تأليف العلماء في المناسك

شيخ الإسلام -رحمه الله- كغيره من أهل العلم الذين كتبوا في المناسك، بل منهم من كتب أكثر من منسك، والنووي –رحمه الله- كتب منسكًا ثم أتلفه وكتب غيره. ومنهم من كتب منسكًا ثم لمّا باشر الحج - والخبر ليس كالعيان - أحرق المنسك الأول، لا لأن الحكم قد تغيّر، وإنما نظرته إلى هذه الأحكام تغيّرت، ولا شك أن التطبيق له أثر في التقعيد. وابن حزم –رحمه الله- وقع له في بعض مسائل الحج شذوذ، لم يوافق عليها من قبل عامة أهل العلم، والسبب أنه لم يحج، ولو باشر الحج لتغيّر رأيه.

وشيخ الإسلام –رحمه الله- كان قد كتب منسكًا في أوّل أمره على سبيل التقليد، ثم رجع عن كثير من المسائل فيه إلى ما آل إليه أمره من الاجتهاد المطلق. ولا يعني هذا أنه يتتبع في ذلك الرخص، ويسلك مسلك التسهيل بإطلاق، أو اختيار الأخف من الأقوال، بل المقصود أنه ألّف منسكًا، ثم لمّا تأهل للاجتهاد المطلق أعاد النظر فيه وغيّره، ولا ضير إذا كان كل من القولين له ما يسنده من الدليل. والتقليد تشم رائحته مما كتبه –رحمه الله- على (العمدة)؛ لأن شرحه على (العمدة) كان في أول الأمر، والتقليد فيه ظاهر من حيث عنايته بالمذهب ورواياته وتوجيهاته وغير ذلك، فلم تبرز فيه شخصية شيخ الإسلام، كما آل إليه الأمر في آخر أمره، كما هو موجود في (الفتاوى) –مثلًا-، وفي المنسك الأخير الذي كتبه.