شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (118)

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا بكم إلى حلقه جديدة من برنامجكم شرح كتاب التجريد الصحيح للجامع الصحيح.

مع مطلع هذه الحلقة يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا ومرحبًا بكم شيخ عبد الكريم.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: لازلنا في حديث أنس في اتخاذ النبي -صلى الله عليه وسلم- الخاتم من فضة، لعلنا نستكمل ما تبقى من ألفاظ هذا الحديث معكم شيخ.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

بالنسبة لألفاظ الحديث ومتنه انتهى الكلام عليه، الآن نبين مواضع تخريج الحديث الصحيح.

 الحديث أخرجه الإمام -رحمه الله تعالى- في ثمانية مواضع:

الأول: هنا في كتاب العلم، باب ما يذكر في المناولة وكتاب أهل العلم وعلمه إلى البلدان، قال: حدثنا محمد بن مقاتل أبو الحسن، قال: أخبرنا عبد الله قال: أخبرنا شعبة عن قتادة عن أنس بن مالك، قال: «كتب رسول الله- صلى عليه وسلم-  كتابًا... » الحديث، وتقدم ذكر المناسبة بين الحديث والترجمة.

الموضع الثاني: في كتاب الجهاد، باب دعوة اليهود والنصارى وعلى ما يقاتلون عليه، وما كتب النبي -عليه الصلاة والسلام- إلي كسرى وقيصر والدعوة قبل القتال، قال: حدثنا علي بن الجعد، قال: أخبرنا شعبة عن قتادة، قال: سمعت أنسًا-رضي الله عنه- يقول: «لما أراد النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يكتب إلى الروم قيل: له.... » هذا الحديث، والمناسبة بين الحديث والباب ظاهرة؛ لأن في الترجمة في الباب وما كتبه النبي-صلى الله عليه وسلم- إلى كسرى وقيصر، في الحديث في نصه «لما أراد النبي-عليه الصلاة والسلام- أن يكتب» هي مطابقة، المناسبة مطابقة، والكتابة بالدعوة إلى الإسلام مناسبة للجهاد، حيث إنها تتقدمه فهي الخطوة الأولى، فإن أجابوا وإلا قوتلوا.

الموضع الثالث: في كتاب اللباس، في باب فص الخاتم، قال: حدثنا إسحاق، قال: أخبرنا معتمر، قال: سمعت حميدًا يحدث عن أنس-رضي الله عنه- «أن النبي-عليه الصلاة والسلام- كان خاتمه من فضة، وكان فصه منه»، والمناسبة بين الحديث والباب ظاهرة، باب فص الخاتم والحديث فيه: «وكان فصه منه» مطابقة، ظاهرة للنص على الفص، ومناسبة الخاتم لكتاب اللباس ظاهرة أيضًا؛ لكونه مما يلبس.

الموضع الرابع: في كتاب اللباس أيضًا باب نقش الخاتم، قال: حدثنا عبد الأعلى، قال: حدثنا يزيد بن  زريع، قال: حدثنا سعيد عن قتادة عن أنس -رضي الله عنه- أن نبي الله -صلى الله عليه وسلم- «أراد أن يكتب إلى رهطٍ، أو أناس من الأعاجم، فقيل: له... » الحديث «وفيه نقشه محمد رسول الله».

فالمناسبة بين قوله: «فيه نقشه محمد رسول الله»، إلى باب نقش الخاتم ظاهرة، والخاتم مناسبته لكتاب اللباس على ما تقدم؛ لكونه ما يلبس.

الموضع الخامس: في كتاب اللباس أيضًا، باب الخاتم في الخنصر، حدثنا أبو معمر قال: حدثنا عبد الوارث، قال: حدثنا عبد العزيز بن صهيب عن أنس -رضي الله عنه- قال: «صنع النبي-صلى الله عليه وسلم- خاتمًا، فقال: إنا اتخذنا خاتمًا»، وفيه: «فإني لأرى بريقه في خنصره»، وهذا الشاهد من الحديث للباب، باب الخاتم  في الخنصر ومناسبة الباب للكتاب تقدمت.

السادس: في كتاب اللباس أيضًا، باب اتخاذ الخاتم ليختم به الشيء أو ليكتب به إلى أهل الكتاب وغيرهم، قال حدثنا آدم بن أبي إياس: قال: حدثنا شعبة عن قتادة عن أنس بن مالك، قال: «لما أراد النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يكتب إلى الروم قيل له: ..» الحديث، والمناسبة باب اتخاذ الخاتم يختم به، وأراد أن يكتب فقيل له: «إنهم لا يقرؤون إلا ما كان مختومًا» ظاهرة، ومناسبة الخاتم للباس تقدمت.

