كتاب بدء الوحي (042)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذا يقول: ظهر لي في قول ورقة بن نوفل: هذا الناموس الذي أنزل على موسى؛ أن جميع التعليلات التي ذكرها ابن حجر قد تكون بعيدة عن ذهن ورقة، وأن الظاهر من طبيعة الحال أنه إنما قال ذلك لانتشار دين اليهود عند العرب حتى إنه توجد قبائل عربية يهودية أما دين النصارى فهو وإن كان موجودًا لكنه قليل في جزيرة العرب آنذاك بخلاف الشام فلا يعرفه جيدًا أي عيسى، الطبقة العامة من الناس. فهل هذا صواب؟ لكنهم يعرفون أن هناك يهودًا، وأن هناك نصارى، ويوجد من النصارى بجزيرة العرب من يوجد، نعم اليهود أكثر، لكن يبقى أن في نجران نصارى يسمعون بهم ويردون عليهم. وكان لهم رحلة في الصيف إلى الشام وهم نصارى. على كل حال تعليلاتهم مجرد التماسات، وأما ما قاله ورقة فما ذكره أهل العلم كثير، ومررنا عليه.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
فالحديث الثالث حديث عائشة في بدء الوحي، فرغنا من تخريجه في مواضعه المتعددة من صحيح البخاري، والحديث أيضًا رواه الإمام مسلم -رحمه الله- فهو متفقٌ عليه، يقول الإمام مسلم -رحمه الله-: حدثني أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن عبد الله بن عمرو بن سرح قال: أخبرنا ابن وهب قال: أخبرني يونس عن ابن شهاب قال: حدثني عروة بن الزبير أن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبرته أنها قالت: كان أول ما بُدئ به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الوحي. يجوز رفع أول، ويجوز نصبه على أنه خبر كان مقدمًا أو أنه ما بدئ به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم فذكره بنحوه إلى قوله: انصرك نصرًا مؤزرًا، ثم قال: وحدثني محمد بن رافعٍ قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر قال: قال الزهري: وأخبرني عروة بن الزبير أنها قالت: أول ما بدئ به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الوحي، وساق الحديث بمثل حديث يونس. غير أنه قال: فوالله لا يحزنك الله أبدًا، فوالله لا يحزنك الله أبدًا، وقال: قالت خيدجة: أي ابن عم اِسمع من ابن أخيك.
ثم قال: وحدثني عبد الملك بن شعيب بن الليث قال: حدثني أبي عن جدي، قال: حدثني عُقيل بن خالد قال: قال ابن شهاب: سمعت عروة بن الزبير يقول: قالت عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم-: فرجع إلى خديجة يرجف فؤاده. واقتص الحديث بمثل حديث يونس ومعمر ولم يذكر أول حديثها من قوله: أول ما بدئ به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الوحي الرؤيا الصادقة، وتابع يونس على قوله: فوالله لا يحزنك، فوالله لا يحزنك الله أبدًا، وذكر قول خديجة: يا ابن عم، اسمع من ابن أخيك. معلوم أن صحيح مسلم بدون تراجم، الإمام مسلم ما ترجم الكتاب، ما ترجم الكتاب، ما فيه تراجم. إنما التراجم للشرَّاح الذين جاؤوا بعده، مع أن القاضي عياض يقول: إنه وقف على نسخة عتيقة جدًّا، وفيها تراجم مع أنها ما وصلت إلينا أن هذا مجرد كلام من القاضي عياض -رحمه الله-، والمستفيض عند أهل العلم أن مسلمًا لم يترجم في كتابه الأبواب، والكتب الكبرى مترجمة، يعني كتاب الإيمان موجود، كتاب الصلاة موجود، كتاب الزكاة موجود، لكن باب كذا من كتاب الصلاة أو من كتاب الزكاة لا يوجد، إنما قام به الشرَّاح؛ ولذا يختلفون بحسب ما يلوح للشارح من استنباط من هذا الخبر الذي ذُكر في هذا الموضع. كلٌّ يلوح له ما لا يلوح لغيره، تكون أظهر الدلالات من الحديث ما استنبطه منه وجعله ترجمة، وتراجمهم في الجملة متقاربة؛ لأنهم محكومون بلفظ واحد، ومحكومون في مكان واحد يعني في الكتاب ما يبعدون عن الكتاب، ما يمكن أن يستنبط فائدة في الزكاة وإن كانت ظاهرة وموضع الحديث في كتاب الصلاة ما يمكن، إنما يستنبط منه ما يتعلق بالصلاة. ولذا تجدون تراجمهم قريبة.
طالب:...
ماذا فيها؟
طالب:...
ماذا تصير؟
طالب:...
ما لنا غيرها.
طالب:...
يقال: عتيقة ما يقال بخط الإمام مسلم، يعني قديمة. يعني يوجد نُسخ من صحيح مسلم قديمة جدًّا، ويعوِّل عليها بعض العلماء، وهذا هو الأصل في كثير من الإشكالات، أفلح وأبيه إن صدق، يقول السهيلي: وقفت على نسخة عتيقة جدًّا فيها: أفلح والله إن صدق، فقصُرت اللامات وتصحفت إلى أبيه، هذا كلام نفيس. يعني يحل إشكالًا كبيرًا.
على كل حال البحث عن نسخ قديمة هو الأصل، وهي المُعوَّل عليها إن كان بخط المؤلف بها ونعمت وإن كان بخط تلاميذه بها ونعمت، وقد حلّ البحث في النسخ القديمة إشكال كبير جدًّا في نيل الأوطار. نيل الأوطار من طبعته الأولى طبعة بولاق إلى آخر الطبعات الموجودة الآن كلها في قتال أهل البغي إلى أن جاء معاوية ويزيد لعنهما الله من طبعة بولاق، الأولى التي في حياة صِديق قبل مئة وثلاثين سنة، كلها تتابعت على هذا، فلما تولى تحقيقه صبحي حلّاق، حسن صبحي حلّاق، وطبعه في دار ابن الجوزي بتحقيق وطباعة فاخرة، وتحقيق لا مزيد عليه حقيقةً يعني من أنفس الطبعات التي طُبعت فيها كتب أهل العلم. علّق على هذا الموضع، ما أثبت اللاعن وعلّق عليه وقال: هذا اللعن تتابعت عليه جميع الطبعات، وهذا تصوير الموضع من خط الشوكاني، وصوّر ثلاث أسطر من خط الشوكاني ليس فيه لعن.
