والناس في الإيمان مذاهب. فالجَهمِيَّةُ يَرونَ أنَّ الإيمانَ هو المعرفَةُ، فيلزمُ من قولِهم أنَّ كلَّ مَن عَرَفَ اللهَ -جلَّ وعلا- فهوَ مؤمنٌ، وينبَني عليه أنَّ إبليسَ مؤمنٌ؛ لأنَّه عرف اللهَ ـ وأقسَمَ بعزَّتِه، وهذا قولٌ خَبِيثٌ مَنقوضٌ بدلائلِ الكِتابِ والسنَّةِ. والكَرَّامِيَّةُ يرون أن الإيمان قولُ اللِّسانِ فقَط ولو لم يوافقْه القلبُ، فجعَلُوا المنافقينَ مؤمنينَ؛ لأنَّهم {يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ} من ادِّعاء الإيمانِ {مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ } [الفتح: 11].
والمُرجِئةُ يرونَ أنَّ الإيمانَ قولٌ واعتقادٌ، وأن العملَ لا يدخلُ في مُسمَّى الإيمانِ، وأنه يكفِي مُجرَّدُ التصديقِ بالقلبِ واللِّسانِ، والنَّاسُ في أصلِه سواءٌ. وبنوْا علَى ذلكَ أنَّه لا يزيدُ ولا ينقصُ. ونصوصُ القرآنِ تهدِمُ هذا القولَ مِن أساسِه، قال تعالى: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ} [السجدة: 18] وقال: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر: 9].
وأهلُ السنةِ لمَّا جعلُوا عملَ الجوارحِ مِن مُسمَّى الإيمانِ قالُوا بأنه يزيدُ وينقصُ، وعليه دلائلُ الكتابِ والسنَّةِ، قال تعالى: {فَزَادَهُمْ إِيمَانًا} [آل عمران: 173]، وقال: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى} [محمد: 17]،
وقد ذكر البُخاريُّ –رحمه الله- في صحيحِه ثمان آيات تدُلُّ علَى الزِّيادةِ؛ ولذا ذهبَ بعضُ أهلِ العلمِ إلى أنَّ الإيمانَ يقبلُ الزيادةَ ولا يقبلُ النَّقصَ، وأهلُ السنَّةِ يقولُون يزيدُ وينقصُ؛ لأنَّ ما قَبِل الزيادةَ يقبلُ النقصَ،
ويَستدلُّ بعضُهم علَى النقصِ بحديثِ: «ما رأيتُ من ناقصاتِ عقلٍ ودينٍ» [البخاري: 304].
وهذا خلاف ما يقوله المرجئةُ: (لا يَضُرُّ مع الإيمانِ معصيةٌ كما لا ينفعُ مع الكفرِ عملٍ). والمرجئةُ يتفاوتونَ فمنهم المُرجئةُ الغلاة الذين هم الجهميَّةُ، فهؤلاء كلامُهم في غايةِ الخبثِ والسُّوءِ ومُفادُه وخُلاصتُه تعطيلُ الشرائعِ. ومنهم مرجئةُ الفُقهاءِ، والخلاف بينَهم وبينَ جماهيرِ السلفِ خلافٌ في المعنَى وله آثارُه العمليَّةُ المُترتِّبةُ عليه، وإن كانوا يؤثِّمونَ مُرتَكِبَ الكبيرةِ ويرون أنه يستحقُّ الوعيدَ علَى تركِها.