كتاب الوضوء (38)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الحافظ -رحمه الله تعالى-: حدثنا عمرو؟
لا، قوله في الشرح، نصف الشرح أخذنا.
طالب:...
قوله عمرو بن ميمون الجزري.
طالب:...
ماذا؟
طالب:...
نفس الطبعة؟
طالب:...
هو الحديث واضح، لكن الشرح مائتين وثلاثين أخذنا نصف الشرح.
طالب:...
ماذا؟
طالب:...
قال الحافظ -رحمه الله تعالى-: "قوله: عمرو بن ميمون الجزري كذا للجمهور وهو الصواب، وهو بفتح الجيم والزاي بعدها راء منسوب إلى الجزيرة، وكان ميمون بن مهران والد عمرو نزلها فنسب إليها ولده. ووقع في رواية الكُشْمِيهَنِي وحده الجوزي بواو ساكنة بعدها زاي، وهو غلط منه. قوله: (أغسل الجنابة) أي أثر الجنابة، فيكون على حذف مضاف أو أطلق اسم الجنابة على المني مجازًا".
تقدَّم مرارًا من كلام الحافظ -رحمه الله- أن الكُشْمِيهَنِي ليس من الحفاظ، وإذا اختلفت روايته مع غيره فغيره مقدَّم عليه.
"قوله: (أغسل الجنابة) أي أثر الجنابة، فيكون على حذف مضاف أو أطلق اسم الجنابة على المني مجازًا، قوله: (بُقع) بضم الموحدة وفتح القاف جمع بقعة قال أهل اللغة: البقع اختلاف اللونين".
اللون يصير مغايرًا للون الأصل، اللون المغاير يقال له: بُقعة يقال له: بُقعة، والأصل في هذه البقع أن تكون أقل من بقية الأصل.
طالب: الحديث يا شيخ؟
قوله في الإسناد الثاني.
"قوله في الإسناد الثاني".
لا، قبل.
"قوله في الإسناد: (حدثنا يزيد) قال أبو مسعود الدمشقي: كذا هو غير منسوب في رواية الفربري وحماد بن شاكر، ويقال: إنه ابن هارون، وليس بابن زريع وجميعًا قد رويا -يعني عن عمرو بن ميمون- ووقع في رواية ابن السكن أحد الرواة عن الفربري: "حدثنا يزيد يعني ابن زريع"، وكذا أشار إليه الكَلابَاذي، ورجَّح القطب الحليمي في شرحه أنه ابن هارون".
الحلبي نعم. ماذا عندكم؟ ما يجيء.
طالب:...
نعم، فيه ميم عندنا وعندك وعندكم كلكم لكن ما يجيء.
ماذا؟
طالب:...
الحلبي الحلبي قطعًا.
طالب:...
أين؟
طالب:...
وجميعًا قد رويا نعم.
طالب:...
المقصود أن يزيد بن زريع ويزيد بن هارون كلاهما قد رويا، فإن كانا قد رويا هذا الحديث صحّ أن يقال: روياه، وإلا فحذفها هو المتوجه.
وعلى كل حال سيجيء في كلام الحافظ ما يدل على أن الحديث ثبت من روايتهما، والقاعدة عند أهل العلم في المهمل إذا تردد بين اثنين فالمرجَّح من هو ألصق به، وأكثر رواية عنه، نعم.
"ووقع في رواية ابن السكن أحد الرواة عن الفربري: "حدثنا يزيد يعني ابن زريع"، وكذا أشار إليه الكَلابَاذي، ورجَّح القطب الحليمي في شرحه أن ابن هارون قال".
أنه أنه.
"أنه ابن هارون، قال: لأنه وجد من روايته ولم يوجد من رواية ابن زريع. قلت: ولا يلزم من عدم الوجدان عدم الوقوع، كيف وقد جزم أبو مسعود بأنه رواه، فدل على وجدانه، والمُثْبِت مُقدَّم على النافي. وقد خرّجه الإسماعيلي وغيره من حديث يزيد بن هارون بلفظ مخالف للسياق الذي أورده البخاري، وهذا من مرجحات كونه ابن زريع، وأيضًا فقتيبة معروف بالرواية عن يزيدِ بن زريع".
يزيدَ.
"يزيِد بن زريع دون ابن هارون، قاله المزي، والقاعدة فيمن أهمل أن يحمل على من للراوي به خصوصية كالإكثار وغيره، فترجَّح أنه ابن زريع، والله أعلم".
وعلى كل حال، لو لم يمكن الترجيح بينهما فهذا لا يؤثر في صحة الحديث؛ لأنه أينما دار فهو على ثقة، كلاهما من الثقات.
"قوله: (حدثنا عمرو) كذا للأكثر، ولأبي ذر يعني ابن ميمون وهو ابن مهران كما سيأتي في آخر الباب الذي يليه. قوله: (سمعت عائشة)، وفي الإسناد الذي يليه "سألت عائشة" فيه رد على البزار، حيث زعم أن سليمان بن يسار لم يسمع من عائشة، على أن البزار مسبوق بهذه الدعوى، فقد حكاه الشافعي في الأم عن غيره، وزاد أن الحفاظ قالوا: إن عمرو بن ميمون غلط في رفعه، وإنما هو في فتوى سليمان، انتهى. وقد تبيَّن من تصحيح البخاري له وموافقة مسلم له".
