شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (131)

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلًا بكم إلي حلقة جديدة في برنامجكم شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، مع بداية هذه الحلقة يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا ومرحبًا بك شيخ عبد الكريم.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: قال المصنف -رحمه الله- وعنه: أي عن ابن عباس -رضي الله عنه- «قال: أقبلت راكبًا على حمار أتان، وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي بمنى إلى غير جدار، فمررت بين يدي بعض الصف، وأرسلت الأتان ترتع، ودخلت في الصف، فلم ينكر ذلك علي».

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

يقول المؤلف –رحمه الله تعالى-: وعنه أي عن ابن عباس –رضي الله عنهما-، وجرت عادة أهل العلم، مؤلفي المختصرات أنه إذا تكرر الراوي في حديثين متواليين، أو أحاديث فإنه يصرح باسمه في الموضع الأول، ويكنى عنه بالضمير في الثاني، والثالث، وهكذا، فيقال: وعنه، أي عن راوي الحديث السابق، وهو هنا عبد الله بن عباس –رضي الله عنهما-، والحديث ترجم عليه الإمام البخاري بقوله: باب متى يصح سماع الصغير؟ متى يصح سماع الصغير؟ وفي رواية الكشمهيني: الصبي الصغير.

 يقول العيني: وجه المناسبة بين البابين من حيث إن ما ذكر في الباب الأول من دعائه -عليه الصلاة والسلام- لابن عباس، ماذا قال؟ «اللهم علمه الكتاب» في الباب السابق، من حيث إن ما ذكر في الباب الأول من دعائه -عليه الصلاة والسلام- لابن عباس، وإنما كان وابن عباس إذ ذاك غلام مميز، هناك دعاء لصبي، وهذا سماع الصغير، ذاك دعاء لصغير، وهذا سماع لصغير، نذكر في هذا الباب حال الغلام المميز في السماع، على أن القضية هاهنا لابن عباس أيضًا كما كانت في الباب الأول، يعني صاحب القصتين واحد، فناسب إرداف القصة الأولى بالثانية.

 يقول ابن حجر: مقصود الباب الاستدلال على أن البلوغ ليس شرطًا في التحمل، يقول الإمام –رحمه الله تعالى-: باب متى يصح سماع الصغير؟ وهنا يقول ابن حجر: مقصود الباب الاستدلال على أن البلوغ ليس شرطًا في التحمل.

 يقول الكرماني: معنى الصحة، متى يصح؟ معنى الصحة: جواز قبول مسموعه.

 يقول ابن حجر متعقبًا الكرماني: هذا تفسير لثمرة الصحة، هذا تفسير لثمرة الصحة، لا لنفس الصحة.

 الكرماني يقول: معنى الصحة في قول البخاري باب متى يصح: جواز قبول مسموعه، وابن حجر يقرر أن جواز القبول ثمرة الصحة لا نفس الصحة، الآن الصحة والقبول، الصحة والجواز، الصحة: حكم وضعي، وليس حكمًا تكليفيًّا، والجواز: حكم تكليفي، فابن حجر يرى أن الحكم التكليفي ثمرة للحكم الوضعي، الإمام البخاري متى يصح؟ الصحة والفساد من الأحكام الوضعية.

المقدم: الوضعية.

والجواز وعدمه..

المقدم: تكليفي.

من الأحكام التكليفية، فسر الكرماني الحكم الوضعي بالحكم التكليفي، وابن حجر يرى أن الحكم التكليفي ثمرة للحكم الوضعي.

المقدم: الوضعي.

كلامه واضح أم ليس بواضح؟

يقول العيني متعقبًا ابن حجر: قلت: كأنه يعني ابن حجر فهم أن الجواز هو ثمرة الصحة وليس كذلك، بل الجواز هو الصحة، وثمرة الصحة عدم ترتب الشيء عليه عند العمل، الآن يريد أن ينتصر العيني للكرماني، ويرد على ابن حجر، نعم لكن هل رده وجيه؟ يقول: بل الجواز هو الصحة، عرفنا أن الصحة حكم وضعي، والجواز حكم تكليفي.