السابع: في كتاب اللباس أيضًا، باب قول: النبي-صلى الله عليه وسلم- لا ينقش على نقش خاتمه، يعني نهى النبي- صلى الله عليه وسلم- أن ينقش أحد على نقش خاتمه، قال: حدثنا مسدد، قال: حدثنا حماد عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- «أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اتخذ خاتمًا من فضة»، وفيه «فلا ينقشن أحدٌ على نقشه»، فباب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا ينقش على نقش خاتمه» منصوص عليه في الحديث.

الثامن: في كتاب الأحكام في باب الشهادة على الخط المختوم وما يجوز من ذلك وما يضيق عليه وكتاب الحاكم إلى عماله والقاضي إلى القاضي، في كتاب الأحكام المراد بالأحكام؟

ماذا يراد بكتاب الأحكام؟ الثامن في كتاب الأحكام ترجمة هذه في البخاري، ماذا يراد بكتاب الأحكام؟

الأخ الحاضر: الأقضية.

الأحكام جمع حكم، كما هو معروف، والمراد بيان آدابه وشروطه، وكذا الحاكم ينفي، حكم وحاكم، فهنا يبين ماهية الحكم، وما يحكم به الحاكم، وما يجب له وما عليه، يعني جل أبواب هذا الكتاب في حقوق الراعي والرعية في الإمام الأعظم، وفي نوابه من قضاة وغيرهم، يقول: وكذا الحاكم، ويتناوله لفظ حاكم.. تناول لفظ الحاكم الخليفة والقاضي وذكر ما يتعلق بكل منهما عن الحكم والحاكم.

الثامن: قلنا في كتاب الأحكام باب الشهادة على الخط المختوم، وما يجوز من ذلك، يعني ما فيه سعة وما يضيق عليه أي يشدد فيه وكتاب الحاكم إلى عماله والقاضي إلى القاضي.

يقول: حدثني محمد بن بشار، قال: حدثنا غندر، قال: حدثنا شعبة سمعت قتادة عن أنس بن مالك، قال: «لما أراد النبي-صلى الله عليه وسلم- أن يكتب...» الحديث والترجمة مناسبة للكتاب لأن فيها كتاب الحاكم، وكتاب الحاكم إلى عماله، والكتاب الكبير اسمه كتاب الأحكام، والحديث مناسب للترجمة؛ لأن فيها الشهادة على الخط المختوم، الترجمة فيها باب الشهادة على الخط المختوم، ومناسبة الخاتم للشهادة على الخط المختوم مطابقة.

 والحديث أخرجه أيضًا الإمام مسلم فهو متفق عليه، فالإمام البخاري ذكر بعض طرق التحمل؛ لأن طرق التحمل ثمانٍ، طرق التحمل وأقسامه ثمانٍ، السماع من لفظ الشيخ وهو أعلاها، القراءة على الشيخ الذي هو العرض، المناولة، المكاتبة، الإجازة المجردة عن المناولة والمكاتبة، الإعلام من قبل الشيخ بأن هذا مرويهُ مع ذلك لا يأذن له بروايته، السابع الوصية بالكتب، الثامن الوجادة، الأربعة الأولى ذكرها الإمام البخاري ولم يذكر الأربعة الباقية، فكأنه لا يرى العمل بشيء منها، يعني كون الطريق الأول السماع من لفظ الشيخ الذي هو أعلى طرق التحمل يمكن أن يختلف فيه أحد؟

المقدم: أبدًا.

هذا هو الأصل في الرواية، الثاني القراءة على الشيخ التي هي العرض، عرفنا بدليل حديث ضمام بن ثعلبة، المناولة التي هي موضوع هذا الباب، أيضًا المكاتبة، الأربعة ذكرها الإمام البخاري، واستدل لها، بقي الإجازة المجردة، هل يمكن الإجازة المجردة؟ معناها الإذن بالرواية، معنى الإجازة المجردة الإذن بالرواية يعني أن تقول أن تروي صحيح البخاري مثلاً عن شيوخ بسند متصل إلى الإمام البخاري، ومنه إلى النبي-عليه الصلاة والسلام-.

المقدم: فتجيز آخر.

فتجيز آخر، فتقول له: أذنت عنك أن تروي عني صحيح البخاري من غير أن يسمعه منك، ومن غير أن يقرأه عليك.

