شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (197)

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

 الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين. أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا بكم إلى حلقة جديدة في برنامجكم شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، في بداية هذه الحلقة يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور: عبد الكريم عبد الله الخضير، فأهلًا ومرحبًا بكم فضيلة الدكتور.

حياكم الله، وبارك فيكم وفى الإخوة المستمعين.

المقدم: كنا في الحلقة الماضية توقفنا عند مسألة الرواية بالمعنى، وسقتم شيئًا من أقوال أهل العلم حول هذا الموضوع، نستكمل هذه المسألة، وأيضًا مسألة اللحن في رواية الأحاديث يا شيخ.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المقدم: عليه الصلاة والسلام.

أما بعد، فقد تقدم في الحلقة السابقة الكلام عن الرواية بالمعنى، وأنها قول على النبي -عليه الصلاة والسلام- مما لم يقل لفظه، وإن قال معناه، ولهذا أوردناه وعامة أهل العلم وجمهوره على تجويزها بالشروط التي ذكرت سابقًا للحاجة إليها، لمسيس الحاجة إليها؛ لأنه لو لم تجز الرواية المعنى لضاع أكثر الأحكام، فالحفاظ مهما بلغوا من الحفظ والضبط والإتقان إلا أنهم ليسوا كالآلات التي تؤدي اللفظ متى طلب منها، فهم على ما جرت به السنة الإلهية أن الحفظ قد يخون في بعض الأوقات فلا يسعف بذكر اللفظ بحروفه، وإن أسعف بالمعنى، ولذا يروي الصحابة-رضوان الله عليهم- الحادثة الواحدة على أوجه مختلفة اللفظ متفقة المعنى، وهذه هي حجة جواز الرواية المعنى، وهم الجمهور، ولا شك أن الرواية بالمعنى بالشرط المتقدم هو الراجح، وهو المعول عليه عند أهل العلم، ومنع منها ابن سيرين وثعلب وأبو بكر الرازي من الحنفية، وروي عن ابن عمر كما في التدريب.

 قال ابن حجر في ما نقله السيوطي في التدريب، والسيوطي ينقل عن ابن حجر كثيرًا، ولا يقول قال ابن حجر أو الحافظ، قال شيخ الإسلام، فشيخ الإسلام في التدريب المراد به ابن الحجر، يقول ابن حجر فيما نقله السيوطي: ومن أقوى حججهم (حجج المجيزين) للرواية المعنى الإجماع على جواز شرح الشريعة يقول: ومن أقوى حججهم الإجماع على جواز شرح الشريعة للعجم بلسانها للعارف به، فإذا جاز الإبدال بلغة أخرى فجوازه باللغة العربية أولى، وجزم ابن العربي في أحكام القرآن، الآن إذا نقلت الشريعة بلسان العجم، هل نحن الذين ينقل لهم؟ ينقل النصوص الشرعية بحروفها إلا أنها بلغتهم أو بمعانيها.

المقدم: بالمعاني.

بالمعاني بلا شك، فهي مرحلة أخرى بعد الرواية بالمعنى، يعني قدر زائد على الرواية بالمعنى، فإذا أجيز القدر الزائد فلأن يجاز الأصل من باب أولى، جزم ابن العربي في أحكام القرآن أن ذلك إنما يجوز للصحابة دون غيرهم، الرواية بالمعنى تجوز للصحابة دون غيرهم، لماذا؟

قال: لأننا لو جوزناه لكل أحد لما كنا على ثقة من الأخذ بالحديث، والصحابة اجتمع فيهم أمران الفصاحة والبلاغة جبلة ومشاهدة أقوال النبي -صلى الله عليه وسلم- وأفعاله، فأفادتهم المشاهدة عقل المعنى جملة واستيفاء المقصود كله، ظاهر الكلام أم ليس بظاهر؟ يقول: ذلك يعني الرواية بالمعنى إنما يجوز للصحابة دون غيرهم الرواية بالمعنى تجوز للصحابة دون غيرهم قال: لأننا لو جوزناه لكل أحد لما كنا على ثقة من الأخذ بالأحاديث، والصحابة اجتمع فيهم أمران الفصاحة والبلاغة جبلة ومشاهدة أقوال النبي -صلى الله عليه وسلم- وأفعاله، فأفادتهم المشاهدة عقل المعنى جملة واستيفاء المقصود كله.

