شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (147)

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلًا بكم إلى حلقة جديدة ضمن برنامجكم شرح كتاب التجريد الصريح من أحاديث الجامع الصحيح.

يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا ومرحبًا بكم شيخنا الكريم.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: قال المصنف -رحمه الله- عن أسماء بنت أبي بكر-رضي الله عنهما- قالت: أتيت عائشة -رضي الله عنها-وهي تصلي، فقلت ما شأن الناس؟ فأشارت إلى السماء، فإذا الناس قيامٌ، فقالت: سبحان الله، قلت: آية، فأشارت برأسها، أي نعم، فقمت حتى علاني الغشي، فجعلت أصب على رأسي الماء، فحمد الله– عز وجل- النبي -صلى الله عليه وسلم- وأثنى عليه، ثم قال..

هذا في الأصل في البخاري، وفي الطبعات القديمة للتجريد موجودة.

المقدم: موجودة.

نعم

وأثنى عليه ثم قال: «ما من شيء لم أكن أريته إلا رأيته في مقامي هذا، حتى الجنة والنار، فأوحي إلي أنكم تفتنون في قبوركم مثل أو قريبًا من فتنة المسيح الدجال، يُقال: ما علمك بهذا الرجل؟ فأما المؤمن أو الموقن فيقول: هو محمد هو رسول الله، جاءنا بالبينات والهدى فأجبناه واتبعناه، هو محمد ثلاثًا، فيقال: نم صالحًا قد علمنا إن كنت لموقنًا به، وأما المنافق أو المرتاب فيقول: لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئًا فقلته».

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

راوية الحديث أسماء بنت أبي بكر الصديق عبد الله بن عثمان القرشية التيمية، زوج الزبير بن العوام، أم عبد الله، وهي ذات النطاقين، وكانت أسن من عائشة، وهي أختها لأبيها، ولدت قبل التاريخ -يعني قبل الهجرة- بسبع وعشرين سنة، وأسلمت بعد سبعة عشر إنسانًا، يعني هي الثامنة عشر.

وهاجرت إلى المدينة وهي حامل بعبد الله بن الزبير، فوضعته بقباء، وإنما قيل لها: ذات النطاقين؛ لأنها صنعت للنبي -صلى الله عليه وسلم- ولأبيها سفرة؛ إطعام للمسافر، هذا الأصل فيها، لما هاجرا فلم تجد ما تشدها به، فشقت نطاقها وشدت السفرة بها، فسماها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات النطاقين، وهي وابنها وأبوها وجدها أربعة صحابيون.

أحد الحضور، ما هذا، رضي الله عنهم؟

أربعة على نسق؛ عبد الله بن الزبير، وأمه، وأبوها وجدها، على نسق، أربعة صحابيون.

عُمرت طويلًا، وبقيت إلى أن قُتل ابنها عبد الله سنة ثلاث وسبعين، وماتت بعده بيسير، قيل بعد عشرة أيام، عن مائة سنة، ولم يسقط لها سن، ولم يتغير لها عقلها، وأخبارها كثيرة شهيرة في كتب الصحابة، كتب التواريخ، وكتب الأدب، لها أخبار كثيرة يتناقلها أهل العلم، وهذا الحديث ضمن الترجمة السابقة، حيث ترجم الإمام البخاري بقوله: باب من أجاب الفتيا بإشارة اليد والرأس.

وتقدم ذكر المطابقة بينهما، وأن الحديث دليل على الشق الثاني من الترجمة، من أجاب الفتيا بإشارة الرأس، أما إشارة اليد فدليلها حديث...

المقدم: الذي قبله.

 أبي هريرة الحديث الذي قبله، وأنه دليل على الشق الثاني من الترجمة، الإشارة بالرأس.

قالت أسماء: أتيت أختي عائشة وهي تصلي، أي حال كونها تصلي، والمراد بالصلاة صلاة الكسوف، فقلت: ما شأن الناس؟ القائمون يصلون مضطربين فزعين، فأشارت عائشة إلى السماء أي انكسفت الشمس، ما شأن الناس مضطربين فزعين؟ تؤثر فيهم الآيات اقتداءً بنبيهم -عليه الصلاة والسلام- الذي خرج فزعًا يجر رداءه يظن أنها الساعة، هكذا تفعل القلوب الحية، بخلاف ما عليه حال كثير من الناس اليوم، حيث يقع الكسوف مرارًا، ولا يحرك في الناس ساكنًا مع الأسف الشديد؛ تجد أرباب التجارات في تجاراتهم، وأرباب اللهو في لهوهم، وأهل المعاصي في معاصيهم، وأهل السمر في سمرهم لا يؤثر فيهم شيء، ولعل من أقوى الأسباب على ذلك إخبار الناس بالكسوف قبل وقوعه، إخبار الناس بالكسوف قبل وقوعه لا شك أنه يذهب هيبته، ويذهب وقعه من قلوب الناس، لكن لو وقع فجأة لترتبت الآثار عليه؛ لأنه إنما {يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ} [الزمر:16]، فأين الحكمة من مشروعية صلاة الكسوف، ومن وقوع مثل هذا الحدث؟ الحكمة ترتفع بهذا.

فالذي ينبغي عدم إعلان وقوع الكسوف، وإن كان المرجح عند كثير من أهل العلم أنه يمكن أن يُدرك بالحساب على خلاف بينهم في ذلك، "فأشارت عائشة إلى السماء" أي انكسفت الشمس، «فإذا الناس قيام»، هل كل الناس قيام يصلون؟ هذا من العام الذي أُريد به..

المقدم: الخاص.

 الخصوص، فإذا الناس أي بعضهم، بدليل أنها لم تدخل في الصلاة بعد، فيوجد مثلها من لم يدخل في الصلاة، وإن كان المظنون بالصحابة -رضوان الله عليهم- رجالًا ونساءً في مثل هذه الظروف، صغارًا وكبارًا أن يبادروا إلى الاقتداء به –عليه الصلاة والسلام-، وأن يفزعوا إلى الصلاة.

قيام إلى صلاة الكسوف، قال ابن حجر: كأنها التفتت من حجرة عائشة إلى من في المسجد فوجدتهم قيامًا في صلاة الكسوف، ففي إطلاق الناس على البعض، وهذا من إطلاق العام وإرادة الخاص، من العام الذي أُريد به الخصوص، كما في قوله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ}[آل عمران:173]

"وقالت عائشة-رضي الله تعالى-: سبحان الله"، أي أشارت قائلةً -سبحان الله-، يقول الكرماني: سبحان علم للتسبيح أي التنزيه، فإن قلت: فكيف أضيف؟ يعني إلى لفظ الجلالة إلى الله؟ قلت: نكِّر فأُضيف، وقال ابن الحاجب: كونه علمًا إنما هو في غير حالة الإضافة، وهو مفعول مطلق التزم إضمار فعله، قلت: آية بهمزة الاستفهام، وحذفها، أآية؟ بإثبات همزة الاستفهام وحذفها، خبر مبتدأ محذوف، أي: أهي آيةٌ؟ أي علامة لعذاب الناس كأنها مقدمة لهم، قال تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} [الإسراء:59].

المقدم: {إِلَّا تَخْوِيفًا}.

أو علامة لقرب زمان القيامة وأمارة من أماراتها، أو علامة لكون الشمس مخلوقة داخلة تحت النقص، مسخرة لقدرة الله تعالى ليس لها سلطنة على غيرها، بل لا قدرة لها على الدفع عن نفسها، فكيف تُعبد من دون الله، قال الكرماني: فإن قلت: ما تقول فيما قال أهل الهيئة، إن الكسوف سببه حيلولة القمر بينها وبين الأرض، فلا يُرى حينئذٍ إلا نور القمر وهو كامد لا نور له.

المقدم: لا نور له

 لماذا؟ لأنه يستمد نوره..

المقدم: من الشمس.

 من الشمس، وذلك لا يكون إلا في آخر الشهر عند كون النيرين في إحدى عقدتي الرأس والذَّنب، وله آثار في الأرض، هل جاز القول به أم لا؟ يعني الكسوف له آثار في الأرض، وهذا من قول أهل الهيئة.

المقدم: نعم.

نعم، يقول: قلت المقدمات كلها ممنوعة، يعني كل ما ذكره هذا ممنوع، ولئن سلمنا فإن كان غرضهم أن الله تعالى أجرى سنته بذلك كما أجرى باحتراق الحطب اليابس عند مساس النار فلا بأس به، يعني إن كان الله -جل وعلا- أجرى واطردت العادة بأنه يحصل تأثير عند الكسوف أو الخسوف والمجلي هو الله -سبحانه وتعالى-، وإنما  اطردت بهذا عادته، يقول: فلا بأس به، وإن كان غرضهم وأنه واجب عقلًا؛ يعني التأثير واجب عقلًا بحصول مثل هذا التغير في هذه الآية، وله تأثير بحسب ذاته فهو باطل.

المقدم: لكن -أحسن الله إليك- الاطراد، الاطراد في نواميس الكون ألا يمكن أن يقال بأنه واجب عقلًا ظاهر، يعني ما يمكن أن ينخرم؛ لأن الله -عز وجل- أجراها هكذا.

نعم، لكنه -جل وعلا- قادر على أن يغير هذا.

المقدم: بلا شك.

لكن الكلام كلامه في أي شيء أن أهل الهيئة يزعمون أن هناك تأثيرات تابعة وتغييرات تابعة لحصول هذا الخلل في هذه الآية، شعرنا بها أو لم نشعر يعني بسببها، ولذا يقول: إن كان الله -جل وعلا- جعل حصول هذا التغيير سببًا، مجرد سبب وارتبط به ذلك، واطرد بحيث يوجد كل ما وجد الكسوف..

المقدم: يتعلق به.

فكان كغيره من الأسباب.

المقدم: يعني المطرد في شأن النار مثلًا أنها تحرق، وهذا اطراد عقلي أن يقبل.

مثل استثناء نبينا إبراهيم -عليه السلام-.

المقدم: فهذا الاستثناء ما يعتبر خرمًا للقاعدة إلا بقدرة الله -جل وعلا-.

بلا شك.

المقدم: لماذا ما يطبق هذا على شأن الكسوف والخسوف؟

لا لا ما هو يناقش في أصل الكسوف.

المقدم: على الآثار المترتبة.

 نعم، يناقش في أن الكسوف يصاحبه آثار.

المقدم: نعم.

يصاحبه آثار سواء حس بها الناس أو لم يحسوا، لا بد أن له آثارًا، لكن هذه الآثار إن كانت كما يقول الكرماني هو منع كل هذه الآثار، يقول خلاص احصر هذا الخلل ثم يعود، لكن وجود آثار لم نشعر بها من فعله -جل وعلا- هي التي يحصل بها التخويف، وإلا مجرد كون الأرض تحول بين الشمس والقمر مدة معلومة، ثم يزول هذا ما يحصل به تخويف كما يُقال الآن، هذه أمور عادية، طبيعية، لكن الذي يُخشى منه والمخوف هو أنه لما تغير نظام هذا المخلوق، الذي غيره قادر -جل وعلا- على أن لا يعيده على ما كان هو عليه أولًا، وقادر على أن يصحبه بآيات أخرى مؤثرة، أما كون التغيير مطردًا فهذا يحتاج إلى استقراء.

المقدم: نعم نعم.

وذلك لا يكون إلا في آخر الشهر، عند كون..

المقدم: خسوف الشمس يقصد يا شيخ.

يقول إن الكسوف سببه حيلولة القمر بينها وبين الأرض، فلا تُرى حينئذٍ، ولكن لا يُرى إلا نور القمر وهو كامد ولا نراه، وذلك لا يكون إلا في آخر الشهر، المعروف أن الذي يقع في آخر الشهر هو كسوف شمس.

المقدم: الشمس.

أما الخسوف.

المقدم: الخسوف.

فلا يكون إلا في منتصف الشهر.

المقدم: منتصف الشهر.

هكذا جرت العادة، مع أنهم قالوا إن الشمس انكسفت في عهده -صلى الله عليه وسلم- في اليوم العاشر من الشهر، الشراح ذكروا نقلوا عن أهل السير أنها انكسفت في اليوم العاشر.

المقدم: يوم موت إبراهيم.

 نعم يوم موت إبراهيم، وإن كانت العادة مضطردة عند أهل الهيئة، أن الكسوف لا يقع إلا في آخر الشهر.

الأخ الحاضر:......

 بالنسبة للشمس في آخر الشهر، بالنسبة للقمر في المنتصف، عندهم أن المد والجزر مرتبط بالقمر، ولذلك تجد في منتصف الشهر أكثر منه في أثنائه، عندهم يربطون بهذا، وإن كانت عادة مضطربة، والله تعالى هو المجري لهذه العادة، والموجد لهذه العادة، فهي سبب من الأسباب العادية إذا اطردت أسباب عادية لا مانع من القول به، كالعلاج إذا اطرد نزع هذا العقار لهذا المرض قولنا سبب، لكن لو تأتي إلى شيء لا أثر له البتة، فتقول مثل هذا القلم أو مثل هذه الورقة تشفي من داء كذا هذا شرك، شرك في التسبيب، ليس بسبب شرعي ولا عادي.

الأخ الحاضر:... من باب الإيمان والتسليم بغض النظر عما يعرف أو ما يعرف.

الفرق بين أن الأمور المفاجئة تأثيرها أعظم من الأمور المطردة، يعني كونك تعرف أن هذا سيقع..

المقدم: هل هذا يؤثر؟

ما يؤثر.

المقدم: هذا هو سؤال الأخ يتعلق بمعرفة الزلازل قبل مثلًا؟

الزلازل قد يكون لها مقدمات، تحركات تُرصد يمكن بالأجهزة.

المقدم: نعم.

 فمعرفتها يترتب على هذه المعرفة ما فيه مصالح للناس في أن ينتقلوا عن هذا المكان، أو يحتاطوا ويستعدوا.

الأخ الحاضر:...

المقدم: لكن هل إذا علم مثلًا تقع؟

أينعم تقع، تقع، وهي كلها عقوبات، وكلها عقوبات، لا شك أنها عقوبات، لكن يبقى أن معرفة الزلازل له أثر عملي، لكن معرفة الكسوف ما الأثر العملي المترتب عليه؟

الأخ الحاضر: آية تخويف لكن ما فيها أثر.

المقدم: الزلازل قصدك ينتقلون من المكان.

من أجل أن ينتقلوا.

المقدم: يعنني هذا الأثر العملي.

نعم، وهذا نافع بحد ذاته.

المقدم: نعم.

أما معرفة الكسوف قبل وقوعه الأثر الشرعي وهو التخويف يذهب، ولا أثر عملي يترتب على ذلك إذًا ما الفائدة من الإخبار به؟

المقدم: قبل قليل أشرتم إلى وجود الخلاف بين أهل العلم في إمكانية معرفته، هل هذا الخلاف صحيح يا شيخ؟

صرح جمع من أهل العلم أن معرفة الكسوف قبل وقوعه من ادعاء علم الغيب، ومن فعل المنجمين.

المقدم: عجيب.

صرح جمع من أهل العلم، لكن الذي استقر عليه المحققون أنه يمكن أن يدرك بالحساب، حتى أنكر بعضهم أن يكون سبب الكسوف حيلولة الأرض دون الشمس والقمر؛ لأن الشمس أضعاف مضاعفة..

المقدم: حيلولة القمر.

عن الأرض؛ الأرض بالنسبة للشمس صغيرة جدًّا، حتى في اعترافهم هم، يقول: فكيف يحول الصغير دون الكبير؟

المقدم: نظرًا للبعد.

البعد والقرب نعم، يعني لو وضعت يدك بينك وبين الباب، ما نسبة يدك إلى الباب؟ لا شيء، صغير جدًّا، لكنها لقربها تحجب الباب عنك.

المقدم: نعم.

 نعم هذا ما فيه إشكال، على كل حال تبقى المسألة آية، آية لابد من ترتب الأثر الشرعي عليها، وهو التخويف، يعني ما ترتب عليه أثره الشرعي إذًا ما فائدة هذه الآية؟ وأين موقعنا منه -عليه الصلاة والسلام-

الذي خرج يجر رداءه فزعًا، وأصحابه فزعوا، وأسماء أصيبت بالغشي، كما في هذا الحديث، أصابها الغشي؟

الأخ الحاضر: الغشي من طول الصلاة أم من أثر...؟

سيأتي هذا، المقصود أن مثل هذا لا شك أنه إلى وقت قريب، وهو مؤثر تأثيرًا لا شك أن له أثره، ويبقى المسلم أيامًا متأثرًا بهذا الأثر، فتترتب آثاره، لكن لما صار أمرًا عاديًّا، طبيعيًّا يعني مثل ما تطلع وتراها تكسف ماذا يصير؟

المقدم: كانوا يؤرخون ببعض الأحداث في مسألة الخسوف والكسوف؟

هم يقولون الكسوف الأول والكسوف الثاني؛ لأن كسوف الشمس.

المقدم: كان قليلًا.

قليل جدًّا.

المقدم: نعم.

يقول: وإن كان غرضهم أنه واجب عقلًا وله تأثير بحسب ذاته فهو باطل بما تقرر أن جميع الحوادث مستندة،  مستندة إلى إرادة الله تعالى ابتداءً ولا مؤثر في الوجود إلا الله، فأشارت، يعني عائشة برأسها، وهذا هو الشاهد من الحديث للترجمة.

الترجمة باب من أجاب الفتيا بإشارة اليد والرأس، وهنا أشارت برأسها "أي نعم" تفسيرًا لقول أسماء قالت أي نعم، أشارت بالرأس، متوارثة معروفة عند الناس كلهم، عربهم وعجمهم، قالت أسماء: "فقمت إلى الصلاة حتى علاني" بالعين المهملة من علوت الرجل، من علوت الرجل إذا غلبت تقول: علاه يعلوه علوًّا، وعلا في المكان يعلو علوًّا أيضًا، وعلا بالكسر في الشرف يعلا علاءً، ويقال: علا بالفتح يعلا، وفي فتح الباري: حتى علاني كذا للأكثر بالعين المهملة وتخفيف اللام، وفي رواية كريمة: تجلاني، تجلاني، يعني كتابة تجلاني وعلاني قريبة في الصورة بمثناة وجيم ولام مشددة، وجلال الشيء ما غطي به، وجلال الشيء ما غطي به، والغشي: بفتح الغين وإسكان الشين المعجمتين وتخفيف الياء وبكسر الشين وتشديد الياء، الغَشْي، والغَشْي، بفتح الغين وإسكان الشين المعجمة، الغَشْي.

المقدم: بالكسرة الغشي.

لا كسر الشين الغشيُّ

المقدم: بفتح العين يعني؟

الغين مفتوحة في الموضعين، وتشديد الياء أيضًا هو طرف من الإغماء، والمراد به هنا الحالة القريبة منه، من الإغماء، يعني ما هو بإغماء كامل بحيث لا تشعر ألبتة، فأطلقته مجازًا لقربه منه، وهذا في كلام الحافظ ولذا قالت: فجعلت أصب على رأسي الماء، يعني لو كان الغشي إغماءً مطبقًا..

المقدم: ما صبت.

 ما استطاعت أن تصب على رأسها الماء، أي في تلك الحالة ليذهب، ووهم من قال بأن صبها للماء كان بعد الإفاقة، كان بعد الإفاقة، وهذا سيرد في كلام الكرماني.

وتعقب العيني قول الحافظ: وجلال الشيء ما غطي به، فقال: لو قال: ومنه جلال الشيء لكان لا بأس به تنبيهًا على أنهما مشتركان في أصل المادة، ولا يُقال: هذا جلال، إنما يُقال: جِل. انتهى.

قال الحافظ بانتقاض الاعتراض: وهذا من تعينه، كذا في المطبوع، ولعل الصواب من تعنته، وهذا من تعنته، وفي شرح الكرماني: الغَشي بفتح الغين وإسكان الشين، وروي أيضًا بكسر الشين وتشديد الياء، وهو مرض معروف يحصل بطول القيام في الحر، وغير ذلك، وعرفه أهل الطب بأنه تعطل للقوى المحركة والحساسة؛ لضعف القلب واجتماع الروح كله إليه، فإن قلت: فإذا تعطلت القوى، فكيف صبت الماء؟ لا شك أن الغشي معروف، أقول معروف عند الناس كلهم، ويحصل كثيرًا للأطفال، لاسيما من عنده فقر في الدم أو ضعف في البنية أو وراثة، تجده يسقط أدنى سقطة أو يُضرب ضربة ولو خفيفة، فيصاب بشيء من ذلك، وقد يطول أمد هذا الغشي، فإن قلت: فإذا تعطلت القوى، فكيف صبت الماء؟ قلت: أراد بالغشي الحالة القريبة منه، فأطلقت الغشي عليها مجازًا أو كان الصب بعد الإفاقة منه، أو كان الصب بعد الإفاقة منه، وسبق قول الحافظ: ووهم من قال بأن صبها كان بعد الإفاقة.

وفي عمدة القاري: قال بعض الشارحين: ويروى بعين مهملة، قال القاضي: ليس بشيء، القاضي من؟ نعم عياض، في إيش؟ المشارق، مشارق الأنوار، ولذا قال: وفي المطالع، الذي هو مختصر المشارق، وفي المطالع، الغشي أو الغشِيّ بكسر الشين وتشديد الياء، كذا قيّده الأصيلي، ورواه بعضهم الغشي وهما بمعنى واحد يريد الغشاوة وهو الغطاء، ورُوِّيناه عن الفقيه بن محمد عن الطبري العشي، بعين مهملة وليس بشيء، "فجعلت أصب على رأسي الماء" أي في تلك الحالة ليذهب، ليذهب ذلك الغشي.

المقدم: أستأذنك شيخنا نستكمل بإذن الله ما تبقى من ألفاظ هذا الحديث في الحلقة القادمة، وأنتم على خير، أيها الإخوة والأخوات، سوف نستكمل بإذن الله ما تبقى من ألفاظ هذا الحديث في حلقة قادمة، شكرًا لطيب متابعتكم.

 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.