التعليق على الموافقات (1436) - 03
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نعم.
طالب: بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين برحمتك يا أرحم الراحمين.
قال الإمام الشاطبي -رحمه الله تعالى-: فصل: إذا ثبت هذا، فلا بد من النظر في أمور تنبني على هذا الأصل؛ منها: أن زلة العالم لا يصح اعتمادها من جهة، ولا الأخذ بها تقليدًا له؛ وذلك لأنها موضوعة على المخالفة للشرع، ولذلك عُدت زلةً، وإلا فلو كانت معتدًّا بها لم يُجعل لها هذه الرتبة، ولا نُسب إلى صاحبها الزلل فيها، كما أنه لا ينبغي أن يُنسب صاحبها إلى التقصير، ولا أن يُشنع عليه بها، ولا يُنتقص من أجلها، أو يُعتقد فيه الإقدام على المخالفة بحتًا؛ فإن هذا كله خلاف ما تقتضي رتبتُه في الدين، وقد تقدم من كلام معاذ بن جبل وغيره ما يُرشد إلى هذا المعنى".
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد، فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "فصل: إذا ثبت هذا"، يعني من التحذير من زلة العالم؛ لأنه يضل بها أناس ممن يحسنون الظن به ويتبعونه ويقلدونه فيه، يفترض في الزلة أنها قول مخالف لمراد الله -جل وعلا-، وإلا لم تكن أو لم تُسمَّ زلة، وإضافتها إلى العالم تقتضي أن يكون هذا العالم ينطبق عليه الوصف، ما هو متعالم، من ينطبق عليه الوصف، وممن يصح الاقتداء به وتقليده ممن اتصف بالعلم والدين والورع. الآن يكثر الزلل من كثير من المنتسبين والمتعالمين، لكن الناس يعرفون ويميزون، لا يغترون بأمثال هؤلاء، لكن إذا حصلت هذه الزلة والمخالفة لمراد الله -جل وعلا- من عالم، والعالم مفترض فيه ما ذكره أهل العلم: العلم والدين والورع.
وليس في فتواه مفتٍ متبع ما لم يضف للعلم والدين الورع
هذا الذي إذا زل وأخطأ وأفتى بما يخالف مراد الله -جل وعلا-، هذا الذي زلته يخشى منها، وأما من بان أمره فمثل هذا لا يتبعه إلا صاحب هوى. ودخلت امرأة عجوز من محارمنا قالت: أرأيت فلانًا جزاه الله خيرًا يفتي سمعته الآن وأنا في الطريق بالراديو يفتي بأن الحلي لا زكاة فيه؟ قلت لها: يا أم فلان، المسألة دين، ليست هوى، أنا مثله، وأفتي بأنه لا زكاة فيه، لكن رأي فلان معي في كفة وابن باز وابن عثيمين في كفة؛ لأن المسألة مسألة دين ما هي بمسألة اتباع هوى أن هذا يصلح له ويخفف عنا أو... فمثل هذا العالم إذا زل وقد توافرت فيه الشروط الثلاثة، ينبغي لمن يقتدي به إذا تبين له أن هذه زلة ألا يقلده فيها من جهة، ومن جهة أخرى ألا يقع في عرضه ويتركه في جميع ما يقول، ولا يكون عونًا للشيطان عليه كما تقدم في كلام معاذ -رضي الله عنه-.
أما قول المؤلف: "كما أنه لا ينبغي أن يُنسب صاحبها إلى التقصير"، لكن قد يكون سبب هذا الزلل التقصير، قد يكون بذل الوسع، واستفرغ وسعه في البحث، لكنه أخطأ. قد تكون مقدماته صحيحة، ونتيجته خطأَ. فهو مأجور على ذلك، ولا عنده أكثر مما حصل كما يقال: ليس في الإمكان أكثر مما كان. لكن قد يكون سبب الخطأ والزلل التقصير أو القصور، والمؤلف فيما بعد سيشير إلى أنه قد يكون هناك تقصير، وهنا يقول: "لا ينبغي أن يُنسب صاحبها إلى التقصير"، قد يكون مقصرًا؛ لأن النفس أحيانًا تضعف عن استيعاب ما قيل في المسألة وما جاء فيها من النصوص، فيكون هذا تقصيرًا.
طالب: .......
المقصود أن التقصير قد يكون؛ لأن النفس ليست على نشاط مستمر وعلى مستوى واحد في بحث جميع المسائل.
طالب: "وقد رُوي عن ابن المبارك أنه قال: كنا في الكوفة فناظروني في ذلك -يعني: في النبيذ المختلف فيه-، فقلت لهم".
يعني بين الحنفية والجمهور، الحنفية يبيحون شرب النبيذ الذي لا يصل إلى حد الإسكار، لكنه بدأ في الاشتداد وزاد وقته على يوم وليلة يشربونه، وأما جمهور أهل العلم فإنهم يرون تحريمه، والمسألة معروفة عند أهل العلم.
طالب: "فقلت لهم: تعالوا فليحتج المحتج منكم عمن شاء من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- بالرخصة، فإن لم نبين الرد عليه عن ذلك الرجل بشدة صحت عنه فاحتجوا. فما جاءوا عن واحد برخصة".
الشدة المقصود بها ما يقابل الرخصة، يعني التشديد في المسألة.
طالب: "فما جاءوا عن واحد برخصة إلا جئناهم بشدة".
يعني عنه، عن هذا الواحد.
طالب: "فلما لم يبقَ في يد أحد منهم إلا عبد الله بن مسعود، وليس احتجاجهم عنه في رخصة النبيذ بشيء يصح عنه. قال ابن المبارك: فقلت للمحتج عنه في الرخصة: يا أحمق! عُدَّ أن ابن مسعود لو كان هاهنا جالسًا فقال: هو لك حلال".
يعني لو ثبت عنه ذلك مواجهة، يعني قطعًا قال: هو لك حلال، وليس في كلام منسوب إليه ولم يصح، هب أن ابن مسعود بيننا وقال: هو لك حلال، ونقلنا لك عن النبي -عليه الصلاة والسلام- وعن جميع الصحابة الشدة والتحريم، فماذا أنت صانع؟
طالب: "وما وصفنا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه في الشدة، كان ينبغي لك أن تحذر أو تحير أو تخشى. فقال قائلهم: يا أبا عبدَ الرحمن".
"عبدِ".
طالب: "يا أبا عبدِ الرحمن! فالنخعي والشعبي، وسمى عدةً معهما، كانوا يشربون الحرام؟ فقلت لهم: دعوا عند الاحتجاج تسمية الرجال، فرُب رجل في الإسلام مناقبه كذا وكذا، وعسى أن يكون منه زلة، أَفَلَأَحَد".
"أَفَلِأَحَدٍ".
طالب: "أَفَلِأَحَدٍ أن يحتج بها؟ فإن أبيتم، فما قولكم في عطاء وطاوس وجابر بن زيد وسعيد بن جبير وعكرمة؟ قالوا: كانوا خيارًا. قال: فقلت: فما قولكم في الدرهم بالدرهمين يدًا بيد؟ فقالوا: حرام. فقال ابن المبارك: إن هؤلاء رأوه حلالاً فماتوا وهم يأكلون الحرام، فبقوا وانقطعت حجتهم".
يعني يبين لهم أنه ما كل ما يقوله العالم يكون صوابًا محضًا، بل قد يخطئ، واعتبر هذه من خطئه لا سيما إذا كان في المسألة نص، يعني النهي عن الانتباذ في أسقية الأدم، في الأسقية والأوعية الصلبة، نهى عن النبيذ بالحنتم والدباء والمقير، نُهي عن الانتباذ فيها؛ لأنه يتغير ما فيها، ولا يتغير الوعاء، فيأتي الشارب فيشرب منه وقد تغير، بخلاف أسقية الأدم فإنها إذا تغير ما فيها انتفخت فيعرف الشارب أن ما فيها قد تغير. ثم بعد ذلك لما استقر تحريم الخمر واجتنبه الناس فتوقَّوه، أُذن لهم في الانتباذ في أي سقاء، لكن لا تزيد على حد يوم وليلة، كما كان يُنتبذ للنبي -عليه الصلاة والسلام-، أما إذا زاد على ذلك فهو لا شك أنه مظنة للتغير، وقد يشربه الإنسان وقد تغير فيقع في الحرام.
"فبقوا"، يقول: "قال ابن المبارك: إن هؤلاء رأوه حلالاً فماتوا"، يعني الربا، لكن هذا اجتهادهم، "إن هؤلاء رأوه حلالاً فماتوا وهم يأكلون الحرام"، تتبعهم على ذلك؟ لكن قد يكون للشخص عذر في اجتهاده، ويكون مخطئًا له أجر واحد، والمسألة مفترضة في غير هؤلاء، قد تضعف نفسه ويفتي بخلاف الحق؛ لسبب من الأسباب، أو لهدف، أو لمراعاة مصلحة، أو لدفع مفسدة، وله من بحار الحسنات ما يغمر مثل هذا الخطأ، إلى غير ذلك من الأمور التي تُذكر في جانب أهل العلم أهل الدين أهل الورع، وشيخ الإسلام -رحمه الله- في كتاب له اسمه رفع الملام عن الأئمة الأعلام أبدع في هذا.
"فبقوا"، يعني بقوا حائرين، انقطعت حجتهم.
طالب: "هذا ما حكي. والحق ما قال ابن المبارك، فإن الله تعالى يقول: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59] الآية. فإذا كان بيِّنًا ظاهرًا أن قول القائل مخالف للقرآن أو للسنة، لم يصح الاعتداد به ولا البناء عليه، ولأجل هذا يُنقض قضاء القاضي إذا خالف النص أو الإجماع، مع أن حكمه مبني على الظواهر مع إمكان خلاف الظاهر، ولا يُنقض مع الخطأ في الاجتهاد وإن تبين؛ لأن مصلحة نَصْب الحاكم تناقض نقض حكمه، ولكن يُنقض مع مخالفة الأدلة؛ لأنه حكم بغير ما أنزل الله".
أما بالنسبة للمخالفة ووقوع الخطأ في حكم الحاكم، فإنه إذا وُجد نص صحيح صريح مخالف لهذا الحكم، أو يخالفه هذا الحكم فلا توقف في أن الحكم ينقَض؛ لأنه مخالف لما جاء عن الله وعن رسوله أو عن إجماع الأمة التي هي الأدلة القطعية المجمع عليها. أما إذا كان حكمه ناشئًا عن اجتهاد، والمسألة ليس فيها دليل، فلا يمكن أن يُنقض باجتهاد مثله، فالاجتهاد لا يُنقض بالاجتهاد.
طالب: "فصل: ومنها: أنه لا يصح اعتمادها خلافًا في المسائل الشرعية".
يعني ما تُنقل هذه الزلة مع الخلاف في المسألة ضمن أقوال أهل العلم، إلا للتحذير منها، إذا كان القصد من ذلك أن تُبيَّن ويبيَّن أنها زلة ويحذَّر منها فلا بأس، وأما أن تُنقل في مصاف أقوال أهل العلم بحيث يتناولها النظر، ويمكن أن يرجِّحها بعض الناس فلا.
طالب: .......
نعم.
طالب: .......
ماذا؟
طالب: .......
ماذا؟
طالب: .......
الزلة لا ترد على الإجماع، ولا تخرق الإجماع.
طالب: "لأنها لم تصدر في الحقيقة عن اجتهاد، ولا هي من مسائل الاجتهاد، وإن حصل من صاحبها اجتهاد فهو لم يصادف فيها محلًّا، فصارت في نسبتها إلى الشرع كأقوال غير المجتهد، وإنما يعد في الخلاف الأقوال".
اعتبر هذا العالم الذي زل، يعني المفترض أنه عالم، لكن زل، وأتى بما يناسب غير العالم، تعتبره في هذه المسألة مثل عامة الناس.
طالب: "فهو لم يصادف فيها محلًّا، فصارت في نسبتها إلى الشرع كأقوال غير المجتهد، وإنما يُعد في الخلاف الأقوال الصادرة عن أدلة معتبرة في الشريعة، كانت مما يقوى أو يضعف، وأما إذا صدرت عن مجرد..".
ولذلك لا يعتد أهل العلم بأقوال المبتدعة، لا يعتد بها أهل العلم، كثيرًا ما يقولون: أقوال الجهمية لا يلتفت إليها، وأقوال الروافض، حتى قال بعضهم: الزيدية، والخوارج، يعني البدع الكبرى لا يُعتد بها لا في الاتفاق ولا في الخلاف، ويختلفون في الظاهرية، هل يُعتد بهم ويخرق بقولهم الإجماع أو لا؟
النووي وغيره قالوا: ولا يُعتد بقول داود؛ لأنه لا يرى القياس الذي هو أحد أركان الاجتهاد. هذا كلام النووي، وذكره في شرح مسلم، ذكره في ترجمة داود من تهذيب الأسماء واللغات: ولا يُعتدّ بقول داود؛ لأنه لا يرى القياس الذي هو أحد أركان الاجتهاد. ومن أهل العلم من ينص على أنه مُعتَد به؛ لأنه يُعنى بالنصوص ويعظِّمها، وما أوتي إلا من شدة تعظيم النص، بحيث أنه اعتمد منطوقه لا مفهومه.
وعلى كل حال: المسألة معروفة عند أهل العلم، فإذا كان عمدة المسألة ومعولها على النص، فلا شك أنهم أهل نص، وابن حزم وهو أشهر من ينتسب إلى هذه الطائفة، عنايته بالنصوص وتعظيمه لها معروف. الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله- يرى الاعتداد بداود وابن حزم وغيرهم ممن ينتسب إلى الظاهر، ويشدد في ذلك.
على كل حال: كلام النووي واضح وحجته ظاهرة، وإذا نظرنا إلى أن مثل ابن حزم له عناية بالنصوص ويهتم بها، لكن طريقته في التعامل مع النصوص تحتاج إلى إعادة النظر، طريقته في التعامل مع النصوص تعصبه للظاهر، ووقوفه عنده، وتشديده فيه، ورميه من يقول بالأقيسة وأهل النظر، كلامه في أهل العلم قاسٍ جدًّا، وبهذا قال مالك، وهو قول من لا يؤمن بيوم الحساب!
طالب: .......
بهذا قال أبو حنيفة، وهو لا يساوي رجيع الكلب! كثير من هذا النوع، مشاكل هذه تحتاج إلى إعادة النظر، وإن كان عنده علم كثير، وعنده ذكاء خارق، لكن يبقى أنه يُستفاد من كتبه، لكن يُتحاشى مثل هذه الألفاظ التي هي بجانب أئمة كبار كالجبال، مما يجعل الإنسان يحتاط في أقواله، ما يقدم عليها بسهولة -رحمه الله-.
طالب: .......
ماذا؟
طالب: .......
من غير قصد، وإلا فالأصل فهو يبطله، يبطل القياس، وله رسالة في إبطال القياس.
على كل حال ابن حزم أفضى إلى ما قدم، وعنده أخطاء وطوام في الاعتقاد، وفي التعامل مع النصوص، يعني واحد يقول: ولو لم يرد إلا قول الله -جل وعلا-: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23]، يعني لو لم يرد في باب البر إلا هذه الآية لجاز قتلهما! يعني ما يرى أن ما فوق هذه حكمها حكمها، لكن جاء في نصوص أخرى.
طالب: .......
ماذا؟
طالب: قياس .......
على كل حال.
طالب: .......
ماذا؟
طالب: .......
لا، لكن عنده دقة في النظر والاستنباط وقوة حجة، لا، يُستفاد منه من هذه الحيثية، ولا يُترك لآحاد المتعلمي؛ لأن المشكلة قراءة المحلى لأنصاف المتعلمين يؤثر عليهم؛ لأنه يشد القارئ، يشد وينساب وراءه القارئ فيتأثر وما يشعر، يعني من رسخ علمه وعرف ويميز فلا مانع أن ينظر في الكتاب وفيه فوائد، فيه علم كبير.
طالب: .......
عن أيش؟
طالب: .......
نعم. والصنعاني يكثر عن النقل عنهم، وكذلك الشوكاني؛ لأنهم كما قال الصنعاني: الهادوية في وقتهم غالب سكان اليمن، فذِكْره لمذاهبهم لترويج كتابه، لو تركهم ما قُرئ الكتاب، هُجر الكتاب، وكذلك الشوكاني. مع أن البيئة، والإنسان ابن بيئته، بيئة ضاغطة لا يستطيع أن يتغافل عما يدور حوله وهو يراهم، ويعاشرهم، ويتعامل معهم، ويصلون جميعًا، لا، صعبة أنه يتغافل عنهم.
وهناك مقاصد لأهل العلم لترويج الكتب أحيانًا تكون بالذكر وأحيانًا تكون بالحذف، فهؤلاء ذكروا مذاهب منسوبة إلى مبتدعة وقلنا: إنها لترويج الكتب، بالمقابل: هناك من حذف أقوال أهل الحق، من حذف أسماءهم، ذكر أقوالهم بدون أسماء؛ لئلا يُهجر الكتاب، أو يُتلف الكتاب، مثل ابن أبي العز في شرح الطحاوية كل كلامه أو جل كلامه عن شيخ الإسلام وابن القيم، ما صرح بهما، لماذا؟ لأنه في وقته تُتلف فيه كتب شيخ الإسلام وابن القيم، فهو حفظ علم الشيخين بطريقة مناسبة.
ابن عروة صاحب الكواكب الدراري في ترتيب المسند، وهو يزيد عن مائة مجلد، ابن عروة رتَّب المسند، ثم شرحه، فصار لا تمر مسألة فيها مصنف لشيخ الإسلام أو ابن القيم أو ابن رجب أو أحد من أهل العلم المعروفين إلا نقل الكتاب برمته في الشرح؛ من أجل أن يحفظ هذا الكتاب؛ لأنه إذا كان ضمن كتاب ما يُتنبَّه له، والكتاب مائة وعشرون أو ثلاثون مجلدًا يكسل الناس عن قراءته، لكن لو كان مفردًا كتوسل الوسيلة لشيخ الإسلام مثلاً مفردًا يُتلف بذلك.
وقبل دخول الملك عبد العزيز -رحمة الله عليه- إلى مكة، كان الشريف مع مفتي مكة دحلان يتعاونون على إتلاف كتب شيخ الإسلام وابن القيم، وأرسل صديق حسن خان من كتب شيخ الإسلام وابن القيم التي طُبعت بالهند إلى مكة، فصاروا واحد يطلع الكتب من الصناديق بواسطة شيء ما يمسّها بيده، والثاني يحرق! فمثل هذه الأمور تستعمل من أجل ماذا؟ الحفاظ على مثل هذه الكتب، لكن لا يصل الأمر إلى أن الإنسان يروِّج كتبه ببدع كبرى مثل: ما صنعه الفيروزآبادي صاحب القاموس لما شرح البخاري، ووجدت بدعة ابن عربي القول بوحدة الوجود في اليمن في وقته، وانتشرت، وسرت فيهم، فأراد أن يروِّج كتابه بهذه البدعة، هذا مقبول؟ غير مقبول، القول بوحدة الوجود هذه طامة من الطوام كُفر بسببها ابن عربي، فيروج الكتاب بهذه الطامة، وفرغ منه مقدار عشرين مجلدًا، يقول: لو تم كان يُقدّر بخمسين أو ستين، لكن من نعم الله -جل وعلا- أن النسخة الوحيدة التي بخط الفيروزآبادي أتت عليها الأرضة من أول صفحة إلى آخر صفحة، فما أبقت منه شيئًا!
يعني بزعمه أنه يروّج كتابه وشرحه للبخاري بهذه البدعة، ما يمكن أن يقبل مثل هذا الكلام. بينما الأمور التي هي أخف بكثير، هي مجرد أقوال تُنسب للهادي أو القاسم أو غيره من أئمة الزيدية والمذاهب الأخرى موجودة، والله المستعان.
طالب: .......
ماذا؟
طالب: .......
ماذا؟
طالب: .......
لا، في المسائل الفقهية قريبة؛ لأن الزيدية يعتمدون أصول أهل السنة من الكتب الستة وغيرها، وعندهم مسند زيد، والمعتزلة يعتمدون الصحيحين وغيرهما، لكن الرافضة؟ أبدًا ما يعتمدون شيئًا مما اعتمده أهل السنة، ولذلك يختلفون معهم في الأصول، فما فيه نسبة للتقارب أبدًا.
طالب: .......
نعم.
طالب: .......
ماذا؟
طالب: .......
التوسل؟
طالب: .......
نعم.
طالب: .......
هذه عامة وطامة وكثيرة، ولا نقول: إنها صحيحة، لا ما هي بصحيحة، لكن ما هو بمعنى أننا نهجر الكتاب الذي يوجد فيه اختلاف في بعض المسائل.
طالب: "وأما إذا صدرت عن مجرد خفاء الدليل أو عدم مصادفته فلا، فلذلك قيل: إنه لا يصح أن يُعتد بها في الخلاف، كما لم يَعتد السلف الصالح بالخلاف في مسألة ربا الفضل، والمتعة، ومحاشي النساء، وأشباهها من المسائل التي خَفيت فيها الأدلة على من خالف فيها".
وهكذا تُذكر بعض المسائل مثل: المطالبة بنص صحيح صريح يريدون قطعي في تحريم إتيان النساء في الأدبار، ويستدلون بقوله -جل وعلا-: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223]، يقولون: أعطونا النص الصحيح من الكتاب أو من السنة؟ في مجموع ما ورد فيه، مجموع ما ورد في الباب يقتضي التحريم، واتفاق أهل العلم على التحريم ما فيه إشكال، منقول الإجماع عليه، لكن مثل ما قال: "وأشباهها من المسائل التي خفيت فيها الأدلة على من خالف"، المخالف خفي عليه الدليل.
طالب: "فإن قيل".
فربا الفضل مثلاً، جاء في الحديث الصحيح في البخاري: «لا ربا إلا في النسيئة»، ما مفهومه؟ أن ربا الفضل جائز. لكن دلت الأدلة الأخرى على تحريمه، وأنه لما بيع الصاع بالصاعين قال: «أوه، عين الربا»، وهذا أمر مقرر في الأدلة ومعروف عند أهل العلم، لكن قالوا في الحصر: لا ربا أشد منه مثل شدته في النسيئة، مثل: «الحج عرفة»، فيكون الحصر إضافيًّا نسبيًّا لا حقيقيًّا.
طالب: "فإن قيل: فماذا يُعرف من الأقوال ما هو كذلك مما ليس كذلك؟ فالجواب: إنه من وظائف المجتهدين، فهم العارفون بما وافَق أو خالف، وأما غيرهم فلا تمييز لهم في هذا المقام، ويَعضُد هذا أن المخالفة للأدلة الشرعية على مراتب، فمن الأقوال ما يكون خلافًا لدليل قطعي من نص متواتر أو إجماع قطعي في حكم كلي، ومنها ما يكون خلافًا لدليل ظني، والأدلة الظنية متفاوتة: كأخبار الآحاد والقياس الجزئية".
الأخبار "الجزئية"، أخبار الآحاد، مفرداتها لا مجموعها؛ لأنه قد يكون الخبر بمفرداته لا يقوى أن يصل إلى حد الاحتجاج، لكن بمجموع طرقه يصل، وكذلك الأقيسة.
طالب: "كأخبار الآحاد والقياس الجزئية، فأما المخالف للقطعي فلا إشكال في اطِّراحه، ولكن العلماء ربما ذكروه؛ للتنبيه عليه وعلى ما فيه، لا للاعتداد به".
يعني مثل من أفتى: من أفطر في نهار رمضان بالجماع بأن يصوم وهو قادر على الإعتاق، هذه منسوبة لبعض العلماء في الأندلس حينما وقعت من خليفة، قال: لا لا، لا تعتق، أنت عليك صيام شهرين. حجته في ذلك أنه لو قيل له: أعتق رقبة، كان كرره في جميع نهار رمضان كل يوم، عتق رقبة ماذا تعادل عنده؟ مقدور عليها، لكن صيام شهرين صعب. هذا مخالف للنص القطعي، فلم يلتفت العلماء إليه، واتفقوا على تخطئته في اجتهاده.
طالب: "وأما المخالف للظني، ففيه الاجتهاد بناءً على التوازن بينه وبين ما اعتمده صاحبه من القياس أو غيره. فإن قيل: فهل لغير المجتهد من المتفقهين في ذلك ضابط يعتمده أم لا؟ فالجواب: إنْ كان له".
"إنَّ له".
طالب: "فالجواب: إنَّ له ضابطًا تقريبيًّا، وهو أن ما كان".
لأن هذا مثل ما يقال، ويكثر السؤال عنه: موقف طالب العلم المبتدي أو العامي من الفتاوى المتضاربة الموجودة في هذا العصر وفي قبله، في العصور التي قبله، والعامي ما يستطيع أن يميز بين الصواب من الخطأ، ولا يميز بين القول الراجح من المرجوح، ولو بالنظر إلى قائله. لكن مثل هذا قال أهل العلم: يكفي فيه الاستفاضة، مثل اعتماد العالم، العامي ما عنده موازين يزن بها هذا العالم هل وصل إلى مرتبة الاجتهاد أم ما وصل؟ لكن استفاضته وقبوله عند الناس يكفي مثل هذا عند العامي وشبه العامي.
طالب: "وهو أن ما كان معدودًا في الأقوال غلطًا وزللاً قليل جدًّا في الشريعة، وغالب الأمر أن أصحابها منفردون بها، قلما يساعدهم عليها مجتهد آخر، فإذا انفرد صاحب قول عن عامة الأمة، فليكن اعتقادك أن الحق في المسألة مع السواد الأعظم من المجتهدين، لا من المقلدين".
لا شك أن الخطأ أبعد عن الجماعة منه عن الواحد، أبعد عن الجماعة منه عن الواحد؛ لأن هؤلاء يتضافرون واجتهاداتهم ونظرهم يعين بعضها بعضًا، ويرقي بعضها بعضًا، بخلاف الواحد. والواحد كما قال الإمام الشافعي: أولى بالخطأ من الجماعة، فالعامي إذا رأى جمهور أهل العلم يقولون بهذا، وانفرد واحد عنهم، وإن كانت ليست مطردة، قد يكون الصواب مع هذا الواحد، لكن الأصل أن الخطأ أبعد عن الجماعة منه عن الواحد.
طالب: .......
ماذا؟
طالب: .......
لا، العبرة بمن تبرأ الذمة بتقليده. لكن كيف يعرف من تبرأ الذمة بتقليده؟ بالاستفاضة، إذا اشتهر أمره بين الناس، ومشى على الجادة، ولا انتقده أحد؛ لأن الناس ما يتركون حتى العامة ما يتركون، إذا وُجد خطأ واللهِ يقعون فيه وإن كان من أكبر أهل العلم.
طالب: "فصل: وقد عد ابن السَّيِّد هذا".
"السِّيد".
طالب: أحسن الله إليك.
ما السِّيد؟
طالب: ما أدري واللهِ.
ما السِّيد؟
طالب: ما أدري واللهِ يا شيخ.
السِّيد الذئب، من أسماء الذئب، تسمعون بعض الناس يقول: يا سِيدي يا سِيدي، ما هم يقولونها؟ ما أدري كونهم يظنونها تخفيفًا من السَّيِّد، وإلا فأصل السِّيد الذئب، من أسمائه. وابن السِّيد هذا البَطْلَيُوسي، هذا له كتاب في أسباب الاختلاف مطبوع ومنشور، وله كتب أخرى، وهو معدود في أئمة اللغة.
طالب: "وقد عد ابن السِّيد هذا المكان من أسباب الخلاف، حين عد جهة الرواية وأن لها ثماني علل: فساد الإسناد، ونقل الحديث على المعنى أو من الصحف".
لحظة لحظة، "فساد الإسناد" إذا وُجد فيه ضعف أو انقطاع، ونقل الحديث على معنى، الرواية بالمعنى عند أهل العلم معروفة وجمهور أهل العلم يجيزونها بشروطها، ليس كل أحد يصوغ له أن ينقل الحديث بالمعنى، إنما تجوز الرواية بالمعنى لمن يعرف مدلولات الألفاظ وما يحيل المعاني، فإذا كان بهذه المثابة فالعامة عامة أهل العلم على جواز الرواية بالمعنى، لكن إذا وُجد خلل من نقل هذا بالمعنى تطرق الخلل إلى الدليل.
طالب: "ونقل الحديث على المعنى أو من الصحف".
نعم. ولم يتلقه من أفواه الشيوخ، يعني يعتمد على الصحف، يقرأ الكتب، وقديمًا قيل: من كان علمه من كتابه كان خطؤه أكثر من صوابه.
طالب: .......
أين؟ لا سيجيء التصحيف، هذا ينقل من الصحف، الصحف غير التصحيف.
طالب: "والجهل بالإعراب".
الجهل بالإعراب: قد ينقل حديثًا على وجه إعرابي لم يثبت، ويخالف فيه بقية الرواة، ويكون هذا اللحن فيه يترتب عليه تغيير في الحكم، مثل ما قالوا في حديث: «ذكاةُ الجنين ذكاةُ أمه»، رواه بعضهم: «ذكاةَ أمه»، واستدل به بعض أهل العلم على أنه لا بد من أن يُذكى الجنين مثل ذكاة أمه، والجمهور على أن ذكاة الأم تكفي، فذكاةُ الجنين هي ذكاةُ أمه.
طالب: "والتصحيف".
التصحيف: هناك كتب في هذا الباب تُروى الأحاديث فيها مصحفة محرفة مغيرة مبدلة الألفاظ، ثم بعد ذلك يتندر بها الناس ويؤلفون ويتناقلونها: (صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى شاة)، كيف صلى إلى شاة؟ أصلها: «إلى عَنَزة»، ثم سُكِّنت، رواه: «عَنْزة»، والثاني رواها بالمعنى قال: العَنْزة والشاة ما بينهما فرق! (جعل السفينة في رجل أخيه): هذا من التصحيف في القرآن، {السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ} [يوسف: 70]. كثير من هذا النوع، فيه أشياء مضحكة، لكن قد يكون بعضها واقع وبعضها متوقع، وهناك لأبي هلال العسكري أكثر من كتاب في التصحيف.
طالب: "وإسقاط جزء الحديث".
يعني يروي بعضه، يروي جملة ويترك جملة، وتكون هذه الجملة المتروكة يتوقف فهم ما ذُكر على وجود ما حُذف، كأن يكون استثناءً مثلاً أو وصفًا مؤثرًا في الحكم، المقصود أنه من باب، في اختصار الأحاديث اشترطوا ألا يكون ما ذُكر يتوقف فهمه على ما حُذف.
طالب: "أو سببه".
يعني إذا لم يُذكر السبب ولا في طريق واحد، وقد يكون السبب ضروريًّا لفهم الحديث، إذا لم يُذكر سَبَّب الخلل في أصل الحديث، فإذا رُوي حديث: «صلاة القاعدة على النصف من أجر صلاة القائم»، من دون ذِكر للسبب يتعارض مع حديث عمران بن حصين: «صل قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا»، السبب بيَّن لنا أن الحديث «على النصف من أجر صلاة القائم» أنها في النافلة، وبذلك يرتفع التعارض، وإلا فالتعارض موجود، لكن حُمل حديث عمران على الفرض، وأن القيام مع القدرة فرض فيه، ركن لا تصح الصلاة إلا به، وحُمل الحديث الآخر على النفل. طيب، ما الذي دلنا على أن هذا في النفل؟ حديث عمران هو الأصل وخرج من هذا الأصل النفل بدليل السبب: «دخل النبي -عليه الصلاة والسلام- المسجد والمدينة مُحِمَّة - يعني فيها حمى - فوجد الناس يصلون من قعود، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم، فتجشم الناس الصلاة قيامًا». لما دخل النبي- عليه الصلاة والسلام- وجد الناس يصلون وهم قعود، فما هذه الصلاة ؟ فريضة؟ لا، ما يمكن أن يصلوا حتى يحضر. وإنما ه نافلة، وهي في حق القادر، بدليل أنهم تجشموا القيام فقاموا، وإلا فالعاجز في النافلة له أجره كاملاً كما لو عجز في فريضة.
طالب: "وسماع بعض الحديث وفَوْت بعضه".
نعم. يسمع بعض الحديث، وبعضه يفوت على الراوي، يأتي متأخرًا فيسمع بعض الحديث وبعضه فات عليه، وأحيانًا يحصل الخلل من شيء عارض، مثل حديث يرويه بعضهم، حديث من الأحاديث الصحيحة، لكني نسيته، فدخل ثابت البُناني، ثابت ابن من؟ ما هو بالبُناني، ثابت بن موسى الزاهد، لما رآه المحدث وقد دخل ووجهه كالشمس يتلألأ، قال: (من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار)، فبعض الحاضرين أو فثابت نفسه صار يروي الحديث بالسند الذي ذُكر به الحديث الأول، يظنه من تتمة الحديث.
طالب: "وهذه الأشياء ترجع إلى معنى ما تقدم إذا صح أنها في المواضع المختلف فيها علل حقيقة، فإنه قد يقع الخلاف بسبب الاجتهاد في كونها موجودةً في محل الخلاف، وإذا كان على هذا الوجه فالخلاف مُعتدّ به بخلاف الوجه الأول.
وأما القسم الثاني وهي المسألة التاسعة: فيعرض فيه أن يُعتقد في صاحبه أو يَعتقد هو في نفسه أنه من أهل الاجتهاد، وأن قوله معتد به، وتكون مخالفته تارةً في جزئي، وهو أخف، وتارةً في كلي من كليات الشريعة وأصولها العامة، كانت من أصول الاعتقادات أو الأعمال، فتراه آخذًا ببعض جزئياتها في هدم كلياتها حتى يصير منها إلى ما ظهر له ببادئ رأيه من غير إحاطة بمعانيها ولا راجع رجوع الافتقار إليها، ولا مُسلِّم لما رُوي عنهم في فهمها، ولا راجع إلى الله ورسوله في أمرها كما قال: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59] الآية".
تفضل؟
طالب: بعض ....... فيقع فيها أخطاء كثيرة.
لا شك أن هذا مثل هذا موجود، مثل هذا موجود، ويجب على المفتي أن يتأنى ويفهم السؤال ليطابق جوابه هذا السؤال، لا بد من المطابقة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- في قضايا متعددة يُسأل فيسكت، من أهل العلم من قال إنه ينتظر الوحي، ومنهم من قال إنه ليسن للمفتين التأني وعدم العجلة، وكم سمعنا من الأشياء التي وقع فيها الخطأ الكبير، بل المناقضة للسؤال؛ بسبب التسرع في الإجابة قبل فهم السؤال، واحد يسأل: والد يشتكي من عقوق ابنه وأنه يضربه، وقبل ما يتم السؤال قال: الأدب معروف مقر في الشريعة وأن من أخطأ يؤدَّب، وأنه... هو ظن أن الأب هو الذي يضرب الولد، أن الولد هو الذي يشتكي من ضرب أبيه له، قلب المسألة. ومثل هذا كثير يقع، وسببه العجلة في الجواب التي لا تمكن المفتي من فهم السؤال.
هذه المسألة التاسعة، هذا شخص يعتقد في شخص أنه بلغ مرحلة الاجتهاد، أو يعتقد في نفسه أنه أهل للاجتهاد، فيهجم على المسائل العلمية ويفتي فيها وهو دون ذلك، يقول: "وأن قوله معتد به"، ما دام بلغ مرتبة الاجتهاد فإن قوله يعتد به، "وتكون مخالفته تارة في جزئي" يعني في مسألة جزئية، "وتارة في كلي من كليات الشريعة" لا شك أن الجاهل إذا لم يعرف قدر نفسه وتطاول على الفتيا بغير علم، أنه يقع منه هذه الأمور، وأحيانًا يستعجل في الجواب ثم يبحث ليبرر فتواه، يتبين له الخطأ، ثم يبحث في الأقوال الأخرى، ولعله سُبق في ذلك أو هل من دليل لها، ثم يتبنى المسألة ويتعصب لها وهي في الحقيقة خطأ، وهذا سببه الجهل المركب الذي يعرض نفسه لغضب الله وسخطه، وأن يقول على الله بغير علم، كل هذا ليحفظ مكانته عند الناس ويهدرها عند الله -جل وعلا-: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ} [الزمر: 60]، منهم الذين كذبوا على الله، {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ} [النحل: 116]، هذا من أشد أنواع الكذب. على كل حال، وما أكثر هذا الصنف ممن يتصدرون ويفتون الناس بناءً على ظنهم أنهم بلغوا مرتبة الاجتهاد. لكن إذا شككت، فضلاً عن كونك تعرف من نفسك ما تعرف، السلامة لا يعدلها شيء، وكذلك لو غرك الناس بالثناء الكاذب ورفعوك فوق منزلتك، فلا ينبغي، لا يجوز لك أن تغتر بكلام الناس، وأهم ما عليك نجاة نفسك، فإذا سئلت فتمثل نفسك أمام الله -جل وعلا-. لكن مع كثرة الأسئلة وكثرة الأجوبة والورع خف، بل فُقد في كثير من الأحوال، تجد الإنسان ما يتردد في أن يجيب؛ لئلا تنزل منزلته عند الناس، والله المستعان.
طالب: .......
ماذا؟
طالب: .......
ماذا فيه؟
طالب: .......
في الاعتقاد؟
طالب: نعم.
إذا خالف شيئًا منصوصًا عليه في كتاب الله وسنة نبيه أو أجمع عليه سلف الأمة وأئمتها، هذا أمر.
طالب: .......
لكن لا يلزم أن يُخرج من مسألة واحدة أو بمسائل يسيرة في مقابل الكم الكبير من المسائل.
طالب: .......
يُبدّع منه.
طالب: .......
في مسألة واحدة ما يخالف، وكفَّروا من قال بخلق القرآن وكذا وكذا. أنا أقول مثل هذا في بداية نشوء البدعة؛ من أجل القضاء عليها في مهدها، لكن من يقول: إن الزمخشري كافر وهو يقول بخلق القرآن الآن بعد استقرار الأمور، فيُشدَّد الأمر في بدايته أكثر مما يشدد فيه إذا سرى بين الناس وكثر وتواطئوا عليه وتوارثوه.
المثال الآن الاختلاط في المستشفيات، كل واحد عالم أو جاهل أو كبير أو صغير يدخل المستشفى يرى الممرضة عندها الطبيب والطلاب يتعلمون، هل ينكر هذا أحد؟ لماذا؟ لكن لو صار أو أشيع أنه سيصير بالتعليم، ماذا يصير وضع الناس؟ ليُقضى عليه في مهده، تثور الأمة بكاملها، وهذا هو الواجب. وليس هذا معناه التخفيف من شأن الاختلاط في المستشفيات أو غيرها، لا، لكن هو من باب، بعض الناس يقول: إن هذا مما عمت به البلوى مع أن التصحيح ممكن، والله المستعان.
فإذا قرأت في كتاب السنة لعبد الله ابن الإمام أحمد: كافر كافر، وأبو حنيفة كافر، وفلان كافر، من أجل بدع. الآن هل هناك أحد يستطيع أن يقول مثل هذا الكلام؟ ما يستطيع. ومرد ذلك إلى ما ذكرت: لأنه في بدء نشوء البدع يُشدَّد فيها؛ ليقضى عليها في مهدها، وإذا تتابع الناس عليها، وقلَّد بعضهم بعضًا، وعرفوا، ووصل إليهم من الشبه ما يجعلهم يقولون مثل هذا الكلام يخفف في الأمر.
طالب: أحسن الله إليك. "ويكون الحامل على ذلك بعض الأهواء الكامنة في النفوس، الحاملة على ترك الاهتداء بالدليل الواضح، واطراح النصفة والاعتراف بالعجز فيما لم يصل إليه علم الناظر، ويعين على هذا الجهل بمقاصد الشريعة، وتوهم بلوغ درجة الاجتهاد باستعجال نتيجة الطلب، فإن العاقل قلما يخاطر بنفسه في اقتحام المهالك مع العلم بأنه مُخاطر".
نعم. الأهواء، هوى النفس والشيطان، تحمل على مثل هذا الاقتحام، أولاً لرقة في الدين، ولرخص في الذمم، وعدم نظر في العواقب، وإلا فالأصل أن النصوص في هذا الباب شديدة، وكل متع الدنيا لا تقاوم القول على الله -جل وعلا- في مسألة واحدة، وبعض الناس بدون مقابل يفتي بما يراد من دون مقابل؛ حبًّا للشرف والرياسة والتصدر، وهذه من المهالك، فعلى الإنسان أن يهتم لنفسه ويحتاط لها.
طالب: "وأصل هذا القسم مذكور في قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [آل عمران: 7] الآية، وفي الصحيح أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قرأ هذه الآية، ثم قال: «فإذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه، فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم». والتشابه في القرآن لا يختص بما نصَّ عليه العلماء من الأمور الإلهية الموهمة للتشبيه".
المؤلف في كلامه هذا يرى أن نصوص الصفات من المتشابه؛ لأنها موهمة للتشبيه، وهذا يقول به جمع من أهل العلم، وهو منسوب للإمام مالك. لكن هذا ليس بصحيح؛ لأن معاني هذه الصفات معلومة، وممن نص على ذلك الإمام مالك نفسه: (الاستواء معلوم) يعني معروف المعنى وإن كانت الكيفية مجهولة، (الاستواء معلوم والكيف مجهول)، فمعرفة المعنى تخرجه عن دائرة المتشابه، فليست من المتشابه.
طالب: "ولا العبارات المجملة ولا ما يتعلق بالناسخ والمنسوخ، ولا غير ذلك مما يَذكرون، بل هو من جملة ما يدخل تحت مقتضى الآية".
يعني أن هذه المذكورات داخلة في المتشابه، نصوص الصفات عنده داخلة، العبارات المجملة داخلة في المتشابه، وهي كذلك، إن لم يوجد ما يرجح المراد من المعنى، أن ما يتعلق بالناسخ والمنسوخ، إذا عرفنا الناسخ عرفنا المتأخر أولاً تقرر التعارض بحيث لا يمكن الجمع بوجه من الوجوه، وعرفنا أن المتأخر، حكمنا بالنسخ فلا يكون من المتشابه. لكن الإشكال إذا تقرر التعارض، وعجزنا أن نجمع بين هذه النصوص ولا عرفنا المتقدم من المتأخر فحينئذ نتوقف ونقول من المتشابه.
طالب: "بل هو من جملة ما يدخل تحت مقتضى الآية؛ إذ لا دليل على الحصر، وإنما يذكرون من ذلك ما يذكرون على عادتهم في القصد إلى مجرد التمثيل ببعض الأمثلة الداخلة تحت النصوص الشرعية".
يعني لا يستوعبون الأمثلة، وكل ما يدخل تحت هذا اللفظ من مفردات يمثلون بأمثلة تكون كافية في التوضيح، في توضيح الصورة، ونظير ذلك كتب القواعد: تجد أنها تذكر القاعدة وتذكر لها أمثلة، ولو استوعبت جميع الأمثلة لطال وانقطع الإنسان دون ذلك.
طالب: "فإن الشريعة إذا كان فيها أصل مطرد في أكثرها مقرر واضح في معظمها، ثم جاء بعضَ المواضع فيها".
"بعضُ".
طالب: .......
"بعضَ" أم "بعضُ"؟
طالب: "ثم جاء بعضُ المواضع فيها مما يقتضي ظاهره مخالفة ما اطرد".
نعم. كل قاعدة إلا القواعد الكلية، يعني المقصود القواعد الأغلبية، يوجد أمثلة تخرج عنها، كل قاعدة لها شواذ، ومن قرأ في قواعد ابن رجب وفي الأشباه والنظائر وحتى في قواعد في علوم أخرى لها ما يخرج عنها، قد تكون مطردة في الغالب ثم يوجد بعض الأمثلة مما يخرج عنها حاشا القواعد الكلية.
طالب: .......
كيف؟
طالب: .......
كيف يصير؟ الجزئي هو فرع من ذلك الأصل؟ فرع من ذلك الأصل ما يقال له أصل، لكنه مما يخرج عن هذه القاعدة؛ لأنها ليست كلية، ما فيه إشكال، وكل حكمه المخالف لحكم الأصل.
طالب: .......
ماذا؟
طالب: .......
بدليل صحيح؟
طالب: نعم.......
ما المانع؟
طالب: .......
لا، محكم بدليله؟
طالب: .......
أين؟
طالب: .......
لماذا قال من المتشابهات؟ ما موقفك من هذا المتشابه؟ هذا الجزء؟ ومعك فيه نص صحيح يدل عليه وهو يخرج عن القاعدة المقررة، تتركه باعتبار أنه متشابه؟ لا أبدًا.
طالب: .......
ماذا؟
طالب: .......
لا، باعتبار أنه إن نظرت إلى قاعدته وأصله، نظرت أنه خرج عنها، يعني متردد بين القاعدة والدليل؛ لتردده بين القاعدة والدليل.
طالب: .......
نعم. نعم.
طالب: "فذلك من المعدود في المتشابهات التي يُتقى اتباعها؛ لأن اتباعها مفضٍ إلى ظهور معارضة بينها وبين الأصول المقررة والقواعد المطردة، فإذا اعتمد على الأصول وأرجئ أمر النوادر، ووكلت إلى عالمها أو ردت".
يكون من المتشابه إذا تردد بين قاعدتين بدون دليل مرجِّح، بين أصلين بدون دليل مرجح، حينئذٍ يكون، أما إذا وُجد الدليل فالدليل هو الحكم.
طالب: يعني يا شيخ قول المؤلف مرجوح؟
كيف؟
طالب: قوله هنا مرجوح؟
وهو، العلماء عامة يقدسون القواعد، ولا يخرجون عنها إلا بشيء مثل الشمس، فهو إذا خرجت هذه المسألة عن هذه القاعدة بدليل، يقول: تأكد من الدليل.
طالب: يعني قد يكون الدليل فيه؟
نعم، فيه نظر.
طالب: نعم جزاك الله خيرًا.
نعم.
طالب: "فإذا اعتمد على الأصول وأرجأ أمر النوادر ووكلت إلى عالمها أو رُدت إلى أصولها، فلا ضرر على المكلف المجتهد ولا تعارض في حقه".
يعني إذا توقف مع وجود هذا التعارض ومع وجود هذا التشابه.
طالب: "ودل على ذلك قوله تعالى: {مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ} [آل عمران: 7]، فجعل الحكم -وهو الواضح المعنى الذي لا إشكال فيه ولا اشتباه- هو الأمَّ والأصل المرجوع إليه، ثم قال: {وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [آل عمران: 7]، يريد: وليست بأمٍّ ولا معظَّم، فهي إذًا قلائل".
"ولا مُعْظَم"، يعني ليست كثيرة.
طالب: نعم، أحسن الله إليك. "يريد: وليست بأمٍّ ولا مُعظَم، فهي إذًا قلائل، ثم أخبر أن اتباع المتشابه منها شأن أهل الزيغ والضلال عن الحق والميل عن الجادة، وأما الراسخون في العلم، فليسوا كذلك، وما ذاك إلا باتباعهم أمَّ الكتاب وتركهم الاتباع للمتشابه، وأمُّ الكتاب يعم ما هو من الأصول".
والتشابه الذي لا يوجد له حل قليل جدًّا، وإذا وكله المكلف أو المجتهد إلى عالمه ومنزله فما يضيره هذا، يعني ما يضير المفسر إذا مر بالحروف المقطعة، وما الذي يفوته إذا قال: الله أعلم بمراده؟ ما الذي يفوته من العلم؟
طالب: "وأمُّ الكتاب يعم ما هو من الأصول الاعتقادية أو العملية؛ إذ لم يخص الكتاب ذلك ولا السنة، بل ثبت في الصحيح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «افترقت اليهود على إحدى أو اثنتين وسبعين فرقةً، وتفترق النصارى على إحدى أو اثنين وسبعين فرقةً، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة». وفي الترمذي تفسير هذا بإسناد غريب عن غير أبي هريرة، فقال في حديثه: «وإن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملةً، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملةً، كلهم في النار إلا ملةً واحدةً». قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: «ما أنا عليه وأصحابي». والذي عليه النبي وأصحابه ظاهر في الأصول الاعتقادية والعملية على الجملة".
بعض أهل الحديث يُضعف آخر الخبر: «كلهم في النار إلا واحدة» ثم تفسير المراد بذلك، لكن من أهل العلم من صحَّحه بمجموع طرقه، وله وجه في التصحيح، فُسرت الفرقة الناجية بالجماعة على ما سيأتي، والجماعة هم الذين على ما كان عليه النبي -عليه الصلاة والسلام- ولو واحد.
طالب: .......
«ستفترق»: فيما بعد يعني الثلاثة والسبعين وجدت في عصره أم ستوجد؟
طالب: ستوجد.
ستوجد، و«ستفترق»، نعم.
طالب: .......
نعم، تفترق يعني في المستقبل.
طالب: "والذي عليه النبي وأصحابه ظاهر في الأصول الاعتقادية والعملية على الجملة، لم يُخص من ذلك شيء دون شيء. وفي أبي داود: «وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين؛ ثنتان وسبعون في النار، وواحدة في الجنة وهي الجماعة»، وهي بمعنى الرواية التي قبلها. وقد رُوي ما يبين هذا المعنى، ذكره ابن عبد البر".
رواية أبي داود تشهد للروايات السابقة عند الترمذي، ويرتفع عنها الضعف بالمجموع.
طالب: "ذكره ابن عبد البر بسند لم يرضه، وإن كان غيره قد هوَّن الأمر فيه، أنه قال: «ستفترق أمتي على بضع وسبعين فرقةً، أعظمها فتنةً الذين يقيسون الأمور برأيهم فيحلون الحرام ويحرمون الحلال»، فهذا نص على دخول الأصول العملية تحت قوله: «ما أنا عليه وأصحابي»".
ولكن هذه الرواية ضعيفة عند أهل العلم.
طالب: "وهو ظاهر، فإن المخالف في أصول من أصول".
"في أصل"، "في أصل".
طالب: "فإن المخالف في أصل من أصول الشريعة العملية لا يقصر عن المخالف في أصل من الأصول الاعتقادية في هدم القواعد الشرعية".
جمع من أهل العلم يرون أن الخلاف في الفروع أخف من الخلاف في الأصول، باعتبار أن الخلاف في الفروع وُجد بين الصحابة، بخلاف المخالفة في الأصول، فالصحابة اتفقوا على أصول الاعتقاد، واختلفوا في كثير من مسائل الصلاة والصيام والحج والمعاملات، فرأوا أن هذا أخف. ومنهم من يرى أنه لا فرق بين مخالفة الدليل الثابت، سواء كان متضمنًا لمسألة اعتقادية أو فرعية، وشيخ الإسلام يميل إلى هذا باعتبار أنك خالفت حكم الله -جل وعلا-، بغض النظر عن موضوع هذا الحكم.
طالب: .......
نعم.
طالب: .......
المعاملات والعبادات وغيرها.
طالب: .......
نعم.
يا رب يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك.
"