كتاب الفتن من صحيح البخاري (07)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
في الدرس الماضي في آخره بدأنا بشرح: باب خروج النار، خروج النار الشراح يقولون: من أرض الحجاز ومراد المؤلف ما هو أعم من ذلك؛ لأن النار التي ذكرها في حديث أنس المعلق، يقول: وقال أنس قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أول أشراط الساعة نارٌ تحشر الناس من المشرق إلى المغرب»" وهذا سبق موصولاً، هذه النار هي ليست النار التي جاءت في حديث أبي هريرة التي تخرج من أرض الحجاز، إنما تكون هذه في آخر الزمان، تحشر الناس تسوقهم من المشرق إلى المغرب.
ثم حديث أبي هريرة يقول: "حدثنا أبو اليمان، قال: أخبرنا شعيب عن الزهري قال سعيد بن المسيب: أخبرني أبو هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تقوم الساعة حتى تخرج -يعني تنفجر- نارٌ من أرض الحجاز تضيء أعناق الإبل ببصرى» مدينة حوران، وهذا تقدم الحديث عليها، الكلام عليه.
ثم قال -رحمه الله-: "حدثنا عبد الله بن سعيد -الأشج أبو سعيد- الكندي، قال: حدثنا عقبة بن خالد" الكوفي قال: "حدثنا عبيد الله" ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر "عن خبيب بن عبد الرحمن" الأنصاري "عن جده" عن جده الضمير يعود إلى من؟ جده يصير حفص بن عاصم؟
طالب:.......
نعم، جد عبيد الله بن عمر، لا جد شيخه خبيب، "عن جده حفص بن عاصم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «يوشك -يعني يقربُ- الفرات -النهر المشهور- أن يحسر -يكشف- عن كنز من ذهب فمن حضره فلا يأخذ منه شيئاً» إنما نهي عن الأخذ منه؛ لما ينشأ عن ذلك من الفتنة والقتال عليه، وفي مسلم: «يحسر الفرات عن جبل من ذهب فيقبل الناس عليه فيقتلُ من المائة تسعة وتسعون، ويقول كل واحدٍ منهم -مع رؤيته كثرة القتلى- يقول: لعلي أكون أنا الذي أنجو» طمع، الطمع، يقتل من كل مائة تسعة وتسعين ومع ذلك يقول: لعلي أنا الواحد الذي أنجو، هذا الباعث عليه الطمع، والطمع هو الذي وراء كثير من المشاكل يحمل الناس على أن يقتتلوا، الطمع في الدنيا وحطامها، وإيثار العاجل على الآجل هو وراء هذه الفتن، حملهم الطمع على أن يقتل بعضهم بعضاً، وهنا يرى الناس يقتلون لا ينجو إلا الواحد من المائة، ومع ذلك يقول: لعلي أن أكون أنا الناجي، فالناس يقتحمون هذه الغمرات، ولو وجدت الدراهم والدنانير في نار لاقتحموها، ولو وجدت في بحر لغاصوا فيه،، والله -سبحانه وتعالى- يأمرهم بالواجبات، وينهاهم عن المحرمات من غير كلفة ولا مشقة، مع اليسر والسهولة ومع ذلكم يؤثرون هذا العاجل الفاني على الآجل.
"قال عقبة -ابن خالد اليشكري- وحدثنا عبيد الله" ابن عمر بن حفص السابق، "حدثنا أبو الزناد" عبد الله بن ذكوان "عن الأعرج" عبد الرحمن بن هرمز "عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مثله" أي مثل الحديث السابق، "إلا أنه قال: «يحسر عن جبل من ذهب»" وهناك قال: «عن كنزٍ من ذهب»، والمعنى واحد، الجبل كنز، الشيء المدفون الذي لا يرى كنز، «يحسر عن جبلٍ من ذهب» يعني بدل من قوله: «عن كنز» وأشار به أيضاً أن لعبيد الله بن عمر إلى أن له فيه إسنادين، هنا يرويه عن أبي الزناد، وهناك يرويه عن خبيب بن عبد الرحمن.
طالب:.......
والله الاحتمال قائم يمكن، المقصود أنه في آخر الزمان يكون هذا، يوجد، يمكن يثوب من أماكن متعددة، يجري مع الماء حتى يتلبد بعضه على بعض، ويتكتل ويمكن أن يكون موجود وفي قاعه لا يكتشفه أحد إلا في الوقت الذي يريده الله -عز وجل- في آخر الزمان.
ثم قال -رحمه الله-: "بابٌ" يعني بغير ترجمة، "حدثنا مسدد قال: حدثنا" مسدد سبق ذكر نسبه مراراً، ابن مسرهد، قال: "حدثنا يحيى" ابن سعيد القطان "عن شعبة" قال: "حدثنا معبد" يعني ابن خالد القاص، قال: "سمعت حارثة بن وهب" الخزاعي "قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «تصدقوا فسيأتي على الناس زمان يمشي الرجل بصدقته فلا يجد من يقبلها» ما دامت الأبواب مفتوحة اعملوا قبل ألا ينفع العمل، قبل ألا يتيسر العمل، وجود المال في وقت من الأوقات ينبغي أن يستغل، وينبغي أن يجعل الإنسان نصب عينيه أنه سيفقده في يومٍ من الأيام فيقدم منه ما ينفعه غداً، ويحتمل أن يكون الأمر كما ذكر النبي -عليه الصلاة والسلام- في آخر الزمان يبحث عمن يأخذ المال ولا يجد، لا يجد من يأخذ، "يقول الرجل: لو جئت بها بالأمس لقبلتها، فأما اليوم فلا حاجة لي بها"، جاء في بعض الروايات: «فلا يجد أحداً يقبلها» وهذا في الوقت الذي ينشغل الناس فيه بأنفسهم بسبب الفتن، ينشغلون بالفتن عن المال، وهذا في زمن الدجال، أو يكون ذلك لفرط الأمن والعدل البالغ، بحيث يستغني كل أحد بما عنده عما عند غيره، وهذا يكون في زمان المهدي وعيسى، وقد حصل شيء من هذا في زمن عمر بن عبد العزيز -رحمه الله-، جيء إلى عمر بن عبد العزيز بالأموال ليفرقها فردت إلى صاحبها، ما وجد من يقبلها، عمَّ الرخاء في زمنه بسبب العدل، بسبب العدل عم الرخاء، وعم الصلاح والتدين، والناس على دين ملوكهم، لكونه رجلاً صالحاً عم الصلاح والتدين في الناس، واقتدوا به، فلا يأخذ الزكاة إلا المستحق، وندر المستحق لشمول العدل، والله المستعان.
