تعليق على تفسير سورة آل عمران (30)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نعم.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

قال الإمام ابن كثيرٍ -رحمه الله تعالى-: "قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ * سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ *وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ * إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}[آل عمران:149-153].

يُحَذِّرُ تَعَالَى عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ طَاعَةِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ، فَإِنَّ طَاعَتَهُمْ تُورِثُ الرَّدَى فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَلِهَذَا قال تعالى: {إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ}[آل عمران:149] ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِطَاعَتِهِ وَمُوَالَاتِهِ وَالِاسْتِعَانَةِ به والتوكل عليه، فقال تعالى: {بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ}[آل عمران:150] ثُمَّ بَشَّرَهُمْ بِأَنَّهُ سَيُلْقِي فِي قُلُوبِ أَعْدَائِهِمُ الْخَوْفَ مِنْهُمْ وَالذِّلَّةَ لَهُمْ بِسَبَبِ كُفْرِهِمْ وَشِرْكِهِمْ، مَعَ مَا ادَّخَرَهُ لَهُمْ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ مِنَ الْعَذَابِ وَالنَّكَالِ، فَقَالَ {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ}[آل عمران:151] وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً».

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيَّ، عَنْ سَيَّارٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم- قال: «فَضَّلَنِي رَبِّي عَلَى الْأَنْبِيَاءِ» أَوْ قَالَ: عَلَى الْأُمَمِ «بِأَرْبَعٍ» قَالَ: «أُرْسِلْتُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً، وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ كُلُّهَا وَلِأُمَّتِي مَسْجِدًا وَطَهُورًا فَأَيْنَمَا أَدْرَكَتْ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي الصَّلَاةُ فَعِنْدَهُ مَسْجِدُهُ وَطَهُورُهُ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ يَقْذِفُهُ فِي قُلُوبِ أَعْدَائِي، وَأُحِلَّ لِيَ الْغَنَائِمُ» وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ سَيَّارٍ الْقُرَشِيِّ الْأُمَوِيِّ مَوْلَاهُمُ الدِّمَشْقِيِّ سَكَنَ الْبَصْرَةَ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ صُدَيِّ بْنِ عَجْلَانَ -رَضِيَ اللَّهُ عنه- به، وقال: حسنٌ صحيح.

وقال سعيد بن منصور: أَنْبَأَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قال: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ أَنَّ أَبَا يُونُسَ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله عليه وسلم- قال: «نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ عَلَى الْعَدُوِّ» وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حديث ابن وهب.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قال: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَبِي مُوسَى، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أُعْطِيتُ خَمْسًا: بُعِثْتُ إِلَى الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ، وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ طَهُورًا وَمَسْجِدًا، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لِمَنْ كَانَ قَبْلِي، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ شَهْرًا، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وَلَيْسَ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَقَدْ سَأَلَ شَفَاعَتَهُ وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ شَفَاعَتِي ثُمَّ جَعَلْتُهَا لِمَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا» تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ.

وَرَوَى الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ}[آل عمران:151] قَالَ: قَذَفَ اللَّهُ فِي قَلْبِ أَبِي سُفْيَانَ الرُّعْبَ فَرَجَعَ إِلَى مَكَّةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ قَدْ أَصَابَ مِنْكُمْ طَرَفًا، وَقَدْ رَجَعَ وَقَذَفَ اللَّهُ فِي قَلْبِهِ الرُّعْبَ» رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد،

فيقول الله -جلَّ وعلا-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ}[آل عمران:149] وهذا أمرٌ يشهد به الواقع من أول الأمر إلى آخره، ما نصح الكافر للمسلم، وإنما يستدرجه ببعض الأمور حتى يقضي على جميع ما عنده؛ {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}[البقرة:120]، قد يُعطي طعمًا يُرغِّب به المسلم؛ لينساق في طاعته وإجابة أمره، ثم ينْكُبه، وهذا هو الحاصل والواقع الذي نعيشه وعاشه من قبلنا، والله المستعان.

{إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ}[آل عمران:149] لأن من نكص على عقبيه خسر، وأي خسارةٍ أعظم من خسارة الدين الذي هو رأس مال المسلم؟!  

{بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ}[آل عمران:150] جلَّ وعلا، ليس لنا مولى إلا هو، في جواب النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- قال: «قولوا: اللَّهُ مَوْلَانَا، ولَا مَوْلَى لَكُمْ».

{بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ * سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ}[آل عمران:150-151] يعني بسبب شِركهم بالله {مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا}[آل عمران:151] وهذا وصفٌ كاشف لا مفهوم له؛ لأنه ليس في الشرك نوعٌ أنزل الله به سلطانه، فجميع الشرك لم يُنزِّل الله به سلطانًا.

{وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ}[آل عمران:151] يعني مصيرهم ومرجعهم النار {وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ}[آل عمران:151] النار بئس القرار نعوذ بالله من النار.

{وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ}[آل عمران:152] وعدهم بالنصر، ولن يُخلف الله وعده.

{إِذْ تَحُسُّونَهُمْ}[آل عمران:152] يعني: تقتلونهم {بِإِذْنِهِ}[آل عمران:152] وقد حصل القتل في بدر، فحصلت الوقعة والنكسة للكفار، ورجعوا خائبين؛ فقُتِل منهم سبعون، وأُسِر سبعون، ونصروا في بداية الأمر في أُحد، وحصل من الرماة ما حصل من مخالفة أمره -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- فصارت العاقبة والنتيجة التأديب لمن حصل منه ما حصل، سواءٌ من الرماة أو من غيرهم ممن فرَّ.

{حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ}[آل عمران:152] الفشل: الضعف، وتنازعتم واختلفتم في الأمر، ولا شك أن التنازع والاختلاف سبب للضعف والهزيمة والتفرُّق، فاجتماع الكلمة ووحدة الصفِّ من أعظم أسباب النصر بعد الإخلاص لله- جلَّ وعلا-.

{حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ}[آل عمران:152] أمر الله وأمر رسوله- عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-.

{مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ}[آل عمران:152] من بعد ما أراهم شيئًا من علامات الانتصار، وهذا مما يُحبونه لا شك، استعجلوا وخالفوا توجيهه -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-؛ لأنه قال لهم: «الزموا أماكنكم ولو رَأَيْتُمُونَا تتَخْطَفُنَا الطَّيْرُ لا تَبْرَحُوا من أمَاكنَكُمْ»، فلما رأوا ما يسرُّ من علامات النصر خالفوا الأمر، قالوا: نُشارك في الغنائم، فحصل ما حصل من الهزيمة.

{وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ}[آل عمران:152] هذا في حق من؟ في حق الصحابة -رضوان الله عليهم- أفضل الأمة، بيَّن الله -جلَّ وعلا- أن منهم من يريد الدنيا، وإرادة الدنيا إذا كان الهدف والقصد الأصلي والباعث على الجهاد هو إرادة الآخرة، قد يدخل شيء من إرادة الدنيا وهذا قلَّ من يسلم منه مع الآخرة.

{ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ}[آل عمران:152] ليختبركم {وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ}[آل عمران:152] يعني مما حصل من تقصير، عفا الله عنه، {وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}[آل عمران:152].

{سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ}[آل عمران:151] النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- أُعطي خصال -وهي من خصائصه- لم يُعطهن أحدٌ قبله من الرسل، ومنها «نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ»، وفي روايةٍ «مسيرة شهرين» ووفِّق بينهما أن مسيرة الشهر الذهاب، والشهرين في الذهاب والإياب، وهذا الرعب الذي يُقذَف في قلوب الأعداء للنبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- دون من قبله من الأنبياء، ولأمته ممن يتبعه -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- نصيب من هذا الرعب تبعًا له لا استقلالًا.

وقد رأينا مَن اقتفى أثر النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- في العلم والعمل يأتي الشخص من عِلْية القوم ليُسلِّم عليه فيرجع وما سلَّم عليه من الرعب، ولقد رأيت من يأتي إلى السلام على شيخنا ابن باز في أشدّ أيام السنة برودة، وإن العرق ليتقاطر من يده، وهو الشيخ المتواضع، الكفيف، ضعيف الأركان -رحمه الله-، كل هذا بسبب اقتدائه بالنبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-، وتطبيقه لسُنته، فمن كان له نصيبٌ من الاتباع كان له نصيبٌ من الرعب، إرث نبوي، والله المستعان.

«أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» الأرض باللفظ العام يدل على جواز الصلاة والتيمم على جميع ما على وجه الأرض، في روايةٍ «وجُعِلَت تُربتها لنا طهورًا»، وفي روايةٍ: «وجُعِل التراب لنا طهورًا»، هذا التراب نوع من الأنواع، وليس بوصف، خلافًا لمن قال: هذا تقييد وليس بتخصيص؛ ولذا يختلف الأئمة في جواز التيمم بغير التراب، فلا يجوز التيمم بالرمل، ولا يجوز التيمم بما على وجه الأرض من صخرٍ أو غير ذلك إلا بالتراب الذي له غبار، وهذا المعروف عند الشافعية والحنابلة، وغيرهم يقولون بجميع ما على وجه الأرض.

والسبب في ذلك الاختلاف في تكييف الفرع مع الأصل هل هو فرع أو وصف؟ إن قلنا: نوع، الفرع نوع، قلنا: تخصيص، والتخصيص إنما يكون إذا كان حكم الخاص مخالفًا لحكم العام، أما إذا كان موافقًا له، فلا تخصيص، وأما بالنسبة للتقييد وإعمال الأوصاف، فيُقيد المطلق بالمقيد، بالقيد الذي ذُكِر، وإذا كان المطلق والمقيد متفقين في الحكم والسبب فهذا محلّ اتفاق بخلاف ما إذا كانا مختلفين في الحكم والسبب، والخلاف فيما إذا اتفقا في الحكم واختلفا في السبب، وإن كان التقييد هو الأرجح، وضدّه إذا اتفقا في السبب واختلفا في الحكم.

فمثل هذا الذين قالوا بالتقييد قالوا بمذهب الحنابلة، والشافعي أنه لا يُتَيمم إلا بالتراب الذي له غبار يعلق باليد؛ لأنه يقول: «وجُعِلَت تُربتها» «وجُعِل التراب».

والذين قالوا: إنه من باب العموم والخصوص، قالوا: إن الخاص حكمه موافق لحكم العام، فلا تخصيص، وهذا مأخذ المسألة، وأنت إذا نظرت في الشروح وجدت في كلامهم نوع اضطراب، ففي بعضه تشم منه رائحة التخصيص، ثم يسترسل الكلام ويجعله من نوع التقييد، وهذا وقع لبعض الشراح ومعروف ومقيد عندنا، لكن الذي ينضبط في قواعده لا يضطرب.

