شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (145)

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

 الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.

أيُّها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا بكم إلى حلقة جديدة ضمن برنامجكم شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح. مع مطلع حلقتنا يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا ومرحبًا بكم شيخنا عبد الكريم.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

لازلنا في باب من أجاب الفتيا بإشارة اليد والرأس، ساق المصنف -رحمه الله- حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، عن النبي - صلى الله عليه وسلم-قال: «يقبض العلم ويظهر الجهل والفتن، ويكثر الهرج، قيل: يا رسول الله، وما الهرج؟ قال: هكذا بيده فحرَّفها كأنه يريد القتل».

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

سبق الحديث عن شيء مما يتعلق بهذا الحديث، وما ترجم به البخاري على هذا الحديث، والمناسبة بين هذا الباب والذي قبله، ولا مانع من إعادة بعض ما تقدم ذكره؛ ليرتبط الكلام بعضه ببعض، فالحديث ترجم عليه الإمام البخاري بقوله: باب من أجاب الفتيا بإشارة اليد والرأس. وذكر قبله حديث ابن عباس أن النبي- عليه الصلاة والسلام- سئل في حجته، فقال السائل: «ذبحت قبل أن أرمي، فأومأ بيده قال: ولا حرج، قال: حلقت قبل أن أذبح، فأومأ بيده وقال: لا حرج».

واكتفى المختصر بحديث أبي هريرة؛ لدلالته على المطلوب، وهو الإيماء باليد، وأما الإيماء بالرأس، فدليله حديث أسماء الآتي بعد هذا، إن شاء الله تعالى. مناسبة الحديث للباب ظاهرة؛ لأن فيه: «قال بيده هكذا»، «قال هكذا بيده فحرفها كأنه يريد القتل».

يعني أشار بيده، وأما المناسبة بين البابين هذا الباب باب من أجاب الفتيا بإشارة اليد والرأس، والترجمة السابقة باب الفتيا وهو واقف على الدابة وغيرها، فظاهرة أيضًا؛ لأنهما في الفتيا، الترجمة الأولى بصريح الكلام، والترجمة الثانية بالإشارة، وقد عمل بذلك أهل العلم، فأفتوا بالإيماء والإشارة، كما أن الأصل في الفتوى صريح العبارة، وهذا عند الإمام المتبع الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله تعالى- كثير جدًّا.

الإيماء عند الحنابلة كثيرًا ما يقولون في كتبهم: أومأ إليه الإمام أحمد. أومأ إليه الإمام أحمد، وفي اصطلاحهم  يختلف عما نحن فيه، يعني القارئ كأنَّه، كي يفهم القارئ بأن الإمام أحمد أفتاه بالإشارة، كأنه أومأ بيده كما في الترجمة عندنا الإشارة باليد والرأس، الإيماء عند الحنابلة يفسرونه بأنه ما يؤخذ من مدلول كلام الإمام لا من نصه، كما في مقدمة الإنصاف وغيره، يعني يفهم من قولهم: أومأ إليه الإمام أحمد، ما معنى هذا؟ الإيماء والإشارة بمعنًى واحد، فكأنه أفتاه بالإشارة أي بيده أو برأسه أو كذا.

أحد الحضور: هل هو خاص بالإمام أحمد؟

المقدم: هل هو خاص بالإمام أحمد، يقول يا شيخ؟

أمَّا بالنسبة للإشارة المفهمة فهذه معروفة عند أهل العلم وغيرهم.

المقدم: ويؤخذ بها يا شيخ هكذا على الإطلاق؟

يؤخذ بها إذا كانت إشارة مفهمة، يعني دلالتها على المطلوب كدلالة العبارة، كما جاء في الحديث.

المقدم: يعني ما يمكن أن يقال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم- يختلف عن غيره في هذا المجال؟ ولأنها أصلًا الإشارة في بيان لفظ ذكره- عليه الصلاة والسلام-، لما سئل ما الهرج بيَّن المراد.

المقصود أنه بيَّن لهم المراد بالإشارة، وبيان الحكم مثل الحكم، الحكم الذي يحتاج إلى بيان بيان الواجب واجب عند أهل العلم، فالبيان مثل الأصل، فإذا كانت الإشارة مفهمة قامت مقام العبارة، ولذا يأخذ أهل العلم من هذا على ما سيأتي أن الأصم والأبكم وكذا الذي لا ينطق، تصح معاملاتهم، وكلها بالإشارة المفهمة. أيضًا الإشارة المفهمة حكمها في الصلاة بحثها أهل العلم، كما سيأتي في حديث أسماء الذي يلي هذا، إن شاء الله تعالى.

قوله: «يقبض العلم» أي بقبض العلماء كما في حديث عبد الله بن عمر الآتي: «أن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالمًا اتخذ الناس رؤوسًا جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا»، وسيأتي هذا الحديث إن شاء الله تعالى، وتقدم في حديث أنس: «يرفع العلم ويقل العلم»، وفي رواية مسلم: «ينقص العلم ويظهر الجهل»، وهو من لازم قبض العلم ورفعه، وتقدم في حديث أنس: «يثبت الجهل والفتن»، وفي رواية الأصيلي: «وتظهر الفتن» بإسقاط الجهل، والفتن جمع فتنة، يقول الراغب: أصل الفتْنِ إدخال الذهب في النار؛ لتظهر جودته من رداءته، واستعمل في إدخال الإنسان فقال: {هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ} [سورة الذرايات:14] أي عذابكم، وتارة يسمون ما يحصل عنه العذاب، فيستعمل فيه نحو: {ألا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا} [سورة التوبة: 49]، وتارة في الاختبار نحو: {وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا} [سورة طه: 40].

وجعلت الفتنة كالبلاء في أنهما يستعملان فيما يدفع إليه الإنسان من شدة ورخاء، وهما في الشدة أظهر، وأكثر استعمالًا، وقد قال فيهما: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} [سورة الأنبياء:35]، وقال في الشدة: {إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ} [سورة البقرة: 102]، {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ} [سورة البقرة: 191]، { حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [سورة البقرة: 192]، {وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ} [سورة المائدة:49]، { وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ} [سورة الإسراء 73]؛ أي يوقعونك في بلية وشدة في صرفهم إياك عما أوحي إليك.

وقوله: {فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ} [سورة الحديد: 4]؛ أي أوقعتموها في بلية وعذاب، وعلى هذا قوله: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً} [سورة الأنفال: 25].

وقوله: {وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ}، فقد سماهم هاهنا فتنة اعتبارًا بما ينال الإنسان من الاختبار بهم، يعني الإنسان يختبر بالأموال والأولاد: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} [سورة التغابن: 15]؛ يعني يختبر بهم، يُمتحن الإنسان بهم، هل يقدم هذه الأمور..

المقدم: على مرضاة الله؟

على ما يرضي الله- جلَّ وعلا- أو يقدم ما تقتضيه المحبة الشرعية، مما يريده الله- جلَّ وعلا- على ما يطلبه هؤلاء؟ وبعضهم يفسر الفتنة في مثل هذا بفتنة الرجل في أهله وماله الانشغال بهم، كما جاء في حديث: «الخميصة كادت أن تفتنني» أن تشغلني «عن صلاتي»، وباب الفتن باب في غاية الأهمية، على المسلم أن يُعنى به خصوصًا طلبة العلم؛ ولذا ألفت فيه المؤلفات، وخُصصت له الأبواب في كتب العلم، وقد أبدع الإمام البخاري- رحمه الله- في كتاب الفتن من صحيحه، فعلى طالب العلم أن يُعنى به؛ ليكون على بصيرة من أمره إذا وقع شيء منها؛ لأنه إذا وقعت الفتن حار الناس، الذي ليس لهم معرفة بما ورد عن الله وعن رسوله- عليه الصلاة والسلام- في هذا الباب يحتارون، ولذا جاء في الفتن أنها تدع الحليم..

المقدم: حيران.

حيران، لكن من اعتصم بالكتاب والسنة، وعرف ما كان وما يكون من خلال النصوص، لا من خلال الظنون والتوقعات والأوهام التي يسلكها كثير ممن يتصدى لهذه الأمور من خلال وسائل الإعلام، كثير منهم من خلال القنوات ومن خلال الصحف والإذاعات تجدها تحليلات، أشبه ما تكون بالتحليلات الصحفية.

المقدم: صحيح.

مع الأسف حتى بعض من ينتسب إلى العلم؛ لأنه لم يعط هذا الباب حقه من العناية، وإلا لو اعتنى بهذا الباب من خلال ما جاء عن الله وعن رسوله لما وقع في مثل هذا.

«ويكثر الهرج» يقول الكرماني: الهرج بسكون الراء، وهو الفتنة والاختلاط، وأصله الكثرة في الشيء، فإرادة القتل من لفظ الهرج إنما هو على طريق التجوز، إرادة القتل من لفظ الهرج إنما هو على طريق التجوز يعني أكثر أصله الاختلاط والكثرة، لكن إرادة القتل من لفظ الهرج إنما هو على طريق التجوز، إذ هو لازم معنى الهرج، يقول الكرماني:اللهم إلا أن يثبت ورود الهرج بمعنى القتل لغة ومعنًى، كذا قال، يقول ابن حجر ردًّا عليه: قلتُ: هي غفلة عما في البخاري في كتاب الفتن، والهرج القتل بلسان الحبشة، والهرج القتل بلسان الحبشة، أقول: وورد تفسير الهرج بالقتل هنا بالإشارة وفسَّره - صلى الله عليه وسلم- صراحةً في كتاب الفتن، قالوا: يا رسول الله أيما هو؟ قال: «القتل القتل». يعني الكرماني يقول: اللهم إلا أن يثبت ورود الهرج بمعنى القتل لغة ومعنى، والنبي- عليه الصلاة والسلام- فسره به. فلتكن حقيقته الشرعية التي جاءت على لسان الشارع: القتل، وإن كانت حقيقته في الأصل الحقيقة اللغوية أنه الاختلاط والكثرة.

الأخ الحاضر:........

ما يلزم؛ لأنَّه في أكثر من طريق فسره صراحةً بالقتل، وأكده: «القتل القتل»، وسيأتي في كلام بعضهم ما يدل على أنه من بعض الرواة، الهرج القتل بلسان الحبشة، وسيأتي في كلام أبي موسى أنه من تفسيره أنه بلسان الحبشة، ولا يمنع أن يكون الهرج معناه القتل بلسان الحبشة، وأن يكون أيضًا معناه عند العرب كذلك، لأن النبي- عليه الصلاة والسلام- عربي، كما النبي- عليه الصلاة والسلام-، ويكون مما توافقت فيه اللغتان، وفي تهذيب اللغة للأزهري: قال أبو عبيد عن الأصمعي: هرج الناس يهرجون هرجًا من الاختلاط، وقال الليث: الهرج: القتال والاختلاط، وأنشد الأصمعي قول ابن الرقيات:

ليت شعري أول الهرج هذا 

أم زمان من فتنة غير هرج  

الليث هذا ابن من؟ هذا مر بنا مرارًا وكررته؛ لأنَّه وقع بين يدي بحث فيه كلمة لغوية قالها الليث، وترجم المترجم لليث بن سعد.

الأخ الحاضر:....

يعني مثل ما لو جاء الآن في مثل هذا الكلام، قال أبو حاتم، فترجمت لأبي حاتم الرازي، أو أبي حاتم بن حبان ليس بصحيح.

المقدم: هذا الليث اللغوي.

نعم، مر بنا مرارًا، الليث بن المظفر اللغوي، يكثر عنه أهل اللغة النقل، وأبو حاتم الذي يرد كلامه وينقل كلامه في اللغة هو أبو حاتم السجستاني.

المقدم: ابن المظفر له كتب هذا يا شيخ؟

هذا ينقل عنه كثيرًا، ينقلون عنه بكثرة، العيني تعقب ابن حجر، قلنا: ابن حجر تعقب الكرماني، والعيني تعقب ابن حجر، قلت:- يقول- قلتُ: هذا غفلة؛ لأن كون الهرج بمعنى القتل بلسان الحبشة لا يستلزم أن يكون بمعنى القتل في لغة العرب، غير أنه لما استعمل بمعنى القتل وافق اللغة الحبشية، وأما في أصل الوضع فالعرب ما استعملته إلا لمعنى الفتنة والاختلاط، واستعملوه بمعنى القتل تجوزًا، يقول العيني: فإن قلت: قال صاحب المطالع: فسر الهرج في الحديث؛ بالقتل بلغة الحبشة، ثم قال: وقوله بلغة الحبشة: وهمٌ من بعض الرواة؛ وإلا فهي عربية صحيحة، قوله بلغة الحبشة وهمٌ من بعض الرواة؛ وإلا فهي عربية..

المقدم: صحيحة.

صحيحة، قلتُ: لا يلزم من تفسيره في الحديث بالقتل أن يكون معناه القتل في أصل الوضع، يقول ابن حجر في انتقاض الاعتراض: ووجه الدلالة على الكرماني- يعني من كلامه- أنه أطلق قوله لغة، فلما ثبت في لسان الحبشة واستعملها أفصح العرب النبي- عليه الصلاة والسلام- عُلم أن مراده معناها بلسان الحبشة لا أنه تجوز بها عن معناها بلسان العرب، جاز أن يكون مما توافقت فيه اللغتان، وقد جزم صاحب المطالع بأنها عربية صحيحة، الآن صاحب المطالع يقول: فسر الهرج في الحديث بالقتل بلغة الحبشة، ثم قال: وقوله بلغة الحبشة وهْم من بعض الرواة، وإلا فهي عربية صحيحة.

صاحب المطالع (ابن قرقول) يقول: هي عربية صحيحة استنادًا إلى تفسير النبي- عليه الصلاة والسلام-، ورمى من قال إنها بمعنى القتل بلغة الحبشة بأنه وهم، وهم من بعض الرواة، لكن لا يُوافق على ذلك، على ما سيأتي أن هذا الكلام من كلام أبي موسى راوي الحديث، راوي الحديث، يعني هي جاءت في حديث أبي موسى، يقول صاحب المبتكرات، مبتكرات إيش؟

المقدم: نعم، في المحاكمة.

مبتكرات اللآلئ والدرر في المحاكمة بين العيني وابن حجر، قال صاحب المبتكرات: أقول تحصل أن محل الخلاف في كون الهرج موضوعًا لغةً للقتل أو استعماله فيه مجاز، فالذي يرجع إليه في الفصل هو كتب اللغة.

الآن لا نختلف في أن النبي- عليه الصلاة والسلام- فسر الهرج بالقتل، وتكون هذه حقيقة شرعية، الهرج.

المقدم: لا نختلف بناءً على..

الصحيح الثابت عن النبي- عليه الصلاة والسلام-، لكن هل معنى الهرج القتل في أصل الوضع؟ يقول: فالذي يرجع إليه في الفصل هو كتب اللغة، ففي القاموس: هرج الناس يهرجون: وقعوا في فتنةٍ واختلاطٍ وقتلٍ، وفي التاج بعده تاج إيش؟

المقدم: تاج العروس.

تاج العروس شرح القاموس، بعده، يعني بعد ما ذُكر سابقًا، والهرج شدة القتل وكثرته، وفي الحديث: «بين يدي الساعة هرج»، أي قتال واختلاط، فإذا جاء نهر الله ذهب نهر معقل، هذا كلام صاحب المبتكرات، فإذا جاء نهر الله ذهب نهر معقل.

المقدم: يقصد أنَّه لما جاءت دلالة اللغة خلاص؟

نعم، انتهى، انتهت الاحتمالات.

الحاضر:.........

انتهى كلام الزبيدي، الزبيدي أثبت أن الهرج شدة القتل وكثرته، وفي الحديث: «بين يدي الساعة هرج» أي قتال واختلاط، فإذًا فيقول صاحب المبتكرات لما نقلنا من كتب اللغة أن معنى الهرج القتل تفي كتب اللغة، فإذا جاء نهر الله ذهب نهر معقل؛ لأنه لما كان الهرج موضوعًا لما هو أعم من القتل، لكن يبقى أن كتب اللغة التي تأثرت بالاصطلاحات الشرعية مثلًا، هل تكون فصلًا في هذا الباب؟ لأننا لا نبحث اللفظة من الناحية الشرعية، الشرعية ثابتة في البخاري فسر الهرج بالقتل، لكن من الناحية اللغوية، يعني هل العرب يعرفون الهرج بمعنى القتل؟

المقدم: يعني بناءً على كلام أصحاب قواميس اللغة يدل على هذا يا شيخ؟

لكن عندنا كتب تأثرت بالاصطلاحات الشرعية.

المقدم: وبعضهم ينقلون عن النبي مثل هذا.

ونبهت مرارًا على أن الكتب التي تأثرت بالاصطلاحات ينبغي أن يكون الإنسان  منها على حذر، يعني مثل المصباح المنير، أو المطلع، أو المغرب للمطرِّزي أو غيرها التي جاءت لشرح الكلمات الاصطلاحية، وهي محسوبة على كتب اللغة؛ لأن مؤلفيها من أهل اللغة، هذه تأثرت بالاصطلاحات الشرعية، هذه تأثرت بالاصطلاحات الشرعية، ولذا من يفسر مثلًا الآن نأتي بمثال، الخمر في الاصطلاح حقيقته عند الحنفية تختلف عن حقيقته عند الجمهور، فإذا أردنا أن نرد على حنفي وفسرنا الخمر من المصباح المنير وهو يشرح غريب كتاب شافعي، فهل يتم لنا الرد بذلك؟ أو نرد على شافعي من كتاب المغرب للمطرزي؟ لا، لا يمكن هذا؛ لأن هذه الكتب تأثرت بالاصطلاحات، فينبغي أن نُعنى بكتب المتقدمين، كتب المتقدمين هي العمدة في هذا الباب، أما الكتب التي يتداولها المتأخرون وتخمرت في أذهانهم الاصطلاحات الشرعية، الشرع جاء بلسان العرب، لكن إذا أردنا نمايز بين الحقائق لا بد أن نوقع كل حقيقة موقعها.

المقدم: عفوًا يا شيخ، الأخ يقول يعني إذا أطلقنا هذا اللفظ فإن كتب اللغة المعتمدة بالتالي ننحيها؛ لأنها كلها تأثرت بهذه المصطلحات الشرعية.

ما ننحيها، نعتمدها ونفيد منها، لكن في مواطن الخلاف، اللفظ الاصطلاحي الذي يختلف فيه أهل العلم.

المقدم: نرجع فيه إلى..

نكون منها على حذر.

المقدم: ممكن نأخذ من كلام العرب الأقدمين، من شعر العرب مثلًا في الجاهلية وغيره؟

لا، المؤلفون المتقدمون يعنون بهذا، يعني لو رجعت إلى تهذيب اللغة، أو رجعت إلى الصحاح، أو كتاب العين أو غيرها من الكتب التي ألفها متقدمون تجد عنايتهم بهذا واضحة. وأقول:.. ولا يؤخذ الكلام على إطلاقه بأن القاموس لا يستفاد منه، أو التاج لا يستفاد منه، أو لسان العرب..، لا، ليس هذا مرادي ألبتة.

المقدم: ولكن أشكل علينا عندما قلت على حذر.

أنا أقول في الألفاظ التي يختلف في حقيقتها أهل العلم ينبغي أن نكون على حذر، وندرسها بعناية.

المقدم: كلمة على حذر أشكلت علينا يا شيخ.

أنا أقول مثلًا: إذا كانت اللفظة مما اختلف فيها الحنابلة مع الحنفية أو الشافعية مع المالكية، لا نعتمد على كتاب يخدم مذهبًا معينًا، وإن كان مؤلفه لغويًّا، وإن كان أصل الكتاب لغويًّا، يعني وما المانع أن نرجع في مسألة اصطلاحية إلى المصباح المنير مع المغرب نرى إذا كان فيه اختلاف في الاصطلاحات، إذا كان المغرب تأثر بالحنفية، أو كان المطلع تأثر بالحنابلة، أو كان المصباح المنير تأثر بالشافعية، يعني نجمع أكثر من كتاب لنكون على بينة، إذا اتفقت هذه الكتب عرفنا أن المسألة لها أصل في اللغة.

يقول: فإذا جاء نهر الله ذهب نهر معقل؛ لأنه لما كان الهرج موضوعًا لما هو أعم من القتل، هذه كلمة يرددها أهل العلم، وأظن أول من قالها الإمام مالك إذا جاء نهر الله بطل نهر معقل؛ لأنَّه إذا وجدت احتمالات، سئل عن مسألة مثلًا، فخاض الناس فيها بالاحتمالات وبالأقيسة ثم وقف فيها شخص على نص شرعي، نقول: كل هذه الاحتمالات.

المقدم: تذهب.

تذهب بلا شك، فإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل.

لأنَّه لما كان الهرج موضوعًا لما هو أعم من القتل، عين معناه النبي- صلى الله عليه وسلم- في كلامه بخصوص القتل؛ لأن الحقيقة الشرعية تأتي ولا تغير الحقيقة اللغوية، لا تغيرها، لكن إما أن تخصها بمعنى أن الحقيقة الشرعية تذكر بعض أفراد اللفظ العام؛ كتفسير القوة بالرمي مثلًا، وتفسير المفلس بمن يأتي بأعمال وكذا إلى آخره، هذه حقيقة شرعية جاءت على لسان النبي - صلى الله عليه وسلم- بذكر بعض الأفراد، كون النبي- عليه الصلاة والسلام- فسر الهرج بالقتل إذا قال شخص إن الهرج معناه الاختلاط أو كثرة نقول كلامه ليس بصحيح؟ لا، نقول: النبي- عليه الصلاة والسلام- فسر الكلمة ببعض مفردات اللفظ العام، ويبقى تناول هذه الكلمة للأفراد الأخرى.

نعم، ولا يقال: إنه هنا من تفسير الراوي كما قاله العيني؛ لما في كتاب الفتن حين قال: «ويكثر الهرج، قالوا: يا رسول الله وأيما هو؟ قال: القتل القتل» بالتأكيد، وفي حديث بعده: «أن بين يدي الساعة لأيامًا ينزل فيها الجهل ويرفع العلم ويكثر فيها الهرج والهرج القتل»

ثم قال البخاري بعده: وقال أبو موسى: والهرج القتل بلسان الحبشة.

المقدم: لكن ما يفهم- أحسن الله إليك- أن الصحابة لم يكونوا يعرفون أن الهرج هو القتل، بدليل سؤالهم، مما يدل أن العرب لا تطلق الهرج على القتل؟

بل قد يكون من العام، من اللفظ العام الذي يراد تحديده، يسألون عن تحديد المعنى بفرد من أفراده، المقصود كثرته في آخر الزمان.

المقدم: أحسن الله إليكم ونفع بعلمكم، لعلنا نستكمل ما تبقى بإذن الله من ألفاظ هذا الحديث في الحلقة القادمة. أيُّها الإخوة والأخوات بهذا نصل وإياكم إلى ختام حلقتنا في برنامجكم" شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح" نستكمل بإذن الله في الحلقة القادمة، وأنتم على خير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.