِ: {قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ * قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ} الآية [العنكبوت:31-32]".

في قوله: {قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا} [العنكبوت:32] هل مجادلة إبراهيم في لوط أو في قوم لوط؟

طالب: ............

يقول: في قوم لوط {يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ} [هود:74]، ومجادلته {قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا} [العنكبوت:32].

طالب: جواب الملائكة ما يجعل مراد إبراهيم الرغبة في نجاة لوط؟

{قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ} [العنكبوت:31].

طالب: جواب الملائكة {لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ} [العنكبوت:32] يجعل كأن مراد إبراهيم...

{يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ} [هود:74] ومجادلته {قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا} [العنكبوت:32].

طالب: في البداية جادل عن القوم فلما علم الهلاك جادل عن لوط............

إنهم هالكون، تخلى عنهم، وخصَّ المجادلة بــ(لوطٍ) نفسه- عليه السلام-.

طالب: قد يكون المراد لوطًا –عليه السلام- وأهله.

قومه؟

طالب: لعلها عن لوط وأهله.

لا.

طالب: ............

ما ردوا عليه لو المجادلة خاصة بــ(لوطٍ) وأهله، ما تصير مجادلة ومحاورة.

طالب: {يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ} [هود:76].

طالب: الكلام على قوم لوط.

طالب: قد يكون هذا في قوم لوط رحمةً من إبراهيم... كذا، ثم لما وقع عليه العذاب {فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [إبراهيم:36] ثم لما أيقن بوقوع العذاب فخصَّ لوطًا؛ لأنه على يقين بإيمانه...

لأن لوط قد آمن به وانتهى، وجواب إبراهيم –عليه السلام-: {قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا} [العنكبوت:32] فيه مجادلة قبل هذه؟

طالب: المجادلة أنه كيف يُهلَك هؤلاء القوم وفيهم لوط؟ يعني المجادلة في القوم؛ لأنه منهم في الأساس.

طالب: {يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ} [هود:76]............

يؤخذ منه أنه قد حصل مجادلة في القوم أنفسهم.

"لَمْ يُبَيِّنْ هُنَا مَا جَادَلَ بِهِ إِبْرَاهِيمُ الْمَلَائِكَةَ فِي قَوْمِ لُوطٍ، وَلَكِنَّهُ أَشَارَ إِلَيْهِ فِي (الْعَنْكَبُوتِ) بِقَوْلِهِ: {قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ * قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ} الآية [العنكبوت:31-32] فَحَاصِلُ جِدَالِهِ لَهُمْ أَنَّهُ يَقُولُ: إِنْ أَهْلَكْتُمُ الْقَرْيَةَ وَفِيهَا أَحَدٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَهْلَكْتُمْ ذَلِكَ الْمُؤْمِنَ بِغَيْرِ ذَنْبٍ، فَأَجَابُوهُ عَنْ هَذَا بِقَوْلِهِمْ: {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا} الآية [العنكبوت:32].

وَنَظِيرُ ذَلِكَ قَوْلُهُ: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [الذاريات:35-36].

قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ} [هود:76] هَذَا الْعَذَابُ الَّذِي صَرَّحَ هُنَا بِأَنَّهُ آتٍ قَوْمَ لُوطٍ لَا مَحَالَةَ وَأَنَّهُ لَا مَرَدَّ لَهُ بَيَّنَهُ فِي مَوَاضِعَ مُتَعَدِّدَةٍ، كَقَوْلِهِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ الْكَرِيمَةِ: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [هود:82-83]، وقوله في (الحِجر): {فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ} [الحجر:74-75]، وقوله: {وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ} الآية [الفرقان:40]، وقوله: {ثُمَّ دَمَّرْنَا الآخَرِينَ * وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنذَرِينَ} [الشعراء:172-173]، وقوله: {لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ} [الذاريات:33-34] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ} [هود:77] ذَكَرَ اللَّهُ -جَلَّ وَعَلَا- فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّ لُوطًا عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، لَمَّا جَاءَتْهُ رُسُلُ رَبِّهِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ حَصَلَتْ لَهُ بِسَبَبِ مَجِيئِهِمْ مَسَاءَةٌ عَظِيمَةٌ ضَاقَ صَدْرُهُ بِهَا، وَأَشَارَ فِي مَوَاضِعَ مُتَعَدِّدَةٍ إِلَى أَنَّ سَبَبَ مَسَاءَتِهِ وَكَوْنِهِ ضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا، وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ: أَنَّهُ ظَنَّ أَنَّهُمْ ضُيُوفٌ مِنْ بَنِي آدَمَ، كَمَا ظَنَّهُ إِبْرَاهِيمُ -عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- وَظَنَّ أَنَّ قَوْمَهُ يَنْتَهِكُونَ حُرْمَةَ ضُيُوفِهِ فَيَفْعَلُونَ بِهِمْ فَاحِشَةَ اللِّوَاطِ؛ لِأَنَّهُمْ إِنْ عَلِمُوا بِقُدُومِ ضَيْفٍ فَرِحُوا وَاسْتَبْشَرُوا بِهِ لِيَفْعَلُوا بِهِ الْفَاحِشَةَ الْمَذْكُورَةَ، فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ هُنَا: {وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ * قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ} [هود:78-79]".

لأنه يعرف أنهم لا يُريدون النساء، وإنما يُريدون هذه الفاحشة التي لم يسبقهم إليها أحدٌ من العالمين، نسأل الله العافية؛ ولذلك غُلِّظَت عليهم العقوبة.

"وقوله في (الحِجر): {وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ * قَالَ إِنَّ هَؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ * وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ * قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ * قَالَ هَؤُلاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ * لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحجر:67-72]".

والمراد بالبنات هنا بناته من صُلبه كما قال بعضهم، وليس المراد حقيقة الكلام، يُريد أن يدفعهم في هذه اللحظة عن هؤلاء الضيوف، ولكن البنات كم عددهن؟ بناته؟ يسير بالنسبة لهؤلاء، لقومه.

والقول الثاني: أن المراد بنات قومه، والنبي كالأب لقومه، والنبي –عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ– ما كان أبا أحد {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب:40] وكون أزواجه أمهات المؤمنين مما يقتضي أنه أبٌ للمؤمنين، وهو أبٌ من جهة الشفقة والرحمة، ودلالتهم وحياطة الخير لهم، أما الانتساب والتبني فلا.

طالب: أليس الأفضل أنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم.

هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم بلا شك.

طالب: هكذا جاءت الآية.

{النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب:6] هذا بلا شك، وجاء بعض السياقات ما يدل على أنه أبٌ للمؤمنين كما أن نساءه أمهات المؤمنين، لكن المنفي شيء، والمثبت شيءٌ آخر.

طالب: في قراءة شاذة: {وهو أب لهم}.

فيه زيادة (وهو أبٌ لهم).

"وقوله: {يُهْرَعُونَ} [هود:78] أَيْ: يُسْرِعُونَ وَيُهَرْوِلُونَ مِنْ فَرَحِهِمْ بِذَلِكَ، وَمِنْهُ قَوْلُ مُهَلْهِلٍ:

فَجَاءُوا يُهْرَعُونَ وَهُمْ أُسَارَى
 

 

تَقُودُهُمْ عَلَى رَغْمِ الْأُنُوفِ
 

وقوله: {وَلا تُخْزُونِ} [هود:78] أَيْ: لَا تُهِينُونِ وَلَا تُذِلُّونِ بِانْتِهَاكِ حُرْمَةِ ضَيْفِي، وَالِاسْمُ مِنْهُ: الْخِزْيُ بِكَسْرِ الْخَاءِ وَإِسْكَانِ الزَّايِ. وَمِنْهُ قَوْلُ حَسَّانَ فِي عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ:

فَأَخْزَاكَ رَبِّي يَا عُتَيْبُ بْنَ مَالِكٍ
 

 

وَلَقَّاكَ قَبْلَ الْمَوْتِ إِحْدَى الصَّوَاعِقِ
 

وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: قَوْلُهُ: {وَلا تُخْزُونِ} [هود:78] مِنَ الْخَزَايَةِ، وَهِيَ الْخَجَلُ وَالِاسْتِحْيَاءُ مِنَ الْفَضِيحَةِ، أَيْ لَا تَفْعَلُوا بِضَيْفِي مَا يَكُونُ سَبَبًا فِي خَجَلِي وَاسْتِحْيَائِي، وَمِنْهُ قَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ يَصِفُ ثَوْرًا وَحْشِيًّا تُطَارِدُهُ الْكِلَابُ فِي جَانِبِ حَبْلٍ مِنَ الرَّمْلِ:

حَتَّى إِذَا دَوَّمَتْ فِي الْأَرْضِ رَاجَعَهُ
 

 

كرَّ وَلَوْ شَاءَ نَجَّى نَفْسَهُ الْهَرَبُ
 

خَزَايَةٌ أَدْرَكَتْهُ بَعْدَ جَوْلَتِهِ
 

 

مِنْ جَانِبِ الْحَبْلِ مَخْلُوطًا بِهَا الْغَضَبُ
 

طالب: .............

ماذا؟

طالب: ..........

في باء.

طالب: كرَّ.

ماذا عندك؟

طالب: "كرَّ وَلَوْ شَاءَ".

ما موقع التكبير هنا؟

طالب: ثقيل على اللسان.

البيت ينكسر، الظاهر أن "كرَّ" أصح.

طالب: فسرها بعد.

فــ(كرَّ) راجعًا إليها.

طالب: ............

ماذا؟

طالب: ............

"{وَلا تُخْزُونِ} [هود:78] أَيْ: لَا تُهِينُونِ" هذا الذي تُريده؟

طالب: نعم.

"وَلَا تُذِلُّونِ" {وَلا تُخْزُونِ} [هود:78] فيها نون، ما الذي يجعل هذه فيها نون، وتلك ليس فيها نون؟

طالب: ما أدري.

أنت قِس على ما في القرآن، يعني حتى ما كان عندك من الاجتهادات فأخضعها لهذا.

طالب: ............

{وَلا تُخْزُونِ} [هود:78] الآية عندك.

طالب: ............

"أَيْ: لَا تُهِينُونِ".

طالب: ............

جاوب.

طالب: سأسأل سؤال آخر.

خلنا ننتهِ منه.

طالب: ............

لا لا ما فيها إشكال.

طالب: ............

ما الموجِب لحذفها؟

طالب: لو كانت (لا) نافية لكن هنا ناهية.

لا، ناهية.

طالب: ناهية نعم.

هي ناهية.

طالب: فليست موجبة للحذف.

طالب: ...........

لا لا، ليس هذا موضع الحذف.

طالب: هي أصلًا تخزونني.

الأصل، فحذِفَت نون الوقاية حُذِفَت قد تُحذَف بالسعة.

طالب: الإشكال في حرف الياء.

ياء المتكلم يعني قد تُحذّف لمراعاة رؤوس الآي فيُقال: {وَلا تُخْزُونِ} [هود:78] الياء هذه حُذِفَت، ياء المتكلم حُذِفَت لمراعاة رؤوس الآي، وإلا فالأصل (ولا تخزونني) ثم تُحذَف النون.

طالب: نون الوقاية هذه النون الأصلية محذوفة.

ما فيه إشكال.

طالب: ...........

نفس الشيء التفسير تابع للمفسَّر.

طالب: ...........

ما هو؟

طالب: ...........

هذا لوط –عليه السلام- يُخاطب قومه.

طالب: ...........

هو يُخاطب قومه.

طالب: ...........

ماذا؟

طالب: الثاني سيلزم من الأول.

طالب: ...........

يُخاطب قومه.

طالب: الذل والهوان سيعود على مَن؟

عليه.

طالب: وكذلك الخجل والاستحياء سيعود عليه، والاستحياء لازم منه الذل والهوان.

هذا كله تفسير كلام يُفسِّر بعضه بعضًا، جيء به للتفسير.

"يَعْنِي أَنَّ هَذَا الثَّوْرَ لَوْ شَاءَ نَجَا مِنَ الْكِلَابِ بِالْهَرَبِ، وَلَكِنَّهُ اسْتَحْيَا وَأَنِفَ مِنَ الْهَرَبِ فَكَرَّ رَاجِعًا إِلَيْهَا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ الْآخَرُ:

أَجَاعِلَةٌ أُمَّ الثُّوَيْرِ خَزَايَةً عَلَى
 

 

فِرَارِي أَنْ لَقِيتُ بَنِي عَبْسِ
 

وَالْفِعْلُ مِنْهُ: خَزِيَ يَخْزَى، كَرَضِيَ يَرْضَى، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

مِنَ الْبِيضِ لَا تَخْزَى إِذَا الرِّيحُ أَلْصقت
 

 

بِهَا مِرْطَهَا أَوْ زَايَلَ الْحَلَى جِيدُهَا"
 

طالب: ............

أين؟

طالب: في نسخة الشيخ بها مرطًا.

بها مرطها.

"وَقَوْلُ الْآخَرِ:

وَإِنِّي لَا أَخْزَى إِذَا قِيلَ مُمْلِقٌ
 

 

سَخِيٌّ وَأَخْزَى أَنْ يُقَالَ بَخِيلُ"
 

بلا شك، ما هو بعيب أن يكون الإنسان فقيرًا مُعدمًا، العيب أن تكون عنده الأموال ويبخل بها على نفسه وأقرب الناس إليه فضلًا عن البعيد.

"وَقَوْلُهُ: {لَعَمْرُكَ} [الحجر:72] مَعْنَاهُ: أُقْسِمُ بِحَيَاتِكَ، وَاللَّهُ -جَلَّ وَعَلَا- لَهُ أَنْ يُقْسِمَ بِمَا شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ، وَلَمْ يُقْسِمْ فِي الْقُرْآنِ بِحَيَاةِ أَحَدٍ إِلَّا نَبِيِّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَفِي ذَلِكَ مِنَ التَّشْرِيفِ لَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا لَا يَخْفَى.

وَلَا يَجُوزُ لِمَخْلُوقٍ أَنْ يَحْلِفَ بِغَيْرِ اللَّهِ؛ لِقَوْلِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ»".

حصلت هذه الصيغة من بعض الصحابة، ولم يعدوها حلفًا ولا يمينًا، وليس فيها أي حرف من حروف القسم، ففي حقيقتها ليست بقسم، قد يُقال كما قال بعضهم: موطِّئة لقسم محذوف، وحينئذٍ ليست بقسم، وهذا كلام جاء في كلام ابن القيم –رحمه الله-، ومشى على هذا على أنها قسم ولا يجوز ولا كذا، ودُرِسَت المسألة وأُعِد فيها بحوث، فالنتيجة أنها ليست بقسم، ويجوز أن تُقال من غير تردد؛ لأنها ليس فيها حرف من حروف القسم، يعني كلام مؤكَّد صحيح باللام، أما كونها قسم فبعيد.

الأمر الثاني: أن الزمخشري يقول: هذا قسمٌ أقسم الله به بنبيّه لوط وليس بنبينا، مع أنهم اتفقوا على أنها في النبي –عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-، وكل هذا قولٌ مرجوح، وجاءت على لسان أهل العلم بكثرة، وعن الصحابة، وعن غيرهم من أهل الفضل والعلم.

طالب: البيت الأول الذي مر..... راجعه كبر ........

(راجعه كِبرٌ) تكبَّر وأنِف عن التواضع، فتكبَّر وأصر على ما يُريد ولو أُكِل، هذا مراده.

طالب: فيكون بمعنى؟

الكِبر.

طالب: .............

ماذا؟

طالب: في رواية.............

راجعه وأدركه كلها واحد، المعنى واحد.

طالب: .............

طالب: هنا هو الذي يحتاج إلى تعليق، كبر مضبوط.....

مضبوط من حيث المعنى بلا شك والوزن.   

طالب: لعمرك ما معناها؟

(لعمرك) كلام مؤكد، يعني الآن لو تقول: إن خرجتِ فأنتِ طالق، ويقول العلماء: هذا قسمٌ أو يمين بالطلاق، تكون أشركت؟

طالب: .............

 يعني كلام مؤكد، مُفاده مُفاد الكلام المؤكَّد، فيُكفَّر بكفارة الكلام المؤكَّد بالله –جلَّ وعلا-، فيكون حلفًا من حيث لزوم الكفارة، وهذه (لعمرك) قال بعض أهل العلم بوجوب الكفارة، وحينئذٍ تكون ممنوعة، ولكنها ليست بِشرك.

وما جرى على لسان الصحابة والتابعين ومن بعدهم من غير نكيرٍ بين أهل العلم يدل على الجواز، وأنها ليست بقسم.

"وَقَوْلُهُ: {لَعَمْرُكَ} [الحجر:72] مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ، أَيْ لَعَمْرُكَ قَسَمِي، وَسُمِعَ عَنِ الْعَرَبِ تَقْدِيمُ الرَّاءِ عَلَى اللَّامِ فِي لَعَمْرُكَ، فَتَقُولُ فِيهَا: رَعَمْلُكَ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

رَعَمْلُكَ إِنَّ الطَّائِرَ الْوَاقِعَ الَّذِي
 

 

تَعَرَّضَ لِي مِنْ طَائِرٍ لَصَدُوقُ"
 

يعني هل هذا المطَّرد عند العرب أو غلطة جاءت على لسان شاعر (رعملك) بحيث يُنقَل القول عن العرب؟

طالب: أقول: له نظائر.

عندك مثال ثانٍ؟

طالب: جذب وجبذ.

التقديم والتأخير معروف، لكن سُمِع عن العرب يعني عن واحدٍ منهم أو من مجموعة؟

على كل حال هذا كلام الشيخ، والبيت ما يحتاج على لفظ (رعملك)، وكثيرٌ من الناس في وقتنا الحاضر من الفضوليين يقلبون الكلام عنوة؛ ليأتوا به من حيث النكتة والطرفة، والله المستعان.

"وقوله: {لَفِي سَكْرَتِهِمْ} [الحجر:72] أَيْ: عَمَاهُمْ وَجَهْلِهِمْ وَضَلَالِهِمْ، وَالْعَمَهُ: عَمَى الْقَلْبِ، فَمَعْنَى {يَعْمَهُونَ} [الحجر:72] يَتَرَدَّدُونَ مُتَحَيِّرِينَ لَا يَعْرِفُونَ حَقًّا مِنْ بَاطِلٍ، وَلَا نَافِعًا مِنْ ضَارٍّ، وَلَا حَسَنًا مِنْ قَبِيحٍ.

وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِ لُوطٍ -عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: {هَؤُلاءِ بَنَاتِي} [هود:78] فِي الْمَوْضِعَيْنِ عَلَى أَقْوَالٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّهُ أَرَادَ الْمُدَافَعَةَ عَنْ ضَيْفِهِ فَقَطْ، وَلَمْ يُرِدْ إِمْضَاءَ مَا قَالَ، وَبِهَذَا قَالَ عِكْرِمَةُ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ.

الثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ بَنَاتُهُ لِصُلْبِهِ، وَأَنَّ الْمَعْنَى: دَعُوا فَاحِشَةَ اللِّوَاطِ وَأُزَوِّجُكُمْ بَنَاتِي، وَعَلَى هَذَا فَتَزْوِيجُ الْكَافِرِ الْمُسْلِمَةَ كَانَ جَائِزًا فِي شَرْعِهِ، كَمَا كَانَتْ بَنَاتُ نَبِيِّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَحْتَ الْكُفَّارِ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ، وَقَدْ أَرْسَلَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِقْدَهَا الَّذِي زَفَّتْهَا بِهِ أُمُّهَا خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- إِلَى زَوْجِهَا أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ، أَرْسَلَتْهُ إِلَيْهِ فِي فِدَاءِ زَوْجِهَا أَبِي الْعَاصِ الْمَذْكُورِ لَمَّا أَسَرَهُ الْمُسْلِمُونَ كَافِرًا يَوْمَ بَدْرٍ، وَالْقِصَّةُ مَشْهُورَةٌ، وَقَدْ عَقَدَهَا الشَّيْخُ أَحْمَدُ الْبَدَوِيُّ الشِّنْقِيطِيُّ فِي مَغَازِيهِ بِقَوْلِهِ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ:

وَابْنُ الرَّبِيعِ صِهْرُ هَادِي الْمِلَّةِ إِذْ فِي فِدَاهُ زَيْنَبُ أَرْسَلَتْ بِعِقْدِهَا الَّذِي بِهِ أَهْدَتْهَا لَهُ خَدِيجَةُ وَزَفَّتْهَا".

تكون التاء مكسورة في الموضعين.

طالب: ..............

الملةِ وأرسلتِ.

"وَابْنُ الرَّبِيعِ صِهْرُ هَادِي الْمِلَّةِ إِذْ فِي فِدَاهُ زَيْنَبُ أَرْسَلَتِ بِعِقْدِهَا الَّذِي بِهِ أَهْدَتْهَا لَهُ خَدِيجَةُ وَزَفّفَتْهَا سَرَّحَهُ بِعَقْدِهَا وَعَهدًا إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهَا لَهُ غَدَا إِلَى آخره".

طالب: ..............

وعدًا؟

طالب: العين.

هي عين.

طالب: هي هندهم..............

نعم.

"الْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَنَاتِ: جَمِيعُ نِسَاءِ قَوْمِهِ؛ لِأَنَّ نَبِيَّ الْقَوْمِ أَبٌ دِينِيٌّ لَهُمْ، كَمَا يَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي نَبِيِّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب:6] وَفِي قِرَاءَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: (وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَهُوَ أَبٌ لَهُمْ) وَرُوِيَ نَحْوُهَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَبِهَذَا الْقَوْلِ قَالَ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ.

وَهَذَا الْقَوْلُ تُقَرِّبُهُ قَرِينَةٌ وَتُبْعِدُهُ أُخْرَى، أَمَّا الْقَرِينَةُ الَّتِي تُقَرِّبُهُ فَهِيَ: أَنَّ بَنَاتَ لُوطٍ لَا تَسَعُ جَمِيعَ رِجَالِ قَوْمِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، فَإِذَا زَوَّجَهُنَّ لِرِجَالٍ بِقَدْرِ عَدَدِهِنَّ بَقِيَ عَامَّةُ رِجَالِ قَوْمِهِ لَا أَزْوَاجَ لَهُمْ، فَيَتَعَيَّنُ أَنَّ الْمُرَادَ عُمُومُ نِسَاءِ قَوْمِهِ، وَيَدُلُّ لِلْعُمُومِ قَوْلُهُ: {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ * وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ} [الشعراء:165-166]، وقوله: {أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ} [النمل:55] وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.

وَأَمَّا الْقَرِينَةُ الَّتِي تُبْعِدُهُ: فَهِيَ أَنَّ النَّبِيَّ لَيْسَ أَبًا لِلْكَافِرَاتِ، بَلْ أُبُوَّةُ الْأَنْبِيَاءِ الدِّينِيَّةُ لِلْمُؤْمِنِينَ دُونَ الْكَافِرِينَ، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ} الآية [الأحزاب:6].

وَقَدْ صَرَّحَ تَعَالَى فِي (الذَّارِيَاتِ) بِأَنَّ قَوْمَ لُوطٍ لَيْسَ فِيهِمْ مُسْلِمٌ إِلَّا أَهْلَ بَيْتٍ وَاحِدٍ، وَهُمْ أَهْلُ بَيْتِ لُوطٍ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: {فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [الذاريات:36]".

طالب: من قال: إن كل قوم لوط هم من أتوا قد يكون بعضهم؟

يعني ما يأتي إلا خمسة، ستة بقدر البنات؟

طالب: .............

الكلام على عمومه، الأصل أنهم كلهم فجرة.

طالب: دعوته لزواجه من بناته دعوة لهم أصلًا أن يؤمنوا.

طالب: وأصلًا أنه قال: {فَاتَّقُوا اللَّهَ} [هود:78] وهم أصلًا لو كانوا يؤمنون بالله...

ما فعلوا ولا طلبها.

طالب: فقوله: {فَاتَّقُوا اللَّهَ} [هود:78] يتضمن...

آمِنوا.. آمِنوا.

"قوله تعالى: {قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ * قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ} [هود:80-81]".

وجاء في الصحيحين «وَيَرْحَمُ اللّهُ لُوطا، لَقَدْ كَانَ يَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ»، هو الله –جلَّ وعلا- لوط– عليه السلام- لما جاءه القوم وجاءه هؤلاء الفجرة ذُهِل ما استحضر أو يُريد أن يأوي إلى ركنٍ شديد من جنسه من البشر، ولكن الله –جلَّ وعلا- هو ركنه الركين الشديد، فقد نجَّاه منهم.

"ذَكَرَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّ نَبِيَّهُ لُوطًا وَعَظَ قَوْمَهُ، وَنَهَاهُمْ أَنْ يَفْضَحُوهُ فِي ضَيْفِهِ، وَعَرَضَ عَلَيْهِمُ النِّسَاءَ وَتَرْكَ الرِّجَالِ، فَلَمْ يَلْتَفِتُوا إِلَى قَوْلِهِ، وَتَمَادَوْا فِيمَا هُمْ فِيهِ مِنْ إِرَادَةِ الْفَاحِشَةِ، فَقَالَ لُوطٌ: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً} الآية [هود:80] فَأَخْبَرَتْهُ الْمَلَائِكَةُ بِأَنَّهُمْ رُسُلُ رَبِّهِ، وَأَنَّ الْكُفَّارَ الْخُبَثَاءَ لَا يَصِلُونَ إِلَيْهِ بِسُوءٍ.

وَبَيَّنَ فِي (الْقَمَرِ) أَنَّهُ تَعَالَى طَمَسَ أَعْيُنَهُمْ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: {وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ} [القمر:37]".

أنهيت؟

طالب: نعم.

جزاك الله خيرًا.

اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ونبيك محمد.