يعني إذا روي الحديث مرفوعًا، وروي موقوفًا، وحينئذٍ يكون الموقوف فتوى من الراوي، والمرفوع حديثًا يرفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، الحفاظ يحكمون بما ترجحه القرائن، من رفعٍ أو وقف، لكن لا يمنع أن يرويه مرفوعًا ويفتي به من تلقاء نفسه، يفتي بفتوى على مقتضى المرفوع، ما فيه تنافي.
"وقد تبيَّن من تصحيح البخاري له وموافقة مسلم له على تصحيحه صحة سماع سليمان منها، وأن رفعه صحيح".
لا سيما وقد اعتمده الشيخان الذي هو الرفع، وثبوت السماع.
"وليس بين فتواه وروايته تنافٍ، وكذا لا تأثير للاختلاف في الروايتين".
هذا في حال الاتفاق، في حال الاتفاق بين الرواية والرأي الذي هو الفتوى، ولكن إذا اختلفت الرواية مع الرأي فالعبرة بما روى لا بما رأى.
"وكذا لا تأثير للاختلاف في الروايتين حيث وقع في إحداهما أن عمرو بن ميمون سأل سليمان، وفي الأخرى أن سليمان سأل عائشة؛ لأن كلاًّ منهما سأل شيخه، فحفظ بعض الرواة ما لم يحفظ بعض، وكلهم ثقات".
نعم.
"قوله: (عبد الواحد) هو ابن زياد البصري، وفي طبقته عبد الواحد بن زيد البصري، ولم يخرج له البخاري شيئًا".
بخلاف عبد الواحد بن زياد وهو من الثقات، من الثقات وإن وهم في رواية الاضطجاع بعد صلاة راتبة الفجر من قوله وأمره -عليه الصلاة والسلام-، المحفوظ أنه من فعله، وقد وهم في هذا عبد الواحد بن زياد.
"قوله: (عن المني) أي عن حكم المني، هل يشرع غسله أم لا؟ فحصل الجواب بأنها كانت تغسله وليس في ذلك ما يقتضي إيجابه، كما قدمناه".
نعم؛ لأنه قد يغسل من أجل أنه مستقذر ومنظره قبيح، كالنخاعة ونحوها فيغسل من هذه الجهة، لا لنجاسته.
"قوله: (فيخرج) أي من الحجرة إلى المسجد. قوله: (بقع الماء) بضم العين على أنه بدل من قوله: "أثر الغسل"، ويجوز النصب على الاختصاص، وفي هذه الرواية جواز سؤال النساء عما يُستحى منه لمصلحة تعلم الأحكام".
مع أمن الفتنة وعدم الخلوة.
" وفيه خدمة الزوجات للأزواج".
لأن عائشة كانت تغسله من ثوب النبي -عليه الصلاة والسلام- وهذه خدمة.
"واستدل به المصنف على أن بقاء الأثر بعد زوال العين في إزالة النجاسة وغيرها لا يضر، فلهذا ترجم: "بابٌ إذا غسل الجنابة أو غيرها فلم يذهب أثره".
الباب الذي يليه، الباب الذي يلي هذا.
طالب:...
الآن قوله: فلهذا ترجم: بابٌ إذا غسل الجنابة أو غيرها فلم يذهب أثره، هل هذه هي الترجمة المعتمدة في الأصل، أو وردت عرضًا في الشرح؟
طالب:...
ماذا؟
طالب:...
لكن أنت طبعتكم خلاص، اعتمدها وشرح ما بعدها، فلم يُعِدها مع الحديث.
طالب:...
ماذا؟
طالب:...
لا، أنت المعتمدة عندك التي المتن؛ لأنه في الأصل الفتح ما فيه متن أصلاً، ما فيه متن، ولذلك في مقدمة الكتاب قال: فلم أذكر المتن؛ لئلا يطول الكتاب، يقول: وكنتُ عزمتُ على أن أسوق حديث الباب بلفظه قبل شرحه، ثم رأيت ذلك مما يطول به الكتاب جدًّا، يعني ما ذكر المتن، والذي طبع الكتاب ويقول: ونحن قد حققنا ذلك في هذه الطبعة، وسقنا حديث الباب بلفظه قبل شرحه؛ ليكون ذلك أعون على فهم الشرح، والإلمام بمراميه. هذا ممن تصرفوا وأدخلوا المتن في الكتاب.
طالب:...
لا لا. الذي أدخلها الطابِع ليته إذ تصرَّف أحسن التصرف، وأدخل الرواية التي اعتمدها الحافظ في شرحه؛ لأنه اعتمد على رواية أبي ذر، وأشار إلى ما عداها عند الحاجة، الرواية المدرجة من باب التصرف وهذه لا توافق الشرح، يوجد اختلاف في مواضع، وعلى هذا على الناشر أن يكون أمينًا، فلا يتصرف في كتب الناس، العلماء لهم أهداف حينما يذكرون، ولهم أهداف حينما يحذفون، وقد بيّن العلة هنا، كوني أدخلت، واجتهدت، ورأيت أن هذا أنفع لطلاب العلم، وهو كذلك، لكن لا يعني أن أخالف رغبة المؤلف، وليتهم فعلوا مثل ما فعلوا في الطبعة الأولى طبعة بولاق.