المقدم: تكليفي.

الحكم التكليفي ثمرة الحكم الوضعي، إذا قلنا البيع صحيح، والبيع الصحيح جائز إنما {أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [سورة البقرة 275]، {أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [سورة البقرة 275] يدل على جواز البيع، لكن أي بيع؟ البيع الصحيح، والبيع الصحيح عند أهل العلم الذي تترتب عليه آثاره، فالبيع الصحيح الذي تترتب عليه آثاره بحيث ينتقل المبيع إلى المشتري، والثمن إلى البائع هذه أثر البيع، إذا ترتبت عليه الآثار قيل: صحيح، حكمه؟

المقدم: جائز.

{أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} جائز، فلا شك أن الحكم التكليفي.

المقدم: ثمرة.

 ثمرة من ثمار الحكم الوضعي.

 العيني يقول: كأنه -يعني ابن حجر- فهم أن الجواز هو ثمرة الصحة، وليس كذلك بل الجواز الصحة، إذا جئنا إلى الترجمة، متى يصح سماع الصغير؟ إذا شلنا كلمة يصح، وجعلنا مكانها..

المقدم: متى يجوز.

متى يجوز سماع الصغير؟

المقدم: هل يستوي الأمر هذا مع هذا؟

متى يجوز سماع الصغير؟ هل كان قبل ذلك حرامًا؟ ليس بحرام، إنما يكون قبل ذلك باطلًا فيما يقابل الصحة، أو فاسدًا، فكلام ابن حجر متجه، بل الجواز هو الصحة، وثمرة الصحة عدم -انتبه إلى كلمة (عدم) هذه؛ لأن الذي يغلب على الظن أنها زائدة- وثمرة الصحة عدم ترتب الشيء عليه عند العمل، ثمرة الصحة ترتب الشيء.

المقدم: وليس عدمه.

 وليس عدمه.

 يقول ابن حجر في انتقاد الاعتراض: كذا رأيت بخط الذي قرأه عليه وقابل معه وكتب له خطه، يعني ليس هذا خطأً من النساخ ولا شيئًا، هذه نسخة المؤلف، وقابل عليه وأظنه لفظة عدم زائدة، هي زائدة بلا شك؛ لأن ثمرة الصحة.

المقدم: ترتب.

 هي ترتب الآثار على المصحح -والله أعلم.

يقول ابن حجر: أشار المصنف بهذا يعني بقوله: متى يصح سماع الصغير؟ وأورد حديث ابن عباس، وحديث محمود بن الربيع، وأنه عقل المجة وهو ابن خمس سنين على ما سيأتي إن شاء الله تعالى، أشار المصنف بهذا إلى اختلاف وقع بين أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين رواه الخطيب في الكفاية، عن عبد الله بن أحمد وغيره أن يحيى قال: أقل سن التحمل خمس عشرة سنة، أقل سن التحمل خمس عشرة سنة، لكون ابن عمر رُدَّ يوم أحد؛ إذ لم يبلغها، كان عمره أربع عشرة، فرُدَّ يوم أحد؛ لأنه لم يبلغ خمس عشرة، سن التكليف يبدأ إما بأحد العلامات التي تخص كل إنسان بعينه، أو بالأمر الذي يشترك فيه الجميع وهو بلوغ أو تمام خمس عشرة سنة، تمام خمس عشرة سنة، هذا التكليف، لكن هل الصحة مرتبة على التكليف؟

بمعنى أنه لا يصح هذا الأمر قبل التكليف، يقول: إن يحيى قال: أقل سن التحمل خمس عشرة سنة؛ لكون ابن عمر رُدَّ يوم أحد؛ لأنه لم يبلغها، فبلغ ذلك أحمد فقال: بل إذا عقل ما يسمع، بل إذا عقل ما يسمع. وإنما قصة ابن عمر في القتال، يعني فرق بين السماع وبين القتال أن السماع إنما يطلب له الضبط، والقتال إنما يشترط له تمام القوة، بل إذا عقل ما يسمع من قصة ابن عمر في القتال، ثم أورد الخطيب أشياء مما حفظها جمع من الصحابة ومن بعدهم في الصغر وحدثوا بها بعد ذلك وقبلت عنهم، وهذا هو المعتمد، يعني أنه يصح سماع الصغير.

 وما قاله ابن معين، إن أراد به تحديد ابتداء الطلب بنفسه، فموجه، يعني يبدأ سماع الصبي، يبدأ السماع، سماع الشخص بنفسه بأن يذهب إلى الدروس ويحضر ما يقال إن قصد به أنه يبدأ في هذا السن الذي هو التكليف نعم، فله وجه، وإن أراد به رد حديث من سمع اتفاقًا من غير أن يذهب إلى الدرس، أو اعتُني به فسمعه وهو صغير فلا، هذا الكلام، هذا التوجيه إن أراد به تحديد ابتداء، كلام ابن حجر وما قاله ابن معين: إن أراد تحديد ابتداء الطلب بنفسه فهو موجه يعني له وجه، وإن أراد به رد حديث من سمع اتفاقًا يعني من غير أن يقصد الدرس أو اعتني به، يعني ذُهب به إلى الدرس، ذهب به أبوه، وهو دون ذلك فسمع وهو صغير فلا، هذا كلام ابن حجر، مجرد توجيه لكلام ابن معين، وإلا فكلام ابن معين مرجوح.

أحد الحضور: ...

سيأتي هذا، سيأتي هذا كله إن شاء الله.

وقد نقل ابن عبد البر الاتفاق على قبول هذا، وفيه دليل على أن مراد ابن معين الأول، وفيه دليل على أن مراد ابن معين الأول، من أين أخذنا الاستدلال على أن مراد ابن معين الأول؟ من نقل ابن عبد البر الاتفاق، لو كان مراد ابن معين أنه لا يصح تحمل الصغير دون الخامسة عشرة لما نقل ابن عبد البر الاتفاق على قبول هذا؛ لأن ابن معين إمام معتد به في هذا الباب، فلا يمكن أن ينقل الاتفاق مع خلافه، وقد نقل ابن عبد البر الاتفاق على قبول هذا، وهذا فيه دليل على أن مراد ابن معين الأول، يعني ابن معين لعله حين ما يتجه الإنسان بنفسه إلى الطلب، لكن ألا يمكن أن يتجه الإنسان بنفسه إلى الطلب ويسمع ويحضر قبل خمس عشرة؟

المقدم: ممكن.

ممكن، نحن نشاهد بحلقات الدروس من هم دون خمس عشرة، ويضبطون، ويناقشون، ويفهمون، ويذهبون بأنفسهم، ولا يلزم أن يأتي بهم أحد، وأما احتجاجه بأن النبي –صلى الله عليه وسلم- رد ابن عمر وغيره يوم بدر ممن كان لم يبلغ خمس عشرة فمردود؛ لأن القتال يقصد فيه مزيد القوة، والتبصر في الحرب، فكانت مظنته سن البلوغ، والسماع يقصد فيه الفهم، فكانت مظنته التمييز، وقد احتج الأوزاعي لذلك بحديث: «مروهم بالصلاة لسبع» «مروهم بالصلاة لسبع» لولا أنه يضبط الصلاة، ويتقنها، ويحفظ أفعالها، ويؤديها كما حفظ لما جاء الأمر بأمره لسبع سنين، يقول الحافظ العراقي في ألفيته:

وقبلوا من مسلم تحملا

 

في كفره كذا صبي حملا

 

ثم روى بعد البلوغ ومنع

 

قوم هنا ورد كالسبطين مع

 

إحضار أهل العلم للصبيان ثم

قبولهم ما حدثوا بعد الحلم

الكلام من منع رواية الصبي الحسن والحسين، ابن عباس، ابن الزبير، كثير من الصحابة، السبطين، كم عمرهم عند وفاة النبي –صلى الله عليه وسلم-؟ صغار، وأيضًا ابن عباس ناهز الاحتلام في آخر أيام النبي ولم يحتلم، فمنع قوم قبول ما تحمله الصبي قبل بلوغه؛ لأن الصبا مظنة عدم الضبط، وهو وجه للشافعية وعليه أبو منصور محمد بن المنذر بن محمد المراكشي الفقيه الشافعي، فحكى ابن النجار في ترجمته من تاريخه أنه كان يمتنع من الرواية أشد الامتناع، ويقول: مشايخنا سمعوا وهم صغار لا يفهمون وكذلك مشايخهم، إذًا الرواية التي جاءت من طريق هؤلاء المشايخ الذين سمعوا وهم صغار غير صحيحة، وأنا لا أحدث بها؛ لأنها غير صحيحة.

 يقول: وأنا لا أرى الرواية عمن هذا سبيله، كذا كان ابن المبارك يتوقف في تحديث الصبي، لكن هذا القول مردود، بإجماع الأئمة على قبول حديث جماعة من صغار الصحابة تحملوه في حال الصغر كالسبطين، الحسن والحسين (ابني بنت النبي –صلى الله عليه وسلم- فاطمة الزهراء)، والعبادلة، والنعمان بن بشير، والسائب بن يزيد، والمسور بن مخرمة، وأنس، وعمر بن أبي سلمه، ويوسف بن عبد الله بن سلام، وأبي الطفيل، وعائشة وغيرهم، هؤلاء تحملوا في الصغر، قبل البلوغ.

وأما قولهم: "إن الصبا مظنة عدم الضبط" فمردود، مردود لماذا؟ لأن الحفظ في الصغر كما يقول أهل العلم كالنقش في الحجر، الحفظ في الصغر كالنقش في الحجر، وهذا أمر مشاهَد ومجرَّب، كل إنسان يدركه بنفسه حتى من اختلط في آخر عمره.

المقدم: ما ينسى الأشياء..

نعم، التي في حال الصغر يرددها كما كانت بحروفها، بينما الأشياء التي مرت عليه بعد ذلك لا يضبطها ولا يتقنها.

 يقول نفطويه:

أراني أنسى ما تعلمت في الكبر

 

ولست بناس ما تعلمته في الصغر

 

ولو فلق القلب المعلم في الصبا

 

لألفي فيه العلم كالنقش في الحجر

 

وفي تعيين وقت السماع نزاع بين العلماء، يعني الذين أجازوا الرواية في حال الصغر، وفي تعيين وقت السماع نزاع بين العلماء، فالتقييد بخمس سنين قول الجمهور، وعزاه القاضي عياض في الإلماع لأهل الصنعة.

 قال ابن الصلاح: وعليه استقر عمل أهل الحديث المتأخرين، فيكتبون لابن خمس فصاعدًا سمع، يثبتون سماعه، ولمن لم يبلغها حضر، أو أحضر، حجتهم في..

المقدم: الخمس.

اعتبار الخمس حديث محمود بن الربيع.

المقدم: الذي سيأتي.

الذي بعد هذا الحديث مباشرة، وأنه عقل المجة التي مجها النبي -عليه الصلاة والسلام- في وجهه وهو ابن خمس سنين، وهذه ستأتي، وكلام أهل العلم في هذه المسألة طويل جدًّا يراجع له فتح المغيث للسخاوي، لكن هل التحديد بخمس ألا يمكن أن يفهم ما يحصل له، أو ما يهتم له قبل الخمس؟

الآن الصبي الصغير لا شك أنهم يتفاوتون في ضبط ما يحتاجونه، وقد لا يضبطون ما لا حاجة لهم به، بدءًا من الإشارة للرضيع، الطفل الرضيع إذا أشير له بما يحتاج إليه من أكل، أو شرب يفهم، ثم يتدرج في هذا الفهم إلى أن يفهم الأمور التي تحتاج إلى حفظ وعناية لما يتعلق بغيره، وهذا ينمو نموًا لا يشعر به، بحيث لا يحدد له وقت معين، مثل نمو النبات، ينمو بالتدريج، هذا ينمو بالتدريج من غير تحديد، فمتى فهم الطفل الخطاب ورد الجواب المطابق سواءً كان ابن خمس أو أقل، فإنه يصح سماعه، إذا فهم الخطاب، ورد الجواب المطابق، إذا فهم السؤال، إذا قيل له: من هذا؟ فقال: هذا أبي مثلًا، هذا فهم السؤال، ورد الجواب.

المقدم: ردًّا مطابقًا.

 جواب مطابق، لكن لو أشير إلى أبيه فقيل: من هذا؟ فقال: أمي، فهم الخطاب، لكن ما رد الجواب المطابق، إذاً هو غير مميز، يقول: سواء كان ابن خمس، أو أقل ومتى لم يعقل فهم الخطاب ورد الجواب لم يصح سماعه، حتى قال ابن الصلاح: وإن كان ابن خمسين، إذا لم يرد الجواب المطابق فما الفائدة؟!

أحد الحضور: ...

الآن في التحمل، ما زلنا في التحمل، الأداء سيأتي.

أحد الحضور...

المقدم: ما أحد يدرك قبل الأربعة.

يتفاوتون، وجد من الأطفال من يدرك لثلاث، ووجد منهم من لا يدرك إلا لسبع أو بعد ذلك، هذه الأمور المتفاوتة كيف نعرف أن هذا الطفل ضبط؟

المقدم: لكن عفوًا سؤال الأخ يا شيخ في مسألة أن هناك من علماء التربية المعاصرة الآن من يثبت أن سن التذكر للأحداث أربعة فيما فوق، وفي بعض الأطفال يدرك من ثلاث سنين.

نعم هذا الكلام.

المقدم: فهو ربما يسأل: هل خلاف العلماء في هذه المسألة، أو خلافهم في كون هذا يحمل العلم بعد خمس سنوات فيقبل قوله، أداؤه؟

الكلام متى نعرف أنه ضبط وأتقن؟ إذا أدى، والأداء سيأتي أنه لا يقبل إلا بعد البلوغ، لكن ما نعرف أنه ضبط هذه الأمور، يتفاوت فيها الناس لا شك، لكن هذه الأمور تختلف من شخص إلى آخر، فإذا أدى البالغ العاقل الذي تتوافر فيه الشروط، ما ضبطه ولو قال: أنا ضبطته وأنا عمري ثلاث سنين، ما نرده، هم يقولون لا إذا قال: عمري أقل من خمس نرده.

أحد الحضور: لكن إذا أداه بعد؟

لكن إذا أداه بعد بلوغه وتوافرت الشروط وجد مطابق لما يرويه غيره هو ليست فيه مخالفة ما الذي يمنع من قبوله؟! الناس يتفاوتون في هذا في أمور خاصة، لكن في الأمور العامة يمكن أن يكلف كل إنسان بما يخصه، يقال: من ميز، من ميز وعقل فهم الخطاب، ورد الجواب تلزمه الصلاة؟ لا، لماذا؟ لأن هذه أمور تكليفيه تعم الناس كلهم، فلا يمكن أن يوكل هذا الأمر إلى كل شخص بعينه، بل يوضع سن للجميع، في السبع تسعة وتسعين بالمائة من الناس ميزوا، والحكم أغلبي، النادر ما له حكم، هذه النسبة في السبع كلهم ميزوا، لذا يأمرون، أنت في يوم من الأيام لو وكل الأمر إلى تقدير الناس، وتقدير الآباء لفهم أولادهم، أليس بالإمكان أن يؤتى بطفل عمره سنة أو سنة ونصف يقول أبوه ميز ويجعل في الصف ويؤذي الناس؟

نعم ويمكن أن يوجد عند باب المسجد من يؤذي الناس، من لا يصلي وعمره عشر، لماذا؟ يقول أبوه: والله ما ميز، ما هو بصحيح؟ هذه الأمور العامة التي تعم الأمة كلها، لابد أن تضبط بسن معين، أما بالنسبة للرواية إذا حفظ وهو صغير، وضبط حفظه وأداه في الكبر بحيث يتحمل مسؤوليته إذا كذب يأثم، إذا أخطأ يرد خطأه، إذا أداه بعد التوافر ولو كان ابن دون.. ابن خمس سنين يقبل حديثه، يعني لو جاءنا شخص يقول: أنا حفظت هذا الحديث بعد التكليف، نحن لا نقبل حديثًا إلا بعد التكليف، لو قال: أنا حفظت هذا الحديث وأنا عمري ثلاث، وأداه كما سمع أو أربع سنين، نقول له: لا ما بلغت الخمس؟ لماذا؟ لأنه إذا أداه بعد التكليف يتحمل المسؤولية، بحيث إذا كذب يجرح، إذا كان حديثه كذب يجرح به، إذا كان حديثه مخالفًا لأحاديث الثقات يضعف به.

وهكذا لهم في معرفة التمييز لهم ضوابط وقواعد وحكايات ذكر بعضها الحافظ السخاوي في فتح المغيث، منهم من يقول: من يفرق بين البقرة والحمار، ومنهم من يفرق بين الدرهم والدينار، ومنهم من يقول: من يعد من واحد إلى عشرين، هذا مميز، ومنهم من يفرق، ذكروا أمورًا يعرف بها تمييز الصبي، يختبر بها، يختبر بها تمييز الصبي، لكن لكل زمان مقاييسه، لكل زمان مقاييسه، يمكن أن تختبر صبيًّا في سيارات مثلًا، ما هذه السيارة؟ ما سنة الصنع؟ وما نوعها؟ يضبط لك الأمور، لكن تقول له: فرق ما هذا وما هذا في حديقة الحيوان؟ ما يدري عن شيء، لا يفرق بين البقرة والحمار، يمكن عمره كله ما رأى بقرة ولا حمارًا، ولا رأى درهمًا ولا دينارًا، تقول له: كم هذه؟ يقول لك: عشرة يقول لك: خمسة، يقول لك: ريال، هذا مميز، لكن تقول: كم درهمًا... ؟ لا يدري، كل زمان له مقاييسه.

 

 يقول الحافظ العراقي:

وينبغي تقييده بالفهم

فكتبه بالضبط، والسماع            حيث يصح وبه نزاع

فالخمس للجمهور، ثم الحجة        قصة محمود وعقل المجة

وهو ابن خمسة وقيل أربعة          وليس فيه سنَّة متبعة

ليس فيه سنَّة متبعة.

بل الصواب فهمه الخطابا       مميزًا ورده الجوابا

وقيل لابن حنبل فرجل          قال: لخمس عشرة التحمل

يجوز لا في دونها فغلطه        قال: إذا عقله وضبطه

وقيل: من بين الحمار والبقر     فرّق سامع ومن لا فحضر

 قال به الحمال وابن المقريْ      سمّع لابن أربع ذي ذكر

يعني يتذكر ما سمعه. يعني يتذكر ما سمعه.

إذا تحمل الصبي قبل البلوغ وضبط ما تحمله قُبل منه ذلك إذا أداه بعد بلوغه، يعني لو أدى قبل البلوغ تحمل ابن أربعة، ابن خمسة، ابن ست، ثم أدى بعد.

المقدم: عشر سنين.

لا بعد عشرة يُقبل.

المقدم: عمره عشرة.

نعم أدى بعد عشرة لا، إذا تحمل في الصغر خمس سنوات، أربع سنوات، ست سنوات، ثم بعد ذلك أداه قبل الاحتلام، ولو ناهز الاحتلام يقبل، أم ما يقبل؟

المقدم: أداء.

أداء لا يقبل، حتى يكلف ويتحمل المسؤولية، حتى يكلف ويتحمل المسؤولية.

المقدم: أحسن الله إليكم يا شيخ، لعلنا نستكمل ما تبقى في هذا الموضوع بإذن الله في الحلقة القادمة، وأنتم على خير.

أيها الإخوة والأخوات بهذا نصل وإياكم إلى ختام حلقتنا من برنامجكم شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.

شكراً لمتابعتكم، نستكمل بإذن الله في الحلقة القادمة، وأنتم على خير.

 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.