كتاب الصلاة من سبل السلام (15)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نعم.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد،

فقد قال المصنِّف –رحمه الله تعالى-: "وَعَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْرَأُ فِي الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى بِــ(قِ) وَاقْتَرَبَتْ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ".

قال الشارح –رحمه الله-: "وَعَنْ أَبِي وَاقِدٍ بِقَافٍ مُهْمَلَةٍ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ وَقَدَ، اسْمُهُ الْحَارِثُ بْنُ عَوْفٍ اللَّيْثِيُّ، قَدِيمُ الْإِسْلَامِ، قِيلَ: إنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا، وَقِيلَ: إنَّهُ مِنْ مُسْلِمَةِ الْفَتْحِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. عِدَادُهُ فِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَجَاوَرَ بِمَكَّةَ، وَمَاتَ بِهَا سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ".

ما معنى "عِدَادُهُ فِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ" وهو مهاجر، هاجر للنبي –عليه الصلاة والسلام-، وشهد معه الغزوات بدرًا وما بعدها؟

كيف يُقال: "عِدَادُهُ فِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَجَاوَرَ بِمَكَّةَ، وَمَاتَ بِهَا"؟

طالب: ............

من مسلمة الفتح جلس بها، جلس في المدينة، وانتقل إلى المدينة وجلس بها، فنُسِب إليها، وإن مات بمكة؛ لأنهم ينظرون إلى غالب الحياة، يقولون: فلان يُعد في البصريين، يعني غالب مُكثه في البصرة، يُعد في الكوفيين كذلك، من المصريين، ولو سكن غيره، ولو كان أصله من الشام مثلًا أو من غيرها من البلدان.

"اللَّيْثِيُّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْرَأُ فِي الْفِطْرِ، وَالْأَضْحَى بِــ(قِ) أَيْ: فِي الْأُولَى بَعْدَ الْفَاتِحَةِ (وَاقْتَرَبَتْ) فِي الثَّانِيَةِ بَعْدَهَا، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.

فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقِرَاءَةَ بِهِمَا فِي صَلَاةِ الْعِيدِ سُنَّةٌ، وَقَدْ سَلَفَ أَنَّهُ يَقْرَأُ فِيهِمَا بِسَبِّحْ، وَالْغَاشِيَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ هَذَا تَارَةً، وَهَذَا تَارَةً، وَقَدْ ذَهَبَ إلَى سُنِّيَّةِ ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ".

ما المناسبة بين أحاديث الصلاة وبين هاتين السورتين؟

يعني مثل ما قيل في المناسبة بين صلاة الصبح يوم الجمعة مع {الم} [السجدة:1] وسورة الإنسان يُلتمس مناسبة، هنا قراءة صلاة العيد بِــ(قِ) في الركعة الأولى، و{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر:1] في الركعة الثانية، هل من مناسبة أو يُقال: هذا مجرد اتباع فعله النبي– عليه الصلاة والسلام- سيُفعل اقتداءً به؟

طالب: لعله يا شيخ أن في أيام الأعياد قد يتساهل بعض الناس في ارتكاب المعاصي، فأحب النبي –صلى الله عليه وسلم- أن يُذكرهم بمشاهد يوم القيامة في أول هذه الآيات؛ لتكون حافزًا لهم.

نعم.

طالب: ............

يحصل فيه اجتماع، ومن لازم الاجتماع الغفلة، فقراءة مثل هاتين السورتين وفيهما من التذكير ما فيهما، الرسول –عليه الصلاة والسلام- أحيانًا يقرأ (ق) في الخطبة؛ لِما اشتملت عليه.

على أن تُقرأ في مثل هذين اليومين وما فيهما من الاجتماع واختلاط الناس مما يُذكِّرهم بالآخرة.

"وَعَنْ جَابِرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذَا كَانَ يَوْمُ الْعِيدِ خَالَفَ الطَّرِيقَ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.

يَعْنِي أَنَّهُ يَرْجِعُ مِنْ مُصَلَّاهُ مِنْ جِهَةٍ غَيْرِ الْجِهَةِ الَّتِي خَرَجَ مِنْهَا إلَيْهِ.

قَالَ التِّرْمِذِيُّ: أَخَذَ بِهَذَا بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَاسْتَحَبَّهُ لِلْإِمَامِ، وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ انْتَهَى.

وَقَالَ بِهِ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَيَكُونُ مَشْرُوعًا لِلْإِمَامِ، وَالْمَأْمُومِ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ.

وَلِأَبِي دَاوُد عَنْ ابْنِ عُمَرَ نَحْوُهُ، وَلَفْظُهُ فِي السُّنَنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخَذَ يَوْمَ الْعِيدِ فِي طَرِيقٍ ثُمَّ رَجَعَ فِي طَرِيقٍ أُخْرَى.

فِيهِ دَلِيلٌ أَيْضًا عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ جَابِرٍ، وَاخْتُلِفَ فِي وَجْهِ الْحِكْمَةِ فِي ذَلِكَ فَقِيلَ: لِيُسَلِّمَ عَلَى أَهْلِ الطَّرِيقِينَ، وَقِيلَ: لِيَنَالَ بَرَكَتَهُ الْفَرِيقَانِ، وَقِيلَ: لِيَقْضِيَ حَاجَةَ مَنْ لَهُ حَاجَةٌ فِيهِمَا، وَقِيلَ: لِيُظْهِرَ شَعَائِرَ الْإِسْلَامِ فِي سَائِرِ الْفِجَاجِ وَالطُّرقِ، وَقِيلَ: لِيَغِيظَ الْمُنَافِقِينَ بِرُؤْيَتِهِمْ عِزَّةَ الْإِسْلَامِ وَأَهْلَهُ وَمَقَامَ شَعَائِرِهِ، وَقِيلَ: لِتَكْثُرَ شَهَادَةُ الْبِقَاعِ، فَإِنَّ الذَّاهِبَ إلَى الْمَسْجِدِ أَوْ الْمُصَلَّى إحْدَى خُطُوَاتِهِ تَرْفَعُ دَرَجَةً، وَالْأُخْرَى تَحُطُّ خَطِيئَةً حَتَّى يَرْجِعَ إلَى مَنْزِلِهِ، وَقِيلَ: وَهُوَ الْأَصَحُّ: إنَّهُ لِذَلِكَ كُلِّهِ مِنْ الْحِكَمِ الَّتِي لَا يَخْلُو فِعْلُهُ عَنْهَا".