المقدم: وهذا موجود عند بعض علماء هذا العصر؟

كلهم يمشون على هذا من عقود، على الإجازة، وأجازها أهل العلم للاضطرار إليها؛ لأنه ما يتيسر لكل أحد أن يجلس للطلاب، وكل من جاء يقول: أريد رواية صحيح البخاري عنك يقول لك اقرأ عن صحيح البخاري يأتي بعد أسبوع من دفعة جاءت قبله أو شخص جاء قبله؛ لأنه يحتاج أن يقرأه إذا قلنا لابد من القراءة والعرض، إذا قلنا: لابد من ذلك لابد من ذلك فلا بد أن يبدأ من جديد، وما يلتحق بهؤلاء ويترك الباقي.

الأخ الحاضر: .... هناك علماء يمنحون إجازات في القرآن يقول: أريد أن أقرأ عليك فيجيزه الشيخ.

لا هو إذا عرف واستفاض أنه ضابط ويعرف أنه ضابط مثلًا لا مانع من إجازته؛ لأن الرواية بالإسناد الآن اتصال الإسناد الفائدة منه في هذه العصور إبقاء سلسلة الإسناد الذي هي خصيصة هذه الأمة، لكن شخص مجهول لا يعرف أنه حافظ أم غير حافظ مجود أم غير مجود، لا يجوز له أن يجيزه بالقرآن حتى يسمع منه ويتأكد، فالإجازة المجردة فيها خلاف كبير بين أهل العلم، خلاف لأن الطالب لم يسمع من الشيخ، ولم يعرض على الشيخ، لكن احتيج إليها لمسيس الحاجة بعض أهل العلم يبطل الإجازة يقول: لو جازت الإجازة بطلت الرحلة، حتى شدد الظاهرية فقال ابن حزم: من أجاز الإجازة، من أجاز العمل بالإجازة والرواية بها كأنه قال: أجزت لك أن تروي عني ما لم تسمعه مني يعني من قال لتلميذه: أجزت لك أن تروي عني ما لم تسمعه مني، كأنه قال: أجزت لك أن تكذب علي، أنت ما سمعت من لفظي ولا عرضت علي، لكن جمهور أهل العلم استقر عملهم علي جواز العمل بالإجازة، لماذا؟

لأن الكتب مضبوطة ومتقنة؛ لأنه استمرت بعض التدوين، يعني انتشار الإجازة بعد التدوين الكتب، يعني ما الذي يستفيده الطالب من أن يقرأ الكتاب علي الشيخ، وهو كتاب محرر ومضبوط ومتقن، والطالب تجاوز مرحلة قراءة فقط، الآن صحيح البخاري لو جاء أحد قال: أرويه عنك، تقول: اجلس اقرأ علي صحيح البخاري، أو أقرأه عليك، وأنت عندك طلبة متقدمون، طلبة كذا يقرؤون، يقرؤون تقول: اروِ عني، لاسيما إذا كان أهلًا ذلك؛ لأن ابن عبد البر -رحمه الله- يشترط أن يكون المجاز متأهلًا، ماهرًا بالصناعة، ما تأتي  لشخص عامي؛ لأنهم بعد ذلك توسعوا في الإجازات، فأجازوا الصبي غير المميز، وأجازوا المجهول، وأجازوا العامة، وأجازوا من قال: لا اله إلا الله، أجازوا  أهل البلد الفلاني بهذا التوسع تزداد ضعفًا، فإذا صدرت الإجازة من عالم يروي الأحاديث بالأسانيد إلى معلوم، شخص معلوم، بكتاب معلوم، فالجمهور على جوازها، هذا بالنسبة للإجازة التي هي القسم الخامس وإن لم يذكره البخاري. إنما ذكر المناولة المقرونة بالإجازة.

 القسم السادس الإعلام ما معنى الإعلام؟ الشيخ يعلم شخصًا آخر يقول: أنا أروي صحيح البخاري، بهذا الإعلام يحق للطالب أن يروي عن الشيخ؟ مجرد أن يسمع من الشيخ أنه يروي صحيح البخاري؟ لا، الإجازة الرواية بهذا النوع ضعيفة، ولذا لم يوردها البخاري.

 السابع: الوصية.

المقدم: يكتب له أو يوصي له.

