شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (119)

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً بكم إلى حلقة جديدة في برنامجكم" شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح"، المعروف بمختصر صحيح البخاري للإمام الزبيدي- رحمه الله-.

مع مطلع حلقتنا يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلاً ومرحبًا بكم شيخ عبد الكريم.

حياكم الله، وبارك فيكم، وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: لازلنا في باب من قعد حيث ينتهي به المجلس ومن رأى فرجةً في الحلقة فجلس فيها في حديث أبي واقد الليثي- أحسن الله إليكم-، وأسلفنا شيئًا من ذكر ألفاظ هذا الحديث، نستكمل ما تبقى في هذا الحلقة شيخ.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمدًا وعلى آله وصحبه أجمعين.

سبق الكلام عن بعض مفردات الحديث في قوله: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «بينما هو جالسٌ في المسجد»، بينما أصلها بين، فزيد عليها الميم، وهو مبتدأ وخبره «جالسٌ» حال كونه في المسجد، يعني النبوي  مسجده -عليه الصلاة والسلام-، «والناس معه» جملةٌ حالية، «إذ أقبل» جواب بينما، وسبقت الإشارة إلى أن الأصمعي لا يستفصح مجيء "إذا  وإذ" في جواب بين، «ثلاثة نفر»، النفر بالتحريك  للرجال من ثلاثة إلى عشرة، والمعنى  ثلاثة هم  نفر، والنفر اسم جمع، ولهذا وقع مميزًا في الجمع، كقوله تعالى: {تِسْعَةُ رَهْطٍ} [سورة النمل:48].

«فأقبل اثنان منهم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم-». يقول العيني:..

المقدم: هنا توقفنا عند الإقبالين، جيد.

إذا كان باختصاره حتى نربط جمل الحديث، قال العيني: اعلم أن هاهنا إقبالين، أحدهما أولاً من الطريق أقبلوا، ودخلوا المسجد مارين، والآخر إقبال الاثنين منهم حين رأوا مجلس النبي- عليه الصلاة والسلام- وأما الثالث فإنهُ استمر ذاهبًا، يقول: وبهذا التقدير سقط سؤال من قال: كيف قال أولاً أقبل ثلاثة، ثم قال: فأقبل اثنان؟ والحال لا يخلو إما أن يكون المقبل اثنين أو ثلاثة، يريد أن يرد على تقدير الكرماني؛ لأنه يقول، يقول الكرماني: فإن قلت قال: أولاً أقبل ثلاثة ثم قال: فأقبل اثنان، والحال لا يخلو إما أن يكون المقبل اثنين أو ثلاثة، فما معناهُ؟ قلتُ: المراد من الإقبال أولاً الإقبال إلى المجلس، أو إلى جهتهم، هناك العيني قال: الإقبال الأول من الطريق أقبلوا، ودخلوا المسجد، والآخر إقبال الاثنين.

المقدم: إقبال الاثنين إلى؟

النبي- عليه الصلاة والسلام-.

المقدم: إلى الجلسة.

 نعم، قلتُ: المراد من الإقبال أولاً الإقبال إلى المجلس، أو إلى جهتهم، هذا إقبال الثلاثة، وثانيًا الإقبال إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أو المراد فأقبل من تلك الثلاثة اثنان، يقول ابن حجر "ولم أقف في شيء من الطرق على تسمية واحد من الثلاثة المذكورين"، "ولم أقف في شيء من الطرق على تسمية واحد من الثلاثة المذكورين"، على كل حال تسميتهم لا يترتب عليها حكم، ولا أثر لها، وذهب واحد، وذهب واحد قال: فوقفا على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقفا على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يعني على مجلسه- عليه الصلاة والسلام-، يقول ابن حجر هنا: أو هنا« على» مجلس يعني قدر، فوقفا على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أي على مجلسه، يقول: أو تكون «على» هنا بمعنى «عند»، نعم فوقفا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بدل على، وتعقبهُ العيني بأن «على» لم تجئ بمعنى «عند»، فمن ادعى ذلك فعليه البيان من كلام العرب، لأن «على» لم تجئ بمعنى «عند»، فمن ادعى ذلك فعليه البيان من كلام العرب.