"قال مسدد: حارثة أخو عبيد الله بن عمر لأمه"، أمهما أم كلثوم بنت جرول الخزاعية، حارثة بن وهب الخزاعي أخٌ لعبيد الله بن عمر بن الخطاب لأمه، تزوجها عمر ثم أسلم ففرق بينهما الإسلام، فتزوجها وهب الخزاعي فأتت بحارثة، ثم في بعض النسخ: "قاله أبو عبد الله" يعني البخاري، يعني نقلاً عن شيخه مسدد.
ثم قال: "حدثنا أبو اليمان" وهو الحكم بن نافع قال: "أخبرنا شعيب" وهو ابن أبي حمزة، قال: "حدثنا أبو الزناد" عبد الله بن ذكوان "عن عبد الرحمن عن أبي هريرة" عبد الرحمن ابن؟ ابن هرمز الأعرج، المشهور بلقبه، "عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان»" يقول الشراح: هما فئة علي -رضي الله عنه- وفئة معاوية -رضي الله عن الجميع-، «حتى تقتل فئتان عظيمتان يكون بينهما مقتلة عظيمة» يقولون: بلغ ما قتل في حروبهم، حروب علي مع معاوية -رضي الله عن الجميع- بلغوا سبعين ألفاً، خلائق، «مقتلة عظيمة دعوتهما واحدة»، أو «دعواهما واحدة» كما في بعض الروايات، كلٌ منهما يدعي نصر الحق.
«ولا تقوم الساعة حتى يبعث -يعني يظهر- دجالون كذابون، قريبٌ من ثلاثين» وجاء في بعض الروايات سبعة وعشرون، وهؤلاء السبعة والعشرون قريبٌ من الثلاثين، منهم أربع نسوة، «كلهم يزعم أنه رسول الله» وبعض الروايات: «ولا نبي بعدي» يعني من طالع كتب التواريخ والأدب وجد من أخبار المتنبئين الغرائب، ووجدهم يبلغون هذه العدة، في (نهاية الأرب) للنويري باب عن المتنبئين وطرائفهم وأخبارهم، باب، ذكر من الطرائف المضحكة من هؤلاء الذين يزعمون أنهم أنبياء، ذكر عن بعضهم حيل، جيء لهارون الرشيد بواحد قال: يزعمون أنك تزعم أنك نبي؟ قال: نعم، قال: ما اسمك؟ قال: موسى بن عمران، قال: وما هذه العصا التي بيدك؟ قال: هذه هي التي تنقلب حية، حية تسعى إذا وضعتها على الأرض، قال: ضعها لنرى، هل هو كلامك صحيح وإلا لا؟ قال له: لا أضعها حتى تقول: أنا ربكم الأعلى؛ يعني ما تنفع حتى تقول هذا الكلام، فإذا قلت: أنا ربكم الأعلى وضعت العصا ومشت تسعى، ساق أخبارهم على أساس أنها طرائف وهم دجالون كذابون، وما زال الأمر إلى وقتنا هذا، بين كل فترة وأخرى يظهر واحد، يزعم أنه نبي، نسأل الله العافية.
«حتى يبعث دجالون» جمع دجال صيغة مبالغة، ولا يجمع جمع تكسير عند جماهير النحاة، لا يجمع جمع تكسير، ما يقال: دجاجلة عند جماهير النحاة؛ لئلا تذهب المبالغة، لتبقى صيغة فعَّال على أصلها: دجال جمعه دجالون، قال الإمام مالك بن إسحاق: دجالٌ من الدجاجلة، قال عبد الله بن إدريس الآودي: ما علمت أن دجالاً يجمع على دجاجلة حتى سمعتها من مالك -رحمه الله-.
والفرق بين هؤلاء الدجالين وبين الدجال الأكبر المسيح أن هؤلاء يدعون النبوة، وذلك يدعي الإلهية، نسأل الله العافية.
«قريبٌ من ثلاثين كلهم يزعمُ أنه رسول الله، وحتى يقبض العلم» يعني: ولا تقوم الساعة حتى يقبض العلم، ومعروف أن ذلك يكون بقبض العلماء، «وتكثر الزلازل» والآن تسمع في كل سنة زلزال أو أكثر، عاد السنة هذه تتابعت، لكن فيما سبق كل سنة نسمع واحد اثنين، أما في هذه السنة فزادت، ويذهب ضحيتها الفئام من الناس، «وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان» وهذا تقدم، «يتقارب الزمان حتى تكون السنة كالشهر، والشهر كالجمعة -يعني كالأسبوع-، والجمعة كاليوم -الأسبوع كاليوم الواحد-، واليوم كالساعة، والساعة كإشعار سعفة» هذا من تقارب الزمان، منهم من يقول بأنه تقارب حقيقي، ومنهم من يقول: التقارب معنوي بذهاب البركة من العمر، فتجد الإنسان يمضي السنة في العمل الذي كان ينتهى منه في شهر، ويمضي الشهر في العمل الذي كان ينتهى منه في أسبوع وهكذا، وهذا ظاهر، كثيرٌ من الناس تطلع عليه الشمس وتغرب ما استفاد فائدة، هذا من نزع البركة، كثيرٌ من الناس يسوف اليوم غداً بعد غدٍ وهكذا إلى أن تنتهي السنة ما صنع شيئاً، لماذا يا فلان لا تجد في طلب العلم؟ والله إن شاء الله في بداية السنة، جت بداية السنة والله تصرمت الأيام لعلنا بعد رمضان -إن شاء الله- نتفرغ، بعد رمضان نبي نحج إذا رجعنا وهكذا تذهب الليالي والأيام دون فائدة، وإلا فالبركة موجودة عند من يستفيد من وقته، يعني من جلس بعد صلاة الصبح إلى العاشرة أو الحادية عشرة ماذا ينجز من الأعمال؟ الشيء الكثير، لكن من نام بعد الصبح إلى الظهر ماذا يستفيد من بقية وقته؟ لا شيء، وهذا حال كثير من الناس، كثير من الناس تنتهي أوقاتهم من بعد صلاة الصبح للاستعداد إلى الدوام، ثم الطريق إلى الدوام يحتاج إلى وقت، ثم الدوام يستغرق جل الوقت، ولا شك أن العمل في مصالح المسلمين العامة أمرٌ لا بد منه، وهو عملُ خيرٍ مع النية الصالحة، لكن أين النية الصالحة عند كثيرٍ من الناس؟ إذا لم توجد النية الصالحة فهو ضياع وقت، بغض النظر عن كونه يجلب الراتب أو يوفر شيء من حطام الدنيا، والله المستعان.
«وتظهر الفتن -يعني تكثر- ويكثر الهرج وهو القتل» قد سبق الكلام في هذا كله، والهرج هو القتل بلسان الحبشة على ما تقدم، «وحتى يكثر فيكم المال فيفيض حتى يهم رب المال» يعني يحزنه ويبعث الهم عنده والغم ماله الذي لا يجد من يقبله منه، يعني يجد الصراع النفسي، هو مأمور بإخراج هذا المال، بل الأمر به ركنٌ من أركان الإسلام، مأمور بإخراج الزكاة، مأمور بإخراج الصدقة الإنفاق في سبيل الله، لكن يبحث ما يجد، وأنتم تعرفون أن الصدقة في وقت الحاجة أمرها عظيم، من الأمثلة على ذلك الصدقة باللحم في الأيام العادية، طول السنة تجد من يقبله، بل كثيرٍ ممن يقبل، لكن أحياناً يوم العيد قد تأتي إلى فلان وعلان يقول: والله لا حاجة لنا به، فكيف إذا كان في آخر الزمان؟! يدور الإنسان بصدقته بزكاته لا يجد من يقبلها، وهذا لا شك أنه يهم ويحزن لا سيما من فرط بالزكاة والإنفاق في سبيل الله في الوقت الذي يوجد فيه من يقبلها.
«وحتى يعرضه فيقول الذي يعرضه عليه: لا أرب لي به» يعني لا حاجة لي به، وتقدم قول الرجل: "لو جئت بها بالأمس لقبلتها أما في اليوم فلا"، وهذا زيادة في الهم، «وحتى يتطاول الناس في البنيان» مباهاة بكثرة الأدوار وهذا موجود، فلان بنى عمارة عشرة أدوار، ثم يقول: لا، أنا بنيت خمسة عشر دور، يقول الثالث: لا، إحنا فوق، جاءت لنا الآن ناطحات السحاب، يتطاول الناس في البنيان مباهاة، وإلا إذا كان لحاجة فلا بأس به، لحاجة إذا كثر الناس وازدحموا والأرض يصعب فيها الامتداد الأفقي لضيقها لا مانع أن يرتفع البنيان لاستيعاب الناس، لكن مع التوسط، لا مانع من أن يبني الإنسان منزل يليق به من غير سرف ولا مخيلة، أما المراد بالتطاول بالبنيان كما جاء في حديث جبريل: «وأن ترى الحفاة العراة البهم رعاء الشاة يتطاولون في البنيان» أظن هذا لا يحتاج إلى استشهاد، شواهده كثيرة.
«وحتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول: يا ليتني مكانه» يعني ليته مات، تمنى الموت لما يرى من عظيم البلاء من الفتن والمحن، يقول القسطلاني: "لما يرى من عظيم البلاء، ورياسة الجهلاء، وخمول العلماء"، يقول القسطلاني: "واستيلاء الباطل في الأحكام، وعموم الظلم، واستحلال الحرام، والتحكم بغير حق في الأموال والأعراض والأبدان"، يقول: "كما في هذه الأزمان"، في القرن التاسع وأوائل العاشر، يتمنى الإنسان الموت لما يرى من هذه الأمور المؤلمة التي تعتصر القلب، مر بنا في درسٍ سابق أنه لا يجوز تمني الموت لضرٍ نزل به، وأن هذا الضر إذا كان في أمور الدنيا، التحسر على أمور الدنيا تمني الموت من أجل الدنيا إما في مال أو بدن، لكن إذا كان يخشى على دينه الذي هو رأس ماله، ويغلب على ظنه أنه لن يزداد من أعمال الخير يسوغ له ذلك، وعرفنا سابقاً أن طول البقاء في الدنيا إنما يتمناه المسلم للازدياد من العمل الصالح، فإذا كان في سفالة وفي نقص فالموت خيرٌ له.
«وحتى تطلع الشمس من مغربها فإذا طلعت -يعني من مغربها- ورآها الناس آمنوا أجمعون» وأجمعون تأكيد لضمير الجمع، لكن هل ينفع نفساً إيمانها؟ ثلاث علامات كما جاء في الحديث الصحيح: «ثلاث علامات من علامات الساعة لا ينفع معها إيمان، ولا تقبل معها توبة، الدجال والدابة وطلوع الشمس من مغربها» في الصحيح، في صحيح مسلم، وهنا يقول: «فإذا طلعت ورآها الناس يعني آمنوا أجمعون فذلك حين {لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا} -يعني إن لم تكن آمنت من قبل لا ينفعها الإيمان- {لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} [(158) سورة الأنعام]" يعني لا الدخول في الإسلام ينفع، وهذا القسم الأول، {لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا}{أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} ولا العمل الصالح ينفع بعد فوات الأوان، فالمسلم المفرِّط لا تنفعه التوبة حينئذٍ، والكافر لا ينفعه الإسلام إذا طلعت الشمس من مغربها.
«ولتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه» الثوب منشور، البائع ينشر الثوب ليراه الزبون -المشتري- ويخبره بسعره والثوب منشور، فتقوم الساعة والثوب منشور فلا يتبايعانه لا يتمكنان من البيع والشراء إبرام العقد بالإيجاب والقبول، ولا يتمكن البائع من طيه وإعادته إلى مكانه، «وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه، ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته -اللقحة اللبون من الإبل- فلا يطعمه» يعني فلا يشربه، في هذا كله إشارة إلى أن الساعة تقوم بغتة، تفجئ الناس فجأة، «ولا تقومن الساعة وهو -يعني الرجل- يليط حوضه -يصلحه ويسد شقوقه- فلا يسقي فيه» فتقوم الساعة قبل ذلك، «ولتقومن الساعة وقد رفع -يعني الرجل- أكلته -اللقمة- إلى فيه فلا يطعمها» رفعها إلى فيه، ومع ذلك لا يستطيع أن يدخلها في فمه، هذا صنف من الناس، وصنف تقوم الساعة ويده على الطعام أو في طريقها إلى الطعام، وصنفٌ تقوم واللقمة في فمه فلا يستطيع أن يمضغها، كما جاء في بعض الروايات، المقصود أنه إذا قامت الساعة هجت كل شيء، خلاص، والله المستعان.
فالساعة {لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً} [(187) سورة الأعراف] بغتة فجأة، يفسرها مثل هذا الحديث، وليس معناها كما قال بعضهم أن بغتة بحساب الجمل (1407)، بعض من كتب في أشراط الساعة قال: إن الساعة تقوم سنة (1407)، من أين؟ قال: بغتة كررت مراراً في القرآن، وبغتة (1407)، كيف (1407)؟ في أحد يعرف حساب الجمل "أبجد هوز حطي"
طالب:.......
نعم مجموع الحروف (1407)، ولا يحتاج إلا أن نفصلها، لكن هل هذا هو المراد؟ لا والله ليس هذا هو المراد، وإنما المراد به فجأة، ولا يعلم متى تقوم الساعة لا محمد ولا جبريل ولا أحد إلا الله -عز وجل-، ولذا لما سأل جبريل النبي -عليه الصلاة والسلام- في الحديث الصحيح عن الساعة قال: «ما المسؤول عنها بأعلم من السائل» يعني نستوي أنا وإياك على حدٍ سواء، لا أنت أعلم مني ولا أنا أعلم منك، بل لا يعلمها إلا الله، في خمسٍ لا يعلمهن إلا الله: {عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} [(34) سورة لقمان] إلى آخر الآية، فالساعة تقوم بغتة يعني فجأة، والإنسان كما جاء في الأمثلة يرفع اللقمة إلى فيه فلا يستطيع أن يوصلها في فيه، يدخلها في فيه لا يستطيع أن يمضغها.
مثل هذا الكلام يذكرنا بقول أبي هذيل العلاف -يعني استطراداً- ماذا يقول بالنسبة لأهل النار في النار؟ أنها تتعطل منهم الحركات في النار، هو ممن يقول بفناء النار، المعتزلة رأيهم أن الجنة والنار تفنيان، وأبو هذيل العلاف ممن تلطف كما يقول ابن القيم، فأراد أن يأتي برأيٍ وسط، يكون كالحجارة تتعطل منهم الحركات والنار تخمد، وبعدين؟ ما جاء بجديد، ابن القيم رد عليه في النونية بكلامٍ طيب فليراجع.
"باب ذكر الدجال".. لأن ابن القيم ذكر هذا مثالاً أن منهم من يرفع اللقمة، وفي الجنة تتعطل حركاته، وفي النار كذلك.
ثم بعد هذا: "باب ذكر الدجال" الدجال مبالغة في الدجل وهو الكذب والتلبيس، والمراد به الدجال الأكبر غير الثلاثين الذين سبق الحديث عنهم.
يقول الإمام -رحمه الله-: "حدثنا مسدد" قال: "حدثنا يحيى" ابن سعيد القطان، قال: "حدثنا إسماعيل" ابن أبي خالد، قال: "حدثني قيس" ابن أبي حازم، "قال: قال لي المغيرة بن شعبة: ما سأل أحد النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الدجال ما سألته، وإنه قال لي: «ما يضرك منه؟» أي من الدجال، كأنه قال: ما عليك منه، أو ما الذي يضرك منه؟ "قلت: لأنهم يقولون: إن معه" يعني الذي يضره منه الخشية والخوف من أن يفتنه؛ لأنه ما من نبي إلا حذر أمته من الدجال، "قلت: لأنهم يقولون: إن معه جبل من خبز" قدر جبل من خبر "ونهر ماء" قال: «هو أهون على الله من ذلك» أهون أحقر على الله من أن يجعل له شيئاً يستطيع به أن يفتن المؤمن الموحد، هو معه أشياء، لكن المنفي هنا ما يفتن المؤمن الموحد، وإلا معه أشياء يفتن بها من أراد الله فتنته، «أهون على الله من ذلك» بل معه علامة يعرف بها كذبه، سيمة بينتها الأحاديث الصحيحة، أعور كما سيأتي عينه اليمنى، مكتوبٌ بين عينيه كافر، يقرأها كل مؤمن سواءً كان قارئ أو غير قارئ، على ما سيأتي.
قال الإمام -رحمه الله-: "حدثنا سعد بن حفص" الطلحي قال: "حدثنا شيبان" بن عبد الرحمن النحوي "عن يحيى" بن أبي كثير "عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن -عمه- أنس بن مالك قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «يجيء الدجال -يعني من خراسان- حتى ينزل في ناحية المدينة، ثم ترجف المدينة ثلاث رجفات، فيخرج إليه كل كافر ومنافق» لأنه ممنوع من دخول المدينة، وعلى كل باب من أبوابها ملكان على ما سيأتي، فالذي في قلبه نفاق، في قلبه كفر يخرج إليه، لا يقول قائل: أنا أسكن المدينة في آخر الزمان لأسلم من فتنة الدجال، إن كان فيك شيء تبي تخرج، ما في شك أن هذا فيه ترغيب في سكنى المدينة، وجاء الترغيب في أحاديث، لكن هل البقاع تقدس أهلها؟ لا تقدس، فالذي في قلبه شيء لا بد أن يخرج إلى الدجال، والذي عنده الإيمان والتوحيد ولو كان في أقصى الدنيا يعصمه الله من الدجال.
طالب:.......
اللي بالحاشية بيجي في تقديم وتأخير بعض النسخ.
طالب:.......
هذا موجود عند من؟
طالب:.......
عندك لا إلى، الحديث كامل، حديث عبد العزيز بن عبد الله الأويسي وإلا حديث موسى بن إسماعيل؟ هذا لا يوجد في الرواية التي اعتمد عليها في الأصل في اليونينية هذا بيجي مؤخر.
قال الإمام -رحمه الله تعالى-: "حدثنا علي بن عبد الله" هو ابن المديني، قبله حديث عبد العزيز عندكم؟
طالب:.......
بعده حديث؟ قضينا من حديث سعد بن حفص.
طالب:.......
إيه لا، عندنا: حدثنا علي بن عبد الله، وسيأتي الحديث الذي يليه بعده.
هو ابن المديني، قال: "حدثنا محمد بن بشر" العبدي، قال: "حدثنا مسعر" هو ابن كدام، قال: "حدثنا سعد بن إبراهيم عن أبيه -إبراهيم بن سعد بن عبد الرحمن بن عوف- عن أبي بكرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يدخل المدينة رعب المسيح»" المسيح: بالحاء المهملة لا المعجمة، وإن ضبطه بعضهم بها، المسيح وليس المسيخ، «لا يدخل المدينة رعب المسيح» فضلاً عن شخصه وجسمه، ويقول: صاحب القاموس: أنه اجتمع له من الأقوال في سبب تسمية المسيح اجتمع له خمسون قولاً، لماذا لا يدخل رعب المسيح المدينة؟ «لها يومئذ سبعة أبواب على كل باب ملكان» يحرسانها منه، سبعة أبواب للمدينة على كل باب اثنين من الملائكة يحرسانها من دخول المسيح.
"قال: وقال ابن إسحاق" محمد صاحب المغازي الذي قال فيه الإمام مالك: "دجال من الدجاجلة" سبق أن أشرنا إليه، "قال: وقال ابن إسحاق عن صالح بن إبراهيم" يعني ابن عبد الرحمن بن عوف "عن أبيه قال: قدمت البصرة فقال لي أبو بكرة: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- بهذا"، أي بما سبق، وهذا متابع، وليس بأصل، وإلا فابن إسحاق لا يخرج له الإمام البخاري، وتمامه عند الطبراني فقال أبو بكرة: أشهد لسمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «كل قرية يدخلها فزع الدجال إلا المدينة يأتيها ليدخلها فيجد على بابها ملكاً مصلتاً بالسيف فيرد عنها».
قال: "حدثنا عبد العزيز بن عبد الله" -هذا الحديث اللي تطلبون- الأويسي، قال: "حدثنا إبراهيم عن صالح عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أن –أباه- عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال" هذا أصح الأسانيد عند الإمام أحمد تقدمت الإشارة إليه، "قال: قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الناس فأثنى على الله بما هو أهله، ثم ذكر الدجال فقال: «إني لأنذركموه»" يعني أخوفكموه، وأحذركم منه، «وما من نبي إلا وقد أنذر» يعني حذر قومه تحذيراً لهم من فتنته، ولعلهم لم يعلموا وقت خروجه، ولعلهم لم يخبروا بوقت خروجه، وأنه في غير الزمان، ولعظم فتنته وشدة خوفهم على أتباعهم -صلوات الله وسلامه عليهم- «ولكني سأقول لكم فيه قولاً لم يقله نبيٌ لقومه» أُخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- بصفته؛ لأن أمته سوف تبتلى به دون أمم الأنبياء السابقين، «إنه أعور، وإن الله ليس بأعور» الأعور: هو الذي لا يرى إلا بعينٍ واحدة، وسيأتي ما جاء في وصف عينيه.
قال: "حدثنا يحيى" ابن عبد الله بن بكير المخزومي، قال: "حدثنا الليث عن عقيل" ابن خالد "عن ابن شهاب عن سالم عن عبد الله بن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «بينا أنا نائم رأيتني -يعني في النوم- أطوف بالكعبة، فإذا رجل آدم -أسمر- سبط الشعر -مسترسل الشعر غير جعد- ينطف أو يهراق -ينطف يعني يقطر- رأسه ماء، قلت: من هذا؟ قالوا: هذا عيسى بن مريم -عليه السلام-" -رآه النبي -عليه الصلاة والسلام- يطوف بالبيت، "ثم ذهبت ألتفت فإذا رجل جسيم، أحمر اللون، جعد شعر الرأس، أعور العين، كأن عينه عنبة طافية» بارزة عنبة طافية يعني بارزة، وهي غير الممسوحة التي لا ترى، العين اليمنى ممسوحة، هو أعور عين اليمنى، وهذه بارزة تتقد، وفي هذا التصوير من القبح ما فيه، «كأنها عنبة طافية، قالوا: هذا الدجال أقرب الناس به شبها ابن قطن» عبد العزى بن قطن بن عمرو، هلك في الجاهلية، رجل من خزاعة، وهذا لأنه رجلٌ كافر يشبه به كافر، وإلا قد يقول قائل: أن مثل هذا لو رأيت رجل من المسلمين عينٌ بارزة وعينٌ لا يرى فيها، هل تقول: إن هذا مثل الدجال؟ تشبه رجل مسلم بكافر؟ وتكون بذلك قد عبته بخلقته التي لا يد له فيها، لكن كافر بكافر لا بأس، من باب التشبيه والتقريب، هو يشبهه من كل وجه، هذا كافر وهذا كافر.
النبي -عليه الصلاة والسلام- رأى عيسى يطوف، ورأى أيضاً رجلاً جسيماً، أحمر، جعد الرأس، ومعلومٌ أن رؤيا الأنبياء حق، وقد حرم على الدجال أن يدخل مكة والمدينة، فكيف رآه بالرؤيا بمكة؟ يقول ابن حجر: "فيه دلالة على أن قوله -عليه الصلاة والسلام- في الحديث أنه لا يدخل مكة دلالة على أن قوله -عليه الصلاة والسلام- أن الدجال لا يدخل المدينة ولا مكة يعني في زمن خروجه، ولم يرد بذلك نفي دخوله في الزمن الماضي" يعني لا يدخل مكة والمدينة إذا خرج في آخر الزمان، وأما قبل ذلك فلا مانع، بدليل أن النبي -عليه الصلاة والسلام- رآه في المنام ورؤيا الأنبياء حق، أظن الجمع ظاهر.
وقال أيضاً: "غلط من استدل بهذا الحديث على أن الدجال يدخل المدينة أو مكة إذ لا يلزم من كون النبي -صلى الله عليه وسلم- رآه في المنام أنه دخلها حقيقة، ولو سلم أنه رآه في زمانه -صلى الله عليه وسلم- بمكة فلا يلزم أن يدخلها بعد ذلك إذا خرج في آخر الزمان" هذا ظاهر، يقول: "لا يلزم من كون النبي -عليه الصلاة والسلام- رآه في المنام أنه دخلها حقيقة"؛ لأن رؤيا الأنبياء حق، "ولو سلم أنه رآه في زمانه -صلى الله عليه وسلم- فلا يلزم أن يدخلها بعد ذلك إذا خرج في آخر الزمان"، المقصود أن الجواب المرتضى أنه لا يمنع من دخولها قبل خروجه، وإظهار دعوته، أما بعد ذلك فلا يمكن أن يدخل مكة ولا المدينة.
طالب:.......
تتسور إيه، يكون لها سبعة الأبواب في آخر الزمان.
طالب:.......
تحريم، الله -سبحانه وتعالى- حرم مكة، والنبي حرم المدينة فلا يدخلها، هذا من ضمن التحريم.
