تعليق على تفسير سورة آل عمران (36)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

طلاب: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

نعم.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

قال الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى: "قوله تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (165) وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ (167) الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [آل عمران:165-168].

يَقُولُ تَعَالَى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ} [آل عمران:165] وَهِيَ مَا أُصِيبَ مِنْهُمْ يَوْمَ أُحُدٍ مِنْ قَتْلِ السَّبْعِينَ مِنْهُمْ {قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا} [آل عمران:165] يَعْنِي يَوْمَ بَدْرٍ، فَإِنَّهُمْ قَتَلُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ سَبْعِينَ قَتِيلًا، وَأَسَرُوا سَبْعِينَ أَسِيرًا، {قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا} [آل عمران:165] أَيْ مِنْ أَيْنَ جَرَى عَلَيْنَا هَذَا؟ {قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران:165] قال ابن أبي حاتم".

الخطاب للمسلمين، {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ} [آل عمران:165] أيها المؤمنون {مُصِيبَةٌ} [آل عمران:165] وهي القتل الذي حصل في أُحد، {قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا} [آل عمران:165]، {مِثْلَيْهَا} [آل عمران:165] من قتْل السبعين، وأسْر السبعين؛ لأن الأسر قد يكون أحيانًا أشد من القتل على المأسور، لا سيما إذا حصل له ظلم ممن أسره، أو أراد التمرد على آسره وقاوم، ثم بعد ذلك.

أما ما حصل من المسلمين فأسْرهم رحمة، أسْرهم رحمة، ولا شك أن كلَّ شيء فيما يفسِّره الإنسان لنفسه، قد تكون نعمة من نعم الله –جل وعلا-، ويراها مصيبة؛ لأنه تضرر فيها من بعض النواحي.

على كل حال، المصيبة التي أصابت المسلمين في أُحد، لا شك أنهم غنموا وقَتلوا، وأصابوا مثليها سواءً أكان قتْلًا أو أسْرًا الذي هو قريب من القتل في بعض صوره، {قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا} [آل عمران:165] من أين، مِنْ أَيْنَ لنا هَذَا ونحن المسلمون الموعودون بالنصر مع نبيه- عليه الصلاة والسلام-؟ {قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران:165]، {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [النساء:40]، {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران:165]، كل شيء بيده، كل شيء تحت قدرته، ينصر المسلمين، وهذا هو الأصل والموعود به لهم، وقد ينصر عليهم غيرهم إذا خالفوا أمره وأمر نبيِّه –عليه الصلاة والسلام- كما حصل في أُحد.

"قال ابن أبي حاتم: حدثنا أَبِي، قال: أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قال: حدثنا قراد أبو نُوحٍ، قال: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، قال: حَدَّثَنَا سِمَاكٌ الْحَنَفِيُّ أَبُو زميلٍ".

"زُمَيْلٍ".

أحسن الله إليك.

"أَبُو زُمَيْلٍ، قال: حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ، قال: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ عُوقِبُوا بِمَا صَنَعُوا يَوْمَ بَدْرٍ مِنْ أَخْذِهِمُ الْفِدَاءَ، فَقُتِلَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ، وَفَرَّ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْهُ".

اللهم صل وسلم عليه.

"وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ، وَهُشِمَتِ الْبَيْضَةُ عَلَى رَأْسِهِ، وَسَالَ الدَّمُ عَلَى وَجْهِهِ، فَأَنْزَلَ الله: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران:165] بِأَخْذِكُمُ الْفِدَاءَ، وَهَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ عبد الرحمن بن غزوان وهو قراد أبو نوح بإسناده، ولكن بأطول منه، وهكذا قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ".

