شرح العقيدة الطحاوية (34)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
"بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا واجزه عنا خير الجزاء برحمتك يا أرحم الراحمين، قال الإمام الطحاوي رحمه الله تعالى:
وقد علم الله تعالى فيما لم يزل عدد من يدخل الجنة وعدد من يدخل النار جملة واحدة فلا يزاد في ذلك العدد ولا.."
العددِ العددِ.
"فلا يزاد في ذلك العددِ ولا يُنقص منه وكذلك أفعالهم فيما علم منهم أن يفعلوه.
قال الشارح ابن أبي العز رحمه الله تعالى:
قال الله تعالى {إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [سورة الأنفال:75] وقال تعالى: {وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً} [سورة الأحزاب:40] فالله تعالى موصوف بأنه بكل شيء عليم أزلاً وأبدًا ولم يتقدَّم علمه بالأشياء جهالة ولم يتقدم علمه بالأشياء جهالة {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً} [سورة مريم:64]."
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، صفة العلم ثابتة لله- جل وعلا- في كتابه وفي سنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- وهي محل إجماع بين أهل السنة والجماعة من سلف الأمة وأئمتها، ومن ينكر العلم كفر كما قال الإمام الشافعي، من ينكر صفة العلم لله- جل وعلا- كفر، وعلمه- جل وعلا- محيط بكل الأشياء دقيقها وجليلها علمه بالجزئيات كعلمه بالكليات؛ خلافًا لبعض الفلاسفة الذين يرون أن علمه خاص بالكليات لا بالجزئيات، وعلمه كما قال الشارح- رحمه الله تعالى- لم يتقدم علمه بالأشياء جهالة؛ لأن المقرر عند أهل العلم أن العلم لا يستلزم سبق الجهل، بخلاف المعرفة التي تستلزم سبق الجهل؛ ولذا يوصف الله جل وعلا بالعلم ولا يوصف بالمعرفة وهذا مقرر عند أهل العلم؛ لأن المعرفة تستلزم سبق الجهل ولذا قال ولم يتقدم علمه بالأشياء جهالة جاء في الحديث «تعرَّف على الله في الرخاء يعرفك بالشدة» قالوا هذا من باب المشاكلة، وإلا فالله جل وعلا لا يوصف بالمعرفة من باب المشاكلة والمجانسة في التعبير، ومثله كثير وإلا فالله لا يوصف ابتداء بالمعرفة لأنها تستلزم سبق الجهل فيما قرر أهل العلم، وأما بالنسبة لصفة العلم فلا تستلزم ذلك؛ ولذا قال الشارح ولم يتقدم علمه بالأشياء جهالة، والعالم من البشر يوصف بالعلم كما يوصف بالمعرفة لماذا؟ لأنه سبقه جهل وموصوف بالمعرفة، ويوصف بالعلم لأن العلم لا يستلزم لكنه لا ينفي أن يكون قبله جهالة لكنه غير مستلزم كما كما هو شأن المعرفة.
"{وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً} [سورة مريم:64] وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال كنا في جنازة في بقيع الغرقد فأتانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقعد وقعدنا حوله ومعه مخصرة فنكَّس رأسه فجعل ينكت بمخصرته ثم قال «ما منكم من أحد.. ما من نفس منفوسة إلا قد كتب الله مكانها من الجنة والنار»."
الخبر مركب من حديثين «ما منكم من أحد إلا قد كتب الله مكانه من الجنة» أو «ما من نفس منفوسة» فالمحقق أثبت الجملتين مع أنه قد يكون بهذا اللفظ أو بهذا اللفظ.
"«وإلا قد كُتبت شقية أو سعيدة» قال فقال رجل يا رسول الله أفلا نمكث على كتابنا وندع العمل؟ فقال «من كان من أهل السعادة فسيصير إلى عمل أهل السعادة ومن كان من أهل الشقاوة فسيصير إلى عمل أهل الشقاوة» ثم قال «اعملوا فكل ميسر لما خُلِق له أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة» ثم قرأ {فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى } [سورة الليل:5-10] خرجاه في الصحيحين."