وعلى كل حال المرجَّح أنه من باب التخصيص، والتراب فردٌ من أفراد العام الذي هو الأرض لا وصفٌ له، وبهذا يُسلَم من الحرج الذي يترتب على القول بأنه تقييد، وأنه لا تيمُّم بغير التراب، النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- قطع المفاوز والفيافي من الرمال، ومن الصخور، وقد تُقطَع المسافات الطويلة من الثلوج، فماذا يصنع؟ ما ذُكِر أن النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- حمل التراب معه، وقد مر في طريقه من تبوك إلى المدينة في المسافات الطويلة من الرمال والصخور وغيرها، ولا أنه أخَّر الصلاة إلى أن وصل إلى منطقةٍ فيها تراب.

طالب: التنصيص على بعض أفراد العام هذا يُعَد تخصيص؟

التنصيص على بعض أفراد العام للاهتمام به والعناية بشأنه.

طالب: ............

الأهم أهم من غيره.

طالب: ............

التنصيص على بعض أفراد العام للاهتمام به والعناية بشأنه، ولا يقتضي التخصيص إذا كان الحكم موافق، أما إذا كان الحكم مخالف؛ يُحمَل العام على الخاص، فإذا قلت: أعطِ طلاب العلم كل طالب مائة ريال، إذا قاله محسن جاء لشيخ وقال: أعطِ طلاب العلم كل واحد مائة ريال، ثم قال: أعطِ الغرباء منهم كل طالب مائة ريال، هل معناه أن هذا تخصيص، وأن طلاب العلم لا يُعطَون؟

أما إذا قال: لا تُعطِ؛ فيُخرَج المنفي.

طالب: ............

لا لا، كونه يَرِد في نَصين، يَرِد في النَّص العام ويؤكَّد في الخاص دليل العناية والاهتمام بشأنه.

«وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ» في السابق في الأمم السابقة تُجمَع الغنائم في مكان تنزل عليها نار فتُحرقها، وأما في شريعتنا السمحة السهلة المكرَّمة عند الله -جلَّ وعلا- بسبب كرامة وشرف نبيِّها -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- فهي للغانمين.

«وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ» الشفاعة التي يُقصَد بها العظمى التي هي في تخليص الناس من الموقف وشدائده، حيث يطلبها الناس من آدم -عليه السلام- فيعتذر، ومن نوح يعتذر، ومن إبراهيم يعتذر، ومن موسى، ومن عيسى فيعتذران، كلٌّ يُبدي ما عنده من عذر إلا عيسى -عليه السلام- ما ذكر شيئًا.

المقصود أنهم كلهم تخلوا عنها، فقال النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: «أنا لها» فسجد، ثم قيل له ما قيل إلى آخر الحديث.

«وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً» فقط، موسى لبني إسرائيل، ونوح لقومه، وإبراهيم لقومه، كل الأنبياء كلهم يُبعثون إلى أقوامهم، وبُعِث النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- إلى الناس عامة.

ثم الحديث الذي رواه الإمام أحمد، وهو بمعنى ما سبق.

وفي الحديث أيضًا المخرَّج في المسند، قال: من حديث أبي موسى "قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أُعْطِيتُ خَمْسًا: بُعِثْتُ إِلَى الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ»" يعني إلى جميع الأجناس والألوان «وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ طَهُورًا وَمَسْجِدًا، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ» تقدمت «وَلَمْ تَحِلَّ لِمَنْ كَانَ قَبْلِي، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ شَهْرًا، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ» من الخصائص الخمس، وله -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- من الخصائص غيرها، وأُلِّفَت فيها المؤلفات كُتب الخصائص، وأطول هذه المؤلفات كتاب السيوطي طُبِع في الهند في مجلدين، ثم طُبِع بعد ذلك في ثلاثة.

«وَلَيْسَ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَقَدْ سَأَلَ شَفَاعَتَهُ» في حياته إما دعوة لهم أو عليهم، المقصود أنهم سألوا شفاعتهم في حياتهم «وَإِنِّي» يقول النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: «وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ شَفَاعَتِي ثُمَّ جَعَلْتُهَا لِمَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا».

ثم قال: "وَرَوَى الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ" رواية عطية العوفي عن ابن عباس فيها انقطاع "فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ}[آل عمران:151] قَالَ: قَذَفَ اللَّهُ فِي قَلْبِ أَبِي سُفْيَانَ الرُّعْبَ فَرَجَعَ إِلَى مَكَّةَ" بعد ما كان يشعر به من نشوة الانتصار قذف الله في قبله الرعب "فَرَجَعَ إِلَى مَكَّةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ قَدْ أَصَابَ مِنْكُمْ طَرَفًا، وَقَدْ رَجَعَ وَقَذَفَ اللَّهُ فِي قَلْبِهِ الرُّعْبَ» رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ" والإسناد كما تعرفون ضعيف العوفي عن ابن عباس، ولكنهم يعتمدونه في التفسير في مثل هذه الأمور؛ لأن الأئمة الكبار يتسامحون في أخبار المغازي، والتفسير، والفضائل، يتسامحون فيها ويروونها ما لم يترتب عليها حكم من الأحكام، فإنهم يُشددون في ذلك.      