أخْذ الفداء يوم بدر من تعليم القراءة والكتابة على الأسرى للمسلمين؛ لا شك أنه أمر مرجوح، وفعله يعدُّ عند أهل العلم خلاف الأَولى، يعدّ خلاف الأَولى، ولكنه تمّ بعد استفراغ الوسع والاجتهاد من النبي –صلى الله عليه وسلم- بمشاورة أصحابه، ومخالفة بعضهم، لكن الذي استقرّ عليه الحكم الشرعي باجتهاد النبي –عليه الصلاة والسلام- هو أخذ الفداء، ولا يعتبر خطأً، وإنما هو خلاف الأَولى، وإن كان المرجح أنهم يُقتَلون، {حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ} [الأنفال:67]، لكن ما دام حصل، وتم باجتهاده –عليه الصلاة والسلام-، وموافقة أصحابه، فهذا حكم شرعي لا إشكال فيه، إلا أنهم لو فعلوا الأمر الثاني أو الخيار الثاني وهو القتل لكان أولى كما قال عمر –رضي الله عنه-.

"وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قال: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، قال: حدثنا إسماعيل بن عليَّة، عن ابن عون، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ عُبَيْدَةَ، ح قَالَ سُنَيْدٌ وَهُوَ حُسَيْنٌ: وَحَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ عبيْدَةَ، عَنْ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-".

سنيد لقبه.

"عَنْ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: «جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ كَرِهَ مَا صَنَعَ قَوْمُكَ فِي أَخْذِهِمُ الْأُسَارَى، وَقَدْ أَمَرَكَ أَنْ تُخَيِّرَهُمْ بَيْنَ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يُقدمُوا فَتضْرب أَعْنَاقهُمْ، وَبَيْنَ أَنْ يَأْخُذُوا الْفِدَاءَ عَلَى أَنْ يُقْتَلَ مِنْهُمْ عِدَّتُهُمْ. قَالَ»".

يعني في غزوة لاحقة، يأخذون الفداء، ويُقتَل منهم سبعون عدّتهم، لكن هل من... في هذا السياق، أليس فيه ما يدل على ضعفه؟ أن يؤخذ فداء، ويقتل سبعون من الصحابة، ويقبل النبي– عليه الصلاة والسلام-؛ النكارة واضحة، النكارة واضحة.

"«قَالَ: فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- النَّاسَ، فَذَكَرَ لهم ذلك، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَشَائِرُنَا وَإِخْوَانُنَا، أَلَا نَأْخُذُ فِدَاءَهُمْ فَنَتَقَوَّى بِهِ عَلَى قِتَالِ عَدُوِّنَا، وَيسْتَشْهدُ مِنَّا عِدَّتُهُمْ؟ فَلَيْسَ فِي ذَلِكَ مَا نَكْرَهُ. قَالَ: فَقُتِلَ مِنْهُمْ يَوْمَ أُحُدٍ سَبْعُونَ رَجُلًا عِدَّةَ أُسَارَى أَهْلِ بَدْرٍ»، وَهَكَذَا رَوَاهُ النسائي والترمذي مِنْ حَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ الْحَفْرِيِّ".

"الْحَفَرِيِّ".

أحسن الله إليك.

"الْحَفَرِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ بِهِ، ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي زَائِدَةَ.

وَرَوَى أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ نَحْوَهُ، وَرَوَى عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ عبيْدَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُرْسَلًا.

وَقَالَ مُحَمَّدُ".

هذا التحسين من الترمذي -رحمه الله-، تحسين الترمذي في الغالب أنه مستدرَك عليه، يوجد حسن فيما قال فيه الترمذي: حسن، يعني فقط دون الصحيح، يوجد، ويوجد الضعيف بكثرة، لا سيما إذا قيل مع حسن، غريب، إذا أضاف إليها الغرابة فالغالب الضعف، هذا بالاستقراء ممن عنوا بـــ(جامع الترمذي)، أما إذا قال: حسن صحيح؛ فالأمر ماشي، لكن إذا قال: حسن فقط؛ فكثيرًا مما حسَّنه بهذه الصيغة المفردة فيه ضعف، وإذا أضاف إليها: "غريب" فالضعف ظاهر، وهذا منها، ما التخريج عندكم؟

طالب: صححه الألباني.

ماذا؟

طالب: يقول: صححه الألباني في (صحيح الجامع)، وفي (صحيح سنن الترمذي).

نعم.