أولاً: بالنسبة لتقارب الحروف، هل الأولى تضمين الحروف أو تضمين الأفعال؟ الأولى أن يضمن الفعل «فوقف» معنى فعل يتعدى بـ «على»؛ لأن تضمين الأفعال أولى من تقارب الحروف كما قرر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله-، على أنهُ جاء في بعض النصوص ما يدل على أن «على» تأتي بمعنى «عند»، فإذا قلت مثلاً: جلس القوم على الصحفة، ما معنى هذا؟

المقدم: محيطين بها، يعني عندها وليس عليها.

حواليها، هل يتصور أنهم فوقها؟ أن «على» للاستعلاء هنا؟ لا يمكن، فـ «على» تأتي بمعنى «عند» و«حول»، وزاد أكثر رواة الموطأ: "فلما وقفا سلما"، الآن حديث الباب ليس فيه  تسليم، فأقبل اثنان إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وذهب واحد، قال: فوقفا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وليس فيه أنهما سلما عند البخاري، زاد أكثر رواة الموطأ: "فلما وقف سلما"، وكذا عند الترمذي والنسائي، ولم يذكر السلام في البخاري ولا في مسلم، ويستفاد من رواية مالك والترمذي والنسائي أن الداخل يبدأ بالسلام، وأن القائم يسلم على القاعد، كون السلام لم يذكر في رواية البخاري ومسلم هل بذلك تُعل رواية مالك؟ مع أنَّ الحديث صحيح من طريق مالك، هل تُعل روايتهُ في الموطأ بعدم ذكر السلام في الصحيحين؟ أو نقول: إنَّه لم يذكر للعلم به، فلا يحتاج إلى ذكر؟ نعم هو الثاني، ولا تُعل رواية مالك بعدم ذكر السلام في الصحيحين، يعني كما سبق نظيرهُ في حديث أم هانئ في رد السلام، كونهُ لم يذكر رد السلام لا يعني أنهُ لم يقع، السلام عليك يا رسول الله، قال: من؟ قالت: أم هانئ، قال: مرحبًا بأم هانئ، هل معنى هذا أنه يكتفى بمرحبًا كما قال بعضهم؟ لا يلزم؛ لأنه قد يرد السلام ولا ينقلهُ الراوي للعلم به، وهنا قد يكون سلم ولم ينقلهُ الراوي للعلم به.

المقدم: واتفق في الصحيحين على عدم ذكر السلام.

نعم.

المقدم: في الصحيحين.

نعم، يقول: يُستفادُ من رواية مالك والترمذي والنسائي أن الداخل يبدأ بالسلام، وأنّ القائم يسلم على القاعد، ولم يذكر أيضًا رد السلام عليهما؛ اكتفاءً بشهرته، قال بعضهم: أو يستفادُ منهُ أن المستغرق في العبادة يسقط عنهُ الرد، كذا قال الحافظ، وفيه نظر؛ لأن العلم والتعليم سُنَّة، ورد السلام..

المقدم: واجب.

 واجب، وإذا كان المصلي يرد بالإشارة، كما ثبت عن النبي- عليه الصلاة والسلام- فكيف بغيره؟  فقوله: المستغرق في العبادة يسقط عنهُ الرد لا وجه له، قال ابن حجر: لم يذكر أنهما صليا تحية المسجد، لم يذكر أنهما صليا تحية المسجد، إما لكون ذلك كان قبل أن تشرع، أو كانا على غير وضوء، أو وقع ذلك فلم ينقل كالسلام، نعم هذه الاحتمالات، لم ينقل لماذا؟ للاهتمام بفحوى القصة ومحتواها؛ لأن التنويع إلى ثلاثة أنواع ثلاث مرات، أحدها كذا، والثاني كذا، والثالث كذا، هذا هو المهم من إيراد القصة، فكونه لا يذكر غير المهم لا يعني عدم وقوعه، إما لكون ذلك كان قبل أن تُشرع، يعني تحية المسجد كما يقول ابن حجر، أو كانا على غير وضوء، أو وقع ذلك فلم ينقل للاهتمام بغير ذلك من القصة أو كان في غير وقت تنفل، قاله القاضي عياض، يعني في أوقات النهي، قاله القاضي عياض بناءً على مذهبه بأنها لا تُصلى في الأوقات المكروهة، بأنها لا تصلى في الأوقات المكروهة، يعني أوقات النهي الخمسة.

 على كل حال تحية المسجد من ذوات الأسباب، من ذوات الأسباب، والخلاف في فعل ذوات الأسباب في أوقات النهي، ومن أشهر ذوات الأسباب تحية المسجد التي هي مسألتنا مسألة خلافية بين أهل العلم، الخلاف فيها معروف ومشهور؛ مذهب الحنفية والمالكية والحنابلة أنها لا تُفعل في أوقات النهي مهما كان السبب، هذه النوافل، أما الفرائض فلا، خلافًا للشافعية الذين يقولون: تُفعل ذوات الأسباب ولو في وقت نهي، بسط هذه المسألة يحتاج إلى وقت؛ لأن النصوص فيها متكافئة.

 بعض الناس يخرج من هذه المسألة كأنها من المسائل اليسيرة السهلة، وهي في الحقيقة من عضل المسائل ليست بالأمر السهل، يأتي بسطها في موضعها إن شاء الله من كتاب الصلاة، لكن لا مانع أن نشير إلى حجة الجمهور في منعهم فعل ذوات الأسباب في أوقات النهي، وحجة الشافعية باختصار؛ لأنها مسألة يكثر الكلام فيها، ويجملها كثير من أهل العلم كأنها من أيسر المسائل، وهى في الحقيقة من العضل، يعني الحنفية والمالكية والحنابلة نستطيع أن نقول: الجمهور على منع التنفل في أوقات النهي الخمسة التي هي من طلوع الصبح حتى طلوع الشمس، ومن طلوعها حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة، ومن صلاة العصر إلى أن تتضيف شمس الغروب، ومنه إلى أن تغرب الشمس خمسة أوقات، وكونها فصلت إلى خمسة، والأصل أن تختصر إلى ثلاثة، لا يمكن أن تختصر؛ لأن الأوقات الثلاثة المغلظة يختلف حكمها عن حكم الوقتين الموسعين، حتى قال بعضهم: كابن عبد البر وابن رجب إن النهي عن الصلاة في الوقتين الموسعين من باب منع الوسائل، ومن باب سد الذريعة؛ لئلا يسترسل الإنسان يصلي حتى يأتي الوقت المغلظ.

 فالنهي عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، وبعد العصر حتى تغرب الشمس، والأوقات الثلاثة التي في حديث عقبة «ثلاث ساعات كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهم، وأن نقبر فيهنَّ موتانا» هذه حجة الجمهور في منع النوافل في هذه الأوقات، هذه حجتهم.

يستدل الشافعية بمثل «إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين»، الجمهور على أن أحاديث ذوات الأسباب عامة في جميع الأوقات، أحاديث ذوات الأسباب عامة في جميع الأوقات، وأحاديث النهي خاصة في هذه الأوقات، والخاص مقدم على العام، بالمقابل نفس هذه الدعوة يدعيها الشافعية فيقولون: أحاديث النهي عامة في جميع الصلوات، وأحاديث ذوات الأسباب خاصة بهذه الصلوات المنصوص عليها، والخاص مقدم على العام، الدعوى متقابلة من كل وجه، متقابلة من كل وجه.

 والحقيقة أن بين هذه النصوص عمومًا وخصوصًا وجهيًّا لا مطلقًا، يعني إذا قلنا مطلقاً انتهى الإشكال، إمَّا أن نقول بقول الشافعية أو بقول الجمهور ونخلص من المسألة، لكن إذا كان العموم والخصوص وجهيًّا فنحتاج حينئذ إلى مرجح خارجي، مرجح، يعني متكافئة من كل وجه.

يعني الدعوى التي يقولها الشافعية بأن أحاديث النهي عامة في جميع الصلوات، وأحاديث ذوات الأسباب خاصة بهذه الصلوات يقول مثلها الجمهور، بل يقول أقوى منها الجمهور، أنَّ أحاديث ذوات الأسباب عامة في جميع الأوقات، وأحاديث النهي خاصة بهذه الأوقات، فنحتاج إلى مرجح خارجي، نحتاج إلى مرجح خارجي، الشافعية يرجحون بأنَّ عموم أحاديث النهي، عمومه، عموم هذه الأحاديث دخلها من المخصصات أكثر مما دخل عموم  ذوات الأسباب من المخصصات، والعموم يضعف بكثرة ما يدخله من مخصصات، كما هو مقرر عند أهل العلم، وأولئك يقولون: الحظر مقدم على الإباحة، الذي نهانا عن الصلاة في هذه الأوقات هو الذي أمرنا بتحية المسجد، فإذا تقابل الأمر مع النهي رجحنا الحظر؛ لأنه مقدم على الفعل.

وعلى كل حال المسألة تأتي بإذن الله- جلَّ وعلا-، إن شاء الله تعالى، لكن هذا أصل المسألة، وتحية المسجد عند جمهور أهل العلم سنة، وليست بواجبة.

«فأما أحدهما» أما بفتح الهمزة وتشديد الميم تفصيلية، وأحدهما بالرفع مبتدأ خبره ما بعده، «فرأى فرجة» بالضم والفتح فَرجة، وفُرجة بالضم والفتح معًا هي الخلل بين الشيئين، في الحلْقة بإسكان اللام كل شيء مستدير خالي الوسط، كل مستدير خالي الوسط يقال له: حلْقة، والجمع حَلَقٌ بفتحتين، وحكي فتح اللام في الواحد، وهو نادر، بل أطلق بعضهم بأنه شاذ «حَلَقَة»، وهي شائعة على ألسنة كثير من طلاب العلم حَلَقَة.

المقدم: حلقة العلم.

حلقة، أو حلقة تحفيظ أو غير ذلك، هذه شاذة.

المقدم: وعندنا يا شيخ في الإذاعة مثلاً هذه الحلقة؟

حلقة، لا بد.

المقدم: هذه أيضًا تُسمَّى حلْقة.

حلْقة، وفيه استحباب التحليق في مجالس الذكر والعلم، وسيأتي في الصحيح إن شاء الله تعالى، وهو الموضع الثاني الذي خرج فيه البخاري هذا الحديث، باب الحَلَق أو باب الحِلَق والجلوس في المسجد.

المقدم: ما تُجمع على حَلْقات أبدًا يا شيخ؟

نعم؟

المقدم: ما تجمع على حلقات؟

جمعها حَلَق، قد يكون حلقات جمع الجمع، وفيه أن من سبق إلى موضع منها يعني من المساجد وغيرها من المواضع العامة، والأماكن المباحة المتاحة فهو أحق به؛ ولذا لا يجوز الحجز في المساجد والأماكن العامة، ولا يجوز التعدي على من سبق بأن يعتدي عليه أحد فيقيمه من مكانه، جاء في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا قام أحدكم»، وفى رواية: «من قام من مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به»، لكن هذا مقيد بما إذا عاد إليه قريبًا كما في بعض الروايات، وإلا خلاص، أي إذا قام من مجلسه جلس الآن،  ثم قام من مجلسه وعاد إليه في صلاة أخرى أو في يوم آخر نقول: هو أحق به؟ لا، ليس أحق به.

يقول النووي: قال أصحابنا: هذا الحديث فيمن جلس في موضع من المسجد أو غيره لصلاة مثلاً ثم فارقه ليعود، بأن فارقه ليتوضأ مثلاً أو يقضي شغلاً يسيرًا يشرب مثلًا، يشرب ماءً أو يغلق شيئًا، أو يفتح شيئًا، المقصود أنه شيء يسير، أو يقضي شغلاً يسيرًا، ثم يعود لم يبطل اختصاصه به، بل إذا رجع فهو أحق به في تلك الصلاة، فإن كان قد قعد فيه غيره فله أن يقيمه؛ لأنه أحق به، وعلى القاعد أن يفارقه لهذا الحديث «من قام من مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به».

 ولذا ينص أهل العلم أنه ليس للإنسان أن يقيم ولده من مكانه، يعنى الحديث «ليلني منكم أولى الأحلام والنهي»، هل معنى هذا أنّه إذا تقدم صغير يقال له: قم ليأتي أكبر منك؟ ليس في هذا طرد للصغار، وإنما هو حث للكبار على التقدم إلى الصلاة، هذا هو الصحيح عند أصحابنا، يقوله النووي: وأنَّه يجب على من قعد فيه مفارقته إذا رجع الأول، وقال بعض العلماء: هذا مستحب ولا يجب، وهو مذهب مالك والصواب الأول.

قال أصحابنا: ولا فرق بين أن يقوم فيه ويترك فيه سجادة ونحوها، بل يترك عصى يترك شيئًا يدل على أن هذا المكان لشخص موجود نعم، أم لا، فهذا أحق به في الحالين، يعني لو تركه فارغًا فرجة، ثم جاء أحد وقام عنه ورجع إليه قريبًا فهو أحق به في الحالين، قال أصحابنا: وإنما يكون أحق به في تلك الصلاة وحدها دون غيرها، والله أعلم.

 مسألة الحجز مما يؤسف له أنها تثير إشكالات كثيرة، ويترتب عليها نزاع وخصومات وشجار، بل قد يحصل فيها ضرب في مواطن عبادة مع الأسف الشديد، إما طلاب علم يتسابقون إلى القرب من المعلم مثلاً، وجاؤوا لتحصيل الأجر فيرجعون بشيء من الإثم، نعم قد يكون هدفهم القرب من الشيخ مثلًا، وهذا طيب، وينبغي التنافس فيه، لكن قد يكون هدف آخر الاتكاء مثلاً، ليس هدفهم القرب من الشيخ، وهذا يحصل كثيرًا في مواطن الزحام كالحرمين ونحوهما مع الأسف الشديد أنه يوجد خصام، وأحيانًا نزاع طويل ومضاربة أحيانًا، ولذا هنا شيء يغفل عنه الكثير من الناس لما ذكر الله- جل وعلا- عن بيته الحرام بأنه يستوي فيه العاكف والباد، {سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ} [سورة الحج:25]، العاكف المقيم في المسجد، والباد هو من يأتي من البادية؛ ليؤدي فرضًا واحدًا سواء ليس هذا بأحق من هذا، عقب ذلك بقوله- جل وعلا-: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [سورة الحج:25].

يعني لو وجد العاكف مثلاً المقيم والملازم للمسجد، ثم جاء هذا البادي؛ ليصلي فجلس، فجاء العاكف هذا وسحبه من مكانه، وأقامه من مكانه، ولا يقصد بالإلحاد معناه العرفي، الذي هو الخروج من الدين، لا، الإلحاد الميل، وهو نكرة في سياق الشرط فيعم، ولا شك أن مثل هذا إلحاد، يعني ميل عن الجادة، وحيد عن الصواب، وتعدٍ على الآخرين، فليتق الله- جل وعلا- المسلم، ويجتنب هذه التصرفات المخلة بعبادته.

 وبعض الناس يحرص على السُنَّة، يحرص دائمًا على الصف الأول، يحرص على القرب من الإمام، القرب من الخطيب، القرب من الشيخ، لكن يجهل كيفية تطبيق السُنَّة، قد يرتكب في سبيل تحصيل هذه السنة إثمًا، مثلاً التجافي في الصلاة سُنَّة، لكن إذا ترتب عليه أذية لمن جاورك من يمين وشمال، أو ترتب عليه فرج في الصفوف، لا شك أنه يكون حينئذ مفضولاً، وإن كان في الأصل..

المقدم: فاضلًا.

فاضلاً.

 «فجلس فيها» قال القسطلانى: جاء بالفاء في قوله «فرأى» لتضمّن «أما» معنى الشرط، ولابن عساكر فرجة بفتح الباء وهي والضم لغتان كما تقدم «وأما الآخَر» بفتح الخاء أي الثاني، قال ابن حجر: وفيه رد على من زعم أنه يختص بالأخير يعنى الآخَر غير الآخِر، قال ابن حجر: وفيه رد على من زعم أنه يختص بالأخير؛ لإطلاقه هنا على الثاني، ما الفرق بين ربيع الثاني وجمادى الآخرة؟

المقدم: ربيع.

الثاني ما قال الآخر أو الآخِر جمادى الآخرة.

المقدم: أما جمادى الآخر فلأنها أخيرة ما فيه إلا جمادى الأولى والأخيرة.

والثاني؟ 

المقدم: المفترض أن يكون الآخر.

أما يوحي الثاني بأن هناك ثالثًا؟

المقدم: هذا الأصل بناءً على كلام.

قال ابن حجر: وفيه رد على من زعم بأنه يختص بالأخير لإطلاقه على الثاني؛ لأن فيه ثالثًا سيأتي؟

المقدم: لكن الربيع ألا يرجح كون الربيع الآخر أيضًا.

لكن هم هكذا نطقوا، هكذا وصفوا، وصفوه بأنه الثاني.

المقدم: وجمادى الآخرة.

نعم.

الأخ الحاضر:......

ما معنى يكون ثالث ورابع؟

المقدم: تفاؤل بالربيع يقول الآخر؟

 يعني باللفظ، لفظ الربيع ليكون كجمادى الأولى ربيع ثالث مثلاً، لكن هل الشهر ملازم للوصف الذي هو الربيع بمعناه؟

المقدم: لا.

لأنه قد يأتي في شدة الحر، وقد يأتي في شدة البرد، وقد يأتي في فصل الربيع، وقد يأتي في فصل الخريف، الأيام تدور.

الأخ الحاضر:.....

ليكون كونه آخر فاصلًا بين الأشهر الحرام والأشهر الحلال، على كل حال هكذا قالوا، هكذا نطقوا.

«فجلس خلفهم» بالنصب على الظرفية، «وأما الثالث فأدبر» حال كونه ذاهبًا أي أدبر مستمرًّا في ذهابه ولم يرجع، وإلا فأدبر بمعنى مر ذاهبًا، «وأما الثالث فأدبر» حال كونه ذاهبًا؛ لأنَّه قال هنا: «وأمَّا الثالث فأدبر ذاهبًا» أدبر التي تعني ذاهبًا، هذه تغني عن ذاهبًا؟ نعم، ما تغني؟ جيء بهذه الكلمة ذاهبًا؛ ليبين أنه استمر في إدباره؛ لأن أدبر احتمال أن يكون أقبل بعد ذلك، لكن ذاهبًا أي لم يرجع، معناه أنه استمر في إدباره.

المقدم: فيما تبقى فضيلة الدكتور إن أذنتم -أحسن الله إليكم- نرجئ الحديث عن إخبار الرسول- صلى الله عليه وسلم- عن هؤلاء النفر الثلاثة مع الربط في حلقة قادمة بإذن الله لاكتمال هذه الحلقة.

أيها الإخوة والأخوات، بهذا نصل وإياكم إلى ختام حلقتنا هذه، كنا وإياكم مع فضيلة الدكتور/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير، نلقاكم بإذن الله لاستكمال ما تبقى من ألفاظ هذا الحديث في الحلقة القادمة، وأنتم على خير.

 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.