يعني إذا كان الإنسان قد كُتب عليه وهو في بطن أمه أنه شقي أو سعيد، أنه من أهل السعادة أو من أهل الشقاوة، من أهل الجنة أو من أهل النار، قالوا ففيم العمل؟ مادام مكتوبا ولن يتغير هذا الحكم بحال، هذا الحكم لن يتغير لكن لما كان للإنسان نوع حرية واختيار، وهذا يجده كل إنسان من نفسه، له حرية هل يصلي أو لا يصلي! يدخل في الإسلام يشهد ألا لا إله إلا الله أو لا يشهد! لا يوجد ما يمنعه من النطق بالشهادة، وإذا كان قد كُتب عليه أنه من أهل الشقاوة فباختيار يرفض الدخول في الإسلام، وباختياره يمتنع عن الصلاة، فله حرية واختيار، وله مشيئة وإرادة لكنها تابعة لمشيئة الله وإرادته {وَمَا تَشَاؤُونَ إِلاَّ أَن يَشَاءُ اللَّهُ} [سورة الإنسان:30] ولا شك أن هذا من المضايق، مضايق الأنظار ومما ضل فيه فئام من الناس وأفرطوا فيه وفرَّطوا كما سيأتي في مسألة القضاء والقدر.
"قوله فكل ميسر لما خلق له، والأعمال بالخواتيم، والسعيد من سعد بقضاء الله، والشقي من شقي بقضاء الله. تقدم حديث علي رضي الله عنه وقوله -صلى الله عليه وسلم- فيه «اعملوا فكل ميسر لما خلق له» وعن زهير عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال جاء سراقة بن مالك بن جعشم فقال يا رسول الله بيِّن لنا ديننا كأنا خلقنا الآن فيم العمل اليوم أفيم جفت به الأقلام وجرت به المقادير أم فيما يستقبل؟ قال «لا، بل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير» قال ففيم العمل؟ قال زهير ثم تكلم أبو الزبير بشيء لم أفهمه فسألت ما قال؟ فقال «اعملوا فكل ميسر» رواه مسلم وعن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال «إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للنا س وهو من أهل النار وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس ناوهو من أهل الجنة» خرجاه في الصحيحين، وزاد البخاري «وإنما الأعمال بالخواتيم» وفي الصحيحين أيضا عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال حدثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو الصادق المصدوق «إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يومًا ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يُرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات يكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أم سعيد فو الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها» والأحاديث في هذا الباب كثيرة وكذلك الآثار عن السلف."
في حديث سهل بن سعد قيد «فيما يبدو للناس» «وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس» «وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس» وفي حديث ابن مسعود بدون قيد، فهل يحمل المطلق على المقيد هنا فيقال إن القيد معتبَر وإن لم يرد في حديث ابن مسعود، لكن من باب حمل المطلق على المقيد يحمل حديث ابن مسعود على حديث سهل؟ القواعد تقضي بهذا.
طالب: ...........