طالب:...
الشرح ما تصرفوا فيه إطلاقًا، وضعوا المتن في الحاشية، بالخارج، ليس هو مع الشرح، ومرّ بنا نظير ذلك أن القرطبي لم يذكر الآيات في تفسيره، يذكر طرف الآية ثم يقول: فيها عشرون مسألة، وفيها عشر مسائل، ولا يأتي بها، الذين طبعوا الكتاب في دار الكتب المصرية في الطبعة الأولى المجلد الأول والثاني على مراد المؤلف ما فيه آيات، وبقية المجلدات في الطبعة الأولى وما بعدها كلها أدخلوا الآيات فيها، ثم لما طبعوه ثانية وثالثة أدخلوا الآيات في جميع الأجزاء، وليتهم وضعوا القراءة التي اعتمدها المفسِّر، هو اعتمد قراءة نافع، وهم أدخلوا قراءة حفص عن عاصم.
طالب:...
ولذلك تجدون المفسر يذكر القراءات الأخرى غير القراءة التي اعتمدها بما فيها القراءة التي أثبتوها، المفترض ألا تُذْكَرَ.
قال: "بابٌ إذا غسل الجنابة أو غيرها فلم يذهب أثره، وأعاد الضمير مذكرًا على المعنى، أي فلم يذهب أثر الشيء المغسول، ومراده أن ذلك لا يضر. وذكر في الباب حديث الجنابة وألحق غيرها بها قياسًا، أو أشار بذلك إلى ما رواه أبو داود وغيره من حديث أبي هريرة أن خولة بنت يسار قالت: يا رسول الله، ليس لي إلا ثوب واحد، وأنا أحيض فيه، فكيف أصنع؟".
وأنا أحيضُ؟
طالب: فيه.
نعم.
"فكيف أصنع؟ قال: «إذا طهرت فاغسليه ثم صلي فيه»، قالت: فإن لم يخرج الدم؟ قال: «يكفيك الماء، ولا يضرك أثره» وفي إسناده ضعف، وله شاهد مرسل ذكره البيهقي، والمراد بالأثر ما تعسر إزالته جميعًا".
جمعًا.
"جمعًا بين هذا وبين حديث أم قيس: «حكيه بضلع، واغسليه بماء وسدر»، أخرجه أبو داود أيضًا، وإسناده حسن. ولمّا لم يكن هذا الحديث على شرط المصنف استنبط من الحديث الذي على شرطه ما يدل على ذلك المعنى كعادته".
عندنا ثم جاءت الترجمة، تبعًا للتصرف الذي حصل من الطابع، قال بعد ذلك: بابٌ إذا غسل الجنابة أو غيرها فلم يذهب أثره، وذكر الحديث ثم بدأ مباشرةً في شرح الحديث.
قال الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-: "بابٌ إذا غسل الجنابة أو غيرها فلم يذهب أثره. حدثنا موسى بن إسماعيل المنقري قال: حدثنا عبد الواحد قال: حدثنا عمرو بن ميمون قال: سألت سليمان بن يسار في الثوب تصيبه الجنابة قال: قالت عائشة: كنت أغسله من ثوب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم يخرج إلى الصلاة وأثر الغسل فيه بقع الماء.
حدثنا عمرو بن خالد قال: حدثنا زهيرٌ قال: حدثنا عمرو بن ميمون بن مهران عن سليمان بن يسار عن عائشة أنها كانت تغسل المني من ثوب النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم أراه فيه بقعةً أو بقعًا".
يقول الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-: "بابٌ إذا غسل الجنابة أو غيرها فلم يذهب أثره"، والحديث كما تقدَّم في شرح الترجمة في الجنابة، وغير الجنابة استنبطه الإمام من أحاديث أخرى في الحيض، كما أشار إلى ذلك الشارح.
"قوله: حدثنا موسى" بن إسماعيل المِنقري، وهو أبو سلمة التبوذكي نسبة إلى مِنقر بطن من تميم، وهو مشهورٌ باسمه ومشهورٌ بكنيته، وهو أيضًا مشهور بالنسبتين إلى قبيلته وإلى مهنته. "قال: حدثنا عبد الواحد" وهو ابن زياد الذي مرّ ذكره، وكذلك عمرو بن ميمون شيخه، "قال: سمعت سليمان بن يسار" وهو أحد الفقهاء السبعة:
فخذهم عبيد الله عروة قاسم أبو بكر مع سليمان خارجة
"سمعت سليمان بن يسار في الثوب" يعني يُسأل أو يقول في الثوب تصيبه الجنابة، يُسأل عن الثوب، أو يقول في شأن الثوب تصيبه الجنابة، "قال: قالت عائشة: كنتُ أغسله من ثوب النبي -صلى الله عليه وسلم-"، والمقصود أثر الجنابة وهو الماء، أو المني، "أغسله من ثوب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم يخرج إلى الصلاة وأثر الغسل فيه بقع الماء".
