التعليق على تفسير القرطبي - سورة الحجرات (04)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته                    

{ولا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا}.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

قال الإمام القرطبي- رحمه الله تعالى-:

"الخامسة: قوله تعالى: {ولا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا} [سورة الحجرات: 12] نهى -عز وجل- عن الغيبة، وهي أن تذكر الرجل بما فيه، فإن ذكرته بما ليس فيه فهو البهتان.

ثبت معناه في صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «أتدرون ما الغيبة»؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «ذكرك أخاك بما يكره» قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: «إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته». يقال: اغتابه اغتيابًا إذا وقع فيه، والاسم الغيبة، وهي ذكر العيب بظهر الغيب.

قال الحسن: الغيبة ثلاثة أوجه كلها في كتاب الله تعالى".

ذكر العيب بظهر الغيب، يلتحق به وإن كان حاضرًا من لا يفهم ما يقال، الذي لا يفهم ما يقال فوجوده وحضوره مثل غيبته، كالذي لا يفهم اللغة التي يتخاطبون بها هذه غيبة، ليس العبرة بجسده، العبرة أنه لا يوجد فيدافع عن نفسه، أو يوجد فيهاب فلا يتكلم في عرضه أثناء وجوده، لكن إذا كان لا يفهم إما لاختلاف اللغة مثلًا، أو لبطء في فهمه، أو لسوء في فهمه، بعض الناس يسمع الذم ويظنه مدحًا، أو لسلامة زائدة وغفلة فيه، بعض الناس يأخذون الناس راحتهم وهو حاضر، مثل هذا يأثم المتكلم فيه وإن كان حاضرًا، مع أنه يأثم من يتكلم في المسلم في حال حضوره وإن لم يكن غيبة، وإن لم يكن غيبة، لكن الغيبة أمرها أشد؛ لأنه لا يُهاب مدام غائبًا، ولا يستطيع أن يدافع عن نفسه، كذلك الحاضر لا يجوز أن يذم ويسب بما ليس فيه، أو بما فيه وهو لا يرضى.

لذلك تقدم الكلام في الألقاب، يلقب وهو حاضر لا يجوز أن يلقب ولا يرضى بما يعيبه ويشينه، فكيف إذا ذُم في غيبته، أو لُبّس عليه بالكلام في الذم بما يشبه المدح؟ لأن من أسلوب العرب المدح بما يشبه الذم، والذم بما يشبه المدح، الذم بما يشبه المدح، والمدح بما يشبه الذم هذا موجود في أسلوب العرب، بعض الناس يمشيه على أنه مدح، وهو في الحقيقة ذم، والعكس، فمثل هذا الذي لا يستطيع أن يفهم كل ما يقال حكمه حكم الغائب.

طالب: المجهول.

المجهول إن كان لا يؤول إلى العلم بحال فلا غيبة له، شخص مجهول لا يمكن أن يُتوصل إليه من خلال الكلام، ومن خلال القرائن، هذا لا غيبة له، ليس بعرض بيّن وعيّن، لكن أحيانًا يكون الشخص مجهولًا في بداية الكلام، ثم ينجر الكلام إلى أمور لا يُعرف إلا بها، أو لا تٌعرف إلا به.

 يعني واحد من المشائخ شذ في مسألة، في مسألة علمية، وأفتى بها، وعرف بها بين الناس، واشتهر أمره بين الناس، وصار واحد يتكلم فيه، ثم في النهاية قال: هذه المسألة التي شذ بها خلاص انتهى عُرف، كأنك سميته، فإن كان لا يؤول إلى العلم، ولا يعرف بقرينة حال، ولا بتصرف عرف به، فهذا لا مانع من الكلام فيه، مع أن أهل العلم في الكلام على الرواة ذكروا أشياء يُباح فيها الكلام في الناس، منها: إذا كان ممن يتساهل بالفتوى، بقدر الحاجة بحيث لا يغتر الناس بفتاواه، ذكروا هذا في كتب المصطلح، إذا كان ممن يتساهلون في الفتوى، هذا مثال. يقولون: هذا إذا كان القصد منه التحذير من هذا التساهل الذي يرتكبه فلا مانع من تسميته؛ لأن بعض الناس لا يفهم إذا قلت: إن الناس يتساهلون، ومن الناس من يتساهل أو يفتي بكذا، ما يفهم كثير من الناس، حتى يُسمَّى الشخص، فإذا اقتضى الأمر تسميته من أجل التحذير من تساهله الذي يؤدي بالناس إلى الانسلاخ من الدين وهم لا يشعرون، بعض الناس لاسيما في الأيام الأخيرة أخذوا مسألة التيسير والتيسير والتشديد والتعسير، وأخذوا يكررون ما جاء في ذلك من نصوص حتى فُهم أن الدين بدون تكاليف، أن الدين بدون تكاليف ألبتة، أي شيء يكلف الناس يقال: شديد هذا، والله المستعان.

طالب:...

المشهور ما له غيبة، هذا حكم، هذا معروف، لكن ليس بمرفوع،

طالب:...

مثل ما قلنا الآن إذا كان لا يؤول إلى العلم ألبتة يقوم الحاضرون ما يدرون من هو فما فيه إشكال، لكن إذا كان يؤول إلى العلم، فهمه بعضهم، أو هناك قرينة تدل عليه، أو تصرف عُرف به فهذا لا يجوز، صار معلومًا.

طالب: ...

هو صعب، لكن الجنة حفت بالمكاره، والنار حفت بالشهوات، الذي يصبر على النار يفعل الذي يريده، صحيح من يطيق. ونقول هذا الكلام والله يعفو، متصورين خطورة الأمر، ومع ذلك عوام الناس الذين ما يدرون عن حقائق الأمور قد يكون لهم عذر، وقد يكون الباعث لهم غيرة على الدين وما أشبه ذلك، ثم بعد ذلك الإنسان قد يكون الباعث في هذا الأمر غيرة، وقد يلبس على الناس، وهذا يحصل في مجالس كثيرة، يلبس على الناس، ويظهر لهم في الباعث له الحرقة والغيرة على الدين، وهو يريد أن يتشفى، هذا موجود.

طالب:...

هذا مثل جمع الطرق الذي لتعيين المبهم، خلاص إذا جُمعت الطرق عُرف.

طالب:...

هذا في مجلس آخر؛ لأنه آل إلى العلم.

"قال الحسن: الغيبة ثلاثة أوجه كلها في كتاب الله تعالى:

الغيبة، والإفك، والبهتان.

فأما الغيبة فهو أن تقول في أخيك ما هو فيه، وأما الإفك فأن تقول فيه ما بلغك عنه".

إما أن تحدث عنه بكل ما بلغك عنه من صدق وكذب، وحينئذ تدخل في: «كفى بالمرء كذبًا يحدث بكل ما سمع»، وإما أن تتحدث فيه بما بلغك عنه من كذب وأنت تعرف أنه كذب فهذا إفك.

"وأما البهتان فأن تقول فيه ما ليس فيه.

وعن شعبة قال: قال لي معاوية - يعني ابن قرة -: لو مر بك رجل أقطع، فقلت هذا أقطع كان غيبة، قال شعبة: فذكرته لأبي إسحاق فقال: صدق.

وروى أبو هريرة أن الأسلمي ماعزًا جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فشهد على نفسه بالزنى، فرجمه رسول الله- صلى الله عليه وسلم-.

فسمع نبي الله -صلى الله عليه وسلم- رجلين من أصحابه يقول أحدهما للآخر: انظر إلى هذا الذي ستر الله عليه فلم تدعه نفسه حتى رُجِم رجم الكلب، فسكت عنهما. ثم سار ساعة حتى مر بجيفة حمار شائل برجله فقال: «أين فلان وفلان»؟ فقالا: نحن ذا يا رسول الله، قال: «انزلا فكلا من جيفة هذا الحمار»، فقالا: يا نبي الله ومن يأكل من هذا! قال: «فما نلتما من عرض أخيكما أشد من الأكل منه، والذي نفسي بيده إنه الآن لفي أنهار الجنة، ينغمس فيها»".

طالب:...

بعد الموت نعم، عرض المسلم بعد وفاته مثل عرضه في حياته، ولذا جاء الحديث: «اذكروا محاسن موتاكم، وكفوا عن مساويهم».

طالب:...

هذا وقت تشريع، وبحضرته -عليه الصلاة والسلام-.

طالب:...

لا، إن كان للتحذير من الفعل، إن كان من أجل التحذير من الفعل فهذا معروف عندهم، لكن قوله -عليه الصلاة والسلام-: «انزلا فكلا»، يعني دلالة الحديث الأصلية سيق الحديث من أجل بيان شناعة الغيبة، وتحريم الغيبة، هل يمكن أن يأتي من يستدل بجواز الأكل من قوله: «انزلا فكلا»؟ الحديث ما سيق لهذا، وهذا يؤيد قول من يقول: إن الدلالة الفرعية غير الدلالة الأصلية التي من أجلها سيق الخبر، لا يُستدل به.

طالب:....

مخرج؟

طالب:...

على كل حال في مثل هذا الباب يصلح.

"السادسة: قوله تعالى: {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا} [سورة الحجرات: 12] مثّل الله الغيبة بأكل الميتة؛ لأن الميت لا يعلم بأكل لحمه كما أن الحي لا يعلم بغيبة من اغتابه.
وقال ابن عباس: إنما ضرب الله هذا المثل للغيبة؛ لأن أكل لحم الميت حرام مستقذر، وكذا الغيبة حرام في الدين وقبيح في النفوس.

وقال قتادة: كما يمتنع أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتًا، كذلك يجب أن يمتنع من غيبته حيًّا.
واستعمل أكل اللحم مكان الغيبة؛ لأن عادة العرب بذلك جارية.

قال الشاعر:

فإن أكلوا لحمي وفرت لحومهم
 

 

وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا"
 

 كما يمثل القتل بشرب الدم، يمثل القتل بشرب الدم، كذلك تمثل الغيبة بأكل اللحم.

"وقال -صلى الله عليه وسلم-: «ما صام من ظل يأكل لحوم الناس»، فشبه الوقيعة في الناس بأكل لحومهم، فمن تنقَّص مسلمًا أو ثلم عرضه فهو كالآكل لحمه حيًّا، ومن اغتابه فهو كالآكل لحمه ميتًا.

وفي كتاب أبي داود عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم».

وعن المستورد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «من أكل برجل مسلم أكلة فإن الله يطعمه مثلها من جهنم".

 يعني يقع في عرضه من أجل أن يتسع له المجلس، بعض الناس مهنته الكلام، والناس يتزاحمون عليه من أجل هذه المهنة، همه الكلام، ويأكل بلسانه، وفي أعراض الناس، وبسببها يُقرَّب فيأكل بعرض أخيه – نسأل الله العافية-.

"ومن كسي ثوبًا برجل مسلم، فإن الله يكسوه مثله من جهنم، ومن أقام برجل مقام سمعة ورياءً، فإن الله يقوم به مقام سمعة ورياء يوم القيامة». وقد تقدم قوله -صلى الله عليه وسلم-".

الإشكال أن بعض الناس يرى أنه لا يرتفع إلا إذا أسقط غيره، هذه عقدة عند كثير من الناس، يرى أنه  لا يرتفع إلا إذا تكلم في أقرانه، وكل من يُمدَح عنده يذمه؛ لأنه يظن أنه إذا مُدح ارتفع، هو "الممدوح"، ونزل هو، المسألة ليست كفة ميزان تصاحبك، إما أن يرتفع وإما أن تنخفض، لا. المدح يتسع لكل من يستحق المدح، والذم يسع كل من يستحق الذم. 

"وقد تقدم قوله -صلى الله عليه وسلم-: «يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين».

وقوله للرجلين: «مالي أرى خضرة اللحم في أفواهكما».

وقال أبو قلابة الرقاشي: سمعت أبا عاصم يقول: ما اغتبت أحدًا مذ عرفت ما في الغيبة.

وكان ميمون بن سياه لا يغتاب أحدًا، ولا يدع أحدًا يغتاب أحدًا عنده، ينهاه فإن انتهى وإلا قام".

ما أدري ما التنصيص على ميمون بن سياه هذه حال السلف قاطبة، حال خيار الأمة هذه حالهم، لكن قد يكون عُرف بهذا الأمر؛ لشدته فيه، يعني ما يساوم على قليل ولا كثير، ميمون بن سياه، وسياه اسم أعجمي، وهو مصروف، لماذا؟

طالب: للعجمة و؟

مصروف نعم، وهو أعجمي.

طالب: ...

 ماذا؟

طالب:...

ليس بوزن، هو أعجمي.

طالب:...

منون ومصروف، مصروف، منصوص على أنه مصروف، وهو أعجمي؛ لأن استعماله في الأعجمية غير علم، وصف، يعني استخدامه بالأعجمية للوصف، والمانع العالمية والعجمة.

طالب:...

نصوا عليه، هو نفسه نعم.

طالب:...

ما يكره، إذا كان يكره.

طالب: لو نفاضل بين اثنين، فنقول: هذا أعلم من هذا...

إذا كانت الحاجة داعية لذلك فلا مانع؛ لأن الغيبة تباح في مواطن بقدر الحاجة. 
"وذكر الثعلبي من حديث أبي هريرة قال: قام رجل من عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فرأوا في قيامه عجزًا، فقالوا: يا رسول الله ما أعجز فلانًا ! فقال: «أكلتم لحم أخيكم واغتبتموه».
وعن سفيان الثوري قال: أدنى الغيبة أن تقول: إن فلانًا جعد قطط، إلا أنه يكره ذلك".

 يعني أنت تحدثت في شعره مثلًا، أنه إما طويل، وإما قصير، وإما كذا إذا كان يكره ذلك، هذه غيبة، وإن كانت يسيرة عند الناس، يسيرة جدًّا، يمكن كثير من الناس لا يلقي لها بالًا، والله المستعان.

طالب:

نعم. أين؟ كيف؟

طالب:

موجودة.

طالب:

إذا كان يسخر من هذه الشعيرة فخطر هذا، إذا كانت السخرية من السنة فهذا خطر نسأل الله العافية، وإذا كان مجرد أنه تحدّث في غيبته، وأنه كان يسوءه الكلام، فهذا غيبة.

"وقال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: إياكم وذكر الناس فإنه داء، وعليكم بذكر الله فإنه شفاء.
وسمع علي بن الحسين -رضي الله عنهما- رجلاً يغتاب آخر، فقال: إياك والغيبة، فإنها إدام كلاب الناس.

وقيل لعمرو بن عبيد: لقد وقع فيك فلان حتى رحمناك، قال: إياه فارحموا.

وقال رجل للحسن: بلغني أنك تغتابني! فقال: لم يبلغ قدرك عندي أن أحكِّمك في حسناتي".

عرفوا أقدارهم، وقدر الدنيا، وعرفوا كيف يحافظون على أعمالهم.

"السابعة: ذهب قوم إلى أن الغيبة لا تكون إلا في الدين، ولا تكون في الخلقة والحسب. وقالوا: ذلك فعل الله به.

وذهب آخرون إلى عكس هذا فقالوا: لا تكون الغيبة إلا في الخلق والخلق والحسب. والغيبة في الخلق أشد؛ لأن من عيَّب صنعة فإنما عيَّب صانعها. وهذا كله مردود.

أما الأول فيرده حديث عائشة حين قالت في صفية: إنها امرأة قصيرة، فقال لها النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لقد قلت كلمة لو مُزج بها البحر لمزجته»، خرجه أبو داود. وقال فيه الترمذي: حديث حسن صحيح، وما كان في معناه حسب ما تقدم".

 يعني الغيبة تصدر من شخص أول مرة، ثم يتفرَّغ أهل المجلس ويتحدثون في هذا الشخص بنقل كلام الأول، وهو يكره، إذا نُقِلت الغيبة بالكلام المكروه الذي يوقع في عرضه صارت غيبة، وماذا عن نقل أو توارد الأمة على نقل ما قيل في صفية إلى يومنا هذا وإلى قيام الساعة؟ فهذا لبيان الحكم الشرعي، نقل لبيان الحكم الشرعي، لا يقصد منه ذم صفية، ولا عيب صفية، ولا كلام خلقها، إنما نقل على أنه شرع يتداوله الناس للعمل به.

طالب:... وجه فلان ... ويعيبه..

خلقته لا تُعيَّب، لا تعيب، وإن كان يُتشفى به باعتبار أنه آذى المسلمين، شخص آذى المسلمين وفي خلقته دمامة وشيء من هذا يتشفى منه بها، يرجع، سهل إن شاء الله.

طالب:...

بعضهم أجناس طرأت على مجتمعات المسلمين وافدة من غيرهم مع تشويه وتغيير لخلق الله، يبقى أن المسألة هنا يعني الواجب النصيحة. 

"وإجماع العلماء قديمًا على أن ذلك غيبة إذا أريد به العيب.

وأما الثاني فمردود أيضًا عند جميع العلماء؛ لأن العلماء من أول الدهر من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- والتابعين بعدهم لم تكن الغيبة عندهم في شيء أعظم من الغيبة في الدين؛ لأن عيب الدين أعظم العيب، فكل مؤمن يكره أن يذكر في دينه أشد مما يكره في بدنه".

 نعم؛ لأن كل كسرٍ فإن الدين يجبره، وما لكسر قناة الدين جبران، يعني إذا كان العيب في الخلق، في الرزق، في التصرفات فهذا سهل، لكن الإشكال إذا كان العيب والخلل في الدين، فيكون الأمر فيه أشد.

طالب: إذا كان دينه ضعيفًا....

هذا إذا اقتضت الحاجة إلى ذلك، يعني سُئلت عنه، استُشِرت في أمره، لكن هذا في غيبته لا يجوز إلا لمصلحة راجحة.  

"وكفى ردًّا لمن قال هذا القول قوله عليه السلام: «إذا قلت في أخيك ما يكره فقد اغتبته...» الحديث.
فمن زعم أن ذلك ليس بغيبة فقد ردَّ ما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- نصَّا. وكفى بعموم قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «دماؤكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام»، وذلك عام للدين والدنيا".

لأن العرض أعم، العرض هو مناط الذم والمدح، وكل ما يحتمله هذا العرض الذي هو مناط الذم والمدح، من مدح أو قدح يدخل في الغيبة، المدح أمر ثانٍ، لكن الكلام في القدح؛ لأنه يكرهه، لكن إذا كان الإنسان يكره المدح، فهل يدخل في حد الغيبة: ذكرك أخاك بما يكره، هو يكره المدح؟

طالب:...

نعم، ما يدخل؟

طالب: ما فيه..

لا فيه.

طالب: ...

 

طيب. إذا كان يكره المدح قلنا: غيبة «ذكرك أخاك بما يكره».

طالب:...

لكن إذا كان يكره ذكر الكلام المباح فيه، يكره ذكر بعض التصرُّفات التي يتصرفها مثل تصرفات الناس، بعض الناس يخفي كثيرًا من تصرفاته، لو ذهب ليشتري خبزًا، ثم قيل: والله رأينا فلانًا راح يشتري خبزًا، هو يكره أن يشاع عنه مثل هذه الأمور، هل نقول: إن هذه غيبة لأنه يكره هذا؟ ولنفترض أن هذا الشخص يكره مثل هذا الأمر؛ لأن فيه ابتذالًا، المفترض أنه ما يتداول مثل هذه الأمور بنفسه.

 على كل حال من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه.

طالب:...

أحيانًا.

طالب: ...

ذكر الله، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم.

طالب:...

لا تذكر ما يكرهه الناس خلاص تنتهي.

طالب: نعم؟

لا تذكر ما يكره الناس.

طالب:...

يزيدون بعد، نعم.

طالب: إذا كان لا يكره الذم؟

نعم، إذا كان لا يكره الذم، يعني في مقابل من يكره المدح شخص لا يكره الذم، أو في نفسه، يكره المدح باعتبار أنه يضره، ولا يكره الذم باعتبار أنه يعرِّفه بعيوبه، يبقى أنه غيبة، وأنه محرم، نعم.

طالب:... من لا يستحي...

يعني معروف سواء تكلموا أو لم يتكلموا.

طالب:... يعني مثل بعض ....

هذا إذا كان الهدف من ذلك التحذير من عمله؛ لئلا يغتر به، فلا مانع على أن يكون بقدر الحاجة، يعني الشواذ من أهل العلم نُقلت عنهم، نُقل عنهم بعض الأمور الشاذة التي هي قدح فيهم.

 على كل حال إذا كان من باب التحذير من هذا العمل، وبقدر الحاجة.

طالب:...

لا غيبة لفاسق أي المعلن، وسيأتي إن شاء الله.  

"وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «من كانت عنده لأخيه مظلمة في عرضه أو ماله فليتحلله منه».

فعم كل عرض، فمن خص من ذلك شيئًا دون شيء فقد عارض ما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-.
الثامنة: لا خلاف أن الغيبة من الكبائر، وأن من اغتاب أحدًا عليه أن يتوب إلى الله -عز وجل-.
وهل يستحل المغتاب؟ اختلف فيه، فقالت فرقة: ليس عليه استحلاله، وإنما هي خطيئة بينه وبين ربه.

واحتجت بأنه لم يأخذ من ماله ولا أصاب من بدنه ما ينقصه، فليس ذلك بمظلمة يستحلها منه، وإنما المظلمة ما يكون منه البدل والعوض في المال والبدن".

 يقولون: إنه لا يتضرر بالكلام، لا يتضرر بالكلام، خذ من ماله ولا أصبت بدنه، لكن إذا كان يحكم في حسناتك، ألا يكون له حق عليك، ينبغي أن تستحله منه؟ لكن بالمقابل من أهل العلم من يقول: إنه لا يملك الحل؛ لأن هذا حكم شرعي محرم، لا يملك، الله -جل وعلا- حرم الغيبة، قال هذا الكلام من طلب منه الحل، قال: لا أحل ما حرَّم الله، الغيبة حرام، ولا أحلل الحرام، مع أن طالب الحل إنما يطلب العفو والمسامحة ممن وقع في عرضه، لا يطلب منه تحليل حرام، وسيأتي الإشارة.

"وإنما المظلمة ما يكون منه البدل والعوض في المال والبدن. وقالت فرقة: هي مظلمة، وكفارتها الاستغفار لصاحبها الذي اغتابه".

 يعين بقدر هذه الغيبة تستغفر له وتدعو له، وعلى كل حال إذا كان لا يتأثر إذا ذكرت له هذه الغيبة، ويغلب على الظن أنه يبيح من وقع في عرضه فهذا هو المتعين؛ لأنه حق من حقوقه، أما إذا كان يتأثر ويزداد غضبه وقد يسيء إليه أو يسيء إلى نفسه فمثل هذا يدعى له بقدر هذه المظلمة.

طالب: ..... يقول: اللهم إني أسامح الناس في عرضي..

جزاه الله خيرًا، طيب. هذا دليل على سلامة صدره،

طالب:...

على كل حال الله -جل وعلا- يعامل مثل هذا بجزاء المثل، كان رجل يداين الناس ويسامحهم سامحه الله، مادام هذا يسامح الناس فلعل الله أن يسامحه.

"واحتجت بحديث يروى عن الحسن قال: كفارة الغيبة أن تستغفر لمن اغتبته.

وقالت فرقة: هي مظلمة وعليه الاستحلال منها.

واحتجت بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «من كانت لأخيه عنده مظلمة من عرض أو مال فليتحلله منه من قبل أن يأتي يوم ليس هناك دينار ولا درهم، يؤخذ من حسناته فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فزيد على سيئاته». خرجه البخاري من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال وسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل ألا يكون له دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه».

وقد تقدم هذا المعنى في سورة "آل عمران" عند قوله تعالى: {ولا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ} [سورة آل عمران: 169].

وقد روي من حديث عائشة أن امرأة دخلت عليها فلما قامت قالت امرأة: ما أطول ذيلها!".

يعني القدر الزائد من الثوب الذي يخط في الأرض، هذا يسمونه الذيل.

"فقالت لها عائشة: لقد اغتبتيها فاستحليها.

فدلت الآثار عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها مظلمة يجب على المغتاب استحلالها".

في الاستحلال تحصل المجاملة كثيرًا، يعني يأتي يستحله فيحلله بلسانه، ويبقى في قلبه عليه ما يؤثِّر في التعامل معه؛ لأن الناس القلوب ما فيه شك أنها تغيرت، فتجده يستحل بلسانه والقلب فيه ما تأثر القلب، هذا من جهة. ومن جهة أيضًا قد يأتي المعتدي على عرضه هذا بشخص يهابه هذا الرجل الذي وقع في عرضه، فمن أجله فيبقى أنه ما حلله في الباطن، وإنما حلله في الظاهر، الناس ليس لهم إلا الظاهر، لكن يبقى أن يسعى في الأمر بجد، وأن تؤخذ الموافقة الظاهرة والباطنة.

 وأيضًا ينبغي أن يكشف قدر هذه الغيبة، لاسيما إذا كان أمرها كبيرًا، مثل من كان له مال عند شخص فجاء المدين ليستحله، والدائن لا يعرف قدر المال، فيظنه شيئًا يسيرًا، فيحلله ويبيحه على هذا الأساس أنه مبلغ يسير، وهو في الحقيقة كبير، بينهم حسابات، فالدائن يظن أن المبلغ مئات ثم، والمدين عنده الكشوف، وعنده كذا، لما حسب حساباته وجد عشرات الألوف، ثم يأتي ويقول بيني وبينك هذا الحساب الذي ما أدري ما نهايته تحللنا ونحللك، هذا ما يكفي، لا بد أن يوقف على الحقيقة.

طالب:...

مفسدة، مفسدة، يكتفى بالدعاء له، ولعل الله -جل وعلا- يسامحه.

طالب:...

هو أخشى أنه يحلله على حسب ما تصور، أنه تصور في أمر سهل.

"وأما قول من قال: إنما الغيبة في المال والبدن، فقد أجمعت العلماء على أن على القاذف للمقذوف مظلمة يأخذه بالحد حتى يقيمه عليه، وليس ذلك في البدن ولا في المال، ففي ذلك دليل على أن الظلم في العرض والبدن والمال، وقد قال الله تعالى في القاذف: {فَإذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الكَاذِبُونَ} [سورة النور: 13].

وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من بهت مؤمنًا بما ليس فيه حبسه الله في طينة الخبال».

وذلك كله في غير المال والبدن.

وأما من قال: إنها مظلمة، وكفارة المظلمة أن يستغفر لصاحبها، فقد ناقض إذ سماها مظلمة، ثم قال: كفارتها أن يستغفر لصاحبها؛ لأن قوله مظلمة تثبت ظلامة المظلوم، فإذا ثبتت الظلامة لم يزلها عن الظالم إلا إحلال المظلوم له.

وأما قول الحسن فليس بحجة، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «من كانت له عند أخيه مظلمة في عرض أو مال فليتحللها منه».

وقد ذهب بعضهم إلى ترك التحليل لمن سأله، ورأى أنه لا يحل له ما حرم الله عليه، منهم سعيد بن المسيب قال: لا أحلل من ظلمني.

وقيل لابن سيرين: يا أبا بكر، هذا رجل سألك أن تحلله من مظلمة هي لك عنده، فقال: إني لم أحرمها عليه فأحلها، إن الله حرم الغيبة عليه، وما كنت لأحل ما حرم الله عليه أبدًا".

 الذي جاء يطلب الحل إنما يطلب حقه، يطلب حقه، حق المخلوق، وأما حق الخالق فالتوبة والاستغفار تكفي، أما أن يطلب من المخلوق التنازل عن حقه، لا يطلب منه التنازل عن حق الله- جل وعلا- ليقول أنا ما أحل ما حرم الله، ولعل مراد سعيد وابن سيرين وغيرهما التشديد في حق الغيبة؛ لأن بعض الناس إذا سمح له، وحلل من أول وهلة، ثم راح إلى آخر مثل هذا، فمتى يرتدع مثل هذا؟ إنما يريدون أن يشدون عليه، وإذا رجع حللوه، وهذا المظنون بهما.

طالب:...

نعم، هذا المغتاب ذهب إلى من اغتابه وقال: أنا اغتبتك، فأرجو السموحة والإباحة، قال له: لا، قال: لا بد أن تأخذ، أنا ما عندي استعداد أن تأخذ من حسناتي يوم القيامة، تريد مالًا خذ، تريد بدني اجلد، ما عندي استعداد أن تأخذ من حسناتي، فرفض، فيكون هذا أدى ما عليه، أدى ما عليه، هذا الذي يستطيعه.

طالب:...

على كل حال الحق حق الرب -جل وعلا- التوبة والاستغفار تحله، حق المخلوق يملك ويتنازل عنه، يملك التنازل عنه.

طالب: الحق العام..

الحق العام إذا كان له أثر يتعدى إلى الآخرين، إذا كان له أثر يتعدى إلى الآخرين، هذا لا بد من الحق العام، وهذا للسلطان.

طالب:...

نعم، اغتابه في مجلس فقال: أعطني ألفًا وأحللك، بدل ما آخذ من حسناتك هات دراهم، يتصور هذا، هو يتصور، ما حكمه؟ هل نقول: إن هذا في مقابل، أو نقول: إنه من أكل أموال الناس بالباطل، أو تبديل الحدود، المسألة تحتاج إلى تعذير، فهل يؤخذ في مقابل التعذير المال ويكون من باب التعذير بالمال؟ على الخلاف المعروف بين أهل العلم.

طالب:...

لا، هذا لا يجوز، هو لا يملك، كل من اغتاب، أنت مسموح، أنت بحل، ويقول لزيد من الناس، قل ما شئت، هذا لا يجوز؛ لأن هذا يجرِّئ على المعصية.     

"وخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- يدل على التحليل، وهو الحجة والمبين. والتحليل يدل على الرحمة وهو من وجه العفو، وقد قال تعالى: {فَمَنْ عَفَا وأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [سورة الشورى: 40].

التاسعة: ليس من هذا الباب غيبة الفاسق المعلن به المجاهر، فإن في الخبر «من ألقى جلباب الحياء فلا غيبة له»".

 تخريجه. خرج؟

طالب:...

هؤلاء إذا اجتمعوا، ما في غيرهم فهذه مظنة الضعيف.

طالب:...

واضح، نعم.

"وقال -صلى الله عليه وسلم-: «اذكروا الفاجر بما فيه كي يحذره الناس»، فالغيبة إذا في المرء الذي يستر نفسه".

 يعني يذكر بما فيه من الوصف، لا بالتسمية والتعيين؛ من أجل أن يترك الناس هذا الوصف الشنيع الذميم، مخرج؟

طالب:...

يعني كسابقه نعم.

"وروي عن الحسن أنه قال: ثلاثة ليست لهم حرمة: صاحب الهوى، والفاسق المعلن، والإمام الجائر.
وقال الحسن لما مات الحجاج: اللهم أنت أمته فاقطع عنا سنته - وفي رواية: شينه - فإنه أتانا أخيفش أعيمش، يمد بيد قصيرة البنان، والله ما عرق فيها غبار في سبيل الله، يرجِّل جمته، ويخطر في مشيته، ويصعد المنبر فيهدر حتى تفوته الصلاة. لا من الله يتقي، ولا من الناس يستحي، فوقه الله وتحته مائة ألف أو يزيدون، لا يقول له قائل: الصلاة أيها الرجل. ثم يقول الحسن: هيهات! حال دون ذلك السيف والسوط. وروى الربيع بن صبيح عن الحسن قال: ليس لأهل البدع غيبة.

وكذلك قولك للقاضي تستعين به على أخذ حقك ممن ظلمك فتقول: فلان ظلمني، أو غصبني أو خانني، أو ضربني، أو قذفني، أو أساء إلي، ليس بغيبة".

 الله -جل وعلا- يقول: {لا يُحِبُّ اللَّهُ الجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ القَوْلِ إلاَّ مَن ظُلِمَ} [سورة النساء: 148]، {إلاَّ مَن ظُلِمَ} لكن يجب أن يكون بقدر المظلمة، وجاء في الحديث: «لي الواجد أو- مطل الغني ظلم- يبيح عرضه وعقوبته»، قالوا: يباح من عرضه أن تقول: مطلني، فقط. يعني بقدر الحاجة.

"وعلماء الأمة على ذلك مجمعة. وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- في ذلك: «لصاحب الحق مقال». وقال: «مطل الغني ظلم»، وقال: «لي الواجد يحل عرضه وعقوبته». ومن ذلك الاستفتاء، كقول هند للنبي -صلى الله عليه وسلم-: إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني ما يكفيني أنا وولدي، فآخذ من غير علمه؟ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «نعم، فخذي».
فذكرته بالشح والظلم لها ولولدها، ولم يرها مغتابة؛ لأنه لم يغير عليها، بل أجابها عليه الصلاة والسلام بالفُتيا لها.

وكذلك إذا كان في ذكره بالسوء فائدة، كقوله -صلى الله عليه وسلم-: «أما معاوية فصعلوك لا مال له وأما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه». فهذا جائز، وكان مقصوده ألا تغتر فاطمة بنت قيس بهما.

قال جميعه المحاسبي رحمه الله-".

 يعني في باب الاستشارة، جاء شخص يستشير أو امرأة تستشير فيمن خطبها يُشار عليها بالواقع، ولو أدَّى ذلك إلى ذكر من استشير به بما يكره؛ لأن هذه مصلحة راجحة، مثل ذلك الكلام في الرواة والعلماء ومراتبهم من أجل أن يؤخذ من الأعلم، ويترك الأدنى، من أجل أن يعرف صاحب الشذوذ، من أجل أن يعرف من يهتم بالنصوص ممن لا يهتم، هذا كله لا بأس به، ومن ذلك الكلام في الرواة، وليس من الغيبة المحرمة أن يقال: فلان ضعيف، ويقال: فلان كذاب؛ لأن المصلحة راجحة، ولولا ذلك لما عرف الثابت من غيره من سنة النبي- عليه الصلاة والسلام-.

طالب: لو تصور أن المستشار....

يُكتفى بقدر الحاجة لا يزيد عن قدر الحاجة، فإذا كان يكفي الإجمال يجمل، إذا جاءت تستشير قال: ما يصلح، خلاص. إذا كانت تقبل ذلك، وإن قال: فصّل لماذا ما يصلح، الناس يتفاوتون في الشروط، بعضهم يرد لأدنى شيء، وبعضهم يقبل.

طالب:...

لا، المحاسبي له الكلام الأخير.

طالب:...

والله، هذا الذي يظهر، من المسألة كلها.

طالب:...

التاسعة كلها، نكمل السورة، إن شاء الله.

طالب:...

كلام الحسن هذا.

طالب: ...

هذا موقوف عليه، هذا اجتهاده نعم.

نكمل يا إخوان.   

"العاشرة: قول تعالى:{مَيْتًا} وقرئ " مَيِتا " وهو نصب على الحال من اللحم".

 مَيْتا، وميِّتا، المَيت: من مات بالفعل، والميّت من سيموت {إنَّكَ مَيِّتٌ وإنَّهُم مَّيِّتُونَ} [سورة الزمر: 30] يعني أنك ستموت وهم سيموتون، وأما المَيت: فهو من مات بالفعل وفارقت روحه بدنه.  

"ويجوز أن ينصب على الأخ، ولما قررهم -عز وجل- بأن أحدًا منهم لا يجب أكل جيفة أخيه عقّب ذلك بقوله تعالى: {فَكَرِهْتُمُوهُ} وفيه وجهان: أحدهما: فكرهتم أكل الميتة فكذلك فاكرهوا الغيبة، روي معناه عن مجاهد.

الثاني: فكرهتم أن يغتابكم الناس".

يعني مادام تكرهونه لأنفسكم، فاكرهوه لغيركم.

 "فاكرهوا غيبة الناس. وقال الفراء: أي فقد كرهتموه فلا تفعلوه، وقيل: لفظه خبر ومعناه أمر، أي اكرهوه. {واتَّقُوا اللَّهَ} عطف عليه.

يعني كما في قوله: {فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ} [المائدة: 91]، استفهام، والمطلوب انتهوا، نعم
وقيل: عطف على قوله: {اجْتَنِبُوا}، {ولا تَجَسَّسُوا}، {إنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ}.

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وأُنثَى وجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [سورة الحجرات: 13].

 فيه سبع مسائل:

الأولى: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وأُنثَى} يعني آدم وحواء.

ونزلت الآية في أبي هند، ذكره أبو داود في (المراسيل)، حدثنا عمرو بن عثمان وكثير بن عبيد قالا: حدثنا بقية بن الوليد قال: حدثني الزهري قال: أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بني بياضة أن يزوجوا أبا هند امرأة منهم".

الحجام، والناس يأنفون من تزويجه، فأمرهم النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يزوِّجوه.

"فقالوا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: نزوِّج بناتنا موالينا؟ فأنزل الله -عز وجل-: {إنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وأُنثَى وجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا} الآية. قال الزهري: نزلت في أبي هند خاصة. وقيل: إنها نزلت في ثابت بن قيس بن شماس. وقوله في الرجل الذي لم يتفسح له: ابن فلانة، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «من الذاكر فلانة»؟ قال ثابت: أنا يا رسول الله، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «انظر في وجوه القوم» فنظر، فقال: «ما رأيت»؟ قال رأيت أبيض وأسود وأحمر، فقال: «فإنك لا تفضلهم إلا بالتقوى»، فنزلت في ثابت هذه الآية.
ونزلت في الرجل الذي لم يتفسح له: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي المَجَالِسِ} [سورة المجادلة: 11] الآية".

نعم؛ لأن لكل مكلف ما يخصه من خطاب الشرع، ثابت خطيب النبي -عليه الصلاة والسلام- لما دخل المجلس، الناس أخذوا مجالسهم تخطاهم؛ ليجلس بين يدي النبي -عليه الصلاة والسلام-، فرفض آخر واحد على ما تقدم بالقصة، رفض أن يتفسَّح، قال: أنت وجدت مجلسًا فاجلس الآن، وعادة الخطيب أن يجلس بين يدين النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ من أجل أن يرد على الخطباء من الوفود وغيرهم، فقال له: يا ابن فلانة، فيعاتب ثابت من مقالته، ويؤمر ذاك بالتفسح. كلٌّ له من خطاب الشرع ما يخصه.

"قال ابن عباس: لما كان يوم فتح مكة أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بلالًا حتى علا على ظهر الكعبة فأذن، فقال عتاب بن أسيد بن أبي العيص: الحمد لله الذي قبض أبي حتى لا يرى هذا اليوم".

يغيظه مثل هذا اليوم، بلال عبد فوق الكعبة، وهذا من سادات قريش، الحمد لله الذي قبض أبي حتى لا يرى هذا اليوم، لكن لو قبضه على الإسلام.  

"وقال الحارث بن هشام: ما وجد محمد غير هذا الغراب الأسود مؤذنًا. وقال سهيل بن عمرو: إن يرد الله شيئًا يغيره. وقال أبو سفيان: إني لا أقول شيئًا أخاف أن يخبر به رب السماء، فأتى جبريل النبي -صلى الله عليه وسلم- وأخبره بما قالوا، فدعاهم وسألهم عما قالوا فأقروا، فأنزل الله تعالى هذه الآية. زجرهم عن التفاخر بالأنساب، والتكاثر بالأموال، والازدراء بالفقراء، فإن المدار على التقوى. أي الجميع من آدم وحواء، إنما الفضل بالتقوى.
وفي الترمذي عن ابن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خطب بمكة فقال: «يأيها الناس، إن الله قد أذهب عنكم عيبة الجاهلية وتعاظمها بآبائها. فالناس رجلان: رجل بر تقي كريم على الله، وفاجر شقي هين على الله، والناس بنو آدم وخلق الله آدم من تراب قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وأُنثَى وجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}». خرَّجه من حديث عبد الله بن جعفر والد علي بن المديني وهو ضعيف، ضعَّفه يحيى بن معين وغيره".

وضعَّفه ولده علي بن المديني الإمام الناقد ضعّف أباه، كما أن أبا داود ضعَّف ابنه.

"وقد خرج الطبري في كتاب «آداب النفوس» وحدثني يعقوب بن إبراهيم قال: حدثنا إسماعيل قال: حدثنا سعيد الجريري عن أبي نضرة قال: حدثني أو حدثنا من شهد خطب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمنى في وسط أيام التشريق وهو على بعير فقال: «يأيها الناس ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي ولا عجمي على عربي ولا لأسود على أحمر ولا لأحمر على أسود إلا بالتقوى، ألا هل بلغت؟ - قالوا: نعم، قال: - ليبلغ الشاهد الغائب».

وفيه عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن الله لا ينظر إلى أحسابكم ولا إلى أنسابكم ولا إلى أجسامكم ولا إلى أموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم، فمن كان له قلب صالح تحنَّن الله عليه، وإنما أنتم بنو آدم وأحبكم إليه أتقاكم»".

مخرج هذا؟

طالب:...

"ولعلي -رضي الله عنه- في هذا المعنى، وهو مشهور من شعره:

الناس من جهة التمثيل أكفاء
 

 

أبوهم آدم والام حواء
 

نفس كنفس وأرواح مشاكلة
 

 

وأعظم خلقت فيهم وأعضاء
 

فإن يكن لهم من أصلهم حسب
 

 

يفاخرون به فالطين والماء
 

ما الفضل إلا لأهل العلم إنهم
 

 

على الهدى لمن استهدى أدلاء
 

وقدر كل امرئ ما كان يحسنه
 

 

وللرجال على الأفعال سيماء
 

وضد كل امرئ ما كان يجهله
 

 

والجاهلون لأهل العلم أعداء
 

الثانية: بيَّن الله تعالى في هذه الآية أنه خلق الخلق من الذكر والأنثى، وكذلك في أول سورة "النساء".

ولو شاء لخلقه دونهما كخلقه لآدم، أو دون ذكر كخلقه لعيسى- عليه السلام-، أو دون أنثى كخلقه حواء من إحدى الجهتين. وهذا الجائز في القدرة لم يرد به الوجود".

يعني الذي خلق آدم من تراب لا من ذكر ولا من أنثى قادر على أن يخلق الخلق كلهم على هذه الصفة، والذي خلق عيسى -عليه السلام- من أم دون أب، وحواء من ذكر دون أنثى قادر على أن يجعل الخلق كلهم من هذا الباب، لكن الله -جل وعلا- أجرى السنة الإلهية في خلق النوع وجميع الأنواع من ذكر وأنثى.

طالب:... خلق الإنسان من طين، فممَ خلق الملائكة.

من نور.

طالب:...

من نور، من نور، نعم من نور، مادة النور.

"وقد جاء أن آدم خلق الله منه حواء من ضلع انتزعها من أضلاعه، فلعله هذا القسم، قاله ابن العربي".

وتقدم، تقدم في التفسير ما ذكره المؤلف من أن الذكر ينقص عن الأنثى بضلع، الأنثى أكثر من الذكر بضلع؛ لأن هذا الضلع الذي خُلقت منه المرأة، والله أعلم بحقيقة هذا الحال، مع أنه ممكن هذا عددها سهل.

طالب:...

ما ينقص، وذكرنا في التفسير، مر بنا.

"الثالثة: خلق الله الخلق بين الذكر والأنثى أنسابًا وأصهارًا وقبائل وشعوبًا، وخلق لهم منها التعارف، وجعل لهم بها التواصل للحكمة التي قدَّرها وهو أعلم بها، فصار كل أحد يحوز نسبه، فإذا نفاه رجل عنه استوجب الحد بقذفه، مثل أن ينفيه عن رهطه وحسبه، يقول للعربي".

بقوله.

" بقوله للعربي: يا عجمي، وللعجمي: يا عربي، ونحو ذلك مما يقع به النفي حقيقة. انتهى".

لكن إن كان مرد ذلك إلى غير ما قصد من أجله، لا يريد نفي النسب نفيه عن العرب، أو نفيه عن العجم؛ ليكون على خلاف ما اشتهر به، لكن إن كان مرد ذلك أنه قال للأعجمي: يا عربي؛ لأنه فصيح، رأى أعجميًّا فصيحًا قال: هذا عربي، ما هو بأعجمي، من أجل فصاحته، أو قال لعربي لعدم فصاحته: هذا أعجمي، كما يقال للبهائم: عجماوات، لعدم فصاحتها، فهذا ما يضرها. نعم. 

"الرابعة: ذهب قوم من الأوائل إلى أن الجنين إنما يكون من ماء الرجل وحده، ويتربى في رحم الأم، ويستمد من الدم الذي يكون فيه، واحتجوا بقوله تعالى: {أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ (20) فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ} [سورة المرسلات: 20، 21]، وقوله تعالى: {ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلالَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ} [سورة السجدة: 8]، وقوله: {أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى} [سورة القيامة: 37]، فدل على أن الخلق من ماء واحد. والصحيح أن الخلق إنما يكون من ماء الرجل والمرأة لهذه الآية".

في النصوص الصحيحة الصريحة: إذا علا ماء الرجل ماء المرأة أذكر، جاءت به الأحاديث الصحيحة، فدل على أنه يخلق من أمشاج، أخلاط من ماء الرجل وماء المرأة.

"والصحيح أن الخلق إنما يكون من ماء الرجل والمرأة لهذه الآية، فإنها نص
لا يحتمل التأويل.

وقوله تعالى: {خُلِقَ مِن مَّاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ والتَّرَائِبِ} [سورة الطارق: 6، 7] والمراد منه أصلاب الرجال وترائب النساء، على ما يأتي بيانه.

وأما ما احتجوا به فليس فيه أكثر من أن الله تعالى ذكر خلق الإنسان من الماء والسلالة والنطفة، ولم يضفها إلى أحد الأبوين دون الآخر، فدل على أن الماء والسلالة لهما، والنطفة منهما بدلالة ما ذكرنا، وبأن المرأة تمني كما يمني الرجل، وعن ذلك يكون الشبه، حسب ما تقدم بيانه في آخر "الشورى".

وقد قال في قصة نوح {فَالْتَقَى المَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} [سورة القمر: 12]، وإنما أراد ماء السماء وماء الأرض؛ لأن الالتقاء لا يكون إلا من اثنين، فلا ينكر أن يكون {ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلالَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ} [السجدة: 8].

وقوله تعالى: {أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ} [سورة المرسلات: 20] ويريد ماءين.
والله أعلم.

الخامسة: قوله تعالى: {وجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} الشعوب رءوس القبائل، مثل ربيعة ومضر والأوس والخزرج، واحدها "شَعب" بفتح الشين، سموا به؛ لتشعبهم واجتماعهم كشعب أغصان الشجرة.

والشعب من الأضداد، يقال شعبته إذا جمعته، ومنه المِشعب (بكسر الميم) وهو الإشفى؛ لأنه يجمع به ويشعب.

قال:

فكاب على حر الجبين ومتق
 

 

بمدرية كأنه ذلق مشعب
 

وشعبته إذا فرقته، ومنه سميت المنية شعوبًا؛ لأنها مفرقة، فأما الشِعب (بالكسر)
فهو الطريق في الجبل، والجمع الشِعاب.

قال الجوهري: الشِعب: ما تشعب من قبائل العرب والعجم، والجمع الشعوب، والشعوبية: فرقة لا تفضِّل العرب على العجم".

وجدت في آخر بني أمية، وأوائل بني العباس فرقة يقال لهم: "شعوبية" لا يفضلون العرب على الأعاجم، بل يتعصبون للأعاجم، وقد يتنقصون العرب.

"وأما الذي في الحديث أن رجلاً من الشعوب أسلم، فإنه يعني من العجم، والشعب: القبيلة العظيمة، وهو أبو القبائل الذي ينسبون إليه، أي يجمعهم ويضمهم.

قال ابن عباس: الشعوب الجمهور، مثل مضر، والقبائل الأفخاذ، وقال مجاهد: الشعوب البعيد من النسب، والقبائل دون ذلك، وعنه أيضًا أن الشعوب النسب الأقرب، وقاله قتادة. ذكر الأول عنه المهدوي، والثاني الماوردي.

قال الشاعر:

رأيت سعودًا من شعوب كثيرة
 

 

فلم أر سعدًا مثل سعد بن مالك
 

وقال آخر:

قبائل من شعوب ليس فيهم
 

 

كريم قد يعد ولا نجيب
 

وقيل: إن الشعوب عرب اليمن من قحطان، والقبائل من ربيعة ومضر وسائر عدنان. وقيل: إن الشعوب بطون العجم، والقبائل بطون العرب. وقال ابن عباس في رواية: إن الشعوب الموالي، والقبائل العرب. قال القشيري: وعلى هذا فالشعوب من لا يعرف لهم أصل نسب كالهند والجبل والترك، والقبائل من العرب".

يعني الشعوب ممن انتسابهم إلى البلدان؛ كالهند، والسند، وخرسان، وغيرها، ينتسبون إلى البلدان لا إلى قبائلهم، والقبائل هي من ينتسب إلى القبائل سواء كانوا من العرب أو من غيرهم، وكانت النسبة إلى القبائل لا إلى البلدان في أول الأمر، ثم لما اختلط الناس بغيرهم، وانتقل من بلد إلى بلد، وصارت أنسابهم تختلف باختلاف بلدانهم انتسبوا إلى القبائل، وجد هذا في الأمة كثيرًا فيما بعد، كانوا لا ينتسبون إلا إلى القبائل، ثم لما تفرقوا في البلدان انتسبوا إليها.

طالب:...

ماذا يقول؟

طالب:...

باعتبار أنها كلمة استعمالها في هذا الموضع لا ينطبق على الاستعمال الشرعي، فهي استعمال صحفي، باعتبار أنها لا تنطبق على ما جاء في الآية؛ لأن بعض الأئمة يتجوَّز في القنوت، وتجده يذكر أشياء ألفاظ سوقية، وصحفية، واللهم عليك- سمعتها من إمام- اللهم عليك بـ ذكر وصفًا لأناس قال: الذين يصطادون في الماء العكر، في صلاته يقول هذا الكلام، في صلاته يقال هذا الكلام؟

طالب:...

في غير الاستعمال الشرعي، الشعوب لا يراد بها الأمم من الناس التي يحكمها شخص واحد، شعب فلان، شعب المملكة، شعب، لكن هي لا يراد بها في النص هكذا، استعمال غير شرعي، استعمالها الدارج الآن لا ينطبق على الآية. 

"قال الماوردي: ويحتمل أن الشعوب هم المضافون إلى النواحي والشعاب، والقبائل هم المشتركون في الأنساب.

قال الشاعر:

وتفرقوا شعبًا فكل جزيرة
 

 

فيها أمير المؤمنين ومنبر
 

وحكى أبو عبيد عن ابن الكلبي عن أبيه: الشعب أكبر من القبيلة، ثم الفصيلة، ثم العمارة، ثم البطن، ثم الفخذ.

وقيل: الشعب، ثم القبيلة، ثم العمارة، ثم البطن، ثم الفخذ، ثم الفصيلة، ثم العشيرة، وقد نظمها بعض الأدباء فقال:

اقصد الشعب فهو أكثر حي
 

 

عددا في الحواء ثم القبيله
 

ثم تتلوها العمارة ثم البطن
 

 

والفخذ بعدها والفصيله
 

ثم من بعدها العشيرة لكن
 

 

 هي في جنب ما ذكرناه قليله
 

وقال آخر:

قبيلة قبلها شعب وبعدهما
 

 

عمارة ثم بطن تلوه فخذ
 

وليس يؤوي الفتى إلا فصيلته
 

 

ولا سداد لسهم ماله قذذ
 

السادسة: قوله تعالى: {إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}، وقد تقدم في سورة "الزخرف" عند قوله تعالى: {وإنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ ولِقَوْمِكَ} [سورة الزخرف: 44]، وفي هذه الآية ما يدلك على أن التقوى هي المُراعى عند الله تعالى وعند رسوله دون الحسب والنسب.

وقرئ "أن" بالفتح، كأنه قيل: لم لا يتفاخر بالأنساب؟ قيل: لأن أكرمكم عند الله أتقاكم لا أنسبكم".

حتى على هذا التقدير لا يتجه الفتح، همزة إن؛ لأن ما ذكر ليس بعلة لما تقدم، حتى على التقدير الذي ذكره، لما يتفاخر بالأنساب؟ قيل: لأن أكرمكم عند الله أتقاكم، ما تجيء؛ لأن هذا رد على ما عُلِّل به.

"وفي الترمذي عن سمرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «الحسب المال والكرم التقوى»، قال: هذا حديث حسن غريب صحيح، وذلك يرجع إلى قوله تعالى: {إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}، وقد جاء منصوصًا عنه -عليه السلام-: «من أحب أن يكون أكرم الناس فليتق الله»، والتقوى معناها مراعاة حدود الله تعالى أمرًا ونهيًا، والاتصاف بما أمرك أن تتصف به، والتنزه عما نهاك عنه.

وقد مضى هذا في غير موضع.

وفي الخبر من رواية أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إن الله تعالى يقول يوم القيامة: إني جعلت نسبًا وجعلتم نسبًا، فجعلت أكرمكم أتقاكم، وأبيتم إلا أن تقولوا: فلان بن فلان، وأنا اليوم أرفع نسبي وأضع أنسابكم أين المتقون؟ أين المتقون؟»".

مخرج؟

طالب: .... قال: حسن أخرجه الترمذي وابن ماجه وأحمد، قال الترمذي: حسن غريب صحيح. ا.ه، وفيه نظر؛ لأن الحسن لم يسمع من سمرة سوى حديث العقيقة.

يعني على الخلاف المعروف، نعم.

طالب:... هذا على رأي قوم وانظر: الإرواء... وحديث «من أحب أن يكون أكرم الناس فليتق الله» قال: ضعيف أخرجه ابن عدي والعقيلي في الضعفاء، والحاكم، من حديث ابن عباس، وإسناده ضعيف؛ لضعف هشام بن زياد. وأعله ابن عدي .... وحديث «إن الله تعالى يقول يوم القيامة: إني جعلت نسبًا وجعلتم نسبًا، فجعلت أكرمكم أتقاكم.. أخرجه ..... من حديث أبي هريرة وقال حديث عال غريب الإسناد والمتن، وقال الذهبي: .... المخزومي ساقط ........

نعم.
"وروى الطبري من حديث أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن أوليائي المتقون يوم القيامة، وإن كان نسب أقرب من نسب يأتي الناس بالأعمال وتأتون بالدنيا تحملونها على رقابكم تقولون: يا محمد، فأقول هكذا وهكذا». وأعرض في كل عطفيه.

وفي صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمرو قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جهارًا غير سر يقول: «إن آل أبي ليسوا لي بأولياء، إنما وليي الله وصالح المؤمنين»".

إن آل أبي فلان، ماذا عندكم؟

طالب:...

ليسوا لي بأولياء.

طالب:...

هذا هو المحفوظ إن آل أبي فلان يتحدث عن قوم.

إن آل أبي فلان ليسوا لي بأولياء إنما وليي الله وصالح المؤمنين»، وعن أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سئل: من أكرم الناس؟ فقال: «يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم» قالوا: ليس عن هذا نسألك، قال: «فأكرمهم عند الله أتقاهم» فقالوا: ليس عن هذا نسألك، فقال: «عن معادن العرب؟ خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا»، وأنشدوا في ذلك:

ما يصنع العبد بعز الغني
 

 

والعز كل العز للمتقي
 

من عرف الله فلم تغنه
 

 

معرفة الله فذاك الشقي
 

السابعة: وذكر الطبري حدثني عمر بن محمد قال: حدثنا عبيد بن إسحاق العطار قال: حدثنا مندل بن علي عن ثور بن يزيد عن سالم بن أبي الجعد قال: تزوَّج رجل من الأنصار امرأة، فطعن عليها في حسبها، فقال الرجل: إني لم أتزوجها لحسبها، إنما تزوجتها لدينها وخلقها، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «ما يضرك إلا تكون من آل حاجب بن زرارة».
ثم قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إن الله تبارك وتعالى جاء بالإسلام فرفع به الخسيسة، وأتم به الناقصة، وأذهب به اللوم، فلا لوم على مسلم، إنما اللوم لوم الجاهلية».
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله وأعلمكم بما أتقي»، ولذلك كان أكرم البشر على الله تعالى.

قال ابن العربي: وهذا الذي لحظ مالك في الكفاءة في النكاح.

روى عبد الله عن مالك يتزوج المولى العربية، واحتج بهذه الآية، وقال أبو حنيفة والشافعي: يراعى الحسب والمال.

وفي الصحيح عن عائشة، أن أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة - وكان ممن شهد بدرًا مع النبي- صلى الله عليه وسلم- - تبنى سالمًا، وأنكحه هندًا بنت أخيه الوليد بن عتبة بن ربيعة، وهو مولى لامرأة من الأنصار، وضباعة بنت الزبير كانت تحت المقداد بن الأسود".

وترجم على حديثها البخاري بقوله: باب الأكفاء في الدين، حديثها في الاشتراط ما ذكره في الحج، إنما ذكره في النكاح، باب: الأكفاء في الدين؛ لقوله: وكانت تحت المقداد.

"قلت: وأخت عبد الرحمن بن عوف كانت تحت بلال، وزينب بنت جحش كانت تحت زيد بن حارثة، فدلَّ على جواز نكاح الموالي العربية، وإنما تراعَى الكفاءة في الدين".

من يعتقد مثل هذا أن الكفاءة في الدين، ورأى أن النكاح صحيح، ولا إشكال فيه، وامتنع من أجل ما يترتب على ذلك من مفاسد، ومشاكل توجد بين عامة الناس قد لا يُلام، لكن الذي يُلام من يرى أن أخاه المسلم ليس كفأً لابنته؛ لعدم تكافؤ النسب، أما من درأ بذلك مفاسد كما هو مشاهد الآن فلا يُلام.

"والدليل عليه أيضًا ما روى سهل بن سعد في صحيح البخاري أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مرَّ عليه رجل فقال: «ما تقولون في هذا»؟ فقالوا: حري إن خطب أن ينكح، وإن شفع أن يشفّع، وإن قال أن يسمع.

قال: ثم سكت، فمر رجل من فقراء المسلمين فقال: «ما تقولون في هذا» قالوا: حري إن خطب ألا ينكح، وإن شفع ألا يشفّع، وإن قال ألا يسمع، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «هذا خير من ملء الأرض مثل هذا».

وقال -صلى الله عليه وسلم-: «تنكح المرأة لمالها وجمالها ودينها - وفي رواية - ولحسبها فعليك بذات الدين تربت يداك».

وقد خطب سلمان إلى أبي بكر ابنته فأجابه، وخطب إلى عمر ابنته فالتوى عليه، ثم سأله أن ينكحها فلم يفعل سلمان.

وخطب بلال بنت البكير فأبى إخوتها، فقال بلال: يا رسول الله، ماذا لقيت من بني البكير! خطبت إليهم أختهم فمنعوني وآذوني، فغضب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أجل بلال، فبلغهم الخبر، فأتوا أختهم فقالوا: ماذا لقينا من سببك؟ فقالت أختهم: أمري بيد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فزوجوها. وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- في أبي هند حين حجمه: «أنكحوا أبا هند، وأنكحوا إليه»، وهو مولى بني بياضة.

وروى الدارقطني من حديث الزهري عن عروة عن عائشة أن أبا هند مولى بني بياضة كان حجامًا فحجم النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «من سره أن ينظر إلى من صوَّر الله الإيمان في قلبه فلينظر إلى أبي هند». وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أنكحوه وأنكحوا إليه»".

ما حكمه؟ تخريجه؟

طالب: ...

الأخير هذا.

طالب: قال: أخرجه الدارقطني والطبراني كما في المجمع من حديث عائشة، وقال الهيثمي: رجال الطبراني ثقات، سوى عبد الواحد بن إسحاق... قلت: تابعه غير واحد عند الدارقطني، فالحديث حسن إن شاء الله.

نعم، قال القشيري.

"قال القشيري أبو نصر: وقد يعتبر النسب في الكفاءة في النكاح، وهو الاتصال بشجرة النبوة أو بالعلماء الذين هم ورثة الأنبياء، أو بالمرموقين في الزهد والصلاح.

والتقي المؤمن أفضل من الفاجر النسيب، فإن كانا تقيين فحينئذ يقدم النسيب منهما، كما يقدم الشاب على الشيخ في الصلاة إذا استويا في التقوى".

المرجحات في نظر الناس كثيرة جدًّا، ومتعددة، ومتشعبِّة، فهذا يقدم لأمر، هذا يقدم لعلمه، هذا يقدم لدينه، هذا يقدم لكذا. المقصود أن المقاصد ومآرب الناس تختلف، وقد يُرَد شخص لا لعلة تقتضي ذلك، وإنما لشيء في صحته، وفي بدنه؛ لأنه يخشى ألا يقوم بحقها، أو لأنه عنده شيء مما يعوقه من معاشرته.

 المقصود أن الناس لهم مقاصد، وإذا ردوا بسبب صحيح فلا يلامون، لكن يبقى أنه «إذا جاءكم من ترضونه دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض».

طالب:...

لا مانع، والله ما نعرف مندلي..

طالب:... يقولون: لا نزوج بنتنا من أجنبي...

ما معنى أجنبي؟ يعني أعجمي؟

طالب:...

ما فيه دليل هذا، الكفاءة في النسب ليس عليها دليل.

طالب:...

من بقايا الجاهلية، نعم.

طالب:...

يعني تردد ما أجابه بسرعة.

طالب:...

لا، أحيانًا هناك أمور طارئة، وتسبب فيها مشاكل، مثل شخص من بلد يريد أن يتزوج من بلد آخر أو العكس، لو رُفض باعتبار أنها لو طلقت مثلًا وعندها أولاد، وانتقل الأولاد مع أمهم، أو أخذهم أبوهم، والاتصال صعب، والحدود، يعني هناك مشاكل تحصل بسبب هذا، فمن امتنع بسبب هذه المشاكل لا يلام.

طالب: الفقر...

لا، الفقر إذا كان لا يستطيع القيام بها، لا يستطيع الإنفاق عليها، لا يستطيع أداء الواجب بالنسبة لها، النفقة والسكنى فهذا يرد.

طالب:... وعلى هذا يحمل حديث: صعلوك لا مال له...

من أجله، نعم.

طالب: ...

نعم.

 "قوله تعالى: {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا ولَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا ولَمَّا يَدْخُلِ الإيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وإن تُطِيعُوا اللَّهَ ورَسُولَهُ لا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [سورة الحجرات: 14] نزلت في أعراب من بني أسد بن خزيمة قدموا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سنة جدبة وأظهروا الشهادتين ولم يكونوا مؤمنين في السر.

وأفسدوا طرق المدينة بالعذرات وأغلوا أسعارها، وكانوا يقولون لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أتيناك بالأثقال والعيال ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان، فأعطنا من الصدقة، وجعلوا يمنون عليه، فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية.

وقال ابن عباس: نزلت في أعراب أرادوا أن يتسموا باسم الهجرة قبل أن يهاجروا، فأعلم الله أن لهم أسماء الأعراب لا أسماء المهاجرين.

وقال السدي: نزلت في الأعراب المذكورين في سورة الفتح: أعراب مزينة وجهينة وأسلم وغفار والديل وأشجع، قالوا آمنا ليأمنوا على أنفسهم وأموالهم، فلما استنفروا إلى المدينة تخلفوا، فنزلت.

وبالجملة فالآية خاصة لبعض الأعراب؛ لأن منهم من يؤمن بالله واليوم الآخر كما وصف الله تعالى.

ومعنى {ولَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا} أي استسلمنا خوف القتل والسبي، وهذه صفة المنافقين".

يعني أسلموا ظاهرًا لا باطنًا، أسلموا في ظواهرهم واستسلموا، ولم يقر الإيمان في قلوبهم.

"لأنهم أسلموا في ظاهر إيمانهم ولم تؤمن قلوبهم، وحقيقة الإيمان التصديق بالقلب.
وأما الإسلام فقبول ما أتى به النبي -صلى الله عليه وسلم- في الظاهر، وذلك يحقن الدم.

{وإن تُطِيعُوا اللَّهَ ورَسُولَهُ} يعني إن تخلصوا الإيمان {لا يَلِتْكُم} أي لا ينقصكم.

{مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا} لاته يليته ويلوته: نقصه.

وقرأ أبو عمرو "لا يألتكم" بالهمزة".

كما في قوله -جل وعلا-: {ومَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم} [الطور: 21] يعني ما نقصناهم.

"من ألت يألت ألتا، وهو اختيار أبي حاتم، اعتبارًا بقوله تعالى: {ومَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ} قال الشاعر:

أبلغ بني ثعل عني مغلغلة
 

 

جهد الرسالة لا ألتًا ولا كذبا
 

واختار الأولى أبو عبيد.

قال رؤبة:

وليلة ذات ندى سريت
 

 

ولم يلتني عن سراها ليت
 

أي لم يمنعني عن سراها مانع، وكذلك ألاته عن وجهه، فعل وأفعل بمعنى. ويقال أيضًا: ما ألاته من عمله شيئًا، أي ما نقصه، مثل ألته، قاله الفراء.

وأنشد:

ويأكلن ما أعني الولي فلم يلت
 

 

كأن بحافات النهاء المزارعا
 

قوله: فلم "يلت" أي لم ينقص منه شيئًا. و"أعني" بمعنى أنبت، يقال: ما أعنت الأرض شيئًا، أي ما أنبتت. و"الولي" المطر بعد الوسمي، سُمي وليًّا؛ لأنه يلي الوسمي.
ولم يقل: لا يألتاكم".

لا يألتاكم؛ لأن الضمير يحتمل أن يعود على ما تقدم، {وإن تُطِيعُوا اللَّهَ ورَسُولَهُ لا يَلِتْكُم}، لكنه أفرد ليعود إلى الله -جل وعلا-؛ لأنه هو الذي بيده ذلك.

"ولم يقل: لا يألتاكم؛ لأن طاعة الله تعالى طاعة الرسول.

قوله تعالى: {إنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ ورَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا} أي صدقوا ولم يشكوا، وحققوا ذلك بالجهاد والأعمال الصالحة. {أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} في إيمانهم، لا من أسلم خوف القتل ورجاء الكسب. فلما نزلت حلف الأعراب أنهم مؤمنون في السر والعلانية وكذبوا فنزلت: {قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ} الذي أنتم عليه، {واللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ ومَا فِي الأَرْضِ واللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}".

بهذه الآية رد بعض العلماء على من يجهر بالنية، يقول: نويت أن أصلي صلاة الصبح، صلاة الظهر، صلاة حضر، خلف إمام، يذكرون تفاصيل ليس عليها دليل لا من الكتاب ولا السنة، ويردها قوله -جل وعلا-: {قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ}.

"قوله تعالى: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا} إشارة إلى قولهم: جئناك بالأثقال والعيال. و {أَنْ} في موضع نصب على تقدير لأن أسلموا. {قُل لاَّ تَمُنُّوا عَلَيَّ إسْلامَكُمْ} أي بإسلامكم. {بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإيمَانِ}، {أَنْ} موضع نصب، تقديره بأن. وقيل: لان.
وفي مصحف عبد الله: "إذ هداكم".

{إن كُنتُمْ صَادِقِينَ} أنكم مؤمنين. وقرأ عاصم "إن هداكم" بالكسر، وفيه بعد؛ لقوله: {إن كُنتُمْ صَادِقِينَ}. ولا يقال: يمن عليكم أن يهديكم إن صدقتم. والقراءة الظاهرة: {أَنْ هَدَاكُمْ}، وهذا لا يدل على أنهم كانوا مؤمنين؛ لأن تقدير الكلام: إن آمنتم فذلك منة الله عليكم.

 {إنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ والأَرْضِ واللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} قرأ ابن كثير وابن محيصن وأبو عمرو بالياء على الخبر، ردًّا على قوله: " قالت الأعراب ".

والباقون بالتاء على الخطاب.

والله أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وهو حسبي ونعم الوكيل".

اللهم صلِّ على محمد وعلى آله وصحبه.

طالب:...

غدًا درس الموافقات

طالب:...

العصر نعم.

طالب:...

لا. ما فيه سواء القادمة إجازة، في الدراسة إن شاء الله.

طالب:...

لا. لا.

طالب:...

بكرة العصر إن شاء الله.

طالب: ...