نعم متحد فيحمل المطلق على المقيد في هذا، لكن السلف خوفهم من سوء العاقبة سوء الخاتمة مطلق، تجدهم إذا تكلموا في هذا الباب خافوا ووجلوا ولم يأمنوا وإن أحسنوا العمل وأخلصوا لله- جل وعلا- لأن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن، وهم في مثل هذا الباب لا يحملون المطلق على المقيد فيستمر الخوف معهم والخشية والوجل وإن صلحت أعمالهم وحسنت نياتهم وكان باطنهم كظاهرهم؛ لأن هذا من باب الاحتياط للنفس فلا يتمادى الإنسان ويقول أنا مخلص في عملي ولو خلوت بنفسي ما تركت العمل ولا اختلف عملي في باطنه عن ظاهره، نعم هذا يعطي شيئا من أو يمنع القنوط واليأس لكنه لا يدل على الاسترسال في الأمل، وإلا فمقتضى القواعد أنه يحمل المطلق على المقيد ويكون في كل الأحوال إذا كان مخلصًا لله جل وعلا يأمن من أن تكون عاقبته هذه، لكن السلف حالهم و شأنهم غير ذلك، يرجحون من الخوف من سوء العاقبة وسوء الخاتمة، وإن وجد هذا القيد لأن كل إنسان أعرف بنفسه فهو خائف وجل أن يفتن ولو في آخر لحظة من حياته، وقد يكون عنده من الأعمال ما يقتضي صرفه عما كان عليه في السابق من أمور خفية قد لا يقدرها قدرها كما قال الله جل وعلا {وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [سورة الزمر:47] قد يكون الإنسان على الجادة ومخلص وعامل، عالم وعامل وما عنده مشكلة لكن إذا اتكأ على رواية سهل ارتاح وأمِن، وإذا عمل بحديث ابن مسعود بإطلاقه خاف ووجِل وتحسس نيته وتفقد عمله في كل لحظة لئلا يزل وهو لا يشعر.
طالب: ...........
إيه هذا بدون قيد مثل حديث ابن مسعود.
طالب: ...........
لو مات عليه؛ لأنه عمل صالح بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها، من مقتضى ذلك الإخلاص وحسن العمل إذا توافرت فيه الشروط، إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة، عمل أهل الجنة لا بد أن يكون فيه الشرطان: الإخلاص والمتابعة، لكن ما الذي يؤمنه من أن يُفتن في آخر لحظة بسبب عمل وسيئة اقترفها وعمل اجترحه وهو لا يشعر ولم يقدره قدره.
طالب: ...........
وين؟
طالب: ...........
هو مثل حديث ابن مسعود.
طالب: ...........
النبي -عليه الصلاة والسلام- مُرَّ عليه بجنازة فأثنوا عليها خيرًا فقال «وجبت وجبت وجبت» ومُر بجنازة أخرى فأثنوا عليها شرًا فقال «وجبت وجبت وجبت» ثلاث مرات فسألوه فقال «الأولى أثنيتم عليها خيرًا فوجبت له الجنة والثانية أثنيتم عليها شرًا فوجبت له النار أنتم شهداء الله في أرضه» هذا لا شك أنه من المبشرات وعاجل بشرى المؤمن لكن مع ذلك ينبغي أن يكون المؤمن على وجل وخوف من سوء العاقبة كما كان حال السلف حتى تفارق روحه جسده، لذلك يذكر عن الإمام أحمد وهو في النزع يقال أن الشيطان تمثل له فقال فتني يا أحمد فقال بعد بعد، ما خرجت الروح بعد، يمكن الله المستعان.
طالب: ...........
وين؟
طالب: ...........
لا، حتى فيما يبدو للناس هل تظن أن الإنسان إذا عمل أعمال صالحة فيما يبدو للناس وحقيقته خلاف ذلك أن الناس يتفقون بالثناء عليه؟ لا يمكن، مستحيل الناس يعرفون ويميزون المخلص من غيره، يعني لو ضحك على بعض الناس ما ضحك على بقيتهم، لو ضحك عليهم وقتا يسيرا ما ضحك عليهم بقية الأوقات، هذا معروف عند عامة الناس، يعرفون المخلص من غيره.
طالب: ...........
أي نعم.
طالب: ...........
ما هي مراتب القدر أربع، ستأتي ما الفرق بين الذي تقول؟
طالب: ...........
المستحيل ليس بشيء أصلاً؛ ولذلك لما قال بعض المفسرين في قوله {إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [سورة البقرة:20] قالوا إنه لا يقدر على أمور ذكروها لا نستطيع النطق بها، نقول هذا فيه تعارض حتى في تعارض القُدر حينما قال بعض الملاحدة هل يستطيع أن يخلق صخرة لا يستطيع تفتيتها؟ أصلاً هذا افتراض ليس بشيء؛ لأن هذا جمع بين النقيضين وهذا مستحيل والمستحيل ليس بشيء.
طالب: ...........
علم الله- جل وعلا- وإن كان قديم النوع، الله يعلم، قديم النوع، وقديمة معرفته بالأشياء حتى الآحاد يعرف ما كان وما يكون وما لم يكن، يعني الشيء الذي لم يكن لو كان، لو قُدر أنه كان كيف يكون؛ ولذا قال- جل وعلا- {وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ} [سورة الأنعام:28] هذا لم يكن ولن يكون ما كان ولن يكون، والله- جل وعلا- علم حالهم أنهم لو ردوا إلى الدار الدنيا لعادوا لما نهوا عنه، فعلمه شامل محيط بما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون.
طالب: ...........
لا، يوجد علم، ما هي مسألة فيه أحيانًا يكون الله- جل وعلا-.. مثل الميزان وضع الموازين {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [سورة الأنبياء:47] الله يعرف أن هذا مصيره إلى الجنة وهذا مصيره إلى النار، وهذا حسناته راجحة وهذا حسناته مرجوحة، الله يعلم جل وعلا فما فائدة الميزان؟! ليخرج هذا العلم إلى عالم الشهود فتقوم الحجة على الخلق لئلا يكون للناس على الله حجة.
"قوله وأصل القدر سر الله تعالى في خلقه لم يطلع على ذلك ملك مقرَّب ولا نبي مرسَل، والتعمق والنظر في ذلك ذريعة الخِذلان وسلم الحرمان ودرجة الطغيان فالحذر كل الحذر من ذلك نظرًا وفكرًا ووسوسة فإن الله تعالى طوى علم القدر عن أنامه ونهاهم عن مرامه كما قال تعالى في كتابه {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [سورة الأنبياء:23] فمن سأل لم فعل؟ فقد رد حكم الكتاب ومن رد حكم الكتاب كان من الكافرين."
من المؤسف أن نسمع ونقرأ في وسائل الإعلام من يقول ما الحكمة من خلق طفل يموت بعد ولادته بيوم أو يومين؟! وما الحكمة من خلق شخص يشقى في حياته ويُشقِي أهله من الأطفال المشوهين والخُدَّج وغيرهم ينازعون يقولون ما الحكمة؟! قال فمن سأل لمَ فَعل؟ فقد رد حكم الكتاب، ومن رد حكم الكتاب كان من الكافرين، ولابن القيم- رحمه الله تعالى- في بيان الحِكَم من وجود أمثال هذه الأمور، ما الحكمة من خلق الحيات والعقارب والشياطين؟ يسترسلون حتى يصلوا إلى أمور، مع أن هذا الكلام خطر عظيم ومزلة عظيمة هفوة كبيرة كما قال المؤلف، من سأل لمَ فعل فقد رد حكم الكتاب؛ لأن الله- جل وعلا- قال {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ} [سورة الأنبياء:23].
"أصل القدر سر الله في خلقه وهو كونه أوجد وأفنى وأفقر وأغنى وأمات وأحيى وأضل وهدى قال علي رضي الله عنه القدر سر الله فلا تكشفه، والنزاع بين الناس في مسألة القدر مشهور، والذي عليه أهل السنة والجماعة أن كل شيء بقضاء الله وقدره وأن الله تعالى خالق أفعال العباد قال تعالى {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [سورة القمر:49] وقال تعالى {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً} [سورة الفرقان:2] وأن الله..
يقول الله جل وعلا {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [سورة الصافات:96] فأفعال العباد مخلوقة له- جل وعلا- خلافًا للمعتزلة الذين يقولون إن العبد يخلق فعله، فأثبتوا خالقًا مع الله جل وعلا ولذا سموا مجوس هذه الأمة- نسأل الله العافية-.
"وأن الله تعالى يريد الكفر من الكافر ويشاؤه ولا يرضاه ولا يحبه."
لا يقع في ملكه إلا ما يريد، لكن هل يحبه ويرضاه؟ لا، يحب الإيمان، يحب أن يؤمن الناس كلهم لكنه شاء لبعضهم ألا يستجيبوا وحكمته واضحة وجلية في تقسيم الناس إلى فريقين كما هو مقرر في النصوص.
"فيشاؤه كونًا ولا يرضاه دينًا، وخالف في ذلك القدرية والمعتزلة وزعموا أن الله شاء الإيمان من الكافر ولكن الكافر شاء الكفر فروى فروى.."
فرُّوا فرُّوا..
"فرُّوا إلى هذا لئلا يقولوا شاء الكفر من الكافر وعذَّبه عليه، ولكن صاروا كالمستجير من الرمضاء بالنار، فإنهم هربوا من شيء فوقعوا فيما هو شر منه فإنه يلزمهم أن مشيئة الكافر غلبت مشيئة الله تعالى فإن الله قد شاء الإيمان منه على قولهم والكافر شاء الكفر فوقعت مشيئة الكافر دون مشيئة الله تعالى، وهذا من أقبح الاعتقاد وهو قول لا دليل عليه بل هو مخالِف للدليل."
وهذا مخالِف ومعارض ومناقض لقدرة الله- جل وعلا- فالله على كل شيء قدير، فالله- جل وعلا- شاء من الكافر الإيمان شاءه دينًا وشرعًا وأحبه له، ولكن شاء قدرًا ألا يؤمِن فلا تعارُض بين المشيئتين.
"روى اللالكائي من حديث بقية عن الأوزاعي قال حدثنا العلاء بن الحجاج عن محمد بن عبيد المكي عن ابن عباس أن رجلاً قدم علينا يكذِّب بالقدر فقال دلوني عليه وهو يومئذ أعمى فقالوا له.."
عمي ابن عباس رضي الله عنه في آخر عمره.
"فقالوا له ما تصنع به؟ فقال والذي نفسي بيده لئن استمكنت منه لأعضن أنفه حتى أقطعْه ولئن.."
أقطعَه..
أقطعَه؟
أحسن الله إليك.
"لأعضن أنفه حتى أقطعه ولئن وقعت رقبته بيدي لأدقنها فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول «كأني بنساء بني فهم يطفن بالخزرج تصطك ألياتهن مشركات» وهذا أول شرك في الإسلام» والذي نفسي بيده لا ينتهي بهم سوء رأيهم حتى يخرجوا الله من أن يقدِّر الخير كما أخرجوه من أن يقدِّر الشر."
لأن المعتزلة القدرية قالوا إن الله خالق الخير، والشر لا يريده فلا يخلقه كما قالت المجوس.
طالب: ...........
نسخة أخرى يقول أكثر الأصول فهم وكذلك في السنة للالكائي، وفي المسند والمطالب العالية فِهْر، على كل حال الخبر ضعيف فهو من طريق بقية بن الوليد وهو مدلس تدليسًا شديدًا وقد عنعن.
طالب: ...........
والعلاء كذلك فيه ضعف.
"قوله وهذا أول شرك في الإسلام إلى آخره من كلام ابن عباس وهذا يوافق قوله القدر نظام التوحيد فمن وحد الله وكذب بالقدر نقض تكذيبه توحيده وروى عمر بن الهيثم قال خرجنا.."
كيف يستقيم لمثل هؤلاء حياة فضلاً أن يستقيم لهم دين وهم يقولون أن العبد يخلق فعله، الله لا قدرة له على فعل هذا العبد ومشيئة الكافر غلبت مشيئة الله- نسأل الله العافية- وبالمقابل الجبرية الذين يقولون العبد لا مشيئة له ولا إرادة خلاص كتب عليه فلا يستطيع أن يصنع شيئًا، وحركته كحركة ورق الشجر، وهنا يتجه لهم القول أن الله خلق هذا وجبره على كذا وعذبه، هم يقولون هو ملكه، له أن يعذبه ولو كان لا يختار ذلك، وليس له تصرف ولا حرية ولا إرادة، له أن يعذبه لأنه ملكه، أولئك فروا من هذه الشبهة فنفوا فقالوا إن العبد يخلق فعله من أجل أن يعاقَب على خلقه هو، وإذا كان خلق الله- جل وعلا- فكيف يعذب عليه؟ وفَّق الله- جل وعلا- أهل السنة من سلف الأمة من الصحابة والتابعين فمن بعدهم إلى أن نظروا إلى النصوص في الطرفين ووفقوا بينها على ما سمعتم، والمسألة ظاهرة ولله الحمد، لكن التعمق في مثل هذه الأمور وكثرة النظر فيها ومداولتها قد توجِد بعض الإشكالات، ولذلك القدر سر الله في خلقه.
"وروى عمر بن الهيثم قال خرجنا في سفينة وصحبنا فيها قدري ومجوسي فقال القدري للمجوسي أسلِم قال المجوسي حتى يريد الله فقال القدري إن الله يريد ولكن الشيطان لا يريد قال المجوسي أراد الله وأراد الشيطان فكان ما أراد الشيطان هذا شيطان قوي وفي رواية أنه قال فأنا مع أقواهِما."
أقواهُما.
"أقواهُما ووقف أعرابي على.."
حج القدري لأن هذا كلام القدري أن مشيئة الشيطان أو إرادة الشيطان في هذا الذي أغوى هذا المجوسي، غلبت مشيئة الله جل وعلا على حد زعمهم.
"ووقف أعرابي على حلقة فيها عمرو بن عبيد فقال يا هؤلاء إن ناقتي سرقت فادعوا الله أن يردها علَيّ، فقال عمرو بن عبيد اللهم إنك لم ترد أن تسرق ناقته فسُرِقت فارددها عليه فقال الأعرابي.."
لم يرد شرعًا؛ لأن السرقة محرمة وممنوعة لا يريدها الله- جل وعلا- ولا يحبها لكنه أراد قدرًا أن تسرق ماذا قال القدري عمرو بن عبيد؟ اللهم إنك لم ترد أن تسرق ناقته فسرقت.
"فقال الأعرابي لا حاجة لي في دعائك قال ولمَ؟ قال أخاف كما أراد ألا تُسرق فسرقت أن يريد ردها فلا ترد."
فطرة.
"وقال رجل لأبي عصام القسطلاني أرأيت إن منعني الهدى وأوردني الضلال ثم عذَّبني أيكون منصِفًا فقال له أبو عصام إن يكن الهدى شيئًا هو له فله أن يعطيه من يشاء ويمنعه من يشاء."
لكنه بين له طريق الهدى، ما جعله خفيًّا غامضًا عليه، هداه النجدين وقال له اختر، لك حرية واختيار هذا الطريق موصل إلى النار وهذا الطريق موصل إلى الجنة فاختار باختياره وإرادته وحريته طريق الضلال الموصِل إلى النار، هل يقال إن الله ظلمه في هذا؟ حاشا وكلّا.
"وأما الأدلة من الكتاب والسنة فقد قال تعالى {وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [سورة السجدة:13] وقال تعالى {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ} [سورة يونس:99] وقال تعالى {وَمَا تَشَاؤُونَ إِلاَّ أَن يَشَاءُ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [سورة التكوير:29] وقال تعالى {وَمَا تَشَاؤُونَ إِلاَّ أَن يَشَاءُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً} [سورة الإنسان:30] وقال تعالى: {مَن يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [سورة الأنعام:39] وقال تعالى: {فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [سورة الأنعام:125] ومنشأ الضلال."
قف على هذا حسبك.
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه...