شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح - كتاب صلاة التراويح وفضل ليلة القدر (عام 1428 هـ) - 19

 

المُقَدِّم: بسم الله الرحمن الرحيم.

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد، وآله وصحبه أجمعين. أيُّها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا بكم إلى حلقة جديدة في شرح كتاب الصوم، من كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، في البداية نرحب بضيف البرنامج فضيلة الدكتور/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا بكم فضيلة الشيخ.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المُقَدِّم: لازلنا في ذكر أقوال أهل العلم في عدد الركعات في صلاة الليل، توقفنا عند ما ذُكر عن الإمام مالك- رحمه الله- نستكمل أحسن الله إليكم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

المُقَدِّم: اللهم صلِّ عليه وسلم.

ذكرنا أنَّ مذهب المدينة كما قال الترمذي والعمل عندهم على إحدى وأربعين، وقيل: ثمان وثلاثين، كما رواه محمد بن نصر عن مالك، محمد بن نصر المروزي من أئمة الحديث، له كتاب باسم قيام الليل، والمطبوع المتداول الآن مختصره.

المُقَدِّم: الذي حققه الألباني- رحمه الله-.

قيام الليل؟

المُقَدِّم: ما حُقق يا شيخ؟

المقصود أنَّه مطبوع مرارًا، يعني أول ما طُبع بالهند، أنا عندي الطبعة الهندية.

المُقَدِّم: نعم.

رواه محمد بن نصر عن مالك قال: يُستحب أن يقوم الناس في رمضان بثمانٍ وثلاثين ركعة، ثم يسلم الإمام والناس، ثم يوتر بهم بواحدة، قال: وهذا العمل بالمدينة قبل الحرَّة، منذ بضع ومائة سنة إلى اليوم. هكذا روى ابن أيمن عن مالك، وكأنَّه على ما تقدم جمع ركعتين، يعني الأصل أن يصلي ستًا وثلاثين، ويوتر بثلاث. هنا قال: ثمانٍ وثلاثين، رواية ابن أيمن ويوتر بواحدة. وكأنَّه جمع ركعتين من الوتر مع قيام رمضان، وإلا فالمشهور عن مالك ست وثلاثون، والوتر بثلاث. وقيل: أربع وثلاثون على ما حُكي عن زرارة بن أوفى أنَّه كان يُصلي بهم في العشر الأخير أربعًا وثلاثين، زرارة بن أوفى معروف من خيار التابعين قرأ، أو سمع القارئ في صلاة الصبح على ما ذُكر في ترجمته.

المُقَدِّم: يقرأ قوله تعالى.

نعم، هات، في المدثر. {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ} [سورة المدثر:8]، أي.

المُقَدِّم: فسقط.

نعم، مات- رحمه الله-، وهذا كثير في التابعين من بعده، يعني قد لا يوجد في الصحابة، وما حصل عن النبي- عليه الصلاة والسلام- حتى إنَّ بعض أهل العلم يشك في مثل هذا، وفي السِّير للذهبي ذكر عن ابن سيرين قال: مثل هؤلاء يُوضع الواحد منهم على جدار ثم يُقرأ القرآن، إن سقط فهو صادق، يعني كأنَّه يرى من وقع منه هذا الأمر ضربًا من التمثيل، لكنه حصل، وشيخ الإسلام يقرر هذا- رحمه الله-.

المُقَدِّم: لكن شيخ لا تحصل لذات الآية، وإنَّما يُمكن لظرف؛ لأنَّه ما يتخيل من هذا التابعي أنَّه أول مرة يسمع {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ} [سورة المدثر:8]، سمعها وقرأها وتلاها وختم القرآن مرارًا، لكن حصل له ظرف حال سمعها جعله يحدث منه هذا.

يعني الذي حدث للظرف لا لها.

المُقَدِّم: للظرف يا شيخ، طيب أين هو..؟

يعني يتذكر وفاة ابن أو شيئًا.

المُقَدِّم: يعني ظرف معين حصل.

لالا، قد يغفل أثناء قراءتها.

المُقَدِّم: طول عمره؟!

قد يغفل أثناء سماعها، وقد يحتف بقراءتها شيء.

المُقَدِّم: هو هذا، المقصود أنَّه

شيء من الاستحضار، يعني الآن التأثر قد يُسمع الإنسان يبكي والإمام يقرأ آيات مؤثرة، وهو ليس مع الإمام أصلًا، نعم، وهو ليس مع الإمام، يعني مجرب مثلًا من صلى في الدور الثاني من المسجد الحرام مثلًا، وهو يطل على المطاف والإمام يقرأ آيات مؤثرة وبصوت مؤثر ومع ذلك يبكي هذا لا لقراءة الإمام.

المُقَدِّم: للزحام.

إنَّما ينظر في المطاف ويتذكر موجان الناس في الحشر وغيره، نعم. هذا لا شك أنَّ مثل هذا تشريك، تشريك، لكنه تشريك عبادة بعبادة، يعني كما حصل من عمر أنَّه كان يجهز للجيوش في وهو في الصلاة، تشريك عبادة بعبادة، وأنواع التشريك منها المؤثر ومنها غير المؤثر. حتى قال بعض المالكية إنَّه لا يجوز انتظار الداخل في الركوع من قِبل الإمام.

المُقَدِّم: هذا تشريك.

تشريك، يعني الإطالة ليست من أجل الصلاة، وإنَّما هي من أجل هذا الداخل مع أنَّ مثل هذا التشريك لا يؤثر، يعني بعض المالكية قال إنَّه مؤثر، والحقيقة أنَّه لا يؤثر؛ لأنَّه حصل منه- عليه الصلاة والسلام- أنَّه أطال وأنَّه قصَّر الصلاة، يُقصِّر الصلاة لِما يسمع من بكاء الصبي، وأطال السجدة لِما حصل من الحسن أو الحسين لمَّا.

المُقَدِّم: ارتحلا عليه.

نعم، فمثل هذا لا يؤثر.

المُقَدِّم: اللهم صلِّ عليه وسلم.

على كل حال هذه المسألة يعني مسألة التأثر بالقرآن، وما يحصل من غشي هذا موجود، حتى إنَّ أسماء لمَّا دخلت وهم يصلون صلاة الكسوف في الصحيح، يصلون صلاة الكسوف، وتقدم هذا في الصحيح الفتيا بالإشارة، فسألت عائشة وهي تصلي كأنَّها تقول: ما هذه الصلاة؟ فأشارت عائشة إلى السماء، فقالت: آية، فأشارت برأسها أن نعم.

المُقَدِّم: نعم.

فأصابها الغشي، يعني هذا يحصل، يعني المواقف منها ما يقتضي هذا، لكن عند قراءة القرآن قد يقول قائل: هذا لو كان خيرًا لسبقونا إليه، هذا ما فعله الرسول- عليه الصلاة والسلام- وحصل منه.

المُقَدِّم: لكن وأيش غشي أسماء؟

أصابها الغشي بحيث رُشَّ عليها الماء. يعني نوع من الإغماء. المقصود أنَّ القرآن ثقيل، والذي يستحضر هذا الثِّقل لابد أن يتأثر، قلب النبي- عليه الصلاة والسلام- من القوة بحيث يتكافأ مع هذا القول الثقيل، فما حصل منه شيء، نعم التأثر بالغ، ويبكي من قراءة القرآن ولصدره أزيز كأزيز المرجل، لكن في مقاومة، في قوة، وكذلك قلوب الصحابة- رضوان الله عليهم- وهذا ما قرره جمع من أهل العلم، من بعدهم استمر هذا الاستحضار- استحضار هذه القوة، وهذا الأثر- لكنَّ القلوب ضَعُفَت، ما صار فيه تكافؤ بين قوة المؤثر والمُأثَّر عليه، فحصل ما حصل، ثم بعد ذلك طال العهد بالناس، فنُسيت قوة المؤثر مع ضعف المتأثر، مع ضعف القلوب، فلم يكن له ذلك الأثر. استحوذت الغفلة على قلوب الناس، وران عليها ما ران وإلا فلو الإنسان يعرف أنَّه يخاطب الرحمن بهذا الكلام.

