كتاب بدء الوحي (028)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمدٍ، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد:

فيقول الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ: أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنَ الوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ ".

عائشة -رضي الله تعالى عنها- التي تروي لنا هذه القصة قالت: " أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ "، ظاهر السياق أنها قطعًا ما أدركت القصة، عائشة لم تدرك القصة قطعًا، وظاهر السياق أنه من قولها، قالت: "أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-"، فعلى هذا يكون الخبر من مراسيل الصحابة، من مراسيل الصحابة، وما يرويه الصحابي مما لم يسمعه أو لم يدركه إما لصغر سنه؛ كما هنا، وكما في روايات ابن عباس وابن الزبير والحسن والحسين وغيرهم من صغار الصحابة مما لم يدركوا لصغر سنه، أو لغيبته أثناء التحديث بالخبر من قبله -عليه الصلاة والسلام-، أو لتأخر إسلامه؛ كما لو روى لنا أبو هريرة مثل هذا الحديث نجزم بأن أبا هريرة لم يسلم في ذلك الوقت؛ لأنه أسلم عام خيبر سنة سبع، وعائشة وُلدت بعد البعثة، بعد هذا الخبر.

المقصود أن مثل هذا الخبر عند أهل العلم يُسمى مرسل صحابي، ومراسيل الصحابة عند عامة أهل العلم موصولة لها حكم الوصل.

أما الذي أرسله الصحابي

 

فحكمه الوصل على الصواب

ونُقل عليه الاتفاق أنها مقبولة كالموصولات، وإلا فماذا عما يرويه حبر الأمة وترجمان القرآن عن النبي -عليه الصلاة والسلام- مباشرة، كثير منه لم يسمعه حتى قال الغزالي: إنه لم يسمع من النبي -عليه الصلاة والسلام- إلا أربعة أحاديث، وما يرويه عنه -عليه الصلاة والسلام- إنما هو بواسطة، لكن هذا الكلام ليس بصحيح؛ لقربه من النبي -عليه الصلاة والسلام-، وحفظه عنه، فشاهده ولازمه رغم صغر سنه، ورواية الصبي مقبولة في حال التحمل، وإن كانت غير مقبولة في حال الأداء، ولذا يقول الحافظ ابن حجر: إنه جمع ما وقع له لابن عباس مما صرح فيه بالسماع فبلغت أربعين بين صحيح وحسن.

عائشة -رضي الله عنها- تقول: "أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-" تتحدث عن قصةٍ لم تدركها، فهذه القصة لم تدركها، فهي من مراسيل الصحابة.

هذا ما يدل عليه السياق، لكن في الخبر مثلاً في مثل قوله: "«فَغَطَّنِي»" قال: "«فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي»"، قال، من القائل؟ الرسول -عليه الصلاة والسلام-، فإذا كانت تروي القصة عن صاحبها ومن وقعت له، فهي موصولة أم غير موصولة؟ موصولة.

طالب:......

نعم؟

طالب:......

أنه موصول؟ نعم، هذا يكاد يكون نصًّا، قال: "قَالَ: «مَا أَنَا بِقَارِئٍ»، قَالَ: «فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي»"، القائل هو الرسول -عليه الصلاة والسلام- قطعًا، لكن من المخبَر؟ هي ما قالت: قال لي، "قَالَ: «فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي»"، هذا الاحتمال قائم، لكن الرواية بالقول من المدرِك، ممن حصل له اللقاء ولم يُعرف بالتدليس محمول على الاتصال، محمول على الاتصال كالعنعنة، فالذي يظهر أنها تروي القصة عن النبي -عليه الصلاة والسلام- وإن لم تنسبها إليه في أول الأمر، لكن في قوله: "قَالَ: «فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي»"؛ لأنها ترويها عنه -عليه الصلاة والسلام-، فيكون حينئذ الخبر موصولاً.

وعلى كل حال؛ سواء كان موصولاً أو روته بواسطة، فالكل مقطوع مجزوم بصحته.

يقول العيني: لما لا يجوز أن يكون هذا بطريق الحكاية عن غيره -عليه الصلاة والسلام-، فلا يكون سماعها منه -عليه الصلاة والسلام-؟ على كل تقدير، فالحديث في حكم المتصل المسند.

يعني سواء قلنا: إنها سمعته منه -عليه الصلاة والسلام-، أو من غيره وأرسلت، حذفت الواسطة، فأقل الأحوال أن يقال: مرسل صحابي.

"أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنَ الوَحْيِ"، أول ما بدئ به من الوحي، بدئ -بضم الموحدة وكسر الدال- بُدِئ، وتقدم في الترجمة بدء -بالهمز- من البداية، وهي الأولية، "أَوَّلُ مَا بُدِئَ" يمكن أن يستغنى بأحدهما عن الآخر؟ البداية تكون في أول الشيء، عندنا "أَوَّلُ مَا بُدِئَ

طالب:......

نعم، طيب إذا قلنا: الحديث عن المنافقين في سورة البقرة أول السورة، أو نقول: في أوائل السورة؟

طالب: في أوائل.

إنما أولها {الم} [البقرة: 1]، لكن أوائلها ما يشمل الحديث عن المؤمنين والكفار والمنافقين، هذا أوائل السورة، عندنا "أَوَّلُ مَا بُدِئَ" يعني هل نقول: إن البداية تفسير الأولية؛ لأن البداية مطابقة للأولية أو نقول: إن البداية فيها شيء من السعة لها أول ولها نهاية، فأولها كذا؟ لأنه قد يُعبر بلفظين قريبين من الترادف، لكن الترادف بمعنى التطابق من كل وجهٍ في اللغة نفاه كثير من أهل العلم، وإن أثبته الأكثر.

هنا الأولية قريبة من البداية، الذي يقول بالترادف يقول: مترادفة، البداية والأولية، الآن لما يقول الرسول -عليه الصلاة والسلام-: «أبدأ بما بدأ الله به» {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158]، الآن البداية بالصفا، صح أم لا؟ لكن هل هي أول الآية؟ أو {إِنَّ} أول الآية؟ نعم، هنا يتضح الفرق أم ما يتضح؟ فتكون البداية فيها سعة، وأولها هو أول ما يُذكر فيها.

هناك ألفاظ أحيانًا تشكل ويورد عليها إشكالات مثل: {دَنَا فَتَدَلَّى} [النجم: 8]، {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى} [النجم: 8]، العطف بالفاء يقتضي المغايرة بين الدنو والتدلي، لكن هل هناك مغايرة؟ أو الأولى أن يُقال، أو من حيث الترتيب: تدلى فدنى؟ أو نقول: هما مترادفان وبأيهما بُدئ حصل المقصود؟ الفاء تدل على الترتيب، لكن هل الدنو قبل التدلي أو بعده؟ نعم، بعده، لكن إذا قلنا: إنهما مترادفان ما حصل إشكال.

وأنا أذكر مثالً في هذه المناسبة يوضح لعلكم سمعتموه مرارًا، يعني هل فيه فرق أن يقال: اربط حزام الأمان أو احزم رباط الأمان؟ للتقارب بين اللفظين، هل فيه فرق أم ما فيه فرق؟ ما فيه فرق، وهنا لتقارب اللفظين يكون ما فيه فرق.

بعضهم يقول: إن هذا من المقدم والمؤخر، وفي القرآن ما يُعرف بالمقدَّم والمؤخَّر، وهو أسلوب معروف في لغة العرب.

نعود إلى ما عندنا: الأولية هنا أولية مطلقة أم أولية نسبية "أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنَ الوَحْيِ الرُّؤْيَا مطلقة.

طالب:......

نعم.

طالب:......

نعم، الأولية مطلقة لوجود "أَوَّلُ مَا بُدِئَ"، يعني ليس قبله شيء، يعني هل هناك وحي من أنواع الوحي ولو كان بالإلهام قبل الرؤيا؟ لم يكن شيء من ذلك.

هل الحديث مناسب للترجمة أو فيه بُعْد؟ مطابقة، مطابقة تامة، ترجمة يقول: "كَيْفَ كَانَ بَدْءُ الوَحْيِ إِلَى رَسُولِ اللَّهﷺ"، والحديث " أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنَ الوَحْيِ ".

" مِنَ الوَحْيِ " من هذه قالوا: يحتمل أن تكون تبعيضية أي من أقسام الوحي، فالرؤية الصالحة الصادقة قسم وبعض من الوحي، فهي تبعيضية، قالوا: ويحتمل أن تكون بيانية، ورجحه القزاز، القزاز من أئمة اللغة له كتاب اسمه الجامع، لم يُطبع بعد، لكن الشراح والمفسرون يكثرون النقل عنه، وهو إمام من أئمة اللغة.

ما الفرق بين التبعيضية والبيانية؟

طالب:......

لا، أول ما بُدئ من، هذا القسم من أقسام الوحي، لا، مطلقة، لا، قلنا: تبعيض، هذا القسم من أقسام الوحي وهو الرؤيا الصالحة هو أول الأقسام وجودًا مطلقًا، ما فيه إشكال.

تبعيضية أو بيانية؟ {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ} [الحج: 30]؟

طالب: تبعيضية هذه.

هذه بيانية.

«التمس خاتمًا ولو من حديد»، خاتم من حديد بيانية.

وهناك شوب بعضية، هنا فيه شوب بعضية، وفي بعض المواطن يلتبس الأمر؛ لتقارب الأمرين.

{وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ} [الإسراء: 82]، {مِنَ القُرْآنِ} بيانية أم تبعيضية؟ هدى، كونه هدى هذا، هذا ما فيه إشكال إنه كله هدى، لكن كونه شفاءً، كله شفاء؟

طالب:......

نعم، لكن كون الكلام على الشفاء، هل القرآن كله شفاء فتكون بيانية أو منه ما هو شفاء يستشفى به؟

طالب: {شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ} [النحل: 69].

يعني هل هو كله شفاء؟ يعني إذا جاءك مريض تقرأ أيما شئت من ألفاظ القرآن؟ المقصود أن دخول أمراض الأبدان دخول أولي، فهل نستشفي به، بجميعه أو ببعضه، فنقول: من القرآن ما هو شفاء، ومنه ما هو أحكام، ومنه ما هو قصص، ومنه ما هو ... إلى آخره، أداب.

طالب:......

إنها رقية، الفاتحة، نعم.

طالب: {هُدًى وَشِفَاءٌ} [فصلت: 44].

{هُدًى وَشِفَاءٌ} [فصلت: 44] لكن الشفاء أعم من أن يكون للأبدان، يعني لو جاءك مريض تقرأ عليه {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38]، {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} [المسد: 1]، وما أشبه ذلك، تقرأ أم ما تقرأ؟ وتقول: قم خلاص يعافيك الله.

كونه شفاء قلوب، وشفاءً لأمراض القلوب هذا كله ما فيه إشكال، لكن الكلام في أمراض الأبدان، وهذا محل نظر عند أهل العلم، يعني معناه إنك تقرأ أيما اتفق حتى أن بعضهم ممن يُفتي الآن يقول: لا تقرأ سورة البقرة كاملة على المريض، ما علاقة قصة البقرة بالمرض؟ علاقة آية الدين بالمرض؟

طالب: سورة البقرة مخصوصة بدليلها الخاص، لكن كونه، كون {مِنَ القُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ} [الإسراء: 82] بيانية أو تبعيضية فيه استنباط من فعل النبي ﷺ، وأن النبي ﷺ اقتصر في رقيته على بعض الآيات، اختار مواطن من القرآن.

