كتاب الغسل (06)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
طالب: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الإمام البخاري -رَحِمَهُ اللهُ تعالى-: بَابُ غَسْلِ المَذْيِ وَالوُضُوءِ مِنْهُ.
حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عنهُ-، قَالَ: كُنْتُ رَجُلاً مَذَّاءً، فَأَمَرْتُ رَجُلاً أَنْ يَسْأَلَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لِمَكَانِ ابْنَتِهِ، فَسَأَلَ فَقَالَ: «تَوَضَّأْ وَاغْسِلْ ذَكَرَكَ»".
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد، فيقول الإمام البخاري -رَحِمَهُ اللهُ تعالى-: "بَابُ غَسْلِ المَذْيِ وَالوُضُوءِ مِنْهُ" المذي بفتح الميم وإسكان الذال وتخفيف الياء، ويُضبط بفتح الميم وكسر الذال وتشديد الياء، وفيه لغات أخرى. "والوضوء منه" يعني بسببه، من هذه سببية. وهو ماء رقيق أبيض لزج ليس بثخين كالمني، وليس بسائل عادي كالبول، والأدلة تدل على نجاسته، فليس بطاهر كالمني، ونجاسته مخففة ليست كنجاسة البول؛ ولذا يكفي فيه النضح.
والحديث قال: "حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ" وهو الطيالسي هشام بن عبد الملك، "قَالَ: حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ" هكذا بفتح الحاء وليس بحُصين، "عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ" السلمي، "عَنْ عَلِيٍّ" ابن أبي طالب -رَضِيَ اللهُ تعالى عنهُ-، "قَالَ: كُنْتُ رَجُلاً مَذَّاءً" فَعَّال صيغة مبالغة، يعني كثير المذي، والمذي يخرج عند الملاعبة أو عند التفكير وما أشبه ذلك.
المقصود أن عليًّا -رَضِيَ اللهُ عنهُ- كان كثير المذي، وهو موجود في الرجال، وجاء قولهم: كل فحل يُمذي، ويوجد المذي عند قوة الشهوة، وعند الشباب أكثر منه عند الشيب. على كل حال علي- رَضِيَ اللهُ تعالى عنهُ- من هذا النوع، وتحته فاطمة بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زوجته، فيستحي علي -رَضِيَ اللهُ عنهُ- من النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- أن يسأله عن ذلك؛ لأنه صهره، وهذا من الأدب مع الأصهار، فكيف بالأدب معه -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-؟ لأن هذه أمور قد يكون من أسبابها ما يُستحيا من ذكره، ولو كان غير علي -رَضِيَ اللهُ عنهُ- من الصحابة لقلنا: إن سببه أحيانًا يكون من التفريط من إدامة نظر، أو طول تفكير، وما أشبه ذلك، لكن إذا قويت الشهوة، واشتدت، وحصل لها أدنى إثارة، حصل من الفحل مثل هذا النوع مما يخرج.
"كنت رجلاً مذاءً فَأَمَرْتُ رَجُلاً" في بعض الروايات: المقداد، وفي بعضها: عمار، وفي بعضها: فذكرت ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، كأنه ........ أكثر الروايات على أنه أمر المقداد، وأجابه النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-، والمقداد بلغ عليًّا -رَضِيَ اللهُ عنهُ-. وعمار أيضًا يقول: إنه أمرني علي أن أسأل النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-. وجاء أن عليًّا هو الذي سأل، ولعله أمر أولاً، ثم لما أُخبر بالجواب أراد أن يتأكد فسأل، وكأن الحياء الذي كان في أول الأمر خف لما سئل النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- عن الموضوع نفسه.
"فأمرت رجلاً أَنْ يَسْأَلَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ لِمَكَانِ ابْنَتِهِ" نعم المصاهرة ليست بالأمر السهل، والاستخفاف بالأصهار ليس من الأدب ولا من الشرع، فعلى الإنسان أن يحترم أصهاره؛ لمكان زوجته منه وما يُشرع في حقه لها، وبعض الناس قد تحصل أدنى مشكلة بينه وبين زوجته ثم يجعل الأصهار أعداء، وإن كان ما حصل منهم شيء، وهذا لا شك أنه خلاف الشرع.
"فَسَأَلَ" المأمور وهو المقداد، "فسأل" النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك "فَقَالَ" له -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "«تَوَضَّأْ»"، المقداد سأله، والجواب كأنه هو صاحب الشأن، ما كأنه مأمور بالسؤال؛ ولذلك قال: "«توضأ وَاغْسِلْ ذَكَرَكَ»"، وجاء في بعض الروايات أو بعض الأحاديث الصحيحة النضح، وهو الرش من دون مبالغة في الغسل، وجاء الأمر بغسل الأنثيين مع الذكر. «توضأ واغسل» الواو هذه لا تقتضي الترتيب، وإلا فالأصل أن يكون الغسل قبل الوضوء، لا سيما عند من يقول بنقض الوضوء بمس الذكر.
ومسألة صحة الوضوء والتيمم قبل الاستنجاء مسألة خلافية، والأكثر على أنه لا يصح وضوء ولا تيمم قبل الاستنجاء، بل لا بد أن يستنجي، ثم بعد ذلك يتوضأ، ومنه ما عندنا.
نعم.
طالب: قال الحافظ -رَحِمَهُ اللهُ-: "قوله: "باب غسل المذي والوضوء منه" أي بسببه، وفي المذي لغات أفصحها بفتح الميم وسكون الذال المعجمة وتخفيف الياء، ثم بكسر الذال وتشديد الياء، وهو ماء أبيض رقيق لزج يخرج عند الملاعبة أو تذكر الجماع أو إرادته، وقد لا يُحس بخروجه. قوله: "حدثنا أبو الوليد" هو الطيالسي.
قوله: "عن أبي عبد الرحمن" هو السلمي. قوله: "مذاء" صيغة مبالغة من المذي، يقال: مَذى يَمذي مثل مَضى يَمضي ثلاثيًّا، ويقال أيضًا: أمذى يُمذي بوزن أعطى يعطي رباعيًّا. قوله: "فأمرت رجلاً" هو المقداد بن الأسود كما تقدم في باب الوضوء من المخرجين من وجه آخر، وزاد فيه: "فاستحييت أن أسأل". قوله: "لمكان ابنته" في رواية مسلم من طريق ابن الحنفية عن علي: من أجل فاطمة -رضي الله عنهما-.
قوله: «توضأ» هذا الأمر بلفظ الإفراد يُشعر بأن المقداد سأل لنفسه، ويحتمل أن يكون سأل لمبهم أو لعلي، فوجه النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- الخطاب إليه، والظاهر أن عليًّا كان حاضر السؤال، فقد أطبق أصحاب المسانيد والأطراف على إيراد هذا الحديث في مسند علي، ولو حملوه على أنه لم يحضر لأوردوه في مسند المقداد".
عندنا في الرواية عن أبي عبد الرحمن عن علي قال: كنت رجلاً مذاءً. لا شك أن هذا الموقوف من مسند علي، والمرفوع من أمره -صلى الله عليه وسلم- وكلامه من مسند المقداد؛ لأنه هو الراوي له عن النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-، فإذا كان علي حاضرًا، وجاء في بعض الروايات أن الكلام وُجه إليه، وكأنه هو السائل، أو لحضوره نُزل منزلة السائل، فيكون من مسنده.
طالب: .......
من هو؟
طالب: .......
لا لا، الكلام على قسم المرفوع، من يرويه عن النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-. كونه يُجعل في مسند علي على أن المرفوع يُروى عنه، أما الموقوف فهذا شيء آخر. المرفوع الذي في حديثنا من رواية المقداد بلا شك وهو من مسنده، ولكن أصحاب الأطراف والمسانيد جعلوه من مسند علي، ولو حملوه على أنه لم يحضر لأوردوه في مسند المقداد.
طالب: "ويؤيده ما في رواية النسائي من طريق أبي بكر بن عياش عن أبي حَصين في هذا الحديث عن علي قال: فقلت لرجل جالس إلى جنبي سله فسأله".
طالب: .......
وقلت لرجل جالس، المفهوم لحضوره جعلوه من مسنده.
طالب: .......
أين؟
طالب: .......
والذي روى عن النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-، المواجهة حصلت له من النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-.
طالب: .......
نعم، حضوره هو الذي جعله من مسنده، لو لم يحضر ووكل أحدًا يسأل ما صار من مسنده.
طالب: "ووقع في رواية مسلم فقال: «يغسل ذكره ويتوضأ» بلفظ الغائب، فيحتمل أن يكون سؤال المقداد وقع على الإبهام، وهو الأظهر، ففي مسلم أيضًا من طريق ابن عباس عن علي: فسأله عن المذي يخرج من الإنسان، وفي الموطأ نحوه، ووقع في رواية لأبي داود والنسائي وابن خزيمة ذِكر سبب ذلك من طريق حصين بن قبيصة عن علي قال: كنت رجلاً مذاءً، فجعلت أغتسل منه في الشتاء حتى تشقق ظهري، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا تفعل»".
بناءً على أنه موجب للغسل، وأن كل ما يخرج من الذكر غير البول يوجب الغسل، والبول يوجب الوضوء. فبيَّن النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- في هذا الحديث أن المذي يختلف عن المني، فهذا يوجب الغسل وذاك يوجب الوضوء.
النووي -رَحِمَهُ اللهُ تعالى- أخذ مدة طويلة يغتسل من قرقرة البطن، النووي -رَحِمَهُ اللهُ- رجل عابد ومتبتل، وليس له في النساء نظر، ولم يتزوج، فما يُستغرب أنه يصنع ذلك، ولكن وصف النووي نفسه إذا مس الختان الختان بكلام دقيق جدًّا قد لا يدركه ولا يعرفه ولا المتزوجون، فلعله تثقف فيما بعد في هذا الأمر، قرأ وسأل. أما الآن فما يحتاج إلى قراءة ولا سؤال، الناس حتى الأطفال يعرفون من خلال هذه الأجهزة وهذه القنوات التي تشيع الإباحية وتنشرها وتنشر الفساد وتدعو إليه، هذه أمور الأطفال يعرفونها!
طالب: "ولأبي داود وابن خزيمة من حديث سهل بن حنيف أنه وقع له نحو ذلك، وأنه سأل عن ذلك بنفسه، ووقع في رواية للنسائي أن عليًّا قال: أمرت عمارًا أن يسأل، وفي رواية لابن حبان والإسماعيلي: أن عليًّا قال: سألت، وجمع ابن حبان بين هذا الاختلاف بأن عليًّا أمر عمارًا أن يسأل، ثم أمر المقداد بذلك، ثم سأل بنفسه، وهو جمع جيد إلا بالنسبة إلى آخره؛ لكونه مغايرًا لقوله: إنه استحيى عن السؤال بنفسه لأجل فاطمة".
ما الذي جعل الحافظ يرجح أنه جعل عمارًا يسأل ثم أمر المقداد، ما يكون العكس؟
طالب: .......
ابن حبان.
طالب: ابن حبان نعم.
"وجمع ابن حبان بين هذا الاختلاف بأن عليًّا أمر عمارًا أن يسأل ثم أمر المقداد بذلك ثم سأل بنفسه"، لو قال قائل: إنه أمر المقداد قبل، ثم أمر عمارًا، ثم سأل بنفسه، ولا يُتصور أن يكون سأل بنفسه ثم أمر، إلا أن يكون شك في فهم الجواب، أو تردد فيه، أو لم يتبين فيأمر غيره. لكن ما يُظن هذا بعلي -رَضِيَ اللهُ عنهُ-.
طالب: "وهو جمع جيد إلا بالنسبة إلى أخره لكونه مغايرًا لقوله إنه استحيى من السؤال".
"استحيى من"؟
طالب: من السؤال.
عندنا: عن.
طالب: "لقوله إنه استحيى من السؤال بنفسه لأجل فاطمة، فيتعين حمله على المجاز بأن بعض الرواة أطلق أنه سأل لكونه الآمر بذلك، وبهذا جزم الإسماعيلي ثم النووي، ويؤيد أنه أمر كلًّا من المقداد وعمارًا بالسؤال عن ذلك ما رواه عبد الرزاق من طريق عائش بن أنس قال: تذاكر علي والمقداد وعمار المذي، فقال علي: إنني رجل مذاء، فاسألَا عن ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- فسأله أحد الرجلين، وصحَّح ابن بشكوال أن الذي تولى السؤال عن ذلك هو المقداد، وعلى هذا فنسبة عمار إلى أنه سأل عن ذلك محمولة على المجاز أيضًا؛ لكونه قصده، لكن تولى المقداد الخطاب دونه، والله أعلم".
يعني سبقه المقداد، وإلا كان قد قصد أن يسأل النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- نيابة عن علي، فسبقه المقداد فاكتفى بذلك.
طالب: "واستدل بقوله -صلى الله عليه وسلم-: «توضأ» على أن الغسل لا يجب بخروج المذي، وصرح بذلك في رواية لأبي داود وغيره، وهو إجماع، وعلى أن الأمر بالوضوء منه كالأمر بالوضوء من البول، كما تقدم استدلالُ المصنف به في باب من لم يرَ الوضوء إلا من المخرجين، وحكى الطحاوي عن قوم أنهم قالوا بوجوب الوضوء بمجرد خروجه، ثم ردَّ عليهم بما رواه من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي قال: سُئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن المذي فقال: «فيه الوضوء، وفي المني الغسل»، فعُرف بهذا أن حكم المذي حكم البول وغيرِه من نواقض الوضوء، لا أنه يوجب الوضوء بمجرده".
ينقض ولا يوجب، الفرق بينهما أنه إذا قلنا: ينقض، تنتقض الطهارة ولا يزاول شيئًا يزاوله بالطهارة إلا بالوضوء، وإذا قلنا: يوجب الوضوء أنه بمجرد ما يخرج يلزمه الوضوء ولو لم يُرد صلاة ولا قراءة.
طالب: .......
ماذا؟
طالب: .......
يوجب الوضوء؟ الغضب عند من يقول بوجوبه. الغضب يوجب الوضوء عند من يقول بوجوبه، وإلا فالجمهور على الاستحباب.
طالب: .......
أخف، النجاسة مخففة، جاء فيه النضح: «انضح فرجك وتوضأ»، ولم يرد في الوضوء مثل هذا. وفي الأسئلة الماردينية لشيخ الإسلام -رَحِمَهُ اللهُ- سئل عن الدم هل هو نجس أم لا؟ وهل نجاسته مخففة كالمذي أو مغلظة كالبول؟ فأجاب -رَحِمَهُ اللهُ-، راجع المسائل الماردينية.
طالب: .......
ينضح، نعم، كذلك.
طالب: "وحكى الطحاوي عن قوم أنهم قالوا بوجوب الوضوء بمجرد خروجه، ثم رد عليهم بما رواه من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي قال: سئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن المذي فقال: «فيه الوضوء، وفي المني الغسل»، فعُرف بهذا أن حكم المذي حكم البول وغيره من نواقض الوضوء، لا أنه يوجب الوضوء بمجره.
قوله: «واغسل ذكرك» هكذا وقع في البخاري تقديم الأمر بالوضوء على غَسله، ووقع في العمدة نسبةُ ذلك إلى البخاري بالعكس، لكن الواو لا تُرتب فالمعنى واحد، وهي رواية الإسماعيلي، فيجوز تقديم غَسله على الوضوء، وهو أولى، ويجوز تقديم الوضوء على غسله، لكن من يقول بنقض الوضوء بمسه يشترط أن يكون ذلك بحائل.
واستدل ابن دقيق العيد على تعيُّن الماء فيه دون الأحجار ونحوها؛ لأن ظاهره يُعين الغَسل، والمعيَّن لا يقع الامتثال إلا به".
ولم يرد الاستنجاء كما ورد في البول، والاستنجاء الأصل الذي يُزيل النجاسة هو الماء، وما ورد بإزالة أثر البول بالأحجار على خلاف الأصل؛ لأنه لا يزيل بالكلية، لا بد أن يبقى منه شيء لا يزيله إلا الماء، وهذا ضابط الاستنجاء: ألا يبقى إلا شيء لا يزيله إلا الماء، وضابط الاستنجاء بالماء عود خشونة المحل.
طالب: "والمعيَّن لا يقع الامتثال إلا به، وهذا ما صحَّحه النووي في شرح مسلم، وصحَّح في باقي كتبه جواز الاقتصار إلحاقًا له بالبول".
يعني الاقتصار على الاستنجاء، الاستجمار بالأحجار، كالبول.
يقول شيخنا الشيخ ابن باز -رَحِمَهُ اللهُ- بالتعليق: الصواب ما قاله ابن دقيق العيد من تعين الماء في غسل المذي عملاً بظاهر الحديث، ويؤيده ما ثبت في مسند أحمد وسنن أبي داود عن علي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمره أن يغسل ذكره وأنثييه، وهذا حكم يخص المذي دون البول، والله أعلم.
يعني البول لا يؤثر فيه الماء إلا بالإزالة، لا يؤثر فيه الماء إلا بإزالة الأثر، والمذي يؤثر فيه البول بقطعه؛ لأن الذكر والأنثيين إذا أصابهما الماء صار فيه نوع برودة، والبرودة تكمش الموضع، ينكمش معها الموضع، وينقطع الخارج، كذا قالوا.
طالب: "وصحَّح في باقي كتبه جواز الاقتصار إلحاقًا له بالبول، وحملاً للأمر بغسله على الاستحباب، أو على أنه خرج مخرج الغالب، وهذا المعروف في المذهب. واستدل به بعض المالكية والحنابلة على إيجاب استيعابه بالغسل عملاً بالحقيقة".
الذَّكَر إذا أطلق يُعمل على جميعه.
طالب: "لكن الجمهور نظروا إلى المعنى، فإن الموجب لغسله إنما هو خروج الخارج، فلا تجب المجاوزة إلى غير محله".
ولذا نظر بعضهم إلى العلة فقال: إن غسل جميع الذكر مع الأنثيين يحصل منه نوع الانكماش بالبرودة، فيقلص الموضع فينقطع الخارج.
طالب: .......
ماذا؟
طالب: .......
هو تعميم على القول الثاني، فقياسًا على البول لا يجب التعميم، موضع الخارج فقط.
طالب: "ويؤيده ما عند الإسماعيلي في رواية: فقال «توضأ واغسله»، فأعاد الضمير على المذي، ونظير هذا قوله: «من مس ذكره فليتوضأ» فإن النقض لا يتوقف على مس جميعه، واختلف القائلون بوجوب غسل جميعه هل هو معقول المعنى أو للتعبد؟ فعلى الثاني تجب النية فيه، قال الطحاوي: لم يكن الأمر بغسله لوجوب غسله كله؛ بل ليتقلص فيُبطل خروجه كما في الضرع إذا غُسل بالماء البارد يتفرق لبنه إلى داخل الضرع فينقطع بخروجه"، أو "فينقطع خروجه"؟
"بخروجه".
طالب: كأنها بدون الباء.
"يتفرق لبنه إلى داخل الضرع فينقطع خروجه" الذي يظهر.
طالب: بدون الباء.
ما فيه شيء عندك؟
طالب: هنا "خروجه" يا شيخ.
ماذا؟
طالب: بولاق: "خروجه".
"فينقطع خروجه"، نعم.
طالب: "واستُدل به أيضًا على نجاسة المذي، وهو ظاهر، وخرَّج ابن عقيل الحنبلي من قول بعضهم: إن المذي من أجزاء المني روايةً بطهارته، وتُعقب بأنه لو كان منيًّا لوجب الغسل منه، واستُدل به على وجوب الوضوء على مَن به سلس المذي؛ للأمر بالوضوء مع الوصف بصيغة المبالغة الدالة على الكثرة".
لأن عليًّا قال -رَضِيَ اللهُ عنهُ-: "مذاء" يعني كثير المذي، ومع ذلك أُمر بالوضوء. فمن به سلس المذي يكون حكمه كمن يخرج المذي بدون كثرة، يلزم غسله والوضوء منه.
طالب: "وتعقَّبه ابن دقيق العيد بأن الكثرة هنا ناشئة عن غلبة الشهوة مع صحة الجسد، بخلاف صاحب السلس فإنه ينشأ عن علة في الجسد، ويمكن أن يقال: أَمر الشارع بالوضوء منه، ولم يستفصل، فدل على عموم الحكم".
من به سلس المذي وسلس البول عليه مشقة عظيمة لو أُمر بالوضوء كلما خرج كالمستحاضة، وهو مقيس عليها للعلة الظاهرة وهي المشقة.
طالب: .......
ماذا؟
طالب: .......
لا، لكن أمره بالوضوء؛ لأنه قال: "على من به سلس المذي للأمر بالوضوء، ثم استدل به على وجوب الوضوء" يعني باستمرار كلما خرج يتوضأ، وتصور شخصًا ما ينقطع عنه مثل سلس البول وسلس الريح، والاستحاضة التي تستحاض سنين، هذه صعوبة؛ لأنها مشقة عظيمة.
طالب: .......
مثل المستحاضة. نعم.
طالب: .......
ما ينتقض أصلاً؟
طالب: .......
نعم.
طالب: "واستُدل به على قبول خبر الواحد، وعلى جواز الاعتماد على الخبر المظنون مع القدرة على المقطوع".
نعم، اكتفى بخبر المقداد وهو واحد، وكذا لو قلنا: إن عمارًا سأله مع أنه اكتفى بسؤال المقداد، هو خبر واحد يعني ولو رواه اثنان أو ثلاثة لا يعدو أن يكون الخبر من أخبار الآحاد، يدخل فيه من حيث الاصطلاح. فعليٌّ قبل من إمكانه أن يسأل بنفسه فيحصل له العلم القطعي بذلك.
طالب: .......
سيجيء لن يتركه.
طالب: "وفيهما نظر لِما قدمناه من أن السؤال كان بحضرة علي، ثم لو صح أن السؤال كان في غيبته لم يكن دليلاً على المدَّعى لاحتمال وجود القرائن التي تحف الخبر فتُرقيه عن الظن إلى القطع؛ قاله القاضي عياض".
والأصل في خبر الآحاد أنه يدل على الظن عند الجمهور، إذا احتفت به قرينة أفاد العلم، كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وابن حجر وغيرهم: إذا احتفت به قرينة أفاد العلم، ومن القرائن ما ذُكر، ومن القرائن أيضًا ما جاء في قول الصحابي لأهل قباء إن القبلة حُولت، فتحولوا وقبلوا خبره وهم على قبلة مقطوعة. ومن القرائن تسلسل الحديث بالأئمة، ففي إسناده يقول الأئمة، أحمد عن الشافعي عن مالك عن ابن عمر إلى آخره، إلى غير ذلك من القرائن التي ذكرها أهل العلم. نعم.
طالب: "وقال ابن دقيق العيد: المراد بالاستدلال به على قبول خبر الواحد مع كونه خبرَ واحد، أنه صورة من الصور التي تدل على قبول خبر الواحد، وهي كثيرة تقوم الحجة بجملتها لا بفرد معين منها".
النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- أرسل الصحابة والرسل إلى الآفاق، وقبلت أخبارهم، وتُحمِّلت الأحاديث عنهم بمفردهم، والصحابة يروي بعضهم عن بعض، والتابعون يروون عن الصحابي الواحد. كل هذا مما يدل على قبول خبر الواحد. وكون عمر يتثبت في بعض الأحاديث، ليس ردًّا لخبر الواحد؛ وإنما هو من باب التثبت في الرواية.
طالب: "وفيه جواز الاستنابة في الاستفتاء، وقد يؤخذ منه جواز دعوى الوكيل بحضرة موكله. وفيه ما كان الصحابة عليه من حفظ حرمة النبي -صلى الله عليه وسلم- وتوقيره".
"ما كان الصحابة عليه"؟
طالب: "من حفظ حرمة النبي -صلى الله عليه وسلم- وتوقيره".
"حفظ" عندك ماذا؟
طالب: "حفظ"، لفظ "حفظ" سقط من س.
طالب: .......
أين؟
طالب: .......
"مع كونه خبر واحد أنه صورة من الصور التي تدل"، "التي تدل" يا أبا عبد الله؟
طالب: نعم، "على قبول خبر الواحد".
"قبول"؟
طالب: نعم، ساقطة في بعض النسخ.
نعم.
طالب: "وفيه استعمال الأدب في ترك المواجهة بما يُستحى منه عرفًا".
"يُستحيى"، {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي} [البقرة: 26].
طالب: تركوا الياء؟
ماذا؟
طالب: رفعوا الياء ما أثبتوها.
تميم ياء واحدة، وقريش ياءان.
طالب: "وفيه استعمال الأدب في ترك المواجهة بما يُستحيى منه عُرفًا، وحسن المعاشرة مع الأصهار، وترك ذِكر ما يتعلق بجماع المرأة ونحوه بحضرة أقاربها، وقد تقدم استدلال المصنف به في العلم لمن استحيى فأمر غيره بالسؤال؛ لأن فيه جمعًا بين المصلحتين: استعمال الحياء، وعدم التفريط في معرفة الحكم".
نعم.
طالب: أحسن الله إليك.
طالب: .......
إذا لم يوجد الماء عُدل عنه إلى بدله.
طالب: .......
لكن مع يكون مع السعة إذا لم يوجد.
طالب: .......
كيف التحري؟ النظر فيما أصابه. هو ينضح ما أصابه، يرشه.
طالب: يقصد أنه ينظر إليه قبل الوضوء.
إذا تأكد أنه خرج ينظر، لماذا لا ينظر إليه؟ لكن إذا لم يتأكد أنه خرج صار مجرد وسواس إن لم يجد الأثر.
طالب: "بَابُ مَنْ تَطَيَّبَ ثُمَّ اغْتَسَلَ وَبَقِيَ أَثَرُ الطِّيبِ.
حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْتَشِرِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنها-، فَذَكَرْتُ لَهَا قَوْلَ ابنَ عمر".
ابنِ.
"قول ابْنِ عُمَرَ: مَا أُحِبُّ أَنْ أُصْبِحَ مُحْرِمًا أَنْضَخُ طِيبًا، فَقَالَتْ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنها-: «أَنَا طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ طَافَ فِي نِسَائِهِ، ثُمَّ أَصْبَحَ مُحْرِمًا».
حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الحَكَمُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنها- قَالَتْ: «كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ الطِّيبِ، فِي مَفْرِقِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ مُحْرِمٌ»".
يقول -رَحِمَهُ اللهُ تعالى-: "بَابُ مَنْ تَطَيَّبَ ثُمَّ اغْتَسَلَ وَبَقِيَ أَثَرُ الطِّيبِ" هذه الترجمة تدل على أن بقاء الأثر لا يؤثر في الغسل، ولا يقال: إنه تجب إزالة الأثر؛ لأنه قد يقول قائل: إنه يحول بين الماء والبشرة، يمنع من وصول الماء إلى البشرة، يعني إن بقي الأثر ما انغسل وبقي الوبيص واللمعان والتلألؤ يدل على أنه ما انغسل غسلاً يزيله. فدل على أن وجود مثل هذا لا يؤثر في الغسل ولا في الوضوء، وجود الأثر. الآن بعض الأطياب لها جرم مثل الدهن، فإذا تطيب بمثل هذا النوع فما الحكم؟ هل تجب إزالته ليصل الماء إلى البشرة، أو نقول: ما دام النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- تطيب بالمسك وبقي أثره بعد الغسل فنقول: إن مثل هذا ما يضر؟
طالب: .......
لا، وجود الأثر يدل على أنا الماء ما أزاله، لكن هذا النوع مما يمنع من وصول الماء؟ يعني وجود الأثر يدل على وجود الجرم أم لا؟
طالب: .......
الدهون نوع من الطيب، المسك دهن، له جرم ويمنع.
طالب: .......
لا، أنا أقصد دهن العود مثلاً والمسك لها أثر.
طالب: .......
ماذا؟
طالب: .......
لكن وجود الأثر ألا يدل على وجود العين؟
طالب: .......
والعين ارتفعت، واللون أليس من العين؟
طالب: .......
لا، أنت لا تقل: ليس من العين، هو من العين قطعًا، لكن هل يمنع أو لا يمنع؟ هذا محل الإشكال. الأثر واللون من العين، جزء منها، لكن هل يمنع؛ لأن له جرمًا أو لا يمنع؛ لأنه قشر رقيق لا يؤثر؟ هذا الأصل، إذا كان الماء ينبو عن المحل بعد دهنه بالطيب من مسك أو من دهن عود أو غيره.
طالب: .......
ماذا؟
طالب: .......
إذا كان ينبو الماء ....... لو تدهن بالدهن الرقيق الجلد هذا، لو تحضر بنزينًا أو جازًا أو شيئًا من هذا منع من وصول الماء إلى البشرة، وهو ما له جرم مثل الماء؛ لأن الماء ينبو عن البشرة، يزل.
طالب: .......
البنزين له جرم؟ ضع على يديك نقطة وضع عليه ماءً وانظر.
طالب: .......
الجاز يمنع.
طالب: .......
لا، ليست المسألة أن يمنع، لكن الماء ينبو، يزل، ما يستقر على البشرة.
طالب: .......
يعني إذا لامس البشرة وزل ولا تشوف شيئًا ما بقي شيء، أليس بلازم أن يتردد الماء على البشرة هذا ضابط الغسل؟
طالب: .......
دعونا نرى ما يقول الشارح الآن.
طالب: .......
الكلام على المسألة تفقّهًا، ما بعد وصلنا إلى الحديث إلى الآن، وما يُستنبط من الحديث، لكن عندنا قاعدة أن الذي يمنع من وصول الماء إلى البشرة لا بد من إزالته، فهل منها هذا الطيب الذي بقي مدة؟
طالب: .......
الذي يمنع، ما يمنع من وصول الماء إلى البشرة، والغالب أن الذي يمنع هو الذي له جرم، ما لا جرم له ما يمنع، إلا إذا كانت فيه مادة مثل البنزين والجاز واليد يابسة، إذا وقع عليها شيء من ذلك ثم جاءها ماء استمرت يابسة كأن الماء ما مر بها.
"بَابُ مَنْ تَطَيَّبَ ثُمَّ اغْتَسَلَ وَبَقِيَ أَثَرُ الطِّيبِ"، قال -رَحِمَهُ اللهُ-: "حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ" ما اسمه؟
طالب: محمد بن الفضل.
عارم، اسمه عارم؟
طالب: نعم.
لقبه عارم، وكنيته أبو النعمان، واسمه؟
طالب: محمد بن الفضل.
نعم. "قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ" الوضاح بن عبد الله اليشكري، "عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْتَشِرِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ، فَذَكَرْتُ لَهَا قَوْلَ ابْنِ عُمَرَ: مَا أُحِبُّ أَنْ أُصْبِحَ مُحْرِمًا أَنْضَخُ طِيبًا" بعض الروايات: أنضح بالمهملة، وبعضها: أنضخ، والنضخ أشد. "فَقَالَتْ عَائِشَة: «أَنَا طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ طَافَ على نِسَائِهِ، ثُمَّ أَصْبَحَ مُحْرِمًا»".
طالب: .......
«ثم طاف في نسائه ثم أصبح محرمًا».
طالب: اختلاف.
نعم. الروايات التي فيها: «ثم أصبح محرمًا» ليس فيها مما يرد على ابن عمر كما في الرواية الثانية: «كأني أنظر إلى وبيص الطيب»؛ لأنه في الرواية الأولى إذا يمكن معه الغسل انتهى، فيصير فيه رد على ابن عمر، لكن الرواية الثانية: "ما أحب أن أصبح" وهذا من تحريه واحتياطه- رَضِيَ اللهُ عنهُ وأرضاه-؛ لأن استعمال الطيب للمحرم ممنوع، فلا يريد أن يستمر بالطيب بعد إحرامه وقد مُنع منه، وهذا شأن أهل التحري إلى يومنا هذا. لكن إذا ثبت عن النبي- عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- فلا تحرٍّ ولا احتياط.
قال: "حَدَّثَنَا آدَمُ ابْنُ أَبِي إِيَاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ" ابن الحجاج، "قَالَ: حَدَّثَنَا الحَكَمُ" وهو ابن عتيبة، "عَنْ إِبْرَاهِيمَ" النخعي، "عَنِ الأَسْوَدِ" ابن يزيد النخعي، "عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ»" البريق واللمعان "«إلى وبيص الطِّيبِ»"، بعض الروايات: المسك "«فِي مَفْرِقِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ مُحْرِمٌ»"، المفرق منتصف الرأس والجبهة التي يُفرق من عندها الشعر، هذا في حق من يفرق، وكان النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- ماذا يفعل؟ كان لا يستعمل الفرق؛ من أجل موافقة اليهود في أول الأمر، ثم لما أيس منهم فرق شعره.
"قوله: "باب من تطيب ثم اغتسل" تقدم الكلام على الحديث قبل باب، وموضع الاستدلال به أن قولها: «طاف في نسائه» كناية عن الجماع ومن لازمه الاغتسال، وقد ذكرت أنها طيبته قبل ذلك وأنه أصبح محرمًا".
أليس أنت الذي تقرأ؟
نعم.
طالب: "ومن فوائده أيضًا: وقوع رد بعض الصحابة على بعض بالدليل".
وهذا الرد؛ للتفقه وطلب الفائدة، ومع ذلك لا يورث بغضاء ولا شحناء وانتصارًا للنفس، بخلاف ما يوجد الآن بين بعض طلاب العلم، لا يتحملون الرد، لماذا؟ لأنه لا يحب أن يظهر بين الناس بقول يُرد عليه فيه؛ لأنه ضعيف أو مرجوح أو لا أصل له، بل يريد أن يظهر بأنه كالمعصوم، لا يُرد عليه ولا يُناقَش، وكثير من النفوس لدى طلاب بعض أهل العلم لا يحتمل ذلك، ولا يقبله، ولا يرضى أن يُرد عليه ويغضب، وكل هذا قرينة على أن النية مدخولة، قرينة تدل على أن النية مدخولة، وإلا لو كان مراده العلم وقصده الفائدة ما حصل شيء ذلك، إنما فرح فرحًا شديدًا بمن يرد عليه ويبين خطأه؛ لئلا ينتشر الخطأ من غير بيان، فيعمل به أحد فيضل بسببه، والإمام الشافعي يقول في المناظرات أود أن يُظهر الله الحق على لسان غيره، وقال بعضهم: أود أن ينتشر هذا العلم ولا يُنسب إليَّ شيء منه.
طالب: "ومن فوائده أيضًا: وقوع رد بعض الصحابة على بعض بالدليل، واطلاع أزواج النبي- صلى الله عليه وسلم- على ما لا يطلع عليه غيرهن من أفاضل الصحابة، وخدمة الزوجات لأزواجهن، والتطيب عند الإحرام، وسيأتي في الحج".
الخدمة بالمعروف، خدمة الزوجات، وفاطمة -رَضِيَ اللهُ عَنها- جاءت تسأل النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- خادمة؛ لأنها تعبت من الخدمة، فهي تخدم زوجها وأولادها، وهذا أمر شرعي مقرر بالشرع، لكنه بالعرف، ولا تُكلَّف ما لا تطيق، لكنها تخدم، خلافًا لمن يقول: إن الحرة لا تخدم، والنكاح عقده معاوضة، عقد معاوضة، فالمهر في مقابلة الاستمتاع فقط، ويظهر من أقوال من يتبنى هذا الرأي أشياء ليست من المعروف في شيء، وإلا فإذا كانت معاوضة المهر والنفقة في مقابل الاستمتاع، وليس عليها أن تخدم يقول: ليس عليه أن يعالجها إذا مرضت؛ لأنها ما تريد الخدمة، المسألة معاوضة بدقة، لكن أين العشرة بالمعروف؟ كل هذا ليس من العشرة بالمعروف. نعم.
طالب: "وقال ابن بطال: فيه أن السنة اتخاذ الطيب للرجال والنساء عند الجماع. قوله: "حدثنا الحكم" هو ابن عتيبة، وهو وشيخه إبراهيم النخعي وشيخه الأسود بن يزيد فقهاء كوفيون تابعيون.
قوله: «وبيص» بفتح الواو وكسر الموحدة بعدها ياء تحتانية ثم صاد مهملة هو البريق، وقال الإسماعيلي: وبيص الطيب تلألؤه؛ وذلك لعين قائمة لا للريح فقط. قوله: «مفرق» بفتح الميم وكسر الراء، ويجوز فتحها. ودلالة هذا المتن على الترجمة إما لكونها قصةً واحدةً، وإما لأن من سنن الإحرام الغسل عنده، ولم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم- يدَعُه، وفيه أن بقاء الطيب على بدن المحرم لا يضر، بخلاف ابتدائه بعد الإحرام".
نعم. إذا كان الأمر محظورًا في الإحرام فالممنوع ابتداؤه لا الاستمرار فيه، ومن ذلكم النكاح ممنوع في الإحرام، لكن هل ممنوع استمراره؟ يعني على الزوج أن يطلق زوجته حتى يحل؟ لا، الممنوع ابتداؤه.
طالب: .......
هو فيه رائحة طيبة، لكن هل يستعمل على أنه طيب؟ على كل حال إذا كان يُستعمل على شكل طيب وعلى هيئة طيب، ويتطيب به بعض الناس فهو منه، وإن كان مجرد وضعه بالطعام لتغيير الرائحة والنكهة لا للطيب فهذا أمر آخر. إذا كان يتطيب به.
طالب: .......
ولا يجوز للمعتدة والمحدة ولا غيرها.
طالب: .......
ماشي ستأتي الإشارة إليه.
يقول هذا: جاء في سير أعلام النبلاء: قال عبد الغني: لما رددت على أبي عبد الله الحاكم الأوهام التي وقعت في المدخل، بعث إلي يشكرني ويدعو لي فعلمت أنه رجل عاقل.
طالب: قال الإمام البخاري -رَحِمَهُ اللهُ تعالى-: "بَابُ تَخْلِيلِ الشَّعَرِ، حَتَّى إِذَا ظَنَّ أَنَّهُ قَدْ أَرْوَى بَشَرَتَهُ أَفَاضَ عَلَيْهِ.
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنها- قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الجَنَابَةِ، غَسَلَ يَدَيْهِ، وَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلاَةِ، ثُمَّ اغْتَسَلَ، ثُمَّ يُخَلِّلُ بِيَدِهِ شَعَرَهُ، حَتَّى إِذَا ظَنَّ أَنَّهُ قَدْ أَرْوَى بَشَرَتَهُ، أَفَاضَ عَلَيْهِ المَاءَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ غَسَلَ سَائِرَ جَسَدِهِ». وَقَالَتْ: «كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ، نَغْرِفُ مِنْهُ جَمِيعًا»".
قال -رَحِمَهُ اللهُ تعالى-: "بَابُ تَخْلِيلِ الشَّعَرِ" الشعر بالفتح وقد يسكن، يعني يخفف بتسكين العين، والمراد شعر الرأس، "حَتَّى إِذَا ظَنَّ أَنَّهُ قَدْ أَرْوَى بَشَرَتَهُ أَفَاضَ" وتخليل اللحية جاء فيه أحاديث خاصة، "حَتَّى إِذَا ظَنَّ أَنَّهُ قَدْ أَرْوَى بَشَرَتَهُ أَفَاضَ عَلَيْهِ" الظن هو الاحتمال الراجح، وغلبة الظن لا يلزم منها اليقين، وقد يطلق بإزاء إرادة اليقين، وبعضهم يقول: لا بد من تيقن وصول الماء إلى البشرة، وبعضهم يكفي فيها على غلبة الظن؛ لأنه يقول: "حتى إذا ظن".
قال -رَحِمَهُ اللهُ-: "حَدَّثَنَا عَبْدَانُ" وهو عبد الله بن عثمان العتكي المروزي.
طالب: العتكي.
العتكي نعم، ماذا قلت أنا؟
طالب: العتكي.
لكن هو عبد الله لماذا سمي عبدان وهو عبد الله؟
طالب: اشتباه.
كيف اشتباه؟ هو عبد الله بن عثمان.
طالب: ....... المروزي.
ما دخل المروزي بعبدان؟ أنا أسألك عن عبدان؟
طالب: .......
هذا لقبه، والعرب يلقبون ويسمون بأسماء ثم يأتي باسم ثانٍ يسمى باسم ثان يقال: هذا لقب وهذا اسمه الحقيقي، وقد يكون له اسمان، ومنهم من يقول: عبدان؛ لأنه سمي بعبد الله وعبد الرحمن فقيل له: عبدان؛ لأنه أضيف مرة إلى الله ومرة إلى الرحمن. على كل حال هو معروف ما يحتاج إلى، تمييز لا يحتاج إلى تعب؛ لأنه ليس له من يشاركه.
"قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ" هو ابن المبارك الإمام العلم المشهور المجاهد المحسن العالم الراوية الذي اجتمعت فيه خصال الخير كما يقول أهل العلم، "قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ" عروة بن الزبير، "عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الجَنَابَةِ، غَسَلَ يَدَيْهِ، وَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلاَةِ»" يغسل يديه كما تقدم أنه يغسل يديه إذا كان عليهما شيء يلوثهما، ويغسل أيضًا ما لوَّثه من فرجه ثم يتوضأ، إذا كان ما عليه شيء فالغسل هنا للاستحباب، غسل اليدين كما يُبدأ بهما في الوضوء. "«وتوضأ وضوءه للصلاة»" ظاهره أنه وضوء كامل بما في ذلك غسل الرجلين. "«ثُمَّ اغْتَسَلَ»"، "«كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا اغتسل من الجنابة غسل يديه»" يعني إذا أراد غسل الجنابة، وتوضأ وضوءه للصلاة ثم اغتسل، وصفة الغسل ذُكرت مرارًا، ومنه الكامل، ومنه المجزئ، الكامل أن يغسل يديه ويتوضأ وضوءه للصلاة ثم يفيض على رأسه ثلاثًا ثم بعد ذلك يعمم بدنه وإن قدم الشق الأيمن على الأيسر فحسن، والمجزئ أن يعمم بدنه بالماء مرة واحدة ويكفي بحيث لا يبقى منه شيء.
"«ثم اغتسل، ثُمَّ يُخَلِّلُ بِيَدِهِ شَعَرَهُ، حَتَّى إِذَا ظَنَّ أَنَّهُ قَدْ أَرْوَى بَشَرَتَهُ»" قلنا: «ظن» الظن هو الاحتمال الراجح، ومعناه أن غلبة الظن تكفي في مثل هذا «أنه قد أروى بشرته»، ومنهم من يقول: إن إطلاق الظن هنا بمعنى اليقين، وجاء في حديث مضعف عند أهل العلم ضعيف عند أهل العلم قال: «تحت كل شعرة جنابة».
طالب: .......
من رواه؟
طالب: .......
نعم، ضعيف، وما سبب ضعفه؟ أو ما عندك إلا المتون؟ يقال: من حفظ المتون على طريقة الإخوان أهل العناية بحفظ الحديث الذين يحفظون الصحيحين مجردة من الأسانيد ومن التكرار، ويضيفون عليها زوائد أبي داود على هذه الصفة، ثم زوائد الترمذي، ثم زوائد النسائي، أو زوائد السنن الأربعة مجتمعة، هذه مرحلة بلا شك تسوي وتعطي الطالب خزينة علمية، يعني الذي ما يحفظ ما عنده علم، لكن هذه طريقة لكن ليست هي الأخيرة، فإذا حفظ الأحاديث على هذه الطريقة فعليه أن يرجع إلى الأصول، ويكمل هذه المتون بأسانيدها وما قيل فيها من كلام أهل العلم، وحينئذٍ يتم له أن يوصف بأنه محدث أو فقيه على طريقة المحدثين، ويستنبط منها فهذه المرحلة الثالثة.
والعناية بالتفقه أهم من العناية بالحفظ، وليس هذا تقليلاً لشأن الحفظ، وقديمًا قالوا: حفظ حديثين خير من رواية وِقرين، وفقه حديثين خير من حفظ وقرين؛ لأنه ما الفائدة من النظر في كتب الحديث؟ العمل والتفقه والاستنباط والعمل بها، الثمرة من ذلك كله أن يُستفاد منها، يتفقه منها ويعمل بها. وليس المراد من مثل هذا السياق التقليل من شأن الحفظ ولا من شأن الرواية، ونسمع من قرأ مسند الإمام أحمد على طوله الخمسين مجلدًا في ستة عشر يومًا، ويقرؤون البخاري في أربعة أيام أو خمسة أيام، من تسعفه الحافظة بحيث إذا سمع الأخبار ثبت شيء منها في حافظته هذا طيب، والجرد بمثل هذه الطريقة لهذا النوع من طلاب العلم مفيد جدًّا، لكن يبقى أن بعض الطلاب لا بد أن يكرر عشرات المرات، فمثل هذا ماذا يستفيد؟ يستفيد شيئًا؟ لو قرأ المسند في ستة عشر يومًا ماذا يستفيد؟
وعلى الشباب أن ينتهزوا الفرصة قبل أن تفوت، فقد أدركنا هذا من أنفسنا، وجدناه في أنفسنا، لما كنا نقرأ قراءة جرد قبل ثلاثين سنة ما هو مثل الآن، الآن الحفظ ينبو عن القلب، أما قلن:ا الماء ينبو عن البشرة، الحفظ ينبو عن القلب ما يمسك شيئًا، إلا القليل النادر عادة، الذي مر مرارًا وتكرر فله حكمه، أما الجديد فحفظه صعب مع تقدم السن وكثرة المشاكل والبيوت ومطالب الحياة والأعمال الرسمية وغيرها لا شك أنها مشغلة، لكن في سنكم أنا لما كنت في سنكم إذا قرأ شيئًا خلاص أحيانًا ما يحتاج إلى تكرار، فلا تضيع الأوقات عليكم.
"«حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرته، أَفَاضَ عَلَيْهِ المَاءَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ غَسَلَ سَائِرَ جَسَدِهِ»" السائر هو الباقي، هذا الأصل فيه، فيستثنى من هذا الغسل الأخير أماكن الوضوء والرأس الذي أفيض عليه الماء ثم يغسل الباقي. وبعضهم يقول: إن السائر قد يطلق على الجميع، وحينئذٍ يعمم بدنه بالماء بما في ذلك أعضاء الوضوء.
"وَقَالَتْ: «كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ، نَغْرِفُ مِنْهُ جَمِيعًا»" وتقدم باب غسل الرجل مع امرأته، وقبله باب وضوء الرجل مع امرأته.
طالب: قال الحافظ -رَحِمَهُ اللهُ-: "قوله: "باب تخليل الشعر"، أي في غسل الجنابة. قوله: "عبد الله" هو ابن المبارك. قوله: «إذا اغتسل»، أي أراد أن يغتسل. قوله: «إذا ظن» يحتمل أن يكون على بابه ويُكتفى فيه بالغلبة، ويحتمل أن يكون بمعنى علم. قوله: «أروى» هو فعل ماض من الإرواء، يقال: أرواه إذا جعله ريانًا، والمراد بالبشرة هنا ما تحت الشعر. قوله: «أفاض عليه»، أي على شعره. قوله: «ثم غسل سائر جسده»، أي بقية جسده، وقد تقدم من رواية مالك عن هشام في أول كتاب الغسل هنا: «على جلده كله»، فيحتمل أن يقال: إن «سائر» هنا بمعنى الجميع جمعًا بين الروايتين، وبقية مباحث الحديث تقدمت هناك".
"وَقَالَتْ: «كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ، نَغْرِفُ مِنْهُ جَمِيعًا»" "قوله: "وقالت"، أي عائشة، وهو معطوف على الأول فهو متصل بالإسناد المذكور. قوله: «نغرف» بإسكان المعجمة بعدها راء مكسورة، وله في الاعتصام: «نشرع فيه جميعًا»، وقد تقدمت مباحثه في باب هل يدخل الجنب يده في الطهور؟".
«ويغترفان منه جميعًا» مع صغر الإناء، «فكانت تقول: دع لي، وكان يقول: دعي لي»، من صغر الإناء تختلف الأيدي فيه جميعًا.
"