كتاب الفتن من صحيح البخاري (04)

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

هذا اللقاء هو آخر اللقاءات الأربعة التي تم الإعلان عنها، ويبقى في الكتاب ما يستوعب ثلاثة دروس سوف تكمل -بإذن الله- في يوم السبت والأحد والثلاثاء بعد صلاة العصر مباشرة في مسجد أبا الخيل حي السلام، وسوف تبث على ما بثت عليه الدروس الأولى -إن شاء الله تعالى-، ونحن على علم أن الأيام أيام امتحانات ولهذا السبب صار النقص ظاهر في هذا اليوم، لكن هي سوف تسجل -إن شاء الله-، والراية يتولون تسجيلها -إن شاء الله- وسوف تخرج قريباً، من لم يتمكن من الحضور ولا المتابعة بالإنترنت أو غيره يجدها -إن شاء الله- مسجلة، والله المستعان.

سم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

قال الإمام أبو عبد الله البخاري -رحمه الله تعالى-: باب: من كره أن يكثر سواد الفتن والظلم.

حدثنا عبد الله بن يزيد قال: حدثنا حيوة وغيره قال: حدثنا أبو الأسود وقال الليث عن أبي الأسود قال: قطع على أهل المدينة بعث فاكتتبت فيه فلقيت عكرمة فأخبرته فنهاني أشد النهي، ثم قال: أخبرني ابن عباس -رضي الله عنهما- أن أناساً من المسلمين كانوا مع المشركين يكثِّرون سواد المشركين على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيأتيهم السهم فيرمى فيصيب أحدهم فيقتله أو يضربه فيقتله، فأنزل الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} [(97) سورة النساء].

يقول الإمام -رحمه الله-: "باب: من كره أن يكثر سواد الفتن والظلم" من أراد أن يكثر سواد الفتن والمراد سواد الأشخاص، يكثر العدد وأهل الفتن، والأصل في الفتن والفتنة الشرك وأهله، والظلم يطلق الظلم ويراد به أيضاً الشرك، فتكثير سواد أهل الكفر الشرك والظلم وأيضاً تكثير سواد ما دون ذلك من أهل الفسق ومعاشرتهم ومخالطتهم لا شك أن هذا له أثره على المخالط.

"من كره" تطلق الكراهة ويراد بها كراهة التحريم، وهي ترد كثيراً في النصوص، ويراد بها التحريم لا التنزيه، وإن خصها العرف الخاص عند أهل العلم بكراهة التنزيه، والترجمة إنما وقعت على أمرٍ محرمٍ، كما سيأتي في الآية، {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ} [النساء:97]" بتكثيرهم سواد المشركين، فهذا أمرٌ محرم، فالكراهة هنا كراهة تحريم.

يقول -رحمه الله-: "حدثنا عبد الله بن يزيد" المقرئ الحافظ الثقة المعروف، أحد العبادلة الذين إذا رووا عن ابن لهيعة قوي خبره، "قال: حدثنا حيوة -بن شريح- وغيره" هو ابن لهيعة، البخاري لا يخرج لابن لهيعة، ولا يصرح باسمه، وأبهمه هنا لأنه ليس على شرطه، الجمهور على تضعيفه، هو ضعيف، فقال هنا: "حدثنا حيوة وغيره" والمراد به ابن لهيعة، وجمهور العلماء على تضعيفه، إذا فعل مثل هذا الإمام روى عن ثقتين، عن راويين، أحدهما ثقة، والآخر ضعيف، فأسقط الضعيف واقتصر على الثقة يسوغ هذا أو لا يسوغ؟ إذا روى عن راويين أحدهما ثقة والآخر ضعيف، فأبهم الضعيف أو أسقطه، واقتصر على التصريح باسم الثقة هل يضر هذا أو لا يضر؟ نعم؟ لا يضر، لماذا؟ لأن هذا الضعيف وجوده كعدمه سواءً ذكر أو لم يوجد أصلاً لا يؤثر في الخبر ما دام المصرح به المعتمد عليه ثقة، وما الفرق بين مثل هذا وبين تدليس التسوية الذي هو شرُّ أنواع التدليس؟ ما الفرق بينه وبين تدليس التسوية؟ هذه مسألة مهمة قد تلتبس على بعض المتعلمين وإلا فموضوع الفتن لا يحتمل مثل هذا التفصيل في الأسانيد، نعم، إيش الفرق بين مثل هذا الصنيع وتدليس التسوية الذي هو شر أنواع التدليس؟

طالب:.......

طيب.

طالب:.......

الآن عندنا في هذه الصورة لو كانت عمدة البخاري ابن لهيعة وليست عمدته حيوة، هل يمكن أن يقول: حدثنا حيوة؟ لا يمكن، بل حدثه حيوة وحدثه أيضاً ابن لهيعة، فروى الحديث عن اثنين، أحدهما ثقة والآخر ضعيف، أبهم الضعيف، نفترض أنه حذف الضعيف هذا، قال: حدثنا حيوة وترك ابن لهيعة، أضرب عنه صفحاً يؤثر؟ هذا لا يؤثر، تدليس التسوية مؤثر، كيف صار مؤثر؟ لماذا صار تدليس التسوية مؤثراً؟ صورة تدليس التسوية قبل..

طالب:.......

أن يروي الحديث عن ثقتين لقي أحدهما الآخر بينهما ضعيف، يعني لقي أحدهما الآخر، يعني هذا الثقة يروي عن ضعيف عن ثقة، فيحذف الضعيف، الضعيف له أثر في الباب، في الحديث نعم؛ لأنه أحد رواته الذين لا يمكن الاستغناء عنهم، إنما جاء الحديث من طريقه لا من طريق غيره، هنا جاء الحديث من طريقه ومن طريق غيره، في تدليس التسوية أن يروي الحديث عن ثقتين بينهما ضعيف، فلان عن فلان عن فلان، فيسقط الضعيف ويقتصر على الثقات، هذا مؤثر، وهذا يصعب الوقوف عليه؛ لأن المسألة مفترضة في ثقتين لقي أحدهما الآخر، لكن الراوي لم يروِ عن من روى عنه هذا الحديث إلا بواسطة هذا الضعيف.

"حدثنا حيوة وغيره قالا: حدثنا أبو الأسود" محمد بن عبد الرحمن الأسدي، يعرف بيتيم عروة، عن أبي الأسود، "وقال الليث.." قال: حدثنا أبو الأسود عرفنا أنه محمد بن عبد الرحمن الأسدي يتيم عروة، "وقال الليث عن أبي الأسود" يعني حيوة قال: حدثنا، ابن لهيعة قال: حدثنا، الليث قال: عن أبي الأسود، "قال -أبو الأسود- قُطع على أهل المدينة بعث" يعني فرض عليهم بعث، قطع على أهل المدينة بعثٌ، يعني فرض عليهم جيش، قطعة من الجيش تنتقى من أهل المدينة إلزاماً؛ ليقاتلوا أهل الشام في خلافة ابن الزبير، فُرض عليهم أن يبعثوا بعثاً لقتال أهل الشام، يقول أبو الأسود: "فاكتتبت فيه" يعني كنتُ ممن وقع عليه الاختيار مع هذا البعث، "فلقيت عكرمة -مولى ابن عباس- فأخبرته" أني اكتتبت مع هذا البعث "فنهاني -عن ذلك- أشد النهي" فنهاني عن ذلك أشد النهي، "ثم قال: أخبرني ابن عباس" ثم قال: أخبرني ابن عباس، عكرمة مولى ابن عباس، أخبره مولاه عبد الله بن عباس "أن أناساً" منهم عمرو بن أمية والحارث بن زمعة وغيرهما، "أناساً من المسلمين كانوا مع المشركين يكثرون سواد المشركين على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" يعني في القتال يخرجون مع المشركين إما مجاملة أو من باب حب الاستطلاع، أو لأمرٍ من الأمور، يخرجون مع المشركين يكثرون سوادهم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "فيأتي السهم" وتكثير السواد له أثره في الحروب، تكثير السواد له أثره في الحروب، كيف؟ لأن الخصم إذا رأى العدد كبير داخله ما داخله من رعب وخوف، لكن لما يكون العدد قليل تولدت فيهم الجرأة والشجاعة وطمعوا فيهم، لكن إذا كثر سوادهم دبَّ إليهم الضعف، "فيأتي السهم فيُرمى -به- فيصيب أحدهم"، يصيب أحد المسلمين الذين خرجوا مع المشركين، "فيصيب أحدهم فيقتله أو يضربه فيقتله"، يرمى بالسهم فيصيب أحد هؤلاء فيقتله، أو يضرب بالسيف مثلاً فيقتل، وهو معطوفٌ على: "فيأتي" لا على "فيصيب"، لأن الإصابة هنا بالسهم، والضرب يكون بالسيف، "فيقتله، فأنزل الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ} [النساء:97]" يعني بخروجهم مع الكفار هذا ظلم للنفس؛ لأنه ارتكابٌ لمحرم، فتكثير سواد المشركين أو الخوارج أو البغاة لا شك أن مثل هذا يفت في عضد المسلمين، وفي عضد الطائفة راجحة الكفة، المبغي عليها، المطلوب نصرها، والقتال معها، فمثل هذا خلاف ما أراد الله -عز وجل-، فهنا ظلمٌ للنفس بلا شك.

الحديث من كلام ابن عباس، يرويه عنه عكرمة، يريد أن يكفه عن تكثير السواد فضلاً عن القتال، وفي هذا ما يؤيد نفي ما نسب إلى عكرمة من كونه يرى رأي الخوارج، هذا الحديث وإن كان من كلام ابن عباس إلا أن له حكم الرفع، له حكم الرفع لماذا؟ لماذا؟

طالب:.......

هاه، له حكم الرفع لأنه متعلقٌ ببيان سبب نزول آية، ببيان سبب نزول آية، تفسير الصحابي يرى الحاكم أنه مرفوع، والجمهور خصوا من ذلك ما يتعلق بأسباب النزول، قالوا: له حكم الرفع.

وعدوا ما فسره الصحابي

 

رفعاً فمحمولٌ على الأسبابِ

 

محمول على أسباب النزول وليس مطلق، يعني ليس كل تفسير للصحابي حكمه الرفع كما يقول الحاكم، وهنا معلق بنزول آية، فله حكم الرفع، لماذا؟ لأن نزول الآية لا بد أن يكون النبي -عليه الصلاة والسلام- طرف، طرف في الموضوع وإن لم يذكر؛ لأن النزول إنما يكون عليه -عليه الصلاة والسلام-، نعم.

بابٌ: إذا بقي في حثالة من الناس.

حدثنا محمد بن كثير قال: أخبرنا سفيان قال: حدثنا الأعمش عن زيد بن وهب قال: حدثنا حذيفة قال: حدثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديثين رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر، حدثنا: «أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال، ثم عملوا من القرآن، ثم عملوا من السنة» وحدثنا عن رفعها قال: «ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل أثر الوكت، ثم ينام النومة فتقبض فيبقى فيها أثرها مثل أثر المَجْلِ كجمر دحرجته على رجلك فنفط فتراه منتبراً، وليس فيه شيء، ويصبح الناس يتبايعون فلا يكاد أحد يؤدي الأمانة فيقال: إن في بني فلان رجلاً أميناً، ويقال للرجل: ما أعقله! وما أظرفه! وما أجلده! وما في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان» ولقد أتى عليَّ زمان ولا أبالي أيكم بايعت، لئن كان مسلماً رده عليّ الإسلام، وإن كان نصرانياً رده علي ساعيه، وأما اليوم فما كنت أبايع إلا فلاناً وفلاناً.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "بابٌ: إذا بقي في حثالة من الناس" يعني أناس لا خير فيهم، أناسٌ لا خير فيهم، وهم من رفعت الأمانة من قلوبهم، فيما دل عليه الخبر.

يقول -رحمه الله-: "حدثنا محمد بن كثير –العبدي- أخبرنا سفيان -الثوري- حدثنا الأعمش -سليمان بن مهران- عن زيد بن وهب -الجهني- قال: حدثنا حذيفة -بن اليمان- قال: حدثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديثين" حدثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديثين، إما أن يكون المراد حديثين في مجلسه، وإلا فقد حدثهم النبي -عليه الصلاة والسلام- ألوف الأحاديث، "حدثنا حديثين" إما أن يكون المراد به في نفس المجلس، أو في موضوع ذكر الأمانة ورفعها، قد يقول قائل: إن لحذيفة بن اليمان أحاديث، فكيف يحصر بحديثين؟ يقال: إن المراد بذلك إما أن يكون في المجلس نفسه، حدثهم في ذلك المجلس بحديثين، أو يكون في موضوع الأمانة ورفع الأمانة هذين الحديثين.

"رأيتُ أحدهما" يعني أدركت، حصل، أحدهما حصل، والثاني يُنتظر، "وأنا أنتظر الآخر، قال: حدثنا أن الأمانة" يعني المذكورة في قوله -جل وعلا-: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا} [(72) سورة الأحزاب] يعني لأن أمرها عظيم "نزلت -هذه الأمانة- في جذر قلوب الرجال" في أصلها، في عمق القلوب نزلت هذه الأمانة، المراد بها إما الفطرة، أو العهد الذي أُخذ عليهم وهم في أصلاب آبائهم، أو التزام التكاليف، المقصود أن هذه الأمانة نزلت في عمق القلوب، "ثم علموا من القرآن" زيادة على هذه الأمانة التي نزلت في جذر القلوب وعمقها فتأكَدَتْ "ثم عملوا من السنة" إضافة إلى ذلك، فترسخت الأمانة في قلوبهم، هذا حال الصحابة -رضوان الله عليهم-، وحال من اقتفى أثرهم ممن لم يغير ولم يبدل، ولد على الفطرة، وتعلم العلم الشرعي من أبوابه، معتمداً في ذلك على الكتاب والسنة، مثل هذا في الغالب الله -سبحانه وتعالى- يعينه ويثبته ويسدده، ولا تميلُ به الأهواء غالباً، "ثم علموا من السنة" إشارةً إلى أن الاهتمام ينبغي أن يكون لكتاب الله -عز وجل- عند كل مسلم، وعلى وجه الخصوص عند طلاب العلم، "ثم علموا من القرآن، ثم علموا من السنة" ففي هذا تقديم الأهم فالأهم في تحصيل العلم الشرعي.

وبالمهم المهم ابدأ لتدركه

 

وقدم النص والآراء فاتهمِ

 

لا بد من البداءة بالأهم فالأهم، يعني هل من إتقان المنهج وضبط المنهج أن يقتصر الشخص -طالب العلم- على القرآن فقط حتى يتقن القرآن حفظاً وفهماً وتفسيراً من جميع ما يتعلق به من جميع الوجوه قبل أن يبدأ بغيره من العلوم، يحفظ القرآن قبل أن يحفظ شيء من العلوم الأخرى؟ أو يكون حفظه للقرآن بالتدريج مع العلوم الأخرى؟ هنا في هذا الحديث يقول: "ثم علموا من القرآن، ثم علموا من السنة" لا شك أن العناية بالقرآن في غاية الأهمية، لكن إذا عرفنا أن ابن عمر تعلم البقرة في ثمانِ سنين هل معنى هذا أنه لم يعرف من السنة شيء حتى تعلم القرآن كله؟ لا، لكن هذه مسألة اهتمام، ينبغي لطالب العلم أن يجعل جلَّ وقته واهتمامه للقرآن، ولا يغفل عن العلوم الأخرى حتى إذا كبر انتبه وقال: أطلب العلوم الأخرى.

وعلى كل حال المغاربة لهم طريقة والمشارقة لهم طريقة في هذا، المغاربة طريقتهم لا يدخلون من العلوم شيئاً على القرآن حتى يتم حفظه وضبطه وإتقانه، ثم بعد ذلك يتعلمون العلوم الأخرى، فيكونون بهذا قد ضمنوا حفظ القرآن، يعني لو قدر للإنسان أن يتابع العلم الشرعي يكون عنده الأصل ويبني عليه، إن قدر أن ظروفه لا تسمح له بمتابعة العلم الشرعي يكون قد ضمن رأس المال، الذي هو كتاب الله -عز وجل-، هذه طريقة المغاربة، طريقة المشارقة تختلف، لهم عناية بكتاب الله -عز وجل-، لهم عناية بجميع ما يتعلق بكتاب الله -عز وجل- لكنها تدريجية، بمعنى أن الطالب المبتدئ يحفظ قصار السور، وشيء يسير من العلوم الأخرى؛ ليتعلم أصول العلوم كلها وهو في الصغر، ثم يبني عليها بعد ذلك، يتعلم يحفظ المفصل، ويحفظ معه المتون المعتمدة عند أهل العلم من السنة والعقيدة والفقه، وما يعين على فهم ذلك، على كل حال هي طرق وكلها نافعة، المقصود أن يعتنى بكتاب الله -عز وجل-، وبسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-، ويحرص طالب العلم كل الحرص على العلم من منابعه الأصلية من الكتاب والسنة، ويترك القيل والقال، والمصادر المختلف في حكمها من العلوم الأخرى، التي أقل أحوالها الإباحة، هذا إذا كان حريص على أن يتعلم العلم الشرعي.

نعم، العلوم..، علوم أمور الدنيا هذه يقول أهل العلم: إنها من فروض الكفايات، يعني لا يجوز أن تترك تتركها الأمة جانباً مثل الصناعات والزراعات وغيرها، وقل مثل هذا في العلوم العصرية الرياضيات والعلوم والطب والهندسة وغيرها، هذه على الأمة أن تتعلمها بقدر ما يكفي، لا يزيد على ذلك وإلا فالعلم الشرعي قدرٌ مشترك للمسلمين كلهم، مع الأسف أن تجد كثير ممن ينتسب إلى طلب العلم يضيع أوقاته هدر بدون فائدة، يعني ما التفت إلى أمور دنيا يجني من ورائها ما ينفعه ويقدمه لآخرته من بذل وإحسان وإنفاق في سبيل الله، لا، تجده ينشغل بما لا ينفع، لا العلم الشرعي أدركه، ولا علوم الدنيا نفع بها وانتفع، والله المستعان.

"ثم علموا من السنة، وحدثنا عن رفعها" رفع الأمانة وذهابها، "قال: «ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه»" زرعت في جذر قلبه الأمانة، "«ثم ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه»" تقبض هكذا من غير أسباب؟ من غير أسبابٍ منه، هو سببها، هو المتسبب في قبضها، بدون سبب تقبض الأمانة؟ أو يكون قد تسبب في قبض الأمانة من قلبه؟ لأن كل شيء له سبب، الران الذي يرون على..، يغطي القلوب، الران كسب العبد، {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [(14) سورة المطففين] نعم هذا سببه العبد، وليس بظلم من الله -عز وجل-، ينام العشرة مثلاً متساوي الأعمال من خيرٍ وشر، ثم تقبض من بعضهم دون بعض، كل إنسان مؤاخذ بما اكتسب.

"فقال: «ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه»" جاء في الخبر الآخر: «يصبح الرجل مؤمن ويمسي كافر» والعكس، وهذا بسبب ما قدم، وبسبب تعرضه لهذه الفتن، «فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل الوكت» يعني باقٍ فيها أثر يسير مثل الوكت، مثل السواد في اللون الأبيض أو العكس، «ثم ينام النومة فتقبض الأمانة من قلبه» يزداد من الذنوب والمعاصي والشهوات والشبهات، «ثم تقبض الأمانة من قلبه فيبقى فيها أثرها مثل أثر المَجْل» أثر المَجْل، المجل: غلظ الجلد من أثر العمل، لو وازنت بين اثنين أحدهما يعمل بيده وبنفسه، والآخر مُترف ليس بصاحب عمل، لا شك أنك تجد هذا جسمه ناعم، ويده ناعمة، أما الذي يكد ويكدح ويعمل بيده ويتولى الأعمال بنفسه هذا لا شك أن جلده غليظ، «يبقى أثرها مثل المجل» غلظ، «كجمر دحرجته على رجلك» يعني لو أتيت بجمرة أو وقعت جمرة على رجلك إما من المبخرة مثلاً وإلا شيء ماذا تصنع هذه الجمرة؟ «كجمرٍ دحرجته على رجلك فنفط -انتفخ- فتراه منتبراً -يعني منتفخاً يعني مرتفع- وليس فيه شيء -ما في جوفه شيء- ويصبح الناس يتبايعون -يعني السلع- فلا يكاد أحد يؤدي الأمانة» لأنها سلبت في الغالب، سلبت من غالب الناس، «فلا يكاد أحدٌ يؤدي الأمانة» وهذا مع الأسف الشديد واقع كثير من المسلمين.

من ينصح لأخيه المسلم، إذا جاء المسترسل والمندفع الذي لا يعرف الأسعار ينصح له، مثل جرير بن عبد الله اشترى الفرس بثلاثمائة، لما باعه صاحبه قال: فرسك يستحق أكثر أشتريه بأربعمائة، فلما باعه قال: لا، فرسك يستحق أكثر إلى أن وصل إلى ثمانمائة، كثير من الباعة يتمنون مثل هذا المسترسل، ويقول بعضهم إما بلسان مقاله -وقد سُمع- أو بلسان حاله، يسأل الله أن يأتي إليه بلهجة العوام يقول: يأتي إليه عميان قلب مفتح العيون، يبي واحد بس خذ هذا بأي ثمن يكون، هذا من النصح لكلِّ مسلم؟ هذا غش للمسلمين، هذا الغش للمسلمين، وإلا النصح لكل مسلم غير هذا.

الآن ما يحصل في أسواق المسلمين لا سيما ما يتعلق بأمور النساء، وقل أشباه النساء، إذا جاءت المرأة دخلت المحل وقالت: كم هذا المتر؟ قال: مائة ريال، يمكن أنه ما كلف عشرة عليه، ويحتج يقول: لو ما أقول: مائة ريال ما اشترت، وهذا واقع يا الإخوان، لو أقول: بعشرين ريال ما اشترت تعرف أنه وسط، فكثير من الناس رجال ونساء يقيمون السلع بقيمتها، فإذا كانت القيمة مرتفعة فالسلعة جيدة، مثل هذا غش يا أخي، تأخذ خمسة أضعاف بأي مبرر، يعني حجته أن يقول: لو قلت: عشرين ريال ما اشترت أجل كسدت البضاعة، نقول: مائة ريال وتروح، صحيح هذا واقع كثير من النساء، لكن هل هذا مبرر إلى أن آخذ خمسة أضعاف؟ أُصدق في بيعك وشرائك، وليكن بيعك ضعيف بالنسبة لجيرانك، وكسبك قليل لكن شيء يبارك لك فيه، اليسير مع البركة أفضل من الكثير مع نزعها.

يقول: «ويصبح الناس يتبايعون السلع، فلا يكاد أحد يؤدي الأمانة -لسلبها- فيقال: إن في بني فلان رجلاً أميناً» لندرته، الأمين نادر، ومن انتكاس الفطر، وتغير المفاهيم، ويش يسمون صاحب القلب السليم هذا الذي..؟ الأمين الذي نص عليه بالحديث؟

طالب:.......

صحيح، صحيح، يرمونه بالتغفيل، هذا المحتاط لذمته ودينه في عرف الناس مغفل، نسأل الله العافية.