من نيل الأوطار بخط الشوكاني، انتهى الإشكال. ثم بعد ذلك صوّر ثلاثة أسطر من نسخة بخط أكبر تلاميذ الشوكاني ما فيه لعن، فيكون مُقحمًا، لكن كيف يقحم والطباعة في مصر، ومعروف أن مصر ما فيها روافض، هذا محل استغراب، فإن كان من النسخة التي جلبت من اليمن وطُبع عليها أو جلبت من الهند بواسطة صِديق وطبع عليها يصير. فالرجوع إلى مثل هذه النسخ متعسِّن لا سيما إذا وُجد إشكال، مثل هذا الإشكال إشكال كبير، يعني ما نستطيع أن ندافع عن الشوكاني إذا وصل الأمر إلى هذا الحد، لكن الأمور الأخرى التي تقبل ندافع؛ لأنه معروف أنه ينصر ما يراه حقًّا، ويهتم بالسُّنَّة ويعتني بها ويقدمها على كل شيء، على كل حال هذه تراجم الشرَّاح على الحديث، شُرَّاح صحيح مسلم.
أولًا: المعلِم للمازري، وهو أوّل الشروح ليس فيه ترجمة، ذكره ضمن الأحاديث السابقة ولم يُفرده بترجمة وشرحه بإيجاز في صفحتين، وفي هاتين الصفحتين فوائد، يعني لولا خشية الإطالة لنقلناها، فليرجع إليه، ثانيًا: إكماله إكمال المعلِم للقاضي عياض.
طالب:...
نعم عند المازري فيه فوائد، أولًا السلسلة ينبغي أن تُذكر متتابعة، وإن قُدِّم بعضها على كتب أخرى أُلفت قبلها، يعني نبدأ بالمُعلِم ثم إكمال المُعلِم، ثم إكمال الإكمال، ثم مُكمِّل إكمال الإكمال، ثم نرجع إلى الشروح الأخرى. في كتب يعتني بها أهل العلم من شروح مسلم، ويكثرون النقل عنها، التحرير في شرح صحيح مسلم، التحرير في شرح صحيح مسلم هذا يكثرون عنه النقل لا سيما النووي يعني لا يكاد شرح حديث يمر بدون نقلٍ عنه، تحرير في شرح صحيح مسلم، من خلال النقل عنه يدل على أنه شرحٌ نفيس، لكن ما أدري هل يوجد مخطوط أم ما يوجد.
المقصود أن الكتاب ما طُبع. وهو لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل الأصبهاني، إكمال المُعلِم للقاضي عياض ترجم عليه بقوله: باب بدء الوحي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، كأنه استفادها من صحيح البخاري، استفاد هذه الترجمة من صحيح البخاري، شرحه شرحًا مفصلاً مُطولاً، وفيه فوائد وتنبيهات وإجابة عن إشكالات كذلك، يعني لو نقلناها لطال بنا الكلام يُرجع إليه على كل حال، نحن يهمنا التراجم التي ترجم عليها شُرَّاح مسلم.
الثالث: إكمال إكمال المُعلِم إكمال إكمال المُعلِم للأُبِّي للأُبِّي بضم الهمزة، يعني ليس منسوبًا إلى إب باليمن لا، إنما منسوب إلى أُبَّة بلدٌ في أفريقيا، ما أدري بتونس أو الجزائر المقصود أنه من تلك الجهات؛ لأنه أحيانًا يكون النسب إلى غير ما اشتهر عند الناس، ابن خير الإشبيلي الأَموي بفتح الهمزة، لو منسوب لبني أمية قيل: أُموي لكن هناك جبال في الأندلس يقال له: أَمو، نبّه عليه أهل العلم. ترجم بقوله: أحاديث بدء الوحي أحاديث بدء الوحي، ومعلومٌ أن شرح الأُبِّي مجموع من الشروح التي سبقته، ويشرح بالرموز كل شرح له رمز، وفيه فوائد وطرائف أضافها إلى الشروح المتقدمة، الشرح فيه فوائد لا توجد في غيره، وله تنبيهات ولفتات يعني حري بطالب العلم أن يعتني به، وما من شرح من الشروح يخلو من فائدة؛ لأن بعض الناس يقول: ما الداعي لهذا التكرار؟ ما الداعي لهذا التكرار؟ خلاص شُرح البخاري وشُرح مسلم ما الفائدة؟ يضيع الواحد عمره في بحوث مكررة. لا، كل شارح له نَفَس إذا كان من أهل العلم ولديه القدرة على الشرح، أما مجرد أن ينقل من الكتب، ولا يضيف شيئًا هذا ما هو بشرح، وإلا قد يقول قائل لماذا القرآن يُفسر بمئات التفاسير؟
كل تفسير فيه ما لا يوجد في غيره، نعم قد يوجد، لكن هذا قليل، وما وُجد من هذا النوع ما كُتب له الانتشار؛ لأن الناس يحكمون عليه بمجرد صدوره يحكمون عليه أنه لا يسوى من يعتني به. هو مأخوذ من هذه التفاسير الموجودة، وجاءني قبل يومين واحد من طلاب العلم له عناية بقراءة الكتب، وله جلَد وصبر، ويحمل مجموعة من الكتب المطولة، ومن خلال النظر في هذه الكتب تبيّن لي أنه قد قرأها كلها، مجموعة من التفاسير يقول: ما الأصل الذي أعتمد عليه وأضيف إليه الزوائد من هذه التفاسير؟ الأصل إن كنت تريد الأصل فالطبري، أعظم هذه التفاسير على الإطلاق تفسير الطبري.
قال: طيب أنت لك سبعة عشر سنة تدرس القرطبي لماذا ما درّست الطبري؟ استدراك جيد، يعني صحيح يستغرب من طالب لكن جيد.
قلت له: أنا ما أنا مثلك أكتب زوائد، القرطبي جاهز، ما يحتاج إلى أن يُزاد عليه، جاهز فيما قصده المؤلف من جمعه، وإلا المسألة ما هي مسألة تأليف ولا مسألة قراءة خاصة وأكتب زوائد، لا، أنا أختار كتابًا واحدًا، ما الذي أختاره؟
اخترت القرطبي؛ لكثرة مباحثه الزائدة كثيرة جدًّا على ما في الطبري وعلى ما في تفسير ابن كثير الذي يعتمده أهل العلم في هذه البلاد وغيرها، فيه فوائد، ممكن بعدُ الإنسان يُدرِّس في درس عامًا منه مختصرات الجلالين، ويعتني بحواشيه، ويضيف فوائد، وينتفع الطلاب، أو يُدرِّس مثلاً البيضاوي، وعليه من الحواشي أكثر من مئة حاشية، كان محل عناية وحفاوة من أهل العلم، أكثر من مئة وعشرين حاشية على البيضاوي. بالإمكان أن يُقرر تفسير البيضاوي ويقرأه على الطلاب، ويذكر ما يلاحظ عليه من انتقادات عقدية، ويستفيد الطلاب من هذه الردود، يستفيد، وأيضًا ينظر في الحواشي، وينتقي منها أفضل ما يمكن أن يقدم لطلاب العلم، لكن شخص يريد أن يجعل مثل ما جعلنا البخاري -رحمة الله تعالى عليه- محور عمل تدور حوله كل كتب السُّنَّة، يجعل تفسير الطبري كذلك، لكن الإشكال أن الهِمم، يعني ماذا يجعل تفسير الطبري يمكث سنتين ما انتهى من سورة البقرة، إذا كان الطبري بتحقيق شاكر خمسة أو ستة أجزاء، البقرة. وفي القرطبي ثلاث مجلدات، وفي الرازي أربعة مجلدات، وفي كذا وفي كذا، متى ينتهي؟
الإنسان جُبل على حب معرفة النتائج، معرفة النتائج، ولذلك جُعل القرآن مراحل، سورًا، كلما انتهى من سورة يحس أنه قطع مرحلة، إذا أخذنا بهذا الاعتبار وجعلنا الطبري محور العمل، وأضفنا إليه ما في التفسير بالأثر، جمعناها كلها وأضفنا ابن أبي حاتم والدرّ المنثور وابن كثير والشوكاني وغيره، يحتاج إلى وقت طويل، ثم بعد ذلك كُتب أحكام القرآن هات، كم؟ متى ينتهي هذا؟
بدءًا من ابن العربي، وإلكيا، والجصاص، والقرطبي، وغيره من كتب أحكام القرآن، يحتاج إلى عمر، ويحتاج إلى جلد، يعني يحتاج إلى أن يتفرغ له بكليته سنين، بحيث لا ينظر في غيره، ثم بعد ذلك إذا التفت إلى الكتب التي تهتم باللغة والمباحث اللغوية بجميع فروع أبواب العربية يحتاج إلى عمر ثالث، وهكذا، ولذلك وهذا ملحظ، بعض المفسرين ما يبدأ من الفاتحة والبقرة، لماذا؟ لأنه يبدأ من منتصف القرآن مثلاً تكون النفسية التي بدأ بها المؤلف لا شك أنه يريد أن يجمع كل شيء، ثم بعد ذلك تفتر الهمم، تفتر الهمم إذا وصل إلى منتصف القرآن يريح الآن، يقتصر على الضروريات. لذلك الجلالان بُدئ به من الكهف، وكثير من التفاسير بدئت من هذا من الكهف، ابن كثير بدأ من الأنعام، بدأ من سورة الأنعام. مشكلة حتى الذي يحضِّر درسًا وعنده مثل البخاري هذا، ويريد أن يجمع كل ما قيل يقف عند أدنى حد. شرح «إنما الأعمال بالنيات» كم من صفحة في فتح الباري؟ كم من صفحة في عمدة القاري؟ كل الشروح؟ ثم بعد ذلك تفتر الهمة، ولا يستطيع أن يتقدم ولا يتأخر.
ونصيحتي لطالب العلم الذي يريد أن يكتب له بتفسيره والاهتمام بالتفسير من أهم المهمات لطالب العلم؛ لأنه يعينه على الفهم والتدبر. يبدأ بكتب غريب القرآن الذي تحلُّ له إشكالات الألفاظ، ثم يبدأ بكتب المُشكل التي تحل الإشكالات في التراكيب، ثم يجمع أربعة تفاسير، خمسة من المختصرات التي في مجلد ومجلدين؛ لأنه يتشجع وينتهي، ويحس أنه أنتج، ويصير عنده تصور شامل إذا انتهى في ستة أشهر ينتهي منها صار عنده تصور شامل لمعاني القرآن، وفي بعض التراكيب التي يحتاجها المتوسط من طلاب العلم، يعني يجمع أربعة تفاسير، خمسة من هذا النوع: الجلالين والبيضاوي، وإن أضاف ابن سعدي والنسفي والتسهيل لابن جُزَيّ خلاص انتهى منها، يعني بستة أشهر ينتهي.
ثم بعد ذلك يطلع إلى مرتبة تكون هذه التفاسير في أربعة مجلدات ثلاثة؛ لأنه المهم أنه يتصور ما يُشكل في القرآن من أوله إلى آخره مرحلة أولى أو عرضة أولى، ثم بعد ذلك يضيف إلى هذا التفسير المختصر ما في هذه الكتب المتوسطة. ثم بعد ذلك يضيف إليها ما هو أطول منها، وهكذا؛ لأنها إذا انتهى أو وقف أو مات وقد انتهى من القرآن كله على طريقة معينة ما خسر شيئًا، لكن إذا مات وما انتهت إلا البقرة ثم ماذا؟ ما أدرك شيئًا من سائر القرآن.
وعندنا البداية في مثل ما قلنا خطة العمل خطة البحث من هذا النوع إما أن تبدأ بالكتب الصغار، ويضيف إليها من الكبار؛ لأن الصغير ما يمكن تزيده على الكبير، بينما الكبير تزيد منه على الصغير، أو تبدأ بالأقدم فالأقدم؛ لأن العلماء ينقل بعضهم من بعض، فأنت إذا ضمنت الأقدم الذي بعده تعرف كل ما كان في الأقدم، وتضيف إليه ما زاد إليه، ثم تأتي الذي بعده، لكن كلٌّ له نظر في هذا الباب. وهذه فائدة حقيقة، يعني القرآن في غاية الأهمية، وشف طلاب العلم بعضهم يُركز على الحديث، وبعضهم عنايته بالفقه والأحكام، وبعضهم بالعقيدة، وكل هذا خير، كل هذا خير، وهذه أمور لا بد منها في العلم، لكن القرآن ما أرى العناية اللائقة بالقرآن، ولو نظرنا إلى الدروس المعلنة في جميع المناطق وفي جميع الأقاليم وجدنا أقلها نصيبًا القرآن، وهذا لا ينبغي.
القرآن كلام الله وفيه كل شيء، يمكن أن تجمع على ما ذكرنا وما أشرنا به للأخ يمكن أن تجمع كل العلوم في تفسير القرآن، هو أتى بتفسير ابن عادل يقول ما رأيك في هذا التفسير؟ نعم هو من تفاسير الحنابلة القليلة التي وُجدت ونُشرت إضافة إلى ابن الجوزي وغيره، لكنه في جملته مأخوذ من الرازي، يعني لو أخذت الزوائد فقط على الرازي ما صار عندك شيء يسير. فهذه أيضًا طريقة تنظر الكتب المتشابهة فتستغني ببعضها عن بعض، وتنقل الزوائد على أوفاها وأولاها. وهذا استطراد لعله ينفع، إن شاء الله.
رابعًا: مكمل إكمال الإكمال، مكمل إكمال الإكمال للسنوسي، ومعوله على ما تقدم من المعلم وإكماله وإكمال الإكمال، كمَّل وجاء أيضًا بطرائف وزوائد.
المكمل قال: باب بدء الوحي، والذي قبله الأُبِّي قال: أحاديث بدء الوحي، والقاضي عياض قال: باب بدء الوحي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
خامسًا: شرح النووي على صحيح مسلم، وهذا الشرح على اختصاره كما هو معلوم فيه فوائد وقواعد وضوابط قد لا توجد في المطولات، وإن كان الشُرَّاح ينقلون منه، لكن فيه فائدة يخرج طالب العلم من قرائته بفوائد عظيمة قد لا توجد في المطولات، فيه نَفَس يُحبب العمل للإنسان؛ لأن الرجل كما هو معلوم من العاملين، من العُباد، ولذلك تجدون تراجمه للراوة تختلف اختلافًا جذريًّا عن تراجم ابن حجر، ابن حجر عالم محدث يهمه الثبوت وعدمه، فينصب كلامه في الراوي على التعديل والتجريح، بينما النووي قد لا يلتفت إلى شيء من هذا لا سيما إذا شرح البخاري أو مسلمًا يقول: ما له داعٍ، ماذا يصنع؟ يذكر أطرف ما ذُكر من عبادة هذا الرجل، من عبادته؛ لأن هذا أمرٌ يهمه، ويريد أن يشجع القارئ على العبادة، هذا الشرح بإمكان طالب العلم أن يقرأه في شهرين أو ثلاثة، ويخرج بفوائد عظيمة جدًّا، وجرى فيه على مذهب الأشاعرة في باب الاعتقاد، يعني ليس بمضطرب، النووي أشعري من كل وجه.
ويبقى أن فيه فوائد، والإنسان يحذر من مثل هذه الأمور، إذا كان لا يستطيع أن يدرك بعض المسائل التي في مذهب الأشعرية مما تخفى على كثير من المتعلمين يقرأه على شيخ، وللحافظ ابن حجر عليه نُكت، نكت على شرح النووي، وهو قابل للتنكيت، يمكن أن ينطلق منه طالب العلم، ويجعله مثل ما قلنا مدارًا يدور عليه بالنسبة لصحيح مسلم، وينقل ما في الشروح، وينقل أيضًا من الكتب الأخرى، يراجع كتب أهل العلم في كل مسألة يشير إليها النووي يخرج بفائدة عظيمة.
المقصود أن طالب العلم عليه أن يعمل ويشتغل ويستفيد وعلى طريقة معروفة نتيجتها من قبل؛ لأن بعض الناس يتخبط ما يدري شيئًا يبدأ من هنا، ويقمش من هنا، وينتقل من كتاب إلى كتاب، ومن فن إلى فن، ثم في النهاية لا شيء، لكن لو مسك النووي ومن أوله إلى آخره فيه فوائد، فوائد على سبيل الاختصار الشديد، الحافظ ابن حجر وضع عليه نكتًا، وما أدري عن وجودها، المقصود أن له نكتًا معروفة هذه، يبقى أن طالب العلم عليه أن يعمل، يشتغل على هذا الكتاب، ويجعل عليه نكتًا، ما المانع؟ يحشِّي عليه، كل مسألة يذكرها النووي باختصار يبسطها.
طالب:...
ما أعرف، ما رأيته. لا، ما رأيته. وبالمناسبة رأى واحد من القُرّاء ما هو من طلاب العلم النكت لابن حجر على ابن الصلاح، اشتراه من مكتبة، وعندهم اجتماع في استراحة قال: الله نبغي ننبسط إن شاء الله. يقرأ يريد أن يرى طرفة، أو نكتة، يريد أن يضحكوا، فما وجد فيه.
طالب:...
نعم؟
طالب:...
يعني أنا قلت لطالب العلم أن يبدأ بالأول فالأول، أو يبدأ بالطبقات، طبقة المختصرات، وهذه عندي أنسب؛ لأنه إذا بدأ بالأول بالطبري مثلاً يجد حدثنا حدثنا على آية، يحتاج إلى جلد وإلى صبر، وبعد يحتاج إلى القراءة ما تجيء من أول يوم ولا من ثاني يوم ولا من أول شهر ولا ثاني شهر، إنما إذا تعود الإنسان عليها، وهذا شيء مُجرّب، وجربه الناس، مرّ به كثير من طلاب العلم، إذا أذن الفجر انتبه أفاق، وهو من كتاب إلى كتاب، وشيخ من الجِلة من شيوخ شيوخنا ليلة زواجه ليلة الزواج ما هو بالزواج الأول في الشباب، لا، ليلة زواجه في أثناء عمره لمّا أوى إلى فراشه تذكر آية أشكلت عليه، ونزل إلى المكتبة إلى أن أذن الفجر من تفسير إلى تفسير، ومن كتاب إلى كتاب من كتاب لغة ومن كتاب كذا إلى أن أذن الفجر. وليلة زواجه، ليلة عمره ما هي بليلة عادية هذه.
المقصود أن القراءة طالب العلم يبدأ بالكتب على ما يقولون مثل الطعام، كما يقولون يبدأ بالكوامخ والجوارش يعني المُشهيات، مُقبلات يسمونها، ثم بعد ذلك ينتقل منها، يقرأ في كل يوم ساعة، قد لا يستطيع ساعة في أول يوم وثاني يوم، لكن لا يلبث أن يجد نفسه يقرأ عشر ساعات ويراها قليلة، ويرى أن الوقت قليل، ولا فيه بركة، يمضي بسرعة؛ لأن القراءة لها لذة ولها متعة.
لكن إن انقطع، يحتاج إلى جهاد من جديد، يعني يوجد شخص لمّا أنهى المرحلة الجامعية، بدأ بالقراءة، قبل أن يبدأ بالعمل، وخلال سنتين قرأ أكثر من مئتي مجلد، فيها مشاهير كتب التفسير والحديث والعقائد والفقه، وتواريخ، وقرأ كل شيء، وتأهل للحياة العلمية، فهذا يعني ما هو بخيال حينما يُقال في تراجم أهل العلم: إنه فعل، وترك، وقرأ، هذا موجود، يعني ما هو بعيد.
طالب:...
كيف؟
طالب:...
يُخرِّج النصوص، ويعتني بها، وهذا من النكت.
طالب:...
نعم، يخرج، القراءة فقط سردًا، لا؛ لأن هذه تعوقه، ما ينتهي، ولا يحس أنه أنتج، يعني يمسح الكتاب لمدة شهرين ينتهي منه، الكرماني في شهرين أو شهرين ونصف ينتهي، هذه كتب تنتهي بسرعة، وتشهيك على القراءة، لكنك أنتجت وقرأت واستفدت، فيها فوائد عظيمة هذه الكتب، وفيها ما يُلاحظ يحتاج إلى تعليق ضع عليه علامات، وترجع له فيما بعد، لكن هذه المرحلة مرحلة جرد تجعلك تتأهل نفسيًّا، وتنفتح نفسك للقراءة، لكن ما تبدأ فتح الباري تقول: والله كتاب عظيم، لا لا، لا لا هذا تنصرف عن القراءة، أو حتى قراءة الطبري من التفاسير أو غيره، تنقطع خلاص.
طالب:...
أنت مرحلة أولى ولا يُبدأ بالطبري في المرحلة الأولى.
طالب:...
الطبري ستقرأه قراءة سرد أو قراءة فهم للكتاب أو تريده نقطة تنطلق منها إلى كتب التفسير؟ إذا كان مدار بحث فأنت لا بد أن تُمحص، لا بد أن تُمحص، وإذا كان مجرد قراءة سرد فلا تبدأ بالطبري؛ لأنك تمل، هناك كتب فيها طرائف تُحفِّز القارئ، تجعله ما يمل، ما يمل، يعني ابن العربي في أحكام القرآن يمكن تقرؤه في مدة يسيرة جدًّا، لماذا؟ لأنه يقول: دخلنا كذا وحصل مناقشة مع الشيخ فلان في مسألة كذا، وحصل، والقرطبي فيه من هذا النوع كثير، وكان يحضر معنا شخص كذا، وأمرد ليست له لحية، وصدره ما أدري إيش، ثم تبيّن فيما بعد أنه خنثى.
توجد مثل هذه الأشياء التي تجعل الطالب ينسى التعب الذي من القراءة، فإن كان المسألة مرحلة التشويق للقراءة ومسألة يعني التوطئة للقراءة المطولة والبحث فهو يعمد إلى الكتب السهلة التي ليس بها إشكالات ومسائل عويصة تحتاج إلى كد ذهن ومراجعة كتبظت ثم بعد ذلك إذا تأهل للمقارنة بين الكتب، وهذا يحتاج إليه بعد تعب ثانٍ، والله المستعان.
طالب:...
نعم؟
طالب:...
لا، فسر القرآن لا بد مثل ما قلنا يعني كان يريد أن يفسر لنفسه؟
طالب:...
طلاب أم عوام؟
طالب:...
لا، عوام ما يصح البيضاوي، ما يصلح؛ لأن له عناية بالصناعة اللفظية، والعوام ما تهمهم، ما تهمه الصناعة اللفظية، لكن درس على أن يكون المُعلِّم عنده خبرة في الاعتناء بباب الاعتقاد؛ لأن عندهم طرقًا لترويج عقائدهم، يعني طرق لا يدركها أنصاف المتعلمين، تحتاج إلى معرفة.
طالب:...
نعم، توجد أشرطة عن المنهجية في قراءة الكتب، المنهجية في قراءة الكتب، هذه يستفاد منها.
طالب:...
لا، لا، أنت معك قلم أو أقلام بالأحرى، معك أقلام، وأنت تقرأ في شرح النووي مرّ بك مقطع ثلاثة أسطر كلام نفيس للنووي، أو ينقله عن غيره تضع عليه علامة بالقلم الأحمر، وهذا القلم لما يُراد حفظه يُرجع إليه فيما بعد، ويُحفظ، وجدت كلامًا نفيسًا ينفعك في بحث تكتبه هو بين يديك تكتبه، لكن هذه الفائدة ممكن ما تمر عليك مرة ثانية، تضع عليه علامة بالقلم الأخضر مثلاً.
طالب:...
كلام ما فهمته، استغلق عليك فهمه، تضع عليه علامة بالقلم الأسود، وتضع لك رموزًا، ما وضع عليه بالقلم الأحمر كذا، وهكذا تمشي.
طالب:...
لا لا لا، لكن يُكتفى بهذه الرموز، وفي طُرّة الكتاب تُذكر هذه الفوائد، تُذكر هذه الفوائد.
ترجم الإمام النووي -رحمه الله تعالى- بقوله: باب بدء الوحي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مثل القاضي عياض.
بعده المُفهِم لما أشكل من تلخيص مسلم، المُفهِم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، القرطبي أبو العباس، شيخ القرطبي المُفسِر له مختصر لصحيح مسلم تلخيص لصحيح مسلم، وهو مُختصر نافع جدًّا، يعني بعضهم يُفضله على المنذري، هذا المختصر شرحه في كتابٍ أسماه: المُفهِم لما أشكل من تلخيص مسلم. وهذا الكتاب لا يغني عنه القاضي عياض ولا النووي ولا غيره، يعني يحتاجه كل طالب علم؛ لأن فيه فوائد علمية قد لا توجد في غيره، لا توجد، ومَشربه مختلف عن النووي، هذا مالكي، وذاك شافعي، وهذا هو أبو العباس القرطبي شيخ القرطبي المُفسِّر، ويُنتبه لمثل هذا كثيرًا، ما يقول القرطبي المُفسِّر: ولقد سمعت شيخنا أبا العباس مرارًا يقول...؟ هذه العبارة يكررها ابن القيم كثيرًا، يكررها ابن القيم كثيرًا في كتبه، ويريد بذلك شيخ الإسلام.
جاء واحد من طلاب العلم ينقل شيخ الإسلام من تفسير القرطبي؛ لأن القرطبي قال: وقد سمعت شيخنا أبا العباس مرارًا يقول، شيخه أبو العباس هذا مات قبل ولادة شيخ الإسلام.
سابعًا: السراج الوهَّاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج. ترجم عليه المؤلف صديق حسن خان بقوله: باب بدء الوحي أول ما بُدئ به رسول الله، باب ما بُدئ به رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من الوحي.
ثامنًا: فتح المُلهِم في شرح صحيح مسلم للشبِّير أحمد عثماني ترجم بقوله: باب بدء الوحي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مثل القاضي عياض ومثل النووي، كلها مأخوذة من الإمام البخاري، فتح المُلهِم مطبوع بالهند في ثلاث مجلدات كبار، ثم طُبع له تكملة في ستة مجلدات؛ لأنه ناقص، والكتاب فيه شيء من الطول، يعني جمع ما في الشروح المتقدمة، وفيه تنبيهات يعني من عنده. فهو نافع.
والإشكال أنه لمّا نتكلم عن طلاب علم، ونمدح كتابًا، ونقول: هذا نافع، ثم يذهب إلى هذا الكتاب ويقرأ فيه، ثم يجد فيه مخالفة عقدية أو مخالفة، يعني خلاف ما ألفه من بعض الأمور يقول: كيف يُمدح مثل هذا الكتاب؟ يقال: لو أردنا أن لا يُمدح إلا ما كان سالمًا مئة بالمئة من المخالفات ما فتحنا إلا القرآن، هو الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ما عداه من كتب البشر كلها فيها ما يُلاحظ.
والحديث أخرجه الترمذي مختصرًا قال: أوّل ما بدئ، باب أوّل ما بدئ به -صلى الله عليه وسلم- الرؤيا الصادقة وحُب الخلوة، قال: حدثنا إسحاق بن موسى الأنصاري قال: أخبرنا يونس بن بُكير قال: أخبرنا محمد بن إسحاق قال: حدثني الزهري عن عروة عن عائشة أنها قالت: أوّل ما ابتدئ به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من النبوة حين أراد الله كرامته ورحمة العباد به لا يرى شيئًا إلا جاءت كفلق الصبح، فمكث على ذلك ما شاء الله أن يمكث، فمكث على ذلك ما شاء الله أن يمكث، وحُبِّبت إليه الخلوة فلم يكن شيء أحب إليه من أن يخلو. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح غريب. الغريب من المزِّي في تحفة الأشراف لمّا ذكر حديث عائشة الذي معنا الذي شرحناه لم يُشر إلى رواية الترمذي، أشار إليه في موضع مستقل، يعني في الموضع الأول عزاه للبخاري ومسلم فقط، وتجدون عندكم في الطبعة هذه التي عليها تخريجات البخاري ومسلم، ما فيها ترمذي.
طالب:...
ماذا معك؟
طالب:...
هذه، ما فيها ترمذي، ماذا؟
طالب:...
أين؟
طالب:...
ما هو مسلم والترمذي والنسائي، رقم ثلاثة.
طالب:...
البخاري ومسلم فقط. ولهذا الموضع المِزِّي إلا البخاري ومسلم فقط، ثم أيضًا ذكره فيما بعد يمكن سبعين حديثًا أو شيء من ذلك، وعزاه للترمذي فقط، وعزاه للترمذي فقط، وهو من طُرق الرواية الأولى، هو منها وإن كان مختصرًا، يعني هو أيضًا من المواضع التي عزاها إلى البخاري بعضها مختصر.
طالب:...
ما أدري لماذا؟ المفترض أنه أضاف الترمذي للموضع الأوّل وانتهى منه؛ لأنه من طُرق الحديث.
طالب:...
نعم، حديث عائشة.
طالب:...
ما هو بكلهم يعني متفقين كما أنه لا يتفقون أيضًا في بعض روايات البخاري.
طالب:...
يعني هم مفترض أنه يذكر الأصل الموضع الأول من صحيح البخاري، ثم يذكر المواضع الأخرى بأسانيدها، يعني يذكر الموضع الأول في الترجمة، ترجمة الأصل مسألة، ثم يذكره من الموضع الأول يقول: ورواه البخاري أيضًا في كذا عن فلان عن فلان إلى كذا، ورواه أيضًا فلان إلى آخره. والترمذي مثل هذه المواضع. يقول في رواية الترمذي قالت: أول ما ابتدئ به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من النبوة حين أراد الله كرامته ورحمة العباد به لا يرى شيئًا إلا جاءت كفلق الصبح، فمكث على ذلك ما شاء الله أن يمكث، وحُبِّبت إليه الخلوة، فلم يكن شيء أحب إليه من أن يخلو.
لا شك أن الشخص الجاد يحب الخلوة؛ لأنه ينتج فيها ما لا ينتج بحضرة الناس، وهي أدعى إلى الإخلاص، أدعى إلى الإخلاص، الإنسان يعمل عمل سِرّ، ويخفيه عن الناس، وبالمناسبة جاء في السنن، جاء في السنن، وهذا يحتاج إلى وقفة: «الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة، والمُسِرُّ بالقرآن كالمُسِرّ بالصدقة»، فهل الجاهر الذي يخفض صوته، أو الذي يقرأ في بيته بعيدًا عن الناس؟ وكلٌّ منهما الجاهر في الموضعين يعتريه ما يعتريه مما يخدش في الإخلاص، أيهما؟ «الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة، والمُسِرُّ بالقرآن كالمُسِرّ بالصدقة».
طالب:...
ماذا؟
طالب:...
الجاهر الذي يقرأ أمام الناس ولو قرأ سرًّا.
طالب:...
هذا الجاهر، وهذا الذي يقرأ سِرًّا أو يقرأ جهرًا بالقرآن يعتريه ما يخدش الإخلاص، يعتريه ما يخدش الإخلاص، طيب الذي يقرأ في بيته بحيث لا يراه أحد، ولو جهر يدخل في الإسرار أو نقول: إنه يقرأ في بيته سرًّا؟ بمعنى أن جميع ما يحتمله اللفظ لفظ الجهر ينتفي ينتفي عنه هذا أولى أم لا؟
طالب:...
ولا تخافت بها.
طالب:...
هم يستمعون وأيضًا هو يستفيد من قراءة الجهر، الذي يقرأ جهرًا يستفيد؛ لأن الجوارح كلها تستفيد، وإذا قرأ من المصحف استفادت العين واستفادت الأذن إذا جهر، واستفاد القلب.
طالب:...
والمكان كذلك، ومن يسمع، لكن يبقى أنه قد يعرض للمفوق ما يجعله فائقًا إذا قلنا إن هذا الجاهر عمله مفضول، قد يكون ممن يُقتدى به، وإذا لم يحضر إلا متأخرًا، ويقرأ في بيته من الأذان للإقامة يقرأ في بيته، وإذا سلّم خرج من المسجد وذهب يقرأ في بيته، كيف يقتدي به الناس؟
إذا كان ممن يُقتدى به، يقتدي به الناس في التأخر والخروج المبكر. يعني ما عندهم إلا الظاهر، فإذا كان بحيث يُقتدى به، يقتدي به غيره فقراءته في المسجد خير مقام قمت فيه وحلية تحليتها ذكر الإله بمسجد.
طالب:...
ماذا فيه؟
طالب:...
هذا حديث في سند أبي داود مُحسَّن، حسن نعم.
طالب:...
لا لا، حسن في السنن.
طالب:...
معروف رفع صوته وقال بين هذا وهذا، نعم معروف، سبب نزول الآية {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا}[سورة الإسراء:110].
أقول: فلم يك شيء أحب إليه من أن يخلو، هذا دأب الكبار لهم زمن يخلون به، يتعبدون، ويقرؤون، ويؤلِّفون، ويختفون به عن أنظار الناس، ويسلمون من القيل والقال، وإن كان الاختلاط بالناس والأقران والإخوان والأحباب يكون فيه فوائد، يعني إذا حُفِظ عن المحرمات يترتب عليه فوائد، يجعل لنفسه وقتًا يخلو به.
وأهل العلم يجعلون الليل هو محل الخلوة، فمنهم من ينام نصفه ويقوم في النصف الثاني للصلاة والذكر، والقراءة والتأليف، ومنهم من يقسمه، يقسم الليل بين التأليف والقراءة تلاوة والذكر والصلاة، ولا ينام إلا قليلاً كالإمام الشافعي.
وهنا ظاهرة في العصر الذي نعيشه كثيرًا عدد كبير من طُلاب العلم كغيرهم لا ينامون في الليل، إنما ينامون في النهار، الليل إذا استُغل بما ينفع لا شك أنه إذا كان من السمر في العلم أنعِم وأكرِم، أما إذا كان السمر في القيل والقال والاستراحات والاجتماعات ماذا قال فلان، ماذا قال، وتبادل الأخبار التي تُذاع وتُشاع بعضها له أصل، وبعضها لا أصل له فهذا ضياع عمر هذا، هذا حسرة، والله المستعان.
علي بن المديني قيل له: ماذا تتمنى؟ وهو في النزع، قال: سندٌ عالٍ وبيتٌ خالٍ. بيتٌ خالٍ وسندٌ عالٍ، هذه أمنيته، لكن ماذا نتمنى؟ نتمنى القصور المنيفة والمركوبات الفارهة والأكلات الطيبة، وتقدَّم الأكلات من الستة القارات، والله المستعان. وهذا همنا، ولذلك تجدون أكثر ما ينفق في أسواق المسلمين الآن المطاعم، والآن الأندية أندية التخفيف، يعني سهل إنه يروح يأكل ويروح يخفف، ما كان هذا معروفًا قبل هذا الزمن، قبل زمن الترف، ما كان معروفًا عند المسلمين هذا، والله المستعان.
الحديث أيضًا رواه الإمام أحمد بن حنبل في المسند قال: حدثنا الله قال: حدثني أبي قال: حدثنا يحيى بن آدم قال: حدثنا ابن المبارك قال: حدثنا عبد الله هذه طريقة المتقدمين التي أشرنا إليها مرارًا أن الراوي للكتاب يُذكر في سنده والمسنَد الأصلي كله بهذه الصيغة، حدثنا عبد الله قال: حدثني أبي أو قال: حدثنا عبد الله: وجدتُ بخط أبي. هذا موجود، لكن إذا قال: حدثنا عبد الله حدثني فلان غير الإمام أحمد هذه زوائد عبد الله، وإذا كانت الرواية من غير عبد الله قال: حدثنا أبو جعفر القطيعي فهي زوائد القطيعي.
الشيخ أحمد شاكر -رحمة الله عليه- جاء إلى المسند وحذف حدثنا عبد الله قال: حدثني أبي، مباشرة قال: حدثنا يحيى بن آدم، وهو تَصرُّف غير مرضي، ولو كان من أحمد شاكر، هذا تصرف في كتاب لا تملك التصرف فيه، إذا ما عرفنا طرائق المتقدمين وقعنا في إشكالات كبيرة، يعني لمّا أمشي على طريقة أحمد شاكر وغيره أحذف مثل هذه الأمور، ثم أضطر إلى مراجعة المسند في القسم الذي لم يصل إليه أحمد شاكر، ثم أجد مثل هذا الكلام أقول: والله المسند ليس للإمام أحمد، المسند ألفه الذي قال: حدثنا عبد الله.
ولخفاء مثل هذه الاصطلاحات على كثير ممن من المتعلمين يقع في إشكال تصدى من لا ينتسب إلى العلم، وهو أديب كاتب أديب معروف، لكن ليس له يد بالعلم الشرعي فصنّف إصلاح أشنع خطأ في تاريخ التشريع الإسلامي الأم ليست للإمام الشافعي، لماذا؟ لأن فيها: قال الربيع: قال الشافعي. نعم. المؤلف بعد الربيع، ماذا عن الموطأ: حدثنا يحيى بن يحيى قال: أخبرنا مالك نفس الشيء، كل كتب المتقدمين على هذه الطريقة، ولا بد من إيقاف وقوف طلبة العلم على مثل هذه الأمور؛ لئلا يقعوا في مثل هذا الخطأ، قال: حدثنا عبد الله قال: حدثني أبي قال: حدثنا يحيى بن آدم قال: حدثنا ابن المبارك عن معمر ويونس عن الزهري عن عروة عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: أول ما بدئ به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الوحي الرؤيا الصادقة أو قال: الرؤيا الصالحة -شك ابن المبارك- قالت: وكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، كذا ذكره مختصرًا. مختصرًا، وفي موضع آخر أخرجه مطولاً، يعني بعد ثمانين صفحة أخرجه أيضًا مطولاً بنحو رواية البخاري التي شرحناها.
ثم قال في آخره: ثم لم ينشب ورقة أن تُوفي وفتر الوحي، فترة حتى حزن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما بلغنا حزنًا شديدًا غدا منه مرارًا كي يتردى من رؤوس شواهق الجبال، إلى آخر ما جاء في بعض روايات البخاري، وتكلمنا عنها في موضعها.
وبهذا نكون انتهينا من الحديث الثالث، والأسبوع القادم إن شاء الله نبدأ بالحديث الرابع.
طالب:...
الشيء المتفق عليه تقديم الكتب الستة، الشيء الذي يكاد يكون متفقًا عليه وإن كان بعضهم يُقدِّم الكتب المتقدمة في الزمان، لكن الذي جرى عليه عُرف كثير من الناس البداءة بالصحيحين ثم السنن ثم المسانيد وهكذا.
طالب:...
نعم، هو يقول والله، ما فيها نقط، فلما قصرت اللامات صارت وأبيه في الصورة سواء فيها نقط أو ما فيها نقط.
طالب:...
ترجع تتصفح الكتاب، هذا الموضع تريد أن تحفظه؛ لأنه يحفظ مقطعًا ثلاثة أسطر ما تجده في مكان آخر يُحفظ، مقطع ثلاثة أسطر ما فهمته تسأل عنه، مقطع ثلاثة أسظر أو أربعة أو خمسة أو أكثر تحتاجه في بحث أنت تُعده أو يحتاجه غيرك أو نازلة من النوازل الناس خاضوا فيها ما وجدوا لها حلًّا.
يعني مرة من المرات واحد يبحث في فقه إمام من الأئمة رسالة دكتوراة فقه فلان، ولا أذكر فلانًا حتى ما يكتشف الباحث، فقه فلان، لما وصل إلى ترجمة الشخص وإذا به يشترك معه مجموعة يدور اسمه في كتب الفقه كثيرًا كثيرًا جدًّا ومشهور، فيبحث في تراجم هؤلاء يعرف واحدًا منهم ثقة، لكنه ليس بفقيه ما يذكر رأيه، هو ثقة، الثاني لأنه ما يُذكر اسمه، ابن شبرمة ابن أبي ليلى ابن كذا ابن كذا، يشاركه مجموعة، فاحتار الباحث، عجز، لأن المقصود هذا الذي يورد اسمه كثيرًا ذكر في ترجمته أنه سيئ الحفظ قال: معقول يكون سيء الحفظ، وهذا العلم يخرج منه، كيف يكون هذا العلم تتداوله الأمة ويذكر في كل كتاب، وهو في النهاية سيء الحفظ؟
المقصود أنه بحث، وبحث، وسأل، وسأل ما فيه حل، ما وجد من يسعفه، هذا الكلام قبل حوالي ثلاثين سنة، قال: ما رأيك؟ ما يؤبه شباب وسأل الكبار، استحى من كثرة ما سأل، قلت تعال: وأريه شرح النووي على مسلم وترجم للثقة الذي هو أبوه، ومن يذكر الولد، وأما الفقيه الذي يدور اسمه كثيرًا في كتب الفقه فهو فلان بن فلان وإن كان سيئ الحفظ، حلت إشكالًا كبيرًا، ما يدري يبحث في فقه شخص ما يعرفه، مثل هذه الأمور التي ينبه عليها أهل العلم يعض عليها بالنواجذ، تحل إشكالات، وهذا من النوع الذي ينبغي أن يعتنى به مثل ما قلنا عند قراءة الكتب وسرد الكتب.
طالب:...
يعني إشارة إلى أنها لم تثبت عنده، وعدم ذكر البخاري ليس بمطرد أن يقال كل ما تفرد به مسلم ورواه البخاري وحذف منه يكون القصد منه التعليل، لا ليس بمطرد.
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك.
"