نعم.

"وقوله تعالى: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ}[آل عمران:152] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَعَدَهُمُ اللَّهُ النَّصْرَ، وَقَدْ يُسْتَدَلُّ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ في قوله تعالى: {إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ}[آل عمران:125] أَنَّ ذَلِكَ كَانَ يَوْمَ أُحُدٍ؛ لِأَنَّ عَدُوَّهُمْ كَانَ ثَلَاثَةَ آلَافِ مُقَاتِلٍ، فَلَمَّا وَاجَهُوهُمْ كَانَ الظَّفَرُ وَالنَّصْرُ أَوَّلَ النَّهَارِ لِلْإِسْلَامِ، فَلَمَّا حَصَلَ مَا حَصَلَ مِنْ عِصْيَانِ الرُّمَاةِ وَفَشَلِ بَعْضِ الْمُقَاتِلَةِ، تَأَخَّرَ الْوَعْدُ الَّذِي كَانَ مَشْرُوطًا بِالثَّبَاتِ وَالطَّاعَةِ، وَلِهَذَا قَالَ: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ}[آل عمران:152] أَيْ: أَوَّلَ النَّهَارِ {إِذْ تَحُسُّونَهُمْ}[آل عمران:152] أَيْ: تَقْتُلُونَهُمْ {بِإِذْنِهِ}[آل عمران:152] أَيْ: بِتَسْلِيطِهِ إِيَّاكُمْ عَلَيْهِمْ {حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ}[آل عمران:152] وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْفَشَلُ الْجُبْنُ {وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ}[آل عمران:152] كَمَا وَقَعَ لِلرُّمَاةِ {مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ}[آل عمران:152] وَهُوَ الظَّفَرُ مِنْهُمْ".

الظفر بهم.

طالب: عندنا منهم.

في اختلاف؟

طالب: ..........

البقية؟

طالب: ..........

اختلاف نُسخ؟

طالب: لا بُد.

والظفر منهم.

طالب: عندنا "منهم".

عندك "منهم"؟

طالب: نعم.

هذه الأزهرية التي طُبِعَت عنها طبعة الشعب وهي أقدم النُّسخ على الإطلاق، كُتِبَت في حياة المؤلف، وعليها تعليقات بقلمه، تحدثنا عنها مرارًا، هي من حيث الصحة صحة ما فيها هي أصح النُّسخ، والذي يقول: إنها بها خرم ونواقص، هذا صحيح، لكنه ليس من أصل النُّسخة، ابن كثير -رحمه الله تعالى- هذه هي العرضة الأولى للكتاب، والحافظ ابن كثير أخذ يزيد في الكتاب مقاطع؛ ولذلك لا تجد نقص كلمة ولا تحريف كلمة، لا، مقطع كامل ثلاثة أسطر أربعة أسطر، خمسة كلها لا تُوجد، ما نقول: سقطت، ما وُضِعَت، إنما وُضِعَت في العرضات اللاحقة للكتاب.

طالب: ما فيه نُسخة تقابل الأزهرية في العرضة الثانية؟

ما تجيء، هذه أقدم النُّسخ وأهميتها في صحة ما فيها، وتفوقها العرضات الأخيرة بما فيها من الزيادات، زيادات مقاطع ينقل عن الزمخشري مقطعًا كاملًا لا يُوجد في هذه، ينقل عن الرازي مقطعًا كاملًا لا يُوجد في هذه، ينقل عن القرطبي، ينقل عن المفسرين مقاطع كاملة، ولا يُقال: سقطت من الأزهرية، لا، ما وُضِعَت في الأزهرية أصلًا؛ ولذلكم الشيخ/ أحمد شاكر جعلها الأصل واعتمد عليها؛ لأنه يعرف السبب، ما قال: نسخةٌ رديئة فيها أسقاط وفيها كذا كذا مثل ما قال الشيخ/ محمد رشيد رضا، والسبب هو ما ذكرت، وأنا عندي نسخة الشيخ/ أحمد شاكر نفسه التي صوَّرها وجلَّدها ورقَّم أحاديثها وعلَّق عليها من النسخة الأزهرية، فالشيخ محمد رشيد رضا رأى هذا أسطرًا ساقطة، قال: هذه ما يُعتَمد عليها.

وللتفسير نُسخ بالمئات قد جُمِع أو جمع منه من أراد التحقيق ما يقرب من مائة نسخة التي وقف عليها، ولكن ليس من مصلحة التحقيق أن تُجمَع النُّسخ كلها، ماذا يحدث؟ هذا يعوق عن خروج الكتاب.

الأمر الثاني: الحواشي كيف تصير؟

الأمر الثالث: أن بعض النُّسخ لا قيمة لها المتأخرة، والتي وتولاها أشباه عوام ليسوا من أهل العلم على المحقق أن ينتقي إذا كثرت النُّسخ ينتقي، ولا يجمع ما هب ودب، ويُثقِل الحواشي بأمورٍ لا قيمة لها، والله المستعان.

من عندنا أكبر من هذين الشيخين اللذين توليا العناية بالكتاب؟ محمد رشيد رضا، وأحمد شاكر، يعني منزلتهم رفيعة في التحقيق.

ماذا قلنا عندك؟

طالب: الظفر منهم.

"منهم" هذه الأزهرية، وهذا ماذا يقول؟

طالب: بهم.