«ويقال للرجل: ما أعقله! وما أظرفه! وما أجلده!» يمدح على ألسنة الناس لماذا؟ عفريت، هو عاقل ذكي حازم ليش؟ لأنه يضحك على الناس، هذا هو العاقل؟ العاقل الذي يهتم للفاني ويترك الباقي؟ يا أخي ما نسبة بقائك في هذه الدنيا بالنسبة إلى الآخرة لو أدركت حقيقة الأمر؟

«ويقال للرجل: ما أعقله! وما أظرفه! وما أجلده! وما في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان» نعم الناس يعجبون بهذا الشخص المخادع الذي لا يُخدع يعجبون به، ما أعقله! ما أحزمه! ما أذهنه! ما أذكاه! إيش من كلام هذا؟ بينما الشخص سليم الصدر، سليم القلب، يقولون: هذا مغفل، وما يدرون ما للبله عند الله -عز وجل-؟ وزيادة الحرص والاهتمام، بل والذكاء في الغالب نقص في الدنيا غالباً، وفي الدين أحياناً، يعني إذا جلست مجلس يضم عشرة عشرين تجد هذا الشخص الذي يقال: ما أعقله! ما أذكاه! كم خرج من خطيئة؟ لأنه ضحك على هذا، وهمز هذا، ولمز هذا، وذاك سليم القلب، سليم الصدر، يمكن خرج سالم ما عليه شيء، فينبغي أن يكون اهتمامنا منصب لما ينفعنا في الآخرة؛ لأن الدنيا مهما طالت فانية، والله المستعان.

"ولقد أتى عليّ زمان -يقول حذيفة -رضي الله عنه- ولقد أتى عليّ زمانٌ ولا أبالي أيُّكم بايعت؟" أو أيَّكم بايعت؟ ما يهم، أروح لفلان أو علان، الآن إذا طلع الولد يبي يشتري حاجة تقول: روح للمحل الفلاني، ترى المحل الفلاني يمكن يغشك، يمكن يغرك، يمكن يضحك عليك، حذيفة يقول: "ولا أبالي أيكم بايعتُ؟ لئن كان مسلماً رده علي إسلامه" المسلم الذي اعتنق الإسلام يعمل بما دعاه إليه إسلامه، يطبق الإسلام، فلا يغش، ولا يمكر ولا يخدع، "ولئن كان نصرانياً" يعني أو يهودياً أو أي شخص مأذون ببقائه "ولئن كان نصرانياً رده علي ساعيه" الوالي، يخاف من الوالي لعدله، ساعيه الذي أقيم عليه يتولى أموره مع غيره ممن ولاهم الله أمره، يقول: "وأما اليوم -يعني بعد فقد الأمانة- فما كنت أبايع إلا فلاناً وفلاناً" أفراد من الناس، يعني هم الذين لا يغشون، هم اللي..، والله المستعان، نعم.

باب: التعرب في الفتنة:

حدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا حاتم عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع أنه دخل على الحجاج فقال: يا ابن الأكوع ارتددت على عقبيك تعرّبت؟ قال: لا، ولكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أذن لي في البدو.

وعن يزيد بن أبي عبيد قال: لما قتل عثمان بن عفان خرج سلمة بن الأكوع إلى الربذة وتزوج هناك امرأة وولدت له أولاداً فلم يزل بها حتى قبل أن يموت بليالٍ فنزل المدينة.

حدثنا عبد الله بن يوسف قال: أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي صعصعة عن أبيه عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال، ومواقع القطر، يفر بدينه من الفتن».

يقول -رحمه الله تعالى-: "باب: التعرب في الفتنة"

قبل ذلك هذا سؤال يقول: في الدرس الماضي لم تعلقوا على جملة: «تلزم جماعة المسلمين وإمامهم» هذا وقع في آخر الدرس بعد أن تأخرنا جداً، يقول: وتحدث البعض في ذلك.

الكلام واضح، "قلت: فما تأمرني؟" بعد أن قال: «دعاةٌ على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها» قلتُ: يا رسول الله صفهم لنا، قال: «هم من جلدتنا» يعني منا «ويتكلمون بألسنتنا» يعني بلغتنا، "قلتُ: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: «تلزم جماعة المسلمين وإمامهم»" إمامهم من ولاه الله أمرهم، لا بد من لزوم جماعة المسلمين وإمام المسلمين، ولا يجوز الخروج عليه إلا إذا رئي الكفر البواح، على ما علقت عليه النصوص، إذا رئي الكفر البواح حينئذٍ ساغ الخروج، وأيضاً: «لا ما صلوا» ما داموا يصلون لا يسوغ الخروج عليهم بحال، ولو ارتكبوا ما ارتكبوا من ظلم، ما لم يرَ الكفر البواح، وعلى كل حال إذا ارتكبوا من ظلم أو إيثار على ما تقدم عليك أن تؤدي الذي عليك، وتسأل الله -جل وعلا- الذي لك، فمن ولي من أمر المسلمين عليه أن يعدل، وهو مطالب بنصوصٍ كثيرة بالعدل بين الرعية، وأطرهم على الحق، لكن إذا قصر في ذلك فعلى من تحت يده السمع والطاعة ما لم يرَ الكفر البواح.

هنا يقول: "باب: التعرب في الفتنة" التعرب: الإقامة في البادية مع الأعراب، التعرب: الإقامة في البادية مع الأعراب، في رواية أبي ذر: "التعزب" التعزب أو التغرب؟ نعم؟

طالب:.......

نعم فيه رواية: "التغرب" وهذه رواية أبي ذر، وفيه أيضاً: "التعزب" وهو البعد، عزب عن بالي، يعني بعد عن بالي، والتغرب من الغربة والاغتراب، والبعد عن مواطن المدن، فالمعاني متقاربة.

التعرب الإقامة في البادية مع الأعراب هذا ظاهر، وهذا أكثر الرواية عليه، التغرب والاغتراب، التغرب رواية أبي ذر، الغربة والاغتراب عن الوطن المأهول إلى مكانٍ خالٍ، وهذا في وقت الفتن، وأما التعزب فهو من البعد أيضاً مأخوذ، من عزب عن باله كذا، يعني بعد عن ذهنه، وما زالت هذه الكلمة مستعملة في سكنى البراري في أوقات الربيع، في أوقات العشب والكلى يقال: فلان عزب، أو آل فلان عزبوا، عازبين، فهي مستعملة، على كل حال أكثر الرواة على التعرب.

يقول الإمام -رحمه الله تعالى-: "حدثنا قتيبة بن سعيد –البلخي- قال: حدثنا حاتم -بن إسماعيل- عن يزيد بن أبي عبيد -مولى سلمة بن الأكوع- عن سلمة بن الأكوع" هذا الحديث رباعي، الواسطة بين البخاري وبين يزيد بن أبي عبيد اثنان، وهو يروي عن يزيد بن أبي عبيد بواسطة واحد، المكي بن إبراهيم، وغالب ثلاثيات البخاري بهذا الإسناد، المكي بن إبراهيم عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع، "أنه دخل على الحجاج" المقصود به ابن يوسف الثقفي لما ولي إمرة الحجاز بعد قتل ابن الزبير، سنة أربع وسبعين، "فقال -له-: يا ابن الأكوع ارتددت على عقبك" ارتددت على عقبيك: أي سكنت البادية تعربت؟ سكنت البادية بعد أن هاجرت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مخلصاً لوجهه تعالى، ولا شك أن التعرب بعد الهجرة مذموم، بل لا يجوز، من هاجر إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- وترك وطنه أن يرجع إليه، ولذا لا يجوز الإقامة للمهاجرين بمكة بعد أن يؤدوا منسكهم أكثر من ثلاث، الحجاج يقول: "ارتددت على عقبيك تعربت؟ قال سلمة: لا، ولكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أذن لي في البدو"، يعني في الإقامة معهم، أذن لي في الإقامة مع البادية، ولا شك أن هذا من جفاء الحجاج، من جفاء الحجاج يخاطب صحابي جليل بهذا الأسلوب، ارتددت يا ابن الأكوع "ارتددت على عقبيك تعربت؟" سلمة بن الأكوع أذن له النبي -عليه الصلاة والسلام- فهو مخصوص من النصوص.

"وعن يزيد بن أبي عبيد" بالسند السابق، يعني من طريق قتيبة بن سعيد، قال: حدثنا حاتم عن يزيد بن أبي عبيد، "قال: لما قتل عثمان خرج سلمة بن الأكوع -من المدينة- إلى الربذة" الربذة كلام أهل العلم فيها قديماً وحديثاً في تحديدها وموقعها متباين تباين كبير، منهم من يقول: موضع بين مكة والمدينة، واستفاض عند كثير من العلماء أنها الحناكية هي الربذة، لكن الذي حققه من له عناية بالبلدان ثلاثة من الكبار الذين لهم عناية بالمواطن حققوا مكانها وحُدد، والآن هناك إشارات تدل على المكان، وخط يوصل إليها، في معجم الأمكنة الواردة في صحيح البخاري تكلم على موطنها، وذكر أنه ذهب إليه مع اثنين من الكبار، وحددوه بدقة من خلال ما كتب عنها من شعرٍ ونثر، فيراجع هذا المعجم.

"وتزوج هناك امرأة وولدت له أولاداً فلم يزل بها حتى قبل أن يموت بليال نزل المدينة" كم مكث في الربذة؟ أربعين سنة، نحو من أربعين سنة من مقتل عثمان -رضي الله عنه- إلى سنة أربعة وسبعين، يقرب من أربعين سنة.

ثم بعد هذا يقول: "حدثنا عبد الله بن يوسف" هنا التعرب مذموم في الأصل للمهاجرين، سلمة بن الأكوع أذن له، في الفتنة يأتي حديثها، هنا يقول: "حدثنا عبد الله بن يوسف -التنيسي- قال: أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي صعصعة عن أبيه" عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة "عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «يوشك -بكسر الشين وفتحها لغةٌ رديئة أي يقرب- أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال -رؤوس الجبال- ومواقع -نزول- القطر -الذي هو المطر- يفر بدينه -يفر بسبب دينه- من الفتن» هذا خير ما يقتنيه المسلم: غنم؛ لحاجته الضرورية إليها، لدرها ونسلها، هذا خير مال المسلم، خير ما يقتنيه المسلم في أيام الفتن، يخرج بها إلى الصحاري إلى القفار يتبع بها شعف رؤوس الجبال، يتتبع مواقع القطر، والسبب في ذلك يترك حياة الترف والدعة والإخلاد إلى الراحة إلى العراء، إلى حر الشمس، وشدة البرد، كل ذلك في سبيل حفاظه على دينه، فاراً بدينه خاشياً من الفتن، يخشى الفتنة على دينه، فدينك دينك، لحمك ودمك، هو رأس مالك، فإذا سلم الدين فالباقي مكسب، فإذا خشي الإنسان على دينه من أن يتعرض لنقصٍ أو ذهاب فالدين الدين، وما عدا ذلك من أمور الدنيا غير مأسوف عليه؛ لأن الدنيا كلها لا تزن عند الله جناح بعوضة، هذه الدنيا بما فيها وما عليها من حطام فاني، ولو رآه الناس شيئاً عظيماً، وتفاخر الناس به، وتقاتلوا من أجله فإنه لا يزن عند الله جناح بعوضة، من يدرك حقيقة هذا الأمر؟ سعيد بن المسيب لما خطبت ابنته للوليد بن عبد الملك ابن الخليفة الواسطة السفير الخطّيب يقول له: جاءتك الدنيا بحذافيرها، يقول سعيد: إذا كانت الدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة فماذا ترى يقص لي من هذا الجناح؟! ويش بيقص لسعيد بن المسيب من هذا الجناح؟ جاءتك الدنيا بحذافيرها، الدنيا كلها بحذافيرها لا تساوي جناح بعوضة، ويزوج هذه البنت التي طلبت لابن الخليفة يزوجها أحد طلابه فقير لا يجد شيئاً، والله المستعان، نعم.

باب: التعوذ من الفتن:

حدثنا معاذ بن فضالة قال: حدثنا هشام عن قتادة عن أنس -رضي الله عنه- قال: سألوا النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى أحفوه بالمسألة، فصعد النبي -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم المنبر فقال: «لا تسألوني عن شيء إلا بينت لكم» فجعلت أنظر يميناً وشمالاً فإذا كل رجل رأسه في ثوبه يبكي، فأنشأ رجلٌ كان إذا لاحى يدعى إلى غير أبيه، فقال: يا نبي الله من أبي؟ فقال: «أبوك حذافة» ثم أنشأ عمر فقال: رضينا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمدٍ رسولاً، نعوذ بالله من الفتن، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «ما رأيت في الخير والشر كاليوم قط، إنه صورت لي الجنة والنار حتى رأيتهما دون الحائط» قال: فكان قتادة يذكر هذا الحديث عند هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [(101) سورة المائدة].

وقال عباس النرسي: حدثنا يزيد بن زريع قال: حدثنا سعيد قال: حدثنا قتادة أن أنساً حدثهم أن النبي الله -صلى الله عليه وسلم- بهذا، وقال: كل رجل لافاً رأسه في ثوبه يبكي، وقال: عائذاً بالله من سوء الفتن، أو قال: أعوذ بالله من سوء الفتن.

وقال لي خليفة: حدثنا يزيد بن زريع قال: حدثنا سعيد ومعتمر عن أبيه عن قتادة أن أنساً حدثهم عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بهذا، وقال: عائذاً بالله من شر الفتن.

يقول الإمام -رحمه الله تعالى-: "باب التعوذ من الفتن" وقد أمر المسلم أن يتعوذ من الفتن، فتن المحيا، ومن فتن الممات في كل صلاة، فيتعوذ بالله من أربع، وجمهور أهل العلم على أن ذلك مستحب، ويرى بعضهم أنه واجب، وقد أمر طاووس ابنه بإعادة الصلاة لما ترك هذا التعوذ بالله من أربع.

باب: التعوذ من الفتن.

يقول: "حدثنا معاذ بن فضالة -البصري- قال: حدثنا هشام" يعني الدستوائي "عن قتادة عن أنس -رضي الله عنه- قال: سألوا النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى أحفوه" يعني ألحوا في السؤال "بالمسألة" يعني بالسؤال "فصعد النبي -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم على المنبر" وفي رواية: "المنبر" فقال: «لا تسألوني -يعني في هذا اليوم- عن شيء إلا بينت لكم» يعني بما يوحيه الله إليه،  وإلا فهو -عليه الصلاة والسلام- لا يعلم من الغيب شيء إلا ما أطلع عليه، "قال أنس: "فجعلت أنظر" يعني إلى الصحابة "يميناً وشمالاً، وكل رجلٍ رأسه في ثوبه يبكي" لأنهم عرفوا من هذا أن النبي -عليه الصلاة والسلام- غضب، وتسببوا في غضبه -عليه الصلاة والسلام- حينما ألحفوا في المسألة، وألحوا وأحفوه، "فإذا كل رجلٍ رأسه في ثوبه يبكي، فأنشأ رجلٌ -بدأ رجل وهو عبد الله بن حذافة "كان إذا لاحى" خاصم أحد، حصل نقاش بينه وبين أحد ونزاع وخصام "يدعى إلى غير أبيه"، يشكك في نسبته إلى أبيه، يقال: أنت أبوك فلان، وليس حذافة، "فقال: يا نبي الله من أبي؟ فقال: أبوك حذافة" يعني حذافة بن قيس، "ثم أنشأ عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فقال: "رضينا بالله رباً" لما رأى الغضب في وجه النبي -عليه الصلاة والسلام- قام عمر، وهو صاحب المواقف، وفي هذا منقبة له -رضي الله عنه وأرضاه-، "رضينا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمدٍ -صلى الله عليه وسلم- نبياً ورسولاً" بما جاء به من وحي، واكتفينا بذلك عن السؤال، {لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [(101) سورة المائدة] دعوني، «ذروني ما تركتم» لأن بعض الأسئلة يولد إجابات تحمد عقباها فيها........ فمن سأل عن شيء فحرم بسبب مسألته جاء الوعيد في حقه..، "نعوذ بالله من سوء الفتن" هذا من كلام عمر -رضي الله عنه-، "فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: «ما رأيتُ في الخير والشر كاليوم قط»" ما رأى في الخير فيما رآه في الجنة، حينما صورت له دون الحائط، وما رأى في الشر قط كاليوم فيما رآه في النار، حينما صورت له دون الحائط.

"فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: «ما رأيت في الخير والشر كاليوم قط، إنه صورت لي الجنة والنار حتى رأيتهما»" والقدرة الإلهية لكشف الحجب وإن كثفت وإن بعدت صالحة، {إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [(20) سورة البقرة] «حتى رأيتهما دون الحائط» يعني بيني وبين الحائط، وحصل له أن رأى النار، وهو في صلاة الكسوف وتكعكع -عليه الصلاة والسلام- تأخر وتقدم، المقصود أن مثل هذه الأمور مما يجب تصديقها والتسليم بها؛ لأن هذه الأمور لو ترك المجال لعقل ابن آدم الضعيف ما استوعبها، لكن على المسلم أن يرضى ويسلم، فيما صح عن نبيه -عليه الصلاة والسلام-.

قال قتادة يعني في السند السابق معاذ بن فضالة قال: حدثنا هشام عن قتادة: "يذكر هذا الحديث عند هذه الآية"، هذا الحديث يقرن بهذه الآية، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [(101) سورة المائدة] يعني جاء الجواب من أبي؟ قال: أبوك حذافة، فجيد أن جاء الجواب مطابق لما يريده السائل، لكن لو تصور أنه قال: أبوك فلان، غير أبوه الذي ينتسب إليه، كيف يكون وقعه عليه؟ فمثل هذه الأمور التي مشت، ودرج الناس عليها، واستفاض بين الناس أن فلان هو ابن فلان، لا ينبغي التنقيب عنها، ولا التشكيك فيها، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [(101) سورة المائدة] فيذكر الحديث مع هذه الآية كالسبب لنزولها، وكالتفسير لها.

"وقال عباس -هو ابن الوليد- النرسي قال: حدثنا يزيد بن زريع" هذا معلق، وصله أبو نعيم في مستخرجه، "قال: حدثنا سعيد قال: حدثنا قتادة أن أنساً حدثهم أن نبي الله -صلى الله عليه وسلم- بهذا" يعني بما ذكر، "وقال: «كل رجلٍ لافاً رأسه في ثوبه يبكي»" يعني يخشى العقوبة، الذي يغضب النبي -عليه الصلاة والسلام- يغضب الله، وإذا غضب الله عاقب، وقد تعجل العقوبة، وإن أجلت فالأمر أشد، يعني أجلت ليوم القيامة، وادخرت لصاحبها فالأمر أعظم، "قال كل رجلٍ منهم: عائذاً بالله من سوء الفتن، أو قال: أعوذ بالله من سوء الفتن" شك الراوي هل قال كل واحد اسم الفاعل عائذاً، وهو يعمل عمل فعله، أو بالفعل أعوذ بالله من سوء الفتن؟ وفي بعض الروايات: "من شر الفتن"، "وقال لي خليفة بن خياط" يقول البخاري: "وقال لي" هذا معلق وإلا موصول؟ يعني لو قال البخاري: وقال خليفة بن خياط يحتمل، والخلاف معروف، لكن وقال لي ابن خياط، هذا موصول بلا شك، لكن هل هو مروي على سبيل التحديث أو على سبيل المذاكرة؟ بعضهم يقول: إنه مذاكرة، لكن لا دليل معه على ذلك، إنما العدول عن حدثنا وقال لي تفنن في العبارة.

"وقال لي خليفة بن خياط: حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد أبي عروبة ومعتمر بن سليمان عن أبيه" سليمان بن طرخان التيمي "عن قتادة أن أنساً حدثهم عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بهذا، وقال -صلى الله عليه وسلم-: «عائذاً بالله من شر الفتن»" لما قالوا ..: عائذاً بالله من شر الفتن، قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: «عائذاً بالله من شر الفتن» ولما قال عمر -رضي الله عنه-: "نعوذ بالله من شر الفتن" قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: مثل ذلك، وهذا الشاهد: التعوذ من الفتن، وليس المراد بالفتن فتنة الإنسان في ماله وولده، هذه أمرها سهل تكفرها الصلوات، لكن الفتن التي هي تحطب الدين من الشرك فما دونه، {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ} [(63) سورة النــور] زيغ في أديانهم، هذا خطر عظيم، فالفتن اليسيرة فتنة الإنسان في ماله، فتنة الإنسان في ولده، فتنة الإنسان..، أمرها يسير تكفرها الصلوات، لكن الكلام في الفتن التي تقدح في الدين، هذه هي التي ينبغي أن يستعيذ منها الإنسان، ويحرص أشد الحرص أن لا يعرض نفسه لها، نعم.

باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «الفتنة من قبل المشرق»:

حدثني عبد الله بن محمد قال: حدثنا هشام بن يوسف عن معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قام إلى جنب المنبر فقال: «الفتنة هاهنا، الفتنة هاهنا من حيث يطلع قرن الشيطان» أو قال: «قرن الشمس».

حدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا ليث عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو مستقبل المشرق يقول: «ألا إن الفتنة هاهنا من حيث يطلع قرن الشيطان».

حدثنا علي بن عبد الله قال: حدثنا أزهر بن سعد عن ابن عون عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم-: «اللهم بارك لنا في شأمنا، اللهم بارك لنا في يمننا» قالوا: وفي نجدنا؟ قال: «اللهم بارك لنا في شأمنا، اللهم بارك لنا في يمننا» قالوا: يا رسول الله وفي نجدنا؟ فأظنه قال في الثالثة: «هناك الزلازل والفتن، وبها يطلع قرن الشيطان».

حدثنا إسحاق الواسطي قال: حدثنا خلف عن بيان عن وبرة بن عبد الرحمن عن سعيد بن جبير قال: خرج علينا عبد الله بن عمر فرجونا أن يحدثنا حديثاً حسناً، قال: فبادرنا إليه رجل فقال: يا أبا عبد الرحمن حدثنا عن القتال في الفتنة، والله يقول: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ} [(193) سورة البقرة] فقال: هل تدري ما الفتنة ثكلتك أمك؟ إنما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقاتل المشركين، وكان الدخول في دينهم فتنة، وليس كقتالكم على الملك.

يقول الإمام -رحمه الله تعالى-: باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «الفتنة من قبل المشرق» وهذا من أعلام نبوته -عليه الصلاة والسلام-، جميع الفتن على ممر التاريخ مصدرها من المشرق.

يقول الإمام -رحمه الله تعالى-: "حدثني عبد الله بن محمد -وهو المسندي الجعفي- قال: حدثنا هشام بن يوسف الصنعاني عن معمر بن راشد عن الزهري عن سالم عن أبيه" الزهري محمد بن شهاب عن سالم -بن عبد الله بن عمر- عن أبيه، وهذا مما قيل فيه: إنه أصح الأسانيد، هذا قول الإمام أحمد -رحمه الله-، يقول: إن هذا هو أصح الأسانيد.

وجزم ابن حنبل بالزهري     

 

عن سالم أي عن أبيه البرِ

"عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قام إلى جنب المنبر فقال: «الفتنة هاهنا، الفتنة هاهنا»" وأومأ بيده إلى المشرق «من حيث يطلع قرن الشيطان» أو قال: «قرن الشمس» في رواية: «قرنا الشيطان» بالتثنية، فقيل: إن له قرنين حقيقةً، وقيل: ناحيتا رأسه "أو قال: «قرن الشمس»" حاجبها، حينما يطلع حاجبها قرنها، حينما يطلع جانبها الأول، فالشيطان مقارنٌ للشمس في مطلعها وفي مغربها، فالشمس تطلع بين قرني شيطان، وتغرب بين قرني شيطان، لماذا؟ ليكون سجود عبدة الشمس له؛ لأن هناك من يعبدها، ولذا جاء النهي عن الصلاة وقت طلوع الشمس، ووقت غروبها، في حديث عقبة بن عامر يقول: "ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي، وأن نقبر فيهن موتانا، حينما تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة، وحين تتضيف الشمس للغروب حتى تغرب" هذه الأوقات الثلاثة المضيقة النهي فيها شديد، فعلى المسلم أن لا يصلي في هذه الأوقات الثلاثة، ولا ذوات الأسباب، بقي من أوقات النهي الوقتان الموسعان: بعد طلوع الصبح إلى...، ومن صلاة العصر إلى قبيل الغروب، المضيَّق من طلوع الشمس حتى ترتفع قيد رمح، وحين يقوم قائم الظهيرة، حينما تكون الشمس في كبد السماء، وحين تميل الشمس إلى الغروب، تتضيف للغروب حتى تغرب، والأوقات المنهي عنها عن الصلاة من طلوع الشمس ومن طلوعها حتى ترتفع، ولاختلاف النهي شدةً وخفة جعل أهل العلم هذين الوقتين وإلا بإمكان القائل أن يقول: لماذا لا نقول: وقت واحد من طلوع الصبح إلى أن ترتفع في وقت واحد؟ لماذا هذا؟ لأن النهي أشد، فهما وقتان، وقت موسع، والنهي فيه خفيف، ووقت مضيق، والنهي فيه شديد، ولذا يرى جمعٌ من أهل العلم كابن عبد البر مثلاً وابن رجب أن النهي عن الصلاة في الوقتين الموسعين لا لذات الوقتين، وإنما هو من باب الاحتياط إلى الوقتين المضيقين؛ لئلا يسترسل الإنسان، يصلي بعد طلوع الصبح حتى تطلع الشمس، فيقع في الحرج في الوقت المضيق، ولئلا يسترسل في الصلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس، فيقع في الوقت المضيق، لكن نهي عن الصلاة بعد الصبح، ونهي عن الصلاة بعد العصر من باب الاحتياط لهذين الوقتين المضيقين؛ لأن الشمس تطلع بين قرني شيطان، وتغرب بين قرني شيطان، نهي عن الصلاة قبل ذلك احتياطاً، المسألة يعني بسطت في كتابات كثيرة، فنقتصر منها على هذا.

يقول الإمام -رحمه الله تعالى-: "حدثنا قتيبة بن سعيد البلخي قال: حدثنا ليث عن نافع عن ابن عمر" الليث هو الإمام ابن سعد "عن نافع" مولى ابن عمر عن عبد الله "بن عمر -رضي الله عنهما- أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو مستقبل" حال كونه مستقبل "المشرق" جهة المشرق؛ لأن أهله في ذلك الوقت أهل كفر، "يقول: «ألا إن الفتنة هاهنا من حيث يطلع قرن الشيطان»" وهذا في معنى ما سبقه.

ثم قال: "حدثنا علي بن عبد الله" يعني ابن المديني "حدثنا أزهر بن سعد –السمان- عن عبد الله بن عون عن نافع عن ابن عمر قال: ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم-: «اللهم بارك لنا في شأمنا، اللهم بارك لنا في يمننا» قالوا: وفي نجدنا؟»" ما أجاب النبي -عليه الصلاة والسلام- "قال: «اللهم بارك لنا في شأمنا، اللهم بارك لنا في يمننا» قالوا: يا رسول الله وفي نجدنا؟ فأظنه قال في الثالثة: «هناك الزلازل والفتن، وبها يطلع قرن الشيطان»" يقول الخطابي: "نجد من جهة المشرق، ومن كان بالمدينة كان نجده باديةَ العراق ونواحيها، وهي مشرق أهل المدينة، وأصل نجد: ما ارتفع من الأرض" يقول الخطابي: "نجد من جهة المشرق، ومن كان بالمدينة كان نجده باديةَ العراق ونواحيها، وهي مشرق أهل المدينة، وأصل نجد: ما ارتفع من الأرض" مثل هذا الحديث يستغله من يريد.... في هذه البلاد، وفي أهلها، وفي الدعوة المباركة، دعوة التجديد التي قامت على يد الشيخ محمد بن عبد الوهاب، بمناصرة الإمام محمد بن سعود، ولذا تجد كثير من المناوئين لهذه الدعوة يرددون مثل هذا الحديث، وأن المقصود به نجد، وأهل نجد الموجودة هذه، التي هي بهذا الاسم، أولاً: النجد كل ما ارتفع من الأرض نجد، هذا الأصل في التسمية، كل من ارتفع من الأرض يسمى نجد، ونجد التي أشار إليها النبي -عليه الصلاة والسلام- في كلام الشراح قاطبة قالوا: "باديةَ العراق ونواحيها" وتجد بعض المناوئين يسمي أهل هذه البلاد بالقرنيين، نسبة إلى قرن الشيطان، ولا شك أن هذا تلبيس، يعني الاشتراك في الاسم هل يعني هذا اشتراك في الحقيقة؟ لا يلزم، لا يلزم من الاشتراك في الاسم الاشتراك في الحقيقة والحد، فالمناوئون لهذه الدعوة المباركة، ولأهل هذه البلاد، هذه الدعوة التي قامت على تجريد التوحيد وتصفيته وتنقيته من شوائب الشرك والبدع، لا بد أن يشرق بها ناس عاشوا وارتزقوا على هذه البدع، فقالوا ما قالوا والله الموعد، لكن الاشتراك في الاسم لا يعني الاشتراك في الحقيقة، الخطابي هل هو من أهل هذه البلاد حينما يقول هذا الكلام؟ من بُست في أقصى المشرق، الخطابي، نعم.

طالب:.......

يعني كون النبي -عليه الصلاة والسلام- يخبر عن شيء، يعني هل أهل العراق يمكن ينفون مثل هذا الكلام؟ هذا هو الواقع، الخطابي من أقصى المشرق من بست، ويقول: "نجد من جهة المشرق، ومن كان بالمدينة كان نجده باديةَ العراق" فنجد المذكورة في هذا الحديث، وما جاء في معناه ليس المراد بها المسماة بهذا الاسم، وإن اشتهرت بهذا الاسم، وعرفت به، لكن الأصل في النجد أنه كل ما ارتفع نجد.

في الدعوة التي دعاها النبي -عليه الصلاة والسلام- بالبركة لأهل الشام ولأهل اليمن، لا شك أن الشام بلادٌ مباركة، وفي مطلع سورة الإسراء {الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} [(1) سورة الإسراء] كل ما حول المسجد الأقصى مبارك، وجاءت النصوص الكثيرة في اليمن، ومدح أهل اليمن، و«الإيمان يمانٍ، والحكمة يمانية» فمثل هؤلاء يستحقون الدعاء، وليس معنى هذا أنه إذا لم يدعُ لأحد أنها بلاد شر، لا يعني أنها بلاد شر، نعم تكون لهذه البلاد التي دعي لها مزية بالبركة، مكة والمدينة، مكة حرمها الله، والمدينة حرمها النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهما أفضل البقاع، والمدينة فيها لأواء، وفيها شدة، ولا يصبر على لأوائها إلا..، من يسكنها ومن يصبر على لأوائها يستحق الشفاعة، على كل حال كونها فيها شدة وفيها لأواء، ومكة أقدس البقاع في وادٍ غير ذي زرع، هل ينقص من قدرها أنها ليست بذات زرع؟ والزرع كله في الشمال والجنوب وغيره، بل هذه الدنيا الجمال اللي يسمونه جمال الطبيعة، الكفار بها أحق، لماذا؟ لأن هذه الدنيا هي جنة الكافر، والمسلم سجنه الدنيا، يدخر له نصيبه كامل، ولذا تجدون مثل هذه الأمور من جمال الطبيعة، وجمال الجو، وطيب الهواء تجدون أكثر من يتمتع به، ويرتع فيه غير المسلمين، ولا يضير المسلمين هذا أبداً لا يضيرهم؛ لأن أجورهم تدخر لهم يوم القيامة، يدخر لهم ذلك في جنةٍ عرضها السماوات والأرض، فيها ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلبِ بشر.