الآن الأثر بالنسبة للجنابة هل هو أثر المني أو أثر الماء، الماء المغسول به؟
طالب: الماء.
نعم، وقوله: أو غيرها، يعني كما تقدَّم في شرح الترجمة أنه في دم الحيض، الأثر الباقي هو من أثر الماء أو من أثر الدم لون يبقى، ولا يضرك أثره، أثره ما هو؟
طالب:...
يبقى لون صُفرة، ما تزول بالمنظفات؛ لأن الدم زواله صعب إذا يبس، وليس عندهم من المنظفات مثل ما عندنا الآن، فالأثر يختلف من أثر المني؛ لأنه يزول بالماء، ما يبقى له أثر، بخلاف أثر الدم، فإنه يبقى، وعلى هذا عطف أو غيرها على الجنابة كما اختاره الإمام البخاري الأثر متفق أم مختلف؟
مختلف، يعني فرق بين أن يكون أثر شاي أو حبر؟
طالب:...
إذا غُسل الشاي انتهى، لكن إذا غسل الحبر يبقى إلا بمنظفات قوية، فإذا قلنا: أثر الحبر والشاي عطفنا عليه، يتجه العطف؟ هل يتساوى المعطوف مع المعطوف عليه؟
طالب:...
ماذا؟
طالب:...
لا عندنا أشد، الآن الكلام مفهوم أم ليس مفهومًا؟
طالب:...
بلا شك الدم له لون يبقى فيه صُفرة ما تزول إلا بمنظفات قوية، ولذلك في الحديث نفسه ما يدل على ذلك، قال: «يكفيك الماء ولا يضرك أثره» أثر الماء؟
لا، أثر الدم.
طالب:...
وفي حديث الباب بقع الماء، الأثر من بقع الماء؛ لأنه يزول بسهولة، مثل ما نظرنا بين الشاي والحبر مثلاً، ويبقى الحكم واحدًا أم لا؟ وجاء في الأشد «ولا يضرك أثره» فمن باب أولى ألا يضر أثر الأخف.
طالب:...
ليس شرطًا، لكن ذكره في الترجمة وغيرها، لو اعتمد الحديث، فما هو على شرطه.
البخاري -رحمه الله تعالى- قد يذكر في الترجمة ما لا يذكره في الأصل، إما لرواية من روايات حديث الأصل لم يخرجها ويشير إليها، أو لحديثٍ آخر لا يكون على شرطه، هذه طريقته -رحمه الله-.
طالب:...
ماذا؟
طالب:...
إزالته سهلة بالحك بالظفر، لا إشكال.
قال الحافظ -رحمه الله-: "قوله: (المِنقري) بكسر الميم وإسكان النون وفتح القاف نسبة إلى بني منقر -بطن من تميم-، وهو أبو سلمة التبوذكي وعبد الواحد هو ابن زياد أيضًا.
قوله: (سمعت سليمان بن يسار في الثوب) أي يقول في مسألة الثوب، وللكشميهني: "سألت سليمان بن يسار في الثوب" أي قلت له: ما تقول في الثوب أو في بمعنى عن. قوله: (اِغسله) أي أثر الجنابة أو المني".
أَغسله.
"أَغسله"
أَغسِلُهُ.
طالب: نعم تخبر هي.
"أغسلُه أي أثر الجنابة أو المني، قوله: (وأثر الغسل فيه) يحتمل أن يكون الضمير راجعًا إلى أثر الماء أو إلى الثوب، ويكون قوله "بقع الماء" بدلاً من قوله: "أثر الغسل" كما تقدم، أو المعنى أثر الجنابة المغسولة بالماء فيه من بقع الماء المذكور. وقوله في الرواية الأخرى: "ثم أراه فيه" بعد قوله: "كانت تغسل المني" يرجح هذا الاحتمال الأخير؛ لأن الضمير يرجع إلى أقرب مذكور، وهو المني".
طالب:...
ماذا؟
طالب:...
بقعة أو بقعًا؟ ما فيه فرق، بقع الماء نعم، بقع الماء تراها؛ لأنه بلون مقارب للون الماء.
ثم قال -رحمه الله-: حدثنا عمرو بن خالد قال: حدثنا زهير وهو ابن معاوية، قال: حدثنا عمرو بن ميمون بن مهران عن سليمان بن يسار عن عائشة أنها كانت تغسل المني من ثوب النبي –صلى الله عليه وسلم- ثم أراه، أي كانت تغسل، هذا من كلام سليمان، كانت تغسل من كلام سليمان، من ثوب النبي –صلى الله عليه وسلم- ثم أراه فيه من كلام من؟
طالب: عائشة.
عائشة، ولو اتسق الكلام لكان: ثم تراه، لو قلنا من كلام سليمان، ولذا اختلفت الضمائر: ثم أراه فيه بقعة أو بقعًا، يعني هذا واضح إذا كان نضحًا ليس بغسل، إذا غُسل انتشر الماء على الجميع.
"قوله: (زهير) هو ابن معاوية الجعفي. قوله: (أنها كانت) يحتمل أن يكون مذكورًا بالمعنى من لفظها أي قالت: كنت أغسل ليشاكل قولها: "ثم أراه"، أو حذف لفظ "قالت" قبل قولها "ثم أراه".
قوله: (بقعة أو بقعًا) يحتمل أن يكون من كلامها، ويُنَزَّلُ على حالتين أو شكًّا من أحد رواته، والله أعلم".
يعني أحيانًا ترى فيه بقعة واحدة وأحيانًا ترى فيه بقعًا فيكون للتقسيم، أحيانًا على الأحوال أحيانًا كذا وأحيانًا كذا، للتنويع.
طالب:...
نعم.
قال الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-: "باب أبوال الإبل والدواب والغنم ومرابضها، وصلى أبو موسى في دار البريد والسِّرقَين".
ماذا؟
طالب: السِّرقِين؟
السِّرقِين نعم.
"وصلى أبو موسى في دار البريد والسِّرقِين والبرية إلى جنبه، فقال: ها هنا وثَمَّ سواء".
البريةُ. البريةُ.
طالب:...
البريةُ إلى جنبه، ما هو معطوف على ...
"حدثنا سليمان بن حرب قال: حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس بن مالك قال: قدم أناس من عُكْلٍ أو عُرَينة، فاجتووا المدينة، فأمرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بلقاح، وأن يشربوا من أبوالها وألبانها، فانطلقوا، فلما صحوا قتلوا راعي النبي -صلى الله عليه وسلم- واستاقوا النعم، فجاء الخبر في أول النهار، فبعث في آثارهم، فلما ارتفع النهار جيء بهم فأمر فقطع أيديهم وأرجلهم، وسمرت أعينهم، وألقوا في الحرة يستسقون فلا يسقون.
قال أبو قلابة: فهؤلاء سرقوا وقتلوا وكفروا بعد إيمانهم، وحاربوا الله ورسوله.
حدثنا آدم قال: حدثنا شعبة قال: أخبرنا أبو التياح يزيد بن حميد عن أنس قال: كان النبي- صلى الله عليه وسلم- يصلي قبل أن يُبنى المسجد في مرابض الغنم".
يقول الإمام -رحمة الله عليه-: "باب أبوال الإبل والدواب والغنم ومرابضها" أبوال الإبل استدل الإمام -رحمه الله تعالى- على طهارتها بحديث العرنيين، وفيه أنهم أمرهم أن يشربوا من أبوالها وألبانها، ولم يأمرهم بغسل أفواههم؛ لأنه قيل: هذا من باب الضرورة والعلاج، لكن لو كان الأمر كذلك لأُمروا بغسل أفواههم، هذا ما يدل عليه الحديث بالنسبة لطهارة أبوال الإبل، والدواب وهذا من عطف العام على الخاص، ثم عطف الخاص وهو الغنم على الدواب أو يحمَل الدواب على غير الإبل مما يحمَل عليه كالخيل والبغال وغيرها، والغنم ومرابضها، مرابض ما ذُكِر الإبل والدواب والغنم، ما حكم الصلاة فيها؟
وهل هي طاهرة أو نجسة؟
وصلى أبو موسى في دار البريد، دار البريد، البريد معروف أنه الذي ينقل من بلد إلى بلد، والوسيلة في ذلك الوقت الخيل وغيرها، لكن الخيل أسرع هي الغالب، يعني مثل الزاجل الذي عندنا الآن نقل البضائع من بلد إلى آخر، وما دام أبو موسى -رضي الله تعالى عنه- صلى في دار البريد وهي تغشاها هذه الوسائل، مما يدل على طهارتها.
والسِّرقين الزبل، ويقال له: السِّرجين كلمة فارسية، وهي تُنطق عندهم بين القاف والجيم قريبة من الكاف.
والبرية إلى جنبه يعني ما هي ضرورة، البرية إلى جنبه ما فيه ضرورة تضطره وتلجئه إلى أن يصلي في هذه الأماكن، مما يدل على طهارتها، والبرية إلى جنبه كأنه قيل له: ابتعد قليلًا، قال: ها هنا وثمَّ سواء؛ لأنه قيل له.
ما فيه إشكال إذا كان بعض الناس يرى أن هذه الأماكن فيها شيء، وفيها خلاف، وفيها شبهة، والبرية جنبك قال: ها هنا وثمَّ سواء، مما يدل على أنه يقطع ويجزم بطهارتها، ولا يشك في ذلك.
قال -رحمه الله-: حدثنا سليمان بن حرب قال: حدثنا حماد بن زيد عن أيوب السختياني ابن أبي تميمة أبوه كنيته أبو تميمة واسمه إيش؟
طالب:...
ماذا؟
طالب:...
ما اسمه؟ اسمه كيسان السَّختياني بفتح السين عن أبي قلابة عبد الله بن زيد الجرمي عن أنس بن مالك: قال: قدم أناس من عُكل أو عرينة وفي بعض الروايات بالواو: من عكل وعرينة يعني من القبيلتين، فاجتووا المدينة يعني استوخموها، لم يناسبهم جوها، فتأثروا ومرضوا، فاجتووا المدينة فأمرهم النبي –صلى الله عليه وسلم- بلقاح أن يلحقوا بلقاح من إبل الصدقة أو أمر لهم بهذه اللقاح، وأن يشربوا من أبوالها وألبانها، وهذا هو محل الشاهد، أن يشربوا من الأبوال، مما يدل على طهارتها.
في حديث القبرين: «وكان أحدهما لا يستنزه من البول» تقدَّم، أو «يستبرئ من البول» قال: ولا يعرف ذلك إلا في أبوال الناس؛ لأن بعض أهل العلم استدل على نجاسة أبوال الإبل وغيرها مما يؤكل لحمه بعموم حديث القبرين، ولذلك البخاري لما اختار أن أبوال ما يؤكل لحمه لا يدخل في الوعيد قال: إنه لا يعرف ذلك إلا في أبوال الناس.
فانطلقوا يعني انطلقوا إلى محل إبل الصدقة، وشربوا من أبوالها وألبانها، فلما صحّوا تماثلوا للشفاء أو شُفوا قتلوا راعي النبي –صلى الله عليه وسلم-؛ لأنهم قوم لئام؛ إذا أنت أكرمت الكريم ملكته وإذا أنت أكرمت اللئيم تمرد، الآن بعض الناس من اللئام، وبعضهم يصرح بهذا لا سيما من الجفاة إذا سلم عليه أحد قال: هذا خائف مني، ما يدري أنه يمتثل أمرًا شرعيًّا وأدبًا من آداب الإسلام، ومن أعظم ما ينشر المحبة والمودة بين الناس ويقول: إذا سلم فهو خائف منك انتبه! يعني اصنع ما شئت، لا سيما في أوقاتٍ فيها نوع من فوضى وعدم الأمن والله المستعان.
هؤلاء اللئام لما صحّوا قتلوا الراعي، واستاقوا النعم، أخذوا الإبل معهم، فجاء الخبر في أول النهار إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، فبعث في آثارهم من يأتي بهم، فلما ارتفع النهار جيء بهم، جيء بهم في نفس اليوم، فأمر -عليه الصلاة والسلام- بعقوبتهم، فقطع أيديهم وأرجلهم لماذا؟
لأنهم يحاربون، فقطع أيديهم وأرجلهم، وسُمِرت أعينهم، وهذا من باب المماثلة، {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ}[سورة النحل: 126]، {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} [سورة الشورى: 40]، مثلها، هذه مماثلة، وليست مُثلة كما يقول بعضهم، مماثلة، فعلوا ذلك بالراعي ففعل بهم من جنس ما فعلوا.
طالب:...
ماذا؟
طالب:...
وسُمِرت أعينهم، يعني كُحِلت بمسامير من نار، أو فقئت، وأُلقوا في الحرة يستسقون فلا يُسقَون، قد يقول قائل: أين الرحمة؟
قد استدل بهذا الحديث بعض الفرق المتطرفة من الغلاة، ففعلوا مثل هذا الفعل قالوا: قدوتنا الرسول -عليه الصلاة والسلام-، فالمماثلة شرعية، والمُثلة حرام، المماثلة في المعاقبة والجاني إذا وصل به الحد إلى هذا يُفعَل كما فعل، لكن المُثلة لا تجوز حرام.
طالب:...
يعني إذا قُتِل القتيل في حربٍ أو في غيرها مُثِّل به، فجدع أنفه، وقطعت أذناه، وقُطِّع أوصاله، نسأل الله العافية، الآن في وسائل الآن كل شيء يشاهد، ما يخفى شيء، في دولة اليهود جاؤوا بشابٍ فلسطيني وفرشوه على الأرض، وجاءت سيارة تطؤه ذاهبة آيبة، تطؤه بمقدار كفر السيارة ذاهبة وراجعة إلى أن سووه بالأرض، نسأل الله العافية. هذا التمثيل، لكن ما بعد الكفر ذنب، الله المستعان.
مثل هذه الأحاديث لا شك أنها صحيحة متفق عليها، والواقعة ثابتة ثبوتًا قطعيًّا فلا مجال للنقاش فيها، لكن كون بعض الناس يجبَل على شيء من الظلم ويُعرَف عنه ذلك لا ينبغي أن يُحدَّث بمثل هذا الحديث؛ لأنه يعينه أو يجيره ويستفيد منه لتحقيق ظلمه، ولذلك لما حدَّث أنس بن مالك الحجاج بالحديث لامه الحسن البصري، الحجاج ما يريد من يدفعه، وهكذا في النصوص كلها، يعني الخوارج ما يُحدَّثون ويُكَثر عليهم من أحاديث الوعيد، فلا يحتاجون إلى من يدفعهم، كما أن المرجئة لا يُحدَّثون بأحاديث الوعد، والأصل أن العلاج في الجمع بين النوعين، في الجمع بين النوعين.
طالب:...
لا، بالحرة هذا موقعهم، ماذا تريد أن يفعل بهم؟ تركوا يعني تركوا في الحرة.
طالب:...