لا، قربت وفاته فكتب في وصيته: كتبي تدفع لفلان، من غير أن يأذن له بروايتها، كتبي تدفع إلى فلان اعطوا كتبي فلانًا، هل يروي عن الشيخ بمجرد هذه الوصية أنه أوصى له بالكتب؟ يعني كأنه ذهب إلى سوق الكتب فوجد هذه التركة تباع فاشتراها، نعم له أن يرويها بالطريق الذي هو الطريق الأخير الوجادة، بطريق الوجادة؛ وهي أن يجد أحاديث أو كتبًا بخط فلان الذي لا يشك فيه، فهل له أن يروي بمجرد وجود هذا الخط؟  في المسند كثير وجدت بخط أبي، يقول: عبد الله، بخط أبي، لكن أنت لو وجدت مثلًا بخط شيخ أدركته ولا تشك في أنه خطه، تقول: ترويه عنه؛ لأنك وجدته بخطه، أو تذكر الواقع: وجدت بخط فلان؟

وقل مثل هذا لو كان الشيخ صاحب الخط من المتقدمين، وجدت بخط شيخ الإسلام مثلًا، أو بخط الإمام أحمد، تروي عنه؟

تبين الواقع، وجدت بخط فلان، فإذا كنت لا تشك فيها لا شك أنها منقطعة، بينك وبين شيخ الإسلام مفاوز، يقول أهل العلم: وفيها شوب اتصال؛ لأن الخط الذي خطه هذا العالم وإن كان متقدمًا إلا أن فيه صلة بين الكاتب والمكتوب، وأنت وقفت على هذا المكتوب، فالبخاري-رحمه الله تعالى- ذكر الأربعة الأقسام، ولم يذكر الأربعة الباقية، وكأنه -رحمه الله- لا يرى العمل بشيءٍ منها، يقول: ابن حجر؛ وقد ادعى ابن مندة أن كل ما يقول البخاري فيه، قال لي فهو إجازة.

يعني إذا قال: البخاري -رحمه الله تعالى- قال لي فلان من شيوخه فهو ما رواه بطريق السماع كعادته، ولو رواه بالسماع لقال: حدثنا كالمعتاد، ومثله بل أولى منه بالقول قال فلان، يعني مثل ما قال قال: هشام بن عمار الإمام البخاري، لو كان يروي هذا الحديث عن هشام بن عمار مباشرة من لفظه لقال حدثنا كالعادة، وقد روى عن هشام بن عمار أحاديث بصيغة حدثنا أربعة، أو خمسة، فكونه يعدل عن قول حدثنا إلى قال لي أو قال بدون لي، دل على أنه لم يسمعه بطريقٍ لا بطريق السمع ولا بطريق العرض، إنما رواه بطريقٍ آخر، يقول: وقد ادعى ابن مندة أن كل ما يقول البخاري فيه، قال لي فهي إجازة، يقول ابن حجر: وهي دعوىً مردودة؛ بدليل أني استقرأت كثيرًا من المواضع التي يقول فيها في الجامع: قال لي، فوجدته في غير الجامع يقول: حدثنا، والبخاري لا يستجيز في الإجازة إطلاق التحديث، هذا إن كان يعمل بها، هذا إذا كانت عنده طريق من طرق التحمل المعتبرة، والبخاري لا يستجوز بالإجازة بإطلاق حدثنا، فدل على أنه عنده من المسموع، لكن سبب استعماله لهذه الصيغة؛ ليفرق بين ما يبلغ شرطه أو ما لا يبلغ.

 والإمام البخاري يعدل عن الصيغ الصريحة لأدنى سبب، فمثلًا حديث المعازف، قال: الإمام البخاري- رحمه الله تعالى- قال: هشام بن عمار ما السبب؟ الرواة كلهم على شرطه، للتردد في الصحابي، قال: حدثنا أبو عامر أو أبو مالك الأشعري، هذا التردد هل يؤثر في صحة الخبر؟

المقدم: أبدًا.

لا يؤثر في صحة الخبر، فالحديث على كل حال هو متصل، وإن زعم بعضهم أنه معلّق؛ لأن صيغة قال: مثل صيغة عن.

ولو إلى آخره أما الذي

لشيخـه عزا بـقال فكذي

عنعنة كـخبر المعـازف

   لا تصغ لابن حزم المخالف

أظن هذا أقول الاستطراد في مثل هذا.. اقرأ الحديث الذي يليه.