يعني كون بعض الناس إذا سافر يمين وشمال إلى بلاد الكفر، يأتي معجب ومفتون، يعني هل هذا مبرر أن الله -سبحانه وتعالى- لا يريد الخير للمسلمين؟ لا، الدنيا يعطيها الله-سبحانه وتعالى- من يحب ومن لا يحب، لكن الدين لا يعطيه إلا من أحب، فقوله: «اللهم بارك لنا في شأمنا، اللهم بارك لنا في يمننا» لا شك أن هذه البركة، وهذه الدعوة ظهر أثرها فيما بعد في تلك الجهات، "قالوا: وفي نجدنا؟" وعرفنا المراد بنجد في قول الخطابي وغيره، قال: «اللهم بارك لنا في شأمنا، اللهم بارك لنا في يمننا» قالوا: يا رسول الله وفي نجدنا؟ فأظنه قال في الثالثة: «هنالك -أو هناك- الزلازل والفتن» يعني غالباً، وإلا قد توجد الزلازل في غيرها، ومن ناحيتها يخرج يأجوج ومأجوج من جهة المشرق، والدجال، وغير ذلك من العلامات الكبار للساعة، «وبها يطلع قرن الشيطان» لا شك أن الشمس تطلع من المشرق، وقرن الشيطان، أو قرنا الشيطان مصاحبان لطلوع الشمس.

ثم قال -رحمه الله-: "حدثنا إسحاق الواسطي" في رواية إيش؟ ابن عساكر: "حدثنا إسحاق بن شاهين الواسطي قال: حدثنا خلف" هذه رواية، وفي كثيرٍ من الروايات: خالد، ولعله هو الصواب، والمراد به خالد بن عبد الله الطحان، "عن بيان -بن بشر- عن وبرة بن عبد الرحمن -الحارثي- عن سعيد بن جبير قال: خرج علينا عبد الله بن عمر فرجونا أن يحدثنا حديثاً حسناً" يعني فيه ما يدخل السرور من بشارة، تسرنا، حسنة، "قال: فبادرنا إليه رجل" جاءت تسميته بأنه حكيم، "فقال: يا أبا عبد الرحمن -هذه كنية ابن عمر- حدثنا عن القتال في الفتنة، والله يقول: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ} [(193) سورة البقرة]" هذا الرجل ساق هذه الآية ليحتج بها على مشروعية القتال في الفتنة، رداً على من ترك ذلك، واعتزل في الفتن كابن عمر وسعد بن أبي وقاص، وجمع من الصحابة اعتزل، فأراد أن يحتج هذا الرجل على ابن عمر لماذا تعتزل، والله -سبحانه وتعالى- يقول: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ} [(193) سورة البقرة]؟ فقال ابن عمر: هل تدري ما الفتنة ثكلتك أمك؟ ثكلتك أمك: يعني عدمتك أمك، وهذه كلمة يدعى بها على الشخص، ولا يقصد بها الدعاء، وإلا قد جاء من قوله -عليه الصلاة والسلام-: «ثكلتك أمك يا معاذ» الدعاء على معاذ، "ثكلتك أمك، إنما كان محمد -صلى الله عليه وسلم- يقاتل المشركين" وهنا القتال الدائر في الفتنة بين مسلمين، "إنما كان محمد -صلى الله عليه وسلم- يقاتل المشركين، وكان الدخول في دينهم فتنة" يفتنون ويعذبون ليرتدوا عن دينهم هذه هي الفتنة، الفتنة الشرك، {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ} [(191) سورة البقرة] الفتنة التي هي الردة أشد من القتل، يقول: "وكان الدخول في دينهم فتنة" نتيجة التعذيب يرتدوا عن دينهم، هذه هي الفتنة، وحينئذٍ: قاتلوا المشركين حتى لا تكون فتنة بحيث يعذبون المسلمين فيردوهم إلى دينهم، يقول ابن عمر: "وليس كقتالكم على الملك" يعني ابن عمر ترجح عنده أن يعتزل؛ لأنه قتال بين مسلمين، وعلى ملك، على الدنيا، هذا فيما ظهر لابن عمر، وظهر لسعد بن أبي وقاص، وفي العزلة مندوحة، لكن إذا ظهر رجحان الكفة، وترجح الحق مع طائفة، وإن كانت الطائفة الأخرى......، لكن نصيبها من الحق أقل، ماذا يسمون في عرف الشرع؟ الطائفة المرجوحة، «عمار تقتله الفئة الباغية» إذا ترجح عندك بحيث لا يحصل عندك أدنى شك أن الحق مع فلان، هل يسوغ للناس كلهم أن يعتزلوا، ويترك الناس يتطاحنون ويتقاتلون؟ لا، {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [(9) سورة الحجرات] لا بد من السعي إلى الصلح، لا بد أن يكون السعي إلى الصلح أولاً، إن لم يفد الصلح، وما رضي أحد من الأطراف التنازل {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي} [(9) سورة الحجرات] لا بد من قتال البغاة، ولو ترك البغاة وشأنهم، وقيل: هذه فتنة نعتزل، نعم إذا اشتبه عليك الأمر فالسلامة لا يعدلها شيء، إذا ترجح عندك بالأدلة الشرعية أن الحق مع هذه الفئة، وأن الفئة الثانية باغية، عليك نصر الفئة الأقرب إلى الحق، يعني نفترض المسألة في علي ومعاوية -رضي الله عن الجميع- أيهما أقرب إلى الحق عند أهل السنة والجماعة؟ علي -رضي الله عنه-، والأدلة التي تدل على ذلك كثيرة جداً، والخوارج يقتلهم أقرب الطائفتين إلى الحق، أو أولى الطائفتين بالحق، و«عمار تقتله الفئة الباغية» إذاً الرجحان رجحان الكفة مع علي، لا بد من نصر من رجحت كفته، وإلا لو ترك الأمر بين الناس يقتتلون، وكل واحد قال: أنا أعتزل الفتنة، تزداد الفتن، ولا ينقطع دابر الشر، من لم يتبين له الأمر، ولم يترجح لديه هذا ولا هذا، فسعد بن أبي وقاص اعتزل، عبد الله بن عمر اعتزل، يعني خيار الصحابة، مع أن الأمة مأمورة بأن تقف مع صاحب الحق بالآية، {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [(9) سورة الحجرات] نعم القتل والقتال ليس بهدف شرعي، لا بد من الصلح، لا بد من المساعي السلمية، لوقف هذا القتل والاقتتال، لكن إذا لم تنجح المسائل السلمية {فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ} [(9) سورة الحجرات] حتى ترجع إلى أمر الله، ولذا يقول: "ما الفتنة ثكلتك أمك؟ إنما كان محمدٌ -صلى الله عليه وسلم- يقاتل المشركين، وكان الدخول في دينهم فتنة" يعني هذه الآية نزلت فيمن تعرّض لأن يفتن في دينه فيكفر، هذه فتنة، {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ} [(191) سورة البقرة] كون الإنسان يعرض نفسه لمثل هذا خوفاً على دينه أن يفتن، وأن يقتل، الفتنة أشد من القتل، لكن في ديننا سعة، ولله الحمد.

إذا أكره الإنسان على الكفر وإلا يقتل؟ جاء في حقه {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [(106) سورة النحل] يجيب إلى ما يطلبون، وقلبه مطمئنٌ بالإيمان، فالإكراه وما ينطق به مما لو كان في حال السعة يكفر به، هو في مثل هذه الحالة في حال الإكراه هو معذور، يقول: "وليس كقتالكم على الملك" هذا رأي ابن عمر أنه رأى أن هذا القتال بين علي ومعاوية، وأنصار علي وأنصار معاوية إنما هو من أجل الملك، ومن أجل الدنيا، ومعروف أن ابن عمر.. وعزوفه عن الدنيا، وسعد بن أبي وقاص لما جاءه ولده، وهو في قصرٍ له بالعقيق، قال له: الناس يقتسمون الدنيا، وأنت جالس هنا؟! بما أجاب؟ أجاب بالحديث: «إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار» السلامة لا يعدلها شيء، لكن مثل ما قلنا: إنه إذا ترجحت كفة أحد الطرفين فقاتلوا التي تبغي، الفئة الباغية لا بد من..، الصلح هذا أول ما يبدأ به الصلح {فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [(9) سورة الحجرات] إن لم تنجع المساعي السلمية والصلح، حينئذٍ {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي} [(9) سورة الحجرات] كم باقي من الوقت؟ انتهى، والله أعلم.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"