كتاب البيوع من المحرر في الحديث - 03

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

نعم.

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين يا رب العالمين.

 قال الإمام ابن عبد الهادي في كتابه -رحمه الله-: وعن ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابرًا يقول: كنا نبيع صرارينا أمهات أولادنا والنبي -صلى الله عليه وسلم- حي، لا نرى بذلك بأسًا. رواه النسائي وابن ماجه والدارقطني، وإسناده على شرط مسلم.

 وعن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: نهى عمر عن بيع أمهات الأولاد فقال: لا تباع، ولا توهب ولا تورَث، يستمتع بها سيدها ما بدا له، فإذا مات فهي حرة، رواه مالك في الموطأ والبيهقي وهذا لفظه، وقال: وغلط فيه بعض الرواة عن عبد الله ابن.. فرفعه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهو وهم لا يحل ذكره.

 وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: جاءتني بريرة فقالت: كاتبت أهلي على تسع أواقٍ، كل عام أوقية فأعينيني، فقلت: إن أحب أهلُك أن أعدها لهم ويكون ولاؤك لي فعلتُ، فذهبت بريرة إلى أهلها فقالت لهم، فأبوا عليها، فجاءت من عندهم ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- جالس فقالت: إني عرضت ذلك عليهم فأبوا إلا أن يكون الولاء لهم، فسمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأخبرت عائشة النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: «خذيها واشترطي لهم الولاء، فإن الولاء لمن أعتق»، ففعلت عائشة، ثم قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: «ما بال رجال يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله؟ ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط، قضاء الله أحق، وشرط الله أوثق، وإنما الولاء لمن أعتق»، متفق عليه، وهذا لفظ البخاري، وعند مسلم: فقال لي: «اشتريها واعتقيها، واشترطي لهم الولاء».

 وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بيع فضل الماء، رواه مسلم.

 وفي لفظ له: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بيع دراب الجمل، وعن بيع الماء. وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن عسْب الفحل، ورواه البخاري.

 وعنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيع حبل الحبلة، وعن بيع يتبايعه أهل الجاهلية، كان الرجل يبتاع الجزور إلى أن تنتج..

وكان..

وعنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيع حبل الحبلة وكان بيعًا يتبايعه أهل الجاهلية، كان الرجل يبتاع الجزور إلى أن تنتج الناقة..

إلى أن تنتَج الناقة، ثم تنتَج التي في بطنها، متفق عليه، واللفظ للبخاري.

 وعنه -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيع الولاء وعن هبته، متفق عليه.

 وعنه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر.

 وعنه -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «من اشترى طعامًا فلا يبعه حتى يكتاله فلا يبعه حتى يكتاله»، رواهما مسلم.

 وعنه -رضي الله عنه- قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بيعتين في بيعة رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه.

 ولأبي داود: من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا."

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد،

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في كتاب البيوع من المحرر: "وعن ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابرًا" يعني ابن عبد الله -رضي الله عنهما-: "يقول: كنا نبيع سرارينا أمهات أولادنا والنبي -صلى الله عليه وسلم- حي لا نرى بذلك بأسًا، رواه النسائي وابن ماجه والدارقطني وإسناده على شرط مسلم" عن ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير وعن ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير صرح ابن جريج بالإخبار، وأنه أخذه من أبي الزبير بلا واسطة فأُمِنَ ما كان يخشى من تدليسه، وكذلك أبو الزبير محمد بن مسلم بن تدرس المكي معروف بالتدليس، لكنه صرح بالسماع.

 أنه سمع جابرًا -رضي الله عنه-: فأُمِنَ بذلك ما يُخْشَى من تدليسه لاسيما، وأن الحديث خارج الصحيح لو كان الحديث في صحيح مسلم مثلاً في الرواية عن أبي الزبير عن جابر ما قيل مثل هذا الكلام؛ لأنه لا يشترط في أحاديث الصحيحين أن يصرِّح المدلسون فيها بالتحديث؛ لأنها محمولة على الاتصال، أما هنا والحديث في خارج الصحيح رواه النسائي وابن ماجه والدارقطني فلا بد من التصريح بالتحديث، وقد حصل فابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير، وأبو الزبير قال: إنه سمع جابرًا -رضي الله عنهما- "يقول: كنا نبيع سرارينا أمهات المؤمنين"، وقول الصحابي: كنا نفعل إن أضافه إلى عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- فهو مرفوع كما هنا إن أضافه إلى عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- فهو مرفوع، وهنا قال: "كنا نبيع سرارينا أمهات أولادنا والنبي -صلى الله عليه وسلم- حي"، يعني في عهده -عليه الصلاة والسلام- أنه لا ينكر علينا، هو حي لا نرى بذلك بأسًا، كما جاء عنه- رضي الله عنه وأرضاه-: كنا نعزل والقرآن ينزل فلم ينهنا، ولو كان شيئًا يُنهَى عنه لنهى عنه القرآن، يستدلون بذلك بفعلهم في عهده -عليه الصلاة والسلام- في وقت التنزيل على أن الخبر مُقَرّ من الله -جل وعلا- ومن نبيه -عليه الصلاة والسلام-، والإقرار أحد وجوه السنن.

 فالمرفوع ما أضيف إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- من قول أو فعل أو تقرير أو وصف، فالإقرار أو التقرير تثبت به الحجة، كنا نبيع سرارينا، أمهات الأولاد، السُّرِّيَّة الأمة الرقيقة، ويقصدون بذلك أمهات الأولاد كما جاء موضحًا في الخبر نفسه، وأم الولد هي التي يطؤها السيد فتلد منه ولدًا ذكرًا كان أو أنثى، الولد شامل للذكر والأنثى، فإذا ولدت من سيدها هل تعتق بولادته فيحرم بيعها وعتقها إنما يكون بموته، أما في حال الوفاة فلها أحكام الإماء، فلا يلزم القَسْم لها مع الحرائر في حال الحياة حكمها حكم الإماء، وإذا مات سيدها عتقت بموته.

 "والنبي -صلى الله عليه وسلم- حي لا يرى بذلك بأسًا" يبيعونها، يبيعها سيدها في حال حياته؛ لأنها مازالت في حكم الإماء والإماء تباع، وهذا قول بعض العلماء، وأن أم الولد يجوز بيعها؛ لأنها أمة، والقول الثاني وهو ما دل عليه حديث ابن عمر الحديث الأول مرفوع؛ لأنه مضاف إلى عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- وإقراره وعدم إنكاره، لكن هل يلزم من ذلك أنه اطلع على بيعهم إياهن أو لم يطَّلع هل يلزم من ذلك أنه اطلع أو لم يطلع؟

 ما في الخبر ما يدل على ذلك، لكن كونه في وقت التنزيل لو كان شيء ينهى عنه لنهى عنه القرآن، فيستدل بهذا الخبر المرفوع من يقول بجواز بيع أمهات الأولاد.

 "وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: نهى عمر نهى عمر عن بيع أمهات الأولاد فقال: لا تباع ولا توهب ولا تورث، يستمتع بها سيدها ما بدا له، فإذا مات فهي حرة" يعني في حياته تعامل معاملة الإماء، لكن مقتضى قوله: لا تباع ولا توهب أنها تخالف الإماء في البيع تشبه الحرة في تحريم بيعها وهبتها، وأنها لا تورَث كالحرائر، ويبقى أن لها شبها بالإماء من جهة أنه لا يلزم لها القَسْم بمجرد الولادة، وإنما تكمل حريتها بوفاته.

 "نهى عمر عن بيع أمهات الأولاد فقال: لا تباع ولا توهب ولا تورث يستمتع بها سيدها ما بدا له، فإذا مات فهي حرة" وللخبر قصة، للخبر قصة، وهو أن عمر -رضي الله عنه- سمع صراخًا فقال لمولاه: انظر ما هذا، فإذا بفتاة من قريش تبكي وتصيح وترفع صوتها من أجل أن أمها معروضة للبيع بالمزاد، البنت حرة بنت حر، طيب قد يقول قائل: لماذا صارت حرة والولد يتبع أمه حرية ورِقًّا؟ لماذا صارت حرة البنت والولد يتبع أمه حرية ورقًّا؟

طالب: ..........

نعم، كيف؟

طالب: ..........

لا لا لا.

طالب: ..........

ما أدري والله ماذا تقول، ما أسمع.

طالب: ..........

أبوها مالك الأم فرق بين أن تكون الأمة تحت سيدها يطؤها فولدها حر، وبين أن تزوج الأمة حرًّا فيجوز نكاح الأمة للزواج ملك اليمين معروف مفروغ منه، لكن يجوز أن يتزوج الحر أمة إذا لم يجد طَوْل الحرة، وحينئذ إذا ولدت منه بالزواج فولدها رقيق تبعًا لأمه هذه الفتاة من قريش من ماء مالك، الأم من ماء السيد فهي حرة، فهي حرة، هذا إذا كان بملك اليمين فالولد حر، إذا كان بملك اليمين الولد حر، وإذا كان بالزواج فالزوجة أمة، فإن الولد يتبع أمه في الرق، هذه البنت من قريش التي ولدت من هذه الأمة وهي حرة وأمها تباع معروضة بالمزاد، ومقتضى البيع أن يفرق بينها وبين أمها تذهب الأمة مع من يشتريها، وتبقى البنت عند أبيها وعند إخوانها من أبيها هذا التفريق جعلها تصنع هذا الصياح المرتفع الذي سمعه عمر فأرسل غلامه يرفأ، يستطلع الخبر فقال: هذه هي القصة، فنادى في الناس في المهاجرين والأنصار في مدة يسيرة امتلأت الدار منهم فقال لهم: الله -جل وعلا- ينهى عن القطيعة، قطيعة الرحم، وهذا معروف مقرر في النصوص القطعية من الكتاب والسنة، ينهى عن القطيعة قال -رضي الله عنه- وأي قطيعة أن يفرق بين الأم وولدها وافقوها على قوله هذا فنهى عن بيع أمهات الأولاد؛ لأنه يستلزم القطيعة، والقطيعة محرم، وإذا كان اللازم محرمًا، فالملزوم محرم، إذا كان اللازم محرمًا فالملزوم محرم، القصة فيها كلام لأهل العلم في مسألة ثبوتها، لكن ما يلزم في السبب أن يكون في القوة مثل المسبَّب الذي يُستنبط منه الحكم الذي يؤخذ منه الحكم.

 نعم السبب له دور في فهم الخبر، وبعض القيود التي يقيَّد بها الخبر إذا عورض يرجع في ذلك إلى السبب، لكن لا يلزم أن يكون من حيث الثبوت مثل الخبر الأصلي الذي يشتمل على الأحكام نهى عمر عن بيع أمهات الأولاد، طيب ماذا عن خبر جابر، وهو في حكم المرفوع؟ الآن لما نهى عمر -رضي الله عنه- عن بيع أمهات الأولاد، هل هو يستند في ذلك إلى خبر مرفوع؟

يستند في ذلك إلى خبر، يمكن عنده خبر، عنده حديث؟ ليس عنده حديث بدليل أنه اجتهد في المسألة، وجمع المهاجرين والأنصار لها، ولو كان عنده دليل يدل على المنع ما جمعهم لها، واستنباطه واستدلاله صحيح وقوي، يستند إلى النصوص القطعية التي تنهى عن القطيعة، والتفريق بين الأم وولدها قطيعة، لكن ماذا عن حديث جابر المتقدم: كنا نبيع، وجاء في بعض الأخبار أنهم كانوا يبيعونها في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام-، وفي عهد أبي بكر، وفي أول خلافة عمر إلى أن حصلت هذه القصة فنهى عمر -رضي الله عنه-، وله نظائر لهذا العمل منه- رضي الله عنه وأرضاه- نظائر طلاق الثلاث كان في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- واحدة، وفي عهد أبي بكر واحدة، وفي صدر من خلافة عمر واحدة، ثم رأى الناس تلاعبوا بأحكام الله، فأمضاه عليهم، ولذلك نظائر لا نطيل بذكرها.

 لكن هل بمثل هذا تثبت الأحكام التي فيها نصوص مرفوعة؟ الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ»، ويقول «اقتدوا باللذَين من بعدي أبي بكر وعمر»، لكن متى يقال أو يرد مثل هذا؟

 إذا خلت المسألة من نص مرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، أما ما يضاف إليه -عليه الصلاة والسلام- فلا يعارَض بقول أحد كائنًا من كان، جماهير أهل العلم على أن أم الولد لا تباع، على أن أم الولد لا تباع، كما أن جماهير أهل العلم على وقوع طلاق الثلاث الذي أمضاه عمر والنصوص الصحيحة تدل على أنه في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- الثلاث واحدة، وفي عهد أبي بكر الثلاث واحدة، وفي صدر خلافة عمر، الثلاث ثلاث أمضاه، ولذا يرجح شيخ الإسلام ابن تيمية أن الثلاث بلفظ واحد واحدة، وهو المفتى به الآن؛ لأن العمل على ما يضاف إليه -عليه الصلاة والسلام- دون ما يضاف إلى  غيره، منهم من يقول: إن عمر جمع المهاجرين والأنصار، وحكم بهذا فاكتسبه حكمه القطعية؛ لاتفاقهم على ذلك، لاتفاقهم على ذلك، والاتفاق الذي هو الإجماع حجة عند أهل العلم ومقدَّم عند بعضهم على النص؛ لأنه لا يحتمل نسخًا ولا تأويلاً، لا يحتمل نسخًا ولا تأويلاً، لكن هل الإجماع بذاته حجة أو مستند الإجماع الذي يستند إليه لا بد للإجماع من مستند ولو لم نطلع عليه، لا بد أن يكون هناك مستند ولو لم نطلع عليه.

 ولعل منه ما معنا، ولعل منه ما فعله عمر في طلاق الثلاث، وهذا لا شك أن الأنظار تتباين في مثل هذا، والمعوَّل على ما يضاف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-.

 كيف عدل الجمهور عن حديث جابر إلى حديث عمر، مع أن حديث جابر مرفوع، وحديث عمر موقوف عليه، صحيح موقوف، وضعيف ووهم رفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، كيف عدل الجمهور في هذا وفي طلاق الثلاث عن المرفوع إلى الموقوف؟

مثل ما قلنا: اتفاق الصحابة -رضوان الله عليهم- على ما جمعهم عليه عمر عندهم حجة؛ لأنه إجماع، لكن القول الثاني وهو أن العبرة بالمرفوع، ولا يخالف ولا يخالَف بقول أحد كائنًا من كان ولو كان عمر -رضي الله عنه-، عمر على العين والرأس، وخليفة راشد أمرنا بالاقتداء به، لكن في حال المعارَضة فالعبرة بما يثبت عنه -عليه الصلاة والسلام-، وأما إذا خلت المسألة من نص مرفوع فقول عمر حجة، قول أبي بكر حجة، قول عثمان حجة، وعمل الناس بما صنعه عثمان -رضي الله عنه- من الأذان الأول يوم الجمعة قول علي -رضي الله عنه وأرضاه- حجة إذا خلت المسألة عن المرفوع، وخلا عن المعارِض ممن هو نظيره ممن أمرنا بالاقتداء به.

 على كل حال هذه المسألة جمهور أهل العلم على أن أم الولد لا تباع ولا توهَب ولا تورَث؛ لأنها حرة، وجاء الوعيد الشديد على من باع حرًّا وأكل ثمنه، ألا يمكن أن يحمل البيع على ما كان حال حياة السيد والنهي عنه فيما بعد وفاته؛ لأنها عتقت بوفاته وفي حال حياته هي أمة، وأحكام الإماء جارية عليهم؟ لكن الجمهور لا يرون بيعها بمجرد الولادة، وجاء عن ماريا القبطية أم إبراهيم جاء فيها أنها أعتقها ولدها، وإن كان الخبر فيه ضعف، لكن هو شاهد أن أمهات الأولاد لا يُبَعْن، ولا يورَثْن، ولا يوهبن، وبهذا قال جماهير أهل العلم.

 "رواه مالك في الموطأ، والباقي وهذا لفظه قال: وغلط فيه بعض الرواة فرفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهو وهم، لا يحل ذكره".

 يعني رفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، كيف نجيب عن خبر جابر، قول جابر في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- يدل على أنه قاله في عهده، أو بعد وفاته - عليه الصلاة والسلام-؟

طالب: .................

 نعم يدل على أنه قال بعد وفاته، وأن النبي -عليه الصلاة والسلام- توفي والحكم متقرر عند جابر أنها تباع، لكن لا يمنع أن يكون هناك ناسخ لم يطلع عليه جابر - رضي الله عنه وأرضاه-.

"وعن عائشة- رضي الله عنها- قالت: جاءت بريرة فقالت: كاتبتُ أهلي على تسع أواقٍ في كل عام أوقية".

 الكتابة هي بيع الرقيق على نفسه، هي بيع الرقيق على نفسه {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً} [سورة النــور:33] يعني إذا طلب الرقيق المكاتبة يجاب إلى طلبه بشرط أن يُعلَم أو يؤنس منه الخير، وأنه لا يجلس عالة يتكفف الناس أو يضيع، فإذا أُوْنس منه الخير فإنه يكاتَب على خلاف بين أهل العلم في مقتضى الأمر في قوله: {فَكَاتِبُوهُمْ} [سورة النــور:33] هل هو للوجوب كما هو الأصل أو للاستحباب؛ لأن الإنسان لا يلزَم بمفارقة ما يملكه، لا يلزم إلا بطوعه واختياره، فيندب إلى ذلك، والقول بالاستحباب قول الأكثر.

 "كاتبتُ أهلي على تسع أواقٍ في كل عام أوقية" يعني على مبلغ تسع أواقٍ، والأوقية أربعون درهمًا، ثلاثمائة وستون درهمًا مُنجَّمة مقسَّطة على تسع سنوات، في كل سنة أوقية، واشترط بعض أهل العلم التنجيم أن تكون نجومًا وأقساطًا، ولا تكون بثمن يدفع جملة واحدة؛ لأن هذا يشق على الرقيق تحصيله، ثم في النهاية يعجز فيعود رقيقًا، فلا يستفيد من هذه المكاتَبة، ومنهم من يقول: يجوز، وكون الحادثة قصة بريرة وقعت على هذا لا يعني أن هذا أمر لازم، والآية مجمَلة تكاتَب على نجم واحد أو على نجوم أو على نجمين أو أكثر.

 "على تسع أواقٍ في كل عام أوقية، فأعينيني" يعني ساعديني بشيء من المال أدفعه لأهلي الذين كاتبوهم، مواليها أهلها هنا مواليها، فأعينيني تطلب من عائشة العون، وعائشة معروفة أنها من أهل البذل، من أهل البذل حتى إن سائلاً طرق بابها وهي صائمة، وليس عندها إلا رغيف واحد كما في الموطأ فقالت للجارية أعطيه إياه، طيب أنت صائمة ماذا تفطرين عليه؟! فأعطتها إياه، ومع الغروب طرق الباب شخص ليس من عادته أن يهدي ولا يتصدق، ليس من عادته أن يهدي، فأهداهم كبشًا مكفنًا، وهذا في الموطأ بسند صحيح.

 عائشة -رضي الله عنها- لا ترد سائلًا، فجاءتها بريرة فطلبت منها الإعانة. "فأعينيني، فقلتُ" تقول عائشة: "إن أحب أهلك" يعني مواليك الذين كاتبوك على تسع أواقٍ منجمة تسع سنوات، "إن أحب أهلك أن أعدها لهم" تسع أواقٍ نقدًا، وهذا أفضل مما فعلوا لا أقل تسع سنوات يأخذونها في المكاتبة دفعة واحدة.

 "إن أحب أهلك أن أعدها لهم، ويكون ولاؤك لي، ويكون ولاؤك لي فعلتُ"، طيب الأحكام المتعلقة بالولاء في غير الإرث، حرص عائشة على الولاء، ويكون ولاؤك لي من أجل إيش؟

طالب: ..........

من أجل أن تعتقها مجانًا فيكون أجر العتق لها، لكن مع ذلك من أحكام الولاء الإرث.

أسباب ميراث الورى ثلاثة

 

كل يفيد ربه الوراثة

وهي نكاح وولاء ونسب

 

......................

فالولاء من أسباب الإرث، لكن هل يظن بعائشة أنها أرادت أن تفعل هذا الفعل لتعتقها وتحررها وتخفف عن كاهلها هذا الدَّين الذي يستمر تسع سنوات، أو من أجل الإرث؟

لا يُظَن بها، لكن كون هذه مولاة لعائشة تعترف لها بالفضل، وتعتقد أنها صاحبت منَّة عليها، وعائشة تتقرب بهذا إلى الله- جل وعلا- لا شك أنه أحسن من أن تعطيها المبلغ وتقول: اذهبي ولاؤك لأهلكِ.

 "ويكون ولاؤك لي فعلتُ، فذهبت بريرة إلى أهلها، فذهبت بريرة إلى أهلها" تقول لهم ما قالت عائشة، "فقالت لهم فأبوا عليها" تعطينا الثمن الآن، والولاء لنا.

 "فقالت لهم فأبوا عليها، فجاءت من عندهم ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- جالس فقالت: إني عرضت ذلك عليهم" قالت له: إن عائشة تقول: أعد لها، والولاء لي فقالت "إني عرضت ذلك عليهم فأبوا" رفضوا "إلا أن يكون الولاء لهم، فسمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبرت عائشةُ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم"- ما يكفي إحدى الجملتين؟ فسمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعني ما قالت بريرة لعائشة، فأخبرت عائشةُ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم-، قد يكون النبي -عليه الصلاة والسلام- سمع آخر القصة، فأخبرته عائشة بالقصة كاملة.

 "فقال «خذيها»" خذي بريرة، يعني أعطيهم الثمن، عُدِّي لهم الثمن، «خذيها واشترطي لهم الولاء، فإن الولاء لمن أعتق» خذيها مولاة لكِ، «واشترطي لهم الولاء، فإن الولاء لمن أعتق»، الآن عائشة تريد أن تعد القيمة في مجلسها دفعة واحدة لمجرد الولاء، أو لتستمر بريرة رقيقة؟ «خذيها» ما معنى خذيها؟ خذيها رقيقة لكِ؟ لا؛ لأنها بمكاتبتها ودفع القيمة تحررت، عتقت، وما يبقى في ذلك إلا الولاء، «خذيها واشترطي لهم الولاء، فإن الولاء لمن أعتق»، «خذيها» انقدي لهم الثمن وخذيها، واشترطي لهم الولاة، لكنه شرط باطل، «فإن الولاء لمن أعتق».

 استشكل أهل العلم هذا التصرف، بحثوا له عن مخارج؛ لأنه «خذيها، واشترطي لهم الولاء» كأنها فيها غرر عليهم، فيه تغرير لهم، لكن هل يُظَن هذا بالنبي -عليه الصلاة والسلام-؟ حاشا وكلا، فمن أهل العلم كالإمام الشافعي يقول: إن اللام بمعنى على اللام بمعنى على «اشترطي لهم» يعني اشترطي عليهم الولاء، {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [سورة الإسراء:7] يعني عليها، {يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ} [سورة الإسراء:107] يعني على الأذقان، وهذا معروف في الكتاب، وفي اللغة تأتي اللام بمعنى على، ومن أمثلتها ما ذكرنا {يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ} [سورة الإسراء:107] يعني على الأذقان.

 اشترطي لهم يعني عليهم، لكن هل هذا الجواب متجه؟ اشترطي عليهم، هم رفضوا، اشترطت عليهم هم رفضوا، فهل نقول: إن معناها خذي واشترطي عليهم الولاء؟ سيرفضون ثانية، فاللام وإن جاءت بمعنى على إلا أن السياق لا يساعد، بدليل أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لو أنها اشترطت عليهم وقبلوا ما احتاج إلى خطبة، ما احتاج الأمر إلى خطبة، فإن الولاء لمن أعتق. طيب إذا قلنا: اشترطي لهم الولاء، والشرط الباطل، باطل ما يستفيدون منه، لكن في محتواه شيء من الخديعة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- بريء من مثل هذا التصرف، لكنه أراد أن يعاقِبَهم بمثل هذا؛ لأنهم اشترطوا شرطًا باطلاً، وسبق أن بلغهم أن الولاء لمن أعتق في مناسبات، ومع ذلك اشترطوا الولاء والمعتِق عائشة، فخالفوا ما بلغهم عنه -عليه الصلاة والسلام-، فأراد أن يثبت الخبر؛ لأن مسألة الولاء لمن أعتق قالها مرارًا، وخالفوا، فنحتاج إلى مزيد قوة في الخبر ليُمتثَل.

 "«فإن الولاء لمن أعتق»، ففعلت عائشةُ، ثم قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الناس فحمد الله وأثنى عليه" كما هي عادته، وكما هو معلوم من أركان الخطبة أنها تُبدَأ بالحمد والثناء على الله -جل وعلا-.

 "ثم قال: «أما بعد»" سقطت من بعض النسخ، وهي موجودة في بعض، أما بعد، وهذه كثيرًا ما يقولها النبي -عليه الصلاة والسلام-، بل ثبتت عنه في اثنين وثلاثين موضعًا قالها في خُطَبه ومكاتباته -عليه الصلاة والسلام- «أما بعد».

 يقول: «ما بال رجال» ولا بد من دخول الفاء على جواب أما، «أما بعد فما بال رجال»، «أما بعد فإن أحسن الحديث كلام الله»، «أما بعد فما بال رجال» عندنا في النسخة ما فيها فاء باعتبار أن أما بعد محذوفة فأضيفت من بعض النسخ ووضعت بين قوسين، ولم يُضف مقتضاها وهو اقتران جوابها بالفاء.

 «فما بال رجال يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله، شروطًا ليست في كتاب الله» يعني في حكمه وما جاء عنه، وهو أعم من أن يكون في القرآن أو في السنة، يعني شروطًا ليست جارية على حكم الله، بل مخالفة لأحكام الله.

 «ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط» يعني أكد بمائة مؤكد أو عدة الشروط وبلغت مائة وليست في كتاب الله فإنها كلها باطلة.

 «قضاء الله أحق، وشرط الله أوثق» أوثق من شروط الناس، طيب الفقهاء يقولون: إن شروط الواقف مثل نص الشارع مثل نص الشارع، فلو وجدنا في وثيقة وقف أو وصية ما يخالف كتاب الله فهل نغيِّر أو لا نغيِّر؟

نغير، «قضاء الله أحق، وشرط الله أوثق»، {فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ} [سورة البقرة:182]، مع أنه لو عدل أو بدل من غير مخالفة على المعدل أو المبدل فإنما إثمه على الذين يبدلونه، «قضاء أحق، وشرط الله أوثق، وإنما الولاء لمن أعتق، وإنما الولاء لمن أعتق» إنما حصر ليس لغيره، ليس لغيره.

 «قضاء الله أحق، وشرط الله أوثق» الشروط هناك شروط للعقد، وشروط في العقد، شروط للعقد يعني لصحته، وشروط فيه يشترطها بعض المتعاقدين على بعض، هذه هي التي يجب أن تكون على مقتضى حكم الله -جل وعلا-، «وإنما الولاء لمن أعتق»، فأهلكِ ومواليكِ ليس لهم شيء، أخذوا قيمتك، صارت بيعًا وليس عتقًا.

 "متفق عليه، وهذا لفظ البخاري" وفي حديث بريرة أحكام كثيرة جدًّا، وفيه سنن جاء ذكرها في الصحيح وغيره.

 "وعند مسلم قال: «اشتريها وأعتقيها، اشتريها وأعتقيها»" يعني أنها ليست بمجرد دفع قيمتها عتقت، وإنما كأن عائشة اشترتها من أهلها بالأواقي التسع المنقودة، ثم أعتقتها بعد ذلك، فلو لم تعتقها للبثت رقيقة لها، «اشتريها وأعتقيها، واشترطي لهم الولاء» الآن بنقد القيمة مقدَّمة ثبت الشراء من عائشة أو لعائشة من مواليها، ثبت الشراء وإن اشترتها تكون حرة أم رقيقة؟ رقيقة بدليل قوله: «وأعتقيها»، والأمر هنا «اشتريها وأعتقيها» أمر إلزام أم ليس بإلزام؟

طالب: ..........

اشتريها يعني لو أن عائشة لما رفضوا أن يكون الولاء لها رفضت أن تدفع الثمن، وانتهت القصة على هذا، يلزمها أن تشتري؟

طالب: .................

طيب الأمر هنا هل مفاده الاستحباب أو الإباحة؛ لأنه في الأصل لا يلزمها أن تشتري، لا يلزمها، ليس عليها عتق رقبة كفارة ولا نذرت أن تعتق، فلا يلزمها، الآن لو أن الولد قال لوالده وهو يبحث عن سيارة فوجد سيارة هذه مواصفاتها فقال له أبوه: اشتر هذه السيارة، هل يدل هذا على أنه يأمره بشرائها، أو يبين له أن هذه السيارة مناسبة، مناسبة لا يلزمه بشرائها، وهنا اشتريها وأعتقيها يعني اصنعي ما كنت تريدين فعله، اصنعي ما كنت تريدين فعله من نقد الثمن وشرائها ثم عتقها «اشتريها وأعتقيها واشترطي لهم الولاء»، وفيه ما تقدم.

 قال -رحمه الله-: "وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بيع فضل الماء، نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بيع فضل الماء".

 شخص عنده ماء قدر زائد على حاجته، ثم جاءه محتاج لا يجوز له أن يبيع عليه من هذا الماء الزائد، لكن هل كل المياه حكمها واحد؟

الماء إذا لم يُتعَب عليه في فلاة، في أرض له في فلاة، ما حازه وتعب على نقله وعالجه بالآلات وإلا فكل واحد يمر بمحلات تعبئة المياه هذه التي تعالَج بالمكائن وغيرها يحمل منها ما شاء هل هذا الكلام صحيح؟

لا، والناس شركاء في ثلاث: في الماء والكلأ والحطب في الماء والكلأ والحطب هذا الرجل الذي قال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: «خذ حبلاً واحتطب» ذهب إلى الفلاة، وجمع الحطب وربطه في هذا الحبل، وجاء به إلى المدينة، وجاء واحد يريد أن يأخذه مجانًا وقال الرسول: أنتم شركاء في ثلاث صحيح؟ ممكن؟

لا، الناس شركاء في ثلاثة فيما إذا كانت متاحة ومباحة، أما إذا تعب عليها وحازها إلى رحله وعالجها بالمال وإلا فما معنى أن يأخذ حطبًا ويحتطب ويجيء بها إلى المدينة ثم يؤخذ منه مجانًا؟ ما استفاد، والماء مثله، والعشب مثله الكلأ.

 "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بيع فضل الماء" القدر الزائد عن حاجتك، عندك مزرعة، ثم جاء الوادي ومر بها فحبسته عن جارك لتبيعه عليه هذا لا يجوز بحال أن الماء تسقي وترسله إلى جارك، كما في حديث الزبير، وكذلك لو كان عندك غدير من الماء ولو كان في أرضك المملوكة، ثم جاء أحد يستقي منه أو يشرب أو يتوضأ فليس من حقك أن تمنعه، ولا تبيع عليه بيعًا، لكن إذا أحضرت العمّال والأواني وآلات التصفية ومحلات التخزين، ثم جاء من يقول: الناس شركاء في ثلاث، أو نهى عن بيع فضل الماء، نعم يبقى أمر الإرشاد قائمًا، عندك ماء زائد يقول فلان من الناس: أعطني تعطيه، هذا مما ينبغي أن يتبادله الناس بغير مقابل، نهى عن بيع فضل الماء.