المقدم: قال -رحمه الله- عن أبي وقد الليثي -رضي الله عنه- «أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس في المسجد والناس معه، إذ أقبل ثلاثة نفر فأقبل اثنان إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وذهب واحد، قال: فوقفا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأما أحدهم فرأى فرجة في الحلقة فجلس فيها، وأما الآخر فجلس خلفهم، وأما الثالث فأدبر ذاهبًا، فلما فرغ رسول الله-صلى الله عليه وسلم- قال: ألا أخبركم عن النفر الثلاثة؟ أما أحدهم فآوى إلى الله فآواه الله، وأما الآخر فاستحيا فاستحيا الله منه، وأما الآخر أعرض فأعرض الله -عز وجل- عنه».

الحمد لله رب العالمين، وصلى وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

راوي هذا الحديث أبو واقد، اختُلف في اسمه فقيل: الحارث بن مالك، وقيل: بن عوف، وقيل: عوف بن حارث الليثي البدري في قول، وهذه قاعدة وعادة مطردة فيمن يشتهر بكنيته أنه يضيع اسمه، ويختلف فيه اختلافًا كثيرًا، توفي في مكة سنة ثمانٍ وستين، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث، سنة ثمانٍ وستين مع من مِن الصحابة من مشاهير الصحابة؟

مع ابن عباس نعم، لكن ابن عباس بالطائف، وأبو واقد في مكة، الحديث هذا ترجم عليه الإمام البخاري-رحمه الله- "باب من قعد حيث ينتهي به المجلس"، "باب من قعد حيث ينتهي به المجلس" "ومن رأى فرجة في الحلقة فجلس فيها".

 قال ابن حجر: مناسبة هذا الباب لكتاب العلم من جهة أن المراد بالمجلس وبالحلقة حلقة العلم ومجلس العلم، فيدخل في أدب الطلب من عدة أوجه، والتراجم السابقة كلها تتعلق بصفات العالم، وقال العيني: وجه المناسبة البابين من حيث إن الباب الأول الذي هو باب ماذا؟ باب ما يذكر في المناولة من حيث إن الباب الأول فيه ذكر المناولة، وهي تكون في مجلس العلم، وهذا الباب في بيان شأن من يأتي إلى المجلس، كيف يقعد، والمراد منه مجلس العلم؟

وقال بعضهم (يقول العيني): وقال بعضهم: ويقصد بذلك مر بنا مرارًا- ابن حجر- مناسبة هذا الباب لكتاب العلم من جهة أن المراد بالحلقة حلقة العلم، فيدخل في آداب طلب العلم من هذا الوجه.

 قلت: هذا القائل قلنا العيني، أخذ هذا من كلام الكرماني. جزءٌ منه موجود عند الكرماني أخذ هذا من كلام الكرماني، ومع هذا فليس في هذا بيان وجه المناسبة بين البابين، وإنما هو بيان وجه مناسبة إدخال بيان هذا الباب في كتاب العلم، يعني العيني عادته يربط بين البابين.

نعم ابن حجر يربط بين هذا الباب والكتاب الأصلي، وفرقٌ بين الأمرين، هذه سلسلة مرتبطة بعضها ببعض لا بد من بيانها على ما يصنع العيني، ولا بد من أن تنضوي هذه السلسلة تحت العنوان الأكبر كما يفعل ابن حجر، يقول: وإنما هو بيان وجه مناسبة إدخال هذا الباب في كتاب العلم، وليس القوة إلا في بيان وجوه المناسبة بين الأبواب، الذي يصنعه يعني العيني، وليس القوة إلا في بيان وجوه المناسبة بين الأبواب المذكورة في كتب هذا الكتاب، يريد أن يربط الأبواب بعضها ببعض، وينظمها في سلك واحد.

 وقال: الشيخ قطب الدين هذا الباب حقه أن يأتي عقب باب من رفع صوته بالعلم أو عقب باب طرح المسألة؛ لأن كليهما من آداب العالم، وهذا الباب من آداب المتعلم، وما بعد هذا الباب يناسب الباب الذي قبله وهو قوله: باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «رب مبلغ أوعى من سامع«؛ لأن فيه معنى التحمل عن غير العارف وغير الفقيه، قلت: (القائل العيني) الذي ذكرناه أنسب؛ لأن الباب السابق في بيان مناولة العالم في مجلس العلم، وهذا الباب في أدب من يحضر هذا المجلس كما ذكرناه، ابن حجر في انتقاد الاعتراض بعد أن ساق بعض كلام العيني قال: ولا يخفى تكلفه.

لا، هو ظاهر، يعني كون الباب السابق في بيان مناولة العالم في مجلس العلم، وهذا الباب في أدب من يحضر هذا المجلس كما ذكرنا، هو مقبول من وجه، لكن المسألة أعم مما ذكره العيني؛ لأن المناولة قد تكون في مجلس العلم وفي غير مجلس العلم، ولذلك قال: الحافظ بعد أن ساق بعض كلام العيني ولا يخفى تكلفه ولو قال قائلٌ: المناولة قد تقع في غير مجلس العالم لصدق، يعني ما يلزم أن يكون في مجلس علم يناوله الكتاب ويقول: اروه عني، لو في طريقه وهو سائر أو في أي مكان مثلًا أو في بيته أو ما أشبه ذلك، يقول: خذ هذا الكتاب فاروهِ عني، صدق أنه ناوله، والذي ذكره الشارح يعني نفسه يشمل هذا بدون تكلّف.

 «أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بينما هو جالسٌ»، بينما أصلها بين فزيد عليها الميم، وقد تأتي بدون ميم (بينا) بإشباع بين، «بينما هو»  مبتدأ خبره: «جالسٌ»، حال كونه في المسجد النبوي.

وعرفنا أن النبي-عليه الصلاة والسلام- يجلس في المسجد، ولو في غير وقت الصلاة والصحابة كذلك، وذكرنا سابقًا أن المسجد بيت كل تقي و

خير مقام قمت فيه وحلية

 

تحليتها ذكر الإله بمسجد

 وعرفنا أن من السبعة الذين يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله، «رجل قلبه معلق بالمساجد»، هذه سنة تكاد أن تكون مهجورة، والمساجد لا يرد إليها إلا من يريد الصلاة مع الأسف الشديد.

 «جالس حال كونه في المسجد النبوي والناس معه» جملة حالية أيضًا، «إذ أقبل» جواب بينما، وسبقت الإشارة إلى أن الأصمعي لا يستفصح مجيئ (إذا وإذ) في جواب بين، نعم لا يستفصح ذلك، إذًا كيف يصنع بمثل هذا؟

كيف يصنع الأصمعي بمثل هذا؟ هذه مسألة فرع عن مسألة كبرى، وهي الاحتجاج بالحديث في قواعد اللغة، فالذي يحتج به ويقول: إن هذه، هي ليست من كلام النبي-عليه الصلاة والسلام- إنما من كلام الصحابي، وتناقله الرواة عن الصحابي، فاحتجوا به من هذه الحيثية، ومن قال: إن أهل الحديث يجيزون الرواية بالمعنى خفف من شأن الاحتجاج بالسنة في الحديث، والمسألة خلافية، بسطها البغدادي في أول خزانة الأدب، وهو كتاب عظيم في شواهد شروح الكافية.

«ثلاثة نفر» النفر بالتحريك للرجال من ثلاثة إلى عشرة، والمعنى ثلاثة هم نفر، والنفر اسم جمع، ولذا وقع مميزًا للجمع كقوله تعالى: {تِسْعَةُ رَهْطٍ}[النمل:48].

 قال: «فأقبل اثنان منهم» يعني من الثلاثة إلى رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، قال: العيني اعلم أن هاهنا إقبالين في الحديث، «إذ أقبل ثلاثة نفر فأقبل» أقبل ثلاثة فأقبل اثنان، يقول: اعلم أن هاهنا إقبالين، أحدهما أولًا من الطريق أقبلوا فدخلوا من المسجد مارين، والآخر إقبال الاثنين منهم حين رأوا مجلس النبي-عليه الصلاة والسلام-، وأما الثالث فإنه استمر ذاهبًا، وبهذا التقرير يقول: سقط سؤال من قال: كيف قال أولًا أقبل ثلاثة ثم قال: فأقبل اثنان، والحال لا يخلو إما أن يكون المقبل اثنين أو ثلاثة؟ على كل حال القائل هو الكرماني، يقول الكرماني: فإن قلت: قال أقبل ثلاثة ثم قال: فأقبل اثنان، والحال لا يخلو إما أن يكون المقبل اثنين أو ثلاثة، فما معناه؟

أجاب عنه قلت: المراد من الإقبال (الكرماني نفسه) المراد من الإقبال أولًا الإقبال إلى المجلس أو إلى جهتهم، وثانيًا الإقبال إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والمراد: فأقبل من تلك الثلاثة اثنان.

المقدم: أحسن الله عليك لعلنا نستكمل بإذن الله  ما تبقى وخصوصًا نعود إلى هذه المسألة في مطلع الحلقة القادمة بإذن الله.

أيها الإخوة والأخوات، بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة، نستكمل بإذن الله في الحلقة القادمة، وأنتم على خير.

  والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته.