كتاب بدء الوحي (060)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذا يقول: ما معنى قول: لا مانع من التوسل بالقُرَب؟
التوسل بالأعمال الصالحة التي يُتقرَّبُ بها إلى الله –جل وعلا- دليل ذلك حديث الثلاثة، الذينَ آووا إلى الغار وانطبق عليهم، فلم يستطيعوا الخروج منه فتوسلوا بأعمالهم الصَّالِحة، بأرجى أعمالهم لديهم، وفرَّج الله عنهم بسبب وسيلتِهم وتوسلهم إليه بما تعبدوا به له.
يقول: كيف نرد على من قال: إن طلب العلم من الإنترنت أفضل، فتكتب كل ما يُقال، وفي الدرس يفوتك أشياء وتضطر إلى أن تسمع الدرس مرة فيذهب عليك وقتان، نرجو الإجابة على هذا الإشكال.
 أنت إذا نظرت إلى المدة فلا شكَّ أن التلقِّي من خلال الآلات التي تسمعها وأنت في بيتِك يوفر عليك وقتًا كبيرًا، فبدلاً من أن تضرب المشوار، قد يحتاج إلى نصف ساعة، وأحيانًا إلى ساعة، ذهابًا وأخرى إيابًا، والدرس يصفو منه ساعة، بدلًا من أن يكون في ساعة يكون في ثلاث ساعات، إذا أردنا أن نحسبها بهذه الكيفية قلنا: إن وفرة الوقت تفيدنا في أمور أخرى، لكن أين هذا القائل: من حديث «من سلك طريق يلتمس فيه علمًا، سهل الله له به طريقًا إلى الجنة»؟!
الحج يحتاج إلى طريق، الصلاة تحتاج إلى طريق، العبادات، صلة الأرحام، بر الوالدين، كلها تحتاج إلى طرق، كلها يُحتسب ثوابها من خروجك من بيتك إليها، لا ينهزك إلا إيَّاها، إذا خرجت إلى طريق، سلكت الطريق إلى طلب العلم فأنت من خروجك من بيتك في طلب علم، بخلاف ما إذا جلست في البيت أنت ما.. ما سلكت الطريق، أنت تسببت في تحصيل العلم، وهذه طريقة أيضًا نافعة ومجدية، لكن تختلف عن المثول بين يدي الشيوخ والأخذ منهم مباشرة، والإفادة من هديهم وسمتهم وطريقتهم، ليس المقصود بالدرجة الأولى: العلم المجرَّد، إنَّما المقصود العلم والعمل، والوسائل لها أحكامُ الغايات والمقاصِد، فلا يستوي شخص زاحم الشيوخ، وتردد عليهم، ولو ضاع عليه بعض الأوقات؛ لأن هذه أوقات في سبيل الله ليست مهدرة، ليست مهدرة، لكن الذي لا يستطيع الوصول إلى الدروس نقول: يكتفي بالآلات، أحسن من لا شيء.
يقول: أرجو التنبيه على بعض طلبة العلم الذين يقصرون في إفشاء السلام.
الرسول –عليه السلام- يقول: «لا تدخلوا الجنة حتى تحابوا»، ثم أرشد إلى وسيلة هي من أعظم أسباب المحبة والمودَّة «أفشوا السلام بينكم».
يقول: في إفشاء السلام وحتى رده. بعض الناس ما يُظن بطالب العلم أنه يسمع من يسلم ولا يرد عليه، قد يرد ردًّا لا يسمعه المسلِّم، وهذا هو المظنون بطلاب العلم، مع أنه قد يوجد بين صفوف المتعلمين من يكون في نفسِه شيء على المسلِّم، فلا يُسمعه الرد، وإلَّا إذا لم يرد فهو آثم.
هذا يكتب عن الاختلاط الذي كثُر الكلام فيه، في الصُّحف، وفي المنتديات، ورفع أهل الباطل رأسهم وتطاولوا على أهل الحق، والحق موجود ومنصور، والكتابات –ولله الحمد- والمحاولات والأسباب مبذولة، لكن الله المستعان.
هذا يلقي باللائمة على أهل العلم في سكوتهم.
التقصير حاصل، لكن هناك أسباب مبذولة، ولله الحمد، علَّ الله –جل وعلا- أن ينفع بها.
يقول: السلام في حلقةِ العلم، هل هي أفضل أو عدمه خشية انقطاع الدرس، خشية انقطاع الدرس؟
النبي –عليه الصلاة والسلام- كان يسلَّم عليه وهو يصلي فيرد بالإشارة، يعني: ما يحصل به ما يتحقق به الهدف من غير ترتب مفسدة عليه.
يقول: ما أجود شروح الترمذي، وما أفضل طبعةٍ للشرح؟
أفضل شروح الترمذي لكن مع الأسف أنه لم يوجد منه إلا كراريس يسيرة جدًّا، ووجد منه "شرح العلل في آخر الجامع"، شرح الحافظ ابن رجب، لكن هو مفقود إلا أشياء يسيرة منه، تدل على عظمةِ هذا الشرح، ثم بعد ذلك شرح ابن سيد الناس، وتكملته للحافظ العراقي.
يقول: هل يكتفى بالطبعة العامرة عن المخطوط بالنسبة لصحيح مسلم؟
"الطبعة العامرة" جيدة ومتقنة في الجملة، وعليها تعليقات نافعة مستخلصة من الشروح، وهي في تقديري من أفضل الطبعات الموجدة الآن، وأما كونها تغني عن المخطوط، المخطوط يختلف أيضًا، المخطوط فيه الجيد وفيه الرديء، كثير من المخطوطات يستغنى بهذه الطبعة عنها، لكن إذا وجدت نسخة عتيقة مصححة مقابَلَة على النسخ، تروى بسند إلى الإمام مسلم، هذه لا يمكن أن يستغنى عنها بأي طبعة من الطبعات.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
هذا نقل حول ما قيل أو ما قيل حول الفرق بين الجود والكرم، نقل من "تحفة الأحوذي"، "قال الراغب: الفرق بين الجود والكرم: أن الجود بذل المقتنيات، يقال: رجل جواد، أو فرس جواد، يجود بمدَّخر عدوِه، والكرم إذا وصف به الإنسان فهو اسم للأخلاق والأفعال المحمودة التي تظهر منه ولا يقال: هو كريم، حتى يظهر ذلك منه". ثم نقل عن "المرقاة" شرح المشكاة، قول الراغب: ثم قال: "ولا يقال: هو كريم حتى يظهر ذلك منه، ومنه قوله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13]، وإنما كان كذلك؛ لأن أكرم الأفعال المحمودة وأشرفها ما يُقصد به وجه الله –تعالى- ومن قصد ذلك بمحاسن فعله، فهو التقيّ، فإذًا: أكرم الناس أتقاهم، وكلُّ شيء تشرف في بابه فإنه يوصف بالكرم.
قال تعالى: {فَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ} [لقمان:10]، {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} [الواقعة:77]".
"الفروق اللغوية" لأبي هلال العسكري، هذا هو الكتاب المتخصص لبيان الفروق الدقيقة بين الكلمات التي يظن بعضهم أنها من المترادف. قال: "الفرق بين الجود والكرم: أن الجود هو الذي ذكرناه، والكرم: يتصرف على وجوهٍ فيقال: الله تعالى كريم، ومعناه: أنه عزيز ومن صفات ذاته، ومنه قوله تعالى: {مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} [الإنفطار:6]، أي: العزيز الذي لا يُغلب".