لا شك أنه أحيانًا يحتف بالخبر قصة أو سبب يطويه الرواة فلا يذكرونه حتى بعض الصحابة لا يذكر السبب؛ لأنه لا يترتب عليه حكم شرعي، لكن الصحابي فهم المعنى من خلال هذا السبب، فإذا لم ينقل هذا السبب فلمن بعد الصحابي أن يتصور المعنى كما تصوره الصحابي؟ لا، ولذا لو جاءك تلميذ من تلاميذ أحد المشايخ مثلًا المعتنين بدروسهم الملازمين لها، ونقل عن الشيخ كلام في مسألة مثلًا حكم شرعي فى مسألة ما، وهذا الشيخ له مؤلف ومصنف أو له فتاوى وسؤل عن مسألة، فأجاب بما يخالف ما قاله هذا الطالب الملازم للشيخ، ألا نقول: إن الكلام المكتوب الذي أجيب به هذا السائل على وجه الخصوص له من الاحتمالات غير ما يحتمله كلام الطالب الذي حضر القصة من أولها إلى آخرها، أنا أتنزل على كلام ابن العربي.

المقدم: هل ينزل غير النبي -صلى الله عليه وسلم- على هذا؟

هذا من باب التقريب، لكن أنت عالم من العلماء.

المقدم: هل سيفتي لناس ثم يفتي لعموم الناس بشيء مختلف في ذات الواقعة؟

ممكن.

المقدم: هل يحصل هذا؟

ممكن أن يحصل؛ لأنه عرف من حال هذا الشخص، أنه غير قاصد أو أنه جاء تائبًا، أو أنه حصل عنده من الخوف والوجل ما جاء، والثاني مثلًا غير مكترث ومستهتر، فيحكم على هذا بغير ما يحكم على هذا؛ لأن الأحكام ما يحتف بها، الأحكام المنصوصة الحدود المحددة لا تتعدى، لكن أنت افترض مثلًا هذه المسألة في تعزير مثلاً؟

جاء شخص ففعل كذا أو قال لفلان كذا، فقال الشيخ في فتواه: يحكم عليه بكذا عشرين جلده مثلًا، وواحد من الطلاب حضر قضية من أولها إلى آخرها مشابهة، وقال: حكم عليه بثلاثين جلدة بدل عشرين، أنا أقول إن الحضور والنظر فيما يحتف بالقضية وفي أسبابها وظروفها، لا شك أنه أوقع في النفس وأكثر فهمًا للمعنى ممن غاب، ممن لم يسمع إلا مجرد الكلام، ولذلك مثل ما ذكرنا مرارًا.

الأخ الحاضر: أدق من الكتابة.

المقدم: يسأل يا شيخ، هل فيه شيء أدق من الكتابة؟

مسألة الكتابة على هذه الواقعة.

المقدم: في واقعة معينة.

وتحتمل أيضًا، الكتابة لا شك أنها حُررت بقلم الشيخ أو بإملائه، لكن الذي حضر القضية وعرف ما يحتف بها، يعني لو قال مثلًا، شخص قال لفلان: يا حمار مثلًا فقال الشيخ في فتواه: الجواب يجلد عشرين جلدة.

هذا الطالب قال الشيخ حكم على هذا بعشرين جلدة؛ لأن الشخص المقابل استثاره، وجاء له بكلام غير مناسب، فخفف عليه الحكم وإلا فقد حكم على شخص آخر بخمسين جلدة، ألا يحتمل هذا؟

المقدم: محتمل.

الاحتمال القائم، وكل هذا توجيه الكلام ابن العربي وعامة أهل العلم لم يلتفتوا إلى هذا، بل جوزوا الرواية بالمعنى بالشروط المتقدمة لكل أحد، الآن الطالب إذا كان وجهًا لوجه للشيخ وهو يشرح.

المقدم: أكثر فهمًا.

بلا شك أكثر فهمًا، والكلام يقع في قلبه أكثر مما يقع الكلام في قلب شخص آخر يسمع مجرد سماع، ولذا الحث على حضور مجالس الذكر ومجالس العلم وسلوك الطريق إليهم، وثني الركب عند أهل العلم يختلف اختلافًا كبيرًا من السماع من الآلات والأشرطة.

يقول الماوردي في بيان الحكم: إن نسي اللفظ جاز، يعني تجوز الرواية بالمعنى لمن نسي اللفظ، إن نسي اللفظ جاز؛ لأنه تحمل اللفظ والمعنى، وعجز عن أداء أحدهما، فيلزمه أداء الآخر لاسيما أن تركه قد يكون كتمًا للأحكام، هذا إذا نسي اللفظ هو تحمل اللفظ والمعنى، عليه أن يؤدي المعنى فإن لم ينسه لم يجز أن يورده بغيره؛ لأن في كلام النبي -صلى الله عليه وسلم- من الفصاحة ما ليس بغيره، ولا شك أن التجويز إنما هو للناسي، أما الذي يحفظ اللفظ، فالأصل أن يقول ما قاله النبي -عليه الصلاة والسلام- وتجويز خلاف الأصل بناءً على الحاجة وقيل: عكسه، وهو الجواز لمن يحمل اللفظ ليتمكن من التصرف فيه دون من نسيه، العكس يعني الجواز جواز الرواية بالمعنى لمن؟ لمن يحفظ الآن أنت تستحضر الحديث بحروفه، يجوز لك أن ترويه بالمعنى عكس كلام الماوردي، لماذا؟

يقول: الذي نسي اللفظ احتمال أن يعبر عن الأمر الذي نسيه بخلاف معناه، لكن الذي يستحضر اللفظ، ويبدل كلمة مكان كلمة أسهل عنده، وهنا يقع التجويز، لكن إذا لاحظنا أن التجويز إنما هو للحاجة، والحاجة لا تقوم إلا عند عدم الأصل، تقوم عند عدم الأصل، وهو اللفظ، فإذا عجز عن أداء اللفظ ساغ له الرواية بالمعنى بالشروط المتقدمة، وقال القاضي عياض: ينبغي سد باب الرواية بالمعنى يعني إذا جُوّزت في الصدر الأول قبل التدوين، والناس يتداولون السنة بالسماع، فما عذر من يروي بالرواية بالمعنى والكتب موجودة إذا أراد أن يروي حديثًا يرجع، يرجع إلى الكتب المصنفة، لكن إذا رجع إلى الكتب المصنفة وقد رواها بعض روايتها بالمعنى، فكيف يصنع؟

المقدم: صحيح ينقل عنه.

ينقل عنه، لا مفر ولا محيص من أن ينقل عن هؤلاء الذين تحملوا بالمعنى والرواية بالمعنى موجودة حتى في المصنفات، يقول القاضي عياض: ينبغي سد باب الرواية بالمعنى؛ لئلا يتسلط من لا يحسن ممن يظن أنه يحسن كما وقع للرواة قديمًا وحديثًا، وعلى الجواز، الأولى إيراد الحديث بلفظه دون التصرف فيه، ولا شك في اشتراط ألا يكون اللفظ مما تعبد بلفظه، وقد صرح به هنا الزركشي، وإليه يرشد كلام الحافظ العراقي الآتي في إبدال الرسول بالنبي وعكسه، وقال السيوطي: وعندي أنه يشترط ألا يكون من جوامع الكلم، ما تعبد من لفظه بالأذكار مثلًا.

المقدم: الذي أُبدل لفظ النبي بالرسول في حديث البراء.

في حديث "البراء" قال: ورسولك الذي أرسلته قال: لا، قل: ونبيك الذي أرسلته، هذا مما تعبد بلفظه.

المقدم: ما يتغير؟

ما يتغير.

 أذكار أو أدعية ونحو ذلك.

نعم، إذا تُعبد بلفظها، يقول السيوطي: وعندي ألا يشترط أن يكون من جوامع الكلم، وعندي أن هذا الشرط كل الأحاديث أوتيت جوامع الكلم، الأمر الثاني أن هناك جوامع كلم بالفعل أدت معاني عظيمة كبيرة جدًّا مع أنها مختصرة، ورُويت من قبل الصحابة على أوجه.

المقدم: مثل حديث ابن عباس: «احفظ الله يحفظك».

المقصود كل الأحاديث حتى الأربعين كله من جوامع الكلم، كلها من جوامع الكلم، وإذا نظرت إليها في مصادرها وجدت الاختلاف، لو ترى مثلًا حديث النعمان "الحلال بين" مشبهات، مشتبهات ومتشابهات وكلها في الصحيح، وهى من الجوامع، فهذا الشرط من قبل السيوطي فيه ما فيه، إذا تقرر هذا فينبغي لمن روى حديثًا بالمعنى أن يتبعه بأن يقول: أو كما قال؛ ليبرأ من العهدة أو نحو هذا، وما أشبه ذلك من الألفاظ، روى ذلك من الصحابة ابن مسعود وأبو الدرداء وأنس -رضي الله عنهم-، فهل ينبغي هذا على سبيل الوجوب؟ لا؛ لأن الكثرة الكاثرة ما قالوا كما قال إنما روي عن هؤلاء، وهو أحوط، قال الخطيب: والصحابة أرباب اللسان وأعلم الخلق بمعاني الكلام، ولم يكونوا يقولون ذلك إلا تخوفًا من الزلل؛ لمعرفتهم بما في الرواية على المعنى من الخطر، الاحتياط مطلوب، تجد التساهل الكبير حتى من أهل العلم وكثير من طلبة العلم، وما سبب ذلك إلا الغفلة عن الحفظ، الغفلة عن الحفظ تجده يعرف الحكم، ويعرف أن له دليلًا، لكن لم يحفظ هذا الدليل فيعبر عنه، لكن مثل هذا لا يجدي.

المقدم: بعضهم يا شيخ -أحسن الله إليك- وهؤلاء خرج بعضهم إن شاء الله نحسبهم من أهل الخير، ويرجون الخير عندما يتحدثون في المساجد يقوم الواحد منهم بعد صلاة أو في محاضرة، ثم يسوق الحديث عن "البخاري" حدثنا فلان عن فلان عن فلان دون خطأ، حتى إذا جاء للحديث لخبط ألفاظه لخبطة، وأورد ليته بالمعنى حتى أردأ من المعنى أحيانًا، إذا نوقش استدل بمسألة الرواية بالمعنى، فإذا قيل له: بدل ما تحفظ هذا السند احفظ الحديث الأصلي هذا الأولى.

هو لا شك أن الأسانيد وسائل، والغايات هي المتون، والاعتناء بالمتون هو الأصل، وحفظ الأسانيد والعناية بالأسانيد لا شك أنه ميزة، ومن خصائص هذه الأمة، ومما يميز أهل الحديث عنايتهم بالأسانيد التي بها يتوصل إلى الإثبات أو عدم الإثبات فحفظ الأسانيد مهم، لكن الأهم منه حفظ الغايات التي هي المتون.

المسألة الثانية التي قد يدل الحديث على منعها اللحن في الحديث يعني لو قال القائل: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: «إنما الأعمال بالنيات» وقال له قائل: كذبت، لم يقل النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا، بل قلت عليه ما لم يقل، يعني أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: «إنما الأعمال بالنيات»، وأحيانًا اللحن يغير المعنى، وأحيانًا لا يحيل المعنى، وأحيانًا يكون تغيير الإعراب في حدود الجائز من الأوجه اللغوية، هذا أمر سهل، لكن إذا غيَّر المعنى..

المقدم: مثل فحج آدمُ موسى؟ فحج آدمَ موسى.

يتغير.

المقدم: تغير تغيُرًا كبيرًا.

لكن قد يتغير تغيرًا يترتب عليه تغير في الحكم "ذكاة الجنين ذكاة أمه" هذا الرواية المعروفة وعليها يعول الجمهور في أن الجنين لا يحتاج إلى تذكية، تكفي عنه تذكية أمه، لكن يروي الحديث بعضهم "ذكاة الجنين ذكاة أمه"، يتغير المعنى، ويكون ذكاة الثانية منصوبة على نزع الخافض، زكاة الجنين كزكاة أمه، يعني أنه يُذكى مثل ما تذكى أمه، فيختلف المعنى، ويختلف الحكم، فالعناية بالعربية أمر لا بد منه، ولا مفر عنه، وقد نسمع من الكبار ممن يتقن العربية نظريًّا، وهو يلحن في كلامه هذا؛ لأنه لم يتعود، لم يعود لسانه النطق بالعربية، لكن استفاد من العربية تصحيح المعنى؛ لأنه وإن نطق به ملحونًا إلا أن المعنى جلي عنده؛ لأنه يعرف الإعراب، وأما الذي لا يعرف العربية فهو يخطأ في اللفظ وفي المعنى على ما تقدم التمثيل له.

يقول ابن الصلاح: ينبغي للمحدث ألا يروي حديثه بقراءة لحان أو مصحف، اللحان هذا الذي يغير الإعراب، قد يظن بعضهم أن المراد هنا اللحان الذي يلحن في صوته، ويجمل في صوته، لكنه ليس بالمراد هذا، قد يفهم بعض الناس، وبعض الناس يستدرك على من يقرأ الحديث بترتيل، لكنه يختلف عن قوانين التجويد، لا يقرأه على طريقة قراءة القرآن، لكن يقرأه بقراءة مرتلة تؤثر في السامع هذه لا بأس بها، وأدركنا المشايخ كلهم عليها، ينبغي للمحدث ألا يروي حديثه بقراءة لحان أو مُصحِّف، روينا عن النضر بن شميل أنه قال، (وروينالأن ابن الصلاح اختار هذا الكلام، وهذا من كلامه وإلا لا فرق بين أن نقول: رُوينا أو رَوينا والواسطة لا بد منها على الأمرين، عن النضر بن شميل قال: "جاءت الأحاديث عن الأصل معربة"، ونقل ابن الصلاح بسنده عن الأصمعي قوله: إن أخوف ما أخاف على طالب العلم إذا لم يعرف النحو أن يدخل في جملة قوله- صلى الله عليه وسلم-: «من كذب علي فليتبوأ مقعده من النار» يعني هذا كذب، ما قال إنما الأعمال «من كذب علي فليتبوأ مقعده من النار» لأنه -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يلحن، فمهما رويت عنه ولحنت فيه كذبت عليه.

 قال ابن الصلاح: فحق على طالب الحديث، يلزم على هذا أن الذي لا يعرف العربية لا يقرأ إلا كتابًا مشكولًا وإلا يقع في مثل هذا، قال ابن الصلاح: فحق على طالب الحديث أن يتعلم من النحو واللغة ما يتخلص به من شين اللحن والتحريف ومعرتهما، رُوينا عن شعبة قال: من طلب الحديث ولم يبصر العربية فمثله مثل رجل عليه برنس ليس له رأس أو كما قال، لا شك أن العربية والعناية بها في غاية الأهمية لمن أراد أن يتعامل مع النصوص، وأراد أن يفهم ما جاء عن الله وعن الرسول-عليه الصلاة والسلام-؛ لأنها بلسان العرب، فكيف يفهم هذا الكلام وهو لا يعرف لغة العرب؟ و كثير من طلاب العلم لا يولي هذا الجانب ولا يعريه شأنًا، لكن هذا تقصير، كثير من العلوم مبنية على العربية، والصحابة حين نزل عليهم القرآن وحدثهم النبي -عليه الصلاة والسلام- ليس عندهم من العلوم إلا العربية، وفهموا عن الله وعن رسوله مراده، فعلى طالب العلم أن يعنى بالعربية بجميع فروعها.

كيف يتذوق القرآن وحلاوة القرآن وإعجاز القرآن وهو لا يعرف علوم العربية؟ كيف يفسر القرآن ومعرفة العربية شرط عند أهل العلم لمن أراد أن يفسر القرآن ويتصدى لتفسيره؟ قال الحافظ ابن كثير في اختصار علوم الحديث: "هذه نكتة" قد حُكي عن بعض المتكلمين إنكار وقوع الوضع بالكلية، إنكار الكذب على الرسول- عليه الصلاة والسلام- يقول: ما فيه كذب أبدًا، قد حكي عن بعض المتكلمين إنكار وقوع الوضع بالكلية كأنه ذهب إلى أن الحديث وحي {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}[النجم: 4،3]، والوحي محفوظ؛ إذ السنة محفوظة، يقول: حكي عن بعض المتكلمين إنكار وقوع الوضع بالكلية، وهذا القائل إما أنه لا وجود له أصلًا، يعني المسألة مختلقة، يعني ما يتصور مع كثرة الأحاديث الموضوعة أن ينكر هذا، أما أنه لا وجود له أصلًا، أو أنه في غاية البعد عن ممارسة العلوم الشرعية، هذا صحيح يمكن أن يوجد من لا يمارس العلوم الشرعية.

 وقد حاول أحدهم الرد عليه بأن ورد في الحديث أنه -عليه السلام- قال «سيكذب علي» ، كيف يرد عليه هذا الحديث، إن كان صحيح فلا بد من وقوع الكذب -عليه الصلاة والسلام- وإن كان موضوع الحديث فهو رد عملي،

المقدم: وقع الكذب.

فإن كان هذا الخبر صحيحًا فسيقع الكذب عليه لا محالة، وإن كان هذا كذبًا فقد حصل المقصود، فأجيب على الأول بأن لا يلزم وقوعه إلى الآن «سيكذب علي» يعني إلى قيام الساعة، لكن عندما قاله هذا المتكلم ما بعد وقع، فأجيب عن الأول بأنه لا يلزم وقوعه إلى الآن إذ بقي إلى يوم القيامة أزمان يمكن أن يقع فيها ما ذكر، وهذا القول والاستدلال عليه والجواب عنه هذا كلام ابن كثير، وهذا القول والاستدلال عليه والجواب عنه من أضعف الأشياء عند أئمة الأحاديث وحفاظهم الذين كانوا يتضلعون من حفظ الصحاح، ويحفظون أمثالها وأضعافها مثل المكذوبات؛ حشية أن تروج عليهم أو على أحد من الناس - رحمهم الله ورضي عنهم-، يعني الإمام "البخاري" يحفظ مائة ألف حديث صحيح ومائتي ألف حديث غير صحيح، وفي شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع في أصول الفقه للسبكي مع حاشية البناني يقول: وفى بعض المنسوب للرسول -صلى الله عليه وسلم- من المقطوع بكذبه؛ لأنه روي عنه أنه قال: «سيكذب علي»، فإن قال ذلك فلا بد من وقوعه وإلا فقد كذب عليه والحديث كما قال المصنف لا يعرف، الحديث لا يعرف فهو رد عملي على من أنكر الوضع.

المقدم: أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ، ونفع بعلمكم.

 أيها الإخوة والأخوات، نصل بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة من كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح المشهور بمختصر صحيح البخاري، نستكمل بإذن الله تعالى وأنتم على خير في حلقة قادمة مع فضيلة الشيخ الدكتور: عبد الكريم بن عبد الله الخضير، شكرًا لطيب المتابعة، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.