يقول -رحمه الله-: "حدثنا عبد العزيز بن عبد الله" الأويسي، قال: "حدثنا إبراهيم بن سعد عن صالح" ابن كيسان "عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير أن عائشة -رضي الله عنها- قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يستعيذ -يعني بالله- في صلاته من فتنة الدجال"، والنبي -عليه الصلاة والسلام- معصوم من الفتن، لكن لا يمنع أن يكون من عصم أن يطلب النجاة لنفسه، أو يكون ذلك تعليم لأمته -عليه الصلاة والسلام- ليقتدوا به في الاستعاذة، كما أن من هُدي يطلب الهداية، وطُلب من المسلمين بما فيهم النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يقولوا في كل ركعة: {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ} [(6) سورة الفاتحة].
أحاديث اليوم أكثرها تقدمت أيها الإخوان، لذلك ترون نجمل الشرح، يعني ما نفصل؛ لأنه مضى أكثرها.
يقول -رحمه الله-: "حدثنا عبدان" عبد الله بن عثمان بن جبلة العتكي، قال: "أخبرني أبي" عثمان "عن شعبة" ابن الحجاج "عن عبد الملك" ابن عمير الكوفي "عن ربعي" ابن حراش "عن حذيفة" ابن اليمان "عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في الدجال -يعني في شأن الدجال-: «إن معه ماءً وناراً، فناره -التي يراها الرائي- ماء بارد، وماؤه -الذي يراه الرائي- نار» يعني يخيل للناس أن هذه نار وهذا ماء، والحقيقة عكس ذلك، وهذا لعله من تمويهه ودجله، وهو ابتلاء من الله -عز وجل-، ابتلاء وامتحان من الله -عز وجل-. "قال أبو مسعود -عقبة من عمرو البدري تصديقاً لحذيفة-: أنا سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"، وفي بعض الروايات: ابن مسعود، لكن الراجح أنه أبو مسعود.
قال -رحمه الله-: "حدثنا سليمان بن حرب" الواشحي، قال: "حدثنا شعبة" ابن الحجاج "عن قتادة" ابن دعامة "عن أنس -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «ما بعث نبي إلا أنذر أمته الأعور الكذاب ألا -حرف تنبيه- إنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور، وإن بين عينيه مكتوب كافر» بالحروف العربية (ك) (ف) (ر) كافر، يقرأه كل مؤمن قارئ أو غير قارئ، حتى الأمي الذي لا يقرأ ولا يكتب يقرأ هذه.
يقول الإمام -رحمه الله-: "فيه أبو هريرة وابن عباس" يعني في الباب حديث يرويه أبو هريرة وحديثٌ يرويه ابن عباس "عن النبي -عليه الصلاة والسلام-"، هذه طريقة الترمذي في الباب عن فلان وفلان وفلان إذا روى حديثاً، ويستعملها البخاري أحياناً كما هنا، "فيه أبو هريرة وابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم-"، تقدم حديث أبي هريرة في ترجمة نوح من أحاديث الأنبياء، وتقدم حديث ابن عباس في صفة موسى -عليه السلام-.
مثل هذا هذه الفتنة العظيمة والشر المستطير الذي يبتلي بها الله عباده في آخر الزمان من يعرض للفتنة؟ من في قلبه دخل، من في قلبه شيء من النفاق، من في قلبه خصلة من خصال الكفر، شعبة من شعب الجاهلية، هؤلاء يفتتنون، معرضون للفتنة، أما من آمن بالله ورسوله، وصدق بذلك وأيقن، مثل هذا لا يفتتن بالدجال؛ لأن الدجال فيه العلامات الواضحة الظاهرة بينه النبي -عليه الصلاة والسلام- بأجلى بيان، وكتب بين عينيه كافر، فالذي يقرأ مثل هذه الحروف يوافق الدجال أو يخالفه؟ مهما كان التهديد، وسيأتي قصة الرجل الذي خير الناس، أو من خير الناس أنه يقول له، يؤتى به إلى الدجال عما سيأتي فيقول: أنت الدجال، أشهد أنك أنت الدجال، يصارحه بذلك، هل تنفع التقية هنا ونقول: هذا مكره وقلبه مطمئن بالإيمان؟ لا تنفع التقية، من أجابه دخل النار، ومن عصاه وكذبه دخل الجنة.
طالب:.......
إيش هو؟
طالب:.......
إيه نعم، الدجال هو الذي عليه العلامات الظاهرة، أما من عداه إذا كان الإنسان قلبه مطمئن بالإيمان وخشي على نفسه {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [(106) سورة النحل]، وإن ارتكب العزيمة وكذبه وتحمل ما يترتب على هذه العزيمة كان أفضل، فأفضل الجهاد أو أفضل الشهداء من هو؟ حمزة، وأيضاً؟ من أنكر على إمامٍ ظالمٍ غاشم فقتله، «كلمة حق عند سلطان جائر» هذه عزيمة، لكن هل يلزم الناس كلهم بهذه العزيمة؟ من ارتكب العزيمة ثوابه أعظم ومن ترخص برخصة الله فهو معذور، ترخص كبار من الأئمة، وصبر وثبت الإمام أحمد بن حنبل، فنال الإمامة إلى قيام الساعة، والله المستعان.
يقول: "بابٌ لا يدخل الدجال المدينة" يعني النبوية.
قال: "حدثنا أبو اليمان" هو الحكم بن نافع، قال: "أخبرنا شعيب" وهو ابن أبي حمزة "عن الزهري أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن أبا سعيد -سعد بن مالك الخدري- قال: حدثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوماً حديثاً طويلاً عن الدجال، فكان فيما يحدثنا به أنه قال: «يأتي الدجال -يعني إلى ظاهر المدينة خارج المدينة- وهو محرم عليه أن يدخل نقاب المدينة -طرق المدينة وشوارع المدينة- وهو محرمٌ عليه أن يدخل نقاب المدينة، فينزل بعض السباخ التي تلي المدينة -والمراد بالأرض السبخة التي لا تنبت- فينزل بعض السباخ التي تلي المدينة -من قبل الشام- «فيخرج إليه من المدينة يومئذ رجل» يقول الشراح: إنه الخضر، وهو في صحيح مسلم، لكنه من قول أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن سفيان راوي الصحيح، قال: قيل: هو الخضر، كذا نسبه القرطبي إلى أبي إسحاق السبيعي، وبه قال ابن العربي، ولعل القرطبي وهم في نسبته إلى أبي إسحاق، وإنما المراد به أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن سفيان راوي الصحيح، وبذلك قال ابن العربي يقول: إنه الخضر.