طالب: يقول: هذا الحديث وإن حسَّنه الترمذي وصحَّحه الألباني إلا أنه يخالف ما صحّ من أن أخذ الفداء من أسارى بدر كان رأيًا عن النبي –صلى الله عليه وسلم- بعد مشاورة أصحابه –رضي الله عنهم-، ثم نزل الوحي بالعتاب موافقًا لرأي عمر في قتلهم، ولو صحَّ التخيير لما جاء العتاب.

التخيير بين أن يأخذوا الفداء، ويُقتَل منهم سبعون في المستقبل.

طالب: يقول: وأخشى أن يكون من تدليس ابن أبي زائدة وهو زكريا، فإنه ثقة، لكنه كان يدلّس، والأصح مرسلًا، فقد أخرجه الطبري بسند مرسل عن عبيدة السلماني.

يعني دون رفعه.

طالب: .....

ماذا؟

طالب: ...

نعم.

"وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ".

يعني النبي –عليه الصلاة والسلام- في غزوة بدر يخيَّر؛ خذ منهم الفداء، ونقتل منكم سبعين، فماذا يقول؟ يقول: هيا؟ اللفظ منكر.

طالب: ......

نعم.

"وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ وَالسُّدِّيُّ: {قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران:165] أي بسبب عصيانكم لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".

اللهم صلِّ عليه.

"حِينَ أَمَرَكُمْ أَنْ لَا تَبْرَحُوا مِنْ مَكَانِكُمْ فَعَصَيْتُمْ، يَعْنِي بِذَلِكَ الرُّمَاةَ، {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران:165] أي يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ، وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ، لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ.

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ} [آل عمران:166] أَيْ فِرَارُكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَدُوِّكُمْ، وَقَتْلُهُمْ لِجَمَاعَةٍ مِنْكُمْ، وَجِرَاحَتُهُمْ لِآخَرِينَ كَانَ بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ، وَلَهُ الْحِكْمَةُ فِي ذلك، {وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران:166] أَيِ الَّذِينَ صَبَرُوا وَثَبَتُوا، وَلَمْ يَتَزَلْزَلُوا.

{وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لاتَّبَعْنَاكُمْ} [آل عمران:167] يَعْنِي بِذَلِكَ أَصْحَابَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ بْنِ سَلُولَ الَّذِينَ رجعوا معه في أثناء الطريق، فاتبعهم رجال مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يُحَرِّضُونَهُمْ عَلَى الْإِيَابِ وَالْقِتَالِ وَالْمُسَاعَدَةِ، وَلِهَذَا قَالَ: {أَوِ ادْفَعُوا} [آل عمران:167] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةُ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالضَّحَّاكُ، وَأَبُو صَالِحٍ وَالْحَسَنُ وَالسُّدِّيُّ: يَعْنِي كَثِّرُوا سَوَادَ الْمُسْلِمِينَ، وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ: {ادْفَعُوا} [آل عمران:167] بِالدُّعَاءِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: رَابِطُوا. فَتَعَلَّلُوا قَائِلِينَ: {لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا} [آل عمران:167]".

دعوا المنافقين لما نكصوا على أعقابهم، خوَّفوهم بالله، وممن ذُكر عبد الله بن عمرو بن حرام والد جابر: ارجعوا، منهم من يقول: كثروا سواد المسلمين، ومنهم من يقول: ساعدوهم بالقتال، ومنهم من يقول، ومنهم من يقول إلى آخره مما ذكره المؤلف وغيره، لكن وجود أمثال هؤلاء الذين ثبت نفاقهم، هذا اجتهاد من بعض الصحابة، لكن وجودهم مثل: المخذِّلين، ومثل الذين إذا أصابهم أدنى، أو مسَّهم أدنى ضرر في أمور دنياهم رجعوا ونكصوا على أعقابهم، فهؤلاء لا خير فيهم، نعم.

"فَتَعَلَّلُوا قَائِلِينَ: {لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لاتَّبَعْنَاكُمْ} [آل عمران:167] قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنُونَ لَوْ نَعْلَمُ أَنَّكُمْ تَلْقَوْنَ حَرْبًا لَجِئْنَا، وَلَكِنْ لَا تَلْقَوْنَ قِتَالًا.

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ، وَعَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ".

حِبَّان أو حَبَّان؟

حَبَّان؟

حَبَّان.

أحسن الله إليك.

"وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، وَعَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، وَالْحُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، وَغَيْرُهُمْ مِنْ عُلَمَائِنَا، كُلُّهُمْ قَدْ حدَّث، قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".

اللهم صل وسلم عليه.

"-يَعْنِي حِينَ خَرَجَ إِلَى أُحُدٍ- فِي أَلْفِ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِالشَّرطِ بَيْنَ أُحُدٍ وَالْمَدِينَةِ انْخذل عَنْهُ عبد الله بن أُبَيّ بن سَلُولَ بِثُلُثِ النَّاسِ، وَقَالَ: أَطَاعَهُمْ فَخَرَجَ وَعَصَانِي، وواللَّه مَا نَدْرِي عَلَامَ نَقْتُل أَنْفُسَنَا هَاهُنَا أَيُّهَا النَّاسُ؟".

"عَلَامَ نَقْتُلُ".

"وواللَّه مَا نَدْرِي".

لأنه رأى في نفسه ما كان يتوقّعه قبل هجرة النبي –عليه الصلاة والسلام- أنه يُرأَّس على قومه، ويكون سيدهم ومطاعهم، لكن الواقع غير ذلك، حصل الواقع غير ذلك، فانقلب على عقبه ونافق، بعد أن كان قومه يجهِّزون له العدة ليترأس عليهم، وهذا في الغالب من كانت نيته فيها دخل، حتى لو وجد من مظاهره الصلاح، ثم بعد ذلك وفي قلبه شيء ينكص على عقبيه.

ويوجد هذا فيمن لديهم شيء من العزة؛ عزة النفس، والانتصار لها ولو كان من أهل العلم، تجده إذا رئِّس غيره وهو يرى في نفسه أنه أكفأ من هذا انقلب، وهناك أمثلة وأدلة ممن برزوا في العلم، ثم بعد ذلك -نسأل الله العافية- رجعوا على أعقابهم، وبدلًا من أن يؤلفوا في نصر الدين، ونصر أهله، والانتصار له، يؤلفون العكس، واحد من العباقرة ألَّف كتابًا، من أهل العلم من قال له: إن هذا مهر الجنة. خلاص، استحققت.

ولما فضِّل عليه بعض الناس في الرزق، في المال، في الراتب، يقول: يعطى فلان أربعين جنيه، وأنا ما أعطى إلا أربعة؟! هذا ظلم، وهذا بخس الاستحقاق، ويرى أنه في نفسه يستحق أمورًا عظيمة، ثم بعد ذلك نكص على عقبيه، وانضم إلى الأعداء، وصار يؤلِّب على المسلمين، ويذم الإسلام وأهله. نسأل الله العافية. وهذا كثير يعني فيمن في قلوبهم شيء من الكِبْر.

"وواللَّه مَا نَدْرِي عَلَامَ نَقْتُل أَنْفُسَنَا هَاهُنَا أَيُّهَا النَّاسُ؟ فَرَجَعَ بِمَنِ اتَّبَعَهُ مِنَ النَّاسِ مِنْ قَوْمِهِ أَهْلِ النِّفَاقِ وَأَهْلِ الرَّيْبِ، وَاتَّبَعَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ أَخُو بَنِي سَلَمَةَ".

والد جابر.

طالب: -رضي الله عنه-.

"يَقُولُ: يَا قَوْمِ، أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ أَنْ لا تخذلوا نبيكم وقومكم عند ما حَضَرَ مِنْ عَدُوِّكُمْ. قَالُوا: لَوْ نَعْلَمُ أَنَّكُمْ تقاتلون ما أسلمناكم، ولكن لَا نَرَى أَنْ يَكُونَ قِتَالٌ. فَلَمَّا اسْتَعْصَوْا عَلَيْهِ وَأَبَوْا إِلَّا الِانْصِرَافَ عَنْهُمْ قَالَ: أَبْعَدَكُمُ اللَّهُ أَعْدَاءَ اللَّهِ، فَسَيُغْنِي اللَّهُ عَنْكُمْ. وَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".

اللهم صلِّ عليه.

"قال الله -عز وجل-: {هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ} [آل عمران:167] اسْتَدَلُّوا به على أَنَّ الشَّخْصَ قَدْ تَتَقَلَّبُ بِهِ الْأَحْوَالُ، فَيَكُونُ فِي حَالٍ أَقْرَبَ إِلَى الْكُفْرِ، وَفِي حَالٍ أَقْرَبَ إِلَى الْإِيمَانِ؛ لِقَوْلِهِ: {هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ} [آل عمران:167]".

والعبرة بالخواتيم، بم يُختم له، إن ختم له بالإيمان فهو مع المؤمنين والمسلمين، وإن خُتم وترجح عنده جانب الكفر والنفاق –نسأل الله العافية- خُتم له بذلك.

طالب: ......

نعم.

طالب: ...

ممن غلب على رأيه وأمره من ضعاف المسلمين، ولا يبعد، ولا يبعد أنهم كلهم منافقون.

طالب: ...

ماذا؟

طالب: ...

نعم، ما المانع؟ لأن الناس، الحياة عزيزة على كثير من الناس، الآن لو يُعرَض –الله لا يكشف أستارنا- جهاد أو شيء تجد قليلًا من يحدِّث نفسه به، في حال السعة والستر وذاك، كل الناس مسلمون، ولله الحمد. لكن عند الاختبار والامتحان والابتلاء يتبين المحق من المبطل.

"ثم قال تعالى: {يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} [آل عمران:167] يَعْنِي أَنَّهُمْ يَقُولُونَ الْقَوْلَ وَلَا يَعْتَقِدُونَ صِحَّتَهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ هَذَا: {لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لاتَّبَعْنَاكُمْ} [آل عمران:167]".

هي مسألة دفع فقط؛ ليُقعنوا من أمامهم، نحن ما رجعنا نفاقًا ولا شيئًا، لكن ما فيه قتال، {لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لاتَّبَعْنَاكُمْ} [آل عمران:167]، لكن ما فيه قتال أصلًا.

"فَإِنَّهُمْ يَتَحَقَّقُونَ أَنَّ جُنْدًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَدْ جَاءُوا مِنْ بِلَادٍ بَعِيدَةٍ يَتَحَزبون عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِسَبَبِ مَا أُصِيبَ مِنْ سَرَاتِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ".

عندنا "يتحرقون"، "يتحرقون على المسلمين".

"وَهُمْ أَضْعَافُ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ كَائِنٌ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ لَا مَحَالَة، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ} [آل عمران:167].

ثم قَالَ تَعَالَى: {الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا} [آل عمران:168] أَيْ لَوْ سَمِعُوا مِنْ مَشُورَتِنَا عَلَيْهِمْ فِي الْقُعُودِ وَعَدَمِ الْخُرُوجِ {مَا قُتِلُوا} [آل عمران:168] مَعَ مَنْ قُتِلَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [آل عمران:168]".

ولو كنتم في بيوتكم، من جاءه الموت يرده إن كان صادقًا، إذا طرق ملك الموت الباب يقول له: ارجع كما قاله موسى إن كانوا صادقين، لكن هل بيدهم شيء؟

طالب: ...

نعم.

طالب: ...

أين.

طالب: {الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ} [آل عمران:168] ما المقصود بإخوانهم في الآية؟

من كانوا، من كانوا على اعتقادهم.

طالب: هل يُسمى المسلم أخ للمنافق؟

لا.

طالب: المقصود بهذا: {الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا} [آل عمران:168]؟

إخوانهم يعني من النسب. نعم.

"قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [آل عمران:168] أَيْ إِنْ كَانَ الْقُعُودُ يَسْلَمُ بِهِ الشَّخْصُ مِنَ الْقَتْلِ وَالْمَوْتِ، فَيَنْبَغِي أَنَّكُمْ لَا تَمُوتُونَ، وَالْمَوْتُ لَا بُدَّ آتٍ إِلَيْكُمْ {وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} [النساء:78]، فَادْفَعُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ.

قال مجاهد: عن جابر بن عبد الله: نزلت هذه الآية في عبد الله بن أُبَيّ بن سلول".

الحافظ ابن كثير في الآية آية النساء: {وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} [النساء:78] ذكر قصة؛ لأن هذه القصة يمكن أن تجيئنا بعد سنتين ممكن، ما تجيء قريبة ... لأنها قادمة، وذكرها الحافظ ابن كثير، يقول: كان بيت ثراء، وعندهم خادم، أُصيبت المرأة بالطَّلق، في حال ولادة، هذا الخادم رأى في النوم أن هذه المرأة ستأتي ببنت، ثم هذه البنت تزني مائة زنية، ثم مآل هذه البنت أن تتزوجها أنت، ولدت المرأة، فقالت: ائت بالسكين؛ لقطع السرة، فذهب وجاء بالسكين، وبقر بطن الأم على أنه يرتاح من هذه البنت، وهذه الرؤية، بقر بطنها وهرب، وبعد عشرين سَنة، ثلاثين سَنة توقع أن القصة نُسيت، وأن البنت ماتت بالسكين، راح ورزق في البلد الذي ذهب إليه، وصار من أغنياء الناس، فقال: يرجع إلى بلده، ويخطب أجمل بنت في البلد، من تكملة الرؤيا أن هذه البنت التي تتزوجها بعد ما يحصل منها ما يحصل من الزنا أنها تموت بسبب العنكبوت.

رجع إلى بلده بعد السنين العشرين أو الثلاثين، فذهب إلى امرأة، وقال: اخطبي لي أجمل بنت في البلد؛ لأنه صار من الأثرياء الكبار، فخطبت له بنتًا، فلما دخل عليها، أو دخل بها، وكشف عن بطنها وجد أثر السكين، سألها، قال: ما هذا؟ قالت: كان عندنا خادم، ولما جاء بالسكين لأمي وكذا بقر بطن أمي وهرب، من سنين، ما يدرى أين راح، قال: ماذا جرى لك بعد ذلك؟ قالت سلمت، عولجت وسلمت. قال: هل جرى لك شيء من الزنا؟ قالت: الله أعلم، ما ندري. قال: لا بد أنك تعلمين. قالت: نعم، حصل شيء من ذلك. قال: كم؟ قالت: ما أدري، حصل شيء، والله يعفو ويسامح، ويتوب علينا. قال: هل تبلغ المائة؟ قالت: أنا ما حسبت، لكن ما هو ببعيد. أقدم عليها وتزوجها؛ لأنها أجمل بنت في البلد، ثم بعد ذلك بعد مدة، هو بنى لها قصرًا مشيدًا، ما تجيئه حشرات، ولا يصله شيء، إلى البعوض ما يدخل، وهي جالسة هي وإياه في يوم من الأيام إذ أقبلت العنكبوت من السقف، ضحك، قال: هذه التي تموتين بسببها، هذه التي تموتين بسببها. فقامت إليها، ووطئتها بعقبها، وماتت العنكبوت، لكن أُصيبت البنت في عقبها بالآكلة، قليلاً قليلاً تأخذ منها، وتأكل منها إلى أن ماتت، وهذه قصة ليست من الأحاديث المرفوعة، ولا الأخبار التي لها أسانيد، لكن مطابقة: {وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} [النساء:78].

يسوقها أهل العلم مثل هذه القصة على أنها موضِّحة للواقع، لا أنها مؤسِّسة لواقع، لا، ولذلك قد تُنسب لبني إسرائيل أحيانًا مثل هذه القصص.

وعلى كل حال، سيأتي ذكرها عند الحافظ ابن كثير في تفسيره، واستبعدتُ يعني الوقت الذي نصل به إليها، فاستعجلتُها، وأكيد أنه منكم من سمعها مني سابقًا، أو قرأها في التفسير، أو من غيري.

وعلى هذا نقف؛ لأن الآيات القادمة في عشر ورقات تفسير، والانقطاع طويل، ما هو بقصير، الأسبوع القادم إن شاء الله نكمل، الله يعلم ما يصير علينا، الله المستعان، ويستعملنا وإياكم فيما يرضيه.

طالب: آمين.

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك.