ذكر الحافظ ابن حجر من أقوال أهل العلم ما يقرب من خمسين قولاً في تحديد ليلة القدر، وكل مذهب من المذاهب فيه ترجيح لليلة معيّنة، والذي تدل عليه النصوص أن هذه الليلة متنقلة في العشر، وليست في ليلة معينة منها دائمًا، فقد تكون في ليلة إحدى وعشرين، وقد تكون في ليلة ثلاث وعشرين، وقد تكون في ليلة خمس وعشرين، وقد تكون في ليلة سبع وعشرين، وقد تكون في ليلة تسع وعشرين، وقد تكون في الأشفاع، ولكن كيف تكون في الأشفاع والرسول -عليه الصلاة والسلام- أمر بتحريها في الأوتار؟ نقول: لأنه جاء تحريها في العشر الأواخر «الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي تَاسِعَةٍ تَبْقَى فِي سَابِعَةٍ تَبْقَى فِي خَامِسَةٍ تَبْقَى» [البخاري: 2021] فهذه تختلف باختلاف تمام الشهر ونقصانه؛ فإن كان الشهر تامًا صارت في الأشفاع، وإن كان الشهر ناقصًا -تسعًا وعشرين- صارت في الأوتار، فعلى هذا ينبغي للمسلم أن يعتني بهذه الليلة، وأن يحتسب قيام هذه الليالي كلِّها عَلَّه أن يصادفها، فإخفاؤها مقصد من مقاصد الشرع؛ لكي يكثر اجتهاد الناس ولا يعتمدواْ على ليلة معيّنة، ثم بعد ذلك يغلب عليهم الكسل ولا يقومواْ غيرها.