بهم، مع الضعف في النظر إذا رُفِع البصر عن الكتاب، وصار العهد غير قريب يضيع، الله يتوب علينا.

طالب: ...........

ما الذي معك؟

طالب: ..........

صفحة كم؟

طالب: تسعة.

تسعة؟ ما هو بالثالث.

طالب: بالرابع.

أربعة.

طالب: من أسفل.

من أسفل.

طالب: ...........

غلط هذا "وهو الظفر بهم" وكل شيء كما يُقال في أساليب المعاصرين: له ضريبة، تُريد أن تقف عند كل شيء ما تنتهي.

طالب: فائدة.

فائدة لكن...

طالب: من الفوائد العزيزة.

لا، أعرف واحدًا من شيوخنا الموجودين قُرئ عليه ابن كثير أربع مرات، ونحن من سنة ثلاثة وثلاثين في هذا المكان، الله يتوب علينا.

طالب: يقول: لأن عدوهم ثلاثة آلاف مقاتل، في طبعة ابن الجوزي؛ لأن عددهم كان ثلاثة آلاف مقاتل.

"لأن عدوهم كان ثلاثة آلاف مقاتل" هذا الذي عندنا بأولاد الشيخ، وهي من أصحّ الطبعات.

طالب: إن عددهم.

عندك عددهم؟

طالب: عدوهم؟

أين؟

طالب: في أولاد الشيخ عدوهم.

نعم هذه عندي، الله يتوب علينا "لأن عدوهم" ماذا عندك؟

طالب: عدوهم.

طالب: عددهم.

كم عدد المسلمين في أُحد؟

طالب: ألف.

ألف.

نعم.       

"{مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا}[آل عمران:152] وَهْمُ الَّذِينَ رَغِبُوا فِي الْمَغْنَمِ حِينَ رَأَوُا الْهَزِيمَةَ {وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ}[آل عمران:152] ثُمَّ أَدَالَهُمْ عَلَيْكُمْ لِيَخْتَبِرَكُمْ وَيَمْتَحِنَكُمْ {وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ}[آل عمران:152] أَيْ: غَفَرَ لَكُمْ ذَلِكَ الصَّنِيعَ، وَذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، لِكَثْرَةِ عَدَدِ الْعَدُوِّ وَعُدَدِهِمْ وَقِلَّةِ عَدَدِ الْمُسْلِمِينَ وَعُدَدِهِمْ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَوْلُهُ: {وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ} قَالَ: لَمْ يَسْتَأْصِلْكُمْ".

لا شك أن العدد عدد المقاتلين له أثر في وجوب الثبات، وكان الواجب على المسلمين الثبات إذا كانوا العُشر، ثم بعد ذلك {وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا}[الأنفال:66] نزل إلى اثنين إلى واحد {فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ}[الأنفال:66].

طالب: ..........

نعم.

"قَالَ: لَمْ يَسْتَأْصِلْكُمْ، وَكَذَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: رَوَاهُمَا ابْنُ جَرِيرٍ {وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}[آل عمران:152].

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أبيه، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: مَا نَصَرَ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ كَمَا نصر يَوْمَ أُحُدٍ، قَالَ: فَأَنْكَرْنَا ذَلِكَ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بَيْنِي وَبَيْنَ مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ كِتَابُ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ فِي يَوْمِ أُحُدٍ {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ}[آل عمران:152] يقول ابن عباس: الحس: الْقَتْلُ".

كان ذلك في أول النهار لصدقهم وثباتهم، ثم لما حصل ما حصل من الفشل والاختلاف ومخالفة أمره -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- حصل النقيض، وهل تُسمى هذه هزيمة أو نصرًا؟

طالب: ........

معروفة، لكن نحن نُقرر الراجح إن شاء الله.

طالب: ........

نظرًا إلى الواقع؛ لأنهم فروا وحصل فيهم القتل، نعم، والثاني؟

طالب: ........

الشيخ الأمين الشنقيطي يُقرِّر أنه نصر، ولا شك أن من نظر إلى المسألة بعين البصيرة، ونظر إلى الواقع نظرةً فاحصة؛ وجده نصرًا؛ لأنه لو لم يكن هذا الأمر الذي جاء للتأديب ما هو بالانتقام، لتأديب من خالف أمر الرسول -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-، ما هو بانتقام.

وعلى كل حال المسألة لها ظاهر، وهو أنهم فروا، وحصل فيهم القتل، فمن نظر إلى هذا قال: هزيمة، ومن نظر إلى أن المسألة تحتمل أعظم من ذلك، وأن المشركين لولا أنَّ الله صرفهم عنهم، وهذا الصرف انتصار معنوي، وإن كان من الله -جلَّ وعلا- والكُلّ منه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- لحصل الأمر أضعاف ما حصل، ولولا أن الله قذف في قلوبهم الرعب لكروا عليهم واستأصلوهم؛ لأنه ما بقي مع الرسول -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- إلا اثنا عشر رجل.