لهذه الحِكم مجتمعة وغيرها، يذهب –عليه الصلاة والسلام- لصلاة العيد من طريق، ويرجع من طريقٍ آخر، وهل هذا خاصٌّ به لِما فيه من البركة والنفع المتعدي، فعلى هذا لا يشمل سائر الناس الذين مرورهم في الأسواق والأزقة مثل عدمه، أو نقول: هذا من باب الاقتداء به –عليه الصلاة والسلام-، ومن باب تكثير الخُطى، ومن باب شهود البقاع، فيشمل الإمام والمأموم، الكبير والصغير، الشريف والوضيع، العالم والعامي؟

وهل يُقاس على العيد الجمعة أو لا تُقاس؟

من أهل العلم من طرد ذلك حتى في الجمعة؛ لأنها عيد، فيذهب إلى الجمعة من طريق، ويرجع من طريقٍ آخر، لكن هذا ما نُقِل عنه –عليه الصلاة والسلام- في الجمعة، لماذا؟ هو نُقل عنه في صلاة العيد، لكن لم يُنقل عنه في الجمعة. 

طالب: ............

نعم، يعني باب الحجرة على المسجد ما يحتاج إلى طريق ولا شيء، لكن مَن احتاج إلى طريق إن كان من بعُد بيته عن المسجد يذهب من طريق أو لا يرجع من آخر، أو نقول: هذا ما فعله النبي –عليه الصلاة والسلام- فلا يُفعل؟

طالب: إذا عُلِمت –أحسن الله إليك- علة عدم فعله –عليه الصلاة والسلام- عُرِف المقصود ما له طريق بينه وبين البيت في الجمعة بخلاف العيد؟

لكن إذا قلنا بأن الحِكم الموجودة في العيد موجودة في الجمعة، وعرفنا أن المشي والتعب الناتج عن المشي وكثرة الخُطى ليست مقصودة لذاتها، الذي بيته قريب من المسجد كحاله –عليه الصلاة والسلام- في يوم الجمعة لا يلزمه أن يدور على المسجد أو على الحي حتى يُكثِر الخُطى، ولا يؤجر على هذا الدوران؛ لأن المشي لذاته ليس بمقصود، وإنما هو تبع للعبادة، فإذا تطلبت العبادة المشقة أُجِر عليها، وأما المشقة لذاتها فلا.

وإذا عرفنا الحِكم التي من أجلها فعل النبي –عليه الصلاة والسلام- ما فعل بالنسبة لصلاة العيد، قلنا: إنه لا فرق بين الجمعة والعيد لاسيما إذا طردنا ذلك في حق الإمام والمأموم.

طالب: .......

نعم يا صالح.

طالب: ............

نعم ما نُقِل عن الصحابة –رضوان الله عليهم- أنهم غايروا، لكن هل نُقِل عنهم في العيد أو ما نُقِل؟

طالب: ............

ابن عمر نُقِل عنه، لكن نُقِل عنه في الجمعة أو لا؟

طالب: ............

وعلى هذا قول من يقول بقياس الجمعة على العيد، وإذا نظرنا إلى العلل التي أبدوها، هي موجودة في الجمعة كما هي موجودة في العيد.

طالب: ............

كيف؟

طالب: ............

التي هي الجمعة، الجمعة ما فيها نص، وعرفنا السبب، عرفنا السبب مثل ما تقدم في كون الإمام لا يتنفَّل قبل صلاة العيد، أيضًا هو لا يتنفَّل قبل صلاة الجمعة، فعرفنا السبب في العدم، وعرفنا السبب في كونه –عليه الصلاة والسلام- لم يُغاير في الطريق بالنسبة لصلاة الجمعة أنه لا طريق، ما فيه طريق من أجل أن يُغاير، كونه يُغاير بالنسبة لصلاة العيد هناك الطريق طريق الذهاب وطريق الإياب قرابة نصف كيلو المصلى عن بيته وعن مسجده –عليه الصلاة والسلام- ففيه مسافة، لكن بالنسبة للجمعة ما فيها مسافة يمكن أن يغاير فيها.

وإذا قلنا: إن المقصود شهود البقاع لهذا المتعبِّد بالصلاة، قلنا أيضًا: يمكن أن يُطرَد في غير الصلاة أو صلاةٍ غير صلاة الجمعة في الفروض، ومثل ما تفضل الإخوان العبادات مبناها على التوقيف، ولا يُرتَّب ثواب إلا من قِبل الشرع على أي عبادةٍ كانت؛ ولذا كان قول من يقول بتحديد أو بتقدير ثواب على عبادةٍ بخبرٍ ضعيف ولو كان أصلها موجودًا بأخبارٍ صحيحة قول مرجوح.

لو وُجِد ثواب مرتَّب على قراءة سورة قدر زائد على ما رُتِّب على قراءة القرآن وخبره ضعيف، هذا يُسمى فضائل الأعمال، هذا الثواب المرتَّب على هذه القراءة أو على هذه الصلاة بعينها صلاة التسبيح أو صلاة الرغائب أو غيرها قالوا: هذا من باب الفضائل، فضائل الأعمال، والأصل موجود، الترغيب في الصلاة موجود، الترغيب في قراءة القرآن موجود، لكن تحديد الثواب المرتَّب على هذه العبادة وهو قدر زائد على الثواب المرتَّب على الصلاة أو القراءة ثبت بخبرٍ ضعيف ومندرج تحت أصلٍ عام للحث على الصلاة وعلى القراءة، فيسوغ العمل به عند جمهور العلماء، لكن القول الصحيح والراجح عند أهل التحقيق أنه لا يسوغ العمل بالضعيف مطلقًا لا في الفضائل ولا في غيرها.

وعلى هذا نقول: لا يُمكن أن تُقاس الجمعة على العيد في هذا، وإلا لو قِسنا الجمعة قلنا كذلك في سائر الصلوات، ولا فرق.

طالب: ............

ما دام ثبت عنه –عليه الصلاة والسلام- فالمأموم مثله إلا لو عرفنا أن هذا العمل خاص به –عليه الصلاة والسلام- فلا مأموم ولا إمام غيره- عليه الصلاة والسلام-.

طالب: ............