لكن هل هذا توقيف؟ كون النبي -عليه الصلاة والسلام- قرأ المعوذتين، وكون أبي سعيد قرأ الفاتحة على اللديغ، وأقره النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا توقيف أو من باب «اعرضوا عليَّ رقاكم»، لو قرأ بغيرها مما يُناسب؟ وهل الاقتصار على آيات معينة لأمراض معينة يحتاج إلى دليل أو لا يحتاج؟ أو هو التجربة كافية في هذا؟

طالب: التجربة يا شيخ، عدم الدليل...

معناه أن الأمر فيه سعة، فإذا جُربت هذه الآيات في هذا المرض على وجه الخصوص ونفعت لا مانع التزامها.

طالب: ..........

نعم، هذا مناسب جدًّا، الكلام ماذا عليه؟ على أن {مِنَ} [الإسراء: 82] هذه تبعيضية فلا نقرأ جميع القرآن على المرضى، أو ننتقي آيات مناسبة، أو لا نقول: لا ننتقي، ما دام كله شفاء، {مِنَ} [الإسراء: 82] بيانية هذه، إذا جاءنا مريض مثل ما ذكرنا ذات مرة واحد من الإخوان النصحة دُعي إلى رقية شخص معروف بارتكاب الفواحش، وفي المستشفى مريض، قال: يا إخوان أنا الأفضل عندي أن الله، إنه ما يُشفى، ما يتعافى، ما يُشفى، قال: يا ابن الحلال احتسب ولعل الله يهديه وما أدري أيش، المهم إنه جيء به فقرأ {وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ} [الفرقان: 68]، يكرر، {وَلاَ يَزْنُونَ} [الفرقان: 68]، وينفث عليه، وشرب الخمر، ثم أتى بالمنكرات التي يعرفها عن هذا الشخص، هل هذا من باب الرقية أم من باب الدعوة؟

طالب: من باب الدعوة والنصيحة.

ما أحد يقول: إن هذه رقية، لا يوجد ما يقول: إن هذه رقية بحال، إنما هي دعوة، وعلى هذا؛ فالواضح الظاهر أن {مِنَ} [الإسراء: 82] هنا تبعيضية، فمن القرآن ما هو شفاء يعني للأبدان، أما شفاء القلوب هذا متفق عليه، تتناوله الآيات الأخرى، فكله شفاء للقلوب.

طالب:......

سمعنا من يقول هذا الكلام حتى في الوسائل شُهرت ونُشرت، أنه يقول: ما فيه ما يدل على أن البقرة تُقرأ على المريض، ولا على قتل المرض، أي مرض كان بآية الدين، ولا بقصة البقرة، ولا بغير ذلك آيات الربا، وآيات، ما العلاقة بالمرض؟

طالب:......

أمراض البدن، نعم.

طالب:......

أن العلاقة بين أمراض الأبدان والأمراض النفسية علاقة مطردة، يعني إذا تأثرت النفس ومرضت النفس بلا شك البدن يتأثر....

العلاقة البعيدة دعنا منها، لكن الكلام على القرب، إن كسرت يده اقرأ عليها سورة تبت، هذا السؤال يعني.

سؤال: لو جاءك رجل كسير تقرأ عليه سورة تبت أم لا؟ أنت؟

طالب: ما المشكلة؟

{تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} [ المسد: 1]، {وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ} [ الهمزة: 1]؟

طالب:......

كلام أهل العلم هذا، ما جيء به من فراغ، لكن الكلام على {مِنَ} [الإسراء: 82] هذه بيانية أم تبعيضية، والخلاف معروف عند أهل العلم.

طالب:......

كيف؟ لا، لا، موجود، موجود، كلام معروف ومعتبر عند أهل العلم، ومعناه ظاهر يعني، هل كل القرآن أحكام؟ هل كله قصص؟ هل كله مواعظ؟ منه هذا، ومنه هذا، ومنه هذا، ما فيه ما يمنع يا أخي.

طالب: عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لما جاءته امرأة عندها ناقة جرباء، وتدعو الله- عز وجل-، قال: هلا جعلتها مع الدعاء شيئًا من القرآن، من باب الأخذ بالسبب؛ لأنه مثل ما ذكرت أنت هل المقصود .....

هو هذا سبب من الأسباب، الرقية سبب، الرقية سبب من الأسباب، وهي في الأصل دعاء، هي في الأصل دعاء أن يشفي الله هذا المريض، وتوسل بهذه الآيات.

طالب: ..........

كيف؟

طالب:......

على كل حال؛ تجاوز هذه المسألة بدون...

قال: يحتمل أن تكون " مِنَ "، " مِنَ الوَحْيِ " تبعيضية، أي: من أقسام الوحي، ويحتمل أن تكون بيانية، ورجحه القزاز.

وفي التوضيح لابن الملقن قال: في " مِنَ " هنا قولان أحدهما: أنها لبيان الجنس، وثانيهما: أنها للتبعيض. قال القزاز بالأول؛ كأنها قالت: من جنس الوحي، وليست الرؤية من الوحي حتى تكون من للتبعيض، ورده القاضي، بل وقال: بل يجوز أن تكون للتبعيض؛ لأنها من الوحي؛ كما جاء أنها جزء من النبوة، «جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة».

و" الوَحْيِ " تقدم تعريفه في شرح الترجمة.