هو الكتاب الذي من قام يقرأه

كأنَّما خاطب الرحمن بالكلم

يعني يتأثر بقوله: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ} [سورة المدثر:8]، يعني كثير من طلاب العلم ما يعرف أيش معناها، وليس لها أدنى أثر، ولا تحرك ساكنًا عنده فضلًا عن عامة الناس، وقد يعرف المعنى، وقد يعرف كل ما قيل في هذه وفي غيرها ومع ذلك لا يتأثر، وهذا لا شك أنَّه الأقفال التي على القلوب، والران بسبب التخليط في المكاسب والأعمال، وبسبب الفضول- فضول الأكل، فضول النوم، فضول الكلام، فضول الجوارح، فضول السمع، فضول البصر- يعني الآن حدِّث ولا حرج من هذه الفضول، يعني تجد بعض الأخيار عندهم استعداد يجلسون الليلة كاملة مع أمثالهم وأقرانهم ويتجاذبون أطراف الحديث الذي هو في الجملة مباح، لكن إذا طال الكلام لابد أن يدخله شيء، ثم إذا أرادوا الوتر بثلاث ركعات قد يوفق بعضهم، وقد يصعُب على البعض الأخر؛ لأنَّ الإنسان لابد أن يُري الله من نفسه خيرًا، ولابد أن يتعرف على الله- جلَّ وعلا- في هذه الظروف.

المُقَدِّم: الله المستعان.

الذي دعانا إلى الكلام زرارة بن أوفى، قيل: أربع وثلاثون على ما حكي عن زرارة بن أوفى أنَّه كذلك كان يصلي بهم في العشر الأخير، وقيل: ثمانٍ وعشرون، وقيل: أربع وعشرون، وقيل: عشرون، وحكاه الترمذي عن أكثر أهل العلم- يعني العشرين-.

المُقَدِّم: غير الشفع والوتر.

يعني غير الوتر، نعم، وقيل: عشرون، وحكاه الترمذي عن أكثر أهل العلم، فإنَّه روي عن عمر وعلي وغيرهما من الصحابة، وهو قول أصحابنا الحنفية. هذا كلام العيني. وقال ابن عبد البر: هو قول جمهور العلماء، وبه قال الكوفيون والشافعي وأكثر الفقهاء، وهو الصحيح عن أُبَي بن كعب من غير خلاف من الصحابة.

قال ابن عبد البر: هو قول جمهور العلماء، وبه قال الكوفيون والشافعي، يعني مالك معروف رأيه، ما يقول بهذا، وماذا عن أحمد؟

المُقَدِّم: يدخل في الجمهور؟

لكن هل يدخل عند ابن عبد البر؟

المُقَدِّم: نعم.

يعني كأنَّ ابن عبد البر ما صنَّف أحمد من الفقهاء.

المُقَدِّم: صحيح.

لأنَّه كتاب في تراجم الأئمة الثلاثة الفقهاء، قال: وهو الصحيح عن أُبَي بن كعب من غير خلاف من الصحابة، وقيل: ست عشرة، وهو مروي عن أبي مِجلز، ويقرأ في كل ليلة سبع القرآن، وقيل: ثلاث عشرة، واختاره محمد بن إسحاق، وجاء في حديث ابن عباس أنَّه كان يوتر، يصلي ثلاث عشرة تقدم ذكره. وقيل: إحدى عشرة، وهو اختيار مالك لنفسه، واختاره أبو بكر بن العربي وهو من المالكية، قيل: إحدى عشرة يعني على ما جاء في حديث عائشة.

المُقَدِّم: نعم.

وهو اختيار مالك لنفسه، واختاره أبو بكر بن العربي، لماذا يختار لأتباعه ستًّا وثلاثين، ويختار لنفسه إحدى عشرة؟

المُقَدِّم: لأنَّه يطيل، الظاهر. يتبع السُّنَّة في الإطالة.

يعني في الكم والكيف.

المُقَدِّم: نعم.

يقتفي الأثر كمًّا وكيفًا، لكن الذي لا يستطيع أن يقتفي الأثر يعمل بما ورد عن عائشة.

المُقَدِّم: يزيد الركعات.

في الكيف.

المُقَدِّم: يزيد الركعات.

يزيد في الكم؛ لأنَّ الملاحظ في القيام الوقت، كثير من النصوص لا سيما ما جاء في سورة المزمل الملاحظ الوقت؛ ولذلك فالمطلوب من الإنسان أن يعمر عمره بالطاعة، يعني هذا الظرف الذي هو من التكليف إلى الوفاة {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [سورة الحجر:99] الأصل أن يُعمر بما يحقق الهدف الذي من أجله أوجد المكلف، وهو تحقيق العبودية، فهذا الظرف يعني الزمن، فلا يقول قائل: إنَّ إحدى عشرة أفضل من عشرين، أو أفضل من خمس أو كذا، لا، إذا قلنا إنَّ هذا العدد بغض النظر عن الوقت، يعني إذا كان من يصلي ثلاثًا وعشرين ينتهي منها في ساعة، والذي يصلي إحدى عشرة ينتهي في نصف ساعة، نعم. نقول: ثلاث وعشرون أفضل؛ لأنَّ المسألة مسألة وقت، والذي يُصلي خمسًا مثلًا ويقرأ في كل ركعة جزءًا نقول أفضل ممن يصلي إحدى عشرة ويقرأ في كل ركعة ورقة؛ لأنَّ التنصيص في سورة المزمل على الوقت.

المُقَدِّم: الوقت.

نظير ما قيل في قراءة القرآن، يعني حينما يختلفون في القراءة بالتدبر والترتيل، وقراءة الهذ التي تُكسب الحسنات- حسنات الحروف- نعم، يعني يفترضون الخلاف فيمن يقرأ في ساعة، هل يقرأ خمسة أجزاء أو يقرأ جزأين؟ هذا محل الخلاف، وليس معنى هذا أنَّ الذي يقرأ جزأين في نصف ساعة مثلًا أفضل ممن يقرأ أربعة في ساعة، لا، ما يقول هذا أحد؛ لأنَّهم يلحظون مع ذلك الوقت، فمالك اختار لنفسه إحدى عشرة، وأبو بكر بن العربي وهو من أئمة المالكية أيضًا اختار إحدى عشرة، لكن إذا اختاروا الكم يختارون معه.

المُقَدِّم: الكيف.

الكيف، يقول النووي في شرح المهذب: مذهبنا أنَّها عشرون ركعة بعشر تسليمات غير الوتر، وذلك خمس ترويحات، والترويحة أربع ركعات بتسليمتين، يقول: هذا مذهبنا وبه قال أبو حنيفة وأصحابه وأحمد وداود وغيرهم، ونقله القاضي عن جمهور العلماء. الآن كلام العيني تقدم وفيه سرد الخلاف، خلاصة ما قاله النووي في شرح المهذب يقول: مذهبنا أنَّها عشرون ركعة بعشر تسليمات غير الوتر؛ لأنَّه تقدم العيني ماذا يقول؟ وقيل: عشرون، وحكاه الترمذي عن أكثر أهل العلم، ثم قال: وهو قول أصحابنا الحنفية، والنووي يقول: مذهبنا أنَّها عشرون ركعة، مثله، بعشر تسليمات غير الوتر، وذلك خمس ترويحات، والترويحة أربع ركعات بتسليمتين، هذا مذهبنا، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه وأحمد وداود وغيرهم، ونقله القاضي عياض عن جمهور العلماء.

وفي الشرح الكبير لكتاب المقنع.

المُقَدِّم: حنابلة.

من كتب الحنابلة، الشرح الكبير على المقنع، يعني المقنع للإمام الموفق، وشرحه لابن أخيه الشارح، وجله مأخوذ من المغني، يعني تقرأ الصفحة والصفحتين بحروفها من المغني، لكن باعتباره يختم هذا الكتاب الذي هو المقنع وفيه مسائل كثيرة على الخرقي يُستفاد منه، يقول في الشرح الكبير: وعددها عشرون ركعة، وبه قال الثوري وأبو حنيفة والشافعي، فماذا عن أحمد؟

المُقَدِّم: أكيد سيأتي.

أحمد هو الأصل.

المُقَدِّم: نعم.

الكلام على لسان أحمد؛ لأنَّه في مذهب أحمد، نعم. وعددها عشرون ركعة، وبه قال الثوري وأبو حنيفة والشافعي، وقال مالك: ست وثلاثون، وزعم أنَّه الأمر القديم، وتعلق بفعل أهل المدينة.

على كل حال المرجح في مثل هذا إن تيسر تطبيق حديث عائشة كمًّا وكيفًا فهو الأفضل.

المُقَدِّم: إحدى عشرة.

إحدى عشرة، كمًّا وكيفًا، ما تُنقر الإحدى عشرة بنصف ساعة ونقول هذه هي السُّنَّة، أبدًا، لكن إذا صعب على الناس، أو صعب على المصلي الإتيان بالكيف فليكثر من الكم؛ ليحصل له أجر استيعاب الوقت الأطول، هذه الخلاصة. وأمَّا بالنسبة للقول بأنَّ ما زاد على الإحدى عشرة فبدعة، فإنَّ هذا مع أنَّ عامة أهل العلم على خلافه، يعني عامة أهل العلم على ترجيح العشرين، وهذا ثابت عن الصحابة والتابعين فمن دونهم، والأئمة جلهم على هذا، يعني لو لاحظت الأئمة الأربعة، هل قال منهم أحد بإحدى عشرة؟

المُقَدِّم: أبدًا.

ما قاله أحد، ما قال بإحدى عشرة، رأوا بأنَّ الإحدى عشرة مثال، نعم، مثال للعدد المطلوب وإلا فالنبي- عليه الصلاة والسلام- صلى تسعًا، أوتر بتسعٍ، وأوتر بسبع، وأوتر بخمس، وقام حتى تفطّرت قدماه، وقرأ الطوال البقرة ثم آل عمران ثم النساء وقام. المقصود أنَّ مثل هذا عامة أهل العلم على أنَّ العدد بابه واسع.

المُقَدِّم: واسع.

يصلي الإنسان، «صلاة الليل مثنى مثنى» ما فيها تحديد «صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشيت الصبح فأوتر بواحدة». القنوت، ماذا عن القنوت في الوتر؟ انتهينا من العدد، والوتر، القنوت في الوتر، يقول ابن قدامة في المغني: القنوت مسنون في الوتر في جميع السنة؛ لأنَّك في رمضان تسمع الخلاف الكثير بين طلاب العلم مع الإمام، إذا قنت قال بعضهم: افصل يا أخي، لا تقنت الليلة القادمة، ويشككون في مشروعيته، وبعضهم إذا ترك القنوت قال: حرمتنا من الدعاء في هذه الليالي الفاضلة، يقول ابن قدامة: القنوت مسنون في الوتر في جميع السنة، هذا المنصوص عند أصحابنا، وهو قول ابن مسعود، وإبراهيم، وإسحاق، وأصحاب الرأي، وروي ذلك عن الحسن في جميع السنة، وعن أحمد رواية أخرى، أنَّه لا يقنت إلا في النصف الأخير من رمضان، وروي ذلك عن علي وأبي، وبه قال ابن سيرين، وسعيد بن أبي الحسن، والزهري، ويحيى بن ثابت، ومالك والشافعي، واختاره أبو بكر بن الأثرم- في النصف الأخير من رمضان-؛ لما روي عن الحسن، أنَّ عمر جمع الناس على أبي بن كعب، فكان يصلي لهم ولا يقنت إلا في النصف الباقي. رواه أبو داود وهذا كالإجماع، يقول ابن قدامة: وقال قتادة: يَقنُت أو يُقنَتُ في السنة كلها إلا في النصف الأول من رمضان؛ لهذا الخبر، فهم الخبر.

المُقَدِّم: أنَّه ما قنت إلا في النصف الأخير.

أنَّه كان يصلي لهم ولا يقنت إلا في النصف الباقي من رمضان، من رمضان النصف الباقي، النصف الأول ما يقنت، باقي السنة مسكوت عنه، فإمَّا أن يكون فيه القنوت أو لا قنوت فيه، يقول: وقال قتادة: يُقنَتُ في السنة كلها إلا في النصف الأول من رمضان؛ لهذا الخبر، وعن ابن عمر أنَّه لا يقنت إلا في النصف الأخير من رمضان، وعنه لا يقنت في صلاة بحال. هذا رأي ابن عمر، والرواية الأولى.

المُقَدِّم: عن عمر.

لا، الرواية الأولى التي ذكرها ابن قدامة، القنوت مسنون في الوتر في جميع السنة.

المُقَدِّم: قول ابن مسعود وغيره، نعم.

نعم، الرواية الأولى، الرواية الأولى هي المختارة عند أكثر الأصحاب، فأبو بكر الأثرم من الأصحاب اختار أنَّه لا يُقنت إلا في النصف الأخير من رمضان، الرواية الأولى التي مقتضاها أنَّ القنوت مسنون في الوتر في جميع السنة، هي المختارة عند أكثر الأصحاب، وقال أحمد، في رواية المروذي: كنت أذهب إلى أنَّه في النصف من شهر رمضان، ثم إني قلت: هو دعاء وخير؛ ولأنَّه وتر، فيشرع فيه القنوت كالنصف الآخر، يقول: ما الفرق بين النصف الأول والنصف الثاني؟ يعني ما فيه فرق إلا أنَّ النصف الثاني مشتمل على العشر الأواخر، يقول: ولأنَّه وتر فيُشرع فيه القنوت كالنصف الآخر؛ ولأنَّه ذكر يشرع في الوتر، فيشرع في جميع السنة، كسائر الأذكار.

الإمام أحمد يتوسع في مسائل الدعاء في الصلاة؛ ولذلك المعروف في المذهب أنَّ دعاء الختم مستحب، ويكون في التراويح لا في الوتر، وقيل له في ذلك: لماذا لا يُجعل في الوتر؟ قال: ليكون لنا دعاءان، يعني نستفيد الدعاء في التراويح ختم القرآن.

المُقَدِّم: وفي الوتر.

وفي الوتر، هو يتوسع في هذا الباب، وهو الذي عليه الفتوى الآن عند كثير من شيوخنا.

المُقَدِّم: في الحرمين.

وإن كان بعضهم يطلب لهذا أصل من الكتاب أو السُّنَّة وهذا هو الأصل، على كل حال المسألة مسألة الإمام أحمد، إمام يُقتدى به، لكن لم يذكر دليلًا على ذلك.

المُقَدِّم: لكن يا شيخ ما ودنا ندخل في مسألة أخرى حتى نُنهي قضية بعض الأئمة الآن خرجوا علينا بمسألة أنَّهم لا يقنتون إلا في النصف الثاني من رمضان، النصف الثاني، لهم مستند كما ذكرتم، لكن هل يحق لهذا الإمام أن يكون له مثل هذا المستند ويجبر من خلفه من المصلين، ثم يخالف ما عليه عامة أهل بلده، يخالف ما صدر من التعاميم، هل يحق له هذا؟ هل تعتبر هذه من المسائل الاجتهادية الفردية التي يحق له فيها أن يفعل هذا، أو يُقال له اعمل بما عليه الفتوى ورأيك لك أنت لا تجبر الناس به؟

الأصل أنَّ العبادات، أنَّ الإنسان يعمل فيها بما يعتقده ويدين الله به، فإن كان موافقًا لما عليه الفتوى في بلده لا سيما في مثل هذه المسائل الاجتهادية، فبها ونعمت ويعمل به ويشهره، لكن إن كان مخالفًا لما عليه العمل في بلده فإمَّا أن يعمل بما عليه الفتوى بحيث لا يُوجد تشويش ولا اضطراب أو يعتزل، يُمكن غيره من الصلاة، ويعمل بالنسبة لِما يخصه ولا يتعداه إلى غيره بما يدين الله به.

المُقَدِّم: أحسن الله إليكم، لعلنا نرجئ بقية المسائل في مسألة الوتر والقنوت بإذن الله إلى حلقات قادمة تتعلق بصلاة التراويح. أيُّها الإخوة والأخوات بهذا نصل وإيَّاكم إلى ختام هذه الحلقة في شرح كتاب الصوم من كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، يتجدد بكم اللقاء بإذن الله في حلقة قادمة وأنتم على خير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.