كتاب الصداق من المحرر في الحديث - 03

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

نعم.

بسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين يا رب العالمين.

قال الإمام ابن عبد الهادي -رحمه الله-:

باب عشرة النساء وما يباح من الاستمتاع بهن والتزين وذكر القسم والنشوز:

 عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره، واستوصوا بالنساء خيرًا فإنهن خلقن من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه فإن ذهبَتْ..»."

فإن ذهبْتَ.. فإن ذهبْتَ..

أحسن الله إليك.

"«فإن ذهبْتَ تقيِّمَه..»."

تقيْمه..

أحسن الله إليك.

"«فإن ذهبْتَ تقيْمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرًا»، متفق عليه، واللفظ للبخاري.

 وفي لفظ لمسلم: «إن المرأة خلقت من ضلع، لن تستقيم لك على طريقة، فإذا استمتعت بها وبها عوج وإن ذهبَتْ..»."

وإن ذهبْتَ..

"«وإن ذهبْتَ تقيِّمها»."

تقيْمها..

أحسن الله إليك.

"«وإن ذهبْتَ تقيْمها كسرتها وكسرها طلاقها».

 وعن جابر -رضي الله عنه- قال: كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غزاة، فلما قدمنا المدينة ذهبنا لندخل فقال: «أمهلوا حتى ندخل ليلاً أي عشاءً حتى..»."

كي كي كي..

"«كي تمتشط الشعثة، وتستحد المغيَّبة»."

المغيْبة المغيْبة.

"«وتستحد المغيْبة»، متفق عليه، واللفظ لمسلم، وللبخاري: «إذا أطال أحدكم الغربة..»."

الغُربة الغُربة؟

نعم..

إذا أطال أحدكم الغربة.. إذا أطال أحدكم..

الغربة..

الغربة نعم خلاص.

"وللبخاري: «إذا أطال أحدكم الغربة فلا يطرق أهله ليلاً».

 وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى المرأة، وتفضي إليه ثم ينشر سرها»، رواه مسلم.

 وعن حكيم بن معاوية عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله، ما حق زوج أحدنا عليه؟ قال: «تطعمها إذا أكلت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت»، رواه أحمد، وهذا لفظه وأبو داود والنسائي وابن ماجة.

 وعن عروة عن عائشة -رضي الله عنها- عن جدامة بنت وهب قالت: حضرت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أناس وهو يقول: «لقد هممت أن أنهي عن الغَيْلة..»."

أن أنهى..

"«لقد هممت أن أنهى عن الغَيْلة..»."

الغِيْلة..

"«لقد هممت أن أنهي..»."

أنهى، أنهى..

"لقد هممت أن أنهى عن الغِيْلة، فنظرت في الروم وفارس، فإذا هم يغيلون أولادهم فلا يضر أولادهم ذلك شيئًا»، ثم سألوه عن العزل فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ذلك الوأد الخفي»، وهو {وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ} [سورة التكوير:8]، رواه مسلم، وجدامة بمهملة على الأصح.

 وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن رجلاً قال: يا رسول الله، إن لي جارية، وأنا أعزل عنها، وأنا أكره أن تحمل، وأنا أريد ما يريد الرجال، وإن اليهود تحدث أن العزل موؤدة صغرى قال: «كذبت يهود لو أراد الله أن يخلقه ما استطعت أن تصرفه»، رواه أحمد وأبو داود وهذا لفظه، والنسائي، وفي إسناده اختلاف.

 وعن جابر- رضي الله عنه- قال: كنا نعزل على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-والقرآن ينزل، فبلغ ذلك نبي الله -صلى الله عليه وسلم- فلم يُنهِنا.."

يَنهَنا.. يَنهَنا..

"فلم يَنهَنا، متفق عليه.

 ولمسلم: كنا نعزل على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-."

خلاص قف على هذا حسبك.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد،

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب عشرة النساء، باب عشرة النساء"، يعني معاشرة النساء ومخالطة النساء ومعاملة النساء، وهذه العشرة والمعاشرة والمعاملة والمخالطة تكون بالعروف من الطرفين، فيعامِل كل واحد منهما الآخر بالفضل والإحسان والتواضع والتنازل عن كل ما في النفس وإلا لو كل واحد منهما طلب حقه كاملاً، ومعلوم أن النفوس مجبولة على شيء من الشح على شيء من الانفصال لها، فإن هذه العشرة لن تدوم، وكثيرًا من البيوت خرِبَت بسبب ذلك، ولو عمل الأزواج مع أزواجهم بالتوجيهات الشرعية والمعاملة بالمعروف، {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [سورة البقرة:228] لاستقامت الأمور، وقلَّت النسب الهائلة التي تذكر في وقتنا الحالي من نسب الطلاق العالية كان الطلاق نادرًا، لكنه زادت نسبه؛ بسبب ما ذكرنا من انفصال كل واحد بنفسه وما يباح من الاستمتاع من استمتاع الرجل بزوجته، واستمتاع المرأة بزوجها يبيَّن في هذا الباب ما يباح وما يحضر ويُمنَع.

 "والتزين" التزين من المرأة لزوجها، وهذا مطلوب لتدوم المودة والمحبة، ولئلا تنفر العين من زوجته، ويتطلع إلى غيرها.

 "وذكرُ القسْم" أو وذكرِ القسْم الذي هو بالنسبة لمن عنده أكثر من زوجة، والعدل في ذلك فيسقم لزوجاته على السواء، وعماده الليل كما سيأتي.

 "والنشوز" نشوز المرأة وعصيان المرأة لزوجها وما يترتب عليه من أحكام، كل هذا سيذكر في هذا الباب إن شاء الله تعالى.

 قال -رحمه الله-: "عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره» لثبوت الياء على أن لا نافية، وليست ناهية، مع أنه جاء في بعض الروايات بحذفها على أن لا ناهية، وحق الجار عظيم، وثبتت به الأحاديث الصحيحة التي توصي بحقه، وتحذر من أذاه، ومنها «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر» معناه الإيمان الكامل بالله وإلا فأذى الجار مِن سائر الذنوب التي تنقص من الإيمان، ولكنها لا تزيله بالكلية، كما هو معلوم، وهي تحت المشيئة، لكن التحذير في النصوص كثير، والوصية بالجار كذلك، «مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه»، «واستوصوا بالنساء خيرًا»، استوصوا بالنساء خيرًا، وجاء هذا في أكثر من حديث. في هذا الحديث عن أبي هريرة، وفي حديث جابر في خطبته -عليه الصلاة والسلام- في حجة الوداع بحضور الجموع الغفيرة من المسلمين، أوصى النبي -صلى الله عليه وسلم- بالنساء، وطلب أن يتواصوا بينهم في هذا الحق؛ لئلا يُنسى ويندثر.

 «استوصوا بالنساء خيرًا»، يعني أحسنوا معاملتهن، «فإنهن» وهذه العلة «فإنهن خلقن من ضِلَع» بفتح اللام وقد تسكن تخفيفًا من ضلع، والضلع هو العظم الذي يحيط بالصدر، ومنه يتركب، ومنها أي الأضلاع يترك القفص الصدري الذي يسمونه القفص الصدري، ومعلوم أن الضلع أعوج، لا بد أن يكون أعوج وإلا ما صار على وضع مناسب للصدر وحماية ما في داخله.

 «وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه»، كل واحد منا يحس بهذا، لو يوجد ضلَع مستقيم لطلب علاجه، لطلب علاجه؛ لأنه لا يحمي ما في داخله، ولا يستقيم أمر الصدر إلا بهذه التركيبة الكاملة من أحسن الخالقين من الله -جل وعلا- الذي أبدع كل شيء، «وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه».

 ويشير هذا إلى ما جاء في بعض الأحاديث أن حواء خلقت من ضلع آدم، من ضلع آدم، «فإن ذهبت تقيمه كسرته» الصُّلْب إذا حصل فيه اعوجاج، ومنه العصا، منه العصا المعوجّ إذا أردت أن تقيمه انكسر، فإن ذهبت أن تقيمه انكسر، فالعظم كذلك.

 «وإن تركته لم يزل أعوج»، ترون الناس الذين يستعملون العصيان يستعملونها وتمكث عندهم سنين، وبها هذا العوج، وما يضر، تمشي لو مع الواحد منا سواك فيه التواء، وفيه اعوجاج، إن أراد أن يقيمه انكسر، وإن استمتع به وانتفع به واستاك به مشت أموره، وكذلك المرأة خلقت من ضلع، وجبلت على شيء من العناد والانتصار للنفس؛ وذلك لضعف عقولهن، ولا شك أن الرجل أكمل، فيستوصي بالمرأة خيرًا، ويستمتع بها مع ما جبلت عليه من هذا الاعوجاج لكي تستمر العشرة، وتدوم وتبنى الأسرة، وينشأ الأولاد ويربون.

 «فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته، فإن ذهبت تقيمه كسرته» كما قلنا، «وإن تركته على اعوجاجه لم يزل أعوج»، لكن يحصل الخير المرتب على الزواج، والحكم التي من أجلها شرع الزواج تحصل مع هذا الاعوجاج، «فاستوصوا بالنساء خيرًا»، كرر الوصية والتواصي؛ لتأكد هذا الأمر وتعينه على الأزواج، وإلا فالحياة كلها مبنية على الكدر {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ} [سورة البلد:4].

ومكلف الأيام ضد طباعها

 

متطلب في الماء جذوة نار

الدنيا هكذا لماذا؟

ليشمِّر المسلم إلى الدار الآخرة التي لا كدر فيها، ولا نكد إذا وُجد هذا النكد في الدنيا وعرف أن هناك دارًا أخرى دار الجزاء، وأنه لا نكد فيها ولا كدر التفت إليها وإلا لو أن الإنسان ما حصل له أي كدر من الأكدار نسي الآخرة، ولذلك وجدت المصائب، ووجدت الأمراض، ووجدت الأكدار كلها؛ من أجل أن يلتفت الإنسان إلى الآخرة، ولتحقيق الهدف الذي من أجله خلق، ولتحقيق الهدف الذي من أجله خلق، وهو تحقيق العبودية لله -جل وعلا-، وأما هذه الدنيا فهي دار ممر، ممر إلى الآخرة، دار تزود كما يمر الإنسان بلدًا من البلدان، وهو في طريقه؛ ليتزود بما نقص عنه من القوت الذي يبلغه الدار الثانية والبلد الثاني.

 "متفق عليه، واللفظ للبخاري" الوصية بالنساء جاءت بها الشريعة، وعرفنا تكرار مثل هذا، «فاستوصوا بالنساء خيرًا»، وهذا سابق لما يدعى إليه من المنظمات العالمية وحقوق الإنسان من نصرة المرأة ورعاية حقوق المرأة وغير ذلك مما يقولونه، ويدعون إليه، والله أعلم بمقاصدهم ومآربهم، وكل إنسان يدرك مثل هذا، كل إنسان يدرك مثل هذا، وقد تضمنت وصاياهم وعنايتهم بالمرأة حق التمرد، وضمنت لها حق التمرد على زوجها، وعلى والدها، وعلى خالقها، والله المستعان.

 لو عملنا بكتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- ما احتجنا إلى شيء، لكن وجدت مثل هذه النداءات، وجدت بعض القبول، لماذا؟ لأن كثيرًا من المسلمين فضلاً عن غير المسلمين تنكروا لهذه الحقوق، ووجدت بعض المخالفات، ووجد بعض الظلم، مما جعل من لهذه النداءات آذان صاغية، وجدت من يصغي إليها لنصرة الضعيف، فأصل الدعوى لها حظ من النظر، المرأة ضعيفة، لكن ليس المراد من ذلك الانتصار لها، بدليل أنهم تعدوا ذلك إلى مساواتها بالرجل، وأنه لا فرق بين الرجل والمرأة، وهذا مخالف مخالفة صريحة ومصادمة لديننا، ونصوص شرعنا.

"وفي لفظ لمسلم: «إن المرأة خلقت من ضلَع لن تستقيم لك على طريقة»" شيء مشاهد، وأنت معها في أسعد لحظة وساعة بعد قليل تجد التغير لأدنى سبب، وقد يكون التوهم ليس مبنيًّا على سبب حقيقي، فالإنسان لاسيما الرجل الذي كمله بالعقل كمله الله بالعقل أن يتحمل مثل هذه التصرفات، وأن يستفيد منها، وأن يستمتع بها مع وجود مثل هذه التصرفات لن تستقيم لك على طريقة، «فإذا استمتعت بها استمتعت بها وبها عوج، وإن ذهبت تقيمها كسرتها، وكسرها طلاقها»؛ لأن الأمر لا ينتهي.

 كم تعاني المحاكم ودور الإفتاء والعلماء وطلاب العلم من الشكاوى في هذا الباب، شيء لا يخطر على البال، وعشرات الألوف من قضايا الطلاق ترصد في دار الإفتاء سنويًّا، وفي الشهر أعداد كبيرة جدًّا، فما كانت هذه النسب موجودة يوم الناس ما اطلعوا على حضارات غيرهم على طرق غيرهم، وتنوعت مطالب النساء، وأقلقت مضاجع الرجال، وأوجدت مشاكل بينهم؛ لأنهم اطلعوا على أحوال الناس من غير المسلمين، فأرادوا أن يكونوا مثلهم، وعند الشرق والغرب من المشاكل أضعاف مضاعفة مما عندنا، نحن ما ننظر إلا إلى الظاهر، ونظن أنهم في نعيم، والشهادة منهم أنفسهم أننا في نعيم، لا نظير له مع ما يحصل عندنا، ونحمد الله على هذه النعمة، نعمة الإسلام التي نسأل الله -جل وعلا- أن يعيننا على شكرها.

 قال- رحمه الله-: "وعن جابر -رضي الله عنه- قال: كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غزاة" وهي غزوة تبوك، "فلما قدمنا المدينة" يعني رجعوا إلى المدينة، "ذهبنا لندخل" يعني في النهار، حديث جابر، وكان حديث عهد بعرس بزواج، استعجل جابر فأراد أن يدخل في النهار قبل فنهاه النبي -عليه الصلاة والسلام- ووجه الكلام للجميع "فقال: «أمهلوا»"، يعني تريثوا انتظروا، «حتى ندخل ليلاً أي في العشاء»، والمراد أول الليل بخلاف النهي الوارد في الحديث الذي يليه، فإن المقصود به آخر الليل بحيث لو تعبت المرأة ونامت يطرق عليها الباب غير مناسب، لكن إذا طرق أول الليل لاسيما إذا كان عندها خبر، وكان السفر لجماعات مثل القدوم من الحج، إذا قرب الحجاج من البلد عرف أهل البلدة أنهم حضروا وقربوا من ذلك، فيرتاحون قبل الدخول، والنساء تعرف، والآن وسائل الاتصال برسالة تدري أين أنت، وتعلم بدقة متى تطرق الباب، شيء واضح وظاهر، ولله الحمد.

 لكن المقصود بذلك أول الليل، والنهي إنما هو في أثناء الليل وفي آخره بحيث لا يكدر على المرأة إذا نامت، وتغيرت نفسيتها، الناس –عمومًا- النائم يصعب عليه أن يوقَظ بعد أن يغشاه النوم.

«كي تمتشط الشعثة»، الشعث في الشعر امتشاطه بسبب عدم مراعاته وتسريحه وترجيله؛ لأن زوجها غائب، لأن زوجها غائب، فما تكلف نفسها بالتجمل والتزين، وإذا علمت أنه قادم تهيأت لذلك، ومشطت شعرها.

 «كي تمتشط الشعثة، وتستحد المغيْبة»، والمراد بالاستحداد أخذ ما أبيح أخذه من الشعر كالعانة والإبط بالحديدة التي هي الموسى، وفي حكمها ما يزيل الشعر من النورة وغيره، والمغيْبة هي التي غاب عنها زوجها، ومعلوم أن المغيبة لا تهتم بنفسها بخلاف من كان زوجها حاضرًا، فإنها تهتم بنفسها وتتجمل وتتزين له، وأما المغيبة فإنها ترتاح من هذا العناء حتى يحضر زوجها، وإذا ترك فرصة لها أن تمتشط، وتستحد بأن يبلغهم الخبر، ثم بعد ذلك يتركون لهم فرصة لفعل هذه الأمور ثم يدخل عليهم في أول الليل.

 "متفق عليه، واللفظ لمسلم، وللبخاري: «إذا أطال أحدكم الغربة، إذا أطال أحدكم الغربة»إذا كانت الغيبة طويلة بحيث تتغير فيها حال المرأة، فتحتاج إلى تنظف وتزين، وبدلاً من أن تتراكم عليها ما يتراكم مما كانت تزيله بحضرة زوجها بطول الغربة، «فلا يطرق، فلا يطرق»، من باب قَتَل طرَق يطرق قتل يقتل.

 «فلا يطرق أهله ليلاً، فلا يطرق أهله ليلاً»، وفي الحديث السابق نهاهم عن الدخول نهارًا وقال: حتى يأتي الليل، يعني العشاء، والجمع بينهما مثل ما قلنا: إن المراد بذلك في الحديث المأذون به أول الليل، وفي الحديث المنهي عنه الحديث الثاني آخر الليل وأثناءه، وقيل: في الجمع بينهما كما تقدم أن الإذن فيمن علم خبر مجيئه، وهذا يتأتى إذا كان الغيب كثيرين كقدومهم من غزو أو سفر، فإنه يعلم بهم إذا قربوا، والنهي محمول على من فعل ذلك بغتة بحيث يبغت أهله في الليل وهم نائمون، وأما في النهار فلا إشكال في ذلك؛ لأن النهار كان في السابق وقت استيقاظ، ما هو وقت نوم بخلاف وقتنا الذي انتكست فيه الفطر، فصار النوم في النهار، والاستيقاظ في الليل.

 وقيل في النهي عن الطروق ليلاً؛ لئلا يتخونهم فيظنون أنه يتجسس عليهم، ويطلب عثراتهم، فيحصل النزاع والشقاق بينهم، وتسوء العشرة.

 ثم قال -رحمه الله-: «إذا أطال أحدكم الغربة فلا يطرق أهله ليلاً»، يعني مجرد الخروج من البيت لمشوار قصير أو في داخل البلد لا يمنع أن يرجع في أي وقت كان، لا يمنع منه؛ لأن فيه قيد الطول إذا كان داخل البلد أو سفرًا قصيرًا جدًّا ساعة أو ساعتين، ولو كان سفرًا لكن النهي في حال طول الغربة التي تتغير فيها حال الزوجة، فتحتاج إلى استعداد.

 قال: "وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن من أشر»" في بعض الروايات من شر، وهو أفعل تفضيل وزنه أفعل في الأصل، لكنه في خير وشر كثر استعماله من دون همز خير وشر، ولذلك يقال: الخير والشر، {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً} [سورة الفرقان:24]، فكثر استعماله بدون همزة.

 «من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى المرأة، وتفضي إليه، ثم ينشر سرها»، "رواه مسلم، رواه مسلم".

 الرجل يفضي إلى المرأة وتفضي إليه، والأصل في الإفضاء الجماع وغيره من دوافعه وما يتبعه مما ينبغي إسراره وعدم إفشائه، فمثل هذا بعض الناس يتحدث بما حصل بينه وبين زوجته في الفراش، ويتحدث بين أهله وزملائه، ويتنطع بذلك، وهذا لا يجوز، حرام، وهو من شر الناس عند الله يوم القيامة، والحديث في صحيح مسلم، وليس لأحد أن يقدح فيه وهو في الصحيح في الأصول، وإن كان في بعض رواته من فيه كلام لأهل العلم؛ لأن عادة الشيخين الانتقاء من أحاديث الراوي المتكلَّم فيه.

 «يفضي إلى المرأة» يعني إلى زوجته، «وتفضي إليه، ثم ينشر سرها»، وتداول الناس كلامًا قبيحًا في إفشاء الأسرار مما يجرح خاطر المرأة أو الرجل بأن يتحدث عنها بما فيها من عيوب لاسيما فيما يتعلق بالجنس، أو هي تفضي بشيء من ذلك، هذه أسرار، وإفشاؤها لا شك أن فيه ضررًا على الطرفين، والله المستعان.

 "رواه مسلم.

 وعن حكيم بن معاوية" بن حيدة القشيري "عن أبيه" معاوية بن حيدة، "قال: قلت: يا رسول الله، ما حق زوج أحدنا عليه؟" قال: قلت: يا رسول الله، حكيم بن معاوية عن أبيه رجل ذكر "قلت: يا رسول الله ما حق زوج أحدنا عليه؟" والمقصود بالزوج هنا الزوجة، وهي الأصل أنها بدون تاء، {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي} [سورة النساء:11].

طالب: ..........

نعم {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} [سورة النساء:12]، فالأصل فيها الزوج وتقال للرجل وللمرأة على حد سواء، وجاء أيضًا ما يدل على جواز إلحاق التاء، فقال: زوجتي، هذه زوجتي، وإنها زوجتي، يعني صفية في الحديث الصحيح وفي الفرائض لا بد من إلحاق التاء في الفرائض عند قسمة المواريث لا بد أن تلحق التاء؛ ليفرق بين الزوج والزوجة؛ لأنه لو قسمت المسألة توفي أو هلك هالك عن زوج وثلاثة أولاد وبنت، وقلنا: لا يلزم إلحاق التاء، ماذا يدريك أنها الرجل أو المرأة، في الفرائض يتعين إلحاق التاء؛ ليتميز النصيب المقدر؛ لأن نصيب الزوج يختلف عن نصيب الزوجة.

 "قلت: يا رسول ما حق زوج أحدنا عليه؟" يعني ما حق المرأة على الرجل؟ "قال: «تطعمها إذا أكلت»" يعني من نفس طعامك، من نفس طعامك، يعني ما يكون لك طعام خاص، ويكون لها طعام أقل، دون، لا، تطعمها من طعامك.

 «وتكسوها إذا اكتسيت»، «تطعمها إذا أكلت» يعني ما تقول: أنا آكل ثلاث وجبات، وأنت يكفيك وجبتان أو واحدة، لا، هي مثلك، والنوع كذلك، «وتكسوها إذا اكتسيت» تكسوها إذا اكتسيت، ما تقول: أنا رجل أكتسي في السنة ثلاث مرات، وأنتِ امرأة لا يلزمكِ إلا كسوة واحدة لاسيما وأنت في بيتك لا يراك الناس، وهذا في السابق، والآن المرأة كم تكتسي في السنة والرجل يكفيه الثوب الواحد يمشيه، والله المستعان، المرأة إذا رئي الثوب عليها مرة واحدة خلاص انتهى مفعوله، ولو كان جديدًا هذا مع الأسف مما ابتلي به الناس اليوم خلاص ثوب رآه الناس ما يرى ثانية، وهذا كله من الترف، وما حصل هذا إلا بعد أن فتحت الدنيا علينا، وتنافسناها فصرنا ننظر إليها كأنها غاية، والله المستعان.

 «وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تضرب الوجه، فإنه فيه تجتمع المحاسن»، يعني عند الحاجة إلى الضرب، والأصل أن الضرب ممنوع إلا عند خوف النشوز وحصول ما يدعو إليه مع أنه ليس هو المرتبة الأولى من مراتب علاج خوف النشوز.

 المرتبة الأولى الوعظ، ثم الهجر في المضجع، ثم الضرب، «ولا تضرب الوجه»، عرفنا أنه إذا ساغ الضر مع وجود النشوز أو خوف النشوز في آخر المراحل فإنه يكون الضرب في غير الوجه، ولا بد أن يكون غير مبرح، ما يكسر عظمًا، ولا يخدش جلدًا، ولا يجرح، لا، ضرب غير مبرِّح، ويجتنب الوجه؛ لأنه فيه تجتمع المحاسن، فقد يتأثر الوجه، وتنقلب هذه المحاسن إلى ضدها، وهذا ليس خاصًّا ببني آدم، لا يجوز ضرب حتى الحيوان مع وجهه، وجاء اجتناب الصورة التي هي الوجه، وكذلك لا يضرب الرجل ولده ولو كان مستحقًا للتأديب مع وجهه، ولا المعلم تلميذه، ولو كان مستحقًا لهذا الأدب.

 «ولا تضرب الوجه، ولا تقبِّح» يعني ما تقول: قبحك الله، أخزاك الله، لعنك الله، قاتلك الله، لا، إنما يعالَج الوضع بأدنى من ذلك بالأسهل فالأسهل، ولا تقبح بعض الناس يأتي بألفاظ نابية تجرح وتستمر في القلب إلى آخر الحياة، والإنسان إذا غضب يلقي من الكلام ما لا يحسب له حسابًا، ثم يندم عليه ندامة شديدة، ولذلك وصية النبي -عليه الصلاة والسلام- التي كررها لمن سأله أن يوصيه قال: «لا تغضب»؛ لأنه إذا غضب نسي كل شيء، نسي الدين، ونسي العقل، ونسي كل شيء، ثم صار يتصرف تصرف المجانين، لاسيما بعض الناس، -نسأل الله العافية-نعم.

«ولا تهجر إلا في البيت، ولا تهجر إلا في البيت»،{فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} [سورة النساء:34] الآية في المضجع والحديث البيت، لتكون المشاكل داخل الأسرة ما يخرج خبرها إلى الجيران والأقارب، ويزداد الأمر سوءًا؛ لأنه إذا انتشر ذهب الحياء، إذا انتشر الأمر انتشرت هذه المشاكل خلاص ذهب الحياء، صار كل واحد عند رأيه، وصار عند مقاطع الحقوق، أما إذا كان بينهم فبالإمكان أن تحل الأمور بأبسط من ذلك، ولذلك قال: «ولا تهجر إلا في البيت »، والآية أيضًا أخص في المضجع بحيث حتى الأولاد ما يعرفون هذه المشاكل، لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- لما آلى من نسائه، واعتزل في المشربة خارج البيت، وآلى من نسائه شهرًا، وسبب هذا الهجر هو الإيلاء، الحلف، آلى من نسائه شهرًا في المشربة، وهي خارج البيت، ولا شك أن الحديث في الصحيحين.

 وحديث الباب "رواه أحمد وهذا لفظه، وأبو داود والنسائي وابن ماجه"، ولا شك أن السبب في الاعتزال اعتزال النبي -عليه الصلاة والسلام- حلفه وآليته ألا يدخل عليهن شهرًا فلما انقضى الشهر دخل عليهن حتى ظن الناس أنه طلق نساءه، أنه طلق نساءه بناءً على إشاعة، بناءً على إشاعة.

 عمر بن الخطاب لما دخل المدينة وجد الناس مجتمعين في المسجد حول المنبر، فسألهم فقالوا له: طلق النبي -عليه الصلاة والسلام- نساءه، بناءً على إشاعة مبنية على اعتزاله -عليه الصلاة والسلام- لهن، مادام اعتزل في المشربة، وترك البيوت، ترك النساء، أشاع واحد أنه طلق نساءه، فتلقاها الناس مثل ما تتلقى الأخبار الآن التي لا أصل لها ولا أساس، ولذا يقول ابن حجر: والأخبار التي تشاع ولو كثر ناقلوها فإنها لا تفيد العلم حتى تستند إلى أمر محسوس إما كلام مسموع من صاحب الشأن، أو فعل أو رؤية بصرية.

 على كل حال الهجر لا شك أنه في المضجع، هذا هو الأصل، فإن اقتضى الأمر أن يتوسع فيه إلى داخل البيت كما في هذا الحديث، وإن فعل كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- في أمر يقتضي ذلك، إذا كان لأمر يقتضي ذلك كالحلف ونحوه فلا مانع منه، والحديث في الصحيحين، الهجر المذكور في الآية والمذكور في الحديث ترك الكلام، ترك الكلام مع الزوجة، وهو مقيد بالحديث الثاني: «لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث»، لكن إن كان من باب تأديب الزوج لزوجته أو الأب لابنه فلا مانع من أن يزيد بحسب المصلحة، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- اعتزل شهرًا، وهجر الثلاثة الذين خلفوا خمسين ليلة، وإلا فالأصل أنه لا يجوز فوق ثلاث.

 الهجر هو ترك المكالمة والتكليم والمحادثة والمؤانسة؛ لكي ترتدع، هذا نوع من العلاج، كما أن الصلة إذا كانت هي أنجع وأنجح للعلاج تكون أولى من الهجر؛ لأن كلاًّ منهما ما يعالج به المشاكل.

 ابن جرير الطبري في تفسيره له رأي في الهجر وهو تقييد المرأة بحبل ونحوه، هذا رأي، وأوجد له شواهد من العربية، ولكنه قول لا حظ له من النظر، وهو في ذاته مهجور، القول مهجور، وإن كان أخذه من هجر الناقة أي ربط يديها ورجليها بالحبال؛ لئلا تشرد.

 قد يقول قائل: قد ينزل كلام الطبري إذا خشي من المرأة أن تهرب، أليس له ذلك كالناقة؟ لكن الأصل الهجر في النصوص الواردة في الكتاب والسنة أنه ترك الكلام.

 طيب «لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث»  يعني يحل له أن يربط أخاه يومين أو.. أقل من ثلاث على رأي الطبري؟! لا لا، ولا الطبري يقول بهذا.

 وعلى كل حال، هذه هفوة من الطبري، وهو إمام المفسرين بلا نزاع، ومع ذلك ليس بالمعصوم. "رواه أحمد، وهذا لفظه، وأبو داود والنسائي وابن ماجه"، وهو مخرج في المسند والسنن عدا الترمذي.

 ثم بعد ذلك قال -رحمه الله-: "وعن عائشة- رضي الله تعالى عنها- عن جدامة" هذا الذي رجحه أكثر من كتب في الرجال، والمؤلف أيضًا نصره، ومسلم نص على أنها بالدال عن جدامة بنت وهب بالدال، وقاله بعضهم بالذال المعجمة، لكن الأكثر وهو الصحيح أنها بالدال المهملة، "عن جدامة بنت وهب" جاء في ترجمتها أنها أخت عكاشة بن محصن، هذه جدامة بنت وهب وعكاشة الذي جاء خبره: ادع الله أن يجعلني منهم، قال: «أنت منهم»، ابن محصن، وفيه أم قيس بنت محصن أخت عكاشة بلا شك، لكن هذه إما أن يكون عكاشة آخر أو أخت له من أمه.

 "قالت: حضرت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أناس وهو يقول: «لقد هممت أن أنهى عن الغيلة»" يعني بحضرة أناس وهو يقول: «لقد هممت أن أنهى عن الغيلة»، والغيلة رضاع الحامل، رضاع الحامل ولدها هذه يسمونها غِيْلَة، وهي حتى الواقع أنه في بعض الجهات أو بعض البيئات أنه يضر، يضر؛ لأنه هم أن ينهى عن الغيلة لضررها الموجود في محيطه ومجتمعه، وعندنا أيضًا في بلادنا قد يحصل شيء من الضرر.

 «فنظرت في الروم وفارس فإذا هم يغيلون أولادهم»، والروم وفارس أعداد كبيرة جدًّا بالنسبة للعرب في ذلك الوقت، العرب عددهم قليل، والنهي إذا صدر يشمل الجميع، ولكن الأحكام الشرعية الأصل فيها أنها على الغالب، وإذا فارس والروم يغيلون، ولا يضيرهم، ولا يضر أولادهم، «فنظرت في الروم وفارس فإذا هم يغيلون فلا يضر أولادهم ذلك شيئًا»، والأحكام تجري على الغالب، هؤلاء أكثر الشعوب فارس والروم، والعرب في ذلك الوقت قلة، وقد يتضررون، وقد يكون للبيئة والمناخ دور في وجود هذا الضرر وعدمه.

 وعلى كل حال من يتضرر ينهى، لكن الحكم العام للأمة كلها بصفة العموم أنه لا ينهى عنها؛ لأن فارس والروم وهم أكثر أهل الأرض في ذلك الوقت لا يتضررون، فلا يلتفت إلى أعداد قليلة يتضررون، يبقى أن من يتضرر يجب عليه أن يكف؛ لأن الضرر لا يجوز في الشريعة، وقد يكون الضرر لا لذات الغيلة وإلا إنما يكون لأمر مصاحب لذلك، فتبقى الغيلة على عدم النهي، ويعالج ذلك الأمر الذي بسببه يحصل ذلك الضرر وإلا الواقع لاسيما في بلادنا يشهد بأن الولد إذا أرضعته أمه، أرضعته أمه وهي حامل أنه يكون فيه شيء من الضعف، يكون فيه شيء من الضعف، وهو شيء مشاهَد، لكن مع ذلك لا يؤثر في الحكم الشرعي، هذا لا يؤثر في الحكم الشرعي؛ لأن الحكم للغالب، فتأتي الأحكام الشرعية للغالب، ويبقى من يتضرر، بعض الناس يتضرر من اللبن، اللبن من التمر يتضرر، هل يحرم التمر؟

لا، يبقى من يتضرر يمنع منه، وهكذا سائر المباحات، قد يوجد من يتضرر بها، فإذا نضرر منها يمنع للضرر، ويبقى الحكم على أصله من الجواز.

 "ثم سألوه عن العزل، ثم سألوه عن العزل"، والعزل هو الرجل عند إرادته القذف في حال مجامعته لزوجته يخرج ذكره فينزل خارج الفرج؛ خشية أن تحمل المرأة.

 "ثم سألوه عن العزل فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ذلك الوأد الخفي، ذلك الوأد الخفي، وهو {وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ} [سورة التكوير:8]»، يعني المشار إليه في الآية، لكن الآية في الوأد الجلي الحقيقي الذي هو قتل نفس، وأما الخفي فسمي وأدًا؛ لشبهه به، هو ليس بظاهر، ما فيه قتل ظاهر نفس منفوسة حية، ثم بعد ذلك توأد وتقتل، وكان العرب يفعلونه؛ إما خشية الإملاق والمشاركة في الأكل والشرب، أو خشية العار، وهذا معروف عندهم {وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ = 8  بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ = 9 } [سورة التكوير:8-9]، وفي القراءة الأخرى بأي ذنب قتلْتِ، وهو يناسب سئلت.

 المقصود أن وجه الشبه هذا تعريض لعدم وجود الولد قبل حصوله العزل، فكأنه بالوقاع يوجَد وبالعزل لا يوجد، فهو شبيه بالوأد، يعني القضاء على الإنجاب بهذه الطريقة وإن كان قبل وقوعه والوأد بعد الإنجاب وبعد الولادة يقتله أبوه أو من يقتله، نسأل الله العافية، من أجل ما ذكرنا؛ إما خشية المشاركة في الأكل، أو خشية العار لاسيما إذا كانت بنتًا، ولذا جاء التنصيص في الآية على البنت الموؤودة؛ لأن في هذا خشية العار أكثر من خشية الإملاق.

 "ثم سألوه عن العزل فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ذلك الوأد الخفي، وهو {وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ} [سورة التكوير:8]»، رواه مسلم".

 الحديث يدل على منع العزل، بل التشديد في منعه، وإن كان وجه الشبه في العدم بين الموؤودة؛ لأن هذا إعدام للنطفة قبل تخلقها، وذاك إعدام للموؤودة بعد وجودها، هنا وجه شبه، هناك ظاهر جلي، وهذا خفي، وإن كان لا يلزم أن يكون وجه الشبه بين المشبَّه والمشبَّه به من كل وجه، قد يكون من وجه، وجه يختلف عما يتعلق به الحكم الذي هو التحريم.

 "وهو {وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ} [سورة التكوير:8] رواه مسلم، وجدامة بمهملة على الأصح، بمهملة على الأصح".

 يقول الدارقطني: من قاله بالذال فقد صحَّف، وهذا قاله غيره، يعني ممن كتب في أسماء الرجال.

 "وعن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه- أن رجلاً قال: يا رسول الله، إن لي جارية" يعني ملك يمين، "وأنا أعزل عنها، وأنا أكره أن تحمل"؛ لأنها إذا حملت وولدت صارت أم ولد لا يجوز بيعها، وهو يريد أن يستمتع بها ثم يبيعها.

 "إن لي جارية، وأنا أعزل عنها، وأنا أكره أن تحمل، وأنا أريد ما يريد الرجال، وأنا أريد ما يريد الرجال، وإن اليهود تحدِّث أن العزل موؤودة صغرى". أو موؤودة الصغرى، أو الموؤودة الصغرى كما في بعض الأحاديث، كما في بعض الروايات: العزل الموؤودة الصغرى، وفي الحديث السابق: «ذلك الوأد الخفي»، أقر النبي بل قال: إنه وأد، وهنا "اليهود تتحدث أن العزل الموؤودة الصغرى، قال: «كذبت يهود، كذبت يهود، لو أراد الله أن يخلقه ما استطعت أن تصرفه»".

 الآن في حديث «لعن المؤمن كقتله، لعن المؤمن كقتله»، هل حقيقة اللعن مثل حقيقة القتل؟ وهل الذنب واحد؟ الذنب واحد؟

طالب: ...........

لا، ما أحد يقول بهذا، لكن مشبه به من جهة أن هذا حرام، وذاك حرام، وهذا في أعلى درجات التحريم، وهذا قد يكون في أدناها، وهذا وأد خفي، وجه الشبه بينهما القضاء على النفس أو على أصلها، القضاء على النفس الوأد الحقيقي الجلي..

"