لا، مثلوا به، سمروا عينه، نفس الفعل، لئام، قال أبو قلابة الراوي عن أنس عبد الله بن زيد الجرمي: فهؤلاء سرقوا الإبل، استاقوا النعم، وقتلوا، يعني قتلوا الراعي، وكفروا بعد إيمانهم، وحاربوا الله ورسوله، استحقوا هذه العقوبات بما جنته وكسبت أيديهم.
طالب:...
لا، أحيانًا العلم ما أنت بمحدث قومًا حديثًا لا تحتمله عقولهم إلا كان لهم فتنة، حدثوا الناس بما يعرفون، أتريدون أن يُكذَّب الله ورسوله؟ ما كل العلم يلقى على جميع الناس.
طالب:...
تجيء للشباب إلى شباب مكلفين يلعبون كرة، والناس يصلون فتأتي بحديث: «لا يدخل النار من في قلبه مثقال ذرة من إيمان»؟ ما معناه؟
طالب:...
لا تصلوا، استمروا على ما أنتم عليه، تأتي لهم بأحاديث الوعيد التي جاءت في ترك الصلاة، وبالمقابل لو وجد ناسًا تشددوا وضيقوا على أنفسهم تأتي لهم بأحاديث الوعد؛ لأن النصوص علاج، الحجاج بحاجة إلى هذا الحديث؟ هو يفعل أكثر من هذا، لكن يأخذ هذا مستندًا ويزيد فيه، ينشرح صدره لما يفعل، ويزيد في أمره؛ لأنه عنده مستند، وإن كان لا يدل على الظلم هذا، إنما يدل على تشديد العقوبة على من أساء هذه الإساءة.
"قوله: (عن أيوب، عن أبي قلابة) كذا رواه البخاري".
لا، الترجمة.
"قوله: (باب أبوال الإبل والدواب والغنم) والمراد بالدواب معناه العرفي، وهو ذوات الحافر من الخيل والبغال والحمير، ويحتمل أن يكون من عطف العام على الخاص ثم عطف الخاص على العام، والأول أوجه، ولهذا ساق أثر أبي موسى في صلاته في دار البريد؛ لأنها مأوى الدواب التي تركب، وحديث العرنيين؛ ليستدل به على طهارة أبوال الإبل، وحديث مرابض الغنم ليستدل به على ذلك أيضًا منها".
طالب:...
لكنها دواب، وهذا رأيه في أبوالها، هذا رأيه. هذا رأيه هو، وطهارة هذه الدواب بالنسبة لأبدانها قول مشهور عند أهل العلم ما فيه أحد يركب حمارًا فلما نزل اغتسل، أو أصابه شيء من عرقه، لا، المقصود أن هذا رأيه في الأبوال، وإن خولف فيما لا يؤكل لحمه على ما سيأتي تفصيله، إن شاء الله تعالى.
طالب:...
نعم، تأتي إن شاء الله.
"قوله: (ومرابضها) جمع مِربَض بكسر أوله وفتح الموحدة بعدها معجمة، وهي للغنم كالمعاطن للإبل، والضمير يعود على أقرب مذكور وهو الغنم. ولم يفصح المصنف بالحكم كعادته في المختلف فيه، لكن ظاهر إيراده حديث العرنيين يشعر باختياره الطهارة، ويدل على ذلك قوله في حديث صاحب القبر: ولم يذكر سوى بول الناس، وإلى ذلك ذهب الشعبي وابن علية وداود وغيرهم، وهو يرد على من نقل الإجماع على نجاسة بول غير المأكول مطلقًا، وقد قدمنا ما فيه.
قوله: (وصلى أبو موسى) هو الأشعري، وهذا الأثر وصله أبو نعيم شيخ البخاري في كتاب الصلاة له، قال: حدثنا الأعمش عن مالك بن الحارث -وهو السلمي الكوفي-".
أبو نعيم معروف شيخ البخاري الفضل بن دُكين.
طالب:...
وهو السلمي الكوفي عن أبيه. ماذا عندك؟ صلى بنا أبو موسى، صحابي...
"حدثنا الأعمش عن مالك بن الحارث -وهو السلمي الكوفي-عن أبيه قال: "صلى بنا أبو موسى في دار البريد، وهناك سِرقين الدواب والبَرِّية على الباب فقالوا: لو صليت على الباب"، فذكره. والسِّرقين بكسر المهملة وإسكان الراء هو الزِّبْل، وحكى فيه ابن سِيدَه فتحُ أوله".
فتحَ فتحَ.
"فتحَ أوله، وهو فارسي معرب، ويقال له: السرجين بالجيم، وهو في الأصل حرف بين القاف والجيم يقرب من الكاف".
وهذا الحرف نسمعه كثيرًا من الوافدين من جهة المشرق بهذا الضبط بين السين والقاف يقرب من الكاف.
"والبَرِّية الصحراء منسوبة إلى البر، ودار البريد المذكورة موضع بالكوفة كانت الرسل تنزل فيه إذا حضرت من الخلفاء إلى الأمراء، وكان أبو موسى أميرًا على الكوفة في زمن عمر وفي زمن عثمان، وكانت الدار في طرف البلد؛ ولهذا كانت البَرِّيَّة إلى جنبها. وقال المُطَرِّزي: البريد في الأصل الدابة المرتبة في الرباط، ثم سُمِّيَ به الرسول المحمول عليها، ثم سُمِّيت به المسافة المشهورة".
البريد مسافة ومسافة القصر أربعة بُرد.
"فائدة: ذكر البخاري في تاريخه: همدان بريد عمر وهو يروي عن عمر، وله أثر ذكره المصنف تعليقًا عن عمير، كما سيأتي تخريجه من طريقه. قوله: (سواء) يريد أنهما متساويان في صحة الصلاة، وتُعُقِّبَ بأنه ليس فيه دليل على طهارة أرواث الدواب عند أبي موسى؛ لأنه يمكن أن يصلي فيها على ثوب يبسطه. وأجيب بأن الأصل عدمه، وقد رواه سفيان الثوري في جامعه عن الأعمش بسنده ولفظه: "صلى بنا أبو موسى على مكان فيه سرقين"، وهذا ظاهر في أنه بغير حائل".
أو أن البريد في عهد أبي موسى ما يستعمل إلا الخيل.
"وقد روى سعيد بن منصور عن سعيد بن المسيب وغيره أن الصلاة على الطِّنفسة محدث وإسناده صحيح. والأولى أن يقال: إن هذا من فعل أبي موسى، وقد خالفه غيره من الصحابة كابن عمر وغيره فلا يكون حجة. أو لعل أبا موسى كان لا يرى الطهارة شرطًا في صحة الصلاة، بل يراها واجبة برأسها، وهو مذهب مشهور. وقد تقدم مثله في قصة الصحابي الذي صلى بعد أن جرح".
ما يتأتى هذا الجواب إلا لو كان يراها سنَّة، لا يراها واجبة، يراها واجبة ويخالف؟ والبرية قريبة ما فيه مشقة ولا شيء يحمل على انتهاك الواجب.
"وقد تقدم مثله في قصة الصحابي الذي صلى بعد أن جرح وظهر عليه الدم الكثير، فلا يكون فيه حجة على أن الروث طاهر، كما أنه لا حجة في ذاك على أن الدم طاهر، وقياس غير المأكول على المأكول غير واضح؛ لأن الفرق بينهما متجه لو ثبت أن روث المأكول طاهر، وسنذكر ما فيه قريبًا. والتمسك بعموم حديث أبي هريرة الذي صححه ابن خزيمة وغيره مرفوعًا بلفظ: «استنزهوا من البول، فإن عامة عذاب القبر منه» أولى؛ لأنه ظاهر في تناول جميع الأبوال فيجب اجتنابها لهذا الوعيد. والله أعلم".
هذا العموم لا يُعارَض به حديث العرنيين، وإنما هذا الحديث محمول على أبوال الناس؛ لأنه جاء في حديث الذي يعذب في قبره: «لا يستنزه من بوله» من بوله، والهاء بدل من ال في الرواية الأخرى من البول.
الشيخ يعلق يقول: هذا ليس بجيد، والصواب طهارة أبوال الإبل ونحوها مما يؤكل لحمه كما يأتي دليله في حديث العرنيين، و(ال) في قوله -عليه الصلاة والسلام-: «استنزهوا من البول» للعهد، والمعهود بينهم بول الناس كما قال البخاري، وكما يدل عليه حديث القبرين وأثر أبي موسى المذكور، والله أعلم.
طالب:...
هذه ولو كانت غير مأكولة اللحم؟ ما تنضبط المسألة ما تنضبط، يقول لك مشقة الاحتراز من الكلب إذا احتاج إليه، ويباح في اتخاذه ويقول لك: مشقة الاحتراز، أو الهر؛ لأنها من الطوافين ومشقة، المشقات أعظم من هذا.
"وتابعه أبو داود عن سليمان بن حرب، وكذا أخرجه أبو عوانة في صحيحه عن أبي داود السجستاني، وأبو داود الحراني".
وأبي.
"وأبي داود الحراني، وأبي نعيم في المستخرج من طريق يوسف القاضي كلهم عن سليمان، وخالفهم مسلم، فأخرجه عن هارون بن عبد الله عن سليمان بن حرب، وزاد بين أيوب وأبي قلابة أبا رجاء مولى أبي قلابة، وكذا أخرجه أبو عوانة عن أبي أمية الطرسوسي عن سليمان، وقال الدارقطني وغيره: ثبوت أبي رجاء وحذفه في حديث حماد بن زيد عن أيوب صواب".
ثبوته وحذفه صواب؛ لأنه حينئذٍ يكون من المزيد في متصل الأسانيد.
"لأن أيوب حدث به عن أبي قلابة بقصة العرنيين خاصة، وكذا رواه أكثر أصحاب حماد بن زيد عنه مقتصرين عليها، وحدث به أيوب أيضًا عن أبي رجاء مولى أبي قلابة عن أبي قلابة، وزاد فيه قصة طويلة لأبي قلابة مع عمر بن عبد العزيز، كما سيأتي ذلك في كتاب الديات، ووافقه على ذلك حجاج الصواف عن أبي رجاء، فالطريقان جميعًا صحيحان، والله أعلم".