و" الرُّؤْيَا " فُعلى كحُبلى، مصدر رأى، وجمعها رؤى، والفعل رأى له مصادر، لفظه واحد رأى، ومصادره مختلفة الألفاظ تبعًا لاختلاف المعاني، مختلفة الألفاظ تبعًا لاختلاف المعاني، ففي النوم: رأى المصدر رؤيا، وفي البصر: رأى رؤيةً، رأى رؤية، وفي العلم: رأى رأيًا، رأى رأيًا، تقول: هذا رأي مالك، هذا رأي أحمد، وهذا رأي الشافعي، وهكذا، ما تقول: هذه رؤية الشافعي، هي تستعمل الآن استعمالًا دارج بين المثقفين، رؤية فلان كذا واضحة، يعني رأيه، المقصود أن في الأصل أن ما كان في العلم يُقال له: رأي، وليس المراد بالرأي هنا المقابل للنص والأثر؛ لأنه يُطلق الرأي بما هو أعم مما يقابل الأثر، يقول: هؤلاء أهل الأثر، وهؤلاء أهل الرأي، لكن قد يُطلق على الحكم المستنبط من النص رأيًا؛ لأن للرأي فيه مجال، للاستنباط فيه مجال، هذا إذا كان فيه شوب فيه مدخل للعقل والاستنباط، هذا يمكن أن يقال له رأي، لكن إذا كانت الفتوى بنص، هل نقول: إنها رأي مالك؟ لا.

طالب: ...

دلالة واضحة، سئل فأجاب بآية، أجاب بآية ما زاد ولا نقص، هذا لا يقال له: رأي، عكس ما ينتحله بعض المعاصرين من قوله في كتاب مطبوع: أنت تسأل والإسلام يجيب، أنت تسأل والإسلام يجيب، وأجوبة عقلية، كثير منها لا تستند إلى أصل، إنما مجرد اجتهادات، يقول: أنت تسأل والإسلام يجيب، والله المستعان.

"الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ"، وفي كتاب التعبير، وصحيح مسلم: الصادقة، الصادقة، يقول ابن حجر: وهما بمعنًى واحد، الصالحة والصادقة بمعنًى واحد بالنسبة إلى أمور الآخرة في حق الأنبياء، رؤاهم صالحة وصادقة، هذا بالنسبة لرؤى الأنبياء، وأما بالنسبة إلى أمور الدنيا، ننتبه لهذا الكلام، وأما بالنسبة إلى أمور الدنيا فالصالحة في الأصل أخص، فرؤيا الأنبياء كلها صادقة، كلها صادقة، يعني أنها مطابقة للواقع، تأويلها مطابق، وقد تكون صالحة، وهي الأكثر، وغير صالحة بالنسبة للدنيا؛ كما وقع يوم أحد، ما الذي وقع يوم أحد؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- رأى بقرًا تُنحر، رأى بقرًا تُنحر، هذه رؤيا صادقة؛ لأن تأويلها من يُقتل من الصحابة-رضوان الله عليهم- من الشهداء، لكن هل هي صالحة أم غير صالحة؟ بالنسبة لتقدير الناس في أمور الدنيا القتل ليس بخير، لكن بالنسبة لأمر الآخر الشهادة خير، فهي صالحة وصادقة بالنسبة لأمر الآخرة، صادقة غير صالحة بالنسبة لتقدير الناس في أمر الدنيا.

وأما بالنسبة لرؤيا غير الأنبياء، أو رؤى غير الأنبياء فبينهما عموم وخصوص، إن فسرنا الصادقة بأنها التي لا تحتاج إلى تعبير، وأما إن فسرناها بأنها غير الأضغاث فالصالحة أخص مطلقًا، وأما رؤى غير الأنبياء فبينهما عموم وخصوص، إن فسرنا الصادقة بأنها التي لا تحتاج إلى تعبير، فالصالحة حينئذ تكون أعم من الصادقة، وأما إن فسرناها يعني الصادقة بأنها غير الأضغاث فالصالحة أخص مطلقًا، أخص مطلقًا، تكون صادقة، وفي نفس الوقت يكون فيها خير للرائي.

"الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِي النَّوْمِ"، رؤيا صالحة في النوم، نحتاج إلى كلمة " فِي النَّوْمِ "؟ ما يكفي أن يقال: "الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ"؟

طالب:......

يعني تصريح بما هو مجرد توضيح، يعني تصريح بما هو مجرد توضيح، {وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} [الأنعام: 38]، هل فيه طائر يطير بغير جناحيه؟ يعني تصريح بما هو مجرد توضيح.

قال ماذا؟ " فِي النَّوْمِ " ذُكر لزيادة الإيضاح والبيان أو لدفع وهم من يتوهم أن الرؤيا تُطلق على رؤية العين، فهي صفة موضحة، أو لأن غيرها يُسمى حُلمًا، يُسمى حلمًا.

لكن هل إخراج الحلم غير الرؤيا الصالحة يكون في غير النوم؟ لا، طيب.

بعض الناس من أصحاب الشطحات من الصوفية والمكاشفات يرون ما يراه الصالحون في النوم، يرونه في اليقظة هم، يزعمون أنهم يرونه في اليقظة على حد زعمهم، وقد يتراءى لهم شياطين بصفات أولئك الصالحين الذين يزعمون أنهم رأوهم في النوم، هذا كثير في أخبارهم، يعني من قرأ في طبقاتهم الذين يسمون الأولياء يرى، يرى العجب، كيف تمشي هذه على عقول أناس من الأذكياء لهم نصيب من العلم ومن العبادة، ومع ذلك تنطلي عليهم هذه الأمور، وللسيوطي كتاب اسمه إضاءة الحلك في إمكان رؤية النبي والمَلَك، يعني في اليقظة، كثيرًا ما يزعم أنه النبي -عليه الصلاة والسلام- في اليقظة، وأنه سأله عن بعض الأحاديث، فيصحح له ويضعف.

 الرسول -عليه الصلاة والسلام- قد مات بالنص القطعي وبإجماع الأمة، {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ} [الزمر: 30]، هذا النص، والرؤية البصرية لا تكون إلا للحي، هو الذي يمكن رؤيته، أما الميت فلا يمكن رؤيته إلا بنبش قبره والاطلاع عليه، نعم الرسول -عليه الصلاة والسلام- حياته في قبره أكمل من حياة الشهداء، لكنها حياة برزخية تختلف عن حياة الأحياء الذين ما زالت أرواحهم في أبدانهم، هذا محل إجماع، ونسمع من الخرافات والشطحات والكلام الذي لا يقبله عقل، ولا يسنده نقل عن بعض المتصوفة، وفي طبقاتهم أشياء يعني تعجب منها، تصرفات ودعاوى يعجب منها العاقل، لا تمشي ولا على الصبيان، من بعضها يضحك المجانين، ومع ذلك يزعمون أنهم أهل الولاية، ومع ذلك من تبعهم يهدد من يقول مثل هذا الكلام بأنه قد عادى لله وليًّا، فيخشى عليه من العقوبة.

يعني تكلمنا مرارًا عن رؤوس المبتدعة من الصوفية الغلاة، فيأتي من يقول: أنت تدخل في حديث: «من عادى لي وليًّا»، فيخشى عليك من أن يتسلط عليك هذا الولي؛ لأن هذا الولي- الحمد لله- ميت، وما منه ضرر -إن شاء الله-.

ثم بعد ذلك نذكر من أقوالهم الشيء الذي يتعجب منه الإنسان العادي، المصادم لنصوص الكتاب والسنة، يعني حينما يقول ابن عربي: ألا بذكر الله تزداد الذنوب، وتنطمس البصائر والقلوب، يعني هذا يمكن أن يقوله عاقل؟ ترى من الأذكياء، من النوابغ ابن عربي، ليس بالإنسان العادي من حيث العقل المجرد، لكن العقل إذا لم يكن قياده بالكتاب والسنة يضل، يضل، ومع ذلك ولي يُرجى نفعه، ويُخشى شره، ويُطاف به، ويُتقرب إليه من دون الله -جل وعلا-، نسأل الله السلامة والعافية.

هذه الرؤيا الصالحة كانت مدتها فيما حكاه البيهقي وغيره ستة أشهر، ستة أشهر، وحينئذ يكون ابتداء النبوة بالرؤيا حصل على رأس الأربعين من عمره في شهر ربيع الأول؛ لأن الولادة بالاتفاق في شهر ربيع الأول، وبُعث النبي -عليه الصلاة والسلام- على رأس الأربعين، والقرآن أُنزل في رمضان، يعني يكون بعثه على رأس أربعين وستة أشهر، هذه الستة أشهر هذه هي مدة الرؤيا الصالحة، فيكون ابتداء الرؤيا، النبوة بالرؤيا حصل في شهر ربيع، وهو شهر مولده، وبهذا يُعلم كون الرؤيا جزءًا من ستة وأربعين جزءًا من النبوة، يعني إذا كان مدة النبوة ثلاثًا وعشرين سنةً، والرؤيا ستة أشهر، تكون نسبتها واحدًا على ستة وأربعين من المدة، واحدًا على ستة وأربعين من المدة، فتكون جزءًا من ستة وأربعين جزءًا من النبوة، وبعد الستة الأشهر نزل القرآن في رمضان كما في قول الله -جل وعلا-: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ القُرْآنُ} [البقرة: 185]، وذلك في ليلة القدر منه؛ كما في قوله -جل وعلا-: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ} [ القدر: 1].

 وذلك إما أن يكون ابتداء التنزيل في رمضان، ابتداء التنزيل في رمضان، أو إنزاله جملةً من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا؛ كما صح عن ابن عباس -رضي الله عنهما-، ثم بعد ذلك نزل به جبريل للنبي -عليه الصلاة والسلام- منجمًا.

طالب:......

كيف؟

طالب: ......

لا، هم يطردون أن المولد والوفاة اثنى عشر، في الثاني عشر.

طالب:......

مع أن المرجَّح عند كثير من المحققين أن الولادة في الثامن، والوفاة في الثاني؛ لأنه إذا كان الوقوف بعرفة في حجة الوداع يوم الجمعة يستحيل أن تكون الوفاة في يوم الاثنين، في يوم الاثنين، لكن يستحيل أن يكون هذا الاثنين هو الثاني عشر من ربيع، وفي هذا كلام كثير ذكرناه في شرح الألفية لأهل العلم، حتى قال من قال: نعم، يستحيل لو كانت رؤية أهل المدينة لهلال ذي الحجة التي حج فيها النبي -عليه الصلاة والسلام- موافقة لرؤية أهل مكة، فأهل مكة رأوا الهلال ليلة الخميس لتكون الوقفة في الجمعة، وأهل المدينة رأوه ليلة الجمعة لتكون الوفاة يوم الاثنين في الثاني عشر، وهذا تكلف، ليس بينهما من المسافة ما يؤهل لاختلاف المطلع.

" فَكَانَ لاَ يَرَى رُؤْيَا "، كان -عليه الصلاة والسلام- لا يرى رؤيا " إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ"، وفلق الصبح ضياؤه، ومثله: فَرَق -بالراء-، و" مِثْلَ " نصب على الحال، أي مشبهة ضياء الصبح، أو على أنه صفة لمحذوف، أي جاءت مجيئًا مثل فلق الصبح.

ووجه الشبه بين الرؤيا وفلق الصبح الوضوح، الوضوح والظهور، وذلك كرؤياه -عليه الصلاة والسلام- دخول المسجد الحرام في قوله -جل وعلا-: {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ المَسْجِدَ الحَرَامَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لاَ تَخَافُونَ} [الفتح: 27].

بعضهم استروح ومال واستنبط من قوله: " مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ " إنه الرؤيا في المنام في غير نوم الليل الذي يعقبه الصبح كلها أضغاث، فلا تكون رؤيا صالحة إلا إذا كان يعقبها صبح، هذا الاستنباط متجه أم غير متجه؟ يعني هل التشبيه له ارتباط بالصبح، فلق الصبح بالنسبة لليلة التي قبله أو أن المراد وجه الشبه هو الوضوح من غير ارتباط بزمن معين؟

طالب:......

يعني هل يُقال: إن من نام الضحى أو نام الظهر أو نام العصر فرأى رؤيا صادقة صالحة جاءت مثل فلق الصبح، يجيء يقول لك قائل: والله ما يعقبها، ما يعقبه صبح، النوم هذا ما يعقبه صبح، لكن هل هناك ارتباط بين الرؤيا التي يعقبها الصبح بين المشبه والمشبه به؟ هناك ارتباط بين الصبح، أن يكون بعد الرؤيا صبح، هل من لازم التشبيه بفلق الصبح أن يكون بعد الرؤيا صبح؟ ما فيه ما يدل على هذا، ولا أعرف من قال به من أهل العلم المعروفين، لكن هذا مجرد ميل من بعض الطلاب، من طالب علم ذكر لي هذا الكلام، يقول: هل يمكن أن يؤخذ من هذا أن الرؤيا إذا كانت في منام، في نوم من، في النهار الذي لا يعقبه صبح، يعقبه مساء، هل يمكن أن يستنبط من الحديث أنها تكون غير صادقة ولا صالحة؟ وأن الصالحة خاصة تكون بالليل الذي يعقبه الصبح متى ما يظهر؟ نعم، هذا حاصل يحصل إلى يومنا هذا، إلى يومنا هذا وأنه يحصل رؤى في النهار وتكون واضحة التعبير، أحيانًا قد لا تحتاج إلى تعبير.

طالب:......

كيف؟

طالب:......

نعم، لكن يقول: مثل فلق الصبح يعني الذي يعقب هذا النوم، فإذا كان النوم بالنهار لا يعقبه صبح، هو كأن الرجل هجم ذهنه هذا الاستنباط، وإلا لو تأمل في اللفظ ما فيه ما يدل.

قال القاضي عياض وغيره: إنما ابتدئ به، إنما ابتدئ ﷺ بالرؤيا؛ لئلا يفجأه الملك ويأتيه بصريح النبوة، فلا تحتمله قوى البشرية.

يعني كأنها توطئة وإرهاص للنبوة التي تكون بواسطة الملك بإنزال القرآن؛ لأن الشيء الغريب قد لا تحتمله قوى البشر، يعني لو أنت جالس وعندك جماد أو حيوان، ثم فجأة تكلم قال: يا فلان افعل كذا، قد تنهار، والناس يختلفون في احتمالهم مثل هذه التصرفات، فكيف بأمر لا يُطاق؟ ملك يسد الأفق ستمائة جناح، عندك أدنى شيء، شيء صغير يتكلم معاك، عندك طفل في المهد، ولدك وقال: يا أبتِ افعل كذا، أو اترك كذا، تتمنى أن يموت؛ لئلا تصاب بشيء منه؛ لأن قوى البشر ما تحتمل هذه الأمور التي هي غير معتادة، فكيف إذا نزل الملك دفعة واحدة وفجأة، هذا لا تحتمله قوى البشر.

يقول: وإنما ابتدئ ﷺ بالرؤيا؛ لئلا يفجأه الملك ويأتيه بصريح النبوة، فلا تحتمله قوى البشرية، فبدئ بأوائل خصال النبوة وتباشير الكرامة من صدق الرؤيا مع سماع الصوت وغيره، أحيانًا يسمع من يناديه: يا محمد، يا محمد، يعني المسألة بالتدريج، مثل هذه الأمور يحتملها البشر بالتدريج، فإذا تكررت هان عليه الأمر.

طالب:......

لكل ظرف ما يناسبه، كل ظرف له ما يناسبه، وهذا التماس من أهل العلم، ما يلزم أن يكون مطابقًا مائة بالمائة، لكنه التماس وجيه، التماس وجيه.

طالب:......

لا يلزم منها أن تكون، أولاً: الخبر جاء النص على أنها جزء من النبوة، فهي وحي، وهي إعلام في خفاء ليست في ظهور، وهذه حقيقة الوحي.

طالب:......

ستة وأربعين أصح.

طالب:......

على كل حال؛ لا بد من توجيهها، إذا كانت في مسلم لا بد من توجيهها. ماذا قال الشراح؟ راجعت النووي؟

طالب: لا.

لا، راجعه.

قال: "ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الخَلاَءُ"، "ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الخَلاَءُ".

الخلاء -بالمد- مصدر بمعنى الخلوة، الخلوة، وهي الاختلاء، وبُني حُبب لما لم يسم فاعله لعدم تحقق الباعث، لعدم تحقق الباعث، يعني من الذي حبّب إليه، ما الذي حبّب إليه الخلاء؟ لأن الفعل يُبنى للمجهول إما للعلم به، {خُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً} [النساء: 28]، أو للجهل به؛ كما في قول: سُرِق المتاع مثلاً، هنا " حُبِّبَ إِلَيْهِ الخَلاَءُ " من الذي، أو ما الذي حبّب إليه الخلاء؟ السبب غير معروف، وإن كان كلٌّ من عند الله، يعني المقدِّر هو الله -جل وعلا-، والسبب مجهول، ولذا قال: " حُبِّبَ إِلَيْهِ الخَلاَءُ ".

حُببت إليه الخلوة والخلاء؛ لأن مع الخلوة فراغ القلب، والانقطاع عن الخلق ليجد الوحي منه قلبًا فارغًا فيتمكن، قلبًا فارغًا فيتمكن، كما قيل:

أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى

 

فصادف قلبًا خاليًا فتمكنا

يعني فرق بين أن يأتي طالب العلم إلى الدرس من متجره الذي زاول فيه البيع والشراء والأخذ والإعطاء وبعض المشاجرات وبعض المنازعات، وبين أن يأتي من مكتبته التي تعينه على فهم الدرس، فرق بين هذا وهذا، هذا قلبه مشغول، وهذا قلبه فارغ للعلم، فيتمكن فيه العلم بخلاف الأول.

الآن؛ لا ندري هل الخلوة قبل أو بعد؟

طالب:......

هما معًا، لكن أيهما السابق؟ قوله: "ثُمَّ " هل هو معطوف على " فَكَانَ لاَ يَرَى رُؤْيَا "، أو " أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ .... مِنَ الوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ .... ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الخَلاَءُ"، بعد ذلك بعد أن رأى ما رأى في منامه في بيته، ثم بعد ذلك حب الخلوة، هذا مقتضى العطف بثم.

طالب:......

حبّبت إليه الخلوة؛ لأنه أولاً: ما أُمر بدعوة الناس، فلا يُتصور نفعه لهم، إلى الآن ما بعد نُبِّئ، إلى الآن ما نزل عليه القرآن، يخالط الناس ماذا يقول لهم؟ لن يستطيع أن يؤثر عليهم فقد يتأثر بهم في مثل هذه الحالة، إلى الآن ما بعد استقر حكم الخلوة أو حكم العزلة أو الخلطة، هذا في أول الأمر، فلا يأتي مثل هذا.

طالب:......

لا، ذكرنا الحكم مرارًا، يعني قلنا: إن الذي يستطيع أن يؤثر في الناس، الخلطة في حقه أفضل، ونصوص الخلطة على مثل هذه الصورة تتنزل، والذي يتأثر بما عند الناس من مخالفات ولا يستطيع أن يؤثر فيهم، هذا نصوص العزلة عليه تتنزل؛ لأنه جاء مدح هذا وجاء مدح هذا، وسيأتي الكلام على هذه المسألة بالتفصيل في كتاب الإيمان في شرح حديث «يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال، يفر بدينه من الفتن»، هذا يأتي -إن شاء الله-.

وفيه تنبيه على فضل العزلة؛ لأنها تريح القلب من أشغال الدنيا، وتفرغه لله تعالى، وسيأتي الكلام عنها بالتفصيل -إن شاء الله تعالى- على حديث: «يوشك أن يكون خير مال المسلم غنمًا يتبع بها شعف الجبال»، على الاختلاف في رواية خيرًا، أو خيرٌ، وغنمًا أو غنمٌ من كتاب الإيمان -إن شاء الله تعالى-.

طالب:......

يعني على مثل هذه الحالة تتنزل حال طالب العلم، فإذا جاء نفعه يفضل في حقه الخلطة، بعض طلاب العلم ترجح في حقه الخلطة؛ لأن نفعه المتعدي أوضح في تركيبه؛ لأن الناس يتفاوتون، وبعض أهل العلم، بعض من حمل العلم العزلة في حقه أفضل، وإن كان عنده شيء من العلم؛ لأنه يتأثر بما يسمع، هو شخصيته فيها ضعف، وإن كان عنده شيء من العلم؛ لأن المسألة تحتاج إلى توافر علم وعقل وحلم وغير ذلك من الأمور التي إذا اتصف بها الإنسان استطاع أن يكون فاعلاً مؤثرًا في مجتمعه.

طالب:......

لا، هو العزلة في حقه -عليه الصلاة والسلام- في ذلك الوقت، في ذلك الظرف لإفراغ قلبه؛ لأن هذه المقدمات لا بد أن يعقبها شيء في تقديره -عليه الصلاة والسلام-، لا بد أن يعقبها شيء، يعني أمور ما حصلت لغيره، فلا بد، أراد أن يتفرغ ليتلقى هذا الشيء الذي يفرِّغ باله وقلبه له.

يعني مثل من يستعد مثلاً، هذا من باب التمثيل، مثل من يستعد لبداية العام الدراسي، أو لبداية الاختبارات لا بد أن يتفرغ من كثير من الأمور من أجل أن يستقبل ما هو بصدد ما يرد إليه بقلب فارغ، ما يمكن بعد أن تذهب إلى الحراج وتبيع وتشري وتنازع الناس وتخاصمهم وتسمع كلامهم ولغطهم، ثم بعد ذلك تأتي إلى درس علم أو تذهب لتختبر، لا بد أن يحصل عندك شيء من الاختلاط.

"وَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ".

طالب:......

كيف؟ الكلام على الوحي، " أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنَ الوَحْيِ"، هل الرؤيا جزء من الوحي أو ليست من الوحي؟ إذن؛ ابتدأت النبوة بالرؤيا الصادقة بناءً على هذا، والذي يقول: إن الوحي المراد به اللغوي لا الشرعي، فيكون -عليه الصلاة والسلام- نبئ باقرأ، فتكون الستة الأشهر خارجة عن مدة النبوة.

طالب:......

منها أدلة أخرى، ما فيه إشكال، لكن الكلام في "مِنَ الوَحْيِ"، وعلى أي حال قلنا: من تبعيضية أو بيانية، فالرؤيا وحي، لكن هل هو وحي لغوي أو وحي شرعي؟

طالب:......

ما فيه بيان، ما فيه ما يدل على أنها من الله، أو أنها مجرد اجتهاد منه، أو أمر من الأمور، أو رأى من الرؤى ما يحمله عليها.

على كل حال؛ إذا قلنا: إنها وحي، وهي جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة، هل نقول: إن هذا خاص به -عليه الصلاة والسلام-، أو له ولغيره؟ كونها جزءًا من ستة وأربعين جزءًا من النبوة، هي جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة، هل نقول: إن هذا في حقه -عليه الصلاة والسلام-، وعليها يتنزل ما جاء في الحديث أنها ستة أشهر؟

طالب:......

يرى الرؤيا الصالحة الصادقة، وهي جزء من ستة وأربعين جزءًا من مدة نبوته -عليه الصلاة والسلام- الثلاث والعشرين سنة، على ما تقدم بيانه، أو نقول: إن هذا الكلام يشمل النبي- عليه الصلاة والسلام- ويشمل غيره؟ الرؤيا الصالحة للعموم جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة، وهل يلزم من ذلك إذا قلنا: إنها عموم، أن من رأى ستة وأربعين رؤيا أنه يستحق النبوة كاملة؟ هذا لم يقل به أحد، بالإجماع هذا لا يمكن أن يرد، لكن في هذا ما يدل على أن من تكررت عنده الرؤى الصالحة، وضعفت أو قلت عنده الرؤى التي بخلاف وصفها أنه له نصيب من إصابة الحق.

طالب:......

هل هو قول صحابي أم مما نحفظه من الأصول الثلاثة؟

طالب:......

نحن نحفظه من الأصول الثلاثة، لكن هل ورد بها خبر؟ أو اجتهاد من الإمام -رحمة الله عليه-؟ إذن؛ لا بد من...

طالب:......

يعني بنزول القرآن عليه، بنزول القرآن عليه، لعل هذا يوضَّح في الدرس اللاحق.

طالب:......

لكن الكلام هل البعثة بدأت من ربيع الأول من بداية الرؤيا الصالحة أو بدأت النبوة بنزول القرآن باقرأ؟

طالب:......

هذا كلام الشيخ -رحمة الله عليه- نُبِّئ باقرأ، معناه أنه لم يكن نبيًّا قبله، لم يكن نبيًّا قبل، لكن الستة الأشهر، وبُعث على رأس الأربعين، حتى الشيخ يقول هذا الكلام، ورأس الأربعين من الرؤيا الصالحة، يحتاج إلى تحرير، يحتاج إلى تحرير.

طالب:......

هذا الذي يظهر، يعني الشيء الخارق للعادة له توابعه وله نتائجه، له نتائجه.

وكان -عليه الصلاة والسلام- " يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ ".

الغار، قالوا: هو النقب في الجبل، جمعه غيران، وتصغيره غُوير، والمغار، والمغارة بمعناه، وهو قريب من معنى الكهف.

وحراء -بكسر المهملة وتخفيف الراء والمد-، وهو مصروف على الصحيح بناءً على أنه مذكر، ومنهم من منع صرفه بناءً على أنه مؤنث. مذكر على الصحيح، ومنهم من أنَّثه، ومنهم من قصره، ففيه ست لغات، وهو جبل بينه وبين مكة نحو ثلاثة أميال على يسار الذاهب إلى منى، على يسار الذاهب إلى منى.

" وَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ "، " فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ - وَهُوَ التَّعَبُّدُ -".

يتحنث فيه -بالحاء المهملة وآخره مثلثة- بمعنى يتحنَّف؛ كما جاء في لفظ ابن هشام في السيرة، يعني في رواية الخبر: بدل يتحنث قال: يتحنف، أي: يتبع الحنيفية ملة إبراهيم -عليه السلام-، والفاء تُبدل ثاءً؛ كما في جدث وجدف، وفوم وثوم على أن المراد بالفوم الثوم في قول بعضهم.

أو التحنث: إلقاء الحِنْث، وهو الإثم؛ كما قال: يتأثم ويتحرج ونحوهما، فهي أفعال يُراد بها السلب، فهي أفعال يُراد بها السلب، أي: يجتنب الإثم والحنث والحرج، معاذ لما أخبر بالحديث عند موته تأثمًا، يعني تركًا للإثم، فهذه الصيغة تدل على السلب.

يقول ابن الملقن: الحاصل من ذلك، يعني التحنث إلقاء الحنث وهو الإثم؛ كما قيل: يتأثم ويتحرج ونحوهما، فهي أفعال يُراد بها السلب، أي: يجتنب الإثم والحنث والحرج.

 ابن الملقن -رحمه الله- حصر ما جاء على هذه الصيغة مما يُراد به السلب، وترك ما اشتملت عليه هذه المادة، قال: ثمانية ألفاظ: تحنث، وتأثم، وتحرج، وتحوَّب، وتهجَّد، وتنجَّس، وتقذَّر، وتحنَّف.

قد يقول: كيف تهجد ترك؟ المعنى تهجد ترك الهجود، يعني تهجد ترك الهجود الذي هو الهجوع والنوم، تركه إلى الصلاة، وبهذا يستقيم هذا الكلام.

"وَهُوَ التَّعَبُّدُ".

نقف على هذا، والله أعلم.

وصلى الله على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.

"