 "رواه مسلم، وفي لفظ له" يعني لمسلم: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بيع ضراب الجمل، عن بيع ضراب الجمل".

 والمراد به نزوه على الناقة على الأنثى، فيأتي محتاج إلى تضريب الناقة وما يتعلق بالإبل يقال له ضراب وتضريب، يعني هو في مقابل الجماع في بني آدم، نهى عن بيع ضراب الجمل، ما يؤخذ عليه أجرة، ما يؤخذ عليه أجرة؛ لأن هذا مما ينبغي أن يسود بين المسلمين إرفاقًا لا بيعًا، ويتعافاه الناس ويتداولونه بينهم بغير مقابل، فإذا حصل مثل هذا فإنه لا يجوز أخذ الأجرة عليه. الآن الواقع الذي يعيشه الناس بعض الناس يصير عنده جمل مشهور ومعروف وبُذِلت فيه الأموال الطائلة، فإذا عمل صاحبُه بهذا التوجيه بهذا النهي أنهكه الناس، كل واحد عنده ناقة يريد أن يضربها هذا الجمل، وهذا يتعبه وينهكه، وذاك ما بذل فيه الأموال الطائلة إلا من أجل نسله، قد لا يكون عنده من النوق ما يقابل قيمته فيؤجره على الناس، لكن النهي صحيح صريح، نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بيع ضراب الجمل، ويكون نهي تنزيه، كراهة تنزيهية؛ لأنه دفع فيه الأموال، وينبغي أن يتداول مثل هذا بين الناس من غير أجرة كالحجامة مثلاً كالحجامة النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: «كسب الحجام خبيث»، يريد أن لا يكسب الحجام من حجامته، وإنما يعين إخوانه بالحجامة المجانية، وليس خبيثًا يعني حرامًا بدليل أن النبي -عليه الصلاة والسلام- احتجم وأعطى أبا طيبة الحجام دينارًا، ولو كان حرامًا ما أعطاه.

 مثل هذه الأمور التي ينبغي أن يتداولها الناس فيما بينهم من غير مقابل؛ لتسود المودة والمحبة بين المسلمين.

 قال: "وعن بيع الماء" الآن ماء الجمل، ماء الفرس الأصيل يؤتى به من الآفاق، ويتعب عليه، ويوضع في حوافظ ودرجات حرارة معينة، ويباع بالمبالغ الطائلة، هل نقول: يدخل في هذا أو لا يدخل؟

 الأصل أنه داخل؛ لأنه لا يخرج عن كونه ضراب جمل، ولا يخرج عن كونه عسب فحل، ومثل ما قيل في السابق إنه إذا تعب عليه فأقل الأحوال الأتعاب.

 وعن بيع الماء، وقد تقدم.

 "وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن عسب الفحل" وهو ماؤه الذي ينتج عن نزوه على الأنثى، والمراد بعسبه أخذ الأجرة مقابل وقوعه على الأنثى، وقد تقدم.

 "رواه البخاري.

 وعنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيع حبل الحبلة" بتحريك الباء، وقد تسكن حبل الحبلة، والحبل هو الحمل، هو الحمل، والأصل أن الحبَل إنما يقال للأنثى من بني آدم إذا حملت يقال: حُبْلى، ولا يطلق على البهائم، لكن هذا الحديث دليل على جواز إطلاقه على غير الآدميات ."نهى عن بيع حبَل الحبلة" يعني ما يلده، ما في بطن هذه الناقة، الحمل لا يجوز بيعه؛ لأنه مجهول وغير مقدور على تسليمه، فكيف بحمل الحمل؟ حبل الحبلة هذا أشد جهالة، أشد جهالة.

 "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيع حبل الحبلة، وكان بيعًا يتبايعه أهل الجاهلية، كان بيعًا يتبايعه أهل الجاهلية، وكان الرجل يبتاع الجزور إلى أن تُنتَج الناقة".

 تُنتَج بالبناء للمجهول، ولا سُمِع هذا الفعل إلا على هذه الصيغة، ما سمع هذا الفعل إلا على هذه الصيغة بالبناء للمجهول، وهو والمراد به البناء، الإضافة إلى المعلوم، فالناقة فاعل، وليست بنائب فاعل، لكن هذه الصيغة ما وردت أو هذا الحرف من كلام العرب لم يرد إلا بهذه الصيغة وهي البناء للمجهول تُنتَج ..

ماذا عندكم؟

ضبطها إلى أن تَنتُج الناقة وما سمع إلا بالبناء للمفعول.

طالب: ..........

الضمة على إيش؟

طالب: ..........

على التاء الثانية.

طالب: ..........

والثانية.

طالب: ..........

تُنتِج خطأ.

طالب: ..........

مفتوحة صح.

فأول الفعل اضممن والمتصل

 

بالآخر اكسر في مضي كوصل

واجعله من مضارع منفتحا

 

كينتحي المقول فيه يُنتَحى

"إلى أن تُنتَج الناقة ثم يُنتَج التي في بطنها، تُنتَج التي في بطنها" بيع الحمل لا شك أنه مجهول وغير مقدور على تسليمه قد يقول قائل: إن الجهالة قد تنتفي في هذا الوقت الذي وُجدت فيه الآلات الدقيقة التي تحدد الحمل ونوعه وسلامته من الآفات، الآن يقولون: إن عندهم آلات تُبيِّن ما في الحمل من عيوب في بداياته حتى قالوا في الأربعين، قالوا: إنهم يعلمون ذلك، فماذا أبقوا لله -جل وعلا- من المغيبات الخمس؟!

على حد زعمهم علمًا بأنهم أَخبروا مرارًا عديدة أن الحمل ذكر، ويخرج العكس في الأيام الأخيرة من الحمل يقولون: ذكر، ثم يتبين أنه أنثى والعكس، {إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ} [سورة لقمان:34]، قد يكون يعلم، لكن غيره أيضًا قد يعلم الحديث المفسِّر لهذه الآية في البخاري وغيره «في خمس لا يعلمهن إلا الله»، ويبقى أنهم لو أخبروا في ما يخالِف قول الله -جل وعلا- وقول نبيه -عليه الصلاة والسلام- فنقول لهم: كذبوا ولو صدقوا؛ لأن العبرة بما جاء في الكتاب والسنة.

 طيب الثلاثة الذين رأوا الزاني يزني بامرأة، رأوهم بأعينهم الزنا الحقيقي، ما جاؤوا برابع، قولهم مطابق للواقع، هل نقول: صدقوا أم كذبوا؟ {فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [سورة النــور:13]، ولو طابق قولهم الواقع.

 أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيع حبل الحبلة، ولو اطُّلِع على ما في بطنها العلماء في مصطلح الحديث قرروا أن الحمل يُعلَم في باب الإجازة، الإجازة للحمل قالوا أنه يُعلَم هل معناه مخالفة ما ذكره الله- جل وعلا- في خمس ويعلم ما في الأرحام في خمس لا يعلمهن إلا الله هم مرادهم بقولهم: يُعلَم أنه يعامَل معاملة المعلوم في الإجازة أنه يعامل معاملة المعلوم في الإجازة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيع حبل الحبلة، طيب مات الأب وفي بطن الأم حمل، وفي بطن الأم حمل، وأراد الورثة قسمة التركة فما الذي يفعله أو ما الذي ذكره العلماء في ميراث الحمل؟

 أنه يُجعَل له الأحظ من ميراث ذكرين أو أنثيين، طيب اذهب للطبيب ويقول لك: إنه ذكر أو أنثى، واحد أو اثنان وانتهى الإشكال، هل نعمل بمثل هذا في قسمة التركات أو نعمل بما قاله أهل العلم؟ بما قاله أهل العلم.

 "وكان بيعًا يتبايعه أهل الجاهلية، كان الرجل يتبايع الجزور إلى أن تنتج الناقة، ثم ينتج الذي في بطنها" مفهوم الخبر أنهم يجعلونه أجلًا لحلول الدين، حلول الدَّين إذا أنتج أو إذا نُتِج ما في بطن هذه الدابة يجعلونه أجلًا، لكن من يعلم متى تجد أو يعلم متى يحبل ما في بطنها، ثم يلد أجل مجهول وسواء قيل: إن المراد بيع ما في بطنها، أو ما يحمل به ما في بطنها أو يكون الأجل إلى ولادتها أو ولادة ما في بطنها كل هذا فيه من الغرر والجهالة ما يجعله ممنوعًا فنهى عنه النبي -عليه الصلاة والسلام-.

 "متفق عليه، واللفظ للبخاري.

 وعنه -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيع الولاء، وعن هبته"، الولاء لُحمَة كلُحْمَة النسب، الولاء لحمة كلحمة النسب، نهى عن بيع الولاء، ومع ذلك أراد موالي بريرة أن يبيعوها على عائشة، فإذا ثبت الولاء لأحد بعتق أو مكاتبة أو ما أشبه ذلك فإنه لا يجوز له أن يبيعه، لا يجوز له أن يبيعه، ولا يهبه لأحد، لا يبيع الولاء؛ لأنه كالنسب، النسب يباع أم ما يباع؟ يجوز أخذ المقابل من الدراهم والدنانير عليه؟ لا يجوز، وبعض الناس ممن لا نسب له أو ممن أضاع نسبه يذهب إلى بعض الجهات فيدفع لهم شيئًا من المال، ويثبتون نسبه، يجوز أم ما يجوز؟ لا يجوز، الولاء لا يجوز بيعه، وقد شُبِّه بالنسب، فالنسب من باب أولى فالولاء لحمة كلحمة النسب. "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بيع الولاء وعن هبته، متفق عليه.

 وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بيع الحصاة".

 ذكروا صورًا كثيرة لبيع الحصاة، نهى عن بيع الحصاة إما أن يقال: خذ هذه الحصاة فانبذها فأي ثوب تقع عليه فهو لك بكذا، أو انبذها في هذه الأرض فأي مسافة تقف عندها فهي عليك بكذا، إلى صور عديدة ذكرها العلماء، وهذا البيع منهي عنه، نهى عن بيع الحصاة؛ لوجود الغرر، أو ارم هذه الحصاة على هذا القطيع من الغنم أو من الإبل، فأي رأس تقع عليه فهو عليك بكذا، قد تقع على الجيد، وقد تقع على الرديء، والمبلغ محدد قبل العلم بالمبيع، هذا فيه غرر، وفيه جهالة، فلا يجوز التعامل به، وثبت النهي عنه.

 "وعن بيع الغرر" من باب عطف العام على الخاص، فبيع الحصاة فيه غرر وجهالة، ثم بعد ذلك كل ما فيه غرر وجهالة فإنه لا يجوز التعامل به والتنصيص على بيع الحصاة؛ لأن العرب كانوا يتعاملون بهذه المعاملة، فجاء التنصيص عليها وإلا جميع أنواع الغرر المؤثِّر، الغرر المؤثِّر منهي عنه، أما غرر لا يؤثِّر، وجرى التعامل به بين الناس أو صعب الوصول إلى حقيقة الأمر فمثل هذا تعامَل به الناس وأُقِرَّ في الشرع؛ لأنك لو اشتريت دارًا، وأردت أن تنظر أساسات هذه الدار وما في ثنايا الجدران والعمُد من الحصى ومن الطين واللبن والنوع وما أشبه ذلك تهدم البيت كله حتى تطلع على كل شيء لا بد فمثل هذا الغرر معفو عنه، والأصل أن البيت مادام قائمًا فهو على أساس.

 "وعنه- رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «من اشترى طعامًا فلا يبعه حتى يكتاله، من اشترى طعامًا فلا يبعه حتى يكتاله»".

 يعني من اشتراه كيلاً فلا يبعه حتى يستوفيه بالكيل، فالمكيل إنما يستوفى بالكيل، ويتم قبضه واستيفاؤه بالكيل، لكن إذا اشتراه صبرة، كومة من الطعام يلزم كيله أم ما يلزم وباعه صبرة لا يلزم كيله، لكن لا يجوز له أن يبيعه، وهو في مكانه حتى يحوزه إلى رحله ويستوفيه بالقبض المعتبر في مثله، والاستيفاء والقبض كل شيء بحسبه، وجاء في الحديث الصحيح: نهى أن يُبتاع الطعام حتى يحوزه التجار إلى رحالهم، وجاء في لفظ: نهى أن تبتاع السلع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم؛ لما روى ابن عباس حديث حيازة الطعام إلى الرحل قال: وما أظن باقي السلع إلا مثله مثل الطعام.

 وعلى كل حال التشديد في الطعام أكثر من غيره، وعلى هذا فلا بد من نقل المبيع إذا كان منقولاً عن مكانه الذي بيع فيه للمرة الأولى حتى يباع في مكان آخر ويحوزه المشتري إلى مكان آخر، فيبيعه هناك، والطعام في هذا أشد، بعض السلع لا يمكن نقلها، تقبض مثل هذه بالتخلية، تقبض مثل هذه بالتخلية كالأراضي والأموال الثابتة. «من اشترى طعامًا فلا يبعه حتى يكتاله».

 وعنه -رضي الله عنه- قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بيعتين في بيعة، نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بيعتين في بيعة".

 بيعتين في بيعة إما أن يبيع صنفين مما يباع صفقة واحدة أو يبيع نوعًا واحدًا بثمنين على التخيير كأن يقول: هذا الكتاب لك بعشرة نقدًا وعشرين نسيئة، ويفترقان على هذا، ويترك العقد على هذا الأساس، يفترقان من غير أن يتفقا على أحد الثمنين، هذا لا يجوز، لا بد من أن يستقر الثمن، وأن يكون الثمن معلومًا ويُعقد عليه البيع، نعم له أن يخيره فيقول: لك بعشرة نقدًا، أو بعشرين نسيئة، لكن لا يفترقان إلا وقد حدد الثمن؛ لأنهم لا بد أن يكون الثمن معلومًا، من شروط صحة البيع أن يكون الثمن معلومًا، أما إذا افترقا وأبرما العقد على هذا التردد فإنه لا يصح، وهى "عن بيعتين في بيعة، رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه.

 ولأبي داود: «من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا، فله أوكسهما أو الربا»" أوكسهما يعني أقلهما وأنقصهما ثمنًا، فإذا قال: لك بعشرة نقدًا وبعشرين نسيئة يثبت البيع على الأقل الذي هو العشرة، يثبت البيع على الأقل الذي هو العشرة فله أوكسهما في رواية أبي داود أو الربا، يعني إن كان الأعلى فهو الربا، إما أن يكون العقد على الأقل وحينئذ يكون العقد صحيحًا سالمًا من الربا، أو يكون له الربا بأن اختار الأعلى، وأصر على الثمن الأعلى يكون هذا من باب الربا عن بيعتين في بيعة، بيعتين في بيعة، يبيعه داره على أن يبيعه سيارته، يبيعه داره بخمسمائة ألف على أن يبيعه سيارته بمائة ألف، هذا بهذا، هذه بيعتان في بيعة بعقد واحد، وهي داخلة في النهي.

 ومنهم من يقول: إن هذا بيع وشرط، وليس بيعتين، طيب الإجارة المنتهية بالتمليك، يعني هل المقصود بيعتان عقدان في عقد، فيدخل في ذلك الإجارة المنتهية بالتمليك؛ لأنها عبارة عن عقدين عقد إجارة وعقد تمليك، فيقول: هذه السيارة عليك بسبعين ألفًا، ستين تأجيرًا كل شهر خمسة، ستين تأجيرًا في كل شهر خمسة لمدة سنة، أو كل شهر ألف أو ألفان، ثم بعد ذلك السيارة عليك بعشرة آلاف بيعًا، هذا تأجير منتهٍ بالتمليك، وهما عقدان في عقد واحد، ويدخلان في النهي والبيع النهي أو إبطال مثل هذين العقدين التأجير المنتهي بالتمليك، وهو المفتى به المفتى بمنعه وتحريمه؛ لأن السيارة بعد ستين شهرًا بعد خمس سنوات التي بيعت في ذلك الوقت بعشرة آلاف محددة الآن هل هي معلومة السيارة؟ السيارة معلومة بعد خمس سنوات ما يدرى يقول: ستين ألفًا كل شهر ألف لمدة خمس سنوات، وعشرة آلاف قيمتها، فصارت إجارة لمدة خمس سنوات منتهٍ بالتمليك بعشرة آلاف بعد خمس سنوات، هذه السيارة احتمال أن تكون قيمتها عشرين ألفًا أو ثلاثين ألفًا أو خمسة آلاف أو ثلاثة آلاف؛ لأن الاستعمال لمدة خمس سنوات يختلف من شخص إلى آخر هي إجارة في الخمس سنوات، وبعد ذلك تعود إلى صاحبها، صاحبها يبيعها الآن بمبلغ محدد، وهي مجهولة الصفة في ذلك الوقت في وقت البيع مجهولة الصفة، فلا يدرى هل تستحق عشرة أو عشرين ألفًا أو خمسة آلاف أو ثلاثين ألفًا ما يدرى؛ لأن صفتها في ذلك الوقت مجهولة الآن بعد خمس سنوات استعمال زيد مثل استعمال بكر أو عبيد أو عمرو؟

 بعض الناس استعمالها خمس سنوات لا ينقصها إلا شيئًا يسيرًا، وبعض الناس في ثلاث سنوات تنتهي، يعني وجد من يستعمل السيارة عشر سنوات ويبيعها بمكسب، وجد، يعني مع ارتفاع أقيام السيارات والاستعمال رفيق ما يؤثر في السيارة هذا يختلف عمن استعماله للسيارة لشيء من الشدة والقوة وعدم المراعاة بحيث تنتهي السيارة بسنة أو سنتين، فإذا تمت لها ثلاث سنوات فإما أن تساوي ثلاثة آلاف أو تساوي ثلاثين ألفًا فالجهالة والغرر موجودان، والسيارة والسلعة والمبيع لم ينضبط لا برؤية ولا بصفة، فعلى هذا لا يجوز مثل هذا العقد.

 الأمر الثاني من أسباب المنع لمثل هذا العقد أن الضمان عائد لو تلفت السلعة بعد سنتين والإجارة تمتد إلى خمس سنوات، ثم بعد ذلك يملكها المستأجر بثمن البيع الأخير، ضمانها عائد لو تلفت في أثناء المدة المستأجر يقول: الضمان على البائع؛ لأني أنا المستأجر، وأنا ما فرطت، والثاني يقول: لا، الضمان على المشتري، أنا بائع عليه، فيحصل بذلك النزاع، وكل عقد يفضي إلى نزاع فإنه يمنع في الشرع.

 قد يقول قائل: إن مثل هذا النزاع يحله التأمين، يحله التأمين، فلا نزاع، نقول: التأمين ليس بشرعي، فلا يعوَّل عليه في حل النزاع، إنما يعوَّل على ما شرعه الله -جل وعلا-.

والله أعلم.

 وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"