 يعني: تفسير اسم باسم هذا ليس بمرضِي، بل لكلِّ اسمٍ دلالتُه على ما يتصف به الله –جل وعلا-، "ويكون بمعنى الجواد المفضال، فيكون من صفات فعله، يقال: رزق كريم: إذا لم يكن فيه امتهانٌ، والكريم: الحسن، {مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ} [الشعراء:7]، ومثله: {وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} [الإسراء:23]، أي: حسنًا".
"والكريم بمعنى: المفضل، في قوله: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13]، أي: أفضلكم، {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء:70] أي: فضلناهم. والكريم أيضًا: السيد، «إذا أتاكم كريم قومٍ فأكرموه»، ويجوز أن يقال: الكرم: هو إعطاء الشيء عن طيب نفس قليلاً كان أو كثيرًا، والجود: سعة العطاء، ومنه: سمي المطر الغزير الواسع: جودًا، سواء كان عن طيب نفسٍ أو لا. ويجوز أن يقال: الكريم، هو إعطاء".. يقول: الكريم، لكن المقصود: الكرم هو إعطاء. "الكريم: هو إعطاء من يريد إكرامه وإعزازه، والجواد: قد يكون كذلك وقد لا يكون.
ثم قال: الفرق بين الجود والكرم، قيل في الفرق بينهما: إن الجواد هو الذي يعطي مع السؤال، والكريم: الذي يعطي من غير سؤال. وقيل: بالعكس، والحق الأول؛ لما ورد في أدعية: وأنت الجواد الكريم؛ ترقيًا في الصفات العلية من الأدنى إلى الأعلى. وقيل: الجود: إفادة ما ينبغي لا لغرض، والكرم: إيثار الغير بالخير".

وفي "الكليات" لأبي البقاء يقول: "الجود: هو صفة ذاتية للجواد، ولا يستحق بالاستحقاق ولا بالسؤال، والكرم: مسبوقٌ باستحقاق السائل والسؤال منه، والجواد: يطلق على الله تعالى دون السخي، والجود: لا يتعدى إلا بال "باء" أو "اللام" وينتظم بالإعطاء، فيتعدى إلى مفعوله الأول "باللام" وإلى الثاني "بالباء". 

"التوقيف على مهمات التعريف" لمحمد عبد الرؤوف المُناوِي، "الجود: صفةٌ هي مبدأ ما يَنبغي لا لغرض، فلو وهب كتابهُ لغير أهله، لغرضٍ دنيوي أو أخروي لا يكون جُودًا، وأصله: بذل المقتنيات، مالاً، أو علمًا، وجاد بنفسه: سمح بها عند الموت. الكرم: إفادة ما ينبغي لا لغرض، فمن وهب المال لجلب نفع أو دفع ضر أو خلاص من ذم غير كريم".
يقول في "تاج العروس" "الجواد: هو الذي يعطي بلا مسألة، صيانةً للآخذ من ذلِّ السؤال". وعلى هذا الجود قريبٌ من المنّ، جواد، قريب من المنان الذي يُعطِي من غيرِ سؤال، يبدأُ بالنوال قبل السؤال. قال:

وما الجود من يعطي إذا سألته

 

ولكن من يعطي بغير سؤال

على كل حال: هما متقاربان جدًّا.
 في المدارسة، يدارسه، يقول القسطلاني: "وإنما دراسه بالقرآنِ؛ لكي يتقرر عنده، ويرسخ أتمَّ الرسوخ فلا ينساه، وكان في هذا إنجاز وعده تعالى لرسوله –عليه الصلاة والسلام- حيث قال له: {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى} [الأعلى:6]".
 وقال الطيبي: "فيه تخصيصٌ بعد تخصيص، تخصيص بعد تخصيص على سبيل الترقي، ترقٍ من الأدنى إلى الأعلى، من الأدنى إلى الأعلى، والتدلي بالعكس"، يعني في قوله –جل وعلا- {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} [آل عمران:110]، يقول بعضهم: إن الأمر بالمعروف أفضل من النهي عن المنكر، يعني عند المزاحمة في الوقت تقدم الأمر بالمعروف على النهي عن المنكر؛ لأنه قُدم في الآية. نقول: الآية سيقت مساق الترقي، وإلا فمن يقول: إن الأمر بالمعروف أفضل من الإيمان؟ على سبيل الترقي من الأدنى إلى الأعلى، الأمر بالمعروف هو الأدنى، والنهي عن المنكر أعلى منه وأهم؛ لأن درأ المفاسد مقدم على جلب المصالح، يعني: إذا وجد مفسدة تفوت ومصلحة تفوت قدمنا درء المفسدة بالنهي عنها، مع أن هذا لا يمكن أن يُقال في كلامٍ عام ومطَّرد في جميع القضايا، فهناك مما يؤمَر به إذا نُظر إليه بمفرده وجدناه أعظم من كثير مما يُنهى عنه، وبعض المنكرات أعظم من كثير مما يُؤمر به، لكن هذا كلامٌ إجمالي، جُملي، أما إذا نظرنا إلى المفردات فالأمر بالصلاة أهم من النهي عن التدخين –مثلاً- الأمر بالصلاة التي هي ركن الإسلام أهم من النهي عن.. هذا عند التزاحم.
طالب:............
لا، هذه مسألة ثانية: الأمر بالشيء هل هو نهي عن ضده أو لا؟ هذه مسألة فيها خلاف، وإذا كان له أكثر من ضد فماذا تفعل؟ لا لا مسألة.. لا، الكلام حينما يطلقه أهل العلم، إنما يطلقونه إجمالاً، يعني: مثل ما يقرر جمهور أهل العلم، وصرح به الإمام أحمد أن ارتكاب المحظور أعظم من ترك المأمور؛ بدليل: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه» المنهي عنه ما فيه مثنوية، يُترك، ما قال: ما استطعتم، بينما المأمور قال: ما استطعتم، فقالوا: ارتكاب المحظور أعظم من ترك المأمور. شيخ الإسلام –رحمة الله عليه- يقرر العكس، يقرر العكس، ويستدل بأن معصية آدم: ارتكاب محظور، ومعصية إبليس ترك مأمور، ترك مأمور، هذا رأيه –رحمه الله-.
ويشيعه بعض أهل العلم. على كل حال: المسألة.. إطلاق القول في هذا أو هذا لا يمكن أن يسوغ؛ لأن المأمورات متفاوتة والمحظورات متفاوتة، كثير من المأمورات أعظم من كثير من المأمورات والعكس، فلا يمكن أن يقال بقولٍ عامٍ مطَّرد ينتظم جميع الفروع، لا. لكن على سبيل الإجمال هذه قاعدة، وإلا من يقول: إن حلق اللحية –وهي ارتكاب محظور- أسهل من ترك التغيير –وهو ترك مأمور- «غيروا»، يعني: ما الأفضل: يبقي لحيته بيضاء أم يحلقها؟ يعني على من يقرر كلام شيخ الإسلام باطراد يلزمه مثل هذا.
نعم.
طالب:.......
على كل حال الكلام العام الذي يستدل به، يستدل عليه بقوله: «إذا أمرتكم بأمر» هو قول جمهور أهل العلم، وهذا مثل ما عند التساوي، لكن يبقى أنه إذا... هناك مأمورات عظائم، أركان. هل نقول: إن ترك هذه المأمورات أسهل من بعض المحرمات اليسيرة، يعني ترك الزكاة مثل بعض ....؟ أيهما أعظم ترك الزكاة أم شرب الخمر؟
طالب: ترك الزكاة.
ترك الزكاة أعظم، لكن أيهما أعظم: بعض الواجبات مثلًا المختلف فيها أو ليست أركانًا، أم الزنا؟ نسأل الله العافية. هذا لا يقوم بهذا. وليس هناك شيء ينتظم جميع المأمورات والمحظورات.
طالب:....
هذا في الجملة، من قرره؟
طالب:.....
هذا كلام شيخ الإسلام، لكن هو نظر.. في قضية معينة، نظر في قضية معينة جعلها هي الأصل. جعلها هي الأصل، لكن أنت في طريقك إلى المسجد لصلاةِ الجماعة لا لأصل الصلاة، في طريقك لأداء صلاة الجماعة، وهي مأمور بها، بغي على رأسها ظالم كل من مر لا بد أن يقع، تصلي مع الجماعة أم تترك؟ أيهما أعظم؟
طالب:.........
ترك مأمور أم تقع في محظور، ما بينهم نسبة، لكن لو قدامك منكر يسير، شباب يلعبون كرة مثلاً، تأمرهم وتنهاهم وما يطيعونك، هذا منكر، مشاهدته أيضًا منكر، لكن يبقى أنه أين هذا من فعل الصلاة مع الجماعة؟ أنت عليك أن تؤدي، تأمرهم، ولو لم يزل المنكر، المقصود أن هناك هذه الأمور في غاية، متفاوتة تفاوتًا كبيرًا، فيُنظر إلى كلِّ مسألةٍ يُرادُ المفاضلة بين المأمور والمحظور، كل مسألة بعينِها، وأمَّا عند الإطلاق، فماذا نقول؟

نقول: ارتكاب المحظور أعظم؛ لأن درأ المفاسد مقدَّم على جلبِ المصالح، هذا هو المقرر عند أهل العلم.
يقول: قال الطيبي: "فيه تخصيص بعد تخصيص على سبيل الترقِّي فضَّل أولًا جودَهُ مطلقًا على جودِ النَّاس كلِّهِم، ثمَّ فضل ثانيًا جودَ كونِهِ في رمضان على جودِه في سائر الأوقات، ثم فضل ثالثًا جوده في ليالي رمضان عند لقاءِ جبريل على جودِه في رمضان مطلقًا، ثم شبَّه جوده بالرِّيح. قال: فلَرسول الله".

 فلَرسول الله. الفاء: للسببية، واللام للابتداء وزيدت للتأكيد، أو في جوابِ قسمٍ مقدَّر، أو في جواب قسمٍ مقدر. ورسولُ بالرفع: مبتدأ خبرُه قولُه: أجودُ بالخير من الريح المرسلة، أي: المطلقة. المرسلة: أي المطلقة. يعني: من غير قيد. إشارةً إلى أنه في الإسراعِ أسرع منَ الرِّيح، وَعبَّر بالمُرسلة إشارة إلى دوام هبوبها بالرحمة، وإلى عموم النفع بجودِه –عليه الصلاة والسلام- كما تعمُّ الريح المرسلة جميع ما تهبُّ عليه.
قال الزين بن المنيِّر: "وجه التشبيه، وجه التشبيه بين أجوديته –صلى الله عليه وسلم- بالخير، وبين أجودية الريح المرسلة، أن المراد بالريح ريح الرحمة، ريح الرحمة التي يرسلها الله تعالى لإنزال الغيث العام، الذي يكون سببًا لإصابةِ الأرضِ الميِّتة، وغير الميِّتة. أي: يُنعم خيرُه وبرُّه من هو بصفةِ الفقر والحاجة ومن هو بصفةِ الغنى، والكفاية أكثر، أي: فيعم خيرُه وبرُّه من هو بصفةِ الفقرِ والحاجة ومن هو بصفةِ الغنى والكفاية أكثر مما يعمُّ الغيث الناشئ عن الريح المرسلة".

قال بعض الشراح: "فيه جواز المبالغة في التشبيه، فيه جواز المبالغة في التشبيه". الآن المشبَّه: جوده –عليه الصلاة والسلام-، والمشبه به: الريح المرسلَة، متى تكون هناك مبالَغة في التَّشبيه؟ إذا كان المشبه أقل بكثير من المشبه به. لكن هل هذا هو الواقع؟ هل هذا هو الواقع؟ يعني جوده –عليه الصلاة والسلام- لو أحصينا جميع ما أنفق في وجوه الخير وما دفعهُ –عليه الصلاة والسلام- لمن يحتاج ومن لا يحتاج، هل نقول: إن هذا مجموعُه أقلّ مما ينشأ عن الرِّيح المُرسلَة أو أكثر؟
طالب:.....
إذا نظرنا إلى الناحية المادية.
طالب:.....
كيف؟
طالب:.....
لا لا لا، خَلْنَا مسألة، مسألة؛ لأنهم قالوا: فيه جواز المبالغة في التشبيه. طيب. افترض أن جميع ما أنفقه –عليه الصلاة والسلام- طيلة حياتِه مليار دينار ذهب، يعني افترض، ما نشأ عن الريح المرسلة من إرسال الغيث إلى الأرض أيهما أكثر؟

طالب: .............

لا، المسألة مسألة تقرير كلام أهل العلم: المبالغة في التشبيه، نحن ضربنا رقمًا يمكن ما يصل إليه ما بذله النبي –عليه الصلاة والسلام- يعني أعطى غنمًا بين جبلين، وأعطى فلانًا مائة من الإبل، وأعطى كذا وكذا، وأعطى كذا، قلنا على سبيل التقريب ما قالوا، جوده –عليه الصلاة والسلام- بهذا المقياس وبهذا التقدير يمكن أن يتجه في كلامهم؛ لأن الجود الريح المُرسلة منذ خلق الله الدنيا إلى قيام السَّاعة أكثر بكثير، فيستقيم كلامهم إذا نظرنا إليه من هذه الحيثية، لكن إذا نظرنا إلى الغيث الذي جاء به –عليه الصلاة والسلام- الذي هو الغيثُ المعنويّ، غيثُ القلوب، النور والهدى الذي جاء به محمد –عليه الصلاة والسلام- ما نسبة ما جاءت به الريح المرسلة إلى ما جاء به –عليه الصلاة والسلام-؟ كلا شيء. كلا شيء. فلا يستقيم قولهم: فيه جواز المبالغة في التشبيه، إلا على الاحتمال الذي ذكرناه سابقًا، نقول: إنه مادي.
طالب:...........
نعم؟
طالب:.....
نعم، هم حسبوها حسابًا ماديًّا، مثل ما قلنا، نظرنا إلى ما أنتجته الأرض بسبب الغيث الذي ينشأ عن الريح المُرسَلة من بداية الدنيا إلى آخرها، لا يمكن أن يحاط به.
طالب:.....
نعم.
طالب:.....
لا، هو أعم، أعم منها، أعم من هذا.
طالب:....
نعم.
طالب:....
لا، أنا أريد أن أقرر قولهم: المبالغة في التشبيه، وعرفنا أن المبالغة لا تكون إلَّا إذا كان المشبَّه أقل بكثير من المشبَّه بهِ، وأوردنا الاحتمالين، الاحتمال الأول: وعليه يتنزل كلامهم، والاحتمال الثاني: ما فيه نسبة إطلاقًا بين هذا وهذا.
قالوا: "وجواز تشبيه المعنوي بالمحسوس،؛ ليقرب لفهم سامعِه وذلك أنه أثبتَ له أولًا وصف الأجودية، ثم أراد أن يصفه بأزيد من ذلك فشبه، فشبه جوده بالريح المُرسلَة، بل جعله أبلغ منها في ذلك؛ لأن الريح قد تسكن".
طالب:......
لا، إذا أُريد التشبيه المعلوم أو المجهول بالمحسوس بغض النظر عن الواقع، كأنياب أغوال، هل الذي شبه بالأنياب؟ {طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ} [الصافات:65]، الناس يشبهون بالمحسوس الذي يدركونه.
طالب:.....
نعم، إنما يشبهون بما يحسونه من واقعهم، ما عندهم أجود من الريح المُرسلَة.
طالب:....
لكن كثيرًا من الناس الآن، هل يدرك فائدة الريح المرسلة كما يدركها الأعرابي في الصحراء، أو العرب في أولِّ الأمر؟ ما يدركونه.
طالب:....وكذلك عند مدارسة القرآن...
على كل حال أنا أتيت بالاحتمالين من أجل تقرير كلامهم؛ لأنه مثل ما قيل أحيانًا يقول الإنسان الكلام غير مستحضر لتبعاته، يعني: إذا كان هذا تشبيه الرسول –عليه الصلاة والسلام- بالريح المرسلة، ألا يكون هذا فيه تقليل من شأن الرسول –عليه الصلاة والسلام- الذي هو أفضل الخلق وأكرم الخلق على الله؟ قد يقول قائل: يعني إذا كان الشاعر لما مدح الخليفة قال:

إقدام عمرو في سماحة حاتمٍ   

 

في حلم أحنف في ذكاء إلياسِ


قال بعض الحاضرين: والله ما زدت على أن شبهت الخليفة بأجلاف العرب. ما زدت على أن شبهت الخليفة بأجلاف العرب؛ لأن الذي يبحث يجد. يعني: إذا كنا نقول هذا بحق، في حق الرسول –عليه الصلاة والسلام- فتجد من يعترض بغير حق، مثل هذا. قال:

لا تنكروا ضربي له مَن دونه   

 

مثلاً شرودًا في الندى والباسِ

فالله قد ضرب الأقل لنوره       

 

مثلاً من المشكاة والنبراسِ

المشكاة: مصباح يوضع في كوَّة.
طالب:.....
هل يشبه الرب –جل وعلا- أو نوره في قلب عبده المؤمن بمثل هذا؟ لكن الناس ما يدركون أكثر من هذا، نعم، المسألة مسألة تقريبية.
طالب:....
أين؟
طالب:...
نعم، لكن خلنا نورد الاحتمالات لنقطع الإشكالات.
قال: "وجواز تشبيه المعنوي بالمحسوس؛ ليقرب لفهم سامعه، وذلك أنه أثبت له أولًا وصف الأجودية، ثم أراد أن يصفه بأزيد من ذلك فشبه جوده بالريح المُرسَلة، بل جعله أبلغ منها في ذلك؛ لأن الريح قد تسكن".
يقول الكرماني: "معنى إرسال الرِّيح إما هو على إطلاقِهِ، يعني: اللام فيها للجنس، وإما على تقييده بالإرسال للرحمةِ، يعني: اللام للعهد".
ما اللام هذه؟
طالب:....
نعم؟
طالب:...
"ال" هل الأولى أن يقال: اللام أو يقال: "ال"؟
طالب: اللام..
ماذا؟
طالب:...
نعم، فيها خلاف، "ال" حرف تعريفٍ أو "اللام" فقط.

"ال" حرف تعريفٍ أو "اللام" فقط

 

فنمطٌ عرَّفتَ قل فيه النمط.

لأنكم تسمعون يقول: "اللام"، "اللام" فيها للجنس.
طالب:....
وأهل العلم يقولون: حرف التعريف "ال"

بالجر والتنوين والندا و"ال"

 

.....................

ما قال: واللام؟

بالجر والتنوين والندا و"ال"

 

ومسندٍ للاسم تعريفٌ حصل

فحرف التعريف "ال" مع أن هناك قولًا، كما أشار إليه ابن مالك:

"ال" حرف تعريفٍ أو "اللام" فقط

 

.................

وهو الذي اعتمده هنا، قال: "يعني: اللام للجنس، معنى إرسال الريح، إما هو على إطلاقه، يعني اللام فيها للجنس، وإما على تقييده بالإرسال للرحمةِ يعني: اللام للعهد. قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} [الأعراف:57]، {بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} {يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ}. وقال تعالى: {وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا} [المرسلات:1]، أي: الريح المرسلات للمعروف على أحد التفاسير، وشبَّه نشر جوده بالخير في العباد بنشر الريح القطر في البلاد، وشتان ما بين الأمرين؛ فإن أحدهما يحيي القلب بعد موته، والآخر يحيي الأرض بعد موتها". يعني: هل هناك نسبة بين حياة القلوب وبين حياة الأرض؟ يعني: حياة القلب تُحصِّل النعيم المقيم، وحياةُ الأرض تحصِّل النعيم الزائل. افترض أن المسألة صارت قحطًا، الأرض ميتة غاية ما هنالك أن الناس يموتون، ويفقدون دنياهم، لكن إذا ماتت قلوبهم، إذا ماتت قلوبهم فقدوا الآخرة، وهذا حال كثيرٍ من النَّاس لمَّا طالَ بهمُ العهد قست قلوبُهُم.
نعم.
هذا مما فرَّق به بعضُ العلماء فقالوا: إن الرِّيح المفرَدَة تأتي بالشرِّ، والرياح المجموعة تأتي بالخير، ولذا جاء في الأثر: اللهم اجعلها رياحًا ولا تجعلها ريحًا. {إِن يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ} [الشورى:33]، هذا امتنان، هذا يرِد على هذا الكلام أم لا يرد؟
طالب: يرد.
طالب:....
نعم، لكنه في هذا الموضع نحتاج إلى ريح أم نحتاج إلى رياح، يعني: السفن والبواخر والجواري في البحار تحتاج إلى ريح أم رياح؟ تحتاج إلى ريح تسوقها، أما رياح، بعضها من اليمين وبعضها من الشمال، وبعضها من الأمام وبعضها... ابن جبير لما رجع من حجته إلى بلاد الأندلس في ستة أشهر من سواحل الشام إلى الأندلس؛ لوجود الرياح، لكن قابلته ريح أرجعته إلى سواحل الشام في ليلة.
طالب:....
في شرح النووي على "أوائل البخاري"، يقول: "في هذا الحديث فوائد كثيرة: منها الحث على الجود والإفضال في كل الأوقات، والزيادة منه في شهر رمضان، ومواطن الخير وعند الاجتماع بالصالحين، ومنها: زيارة الصالحين وأهل الفضلِ ومجالستهم، وتكرير زيارتهم، ومواصلتها".
بهذا يحصل –بإذن الله جل وعلا- الثبات على الدين، بمجالسة الصالحين، {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} [الكهف:28] كثيرًا ما نرى بعض الشباب يستقيم ويلتزم ويحافظ على الصلوات والأذكار، والأوراد وتلاوة القرآن، ثم ما يلبث أن ينحرف؛ لأنه ما قطع العلائق بأصحابهِ القُدامى، الذين كانوا معه على الفساد. "ومنها: زيارة الصالحين وأهل الفضل، ومجالستهم وتكرير زيارتهم، ومواصلتها. إذا كان المزور لا يكره ذلك، إذا كان المزور لا يكره ذلك، ولا يتعطل به عن مهمٍّ هو عنده أفضل من مجالسة زائِرِه، فإن كان بخلافِ ذلك.
يقول: يستحب تقليلها."
يعني: مع كونِه لا يكرَه، يستحبُّ تقليلها، مع أن مثل هؤلاء الذين ينتفع الإنسان بزيارتهم ومجالستهم ينبغي أن يتركوا فرصة لمن يزورهم أو يجالسهم؛ ليؤثروا في النَّاس النفعَ المتعدِّي. بعض الناس ما يحتمل أن يفد إليه أحد وهو مشغولٌ بذكره، بتلاوته، ما يدري أنه قد ينتفع هذا الزائر بكلمةٍ، تنفعه، فيكون له أجرها إلى يومِ القيامة، والله المستعان.
"ومنها: استحباب الإكثار من قراءة القرآن في شهر رمضان، ومنها: استحباب مدارسة القرآن وغيرِه". استحباب الإكثار من قراءة القرآن في شهر رمضان، يعني: هذا حال سلف هذه الأمة، حتى إن من الأئمة المعروفين بالإقراء والتحديث والتعليم، يتركون كل ذلك، ويتجهون إلى قراءة القرآن، ومنهم من يستمر؛ لأن التعليم من أفضل العبادات، وقد يكون أفضل من قراءة القرآن، الذي نفعه قاصر على القارئ، وعلى كل حال: منهم هذا، ومنهم هذا. وبعض الناس إذا دخل رمضان يعطل الأعمال على حد زعمه أن يقتدي بالسلف، ولا شك أن هذا من تلبيس الشيطان على بعض الناس. نعم إذا اقتدى بالسلف في الفعل فهذا يحمد عليه ويُمدح به، لكن الإشكال إن اقتدى بهم في الترك دون الفعل، الاقتداء بالترك سهل، الاقتداء بالترك سهل، يعني يسير جدًّا أن تترك التعلم، والتعليم، وتقول: والله السلف يلتفتون إلى القرآن ويتركون ما عداه، لكن انظر حالك مع القرآن. "ومنها: استحباب مدارسة القرآن وغيره من العلوم الشرعية". هذا منهج لبعض أهل العلم أنهم يخلطون في رمضان بين العلم والقرآن. نعم.
طالب.....
في المدارسة، في المدارسة.
طالب:.....
ما .. هذا مسكوت عنه، لكنه على قراءة القرآن، يعني: ما يعنينا كونه يقرأ –عليه الصلاة- أو لا يقرأ بنفسه، يعنينا أنه وجهنا، أنه حثنا على القراءة وكثرة القراءة بكل حرف عشر حسنات، وأدلة كثيرة تدل على الاهتمام بشأن قراءة القرآن، هذا الذي يخصنا من هذا.
طالب:......
نعم.
طالب:.....
منهم من يفرق بين المدارسة التي ينشأ عنها فهمُ القرآن وتدبُّرُ القرآن، والإفادة من القرآن، والازدياد من العلم واليقن والطمأنينة بالقرآن، يقول: هذه لليل، وأما مجرد قراءة تحصيل الحروف فهذه في كلِّ وقت.
طالب:.....
نعم.
طالب:......
نعم.
طالب:......
لا، المدُارَسة يُؤخذ منها التدبر، المدارسة ما هي مجرد دراسة وقراءة.
قال النووي: "ومنها: أنه لا بأسَ بقولِ: رمضان". منهم من كرِه أن تقول: جاء رمضان، وانتهى رمضان، صمنا رمضان، لا بد أن تقول: شهر. كره ذلك بعض السلف، "منها أنه لا بأس بقول: رمضان، من غير ذكر "شهر"، أجود ما يكون في رمضان، "وهذا هو المذهب الصحيح المختار، وسيأتي في كتاب "الصيام" إن شاء الله تعالى بيانُ الاختلافِ فيه، حيث ذكرهُ البُخارِي" ذكره في ترجمة، في "كتاب الصيام". "وقد كثرت الأحاديث الصحيحة بإطلاق: رمضان.
ومنها: أن قراءة القرآن أفضلُ من التَّسبيح وسائرِ الأذْكار.
ومنها: أن قراءة القرآن أفضل من التسبيح وسائر الأذكار، ووجه الدلالة أنه تكرر اجتماعهما، هذا التكرار الكثير على مدارسة القرآن دون الذِّكر، فلو كان الذكر أفضل أو مساويًا لفضيلة القرآن، لفعلاه دائمًا أو في أوقات
". لكن اجتماعهم على القرآن خاصَّة، ودل على أنه أفضل، وهذا أمر معروف ومقرر عند أهل العلم، وأن فضل القرآن على سائر الكلام كفضل الله على خلقه.

هو الكتاب الذي من قام يقرأه

 

كأنما خاطب الرحمن بالكلم

كأنك تخاطب الله مباشرة، هذا كلامه. وأي كلام يعدل هذا الكلام!؟
طالب:........
لا لا لا في الأذكار المؤقتة بأوقاتٍ مُحدَّدة شرعًا أفضل من القرآن في هذِه الأوقات، بل قدْ تحرم قراءةُ القرآن في بعض الأوقات، كالركوع والسجود.
طالب:.........
ماذا فيه؟
طالب:.......
«ما اجتمع قوم».
طالب:.....
لا لا الجماعي غير، الجماعي غير.
جاء أن الصحابة كانوا يصرخون بالتلبية، وجاء أيضا أن عمر في أيام التَّشرِيق يكبِّرُ فترتجُّ منى بتكبيرِه، يستدلون بهذا على التَّكبير الجماعي، لكن أقول: إن ارتجاج منى حصل من مجموعِ الأصوات، حصل من مجموع الأصوات، أنت إذا دخلت المسجد الجامع قبل دخول الإمام، ما فيه أصوات مرتفعة؟ هل يقال: إنهم يقرأون في آية واحدة أو في كلمة واحدة أو في سورة؟ كل واحد بسورة يقرأ، لكن من مجموع الأصوات يرتج الجامع. "فإن قيل: المقصود تجويد الحفظ، فالجواب: أن الحفظ كان حاصلًا والزِّيادةُ فيه تحصل ببعض هذه المجالس. والله أعلم".
يعني: هذه العرضَات في كلِّ ليلة من كلِّ رمضان وفي السَّنة التي مات فيها النبي –عليه الصلاة والسلام- عارضه جبريل مرتين، سيأتي أن هذا دليلٌ على أن القرآن إنما يؤخذ بالتلقِّي، يؤخذ بالتلقي، وهكذا حصل، وهذا من حفظِ الله –جل وعلا- لكتابِهِ، أنه إلى يومنا هذا إنما يؤخذ بالتلقِّي.
طالب:.........
نعم؟
طالب:........
نعم.
طالب:...
ماذا فيه؟
طالب:........
أفضل من الأذكار؟
ما فيه كلام يُتعبَّد بمجرَّد تلاوته غير القرآن، تريد تمسك "بلوغ المرام" أو "رياض الصالحين" أو "صحيح البخاري" تقرأ حروفًا فقط للبركة، لك أجر أم لا؟
طالب:....
ما لك أجر.
إلا للتعلُّم والتفقُّه والاستنباط، حاشا كلام الله –جل وعلا- الذي يُقرأ لمجرَّدِ قراءته، والتعلم والتفقه والتدبر هذا قدر زائد على ذلك.
ولذلك يقال في تعريفه: المتعبَّد بتلاوته.

"فإن قيل: المقصود تجويد الحفظ، فالجواب: أن الحفظَ كان حاصلًا، والزيادة فيه تحصل ببعض هذه المجالس. والله أعلم".
في "التوضيح" لابن الملقن، ذكر فوائد الحديث في الوجه الخامس من مباحث الشرح فقال: "الأولى: فيه -كما قال القاضي- تجديد الإيمان واليقين في قلبه بملاقاة الملَك، وزيادةُ ترقِّيه في المقامات، بمدارستِهِ. وهذا منه –صلى الله عليه وسلم- امتثالٌ لقوله تعالى أو لأمره– جل وعلا- في تقديم الصدقة بين يدي نجوى الرسول –عليه الصلاة والسلام- التي أمر الله بها عباده، فامتثله –صلى الله عليه وسلم- بين يدي مناجاة الملَك، وإن كان الله قد نسخه عن أمتِّهِ، فكان –صلى الله عليه وسلم- يلتزم أشياء في طاعةِ ربه كالوصال".
المقصود: أن التقيد –تقديم الصدقة- بين يدي مناجاته –عليه الصلاة والسلام- جاء الأمر بها، امتثلها علي –رضي الله عنه- ثم نُسخت، ما استمرت؛ لأن هذا يشق على المسلمين، فنُسخَ الوجوب، وبقيَ الاستحباب، وكان هذا يفعله النبي –عليه الصلاة والسلام- فيما قرره القاضي وغيرُه.
"خُصَّ بذلك رمضان؛ لوجوه: أحدها: أنه شهرٌ فاضل، وثواب الصدقةِ فيه مضاعف، وكذلك سائر العبادات، قال الزهري: تسبيحةٌ في رمضان خيرٌ من سبعين في غيرِه". يعني: جاء في الخبر وفيه ضعف: «صلاة برمضان خير من سبعين صلاة فيما سواه»، والزهري يقول: "تسبيحة في رمضان خيرٌ من سبعين تسبيحة في غيرِه. ثانيها: أنه شهر الصوم، فإعطاء النَّاسِ والإحسانُ إليهم، إعانةٌ لهم على..."
طالب:....
يقول: "على الفطور والسحور"، يعني: إعانة على ما يُحتاج إليه من نفقات، من أجل أن يتفرغوا للعبادة في هذا الشهر العظيم، والذي يُعين المتعبِّد لا شكَّ أن ثوابه كبير.
"ثالثها: أن الإنعام يكثُرُ فيه، فقد جاء في الحديث: أنه يُزادُ فيه في رزق المؤمن، وأنه يُعتق فيه كلَّ يومٍ ألف ألف عتيق من النار، فأحبَّ الشارع –عليه الصلاة والسلام- أن يوافق ربه في الكرم" مع أن الحديث هذا فيه كلام.
"رابعها: أن كثرةَ الجود كالشُّكْر، أن كثرة الجود كالشكرِ لترداد جبريل إليه في كل ليلة، كثرة الجود كالشكر لترداد جبريل إليه في كل ليلة"؛ لأن مجالسة الصالحين من أعظم نعم الله، تيسر ذلك وقبول هذا الأمر والانقياد إليه من أعظمِ نعمِ الله –جل وعلا- على العبد، ترى كثيرًا من طلاب العلم، وإن كان ظاهرهم الصَّلاح، كثير منهم لا يُطيق مجالسة الصالحين فضلًا عن غير طلاب العلم، وهذا شيء يجده كل إنسان من نفسِه، تجد إذا وجدت شخص يعني جادّ في علمِه في عبادته، مجالسته ثقيلة على النَّفس، وكثيرٌ من النَّاس لا يطيقه، يعني: إن جلس معه شيئًا يسيرًا ما طاق، تجده ما يسافر مع أمثال هذا، يسافر مع أناس يقطعون الطريق –على حد زعمه- بأي شيء؟ بالقيل والقال، ولذلك من أثقل الأمور أنه إذا حضر مجموعة من النَّاس، قالوا: ما رأيكم نستفيد؟ اقرأ يا فلان، أو أسمعنا شيئًا من العلم، يتبرمون من هذا، وهذا موجود حتى في صفوف بعض المتعلِّمين، حتى في صفوف بعض العلماء، تجده يتهرَّب إذا قيل له: نقرأ عليك، أو..، وإذا جاء شخص من الجادِّين، الذين لزموا الصلاح ظاهرًا وباطنًا، في المنشط والمكره، تجده يصعُب عليه، ما يطيق البقاء معهم طويلاً، يعني يمشِّيهم وقتًا يسيرًا، فالإعانة على مجالسة الصَّالحين والمكث معهم، لا شك أن هذه من نعم الله –جل وعلا-؛ لأنه تزداد في علمِك وفي يقينك، وفي إيمانك، وتُحفظ بإذن الله –جل وعلا- من المخالفات، هل تستطيع أن تغتاب أحدًا وبجنبك رجل صالح تهابه؟ صعبة، لكن أصحاب السمر والقيل والقال سهل، ينجرُّون من المباح إلى المكروه، من المكروه إلى..؛ لأن المسألة تطول مع هؤلاء، تطيب المجالس فتطول هذه المجالِس إلى ساعات، ولابد أن يكون للشيطان فيها نصيب إذا طالت.
"قال: إن كثرة الجودِ كالشُّكر لترداد جبريل إليه في كلِّ ليلة.
خامسها: أنه لمَّا كان يدراسُه القرآن زادت معاينتُه الآخرة، فأخرج ما في يديه من الدنيا"؛
لأن القرآن يذكِّرك بالآخرة، كأنها رأي عين، لا سيما إذا حضر القلب، كأنها رأي عين، فتزداد عندك قِيمتُها ثمَّ ترخُصُ ضرتها، ترخص ضرتها التي هي الدنيا.
ذكر فوائد كثيرة، أشرنا إليها فيما تقدم من الكلام، الكرماني يقول: "فائدةُ درسِ جبريل، فائدة درس جبريل: تعليم الرسول –عليه الصلاة والسلام- بتجويد لفظِهِ، بتجويد لفظه، وتصحيح إخراج الحرُوف من مخارِجِها، وتصحيح إخراج الحروف من مخارجها، وليكون سنةً في حقِّ الأمُّة، كتجويد التلاوة على الشيوخ قراءة".

يعني: فرق بين.. شخص قرأ القرآن وأخذه عن أهلِه الذين تلقوه عن شيوخهم وشيخوهم عن شيوخهم، إلى أن وصلَ السندُ إلى الرسول –عليه الصلاة والسلام- بالتلقي إلى جبريل، الذي تلقاه عن الله –جل وعلا-، الاستنباط مُدرَك، يستدركه اللاحق بالقراءة، لكن التلقِّي وقراءته غضًّا كما أُنزل لا يمكن أن يُدرك بمجرد القراءة، إلا بالتلقِّي، لا يمكن أن يُدرك إلا بالتلقي، وهذه فائدة الأخذ عن الشُّيوخ المجوِّدين، ولذلك تجد من فرَّط في هذا، من فرَّط في الأخذ عن الشيوخ المجودين، تجد بعض النَّاس أخذَ القرآن عن شيوخ لكن غير مجودين، فتأثر بذلك، فصارت قراءته من غير تجويد. فإذا قرأ -وإن كان من الكبار- ينتقده بعض الصغار الذين تلقوا القرآن عن أهله، لكن المسألة في قراءة مثل هذا الذي لم يأخذ القرآن عن أهلِهِ ينطق نطقًا صحيحًا، لكن ما يُخرِج الحروف من مخارِجهَا، ولا يُجوِّد القرآن على ضوء القواعد، والقوانين المعروفة عند أهله. يعني: من يعتني بهذا قد يؤثِّم من يقرأ القرآن على غير قانونهم، من لم يجوِّد القرآن آثم، عندهم، ويوجبون القراءة بالتجويد، وبعضهم يحاول أن يوفِّق بين هذا الوجوب وبين حال كثير من أهل العلم الكبار الذين يشار إليهم يعني: قُدُوَات في الأمة، ويقرأون من غير تجويد، يقول: إن الوجوب وجوب اصطلاحي لا وجوب تأثيم، يعني: مثل ما تقول: الفاعل يجب رفعه، لكن لو نصبت تأثم؟ يعني: وجوب اصطلاحي، هذا يريد أن يوفق بين ما يطلقه أهل العلم في هذا الشأن وبين ما هو واقع كثير من أهل العلم.

 يعني ليس جديدًا حتى في القديم، حتى في القديم، ولذلك يحصل الكلام الكثير في هذه المسألة، أما وجود اللحن الجلي والمحيل للمعنى وإبدال الحرف بحرف هذا ما فيه إشكال أنه لا تجوز القراءة به على أي حال، بل يأثم القارئ إذا قدر على تصحيح تلاوته.
أما مسألة المدود والمد ستة أم أربعة، هذه أمرها أخف، والتأثيم فيها يحتاج؛ لأن القراء يختلفون فيها، بعضهم يقول: ستة، وبعضهم يقول: أربعة، أيهما المصيب، يعني أنت زدت أم نقصت قليلاً، وجود الخلاف بين القراء في هذه المساحة يدل على أن المسألة فيها سَعَة، يدل على أن المسألة فيها سعة، لكن ما نقول: إنه يبدل حرفًا بحرف؛ لأن البيئة التي نشأ فيها هذا القارئ وتعود لسانه عليها، نقول: إن هذا يتسامح، لا، هذا لا يمكن أن يُتسامح فيه، ما يمكن أن يقال: الهمد لله رب العالمين، ولا يقال: الزين، مهما كانت الظروف مهما كانت ضغوط البيئة على الإنسان، ما يمكن أن يتجاوز مثل هذا.

 ناس يختلفون في الظالين والضالين، يعني يختلفون فيها؛ منهم من يوجب أن يقرأ بالضاد، كما هو الأصل، ومنهم من يقول: لتقارب المخرجين يتسامح في هذا، بل وقفنا على كلامٍ للعرب يدلُّ على أنهم يوقعون الضاد في مقام الظاء والعكس. ففي "التهريب" وهو من أصول كتب اللغة، نقلاً عن العرب يقول: آلمني ضهري. أبدل الظاء بالضاد. أو العكس.
طالب:........
الباء تدخل على المتروك، أبدل الضاد بالظاء.
طالب:........
الأزهري نعم، إمام من أئمة اللغة، وكتابه من أعظم كتب اللغة وأقدمها وأعرقها.

وكثير من الإخوان القراء ما يعجبهم مثل هذا الكلام، لكن..ماذا؟
طالب:..........
الأخيرة؟
طالب:.........
لا، هو تلقاه في الأصل من جبريل، هو في الأصل تلقاه عن جبريل، يعني: ما تلقاه من صحف. مسألة مراجعة، مسألة مراجعة، وإلَّا تلقاه وحفظه كما سمع، عندك في الحديث الذي: فإذا انطلق جبريل قرأه النبي –عليه الصلاة والسلام- كما قرأه. هو من الأصل بالتلقي، لكن المسألة مراجعة، وأيضًا: تعليم للأمة، تعليم للأمة أن يهتموا بهذا الكتاب، الرسول –عليه الصلاة والسلام- الذي ضُمن له حفظ القرآن، الذي ضُمِنَ له ذلك، مع ذلك يراجعه مع جبريل، فكيف بغيره؛ لأن بعض الناس يعتمد على حفظه، ثم لا يلبث، ثم ما يلبث أن ينسى.
بقي في الحديث أطرافه ومواضع تخريجه في الصحيح.
هذا يقول: هذا سؤال مهم، يقول: أجيد الشعر النبطي نظمًا، وأستطيع تسخيره في طاعة الله في مدح الله ومدح رسوله، ونصائح ووصايا يُنتفع بها –إن شاء الله تعالى- ويمنعني ما أطلبه من العلم الشرعي. فماذا ترى؟
نقول: عليك أن تزاول الشعر العربي الفصيح بجانب الشعر النبطي، بحيث تستطيع أن تنفع جميع الطبقات؛ المتعلمين وغير المتعلمين، الشعر النبطي هذا العامي يفيد عوام النَّاس، ويؤثِّر فيهم تأثيرًا بالغًا، فأنتَ بنظمِك لهذا النَّوع من الشِّعر تفيد العامَّة، وبمحاولتكَ نظم الشِّعر العربيّ الفصيح تفيد الخاصَّة، ومع ذلك لا يطغى عليك الشِّعر بحيث يأخذ عليك جُلَّ وقتِك؛ ففي الحديث الصَّحيح: «لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحًا حتى يريَه خيرٌ له من أن يمتلئ شعرًا» فأنت سدد وقارب.
يقول: ما الأمور التي تقوي اليقين بالله –عز وجل-؟
ما فيه أنفع من قراءة القرآن على الوجه المأمور به، فتدبر القرآن رمت الهدى.
شيخ الإسلام يقول: قراءة القرآن على الوجه المأمور به تزيد القلب إيمانًا ويقينًا وطمأنينة، لكن من يصبر على قراءة القرآن على الوجه المأمور به؟ وقد تعوَّد الهذّ، لكن نسأل الله –جل وعلا- الإعانة.
يقول: أنا أترك صلاة الوتر لكي أقوم الليل وأتركه آخر الصلاة وأحيانًا لا أقوم إلا الفجر، فهل الأفضل الوتر قبل النوم؟ أم تركه مع احتمال عدم القيام إلا الفجر؟
على حسب ما يغلب على ظنك، إن غلب على ظنك أنك تقوم آخر الليل، فهو أفضل، وإن كان الغالب على ظنك أنك لا تقوم، فقد أوصى النبي –عليه الصلاة والسلام- أبا هريرة أن يوتر قبل أن ينام.
يقول: ألا يكون مراد من قال بجواز المبالغة في التشبيه أن الريح المرسَلَة من جودِ الله، وجود محمد –صلى الله عليه وسلم- لا يقارن بجود ربِّه –جل وعلا-؟
طالب:...
مستقيم.
نعم.
طالب:....
نعم؟
طالب:...
نعم، المقارنة بين جوده –عليه الصلاة والسلام- وبين الريح، لا بين جوده وجود الله –جل وعلا-.
الله المستعان.... العفو.
يقول: ما رأيكم في شرح ابن الملقن على البخاري، وما هي أفضل طبعاته؟
شرح ابن الملقن من الشروح المطولة، لكن من أراد أن يقتني شرحًا واحدًا فهو لا يُقارن بشرح ابن حجر، يعني: كونه نُفخ بالطباعة إلى ستة وثلاثين مجلدًا، يعني كلها ما تجيء خمسة من "فتح الباري"، فابن حجر استوعب الكتاب، إلا ما لا يُحتاج إليه، المقصود: أنه شرح نفيس ويحتاج إليه طالب العلم، لكن لا يعني أنه أفضل الشروح بالنفخ في الطباعة وكونه هذا العدد من المجلدات، "فتح الباري" لو يُطبع بمثل هذه الحروف وبمثل هذا الحجم يمكن أن يصير مائة مجلد.

 وما هي أفضل طباعته؟ لا نعلم أنه طبع طبعة كاملة إلا هذه المرة الواحدة على حساب وزارة الأوقاف القطرية.
يقول: إذا جامع الرجل زوجته باستخدام الواقي، ولم يُنزِل فهل يجب الغُسل؟
ذكرنا مرارًا أن الواقي الذي لا يمنع التلذُّذ حكمه حكم ما يُدهن به، وإلا لتوصل به أهل الفساد إلى فسادهم، لو قلنا: إنه ليس جماعًا ولا يترتب عليه أحكام، هو مثل الدهان.
 نكتفي بهذا، والله أعلم.
 وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"