لا، ما ورد شيء نُقِل عنه –عليه الصلاة والسلام- ونُقِل عن ابن عمر فعله، وإن كان ابن عمر في هذا الباب بعد يعني لو نُقِل عن غيره لكان أولى، أولى بالاقتداء.

"وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ مَعَ شِدَّةِ تَحَرِّيهِ لِلسُّنَّةِ يُكَبِّرُ مِنْ بَيْتِهِ إلَى الْمُصَلَّى.

وَعَنْ أَنَسٍ –رضي الله عنه- قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا، فَقَالَ: «قَدْ أَبْدَلَكُمْ اللَّهُ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا يَوْمَ الْأَضْحَى وَيَوْمَ الْفِطْرِ»، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.

الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَلِكَ عَقِيبَ قُدُومِهِ الْمَدِينَةَ كَمَا تَقْتَضِيهِ الْفَاءُ".

يعني قدِم المدينة فوجدهم، يعني بمجرد قدومه المدينة وجدهم.

"وَاَلَّذِي فِي كُتُبِ السِّيَرِ أَنَّ أَوَّلَ عِيدٍ شُرِعَ فِي الْإِسْلَامِ عِيدُ الْفِطْرِ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ.

وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ إظْهَارَ السُّرُورِ فِي الْعِيدَيْنِ مَنْدُوبٌ".

يعني عقب فرض الصيام، الصيام فُرِض في السنة الثانية، فصام النبي –عليه الصلاة والسلام- كم؟ تسع رمضانات.

"وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الشَّرِيعَةِ الَّتِي شَرَعَهَا اللَّهُ لِعِبَادِهِ".

طالب: قلتم: إن مصلى العيد كان يبعد عن بيت النبي –صلى الله عليه وسلم- ومسجده قرابة نصف كيلو؟

نعم تقريبًا.

طالب: أين كان مصلى العيد؟

هم حدُّوه بالخطى يعني كذا خطوة.

طالب: غير موجود الآن؟

لا، ما هو موجود، إن كان الجديد مقامًا عليه، لكن ما يظهر.

طالب: الجديد مُقام عليه؟ 

الآن داخل البينان.

طالب: داخل بنيان المدينة؟

نصف الكيلو داخل البنيان قطعًا؟

طالب: هل يُصلى فيه الآن يا شيخ في المدينة؟

ما أدري- والله- عنه.

طالب: ............

له مكان محدد، تحديده محدد مصلى العيد مُحدد.

طالب: ............

ما أدري- والله- عنه، لكن قالوا: كذا خطوة عن المسجد قرابة نصف كيلو.

طالب: ............

هذا ثابت من الآثار، الآثار الموقوفات، فالأمر به ثابت، الأمر بالتكبير ثابت سواءً كان في الفطر أو في الأضحى في القرآن، وأفعال الصحابة هي التي حددت أوقاته بالنسبة للإطلاق والتقييد.

 

"إذْ فِي إبْدَالِ عِيدِ الْجَاهِلِيَّةِ بِالْعِيدَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ يُفْعَلُ فِي الْعِيدَيْنِ الْمَشْرُوعَيْنِ مَا تَفْعَلُهُ الْجَاهِلِيَّةُ فِي أَعْيَادِهَا".

من إظهار الفرح والسرور، لكن بالقدر المحدد شرعًا بحيث لا يُزاد عليه، لا انتهاك المحرمات، ولا تلازم بين إظهار الفرح والسرور وانتهاك المحرمات.

"وَإِنَّمَا خَالَفَهُمْ فِي تَعْيِينِ الْوَقْتَيْنِ.

قُلْت: هَكَذَا فِي الشَّرْحِ وَمُرَادُهُ مِنْ أَفْعَالِ الْجَاهِلِيَّةِ مَا لَيْسَ بِمَحْظُورٍ وَلَا شَاغِلٍ عَنْ طَاعَةٍ، وَأَمَّا التَّوْسِعَةُ عَلَى الْعِيَالِ فِي الْأَعْيَادِ بِمَا حَصَلَ لَهُمْ مِنْ تَرْوِيحِ الْبَدَنِ، وَبَسْطِ النَّفْسِ مِنْ كُلَفِ الْعِبَادَةِ فَهُوَ مَشْرُوعٌ.

وَقَدْ اسْتَنْبَطَ بَعْضُهُمْ كَرَاهِيَةَ الْفَرَحِ فِي أَعْيَادِ الْمُشْرِكِينَ وَالتَّشَبُّهِ بِهِمْ، وَبَالَغَ فِي ذَلِكَ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ أَبُو حَفْصٍ الْبُسْتِيُّ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ، وَقَالَ: مَنْ أَهْدَى فِيهِ بَيْضَةً إلَى مُشْرِكٍ تَعْظِيمًا لِلْيَوْمِ فَقَدْ كَفَرَ بِاَللَّهِ".

لا شك أن موافقة المشركين في فرحهم ومواطأتهم في أعيادهم، وتبادل الهدايا وحضور اجتماعاتهم في هذه الأعياد لا شك بتحريمه، شيخ الإسلام –رحمه الله- في (اقتضاء الصراط) فصَّل في ذلك تفصيلًا لا مزيد عليه، وهذا الشيخ البستي من أئمة الحنفية قال: من أهدى لكافر في يوم عيده بيضة، فقد كفر.

ما أدري لعل الظرف الذي يعيشه من موالاة بعض المسلمين ومشابهتهم للكفار في أعيادهم واحتفائهم بها يمكن أملى عليه مثل هذه الفتوى.

طالب: ............

أجِّل هذا السؤال قليلًا.

لو قُدِّر أن شخصًا في بلد فيه بلد خليط من المسلمين والكفار، وعرف أن الكفار في هذا اليوم في عيدهم لهم أكل معين، فجهَّز هذا الأكل وباعه عليهم، يعني في يوم العيد ما يأكلون إلا نوعًا معينًا من الطعام، فاعتنى بهذا الطعام من أجل الربح، لا علاقة له بأعيادهم، فما الحُكم؟

يعني لو عرف مثلًا أهل قُطر من الأقطار أن النصارى في يوم عيدهم ما يأكلون إلا ديكًا روميًّا مثلًا، ففي هذا اليوم الذي هو هذا العيد تُجلَب الديكة من القرى ومن البلدان الأخر،ى وتُورَّد، ما حُكم هذا العمل؟

طالب: ............

من التعاون، من باب التعاون على الإثم والعدوان.

طالب: ............

هذا من التعاون أيضًا، هذا من التعاون، مثله أيضًا مشاركة المبتدعة، يوجد في بعض بلاد المسلمين إعلانات كبيرة التخفيضات الموسمية لشهر رجب، يُوجد هذا، وُجِد، وإقامة مهرجانات لعرض السلع المخفضة في مناسبة من المناسبات البدعية، المولد، أو غيره أو الاسراء والمعراج أو ما أشبه ذلك، هذا كله من التعاون على الإثم والعدوان، كل هذا من التعاون على الإثم والعدوان.

طالب: هل من التعاون مع أهل البدع ذِكر خبر الإسراء والمعراج فيما يزعمون أنه يوم الإسراء والمعراج، وهكذا في مولده –عليه الصلاة والسلام- ليس المراد التحذير من البدعة، لا، إنما سياق هذا الخبر، وبيان الفوائد منه على طريقة أهل السُّنَّة، لكن في نفس الشهر باعتبار المناسبة، هكذا في رمضان خُطب عن بدر، خُطب عن عين جالوت مثلًا؟

يعني استغلال المناسبات.

طالب: نعم.

استغلال المناسبات في ربيع الأول أول خطبة مثلًا عن السيرة عن سيرة النبي –عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه وُلِد في هذا الشهر ومات في هذا الشهر، ما الحكم؟

طالب: ............

لماذا لا يكون هذا التذكير إلا في هذا الوقت؟ لكن هل هذه المناسبة تفوت؟ يعني مثل في آخر شعبان نُذكِّر الناس بأحكام الصيام، المناسبة قائمة، قبيل الحج نُذكِّر الناس بأحكام الحج، وهكذا، في أول محرَّم أو في آخر الحجة نُذكِّر الناس بمحاسبة النفس، هذه مناسبة بداية عام جديد، نُذكِّر الناس بالمحاسبة، في وقت المولد نُذكِّرهم بسيرة النبي –عليه الصلاة والسلام-، قد يقول قائل: لماذا لا نُذكِّرهم في سيرة الحسين في يوم عشرة مُحرَّم، لاسيما وأن ذكرى الصالحين يقولون: ذكر الصالحين تتنزل الرحمات، وهذا منهم، وأيضًا نُذكِّرهم بالظلم والعدوان الذي حصل عليه؟

طالب: خُطب عن الظلم والظالمين.

التذكير به وبسيرته –عليه الصلاة والسلام- ليس له وقت.

طالب: ............

ما يخالف استغلال المناسبات في بدعٍ قائمة في وقتٍ معين يفوت بفواته لا بأس، مثل ما قلنا: في آخر شعبان يُذكِّرون بأحكام الصيام، لا بأس، مناسبة شرعية قائمة، وفي آخر مثلًا القعدة يُذكَّر الناس بأحكام الحج وهكذا.

طالب: هذا لا بأس به.

في آخر خطبة من رمضان يُذكَّرون بصدقة الفطر، وبصيام ست من شوال لا بأس به، مناسبات شرعية قائمة، وتفوت، يعني لو أُخِّرت أحكام الصيام مع أحكام الحج إلى مُحرَّم مثلًا، أو أحكام الصيام إلى شوال يستفيد منها الناس مثل ما يستفيدون قبل المناسبة؟ ما يستفيدون، فالعلة قائمة ومعقولة شرعًا، ما فيها إشكال، لكن سيرته –عليه الصلاة والسلام- ما ارتباطها بربيع؟ إن كان القصد من ذلك استثارة عواطف الناس، وأنه وُلِد في هذا اليوم، ومات في هذا اليوم، والمناسبة قائمة، يعني يُمكن أن تُؤدى الخطبة في وقتٍ آخر بأسلوبٍ مناسب يكون استثارها أعظم.

وأعماله –عليه الصلاة والسلام- والأحداث التي وقعت في وقته وفي مدة رسالته في كل يوم مناسبة، فتحديد شهر ربيع الأول للحديث عنه –عليه الصلاة والسلام- لا أرى له وجهًا، بل فيه من مشابهة المبتدعة في المولد فيه من وجه لا أقول: من جميع الوجوه؛ لأن المعلومات التي تُعرَض معلومات موثَّقة وصحيحة، وما فيها غلو ولا إطراء ولا شيء، من هذا الوجه يعني يُمكن أن تؤدى في أي وقت، لكن ربطها في الوقت، ربط العبادات الشرعية بوقتٍ لم يُوقَّت شرعًا بدعة وإن خفَّت.

طالب: ............

يتحدث عن وفاته فقط؟

طالب: ............

لكن ما الداعي لاستغلال هذه المناسبة؟ فيه شيءٍ يفوت؟ هل فيه شيءٍ يفوت بهذه المناسبة؟ هل هناك مصلحة شرعية في بيان السيرة في هذا الوقت بعينه فيه شيءٍ يفوت؟ نعم تذكر البدعة وتُحذِّر من البدعة، نعم هذا يفوت، لكن غيره بيان سيرته –عليه الصلاة والسلام- في هذا الوقت يفوت؟

ما فيه شيء يفوت.

طالب: لو ضُبِط هذا بضابطين: بعدم الديمومة عليه مثلًا سنة في ربيع الأول يتكلم عن هذه وعشر سنوات ما يتكلم أبدً صادفت مرة، والأمر الآخر أن يُنبِّه على المنكرات التي تقع؟

التنبيه على المنكرات مطلوب.

طالب: مع ذِكر السيرة.

الكلام على الأشياء التي تفوت مطلوب، الرسول –عليه الصلاة والسلام- يستغل المناسبات، ما أكثر ما يخطب النبي –عليه الصلاة والسلام- لمناسبة، لأمرٍ حدث، لمخالفة شرعية يُبين الحكم فيها الأشياء التي تفوت هذا من باب البيان في وقت الحاجة، لكن إذا لم يكن حاجة داعية، ووافق عملًا من أعمال المبتدعة؟ العلماء نصوا على أنك لو تشرب ماءً بكأس، بكوب من الأكواب التي تُضاهي أكواب الفُسَّاق في شُربهم حكموا بالمنع، يعني لو دار شخص جلسوا على هيئة شُرَّاب الخمر مثلًا مجموعة، وأُديرت عليهم الكؤوس، وفيها ماء، أهل العلم منعوا من هذه الصورة.

طالب: بعض الكؤوس لها قاعدة من تحت عرفتها يا شيخ؟

نعم معروفة.

طالب: هذه يا شيخ هل تُضاهي ما يُشرَب فيه الخمر؟

والله ما رأيتها.

طالب: يقولون –ما أدري- يقولون: إن هذه هي التي يُشرَب فيها الخمر في بلاد المشركين.

ما أدري، والله.

طالب: إذا ثبت أن هذه...

إذا ثبت أنها نفسها.

طالب: نفس الهيئة.

نفس الهيئة ونفس الطريقة في الأداء في الشُّرب.

طالب: إذا ثبت أنها نفس الهيئة يشربون في كأس نحو هذا؟

والحاجة إليه قائمة، ما عنده غيره، ولا هو قصده لأجل مشابهتهم؟

طالب: هو قصده لأجل الزينة فقط؟

وما يُعرَف إلا ما عندهم؟ يُمنَع من المشابهة، أما إذا كان مشتركًا بينهم وبين غيرهم فالأمر فيه سعة.

طالب: ما ضابط الترويح عن النفس؟

نعم ما ضابط الترويح؟ هل له من ضابط؟ يعني ضابط اللهو المباح هل نقول للشباب: العبوا كرة، العبوا ورقة، العبوا كيرم، العبوا أيش؟

طالب: ............

نعم ليست من محرَّم، ولا يؤدي إلى محرَّم، هذا مفروغٌ منه، لكن غيره؟

طالب: ............

هو لا شك أن الإسلام جاء بالترويح، والعبث اليسير معفوٌ عنه، النكت في العود في الأرض هذا عبث، لكنه يسير، وحصل من الرسول –عليه الصلاة والسلام- اللعب بالخاتم إدخاله وإخراجه هذا عبث، لكن جاء فِعله، فَعله بعض الصحابة، وترتب عليه آثار، لكن يدل على أنه في الأصل مُباح، يعني أشياء يسيرة، فمثل هذا العبث اليسير ما فيه إشكال.

أيضًا ما جُبِلت عليه النفوس من حُب الراحة والدعة واللهو الذي لا يترتب عليه جُعل، بمعنى أنه لا يدخل في القمار والميسر، ولا يترتب عليه أيضًا شحناء ولا بغضاء، ولا يترتب عليه ألفاظ بذيئة، وخلا من المشابهة، ويدخل في ذلك مشابهة الكفار ومشابهة الفساق أيضًا إذا كان عملًا لا يعمله إلا الفساق فيُمنَع منه، وأيضًا مشابهة الرجال للنساء أو النساء الرجال.

فما قَلَّ منه واحتيج إليه للترويح لا بأس به؛ ولذا يوصي أهل العلم بقراءة بعض الكتب التي لا فائدة فيها من أجل الترويح، ما فيه فائدة ملموسة من قراءة كُتب الأدب مثلًا، لكن يُقال: إنه يُستفاد منها استجمام وترويح، وتقويم عبارة، وتقويم لسان، وما أشبه ذلك، قراءة كتب التواريخ فيها متعة، وفيها استجمام، وفيها أيضًا عظة، أخبار بني إسرائيل مع أنها لا تُصدَّق ولا تُكذَّب، لكن جاء في الخبر: «فَإِنَّ فِيهِمُ الأَعَاجِيبُ» فمثل هذا من باب الترويح لا بأس به، بحيث لا يُلهي عن واجب، فلا شك أنه إن ألهى عن واجب فهو محرَّم، إن ألهى عن مُستحب فهو مكروه، إن ألهى عن مباحٍ مثله فهو مباح وهكذا.

طالب: ما يسمونه يا شيخ لعبة الشطرنج ما رأيكم فيها؟

الشطرنج جاء الكلام فيها عن السلف، وأُلِّفت فيها المصنفات، لكن لا شك أنها إن اقترن بها ما ذُكِر إما جُعل مال أو ترتب عليها بغضاء أو كلام بذيء أو ألهت عن واجب فلا شك في تحريمها.

طالب: لكن إذا انتفت يا شيخ؟

إذا انتفت هذه كلها فأقل أحوالها الكراهة؛ لِما ورد فيها عن السلف.

طالب: شيخ الإسلام له كلام فيها يا شيخ؟

في مؤلفات الآجرى...

طالب: في مسألة الخمر يا شيخ الشرب في قنينة الخمر إذا غُسِلت وطُهِّرت؟

لكن يحتاجها لا يوجد غيرها؟

طالب: لا يوجد.

ما الداعي إلى الشرب بها؟

طالب: ............

جاء في الحديث: أنشرب في آنية الكفار؟ قال: «لا»، قال: «فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا غَيْرَهَا فَاغْسِلُوهَا وَاشْرَبُوا فِيهَا» أفنأكل في آنيتهم...؟ إلى آخره.

طالب: هذه غُسِلت الآن؟

إذا كانت المشابهة قائمة فلا مع عدم الحاجة إليها، أما مع الحاجة فهذا الله المستعان.

طالب: ............

هذا كلام عمر؟

طالب: ............

كلام أبي بكر نعم، ماذا فيه؟

طالب: ............

ما فيه شك أن العيد له ظرفه، وله وضعه، فيه شيء من الحُداء، وفيه شيء من النشيد، وشيء من تحسين الصوت بأداء بعض الأشعار إذا خلا عن الآلات فلا بأس به.

والحافظ ابن رجب –رحمه الله- يُفرِّق بين أناشيد العرب وغنائهم، فيقول: ما جاء حِله في النصوص يُنزَّل على هذا، بخلاف ما جاء ووفِد على المسلمين من الأعاجم، وقارنه الآلات الدقيقة والمُقننة فهذا يُنزَّل –يقول-: يُنزَّل ما جاء في تحريم الغناء عليه.

طالب: شيخ- عفا الله عنك- التقييد بمشابهة الفساق الآن لو وُجِدت صورة لبعض الألعاب كرة أو كيرم أو غيرها، وقارنا مقارنة بانتفاء الأشياء التي تفضلتم بذكرها أيضًا نجد أن أكثر من ستين في المائة من الذي يلعبون الكرة الغالب عليهم الفسق، قد يكون فيه جنس من الصالحين يلعبون، لكن ما يُمثَّلون النصف، وهكذا مثلًا الكيرم وغيرها، فعلى هذا القيد تكون محرَّمة أم لا؟

ما تصل للتحريم، يعني إن لم تكن الغالب، الغالب يعني الكثرة الكاثرة إذا كان جماهير من يفعلها الفساق، ويترفَّع عنها الصالحون، فالحكم للغالب.

هذا يسأل يقول: نُهينا عن مشابهة الكفار بحلق اللحى، والآن الكفار كثيرٌ منهم يُعفي لحيته لاسيما المتعصبون لكفرهم ودياناتهم؟

متعصبة اليهود والنصارى وكذا لهم لحى، ما معنى هذا، معناه نُخالفهم بحلق اللحية؟ لا، لا مخالفة للنص، النص مُقدَّم على المشابهة.

الأمر الثاني: أن واحدًا من أهل الفضل طُرِح عليه هذا السؤال فقال: نعم، إذا اتفق الكفار كلهم على إعفاء لحاهم – لكن لعل هذا من باب التعجيز وإلا فما هو بجواب، لعل هذا- يقول: إذا اتفقوا كلهم على إعفاء لحاهم ننظر في المشابهة، لكن الأصل أن الاقتداء في مثل هذه الصورة بالنبي –عليه الصلاة والسلام- بغض النظر هل وافقه أحد أو خالفه.

طالب: شيخ، جمهور من يتناول هذه الألعاب من الفسقة الحقيقة، قَلَّ الصالحون مقارنةً بالفسقة الذين يقومون بها، ما حُكمها؟ الأولى تركها أم كراهة؟ 

أصل مسألة التشبه.

طالب: التشبه بالفساق الآن ما هو بالكفار.

مسألة التشبه هل نقول: إن هذه المسألة في أول أمرها للكفار فقط، ثم دخلت بلاد المسلمين إذًا لا تُفعَل مطلقًا، أو نقول: إنها في بداية الأمر لا يجوز فعلها بعد أن تواطأ عليها المسلمون وصارت عُرفًا عندهم كاللباس مثلًا؟

لباس الكفار مثلًا أو لباس الفساق بهذه الموضات والموديلات والأشياء التي تفد، يعني في بداية الأمر أول ما تدخل بلاد المسلمين يُقال بتحريمها؛ للتشبُّه، لكن صار نصف المسلمين يلبسوها أو أكثر، نقول: هذا تشبُّه؟ يقول: أنا ما أشابه فلانًا، أنا أشابه أبي، وجدت أبي يلبس هذا اللباس بغض النظر عن الكفار، أبوه وجده يلبسون هذا اللباس، فهو يُقلِّد المسلمين، نعم المشابهة تكون في أول الأمر حينما يكون الذي يفعلها قِلة من المسلمين، لكن لما صارت شعارًا للمسلمين، وما يُدريك أن هذا الشماغ ما تدري من أين جاءك بعد الذي يتواطأ عليها الآن جُل المسلمين، بل أهل الخير والفضل منهم، ما تدري مَن كان يرتدي هذا الشماغ في الأصل؛ لأنك لو بحثت عن تاريخه ما تجد له تاريخًا قديمًا أو حتى الغترة أو غيرها، حاشا العمامة.

لكن إذا تعارف الناس على لباس معين؛ لأن الألبسة عُرفية، اللباس عرفي، فإذا تواطأ عليه المسلمون صار من عُرفهم ومن عادتهم؛ ولذا ما يُقال: إن لبس الأبيض بالنسبة للنساء مشابهة للرجال مطلقًا لو صار العكس مثلًا، في بلاد المغرب العكس، تجيء النساء من مصر والمغرب وكل الجهات محرماتٍ بأبيض، تقول: هذا مشابهة للرجال؟ هذا عُرفهم، واللباس عُرفي ما لم يدخل في النصوص الواردة في منع بعض الألبسة من لُبس الأحمر للرجال، الإسبال، ما يصف البشرة بالنسبة للنساء وهكذا، ما لا يستر العورة وهكذا.

طالب: استشهدتم بلبس الأبيض للنساء في بعض بلاد المسلمين أما يُعتبر بدعة يا شيخ؟

لأن هذا لباسهم.

طالب: لكن هو يُصبح بدعة يا شيخ؛ لأن بعضهم يعتقد أنه ما يجوز الإحرام للنساء إلا بهذا؟

هذه مسألة أخرى، هذه مسألة ثانية، كما عندنا ما يجوز اللباس إلا بالأخضر عند بعض النساء، نقول: بدعة؟ لا، يُبَين على هذا، المفهوم الخاطئ يُنبَّه عليه.

طالب: ............

هذا عُرف.

طالب: دخلت في مجال البدعة يا شيخ.

لا ما يلزم، هو البدعة إذا كان يعتقد أنه لا يجوز غيره، لكن تعارف الناس على هذا، أنت مثلًا تلبس ثوبًا سعوديًّا مثلًا، لو تأتينا غدًا عليك باكستاني، نقول: لا، أنت خالفت البلد؟

طالب: خالفت هذه البلاد.

ماذا عليك؟ يلزمك شيء؟

طالب: ما يُصبح ثوب شهرة؟

لا شهرة ولا شيء.

طالب: يعني يا شيخ لما تلبس في مصر مثلًا أو في المغرب أو في بعض بلاد المسلمين تنزل لابسًا ثوبًا وشماغًا ومشي الحال؟

الأمور بمقاصدها، ما قصدك؟

طالب: قصدي أنني تعودت طول حياتي على هذا اللباس.

خلاص يكفي.

طالب: ما يُعتبر لباس شهرة؟

لا شهرة ولا شيء.

طالب: ............

التشبُّه والمشابهة، ما الفرق بين التشبُّه والمشابهة؟ التشبُّه: القصد إلى المشابهة، والمشابهة: وقوعها من غير قصد، الوقوع من غير قصد مشابهة والتشبُّه بقصد، هذا الفرق بينهما.

طالب: تفضلتم بعلتين واضحة جدًّا في أمر اللباس، اللباس كما تفضلتم شعار، قد يكون شعارًا لأهل الإسلام في بعض البلاد لبس البنطال مثلًا، ومن الأمور التي ما يسع الناس تركها اللباس لا بُد يلبسون، لكن هل الألعاب شعار أولًا، والأمر الثاني: هل هي مثلًا شين لأهل الإسلام أو كذا؟

لكن جاء الإسلام بالترفيه والترويح، نقول له: لا، أنت لا تلعب الآن الألعاب الموجودة، ابحث عمَّا كان يلعب به السلف في كتاب اسمه لعب العرب لتيمور تلعب مثل لعبهم، لماذا تلعب مثل...؟

طالب: ألعاب العرب؟

يمكن ما تجد من يُعينك، ما تجد من يعرف، فيه ألعاب كانت موجودة قبل ربع قرن انقرضت، تقول: لا، هذيك متعارف عليها بين المسلمين هي الشرعية وهذه لا، الألعاب إذا ضُبِطت بالحدود والأطر الشرعية ما عليك من...

طالب: ............

وما فيه محظور بذاته منصوص عليه، ولا يؤدي إلى محظور.

طالب: ............

في بلدٍ ما انتشر فيه تشبُّه، لكن في بلدٍ منتشر فيه، يعني تروح تقول للمصريين أو غيرهم من المغاربة: اخلعوا البنطال، عليكم ثياب لازم تلبس قميصًا، ثوبًا، ما يلزم يا أخي، لكن أول وقوعه وقدومه وهو عند الكفار فقط يصير مشابهة، تشبُّهًا.

طالب: حتى لو انتشر فيما بعد؟

إذا انتشر فيما بعد لا، لكن في أول الموضة التي يسمونها الموضة، الموديل الجديد نزل موديل جديد أول من يفعله نقول: تشبّه، لكن لو تعارف عليه الناس وانقرض أصل التشبُّه انقرض واستصحاب التشبُّه بالكفار انقرض، يعني توارثه الناس كابرًا عن كابر ماذا يصير؟ يصير من صنيعهم تعارفوا عليه.

طالب: ............

هو إذا نُهي عنه لذاته نعم.

طالب: ............

ماذا؟

طالب: ............

إذا اشتمل على محظور مُنِع للمحظور، ما مُنِع لذاته، لكن لو فرضت أنه بنطلون مثل ما يلبس العراقيون يدخل ثلاثة معه، ماذا يصير؟

طالب: ............

واسع جدًّا.

طالب: والأفغان.

كل الشرق واسع والأتراك.

طالب: ............

لا لا إلى الآن ما بعد انتشر.

طالب: ............

ولو كان، لكن أهل الخير والفضل والصلاح ما تعارفوا عليه، ما يزال ما يتعاطاه إلا من لا يرفع بالتعاليم الشرعية رأسًا من تقليد، والورد الذي باع زهورًا وأشياء.

طالب: ............

الأمور بمقاصدها، لكن أحيانًا يمتنع الشخص عن بعض المستحبات؛ لئلا يُظَن به خلاف واقعه، الآن أنت إخفاء العبادات مطلوب شرعًا، وهي عبادة مأمور بها في الكتاب والسُّنَّة فأنت تُخفيها، فإذا قيل: هذا الشخص ما في هذا البلد إلا فلان ممن يُطبِّق السُّنَّة وهكذا، يُقضى عليك وأنت ما تشعر.

"وَعَنْ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: مِنْ السُّنَّةِ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْعِيدِ مَاشِيًا. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ.

تَمَامُهُ مِنْ التِّرْمِذِيِّ: وَأَنْ تَأْكُلَ شَيْئًا قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ.

قَالَ أَبُو عِيسَى: وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يَخْرُجَ الرَّجُلُ إلَى الْعِيدِ مَاشِيًا، وَأَنْ يَأْكُلَ شَيْئًا قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ، قَالَ أَبُو عِيسَى: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَرْكَبَ إلَّا مِنْ عُذْرٍ انْتَهَى".

لأنه تُكتب له خطواته ذهابًا وإيابًا كالجمعة.

"وَلَمْ أَجِدْ فِيهِ أَنَّهُ حَسَّنَهُ، وَلَا أَظُنُّ أَنَّهُ يُحَسِّنُهُ؛ لِأَنَّهُ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ وَلِلْمُحَدِّثِينَ فِيهِ مَقَالٌ، وَقَدْ أَخْرَجَ الزُّهْرِيُّ مُرْسَلًا".

طالب: ............

نعم، حسَّنه الترمذي، لكنه يخفى الشارح أنه حسَّنه؛ لأن النُّسخ من جامع الترمذي متفاوتة تفاوتًا كبيرًا جدًّا في الأحكام على الأحاديث، ففيها ما يُحكَم عليه بالصحة فقط، وفيها ما يُحكَم عليه بالحسن فقط، وفيها ما يُحكَم عليها بالمقرون بينهما، وفيها ما يُحكَم عليه مقرون بالغرابة؛ ولذا تنبغي العناية الدقيقة بجامع الترمذي أكثر من غيره؛ لأن غيره ما فيه من الإشكالات مثل ما في جامع الترمذي.

طالب: ............

كيف؟

طالب: ............

أحمد شاكر حقق عُشر الكتاب.

طالب: ............

هو كمَّل أم ؟

طالب: لا هو ابتدأ لكن أقول: الذي حققه الشيخ أحمد الله يرحمه...

هو أمثل الطبعات الآن طبعة ..... أما طبعة الدعاس على ما فيها من عناية، لكنه ليس هو من أهل الاختصاص، الدعاس ليس من أهل الاختصاص، وإن كانت طبعته كاملة، وفيها تخريج وتعليق يسير، لكن ليس من أهل العناية، ليس من أهل الصناعة.

طالب: ............

ما هو بالطبعات، النُّسخ الخطية القديمة.

طالب: الخطية؟

القديمة أيضًا؛ ولذلك تجد الزيلعي ينقل عن الترمذي حكمًا، ابن حجر ينقل غيره عن الترمذي في هذا الحديث نفسه.

طالب: المزي.

المزي وغيره.

طالب: ما سببه؟

سببه انتشار الكتاب ووجود أشياء، ووجود هذه الأحكام التي هي خاضعة للاجتهاد مثل ما ذكر الشارح: ما أظن الترمذي يُحسنه. فيُلقي باللائمة على النُّسَّاخ يقول: يمكن التحسين من النَّاسخ مثلًا أو كان تعليق في الحاشية فأُدخِل، يعني كما يتصرف بعض الطابعين يتصرف النُّسَّاخ، الجهلة يتصرفون.

الشيخ أحمد شاكر –رحمه الله- أعار نُسخته من الترمذي لمطبعة التازي التي طبعت عارضة الأحوذي هو والصاوي هما معًا طبعوا الكتاب، طلبوا منه نسخته التي صححها وعلَّق عليها خطية، الشيخ علَّق على نُسخته بتخريج رواه أبو داود اختُلِف في اسمه على نحو كذا، يقول: أعطيتهم الكتاب يوم طلع الجزء الأول وكل تعليقاتي مُدخَلة في صُلب الكتاب، قلت لهم: أسحب كتابي.

فإذا تُصوِّر وجود مثل هذا في الطابعين تُصوِّر وجود مثله في الناسخين.

طالب: ............

كيف؟

طالب: ............

لا، ما يلزم، فيهم من الجهل ما فيهم؛ لأنه يُوجد مثلًا نسخة عالم علَّق عليها يلتبس على النَّاسِخ وهو متوسط الثقافة –على ما يقولون- ما يدري هل هو تخريج أو لحق أو تعليق؟ فيخفى عليه هذا أو ذاك، فيجتهد في هذا.

طالب: شيخ هذا يُفضي فيما بعد إلى عدم الثقة بما في الكتاب من أحكام ومن أحاديث.

لكن لا بُد أن تُجمَع نُسخ قُرِئت على أئمة وقابلها أئمة وإن ضمَّت اتفق عليه.

طالب: لما ذُكِر هذا طبعًا في البخاري ذكره بعض الشراح من تصرف النُّساخ...؟

لأن البخاري مُتقن ومضبوط ومُحرر لا يُوجد له نظير في الكتب الأخرى.

الأمر الثاني: أن الذي يجر إلى هذا الكلام في الترمذي على وجه الخصوص ما الذي يجر عليه؟

الذي يجر إليه القول بالتقليد في الأحكام، وإلا إذا كان عند الترمذي مثل غيره من كُتب السُّنَّة يُدرَس الحديث، ويُحكَم عليه بما يليق به بغض النظر عن أحكام الترمذي، ما لنا شأن حسَّنه الترمذي أو ضعَّفه أو صححه ما لنا شأن، ننظر في الإسناد في أحاديث الأعور ضعيف جدًّا إذًا الحديث شديد الضعف بغض النظر، لكن على القول بانقطاع التصحيح والتضعيف على رأي ابن الصلاح ومن يُقلده نحتاج إلى مثل هذا الكلام.

طالب: لما أدرس الحديث ما أريد أن أنفرد برأيي أنا وأترك الأئمة الكبار أريد أن يكون رأي الترمذي وغيره من الأئمة عاضدًا بالنسبة لي في حكمي؟

عاضد بالنسبة لك ما لم يظهر علة ظاهرة، علة قادحة في الحديث ما لها مفر، ليس لها تأويل، حديث من رواية المصلوب، افرض أن الترمذي حسَّنه، ماذا تقول؟             

الترمذي متساهل، ما فيه إشكال في تساهله، يُحسِّن أحاديث فيها انقطاع؛ ولذلكم تعريفه للحديث الحسن يجعله يُحسِّن أحاديث ضعيفة، حتى كاد أن يجزم بعضهم على كل ما قال فيه الترمذي: حسن، فهو ضعيف، لكن ليست قاعدة مطَّردة، هذه لا يسوغ طردها، بل فيه الحسن، الحسن المتوسط بين الضعيف والصحيح، وفيه الضعيف أيضًا؛ لأن حدُّه للحديث الحسن يشمل الضعيف، الشروط التي اشترطها الثلاثة لتسمية الخبر حسنًا يدخل فيها الضعيف، هي أيش؟

ألا يكون في إسناده من يُتَهم بالكذب.

ولا يكون شاذًا.

ويُروى من غير وجه.

ألا يكون فيه من يُتهَم بالكذب، يكون فيه مجهول مثلًا، أو يكون فيه انقطاع، لكنه غير شاذ، المقصود أن المسألة طويلة في هذا الباب.

طالب: جُمِعت في رسالة ماجستير كل هذه الأحاديث الحسان التي حسَّنها الترمذي خرج الباحث بنتيجة أن كلها حسنة أو صحيحة إلا ثلاثة أحاديث ضعيفة.

الآن يوجد من يطرد الحكم بأن جميع ما قال فيه الترمذي: حسن، هو ضعيف، وهذا الكلام ليس بصحيح.

طالب: فيه نظر، الدراسة موجودة.

هذا الكلام ليس بصحيح، لا إطلاق هذا ولا ذاك، فيه الصحيح، وفيه الحسن، وفيه الضعيف، وهو كثير.

طالب: ............

لا لا الحاكم أشد، الحاكم صحح أحاديث موضوعة.

ماذا بقي في الحديث؟

طالب: باقٍ أربعة أسطر فقط.

طالب: ............

نريد أن نكمل الحديث، ما مشينا شيئًا.

كمِّل الحديث، كمِّل.

"وَقَدْ أَخْرَجَ الزُّهْرِيُّ مُرْسَلًا أَنَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا رَكِبَ فِي عِيدٍ وَلَا جِنَازَةٍ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَخْرُجُ إلَى الْعِيدِ مَاشِيًا وَيَعُودُ مَاشِيًا. وَتَقْيِيدُ الْأَكْلِ بِقَبْلِ الْخُرُوجِ بَعِيدِ الْفِطْرِ لِمَا مَرَّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ".

تقدم هذا.

"وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ وَغَيْرِهِ: أَنَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَخْرُجُ إلَى الْعِيدِ مَاشِيًا ويرجع ماشيًا. وَلَكِنَّهُ بَوَّبَ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ الْمُضِيِّ وَالرُّكُوبِ إلَى الْعِيدِ، فَقَالَ: (بَابُ الْمُضِيِّ وَالرُّكُوبِ إلَى الْعِيدِ) فَسَوَّى بَيْنَهُمَا كَأَنَّهُ لَمَّا رَأَى مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ الْحَدِيثِ رَجَعَ إلَى الْأَصْلِ فِي التَّوْسِعَةِ".

نعم الحديث ليس على شرطه، والأصل التوسعة، لكن كتابة الخطى لا تثبت إلا بالمشي، ولو ركب العالم أو غيره لبيان الجواز لا بأس، لكن يعتني بالركوب باستمرار من غير نظر إلى ما يترتب على المشي من كتابةٍ للحسنات فهذا غير، وإلا حتى لو ركب في الجمعة وفيها نص النص الصحيح الصريح؛ لبيان الجواز لا بأس.