وعلى كل حال هو نصر، ويُنظَر فيه إلى العاقبة، العاقبة ما الذي حصل للمسلمين بعدها؟ هل أفادوا منها؟

"{حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ}[آل عمران:152] إلى قوله: {وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}[آل عمران:152] الآية، وَإِنَّمَا عَنَى بِهَذَا الرُّمَاةَ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَقَامَهُمْ فِي مَوْضِعٍ ثُمَّ قَالَ: «احْمُوا ظُهُورَنَا، فَإِنْ رَأَيْتُمُونَا نُقْتَلُ فَلَا تَنْصُرُونَا، وَإِنْ رَأَيْتُمُونَا قَدْ غَنِمْنَا فَلَا تُشْرِكُونَا» فَلَمَّا غَنِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبَاحُوا عَسْكَرَ الْمُشْرِكِينَ، أَكَبَّتِ الرماة جميعًا فدخلوا فِي الْعَسْكَرِ يَنْهَبُونَ، وَلَقَدِ الْتَقَتْ صُفُوفُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَهُمْ هَكَذَا -وَشَبَّكَ بَيْنَ يَدَيْهِ- وَانْتَشَبُوا، فَلَمَّا أَخَلَّ الرُّمَاةُ تِلْكَ الْخَلَّةِ الَّتِي كَانُوا فِيهَا، دَخَلَتِ الْخَيْلُ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَضَرَبَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَالْتَبُسُوا وَقُتِلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ نَاسٌ كَثِيرٌ، وقد كان النصر لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابِهِ أَوَّلَ النَّهَارِ حَتَّى قُتِلَ مِنْ أَصْحَابِ لِوَاءِ الْمُشْرِكِينَ سَبْعَةٌ أَوْ تِسْعَةٌ، وَجَالَ الْمُسْلِمُونَ جَوْلَةً نَحْوَ الْجَبَلِ، وَلَمْ يَبْلُغُوا -حَيْثُ يَقُولُ النَّاسُ- الغار، وإنما كانوا تَحْتَ الْمِهْرَاسِ، وَصَاحَ الشَّيْطَانُ: قُتِلَ مُحَمَّدٌ، فَلَمْ يُشَك فيه أنه حق، فلا زِلْنَا كَذَلِكَ مَا نَشُكُّ أَنَّهُ حَقٌّ حَتَّى طَلَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ السَّعْدَيْنِ نَعْرِفُهُ بِتَلَفُّتِهِ إِذَا مَشَى، قَالَ: فَفَرِحْنَا حَتَّى كَأَنَّهُ لَمْ يُصِبْنَا مَا أَصَابَنَا، قَالَ: فَرَقِيَ نَحْوَنَا وَهُوَ يَقُولُ: «اشْتَدَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَى قَوْمٍ دَمَّوْا وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ» وَيَقُولُ مَرَّةً أُخْرَى: «اللَّهُمَّ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَعْلُونَا» حَتَّى انْتَهَى إِلَيْنَا فَمَكَثَ سَاعَةً، فَإِذَا أَبُو سُفْيَانَ يَصِيحُ فِي أَسْفَلِ الْجَبَلِ اعل هبل -مرتين يعني إلهه".

ألهته.

طالب: ألهته؟

الذي عندنا ألهته، وإلهه. صحيح.

"يعني ألهته، أَيْنَ ابْنُ أَبِي كَبْشَةَ؟ أَيْنَ ابْنُ أَبِي قحافة؟ أين ابن الخطاب؟".

ابن أبي كبشة يعني به النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- كما جاء في حديث هرقل (لقد أمِر أَمر ابن أبي كبشة) ينسبونه إلى رجلٍ كان في الجاهلية اختصَّ بدعوةٍ من بين قومه، فجعلوا كل من يشذُّ عن قومه يُنسَب إلى أبي كبشة، اللهم صلِّ على محمد، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك.

"فَقَالَ عُمَرُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا أُجِيبَهُ؟ قَالَ: «بَلَى»، فَلَمَّا قَالَ: اعْلُ هُبَلُ. قَالَ عُمَرُ: اللَّهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ. فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: قَدْ أَنْعَمَتْ عَيْنُهَا فَعَادِ عَنْهَا أَوْ فَعَالِ. فَقَالَ أَيْنَ ابْنُ أَبِي كَبْشَةَ؟ أَيْنَ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ؟ أَيْنَ ابْنُ الْخَطَّابِ؟ فَقَالَ عُمَرُ، هَذَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهَذَا أَبُو بَكْرٍ، وَهَا أَنَا ذَا عُمَرُ. قَالَ: فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ، يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ، الْأَيَّامُ دُوَلٌ، وَإِنَّ الْحَرْبَ سِجَالٌ".

ولكن شتَّان قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار، إذا تمَّ القضاء على هذه الأيام اليسيرة من أيام الدنيا، فالأيام الباقية التي لا نهاية لها في جنات النعيم قادمة.

"قَالَ: فَقَالَ: عُمَرُ: لَا سَوَاءً قَتْلَانَا فِي الْجَنَّةِ، وَقَتْلَاكُمْ فِي النَّارِ. قَالَ: إِنَّكُمْ تَزْعُمُونَ ذَلِكَ، لَقَدْ خبنا وخسرنا إذًا".

إذا كان كلامكم صحيحًا أنكم في الجنة ونحن في النار "لَقَدْ خبنا وخسرنا" هذا هو الواقع، الكافر ليس له إلا الخيبة والخسران، نسأل الله العافية.

"فقال أبو سفيان: إنكم ستجدون في قتلاكم مُثلة، ولم يكن ذلك عن رَأْيِ سُرَاتِنَا. قَالَ: ثُمَّ أَدْرَكَتْهُ حَمِيَّةُ الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ: أَمَا إِنَّهُ إِنْ كَانَ ذَلِكَ لَمْ نَكْرَهْهُ. هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَسِيَاقٌ عَجِيبٌ".

في بعض الروايات: (لم آمر بها ولم تسؤني) لم آمر بها -بهذه المُثلة- ولم تسؤني.  

"هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَسِيَاقٌ عَجِيبٌ، وَهُوَ مِنْ مُرْسَلَاتِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَإِنَّهُ لَمْ يَشْهَدْ أحدًا ولا أبوه".

لكنه مرسل صحابي، ومرسل الصحابي حكمه الوصل عند عامة أهل العلم، يقول الحافظ العراقي:

أمَّا الَّذِي أرْسَلَهُ الصَّحَابِيْ
 

 

فَحُكمُهُ الوَصْلُ عَلى الصَّوَابِ
 

"وقد أخرجها الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ عَنْ أَبِي النَّضْرِ الْفَقِيهِ، عن عثمان بن سعيد، عن سلمان بن دَاوُدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ بِهِ، وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ الْهَاشِمِيِّ بِهِ. وَلِبَعْضِهِ شَوَاهِدٌ فِي الصِّحَاحِ وَغَيْرِهَا.

فَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، قال: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: إِنَّ النِّسَاءَ كُنَّ يَوْمَ أُحُدٍ خَلْفَ الْمُسْلِمِينَ يُجْهِزْنَ عَلَى جَرْحَى الْمُشْرِكِينَ، فَلَوْ حَلَفْتُ يَوْمَئِذٍ رَجَوْتُ أَنْ أَبَرَّ أَنَّهُ لَيْسَ منا أحدٌ يريد الدنيا، {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ}[آل عمران:152] فَلَمَّا خَالَفَ أصحاب رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعصوا ما أمروا به، أُفرِد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي تِسْعَةٍ: سَبْعَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَرَجُلَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ، وَهُوَ عَاشِرُهُمْ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمَّا رَهِقُوهُ قَالَ: «رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا رَدَّهُمْ عَنَّا» قَالَ: فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَاتَلَ سَاعَةً حَتَّى قُتِلَ، فَلَمَّا رَهِقُوهُ أَيْضًا قَالَ: «رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا رَدَّهُمْ عَنَّا» فَلَمْ يَزَلْ يقول ذلك حَتَّى قُتِلَ السَّبْعَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِصَاحِبَيْهِ: «مَا أَنْصَفْنَا أَصْحَابَنَا» فَجَاءَ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ: اعْلُ هُبَلُ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «قُولُوا: اللَّهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ»، فَقَالُوا: اللَّهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ. فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ، لَنَا الْعُزَّى وَلَا عُزَّى لَكُمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «قُولُوا: اللَّهُ مَوْلَانَا وَالْكَافِرُونَ لَا مَوْلَى لهم» فقال أبو سفيان: يوم بيوم بدر، فيومٌ علينا ويوم لنا، يوم نُسَاءُ وَيَوْمٌ نُسَرُّ، حَنْظَلَةُ بِحَنْظَلَةَ، وَفُلَانٌ بِفُلَانٍ، وَفُلَانٌ بِفُلَانٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَا سَوَاءً: أَمَّا قَتْلَانَا فَأْحَيْاءٌ يرزقون، وأما قتلاكم ففي النار يعذبون» فقال أبو سفيان: لقد كان في القوم مُثلة، وإن كان لَعَنْ غَيْرِ مَلَأٍ مِنَّا، مَا أَمَرْتُ وَلَا نَهَيْتُ، وَلَا أَحْبَبْتُ وَلَا كَرِهْتُ، وَلَا سَاءَنِي وَلَا سَرَّنِي، قَالَ: فَنَظَرُوا فَإِذَا حَمْزَةُ قَدْ بُقِرَ بَطْنُهُ، وَأَخَذَتْ هِنْدُ كَبِدَهُ فَلَاكَتْهَا فَلَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تَأْكُلَهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَكَلَتْ شَيْئًا؟» قَالُوا: لَا. قَالَ: «مَا كَانَ اللَّهُ لِيُدْخِلَ شَيْئًا مِنْ حَمْزَةَ فِي النَّارِ» قَالَ: فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: حَمْزَةَ فَصَلَّى عَلَيْهِ، وَجِيءَ بِرَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ فَوُضِعَ إِلَى جَنْبِهِ فصلى عليه، فرفُع الأنصاري وتُرِك حمزة حتى جيء بآخر فوضع إِلَى جَنْبِ حَمْزَةَ فَصَلَّى عَلَيْهِ، ثُمَّ رُفِعَ وَتُرِكَ حَمْزَةُ، حَتَّى صَلَّى عَلَيْهِ يَوْمَئِذٍ سَبْعِينَ صَلَاةً، تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ أَيْضًا".

يُذكر بل مُستفيض عند الإخوان من طلبة العلم والمشايخ في بلدٍ من البلدان أنهم اجتمعوا في الصلاة في المسجد الجامع على شيخٍ من الشيوخ عُرِف بالعلم والعمل والزُّهد، وشُهِر بذلك، فاجتمع الناس للصلاة عليه، شخص معه كيس فيه لحم، فقال: إن ذهبت به إلى البيت فاتتنا الصلاة، فدخل المسجد وصلى مع الناس، قالوا: وكان عنده وليمة، فخرج ومعه الكيس الذي فيه اللحم، وأعطاه لزوجته قال: اطبخي لنا العشاء، عندنا ضيوف، يقولون: إن اللحمة ما تغيَّرت ولا تأثَّرت بالنار، طبخوها ساعات وما نضجت، فما مردُّ ذلك؟ وما سببه؟ أنا ما أدركت ولا حضرت، قبلنا في الجيل الذي قبلنا، وهذا مستفيض عندهم.

بعض من تصدّى لبيان هذا الموقف يقول: لعل الله -جلَّ وعلا- حرَّم من حضر الصلاة على هذا العالم الجليل، حرَّمه على النار، وكان ممن حضر هذا اللحم.

ماذا تقول يا شيخ سليمان؟ ما سمعتها؟

طالب: ..........

عندك لها تأويل؟

شيخ عبد الله عندك لها تأويل أو لا؟

طالب: ..........

ولعل دعاء المسلمين لهذا العبد الصالح جاؤوا شفعاء له وصلوا عليه، فالله -جلَّ وعلا- على كل شيءٍ قدير، ومواهب المنان لا تُحَد، ولا تعدم من يسخر من مثل هذا الكلام، يُوجد.

الشخص الذي ما تلذَّذ بحلاوة الإيمان ورأى آثاره عُرضة لأن يقول...، وبالطرف المقابل يُوجد من أهل الغلو وأهل الشطحات من يحكم بأضعاف أضعاف مثل هذا لمن لا يستحق، ودين الله -جلَّ وعلا- وسطٌ بين الغالي والجافي، وكرامات الأولياء موجودة وثابتة وقطعية لا تُنكَر، وأيضًا الشطحات من أصحاب الأهواء والمخالفات كذلك.

ومع الأسف أنه يُوجد في بعض الطبقات طبقات الصوفية ما يُعدونه من الكرامات وهي مثالب وليست مناقب -مثالب- في طبقات الشعراني الصغرى يترجم لولي -على حد زعمه- من الأولياء، ويقول: كان -رحمه الله تعالى- ما عُرِف بشيءٍ من الأعمال الصالحة، فلم يسجد لله سجدة -رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ-، ولم يصم يومًا في سبيل الله، ثم أخذ يُعدِّد المنكرات والجرائم ولم يترك منها شيئًا- رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ-. فجاء واحد يملك النسخة [54.50] كيف تستر هذه الألفاظ ممن يزعم أنه عاقل فضلًا عن أن يكون عالمًا أو وليًّا؟

جاء واحد معلق بالقلم: إذا كان هذا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، فلعنة الله على من؟

الحمد لله الذي أنقذنا من هذه المزعجات المضحكات التي يعدونها كرامات.

واحد منهم ممن تُرجِم له في هذا الكتاب خطب امرأة، فحصلت المقابلة بينهما، فأمسك ذكره بيدها، وقال: برئت من العهدة لا تقولي كبير فيؤذيني، ولا صغير فلا يُرضيني، فعُدَّت من مناقبه رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ.

أي مناقب؟! جنون، والله جنون، وأشياء من ذلك كثيرة جدًّا، والذي رأى الحمار ونزى عليه، فقال: تصورت أن... كلام ما يُقال نسأل الله العافية، الحمد لله على العافية.

اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، الله يتوب علينا.       

طالب: ما المقصود بقول النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ» ما المقصود بالشهر هنا؟

الشهر ثلاثين يومًا.

طالب: ما علاقته بالنصرة؟

هم كانوا يعدون المسافات بين البلدان بالمدة، ما عندهم أميال ولا أقيسة ولا شيء، مسيرة شهر، والشهر يختلف من راكب الجواد إلى راكب الإبل المُحمَّلة، الأمور كلها تقريبية.

طالب: «وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ» أنا ما فهمت المقصود؟

يعني أن العدو إذا كان بينه وبينه شهر إذا تحركت وقف قلبه.

طالب: من البداية؟

من البداية للنهاية.

طالب: ...........

نعم من البداية من بقاء مسيرة شهر، افترض أن المسافة شهرين إذا انتصف بالمسافة رُعِب العدو، وعلى الرواية الثانية «مسيرة شهرين» لكن «مَسِيرَةَ شَهْرٍ» هي المتفق عليها.

طالب: التراضي على التنازل عن التوارث.

ماذا؟

طالب: إن كانوا اثنان يتوارثان أب وابن أو زوج وزوجة، وأرادوا أن لا يتوارثا بالاتفاق.

كل واحد تنازل عن حقِّه؟

طالب: كل واحد تنازل وهم أحياء.

من تنازل عن حقِّه فالأمر لا يعدوه، لكن يكون هناك بديل تنازل لمن؟

طالب: ...........

هذا تعطيل شرع.

طالب: ...........

كأنما ينحدر من صبب مشيته عَجِلة.

طالب: عَجِلة؟

نعم قليلاً.

طالب: قضاء سُنَّة بعد العصر يا شيخ.

خاصة بالنبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-.

طالب: وإن فاتت يا شيخ متى يقضيها؟

لا يقضي فات محلها، أُثِر عن بعض السلف أنه كان يجمع ما يفوته في النهار فيقضيه في الليل.