«وهو خير الناس أو من خيار الناس فيقول» إلى آخره، الخضر يختلف الناس في وفاته وفي بقائه، فكثيرٌ من أهل العلم يرون أنه موجود، وأنه معمر من زمنِ موسى -عليه السلام- إلى آخر الزمان، حتى يأتي الدجال، ويمثل بين يديه، ويقول له ما يقول، والذي عليه جمعٌ من أهل التحقيق أنه قد مات.
شيخ الإسلام -رحمه الله- له رسالتان في الباب، إحداهما: على جادة من يثبت حياته، والأخرى على القول الآخر، وهو الصواب أنه قد مات، «ما من نفسٍ منفوسة اليوم يأتي عليها مائة عام..» بما في ذلك الخضر، وكثير من أهل الخرافة والبدع يقولون بهذا القول، ويزعمون أنهم يجتمعون به، ويرونه، ويستفيدون منه، ولو وجد لما وسعه الخروج عن شريعة محمد -عليه الصلاة والسلام-، ولما كان عنده من العلم ما يستفيده من غير الكتاب والسنة لو وجد، ولذا من النواقض: أن يزعم الإنسان أنه يسعه الخروج عن شريعة محمد -عليه الصلاة والسلام-، كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى، لذا إذا نزل عيسى -عليه السلام- في آخر الزمان يحكم بشريعة محمد -عليه الصلاة والسلام-، وعلى كل حال هذا قول، وهو قول الجمع من أهل العلم، لكن الصواب أنه كغيره قد مات.
طالب:.......
إيه لأنه..، موسى بُعث للناس كافة؟ لا، بعث لقومه، يا بني إسرائيل بس، ما في إلا محمد -عليه الصلاة والسلام- الذي بعث للناس كلهم،
طالب:.......
وين؟ في زمانه لبني إسرائيل فقط، عموم الرسالة من خصائص النبي -عليه الصلاة والسلام-.
طالب:.......
علم زمانهم، عالم زمانهم.
«وهو خير الناس أو من خيار الناس، فيقول: أشهد أنك الدجال الذي حدثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديثه، فيقول الدجال -يعني لأوليائه-: أرأيتم إن قتلت هذا الرجل ثم أحييته هل تشكون في الأمر؟ -أي الذي يدعيه من الألوهية- فيقولون: لا -هؤلاء هم أوليائه- فيقتله ثم يحييه، فيقول الدجال: أتؤمن بي؟» يعني لهذا الرجل الذي بعد أن يقتله فيحييه أتؤمن بي؟ جاء بأمرٍ لا يقدر عليه كل أحد، بل لا يقدر عليه أحد إلا الله -عز وجل-، وهذا من عظيم البلاء، من عظيم الفتنة، لكن {يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} [(27) سورة إبراهيم] هذا قتله شقه بنصفين، ثم أحياه، حينما يقول هذه المقالة: أتؤمن بي؟ يعني يغلب على ظنه أنه يبي يقول إيش؟ ماذا سيقول؟ بيقول: نعم، إن لم يقسم على ذلك، فيقول الرجل: «والله ما كنت فيك أشد بصيرة مني اليوم -يعني ازداد يقيني بالله -عز وجل- وكفري بك بعد أن فعلت ما فعلت- فيريد الدجال أن يقتله فلا يسلط عليه» كما جاء في بعض الروايات بأن يجعل ما بين رقبته وترقوته نحاس، فلا يستطيع إليه سبيلاً، المقصود أنه لن يسلط عليه.
ثم قال: "حدثنا عبد الله بن مسلمة" يعني القعنبي "عن مالك" ابن أنس إمام دار الهجرة نجم السنن "عن نعيم بن عبد الله المجمر عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «على أنقاب المدينة -النبوية جمع نقب وهو الطريق- ملائكة -يحرسونها- لا يدخلها الطاعون ولا الدجال» فالطاعون بسبب الدعوة النبوية، «اللهم انقل عنها الحمى» حماها، نعم، فالطاعون أشد، ومن خصائص المدينة أنه لا يدخلها الطاعون ولا الدجال، ومكةٌ مثلها.
قال: "حدثني يحيى بن موسى" ابن عبد ربه المعروف بـ خَت، قال: "حدثنا يزيد بن هارون" السلمي، قال: "أخبرنا شعبة" وهو ابن الحجاج "عن قتادة" ابن دعامة "عن أنس بن مالك عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «المدينة يأتيها الدجال ليدخلها فيجد الملائكة على أنقابها يحرسونها، فلا يقربها الدجال، ولا الطاعون -إن شاء الله -عز وجل-».
يقول: ما القول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة؟
{يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} [(27) سورة إبراهيم] يعني يحيا على لا إله إلا الله بجميع ما تطلبه، ويموت على لا إله إلا الله.
«فلا يقربها الدجال» قال: «ولا الطاعون -إن شاء الله-» وهذا الاستثناء ليس للشك وإنما هو للتبرك بذكر هذا الاسم المبارك، والحديث مر مراراً.
ثم قال: "باب: يأجوج ومأجوج" مشتقان من أجيج النار أي ضوئها، وزنهما يفعول ومفعول، ممنوعان من الصرف للعلمية والتأنيث، اسما قبيلتين، وهما من نسل آدم، من ولد يافث بن نوح.
يقول الحافظ ابن كثير: "روى ابن أبي حاتم أحاديث غريبة في أشكالهم وصفاتهم وطولهم وقصر بعضهم وآذانهم لا تصح أسانيدها".
يأجوج ومأجوج بغير همز ياجوج وماجوج، قرأه السبعة إلا عاصماً بدون همز، قراءة عاصم كما هو معروف بالهمز.
قال: "حدثنا أبو اليمان" وهو الحكم بن نافع، قال: "أخبرنا شعيب" ابن أبي حمزة "عن الزهري ح" حاء التحويل من إسناد إلى آخر للاختصار، "وحدثنا إسماعيل" ابن أويس، تقدم لنا مراراً أن البخاري يأتي بهذه الحاء حاء التحويل بعد ذكر النبي -عليه الصلاة والسلام-، وحينئذٍ لا تفيد الاختصار وإنما هي تقوم مقام الحديث، اختصار الحديث كما يقول المغاربة، "وحدثنا إسماعيل" ابن أويس، قال: "حدثني أخي" عبد الحميد "عن سليمان" ابن بلال "عن محمد بن عبد الله بن أبي عتيق عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير أن زينب بنت أبي سلمة حدثته عن أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان" صخر بن حرب "عن زينب بنت جحش" أم المؤمنين، الحديث تقدم بأعلى من هذا الإسناد، تقدم سباعي وهنا كم؟ إسماعيل، أخوه، سليمان، محمد بن أبي عتيق، ابن شهاب، عروة، زينب بنت أبي سلمة، أم حبيبة، زينب بنت جحش، نعم هذا تساعي، وهو أنزل حديثٍ في الصحيح على الإطلاق، أنزل حديث في الصحيح تساعي ولا يوجد غيره، ما يوجد إلا هذا الحديث تساعي.
طالب:.......
وين؟ يعني في حكم؟ ما ينفع حكم، نحن نريد حقيقته، يعني ما يضيره أن يكون من التابعين ستة من التابعين يروي بعضهم عن بعض، المقصود أنه تساعي فهو نازل، نازلٌ جداً، يعني يوافقه الحافظ العراقي بعده بسبعمائة سنة، أو ستمائة سنة، عنده تساعيات، وهي أعلى ما عنده، وأنزل ما في البخاري هذا الحديث التساعي، وأعلى ما فيه الثلاثيات، يكون بينه وبين الرسول -عليه الصلاة والسلام- ثلاثة، وعدتها اثنان وعشرون حديثاً غالبها من طريق المكي بن إبراهيم عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع.
"أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل عليها"، وفي بعض الروايات: "استيقظ من نومه فزعاً"، وهنا يقول: "دخل عليها يوماً فزعاً" دخل عليها فزعاً بعد أن استيقظ من نومه، استيقظ من نومه فزعاً ودخل عليها فزعاً، "خائفاً يقول: «لا إله إلا الله»" وهذا الحديث تقدم شرحه «لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب» يعني هل أمة محمد العرب فقط؟ ولماذا خص العرب؟
طالب:.......
نعم كيف؟
طالب:.......
لا، لا، الأمة من العرب وغيرهم.
طالب:.......
لا، لا، في غيره، لعل هذا الصنف من الناس يعني يأجوج ومأجوج إنما سلطوا على العرب فقط، فتنةً لهم، أو لأن العرب أسرع إليهم مثل هذه الفتن، أو لأنهم هم أسرع للدخول في الفتن في ذلك الوقت من غيرهم، المقصود أن النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: «ويلٌ للعرب من شرٍ قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج» الذي بناه ذو القرنين بزبر الحديد، جمع زبرة، وهي القطعة، قالوا: أن كل زبرة كل قطعة تزن قنطار، والزبرة بمثابة لبنة، لكنها تزن قنطار، «فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه» وحلق بإصبعيه الإبهام والتي تليها، قالت زينب بنت جحش: فقلت: يا رسول الله أفنهلك وفينا الصالحون؟ قال: «نعم إذا كثر الخبث» وهذا هو الأمر المخيف، ذكرنا مراراً أن الخير موجود في أمة محمد، وأن هناك طائفة منصورة قائمة بالحق إلى قيام الساعة، وفي أمة محمد من خيار الناس في هذا الزمان وقبله وبعده من فيها، فيها العلماء، فيها الدعاة، فيها العباد، فيها طلاب العلم، فيها المحسنون، فيها المنفقون، فيها المجاهدون، لكن الهلاك علق بأمرٍ ظهر وكثر وانتشر في هذه الأزمان وهو الخبث، ثم قال..، وهذا تقدم كله مراراً.
"حدثنا موسى بن إسماعيل" التبوذكي، قال: "حدثنا وهيب" هو ابن خالد، قال: "حدثنا عبد الله بن طاوس عن أبيه" طاوس بن كيسان "عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «يفتح الردم ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه» وعقد وهيب بن خالد تسعين"، قال: «يفتح الردم ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه» وعقد وهيبٌ تسعين"، مثل هذه، يعني جعل طرف الإبهام بين عقدتي السبابة من باطنها، وطرف السبابة عليها، كيف؟ كذا؟ هكذا؟
طالب:.......
بس يقول: مثل ناقد الدينار، ناقد الدينار إيش يسوي؟ هكذا، يضربه بطرف السباب ليرى، هكذا.
طالب:.......
لا هذا الخذف هكذا، ناقد الدينار هكذا، تقدم حقيقةً شرح التسعين والمائة، تقدم شرح التسعين والمائة، هنا يقول: عقد سفيان تسعين بأن جعل طرف إصبعه السبابة اليمنى في أصلها، وضمها ضماً محكماً بحيث انعقدت وانطوت، انطوت عقدتاها حتى صارت كالحية المطوية هكذا، والمائة كالتسعين لكن بالخنصر، لكن الخنصر اليسرى، وهذا تقدم وله حساب غير مستعمل، كانوا يستعملونه قبل أن يعرفوا الحساب.
وبهذا تكون أحاديث الفتن من هذا الكتاب العظيم الصحيح انتهت، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول: ما الضابط في تنزيل أحاديث الفتن في الواقع؟ فقد سمعنا في الأحداث الأخيرة من خاض في فتن آخر الزمان وربطها بالأحداث المعاصرة؟
نقول: هذا تسرع؛ لأن تعريض الأحاديث، النصوص الثابتة لمثل هذه الفتن وإن كان فيها وجه شبه إلا أنه قد يوجد من الفتن ما هو مطابق تمام المطابقة، فنعرض أحاديث الفتن للنفي كما عرضنا ما طبقت عليه، نظير من ينزل الأحاديث والآيات على النظريات، ينزلونها على نظريات علمية، فإذا كذبت هذه النظيرة ماذا يكون مصير الخبر الذي نزل عليها؟ يصير عرضة للتكذيب، وهنا إذا نزلنا أحاديث الفتن على ما وقع ولو من وجه، ولو شابهه من وجه نكون بذلك إذا وقع ما يشبهها من كل وجه بحيث لا محيد من تنزيلها عليها نكون بذلك عرضنا الأحاديث للنفي، وبذلك نكون قد قلنا على الله بغير علم، نقول: إن هذا مراد النبي -عليه الصلاة والسلام- من هذا الحديث، فنكون بذلك قد افترينا على الله الكذب وعلى رسوله -عليه الصلاة والسلام-، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله.
"