التعليق على تفسير القرطبي - سورة القصص (03)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، قال الإمام القرطبي -رحمه الله تعالى-:

" قَوْلُهُ تَعَالَى: {قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ} فِيهِ مَسْأَلَتَانِ:

الْأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ} أَيْ من المعرفة والحكمة وَالتَّوْحِيدِ" فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ" أَيْ عَوْنًا لِلْكَافِرِينَ. قَالَ الْقُشَيْرِيُّ: وَلَمْ يَقُلْ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ مِنَ الْمَغْفِرَةِ، لِأَنَّ هَذَا قَبْلَ الْوَحْيِ، وَمَا كَانَ عَالِمًا بِأَنَّ اللَّهَ غَفَرَ لَهُ ذَلِكَ الْقَتْلَ. وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ:" بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فِيهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: مِنَ الْمَغْفِرَةِ، وَكَذَلِكَ ذَكَرَ الْمَهْدَوِيُّ وَالثَّعْلَبِيُّ. قَالَ الْمَهْدَوِيُّ:" بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ" مِنَ الْمَغْفِرَةِ فَلَمْ تُعَاقِبْنِي.

الْوَجْهُ الثَّانِي: مِنَ الهداية.

قلت: قوله: " فَغَفَرَ لَهُ" يَدُلُّ عَلَى الْمَغْفِرَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ."

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ما في قوله بما موصولة، والموصول من صيغ العموم، فيعم جميع النعم التي أنعم الله بها عليه سواء كانت ظاهرة أو باطنة سواء كانت في الدين أو في الدنيا، الله -جل وعلا- له على عباده النعم الظاهرة والباطنة، أسبغ عليهم النعم { وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها}.

" قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ} يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَسَمًا جَوَابُهُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: أقسم بإنعامك على بالمغفرة لأتؤبن {فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ}".

القسم بالإنعام القسم لا يجوز إلا بالله –جل وعلا - أو بصفة من صفاته، والإنعام هل هذه صفة أو أثر الصفة؟

طالب: أثر أثر أثر.

أثر الصفة فلا يقسم به.

 "{فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ}، وَأَنْ يَكُونَ اسْتِعْطَافًا كَأَنَّهُ قَالَ: رَبِّ اعْصِمْنِي بِحَقِّ مَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ مِنَ الْمَغْفِرَةِ فَلَنْ أَكُونَ إِنْ عَصَمْتَنِي ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ."

السياق واضح، وهو أن موسى –عليه السلام- يريد أن يؤدي شكر هذه النعم، شكر هذه النعمة التي أنعم بها عليه، فلا يعود إلى ما بدر منه وحصل منه من قتله للقبطي، ولن يكون ظهيرًا للمجرمين من معاونة فرعون على ما يقال، وأنه كان في ركبه، أو إعانة الإسرائيلي على القبطي على القول بأنه ليس مسلمًا، سب مؤمنًا، حتى على القول بأنه مؤمن، وهو مريد للقتل لا شك أنه مجرم وظالم و لو كان مؤمنًا مسلمًا.

"وَأَرَادَ بِمُظَاهَرَةِ الْمُجْرِمِينَ إِمَّا صُحْبَةَ فِرْعَوْنَ وَانْتِظَامَهُ فِي جُمْلَتِهِ، وَتَكْثِيرَ سَوَادِهِ، حَيْثُ كَانَ يَرْكَبُ بِرُكُوبِهِ كَالْوَلَدِ مَعَ الْوَالِدِ، وَكَانَ يُسَمَّى ابْنَ فِرْعَوْنَ، وَإِمَّا بِمُظَاهَرَةِ مَنْ أَدَّتْ مُظَاهَرَتُهُ إِلَى الْجُرْمِ وَالْإِثْمِ، كَمُظَاهَرَةِ الْإِسْرَائِيلِيِّ الْمُؤَدِّيَةِ إِلَى الْقَتْلِ الَّذِي لَمْ يَحِلَّ لَهُ قَتْلُهُ، وَقِيلَ: أَرَادَ إِنِّي وَإِنْ أَسَأْتُ فِي هَذَا الْقَتْلِ الَّذِي لَمْ أُومَرْ بِهِ، فَلَا أَتْرُكُ نُصْرَةَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْمُجْرِمِينَ، فَعَلَى هَذَا كَانَ الْإِسْرَائِيلِيُّ مُؤْمِنًا، وَنُصْرَةُ الْمُؤْمِنِ وَاجِبَةٌ فِي جَمِيعِ الشَّرَائِعِ، وَقِيلَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: إِنَّ ذَلِكَ الْإِسْرَائِيلِيَّ كَانَ كَافِرًا".

 لا شك أن المؤمن إذا استنصر على الكافر فإنه يجب نصره، ولا يجوز خذلانه بحال، ولكن مع التعامل الشرعي المناسب، فلو استنصر مسلمٌ مسلمًا على كافر دفعه بالتي هي أحسن إذا كان مما يحق ويجوز له البقاء، أما إذا كان حربيًّا كافرًا فإنه ولو أدى ذلك إلى قتله، المقصود أن نصر المسلم واجب، ولا يجوز إسلامه بحال، لا يجوز أن يسلمه إلى عدوه.

 "وَقِيلَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: إِنَّ ذَلِكَ الْإِسْرَائِيلِيَّ كَانَ كَافِرًا"، وَإِنَّمَا قِيلَ لَهُ إِنَّهُ مِنْ شِيعَتِهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ إِسْرَائِيلِيًّا وَلَمْ يُرِدِ الْمُوَافَقَةَ فِي الدِّينِ، فَعَلَى هَذَا نَدِمَ؛ لِأَنَّهُ أعان كافرًا عَلَى كَافِرٍ، فَقَالَ: لَا أَكُونُ بَعْدَهَا ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ، وَقِيلَ: لَيْسَ هَذَا خَبَرًا بَلْ هُوَ دُعَاءٌ، أَيْ فَلَا أَكُونُ بَعْدَ هَذَا ظَهِيرًا أَيْ فَلَا تَجْعَلْنِي يَا رَبِّ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ. وقال الفراء: الْمَعْنَى، اللَّهُمَّ فَلَنْ أَكُونَ بَعْدُ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ، وَزَعَمَ أَنَّ قَوْلَهُ هَذَا هُوَ قَوْلُ ابْنِ عباس، قال النحاس: وأن يكون بمعنى الْخَبَرِ أَوْلَى وَأَشْبَهُ بِنَسَقِ الْكَلَامِ، كَمَا يُقَالُ: لَا أَعْصِيكَ؛ لِأَنَّكَ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ، لَا مَا حَكَاهُ الْفَرَّاءُ؛ لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمْ يَسْتَثْنِ فَابْتُلِيَ مِنْ ثَانِي يَوْمٍ، وَالِاسْتِثْنَاءُ لَا يَكُونُ فِي الدُّعَاءِ، لَا يُقَالُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شئتَ، وَأَعْجَبُ الْأَشْيَاءِ أَنَّ الْفَرَّاءَ رَوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا ثُمَّ حَكَى عَنْهُ قَوْلَهُ.

قُلْتُ: قَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى مُلَخَّصًا مُبَيَّنًا فِي سُورَةِ " النَّمْلِ"، وَأَنَّهُ خَبَرٌ لَا دُعَاءٌ وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: لَمْ يَسْتَثْنِ فَابْتُلِيَ بِهِ مَرَّةً أُخْرَى، يَعْنِي لَمْ يَقُلْ: فَلَنْ أَكُونَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَهَذَا نَحْوَ قَوْلِهِ: { وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا}.

الثَّانِيَةُ: قَالَ سَلَمَةُ بْنُ نُبَيْطٍ:"

تعليق الأمور المستقبلة على المشيئة أمر شرعي وهو مطلوب، وقد يَتخلف المُعلق؛ بسبب ترك المشيئة، كما في قصة سليمان-عليه السلام- أنه أقسم حلف أن يطأ نساءه التسعة والتسعين، وأن يأتي بكل واحدة منهن بولد يجاهد في سبيل الله، ولم يستثنِ ولم يستثنِ فجاءت واحدة منهن بشق ولد، ولو استثنى ذلك لنفعه كما جاء في الخبر واستفاد من ذلك، والتعليق بالمشيئة لا يمكن أن يحصل شيء إلا بمشيئة الله –جل وعلا-، وهذا من باب التبرك بذكر الله- جل وعلا- { ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله}.

"الثَّانِيَةُ: قَالَ سَلَمَةُ بْنُ نُبَيْطٍ: بَعَثَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُسْلِمٍ إِلَى الضَّحَّاكِ بِعَطَاءِ أَهْلِ بُخَارَى"

طالب:.. ابتلي به مرة أخرى".

جاءه قبطي ثانٍ.

طالب: ابتلي؛ لأنه ما قال المشيئة.

نعم ما قال المشيئة ابتلي بقبطي ثانٍ.

 "بَعَثَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُسْلِمٍ إِلَى الضَّحَّاكِ بِعَطَاءِ أَهْلِ بُخَارَى وَقَالَ: أَعْطِهِمْ، فَقَالَ: أعْفِنِي، فَلَمْ يَزَلْ يَسْتَعْفِيهِ حَتَّى أَعْفَاهُ. فَقِيلَ لَهُ: مَا عَلَيْكَ أَنْ تُعْطِيَهُمْ وأنت لا ترزؤهم شيئًا؟ وقال: لا أحب أن أعين الظلمة على شيء مِنْ أَمْرِهِمْ."

هذا الوالي عبد الرحمن بن مسلم بعث إلى الضحاك بعطايا لأهل بخارى من الصدقات وغيرها وقال: وزعها عليهم، فقال له: أعفني، مازال به حتى أعفاه؛ لأن في هذا معاونة للظالم؛ لأن العمل مع الظالم إعانة له على ظلمه، فاستعفاه، قال: لا أحب أن أعين الظلمة على شيء من أمرهم، والله المستعان.

 "وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ الْوَصَّافِيُّ: قُلْتُ لِعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ: إِنَّ لِي أَخًا يَأْخُذُ بِقَلَمِهِ، وَإِنَّمَا يَحْسِبُ مَا يَدْخُلُ وَما يَخْرُجُ".

يعني موظف كاتب.

 "وَلَهُ عِيَالٌ وَلَوْ تَرَكَ ذَلِكَ لَاحْتَاجَ وَادَّانَ؟ فَقَالَ: مَنِ الرَّأْسُ؟ قُلْتُ: خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيُّ، قَالَ: أَمَا تَقْرَأُ مَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ: {رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ علي فلن أكون ظهيرًا لِلْمُجْرِمِينَ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَلَمْ يَسْتَثْنِ فَابْتُلِيَ بِهِ ثَانِيَةً، فَأَعَانَهُ اللَّهُ، فَلَا يُعِينُهُمْ أَخُوكَ، فَإِنَّ اللَّهَ يُعِينُهُ. قَالَ عَطَاءٌ: فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُعِينَ ظَالِمًا، وَلَا يَكْتُبَ لَهُ، وَلَا يَصْحَبَهُ، وَأَنَّهُ إِنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ صَارَ مُعِينًا لِلظَّالِمِينَ. وَفِي الْحَدِيثِ: «يُنَادِي مُنَادٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أَيْنَ الظَّلَمَةُ، وَأَشْبَاهُ الظَّلَمَةِ وَأَعْوَانُ الظَّلَمَةِ، حَتَّى مَنْ لَاقَ لَهُمْ دَوَاةً، أَوْ بَرَى لَهُمْ قَلَمًا؟ فَيُجْمَعُونَ فِي تَابُوتٍ مِنْ حَدِيدٍ فَيُرْمَى بِهِ فِي جَهَنَّمَ»."

تخريجه.

طالب: قلنا لم أجده مرفوعًا وهو غريب جدًّا، والأشبه كونه من كلام بعض الرواة.

بعضه يُروي مرفوعًا ما فيه إشكال، أين الظلمة؟ أين أعوان الظلمة؟ هذا يذكر مرفوعًا، لكن باقيه فيه تخريج ثانٍ؟

طالب: وقد ذكر الإمام أحمد في الورع من حديث عبد الله بن مسعود، والديلمي في مسند الفردوس من حديث أبي هريرة.

ما فيه فصل بين أوله وآخره؟ حتى من لاقى لهم دواة وبرى لهم قلمًا؟

" وَيُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ :«مَنْ مَشَى مَعَ مَظْلُومٍ؛ لِيُعِينَهُ عَلَى مَظْلِمَتِهِ ثَبَّتَ اللَّهُ قَدَمَيْهِ عَلَى الصِّرَاطِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَوْمَ تَزِلُّ فِيهِ الْأَقْدَامُ، وَمَنْ مَشَى مَعَ ظَالِمٍ؛ لِيُعِينَهُ عَلَى ظُلْمِهِ أَزَلَّ اللَّهُ قَدَمَيْهِ عَلَى الصِّرَاطِ يَوْمَ تُدْحَضُ فِيهِ الْأَقْدَامُ». وَفِي الْحَدِيثِ :«مَنْ مَشَى مَعَ ظَالِمٍ فَقَدْ أَجْرَمَ» فَالْمَشْيُ مَعَ الظَّالِمِ لَا يَكُونُ"..

الحديثان ضعيفان نعم، الحديث الثاني والثالث الضعف ظاهر عليهما.

طالب: في إسناده مسلم بن محمد.....وهو كذاب

الحديث الثاني «من مشى مع ظالم»

طالب:..عند الديلمي والطبراني .......عياش بن مؤنس مجهول، وله شواهد بمعناه.

على كل حال الإعانة التعاون على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان.

"فَالْمَشْيُ مَعَ الظَّالِمِ لَا يَكُونُ جرمًا إلا إذا مشي معه ليعينه؛ لأنه ارْتَكَبَ نَهْيَ اللَّهِ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: { وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ}.

لكن إذا كان مثل هذا الوالي مخلطًا، عنده عدل، وعنده خير، وعنده إنصاف، وعنده ظلم، وعنده أيضًا تقصير، وشيء من الإجرام، فمن أعانه على الخير أخذ حكمه {وتعاونوا على البر والتقوي}، ومن عاونه على إثمه وعدوانه فله حكمه.

 قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً} قَدْ تَقَدَّمَ فِي "طه" وَغَيْرِهَا أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ -صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ- يَخَافُونَ".

الخوف جبلي، الخوف على النفس، الخوف على الولد، الخوف على المال، الخوف على جميع ما يملك الإنسان جبلي، لكن الكلام في الخوف المعارض لخوف الله –جل وعلا– هل يعارض هذا الخوف الجبلي الخوف من الله -جل وعلا-؟ هنا يقع التمحيص.

"رَدًّا عَلَى مَنْ قَالَ غَيْرَ ذَلِكَ، وَأَنَّ الْخَوْفَ لَا يُنَافِي الْمَعْرِفَةَ بِاللَّهِ وَلَا التَّوَكُّلَ عَلَيْهِ، فَقِيلَ: أَصْبَحَ خَائِفًا مِنْ قَتْلِ النَّفْسِ أَنْ يُؤْخَذَ بِهَا. وَقِيلَ: خَائِفًا مِنْ قَوْمِهِ أَنْ يُسَلِّمُوهُ. وَقِيلَ: خَائِفًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى.

{يَتَرَقَّبُ}".

السياق يأبى القول الأخير، خائف يترقب.

"{يَتَرَقَّبُ} قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: يَتَلَفَّتُ مِنَ الْخَوْفِ، وَقِيلَ: يَنْتَظِرُ الطَّلَبَ. وَيَنْتَظِرُ مَا يَتَحَدَّثُ بِهِ النَّاسُ. وَقَالَ قَتَادَةُ:" يَتَرَقَّبُ" أَيْ يَتَرَقَّبُ الطَّلَبَ. وَقِيلَ: خَرَجَ يَسْتَخْبِرُ الْخَبَرَ وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ عَلِمَ بِقَتْلِ الْقِبْطِيِّ غَيْرَ الْإِسْرَائِيلِيِّ. وَ"أَصْبَحَ" يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى صَارَ، أَيْ لَمَّا قَتَلَ صَارَ خَائِفًا. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ دَخَلَ فِي الصَّبَاحِ، أَيْ فِي صَبَاحِ الْيَوْمِ الَّذِي يَلِي يَوْمَهُ".

الأصل أن أصبح أي فعل الفعل في وقت الصباح، لكنها صارت تطلق بإذاء صار، ولو فعل الفعل في المساء قيل: أصبح فكذا، أما أصبح التي بمعنى دخل في الصباح، وأمسى دخل في المساء، واتهم دخل في تهامة، وأنجد دخل في نجد، فهذا الوزن معروف ومعناه ظاهر وأظلم دخل في الظلام، وهنا يقول: أصبح يحتمل أن يكون بمعنى صار؛ لأنه لا يلزم منه أن يكون القتل في الصباح، وأن يكون الترقب في الصباح، واحتمال أن يكون القتل في المساء، فلما أصبح، أصبح خائفًا مفهوم هذا أنه طيلة الليل من القتل إلى أن أصبح فهو آمن، يعني إذا قلنا إنه أصبح الخوف إنما كان في الصباح والقتل قبله كما هو معروف، يكون القتل بالليل، ثم أمن ثم أصبح خائفًا، حال كونه خائفًا، وإذا قلنا بأن أصبح بمعنى صار، ولا يلزم أن يكون هذا الخوف في الصباح كما هو الأصل فهذا لا إشكال فيه، فالإنسان يخاف من وقوع الفعل المخوف، قتل يخاف من فراغه من القتل؛ لأنه ينتظر حتى يأتي الصباح، ثم بعد ذلك يخاف، وأصبح دخل في الصباح عن المعنى الثاني، ويحتمل أن يكون دخل في الصباح، يعني مثل ما يقال: أنجد وأتهم وأظلم إلى آخره، وهذا ظاهر.

 "وَ" خائِفاً" مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ أَصْبَحَ، وَإِنْ شئتَ عَلَى الْحَالِ، وَيَكُونُ الظَّرْفُ فِي مَوْضِعِ الْخَبَرِ. {فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ} أَيْ فَإِذَا صَاحِبُهُ الْإِسْرَائِيلِيُّ الَّذِي خَلَّصَهُ بِالْأَمْسِ يُقَاتِلُ قِبْطِيًّا آخر أراد أَنْ يُسَخِّرَهُ. وَالِاسْتِصْرَاخُ الِاسْتِغَاثَةُ. وَهُوَ مِنَ الصُّرَاخِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُسْتَغِيثَ يَصْرُخُ وَيُصَوِّتُ فِي طَلَبِ الْغَوْثِ. قَال:

كُنَّا إِذَا مَا أَتَانَا صَارِخٌ فَزِعٌ ... كَانَ الصُّرَاخُ لَهُ قَرْعَ الظَّنَابِيبِ

قِيلَ: كَانَ هَذَا الْإِسْرَائِيلِيُّ الْمُسْتَنْصِرُ السَّامِرِيَّ اسْتَسْخَرَهُ طَبَّاخُ فِرْعَوْنَ فِي حَمْلِ الْحَطَبِ إِلَى الْمَطْبَخِ، ذَكَرَهُ القشيري، و" الَّذِي" رفع بالابتداء، و" يَسْتَصْرِخُهُ" فِي مَوْضِعِ الْخَبَرِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الحال، وأمس لِلْيَوْمِ الَّذِي قَبْلَ يَوْمِكَ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْكَسْرِ؛ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، فَإِذَا دَخَلَهُ الْأَلِفُ وَاللَّامُ أَوِ الْإِضَافَةُ تَمَكَّنَ فَأُعْرِبَ بِالرَّفْعِ، وَالْفَتْحِ عِنْدَ أكثر النحويين. ومنهم مَنْ يَبْنِيهِ وَفِيهِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ. وَحَكَى سِيبَوَيْهِ وغيره أن مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يُجْرِي أَمْسَ مَجْرَى مَا لَا يَنْصَرِفُ فِي مَوْضِعِ الرَّفْعِ خَاصَّةً، وَرُبَّمَا اضْطُرَّ الشَّاعِرُ فَفَعَلَ هَذَا فِي الْخَفْضِ وَالنَّصْبِ، قال الشاعر:

لقد رأيت عجبا مذ أمسا"

لا هذا ولا هذا، لا أمسُ ولا أمسِ؛ لأن شطر البيت الثاني يدل على أنه مفتوح ممدود.

 لقد رأيت عجبًا مذ أمسا....عجائز مثل السعالي خمسًا

لكن المؤلف مشى على هذا لكنه لو أورد الشطر الثاني لتعين أن يكون منصوبًا ممدودًا.

"قال الشاعر:

لقد رأيت عجبا مذ أمسا

فخفض بمذ مَا مَضَى، وَاللُّغَةُ الْجَيِّدَةُ الرَّفْعُ، فَأُجْرِيَ أَمْسُ فِي الْخَفْضِ مَجْرَاهُ فِي الرَّفْعِ عَلَى اللُّغَةِ الثَّانِيَةِ. {قالَ لَهُ مُوسى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ} وَالْغَوِيُّ الْخَائِبُ،"

يعني كل الطبعات مذ أمس.

طالب: ....

عندك كذا؟

طالب: أمس؟

بالألف المد، وأنت ماذا عندك؟

طالب:....

لهذا الأصل؛ لأنه الفتح مع المد تصحيح لما في الكتاب، وليس ما في الكتاب؛ لأنه يقول فخفض بمذ، خفض دل على أنه يعتمد رواية الكسر، وهكذا كان يحفظ أو هكذا وجد في مصادره، المقصود أن أصل البيت مذ أمسا عجائب مثل السعالى خمسة.

" وَالْغَوِيُّ الْخَائِبُ؛ أَيْ لِأَنَّكَ تُشَادُّ مَنْ لَا تُطِيقُهُ. وَقِيلَ: مُضِلٌّ بَيِّنُ الضَّلَالَةِ، قَتَلْتُ بِسَبَبِكِ أَمْسِ رَجُلًا، وَتَدْعُونِي الْيَوْمَ لِآخَرَ. وَالْغَوِيُّ فَعِيلٌ مِنْ أَغْوَى يُغْوِي، وَهُوَ بِمَعْنَى مُغْوٍ، وَهُوَ كَالْوَجِيعِ وَالْأَلِيمِ بِمَعْنَى الْمُوجِعِ وَالْمُؤْلِمِ، وَقِيلَ: الْغَوِيُّ بِمَعْنَى الْغَاوِي. أَيْ إِنَّكَ لَغَوِيٌّ فِي قِتَالِ مَنْ لَا تُطِيقُ دَفْعَ شَرِّهِ عَنْكَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: إِنَّمَا قَالَ لِلْقِبْطِيِّ: {إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ} فِي اسْتِسْخَارِ هَذَا الْإِسْرَائِيلِيِّ وَهَمَّ أَنْ يَبْطِشَ به. يقال: بَطَشَ يَبْطِشُ وَيَبْطُشُ، وَالضَّمُّ أَقْيَسُ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ لَا يَتَعَدَّى. {قالَ يَا مُوسى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي}".

الضم في المضارع، الماضي ما يتغير في الأفعال التي يزنون بها التغير، إنما هو للمضارع مثل نصر وضرب يقول: من باب نصر أو من باب ضرب، بطش إذا قلنا من باب نصر يبطُش ينصُر، وإذا قلنا من باب ضرب يبطِش، قال: والضم أقيس؛ لأنه فعل لا يتعدى، فعل لا يتعدى، بطش بكذا ولا يقال: بطش كذا، لكن المقيس عليه وهو نصر الذي يأتيه هي الأم في هذا الباب، عندهم في الميزان الصرفي متعدية، فالأم هذا من نصر التي يردون عليها مثل هذه الأفعال متعدية، فكيف يقول: والضم أقيس؛ لأنه فعل لا يتعدى واضح كلامه أم ليس بواضح؟ وجيه أم ليس بوجيه؟ كلامه وجيه أم ليس بوجيه؟ يقول: والضم أقيس؛ لأنه فعل لا يتعدى، بطش به لا يتعدى، صح؟ لماذا صار كونه لا يتعدى علة؛ لكون الضم أقوى مع أن نصر أم الباب نصر ينصر متعدية؟

طالب:....

طيب

طالب:......

ونصر ينصر، نصر هذه ترد إليها جميع الأفعال، الآن لو قيل: بطش يبطُش كنصر، ويبطِش كضرب يعني على الوزنين، كيف يقول: والضم أقيس؛ لأنه فعل لا يتعدى، ونصر التي هي الأم في الباب التي يرد إليها الأفعال متعدية، ظهر أم لم يظهر؟

طالب....

نعم؟

طالب:.......

أحيانًا فاعل لازم بابه إلى آخره، لكن أحيانًا يكون الكلام مطردًا، كل فعل متعدٍّ وزنه كذا أو كل فعل متعدٍّ من هذه المادة لازم وزنه، كذا من هذه المادة، لكن هنا الذي فيه الكلام بطش يبطُش الضم ماذا يقول؟

طالب: أقيس.

الضم أقيس؛ لأنه فعل لا يتعدى.

طالب: قد تكون لا زائدة؛ لأنه فعل يتعدى.

لا ، لا، بطش ما يتعدى، بطش يبطُش لازم.

طالب:..... هو أقيس في نصر.

لا ، لا، ما فيه رابط بين بطش ونصر إلا الضبط.

طالب: قياس.

كيف قياس؟

طالب: يريد أن يقيس على الضم.

الأم متعدية، فكيف نعلل بعدم التعدي.

طالب: .... ما دخل.

من الذي يقول: معناه دخل؟

طالب: أنا أقول لتعليل.

التعليل يفترض أن يرفع هذا؛ لأنه لا دخل له في الوزن، هذا لازم صح لازم، لكن الأم المقيس عليها متعدية.

طالب:....التعليل هذا.

ما له وجه، لا وجه له، فمثلاً عندك كان أصحاب الرسول-صلى الله عليه وسلم- ينتظرون العشاء حتى تخفق رؤوسهم، يعني باب ضرب، هم يزنون بهذه الأفعال المنتشرة والمشهورة فيه أحد يقول: نصَر ينصِر؟ ما فيه أحد، سليقة تنطق، فلذلك يحيلون عليها الأفعال، وضرب يضرُب، ما يمكن أن يقولها أحد، فالأفعال التي لاكتها الألسنة، وتداولها الناس، ولا يمكن أن يخطؤوا فيها يردون إليه، فهنا من باب نصر يبطُش، أو من باب ضرب يضرب يبطِش، لكن التعليل عليل، التعليل عليل.

"{قالَ يَا مُوسى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي}". قَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ: أَرَادَ مُوسَى أَنْ يَبْطِشَ بِالْقِبْطِيِّ، فَتَوَهَّمَ الْإِسْرَائِيلِيُّ أَنَّهُ يُرِيدُهُ؛ لِأَنَّهُ أَغْلَظَ لَهُ فِي الْقَوْلِ، فَقَالَ: " أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ"، فَسَمِعَ الْقِبْطِيُّ الْكَلَامَ فَأَفْشَاهُ. وَقِيلَ: أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ الْإِسْرَائِيلِيُّ بِالْقِبْطِيِّ فَنَهَاهُ مُوسَى فَخَافَ مِنْهُ، فَقَالَ: { أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ}".

هذا كله قلب للمعنى، والفعل كله مسند لموسى –عليه السلام- بطش بالأول، وأراد أن يبطش بالثاني، فقال له القبطي: يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسًا بالأمس، الفعل متوجه من موسى للقبطيين، الأول حصل بطش به وانتهي، والقضاء عليه، والثاني لما أراد أن يبطش قال له ما قال، ولا يمنع أن ينتشر الخبر في يوم، أو يصل إلى هذا الشخص الذي  أريد البطش به ثانية، ما فيه ما يمنع، والسياق ظاهر.

طالب:...... إنه لا يعلم الناس الإسرائيلي بأن موسى هو الذي قتل.

ما يلزم، ما يلزم، القتل حصل، يعني القتل حصل ما الذي يمنع من أن يكون هذا القبطي عرف أيضًا؟

طالب: أن يعرف القاتل.

يُعرَف القاتل، ما المانع؟ يُعرف القاتل ولا ينتشر أمره، يعني يُعرف في أول يوم فمثلًا يعرفه أفراد، ثم بعد ذلك ينتشر في الملأ، ولذلك جاء رجل من أقصي المدينة يسعى، لماذا يأتمرون به؟ لأنه انتشر خبره.

طالب: يقول: إنه انتشر السر بين موسى والإسرائيلي، فلما شاهد الإسرائيلي موسى يريد أن يقتل القبطي خشي بأنه يريد قتله هو.

لا، واضحة، السياق واضح، موسى قتل الأول بطش به، والثاني همَّ به وأراد أن يقتله، فقال له القبطي نفسه، كيف يقول الإسرائيلي: أتريد أن تقتلني، وهو يريد أن يقتل القبطي؟

طالب: قال لخوفه.

لا ما يلزم أبدًا، ولا فيه ما يمنع أن القبطي عرف أنه قتل نفسًا بالأمس، ما فيه ما يمنع، وخواص للشخص والقريبون منه أو بعض الناس قد يطلع على الخبر، أو يطلع عليه غيره، فإذا انتشر، جاء رجل من أقصى المدينة بعد أن انتشر.

  "أَيْ مَا تُرِيدُ. {إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ} أي قتالاً، قال عِكْرِمَةُ وَالشَّعْبِيُّ: لَا يَكُونُ الْإِنْسَانُ جَبَّارًا حَتَّى يَقْتُلَ نَفْسَيْنِ بِغَيْرِ حَقٍّ. {وَما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ} أَيْ مِنَ الَّذِينَ يُصْلِحُونَ بين الناس".

لأنه ما قال: أنت جبار؛ لأنك قتلت نفسًا بالأمس، فلا يكفي قتل واحد؛ ليكون الشخص جبارًا، {إن تريد إلا أن تكون جبارًا} يعني بقتله تكون جبارًا، أما بقتل الأول فلست بجبار، فأخذ من هذا أن الإنسان لا يكون جبارًا حتى يقتل نفسين بغير حق.

طالب:...... يسميه ولد جبارًا.

ما هي؟

طالب:.......

غيّر، غيّر ما هو بطيب، هو في المخلوق قال بأنه يظلم، فيه جبارة أيضًا.

طالب: عبد الجبار.

في الرواة.

طالب:......

من الرواة جُبارة أكثر من جُبارة، لكن جبارة بن المغلس معروف ضعفه.

طالب: عبد الجبار.

الجبار من أسماء الله-جل وعلا-.

"قوله تعالى: {وَجاءَ رَجُلٌ} قَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ: هَذَا الرَّجُلُ هُوَ حِزْقِيلُ بْنُ صَبُورَا مُؤْمِنُ آلِ فِرْعَوْنَ، وَكَانَ ابْنَ عَمِّ فِرْعَوْنَ، ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيُّ، وَقِيلَ: طَالُوتُ، ذَكَرَهُ السُّهَيْلِيُّ. وَقَالَ الْمَهْدَوِيُّ عَنْ قتادة: شَمْعُونُ مُؤْمِنُ آلِ فِرْعَوْنَ. وَقِيلَ: شَمْعَانُ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَا يُعْرَفُ شَمْعَانُ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ إِلَّا مُؤْمِنُ آلِ فِرْعَوْنَ. وَرُوِيَ أَنَّ فِرْعَوْنَ أَمَرَ بقتل موسى فسبق ذلك الرجل الخبر، فَ { قالَ يَا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ} أَيْ يَتَشَاوَرُونَ فِي قَتْلِكَ بِالْقِبْطِيِّ الَّذِي قَتَلْتَهُ بِالْأَمْسِ. وَقِيلَ: يَأْمُرُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. قَالَ الأزهري: ائتمر القوم وتآمروا أي أمر بَعْضُهُمْ بَعْضًا، نَظِيرُهُ قَوْلُهُ: {وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ}. وَقَالَ النَّمِرُ بْنُ تَوْلَبٍ:

أَرَى النَّاسَ قَدْ أَحْدَثُوا شِيمَةً ... وَفِي كُلِّ حَادِثَةٍ يُؤْتَمَرُ

{فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ. فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ} أَيْ يَنْتَظِرُ الطَّلَبَ. {قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}".

من قوله: {يأتمرون} أخذت المؤتمرات التي تعقد للتشاور في الأمور المهمة.

"قِيلَ: الْجَبَّارُ الَّذِي يَفْعَلُ مَا يُرِيدُهُ مِنَ الضَّرْبِ وَالْقَتْلِ بِظُلْمٍ، لَا يَنْظُرُ فِي الْعَوَاقِبِ، وَلَا يَدْفَعُ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ. وَقِيلَ: الْمُتَعَظِّمُ الَّذِي لَا يَتَوَاضَعُ لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ} لَمَّا خَرَجَ مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ- فَارًّا بنفسه منفردًا خائفًا، لا شيء مَعَهُ مِنْ زَادٍ وَلَا رَاحِلَةٍ وَلَا حِذَاءٍ نَحْوَ مَدْيَنَ، لِلنَّسَبِ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ؛ لِأَنَّ مَدْيَنَ مِنْ وَلَدِ إِبْرَاهِيمَ، وَمُوسَى مِنْ وَلَدِ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، وَرَأَى حَالَهُ وَعَدَمَ مَعْرِفَتِهِ بِالطَّرِيقِ، وَخُلُوَّهُ مِنْ زَادٍ وَغَيْرِهِ، أَسْنَدَ أَمْرَهُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: {عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ}، وَهَذِهِ حَالَةُ الْمُضْطَرِّ.

قُلْتُ: رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ يَتَقَوَّتُ وَرَقَ الشَّجَرِ، وَمَا وَصَلَ حَتَّى سَقَطَ خُفُّ قَدَمَيْهِ. قَالَ أَبُو مَالِكٍ: وَكَانَ فِرْعَوْنُ وَجَّهَ فِي طَلَبِهِ وَقَالَ لَهُمْ: اطْلُبُوهُ فِي ثَنِيَّاتِ الطَّرِيقِ، فَإِنَّ مُوسَى لَا يَعْرِفُ الطَّرِيقَ."

طالب: يقال: ثُنيات ولا بنيات.

ثنيات ثنيات.

طالب: بنيات.

لا ما تأتي هنا، ثنيات الطرق التي تتفرع من الطريق الأصلي ثانٍ وثالث وهكذا.

طالب:  بنيات الأفكار.

بنات الأفكار، ولذا يقولون إن العرب تغار على بنات الأفكار أكثر من غيرتهم على بنات الأبكار، للمبالغة هذه.

" فَجَاءَهُ مَلَكٌ رَاكِبًا فَرَسًا وَمَعَهُ عَنَزَةٌ، فَقَالَ لِمُوسَى: اتَّبِعْنِي، فَاتَّبَعَهُ، فَهَدَاهُ إِلَى الطَّرِيقِ. فَيُقَالُ: إِنَّهُ أَعْطَاهُ الْعَنَزَةَ فَكَانَتْ عَصَاهُ. وَيُرْوَى أَنَّ عَصَاهُ إِنَّمَا أخذها لرعي الغنم من مدين. وهو أكثر وأصح. قال مُقَاتِلٌ وَالسُّدِّيُّ: إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ إِلَيْهِ جِبْرِيلَ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَبَيْنَ مَدْيَنَ وَمِصْرَ ثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ، قاله ابْنُ جُبَيْرٍ وَالنَّاسُ. وَكَانَ مُلْكُ مَدْيَنَ لِغَيْرِ فرعون."

يعني قاله ابن جبير وغيره.

طالب:.... موقف الرجل هذا الذي جاء يسعى.

ناصح هذا ناصح.

طالب:....بعض الفوائد الفقهية التي ممكن أن يستفاد منها.

نستفيد أن النصح واجب، وإذا خيف على شخص فإنه يبلغ ويخبر إذا خيف عليه أن يظلم، يبلغ ويخبر.

طالب: مثل الضرائب.

ماذا؟

 طالب: في بعض البلاد لو كان يعرف الرجل بعض السلوكيات التي يتحايل بها.

لكن لا يرتكب محرمًا، آخر، وإلا فالحيلة للتخلص من الحرام شرعية.

طالب:......

فعلي كل حال التخلص من المحرم شرعي.   

"قوله تعالى :{وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ قالَ مَا خَطْبُكُما قالَتا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ وَأَبُونا شَيْخٌ}[القص: 23].

فِيهِ أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ مَسْأَلَةً:

الْأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ} مَشَى مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ- حَتَّى وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ أَيْ بَلَغَهَا. وَوُرُودُهُ الْمَاءَ مَعْنَاهُ بَلَغَهُ لَا أَنَّهُ دَخَلَ فِيهِ. وَلَفْظَةُ الْوُرُودِ قَدْ تَكُونُ بِمَعْنَى الدُّخُولِ فِي الْمَوْرُودِ، وَقَدْ تَكُونُ بِمَعْنَى الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ وَالْبُلُوغِ إِلَيْهِ وإِنْ لَمْ يَدْخُلْ".

كما تقدم في قول الله -جلا وعلا-: {وإن منكم إلا واردها} من أهل العلم يقول: المراد بالورود هنا الدخول ثم النجاة تكون بعد ذلك، ومنهم من يقول: لا يلزم من الورود الدخول كما أن الإبل يرد الماء لا يلزم أن تخوض فيه.

"فَوُرُودُ مُوسَى هَذَا الْمَاءَ كَانَ بِالْوُصُولِ إِلَيْهِ، وَمِنْهُ قَوْلُ زُهَيْرٌ:

فَلَمَّا وَرَدْنَ الْمَاءَ زُرْقًا جِمَامُهُ ... وَضَعْنَ عِصِيَّ الْحَاضِرِ الْمُتَخَيِّمِ

وَقَدْ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْمَعَانِي فِي قَوْلِهِ: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها}. وَمَدْيَنُ لَا تَنْصَرِفُ؛ إِذْ هي بلدة معروفة".

علمية وتأنيث.

 "قال الشاعر:

رُهْبَانُ مَدْيَنَ لَوْ رَأَوْكِ تَنَزَّلُوا ... وَالْعُصْمُ مِنْ شَعَفِ الْجِبَالِ الْفَادِرِ

وَقِيلَ: قَبِيلَةٌ مِنْ وَلَدِ مَدْيَنَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِيهِ فِي" الْأَعْرَافِ". وَالْأُمَّةُ: الْجَمْعُ الْكَثِيرُ، وَ" يَسْقُونَ" معناه ماشيتهم. و {مِنْ دُونِهِمُ} مَعْنَاهُ نَاحِيَةٌ إِلَى الْجِهَةِ الَّتِي جاء منها، فوصل إلى المرأتين قبل وصول إِلَى الْأُمَّةِ".

فكانتا دون الماء بالنسبة له، بالنسبة له.

"وَوَجَدَهُمَا تَذُودَانِ وَمَعْنَاهُ تَمْنَعَانِ وَتَحْبِسَانِ، ومنه قول -عَلَيْهِ السَّلَامُ-: «فَلَيُذَادَنَّ رِجَالٌ عَنْ حَوْضِي»، وَفِي بَعْضِ الْمَصَاحِفِ:" امْرَأَتَيْنِ حَابِسَتَيْنِ تَذُودَانِ" يُقَالُ: ذَادَ يَذُودُ إِذَا حَبَسَ، وَذُدْتُ الشَّيْءَ حَبَسْتُهُ، قَالَ الشاعر:

أَبِيتُ عَلَى بَابِ الْقَوَافِي كَأَنَّمَا... أَذُودُ بِهَا سِرْبًا مِنَ الْوَحْشِ نُزِّعَ."

لأنه في بعض المصاحف التي كانت قبل الجمع الأخير على يد عثمان-رضي الله عنه-؛ لأنه لم يثبت فيها إلا القطعي، وأما ما جاء في هذه القراءة في ذلك المصحف، فالمراد بها التفسير.

"أَيْ أَحْبِسُ وَأَمْنَعُ وقيل:" تَذُودانِ" تطردان، قال :

لَقَدْ سَلَبَتْ عَصَاكَ بَنُو تَمِيمٍ ... فَمَا تَدْرِي بِأَيِّ عَصًا تَذُودُ

أَيْ تَطْرُدُ وَتَكُفُّ وَتَمْنَعُ، قال ابْنُ سَلَامٍ: تَمْنَعَانِ غَنَمَهُمَا لِئَلَّا تَخْتَلِطَ بِغَنَمِ النَّاسِ، فَحُذِفَ الْمَفْعُولُ، إِمَّا إِيهَامًا عَلَى الْمُخَاطَبِ، وَإِمَّا اسْتِغْنَاءً بِعِلْمِهِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تَذُودَانِ غَنَمَهُمَا عَنِ الْمَاءِ خَوْفًا مِنَ السُّقَاةِ الْأَقْوِيَاءِ. وقال قَتَادَةُ: تَذُودَانِ النَّاسَ عَنْ غَنَمِهِمَا، قَالَ النَّحَّاسُ: وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ بَعْدَهُ {قالَتا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ} وَلَوْ كَانَتَا تَذُودَانِ عَنْ غَنَمِهِمَا النَّاسَ لَمْ تُخْبِرَا عَنْ سَبَبِ تَأْخِيرِ سَقْيِهِمَا حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ، فَلَمَّا رَأَى مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ- ذَلِكَ مِنْهُمَا {قالَ مَا خَطْبُكُما} أي شأنكما، قال رؤية:

يا عجبًا ما خطبه وخطبي"

في مثل هذه المخاطبة للنساء الأجنبيات إنما تكون مع عدم الخلوة وأمن الفتنة، عدم الخلوة وأمن الفتنة.

"وقال ابْنُ عَطِيَّةَ: وَكَانَ اسْتِعْمَالُ السُّؤَالِ بِالْخَطْبِ إِنَّمَا هُوَ فِي مُصَابٍ، أَوْ مُضْطَهَدٍ، أَوْ مَنْ يُشْفَقُ عَلَيْهِ، أَوْ يَأْتِي بِمُنْكَرٍ مِنَ الْأَمْرِ، فَكَأَنَّهُ بِالْجُمْلَةِ فِي شَرٍّ، فَأَخْبَرَتَاهُ بِخَبَرِهِمَا، وَأَنَّ أَبَاهُمَا شَيْخٌ كَبِيرٌ، فَالْمَعْنَى: لَا يَسْتَطِيعُ لِضَعْفِهِ أَنْ يُبَاشِرَ أَمْرَ غَنَمِهِ، وَأَنَّهُمَا لِضَعْفِهِمَا وَقِلَّةِ طَاقَتِهِمَا لَا تَقْدِرَانِ عَلَى مُزَاحَمَةِ الْأَقْوِيَاءِ".

نعم هذه هي العلة، وهذا هو المبرر للسقي وللعمل؛ لأن أباها شيخ كبير، لا يستطيع أن يعمل، وسقي الغنم لا بد منه.

 "وَأَنَّ عَادَتَهُمَا التَّأَنِّي حَتَّى يُصْدِرَ النَّاسُ عَنِ الْمَاءِ وَيُخَلَّى".

ومع ذلك لم تزاحما الرجال، ولم تخالطا الرجال، وإنما انفصلتا عنهم، وابتعدتا حتى يفرغ الرجال ثم يأتي النساء.

طالب:......... عدم إقدامهم للسقي من الرجال هو الحياء، ردهم الحياء، ليس الخوف على الغنم؟

لا ليس الخوف على الغنم، إنما خوف النساء من الرجال جبلي، خوف النساء من الرجال الأجانب جبلي ممن بقيت على فطرتها التي فطرها الله عليها.

"وَحِينَئِذٍ تَرِدَانِ.

وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو عَمْرٍو:" يَصْدُرَ" مِنْ صَدَرَ، وَهُوَ ضِدُّ وَرَدَ أَيْ يَرْجِعُ الرِّعَاءُ. وَالْبَاقُونَ: "يُصْدِرَ" بِضَمِّ الْيَاءِ مِنْ أَصْدَرَ، أَيْ حَتَّى يُصْدِرُوا مَوَاشِيَهُمْ مِنْ وِرْدِهِمْ وَالرِّعَاءُ جَمْعُ رَاعٍ، مِثْلُ تَاجِرٍ وَتِجَارٍ، وَصَاحِبٍ وَصِحَابٍ. قَالَتْ فِرْقَةٌ: كَانَتِ الْآبَارُ مَكْشُوفَةً، وَكَانَ زَحْمُ النَّاسِ يَمْنَعُهُمَا، فَلَمَّا أَرَادَ مُوسَى أَنْ يَسْقِيَ لَهُمَا زَحَمَ النَّاسَ وَغَلَبَهُمْ عَلَى الْمَاءِ حَتَّى سَقَى، فَعَنْ هَذَا الْغَلَبِ الَّذِي كَانَ مِنْهُ وَصَفَتْهُ إِحْدَاهُمَا بِالْقُوَّةِ. وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: إِنَّهُمَا كَانَتَا تَتَّبِعَانِ فُضَالَتَهُمْ فِي الصَّهَارِيجِ، فَإِنْ وَجَدَتَا فِي الْحَوْضِ بَقِيَّةً كَانَ ذَلِكَ سَقْيَهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ بَقِيَّةٌ عَطِشَتْ غَنَمُهُمَا، فَرَقَّ لَهُمَا مُوسَى، فَعَمَدَ إِلَى بِئْرٍ كَانَتْ مُغَطَّاةً وَالنَّاسُ، يَسْقُونَ مِنْ غَيْرِهَا، وَكَانَ حَجَرُهَا لَا يَرْفَعُهُ إِلَّا سَبْعَةٌ، قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ. وقال ابْنُ جُرَيْجٍ: عَشَرَةٌ. وقال ابْنُ عَبَّاسٍ: ثَلَاثُونَ. وقال الزَّجَّاجُ: أَرْبَعُونَ، فَرَفَعَهُ، وَسَقَى لِلْمَرْأَتَيْنِ، فَعَنْ رَفْعِ الصَّخْرَةِ وَصَفَتْهُ بِالْقُوَّةِ. وَقِيلَ: إِنَّ بِئْرَهُمْ كَانَتْ وَاحِدَةً، وَأَنَّهُ رَفَعَ عَنْهَا الْحَجَرَ بَعْدَ انْفِصَالِ السُّقَاةِ؛ إِذْ كَانَتْ عَادَةُ الْمَرْأَتَيْنِ شُرْبَ الْفَضَلَاتِ.

رَوَى عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا اسْتَقَى الرُّعَاةُ غَطَّوْا عَلَى الْبِئْرِ صَخْرَةً لَا يَقْلَعُهَا إِلَّا عَشَرَةُ رِجَالٍ، فجاء موسى فاقتلعها واستقى ذَنُوبًا وَاحِدًا لَمْ تَحْتَجْ إِلَى غَيْرِهِ فَسَقَى لَهُمَا.

الثَّانِيَةُ: إِنْ قِيلَ: كَيْفَ سَاغَ لِنَبِيِّ اللَّهِ الَّذِي هُوَ شُعَيْبٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يرضى لابنتيه بِسَقْيِ الْمَاشِيَةِ؟ قِيلَ لَهُ: لَيْسَ ذَلِكَ بِمَحْظُورٍ، وَالدِّينُ لَا يَأْبَاهُ، وَأَمَّا الْمُرُوءَةُ فَالنَّاسُ مُخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ، وَالْعَادَةُ مُتَبَايِنَةٌ فِيهِ، وَأَحْوَالُ الْعَرَبِ فِيهِ خِلَافُ أَحْوَالِ الْعَجَمِ، وَمَذْهَبُ أَهْلِ الْبَدْوِ غَيْرُ مَذْهَبِ الْحَضَرِ، خُصُوصًا إِذَا كَانَتِ الْحَالَةُ حَالَةَ ضَرُورَةٍ.

يعني مع أمن الفتنه وعدم الاختلاط بالرجال.

طالب:........

شعيب، لكن هل هو نفسه شعيب الأول القديم، أم أن هذا غيره؟ يأتي -إن شاء الله تعالي-.

طالب: الجزم على أنه نبي.

نعم الجزم، يأتي الكلام فيه-إن شاء الله-.

طالب:.....نبي الله ..ذكر مدين.

هو جزم بنبوته، وأنه شعيب، لكن هل هو شعيب المتقدم الذي يقول: {وما قوم لوط منكم ببعيد} أو هو المتأخر أو هما واحد أو اثنان؟ يأتي إن شاء الله تعالي.

طالب: بالنسبة للعادات والمروءات، هل يدخل فيها أيضًا ما نص الشرع ...... هل يقال: ربما العادة تتغير.

خبثه لا تحريمه، لا يسمي من باب: {يحل لهم الطيبات ويحرم عليه الخبائث} وإنما لدناءته فقط وإلا فهو حلال، احتجم النبي-صلي الله عليه وسلم-  وأعطي الحجام.

طالب: هل يقال إن هذا من الأشياء التي تتغير.

يعني في يوم من الأيام يكون الحجام والإسكافي أشراف الناس.

طالب: ما هو أشراف الناس، لكن يكون مثلهم ....

في بعض المجتمعات وبعض البلدان ما يفرق عن غيره.

طالب:..... الحديث.

الحديث يبقى على عمومه، وأن على الإنسان على المسلم أن يبحث له عن مهنة شريفة، وإذا اضطر الناس إلى مثل هذه المهنة صارت مما يستعمله المسلمون بينهم دون أجرة؛ لأن التوجيه من أجل هذا.

 "الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ} إِلَى ظِلِّ سَمُرَةٍ، قَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ. وَتَعَرَّضَ لِسُؤَالِ مَا يُطْعِمُهُ بِقَوْلِهِ: {إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} " وَكَانَ لَمْ يَذُقْ طعامًا سَبْعَةَ أَيَّامٍ، وَقَدْ لَصِقَ بَطْنُهُ بِظَهْرِهِ، فَعَرَّضَ بِالدُّعَاءِ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِسُؤَالٍ، هَكَذَا رَوَى جَمِيعُ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّهُ طَلَبَ فِي هَذَا الْكَلَامِ مَا يَأْكُلُهُ، فَالْخَيْرُ يَكُونُ بِمَعْنَى الطَّعَامِ كَمَا فِي هذه الآية، ويكون بِمَعْنَى الْمَالِ كَمَا قَالَ: { إِنْ تَرَكَ خَيْراً} وَقَوْلُهُ: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} وَيَكُونُ بِمَعْنَى الْقُوَّةِ كَمَا قَالَ: {أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ}، وَيَكُونُ بِمَعْنَى الْعِبَادَةِ كَقَوْلِه: {وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ}، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَكَانَ قَدْ بَلَغَ بِهِ الْجُوعُ، وَاخْضَرَّ لَوْنُهُ مِنْ أَكْلِ الْبَقْلِ فِي بَطْنِهِ، وَإِنَّهُ لَأَكْرَمُ الْخَلْقِ عَلَى اللَّهِ. وَيُرْوَى أَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إِلَى مَدْيَنَ حَتَّى سَقَطَ بَاطِنُ قَدَمَيْهِ. وَفِي هَذَا مُعْتَبَرٌ وَإِشْعَارٌ بِهَوَانِ الدُّنْيَا عَلَى اللَّهِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ طَاهِرٍ فِي قَوْلِهِ: {إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} أَيْ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ مِنْ فَضْلِكَ وَغِنَاكَ فَقِيرٌ إِلَى أَنْ تُغْنِيَنِي بِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ.

قُلْتُ: مَا ذَكَرَهُ أَهْلُ التَّفْسِيرِ أَوْلَى، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنَّمَا أَغْنَاهُ بِوَاسِطَةِ شُعَيْبٍ."

ولو كان هذا الغنى بواسطة شخص يكون سببًا لغناه، فالغنى من الله -جل وعلا- فهو الذي أمر وسخر هذا الشخص لأن يكون سببًا لغنى هذا الشخص، وأما الخير الذي أشار عليه في دعوته فهو أعم مما ذكر، أي خير أو أي شيء يتصف بهذا الوصف الذي هو الخيرية بما في ذلك ما أجيبت دعوته به من الزواج بإحدى البنتين، فلو أن إنسانًا محتاجًا إلى الزواج، وكرر قول الله -جل وعلا-: {رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير} ساغ ذلك؛ لأنه أجيبت دعوته بهذا.

طالب: هل يقال: إن السؤال بالحال أبلغ من السؤال بالمقال .... حال الأنبياء موسى وأيوب.

على كل حال السؤال بالحال والمقال كلاهما مطلوب {أدعوني أستجب لكم}.

طالب: عندنا........

أين؟

طالب:......المال .....الخير بمعنى...

كما قال.

طالب: فيكون بمعني المالك عندنا.

المال كما قال، هو الطابع ضرب الكاف مرتين، المالك كما يكون الطبع ضربت الكاف مرتين فتكررت.

 الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ} فِي هَذَا الْكَلَامِ اخْتِصَارٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ هَذَا الظَّاهِرُ، قَدَّرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَذَهَبَتَا إِلَى أَبِيهِمَا سَرِيعَتَيْنِ، وَكَانَتْ عَادَتُهُمَا الْإِبْطَاءَ فِي السَّقْيِ، فَحَدَّثَتَاهُ بِمَا كَانَ مِنَ الرَّجُلِ الَّذِي سَقَى لَهُمَا، فَأَمَرَ الْكُبْرَى مِنْ بِنْتَيْهِ- وَقِيلَ: الصُّغْرَى- أَنْ تَدْعُوَهُ لَهُ،" فجاءت" عَلَى مَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ، قَالَ عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ: وَلَمْ تَكُنْ سَلْفَعًا مِنَ النِّسَاءِ، خَرَّاجَةً وَلَّاجَةً. وَقِيلَ: جَاءَتْهُ سَاتِرَةً وَجْهَهَا بِكُمِّ دِرْعِهَا، قَالَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ. وَرُوِيَ أَنَّ اسْمَ إِحْدَاهُمَا لَيًّا، وَالْأُخْرَى صَفُورِيَّا ابْنَتَا يَثْرُونَ، ويثرون هو شُعَيْبٌ- عَلَيْهِ السَّلَامُ-. وَقِيلَ: ابْنُ أَبي شُعَيْبٍ.

ابن أخي شعيب.

طالب: ابن أخي؟

ماذا عدنكم؟

أبي.

ابن أخي، واضحة؛ لأن النقطة باقية، ابن أخي شعيب.

"وَقِيلَ: ابْنُ أَبي شُعَيْبٍ، وَأَنَّ شُعَيْبًا كَانَ قَدْ مَاتَ. وَأَكْثَرُ النَّاسِ عَلَى أَنَّهُمَا ابْنَتَا شُعَيْبٍ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، وَهُوَ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً} كَذَا فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ"، وَفِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ: { كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ} قَالَ قَتَادَةُ: بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى شُعَيْبًا إِلَى أَصْحَابِ الْأَيْكَةِ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ. وَقَدْ مَضَى فِي" الْأَعْرَافِ"  الْخِلَافُ فِي اسْمِ أَبِيهِ، فَرُوِيَ أَنَّ مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ- لَمَّا جَاءَتْهُ بِالرِّسَالَةِ قَامَ يَتْبَعُهَا، وَكَانَ بَيْنَ مُوسَى وَبَيْنَ أَبِيهَا ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ، فَهَبَّتْ رِيحٌ فَضَمَّتْ قَمِيصَهَا فَوَصَفَتْ عَجِيزَتَهَا، فَتَحَرَّجَ مُوسَى مِنَ النَّظَرِ إِلَيْهَا فَقَالَ: ارْجِعِي خَلْفِي وَأَرْشِدِينِي إِلَى الطَّرِيقِ بِصَوْتِكِ، وَقِيلَ: إِنَّ مُوسَى قَالَ ابْتِدَاءً: كُونِي وَرَائِي، فَإِنِّي رَجُلٌ عِبْرَانِيٌّ لَا أَنْظُرُ فِي أَدْبَارِ النِّسَاءِ، وَدُلِّينِي عَلَى الطَّرِيقِ يَمِينًا أَوْ يسارًا، فذلك سبب وصفها له بالأمانة، قاله ابْنُ عَبَّاسٍ. فَوَصَلَ مُوسَى إِلَى دَاعِيهِ فَقَصَّ عَلَيْهِ أَمْرَهُ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ فَآنَسَهُ بِقَوْلِهِ: {لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} وَكَانَتْ مَدْيَنُ خَارِجَةً عَنْ مَمْلَكَةِ فِرْعَوْنَ، وَقَرَّبَ إِلَيْهِ طَعَامًا فَقَالَ مُوسَى: لَا آكُلُ، إِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ لَا نَبِيعُ دِينَنَا بِمِلْءِ الْأَرْضِ ذَهَبًا، فَقَالَ شُعَيْبٌ: لَيْسَ هَذَا عِوَضَ السَّقْيِ، وَلَكِنْ عَادَتِي وَعَادَةُ آبَائِي قِرَى الضَّيْفِ، وَإِطْعَامُ الطعام، فحينئذ أكل موسى.

الخامسة: قوله تعالى: {قالَتْ إِحْداهُما يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ} دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْإِجَارَةَ كَانَتْ عِنْدَهُمْ مَشْرُوعَةً مَعْلُومَةً، وَكَذَلِكَ كَانَتْ فِي كُلِّ مِلَّةٍ، وَهِيَ مِنْ ضَرُورَةِ الخليقة، ومصلحة الخلطة بين الناس".

كالبيع، كالبيع، الناس لا يمكن أن يستغنوا عن البيع والإجارة؛ لأن كل إنسان محتاج لما في يد غيره، ولا يمكن أن يصل إليه إلا بهبة، قد لا تتيسر الهبة مع كل الناس يهب أو يعطي فشرع البيع والإجارة وسائر العقود.

طالب:...هو ابن أخي شعيب ......

ماذا؟

طالب:... كأنه يرجح أنه قال قد مضى في الأعراف الخلاف في اسم أبيه.

شعيب ابن.

طالب: هو يقول: إن الخلاف في الأعراف مضي الخلاف في اسم أبيه كأنه يقصد ابن أبي شعيب.

لا، لا، لو قال: ابن أبي شعيب قال: أخو شعيب، كان أخًا لشعيب.

طالب: الكلام على أبيه.

أين؟

طالب: البنتين، السياق على أبوهم.

لا، لا، أبوهم كان أخًا لشعيب مباشرة، ما كان من أخيه ولا من أبيه، لا، واضح ما يمكن أن تجيء ابن أبي، ابن أبيه هو أخوه، أخ أقرب وأخسر، أخسر ابن الأب هو الأخ، كأنه يقال: كان أخًا لشعيب واضح.

طالب: {نجوت من القوم الظالمين} هذا يكون جوابًا لدعاء موسى.

ما لا شك أن الدعوة أجيبت بكل ما حصل من الخيرات التي صارت بين موسى وصاحب مدين بما في ذلك المصاهرة.

 "وَهِيَ مِنْ ضَرُورَةِ الخليقة، ومصلحة الخلطة بين الناس، خلاف لِلْأَصَمِّ، حَيْثُ كَانَ عَنْ سَمَاعِهَا أَصَمَّ."

كأن الأصم هذا لا يري جواز الإجارة، وهو من أئمة المعتزلة.

طالب: هل يلزم أن وصف النساء.... بالضرورة ما ذكره المفسرون في هذه الحادثة؟

ماذا؟

طالب: بأن النساء المرأتين ................هل يلزم بما ذكره المفسرون..........يمشي وراءها...

إلى هذا تتابعوا على أنه يمشي وراءها، أنها كانت تمشي وراءه، وبعضهم قال: إنها كان تدله بالحجارة إذا أرادت أن يميل يمينًا أو شمالاً رمت حجرًا يمينًا أو شمالًا.

طالب: لكن ما كان يصفه بالأمانة من أول مرة سقى لهما، بحسن التعامل معهما؟

كله هذا يدل على الأمانة.

"السَّادِسَةُ- قوله تعالى: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ} الْآيَةَ. فِيهِ عَرْضُ الولي ابنته عَلَى الرَّجُلِ، وَهَذِهِ سُنَّةٌ قَائِمَةٌ، عَرَضَ صَالِحُ مَدْيَنَ ابْنَتَهُ عَلَى صَالِحِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَعَرَضَ عمر بن الْخَطَّابِ ابْنَتَهُ حَفْصَةَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُثْمَانَ، وَعَرَضَتِ الْمَوْهُوبَةُ نَفْسَهَا عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَمِنَ الْحسنِ عَرْضُ الرَّجُلِ وَلِيَّتَهُ، وَالْمَرْأَةُ نَفْسَهَا عَلَى الرَّجُلِ الصَّالِحِ، اقْتِدَاءً بِالسَّلَفِ الصَّالِحِ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَمَّا تَأَيَّمَتْ حَفْصَةُ قَالَ عُمَرُ لِعُثْمَانَ: إِنْ شئتَ أُنْكِحكَ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ، الْحَدِيثَ انْفَرَدَ بِإِخْرَاجِهِ الْبُخَارِيُّ."

ولم يجبه لا أبو بكر ولا عثمان ما أجابوه، لا بلا ولا بنعم، سكتا وتركاه؛ لأن النبي- عليه الصلاة والسلام- قد ذكرها، ولم يفشيا سره، كذلك أمير المؤمنين عثمان -رضي الله تعالي عنه- أهدى بنته لعبد الله بن مسعود، وهو شيخ كبير السن.

 "السَّابِعَةُ: وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ إِلَى الْوَلِيِّ لَا حَظَّ لِلْمَرْأَةِ فِيهِ؛ لِأَنَّ صَالِحَ مَدْيَنَ تَوَلَّاهُ، وَبِهِ قَالَ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ. وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَدْ مَضَى."

وفيه الحديث: «لا نكاح إلا بولي».

 "الثَّامِنَةُ: هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلْأَبِ أَنْ يُزَوِّجَ ابْنَتَهُ الْبِكْرَ الْبَالِغَ مِنْ غَيْرِ استيئمار، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَاحْتَجَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ قَوِيٌّ فِي الْبَابِ، وَاحْتِجَاجُهُ بِهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُعَوِّلُ عَلَى الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَبِقَوْلِ مَالِكٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَكَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِذَا بَلَغَتِ الصَّغِيرَةُ فَلَا يُزَوِّجُهَا أَحَدٌ إِلَّا بِرِضَاهَا؛ لِأَنَّهَا بَلَغَتْ حَدَّ التَّكْلِيفِ، فَأَمَّا إِذَا كَانَتْ صَغِيرَةً فَإِنَّهُ يُزَوِّجُهَا بِغَيْرِ رِضَاهَا؛ لِأَنَّهُ لَا إِذْنَ لَهَا وَلَا رِضًا، بِغَيْرِ خِلَافٍ."

قوله في حق الإمام مالك: احتج بهذا الآية، وهو ظاهر قوي في الباب، واحتجاجه به يدل على أنه كان يعول على الإسرائيليات، أولاً الإمام مالك إمامه، القرطبي مالكي، وقوله: يعول على الإسرائيليات، لا يعني أنه يحتج ويستدل بما يروى عن بني إسرائيل، وإنما يستدل بشرعهم المسطر في كتابنا، فيرى أن شرع من قبلنا شرع لنا، لا أنه يعول على الإسرائيليات التي يذمها أهل العلم، يذمون حشو الكتب بها، التي قال عنها النبي-عليه الصلاة والسلام-: «حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج»، يعني لا تصدق ولا تكذب، ليس هذا معول الإمام في هذه المسألة، إنما معوله على الآية {إني أريد أن أنكحك} من غير رجوع إلى بنت، ما فيه ذكر رجوع إلى بنت، لكن في شرعنا لا تُنكح الأيم حتى تُستأمر، ولا تُنكح البكر حتى تُستأذن، حتى تُستأذن. وهذا قاضٍ على مثل هذه العمومات.

 إذا كانت صغيرة لا إذن لها، فقد زوج أبو بكر –رضي الله عنه- النبي –عليه الصلاة والسلام- عائشة وهي بنت ست سنين، ولا إذن لها، فالصغيرة لا تحتاج إلى إذن، أما البكر البالغة فتحتاج إلى أن يأخذ إذنها، إذنها صِماتها، إذا سكتت يكفي، وأما بالنسبة للثيب فلا بد أن يطلب أمرها وإذنها صراحة.

طالب:.. راجح العقل قوي الديانة من أولياء الأمور يحق له ....

لا تنكح، وليس فيه ما ينفي استئذان بنت شعيب، ما فيه ما ينفي، يعني في القصص جمل تُطوى كثيرة.

طالب: ..... عرض المرأة نفسها هل من باب أنها تملك تزويج نفسها...

يعني عرضها على الرجل الصالح، لكن لا يتم شيء إلا بإذن وليها، تستأذن أولاً، فإذا قبل لا يعقد إلا الولي.

 لكن الإشكال في قلوب الناس التي تغيرت، الآن لو أن امرأة عرضت نفسها على رجل صالح، ما الذي يتبادر إلى ذهنه؟ لو لم تكن معيبة ما عرضت نفسها، ولو عرضها أبوها كذلك، الذي فيه خير ما يخليه الطير، وهكذا القلوب تغيرت، ويوجد -ما شاء الله- من طالبات العلم الشيء الكثير من هذا النوع التي هي تقرب من الكمال، وتعرض نفسها، ثم يكون في نفس الشخص المقابل من هذا الكلام، هذا لؤم، هذا لؤم، ومع ذلك يبقى الشرع إلى قيام الساعة شامخًا للمرأة أن تعرض، ولولي أمرها أن يعرض، لكن كل هذا مع أمن الفتنة، ولا بد من معرفة ولي الأمر بالعرض، ولا بد من توليه العقد.

 قصة عثمان التي في الصحيح مع عبد الله بن مسعود منقبة للأطراف كلها؛ عثمان –رضي الله عنه- عرض على ابن مسعود، وسنه لعلها سبعون أو تزيد على السبعين، عرض ألا نزوجك بكرًا تعيد ما مضى لك من شبابك؟ فقال ابن مسعود، ما قال فرصة لو خطبت ما أعطيت، ما قال فرصة سانحة، ويعرف قدر نفسه الذي لا يستطيع معاشرة النساء لا يجوز له أن يقبل، بل لا بد أن يخبر عن نفسه مثل هذه الحال، فقال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «يا معشر الشباب..»، ما قال: يا معشر الشيوخ، قال: يا معشر الشباب، فرده بالحديث.

ومثل هذا ينبغي أن يسود بين الناس، الإنسان إذا رأى في الشخص الكفاءة، وأنه مما يستحق أن يهدى إليه لا يتأخر، ولا يلزم من هذا أن تعنس البنت، ويطول عمرها، ويتركها الخطاب، ثم يهديها، هذا ما ينفع، هذا ما فيه منقبة، لكن إذا أهدى البنت النافقة على رجل يتخيل ويظن فيه الصلاح، هذا هو الأمر المشروع المتروك، ثم بعد ذلك الطرف المقابل، إما أن يقبل إذا أنس من نفسه القوة مع الرغبة أو يرد ردًّا جميلاً، ولا يقع في نفسه ما يقع في نفوس الناس الآن من الوقوع في النيات أو غيرها.

ولذا يرى بعض أهل العلم أن الشخص لا يعرض مباشرة، لا المرأة تعرض مباشرة، ولا ولي المرأة مباشرة يأتي إلى شيخ من أهل الدين والورع والأمانة ويقول له: والله أنا في نفسي فلان ودي أن أزوجه، لكن تعرف قلوب الناس اليوم، لو أقول له شيئًا أكيد فيه شيء، أكيد فيها عيب، فلو عرضت له أننا عندنا بنت مناسبة، وكذا، وهم يرغبون في مثلك. شيء من هذا، يعني حفظ شيء من ماء الوجه في مثل هذه القضايا، مع أن الأصل ما فيه ما يمنع أبدًا.

طالب:........ تزوجها ابن مسعود.

 لا، لا، قال لعثمان: قال رسول الله-صلي الله عليه وسلم-: «يا معشر الشباب»، ابن مسعود فوق السبعين، ما قال هذه والله فرصة، ولو أخطب ما وجدت، هذه فرصة ما تُفوَّت، لا لا، إنصاف.

التَّاسِعَةُ: اسْتَدَلَّ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ بِقَوْلِهِ: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ} عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ مَوْقُوفٌ عَلَى لَفْظِ التَّزْوِيجِ وَالْإِنْكَاحِ، وَبِهِ قَالَ رَبِيعَةُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَدَاوُدُ وَمَالِكٌ عَلَى اخْتِلَافٍ عَنْهُ.

قف، قف على التاسعة، قف عليها.

اللهم صلِّ وسلم على عبدك ونبييك.

"